عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:15 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {المص (1)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {المص}، قال: اسم من أسماء القرآن). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 225]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله -جلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه-: {المص}.
قال أبو جعفرٍ: اختلف أهل التّأويل في تأويل قول اللّه تعالى: {المص}؛ فقال بعضهم: معناه: أنا اللّه أفضل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا أبي، عن شريكٍ، عن عطاء بن السّائب، عن أبي الضّحى، عن ابن عبّاسٍ: {المص}: أنا اللّه، أفضل.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا القاسم بن سلاّمٍ، قال: حدّثنا عمّار بن محمّدٍ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {المص} أنا اللّه أفضل.
وقال آخرون: هو هجاء حروف اسم اللّه تعالى الّذي هو المصوّر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {المص} قال: هي هجاء المصوّر.
وقال آخرون: هي اسمٌ من أسماء اللّه أقسم ربّنا به.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {المص} قسمٌ أقسمه اللّه، وهو من أسماء اللّه.
وقال آخرون: هو اسمٌ من أسماء القرآن.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {المص} قال: اسمٌ من أسماء القرآن.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، مثله.
وقال آخرون: هي حروف هجاءٍ مقطّعةٌ.
وقال آخرون: هي من حساب الجمّل.
وقال آخرون: هي حروفٌ تحوي معاني كثيرةً دلّ بها اللّه خلقه على مراده من ذلك.
وقال آخرون: هي حروف اسم اللّه الأعظم.
وقد ذكرنا كلّ ذلك بالرّواية فيه، وتعليل كلّ فريقٍ قال فيه قولاً وأمّا الصّواب من القول عندنا في ذلك بشواهده وأدلّته فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع). [جامع البيان: 10/ 52-53]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله عزّ وجلّ: {المص}
الوجه الأول:
- حدّثنا موسى بن سهلٍ الرّمليّ ثنا آدم، ثنا شيبان عن عطاء بن السّائب عن أبي الضّحى، في قوله:
{المص يقول: أنا اللّه أفعل.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله:
{المصاسمٌ من أسماء اللّه وقسمٌ أقسمه اللّه.
والوجه الثّالث:
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قوله:
{المص فهو المصوّر.
والوجه الرّابع:
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنا عبد الرّزّاق أنا معمرٌ عن قتادة قوله:
{المص قال: اسمٌ من أسماء القرآن.
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبي، ثنا سهل بن عثمان أنا يحيى بن أبي زائدة عن ابن جريجٍ قال مجاهدٌ:
{المص} هذا فواتح يفتح اللّه بها القرآن. قلت: ألم تكن تقول هي أسماءٌ؟
قال: لا.
والوجه السّادس:
- حدّثنا أبي، ثنا سهل بن عثمان، ثنا الحكم، عن محمّد بن إسحاق عن محمّد بن كعبٍ، في:
{المص} قال: ألفٌ من اللّه، والميم من الرّحمن، والصّاد من الصمد). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1437]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله:
{المص قال: أنا الله أفصل.
- وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله:
{المص} قال: أنا الله أفصل.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله:
{المص وطه وطسم ويس وص وحم وحمعسق وق ون وأشباه هذا فإنه قسم أقسم الله به وهي من أسماء الله.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله:
{المص قال: هو المصور.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي في قوله:
{المص قال: الألف من الله والميم من الرحمن والصاد من الصمد
- وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك
{المص قال: أنا الله الصادق). [الدر المنثور: 6/ 311-313]

تفسير قوله تعالى: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {فلا يكن في صدرك حرج منه}، قالا لا يكن في صدرك شك منه). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 225]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كتابٌ أنزل إليك}.
قال أبو جعفرٍ: يعني تعالى ذكره: هذا القرآن يا محمّد في كتابٍ أنزله اللّه إليك.
ورفع (الكتاب) بتأويل: هذا كتابٌ.
القول في تأويل قوله تعالى: {فلا يكن في صدرك حرجٌ منه}.
يقول جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: فلا يضق صدرك يا محمّد من الإنذار به من أرسلتك لإنذاره به، وإبلاغه من أمرتك بإبلاغه إيّاه، ولا تشكّ في أنّه من عندي، واصبر بالمضيّ لأمر اللّه واتّباع طاعته فيما كلّفك وحمّلك من عبء أثقال النّبوّة، كما صبر أولو العزم من الرّسل، فإنّ اللّه معك.
والحرج: هو الضّيق في كلام العرب، وقد بيّنّا معنى ذلك بشواهده وأدلّته في قوله: {ضيّقًا حرجًا}، بما أغنى عن إعادته.
وقال أهل التّأويل في ذلك ما:
- حدّثني به محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {فلا يكن في صدرك حرجٌ منه}، قال: لا تكن في شكٍّ منه.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {فلا يكن في صدرك حرجٌ منه} قال: شكٌّ.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، قال: حدّثنا معمرٌ، عن قتادة: {فلا يكن في صدرك حرجٌ منه}: شكٌّ منه.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة مثله.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فلا يكن في صدرك حرجٌ منه}، قال: أمّا الحرج: فشكٌّ.
- حدّثنا الحرث قال: حدّثنا عبد العزيز قال: حدّثنا أبو سعدٍ المدنيّ قال: سمعت مجاهدًا، في قوله: {فلا يكن في صدرك حرجٌ منه}، قال: شكٌّ من القرآن.
قال أبو جعفرٍ: وهذا الّذي ذكرته من التّأويل عن أهل التّأويل هو معنى ما قلنا في الحرج، لأنّ الشّكّ فيه لا يكون إلاّ من ضيق الصّدر به وقلّة الاتّساع لتوجيهه وجهته الّتي هي وجهته الصّحيحة. وإنّما اخترنا العبارة عنه بمعنى الضّيق، لأنّ ذلك هو الغالب عليه من معناه في كلام العرب، كما قد بيّنّاه قبل.
القول في تأويل قوله تعالى: {لتنذر به وذكرى للمؤمنين}.
يعني بذلك تعالى ذكره: هذا كتابٌ أنزلناه إليك يا محمّد لتنذر به من أمرتك بإنذاره، {وذكرى للمؤمنين}: وهو من المؤخّر الّذي معناه التّقديم، ومعناه: كتابٌ أنزل إليك لتنذر به، وذكرٌ للمؤمنين، فلا يكن في صدرك حرجٌ منه.
وإذا كان ذلك معناه كان موضع قوله: {وذكرى} نصبًا بمعنى: أنزلنا إليك هذا الكتاب لتنذر به، وتذكّر به المؤمنين. ولو قيل: معنى ذلك: هذا كتابٌ أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرجٌ منه أن تنذر به وتذكّر به المؤمنين، كان قولاً غير مدفوعةٍ صحّته. وإذا وجّه معنى الكلام إلى هذا الوجه كان في قوله: {وذكرًى} من الإعراب وجهان: أحدهما النّصب بالرّدّ على موضع لتنذر به، والآخر الرّفع عطفًا على الكتاب، كأنّه قيل: المص، كتابٌ أنزل إليك وذكرًى للمؤمنين). [جامع البيان: 10/ 54-56]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({كتابٌ أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرجٌ منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين (2)}
قوله تعالى: {كتابٌ أنزل إليك}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد بن زريعٍ عن سعيدٍ، عن قتادة: قوله:
{كتابٌ أنزل إليك} وهو القرآن الذين أنزله اللّه على محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: {فلا يكن في صدرك حرجٌ منه}
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن سلمة الباهليّ الطّورانيّ، ثنا عبد الله بن رجاءٍ المكّيّ، عن عثمان أنّ الأسود، عن عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ، عن ابن عبّاسٍ:
{فلا يكن في صدرك حرجٌ منه}، قال: ليس شكٌّ.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {حرجٌ منه}، قال: شكٌّ. وروي عن سعيد بن جبيرٍ والسّدّيّ وعكرمة وقتادة مثل قول مجاهدٍ.
قوله تعالى: {لتنذر به وذكرى للمؤمنين}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا صفوان ثنا الوليد، ثنا سعيد بن بشيرٍ عن قتادة، في قوله: {لتنذر به} وأنت تعلم أنّه حقٌّ من اللّه، فلا تشكّ فيه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1438]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم بن الحسين ابن علي قال نا آدم بن أبي إياس، قال نا ورقاء بن عمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {فلا يكن في صدرك حرج منه} يعني شكا منه).[تفسير مجاهد: 231]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ابن عباس: {فلا يكن في صدرك حرج منه}، قال: الشك، وقال لأعرابي: ما الحرج فيكم قال: الشك اللبس.
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس: {فلا يكن في صدرك حرج منه} قال: شك.
- وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك: {فلا يكن في صدرك حرج منه} قال: ضيق). [الدر المنثور: 6/ 313]

تفسير قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكّرون}.
يقول جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لهؤلاء المشركين من قومك الّذين يعبدون الأوثان والأصنام: اتّبعوا أيّها النّاس ما جاءكم من عند ربّكم بالبيّنات والهدى، واعملوا بما أمركم به ربّكم، {ولا تتّبعوا} شيئًا {من دونه} يعني: شيئًا غير ما أنزل إليكم ربّكم، يقول: لا تتّبعوا أمر أوليائكم الّذين يأمرونكم بالشّرك باللّه وعبادة الأوثان، فإنّهم يضلّونكم ولا يهدونكم.
فإن قال قائلٌ: وكيف قلت: معنى الكلام: قل اتّبعوا، وليس في الكلام موجودًا ذكر القول؟
قيل: إنّه وإن لم يكن مذكورًا صريحًا، فإنّ في الكلام دلالةً عليه، وذلك قوله: {فلا يكن في صدرك حرجٌ منه لتنذر به}، ففي قوله: {لتنذر به} الأمر بالإنذار، وفي الأمر بالإنذار الأمر بالقول لأنّ الإنذار قولٌ، فكان معنى الكلام: أنذر القوم وقل لهم: اتّبعوا ما أنزل إليكم ربّكم.
ولو قيل: معناه: لتنذر به وتذكّر به المؤمنين، فتقول لهم: اتّبعوا ما أنزل إليكم. كان غير مدفوعٍ.
وقد كان بعض أهل العربيّة يقول: قوله: {اتّبعوا} خطابٌ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ومعناه: كتابٌ أنزل إليك، فلا يكن في صدرك حرجٌ منه، اتّبع ما أنزل إليك من ربّك. ويرى أنّ ذلك نظير قول اللّه: {يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء فطلّقوهنّ لعدّتهنّ}، إذ ابتدأ خطاب النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، ثمّ جعل الفعل للجميع، إذ كان أمر اللّه نبيّه بأمرٍ أمرًا منه لجميع أمّته، كما يقال للرّجل يفرد بالخطاب والمراد به هو وجماعة أتباعه أو عشيرته وقبيلته: أما تتّقون اللّه؟ أما تستحيون من اللّه؟ ونحو ذلك من الكلام.
وذلك وإن كان وجهًا غير مدفوعٍ، فالقول الّذي اخترناه أولى بمعنى الكلام لدلالة الظّاهر الّذي وصفنا عليه.
وقوله: {قليلاً ما تذكّرون} يقول: قليلاً ما تتّعظون وتعتبرون، فتراجعون الحقّ). [جامع البيان: 10/ 56-57]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء قليلًا ما تذكّرون (3)}
قوله تعالى: {إتّبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ... الآية}
- وبه عن قتادة: ثمّ قال للمؤمنين: اتّبعوا ما أنزل الله إليكم من ربّكم من القرآن). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1438]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم}، أي هذا القرآن). [الدر المنثور: 6/ 313]

تفسير قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وكم من قريةٍ أهلكناها فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: حذّر هؤلاء العابدين غيري والعادلين بي الآلهة والأوثان سخطي، لا أحلّ بهم عقوبتي فأهلكهم كما أهلكت من سلك سبيلهم من الأمم قبلهم، فكثيرًا ما أهلكت قبلهم من أهل قرًى عصوني وكذّبوا رسلي وعبدوا غيري. {فجاءها بأسنا بياتًا} يقول: فجاءتهم عقوبتنا ونقمتنا ليلاً قبل أن يصبحوا، أو جاءتهم قائلين، يعني نهارًا في وقت القائلة.
وقيل: {وكم} لأنّ المراد بالكلام ما وصفت من الخبر عن كثرة ما قد أصاب الأمم السّالفة من المثلاث بتكذيبهم رسله وخلافهم عليه، وكذلك تفعل العرب إذا أرادوا الخبر عن كثرة العدد، كما قال الفرزدق:
كم عمّةٍ لك يا جرير وخالةٍ = فدعاء قد حلبت عليّ عشاري
فإن قال قائلٌ. فإنّ اللّه تعالى ذكره إنّما أخبر أنّه أهلك قرًى، فما في خبره عن إهلاكه القرى من الدّليل على إهلاكه أهلها؟
قيل: إنّ القرى لا تسمّى قرًى، ولا القرية قريةً، إلاّ وفيها مساكن لأهلها وسكّانٌ منهم، ففي إهلاكها من فيها من أهلها.
وقد كان بعض أهل العربيّة يرى أنّ الكلام خرج مخرج الخبر عن القرية، والمراد به أهلها.
والّذي قلنا في ذلك أولى بالحقّ لموافقته ظاهر التّنزيل المتلوّ.
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: {وكم من قريةٍ أهلكناها فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون}، وهل هلكت قريةٌ إلاّ بمجيء بأس اللّه وحلول نقمته وسخطه بها؟ فكيف قيل (أهلكناها فجاءها) وإن كان مجيء بأس اللّه إيّاها بعد هلاكها، فما وجه مجيء ذلك قومًا قد هلكوا وبادوا ولا يشعرون بما ينزل بهم ولا بمساكنهم؟
قيل: إنّ لذلك من التّأويل وجهين كلاهما صحيحٌ واضحٌ منهجه: أحدهما أن يكون معناه: وكم من قريةٍ أهلكناها بخذلاننا إيّاها عن اتّباع ما أنزلنا إليها من البيّنات والهدى واختيارها اتّباع أمر أوليائها المغويها عن طاعة ربّها، فجاءها بأسنا إذ فعلت ذلك بياتًا، أو هم قائلون. فيكون إهلاك اللّه إيّاها: خذلانه لها عن طاعته، ويكون مجيء بأس اللّه إيّاهم جزاءً لمعصيتهم ربّهم بخذلانه إيّاهم.
والآخر منهما: أن يكون الإهلاك هو البأس بعينه. فيكون في ذكر الإهلاك الدّلالة على ذكر مجيء البأس، وفي ذكر مجيء البأس الدّلالة على ذكر الإهلاك. وإذا كان ذلك كذلك، كان سواءً عند العرب بدئ بالإهلاك ثمّ عطف عليه بالبأس، أو بدئ بالبأس ثمّ عطف عليه بالإهلاك، وذلك كقولهم: زرتني فأكرمتني، إذ كانت الزّيارة هي الكرامة، فسواءٌ عندهم قدّم الزّيارة وأخّر الكرامة، أو قدّم الكرامة وأخّر الزّيارة، فقال: أكرمتني فزرتني.
وكان بعض أهل العربيّة يزعم أنّ في الكلام محذوفًا، لولا ذلك لم يكن الكلام صحيحًا، وأنّ معنى ذلك: وكم من قريةٍ أهلكناها، فكان مجيء بأسنا إيّاها قبل إهلاكنا.
وهذا قولٌ لا دلالة على صحّته من ظاهر التّنزيل، ولا من خبرٍ يجب التّسليم له، وإذا خلا القول من دلالةٍ على صحّته من بعض الوجوه الّتي يجب التّسليم لها كان بيّنًا فساده.
وقال آخر منهم أيضًا: معنى الفاء في هذا الموضع معنى الواو، وقال: تأويل الكلام: وكم من قريةٍ أهلكناها وجاءها بأسنا بياتًا.
وهذا قولٌ لا معنى له، إذ كان للفاء عند العرب من الحكم ما ليس للواو في الكلام، فصرفها إلى الأغلب من معناها عندهم ما وجد إلى ذلك سبيلٌ أولى من صرفها إلى غيره.
فإن قال: كيف قيل: {فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون}، وقد علمت أنّ الأغلب من شأن (أو) في الكلام اجتلاب الشّكّ، وغير جائزٍ أن يكون في خبر اللّه شكٌّ؟
قيل: إنّ تأويل ذلك خلاف ما إليه ذهبت، وإنّما معنى الكلام: وكم من قريةٍ أهلكناها فجاء بعضها بأسنا بياتًا، وبعضها وهم قائلون. ولو جعل مكان (أو) في هذا الموضع الواو لكان الكلام كالمحال، ولصار الأغلب من معنى الكلام: إنّ القرية الّتي أهلكها اللّه جاءها بأسه بياتًا، وفي وقت القائلة، وذلك خبرٌ عن البأس أنّه أهلك من قد هلك وأفنى من قد فني، وذلك من الكلام خلفٌ، ولكنّ الصّحيح من الكلام هو ما جاء به التّنزيل، إذ لم يفصل القرى الّتي جاءها البأس بياتًا من القرى الّتي جاءها ذلك قائلةً، ولو فصلت لم يخبر عنها إلاّ بالواو.
وقيل: {فجاءها بأسنا} خبرًا عن القرية أنّ البأس أتاها، وأجرى الكلام على ما ابتدئ به في أوّل الآية، ولو قيل: فجاءهم بأسنا بياتًا لكان صحيحًا فصيحًا ردًّا للكلام إلى معناه، إذ كان البأس إنّما قصد به سكّان القرية دون بنيانها، وإن كان قد نال بنيانها ومساكنها من البأس بالخراب نحوٌ من الّذي نال سكّانها.
وقد رجع في قوله: {أو هم قائلون} إلى خصوص الخبر عن سكّانها دون مساكنها لما وصفنا من أنّ المقصود بالبأس كان السّكّان وإن كان في هلاكهم هلاك مساكنهم وخرابها. ولو قيل: (أو هي قائلةٌ) كان صحيحًا إذ كان السّامعون قد فهموا المراد من الكلام.
فإن قال قائلٌ: أو ليس قوله: {أو هم قائلون} خبرًا عن الوقت الّذي أتاهم فيه بأس اللّه من النّهار؟
قيل: بلى.
فإن قال: أو ليس المواقيت في مثل هذا تكون في كلام العرب بالواو الدّالّ على الوقت؟
قيل: إنّ ذلك وإن كان كذلك، فإنّهم قد يحذفون من مثل هذا الموضع استثقالاً للجمع بين حرفي عطفٍ، إذ كان (أو) عندهم من حروف العطف، وكذلك الواو، فيقولون: لقيتني مملقًا أو أنا مسافرٌ، بمعنى: أو أنا مسافرٌ، فيحذفون الواو وهم مريدوها في الكلام لما وصفت). [جامع البيان: 10/ 57-61]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وكم من قريةٍ أهلكناها فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون (4)}
قوله تعالى: {وكم من قريةٍ أهلكناها ... الآية}
- حدّثنا أبي ثنا ابن زيادٍ ثنا سيّارٌ، حدّثني جعفرٌ قال: سمعت مالك بن دينارٍ قال: قالت ابنة الرّبيع لأبيها: يا أبتاه، مالي أرى النّاس ينامون ولا أراك تنام؟
قال: إنّي أخاف البيات). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1438]

تفسير قوله تعالى: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلاّ أن قالوا إنّا كنّا ظالمين}.
يقول تعالى ذكره: فلم يكن دعوى أهل القرية الّتي أهلكناها إذ جاءهم بأسنا وسطوتنا بياتًا أو هم قائلون، إلاّ اعترافهم على أنفسهم بأنّهم كانوا إلى أنفسهم مسيئين وبربّهم آثمين ولأمره ونهيه مخالفين.
وعنى بقوله جلّ ثناؤه: {دعواهم} في هذا الموضع: دعاءهم.
وللدّعوى في كلام العرب وجهان: أحدهما الدّعاء، والآخر الادّعاء للحقّ. ومن الدّعوى الّتي معناها الدّعاء قول اللّه تبارك وتعالى: {فما زالت تلك دعواهم}، ومنه قول الشّاعر:
وإن مذلت رجلي دعوتك أشتفي ....... بدعواك من مذلٍ بها فيهون
وقد بيّنّا فيما مضى قبل أنّ البأس والبأساء: الشّدّة، بشواهد ذلك الدّالّة على صحّته، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وفي هذه الآية الدّلالة الواضحة على صحّة ما جاءت به الرّواية عن رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- من قوله: «ما هلك قومٌ حتّى يعذروا من أنفسهم».
وقد تأوّل ذلك كذلك بعضهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن أبي سنانٍ، عن عبد الملك بن ميسرة الزّرّاد، قال: قال عبد اللّه بن مسعودٍ: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما هلك قومٌ حتّى يعذروا من أنفسهم»، قال: قلت لعبد الملك: كيف يكون ذلك؟ قال: فقرأ هذه الآية: {فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا ... الآية}.
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: {فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلاّ أن قالوا إنّا كنّا ظالمين}، وكيف أمكنتهم الدّعوى بذلك وقد جاءهم بأس اللّه بالهلاك، أقالوا ذلك قبل الهلاك؟ فإن كانوا قالوه قبل الهلاك، فإنّهم قالوا قبل مجيء البأس، واللّه يخبر عنهم أنّهم قالوه حين جاءهم لا قبل ذلك، أو قالوه بعدما جاءهم فتلك حالةٌ قد هلكوا فيها، فكيف يجوز وصفهم بقيل ذلك إذا عاينوا بأس اللّه وحقيقة ما كانت الرّسل تعدهم من سطوة اللّه؟
قيل: ليس كلّ الأمم كان هلاكها في لحظةٍ، ليس بين أوّله وآخره مهلٌ، بل كان منهم من غرق بالطّوفان، فكان بين أوّل ظهور السّبب الّذي علموا أنّهم به هالكون وبين آخره الّذي عمّ جميعهم هلاكه المدّة الّتي لا خفاء بها على ذي عقلٍ، ومنهم من متّع بالحياة بعد ظهور علامة الهلاك لأعينهم أيّامًا ثلاثةً، كقوم صالحٍ وأشباههم، فحينئذٍ لمّا عاينوا أوائل بأس اللّه الّذي كانت رسل اللّه تتوعّدهم به وأيقنوا حقيقة نزول سطوة اللّه بهم، دعوا: {يا ويلنا إنّا كنّا ظالمين}، {فلم يك ينفعهم إيمانهم} مع مجيء وعيد اللّه وحلول نقمته بساحتهم، فحذّر ربّنا جلّ ثناؤه الّذين أرسل إليهم نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم من سطوته وعقابه على كفرهم به وتكذيبهم رسوله، ما حلّ بمن كان قبلهم من الأمم، إذ عصوا رسله واتّبعوا أمر كلّ جبّارٍ عنيدٍ). [جامع البيان: 10/ 61-63]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلّا أن قالوا إنّا كنّا ظالمين (5)}
قوله تعالى: {فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنّا كنّا ظالمين}
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن عيسى الدّامغانيّ أنبأ جرير عن أبي سنانٍ عن عبد الملك الزّرّاد عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: ما هلك قومٌ حتّى يعذروا من أنفسهم، ثمّ قرأ: {فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين}). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1438-1439]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم ثم قرأ: {فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين}.
- وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود مرفوعا، مثله). [الدر المنثور: 6/ 313-314]

تفسير قوله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلنسألنّ الّذين أرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين}.
يقول تعالى ذكره: لنسألنّ الأمم الّذين أرسلت إليهم رسلي ماذا عملت فيما جاءتهم به الرّسل من عندي من أمري ونهيي، هل عملوا بما أمرتهم به وانتهوا عمّا نهيتهم عنه وأطاعوا أمري، أم عصوني فخالفوا ذلك؟
{ولنسألنّ المرسلين} يقول: ولنسألنّ الرّسل الّذين أرسلتهم إلى الأمم، هل بلّغتهم رسالاتي وأدّت إليهم ما أمرتهم بأدائه إليه، أم قصّروا في ذلك ففرّطوا ولم يبلّغوهم؟

وكذلك كان أهل التّأويل يتأوّلونه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فلنسألنّ الّذين أرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين}، قال: يسأل اللّه النّاس عمّا أجابوا المرسلين، ويسأل المرسلين عمّا بلّغوا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فلنسألنّ الّذين أرسل إليهم} إلى قوله: {غائبين}، قال: يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلّم بما كانوا يعملون.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فلنسألنّ الّذين أرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين}: يقول فلنسألنّ الأمم ما عملوا فيما جاءت به الرّسل، ولنسألنّ الرّسل هل بلّغوا ما أرسلوا به.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو سعدٍ المدنيّ، قال: قال مجاهدٌ: {فلنسألنّ الّذين أرسل إليهم}: الأمم، ولنسألنّ الّذين أرسلنا إليهم عمّا ائتمنّاهم عليه، هل بلّغوا). [جامع البيان: 10/ 64-65]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فلنسألنّ الّذين أرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين (6)}
قوله تعالى: {فلنسئلن الذين أرسل إليهم}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس: {فلنسئلن الّذين أرسل إليهم}، قال: نسأل النّاس عمّا أجابوا المرسلين.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ ثنا سويد بن عبد العزيز، عن يحيى بن الحارث عن القاسم أبي عبد الرّحمن أنه تلا هذه الآية: {فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين}، قال: يسأل العبد يوم القيامة عن أربع خصالٍ، يقول ربّك: ألم أجعل لك جسدًا، ففيم أبليته؟ ألم أجعل لك علمًا ففيم عملت؟ ألم أجعل لك مالاً، ففيم أنفقته في طاعتي أم في معصيتي؟، ألم أجعل لك عمرًا، ففيم أفنيته.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن أبي حمّادٍ ثنا مهران، عن سفيان قال:
قال مجاهد: {فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين}، يقول: النّاس يسألهم عن لا إله إلّا الله.
وقال غير مجاهد: فلنسئلن الذين أرسل إليهم الأنبياء.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي ثنا عليّ بن ميسرة، ثنا عبد العزيز بن أبي عثمان عن سفيان الثوري، في قوله: {فلنسئلن الّذين أرسل إليهم}، قال: هل بلّغكم الرّسل؟
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا المحاربيّ، قال ليثٌ: أخبرني عن طاوسٍ أنّه قرأ: {فلنسئلن الّذين أرسل إليهم}، قال: فالإمام يسأل عن النّاس، والرّجل يسأل عن أهله، والمرأة تسأل عن بيت زوجها، والعبد يسأل عن مال سيّده.
قوله تعالى: {لنسئلن المرسلين}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس: {لنسئلن المرسلين} عمّا بلّغوا.
- حدّثنا أبي ثنا عليّ بن ميسرة، ثنا عبد العزيز بن أبي عثمان، عن سفيان الثوري، في قوله: {فلنسئلن الذين أرسل إليهم} ماذا ردّوا عليكم؟
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن أبي حمّادٍ، ثنا مهران عن سفيان قال: قال مجاهدٌ: ولنسئلن المرسلين، قال: جبريل). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1439-1440]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس: {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين}، قال: نسأل الناس عما أجابوا المرسلين ونسأل المرسلين عما بلغوا، {فلنقصن عليهم بعلم} قال: يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون.
- وأخرج عبد بن حميد عن قوله: {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين}، قال: أحدهما الأنبياء وأحدهما الملائكة {فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين} قال: ذلك قول الله.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {فلنسألن الذين أرسل إليهم}، يقول: الناس تسألهم عن لا إله إلا الله، {ولنسألن المرسلين} قال: جبريل
- وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري في قوله: {فلنسألن الذين أرسل إليهم}، قال: هل بلغكم الرسل، {ولنسألن المرسلين} قال: ماذا ردوا عليكم.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن القاسم أبي الرحمن، أنه تلا هذه الآية فقال: يسأل العبد يوم القيامة عن أربع خصال، يقول ربك: ألم أجعل لك جسدا ففيم أبليته ألم أجعل لك علما ففيم عملت بما علمت ألم أجعل لك مالا ففيم أنفقته في طاعتي أم في معصيتي ألم أجعل لك عمرا ففيم أفنيته.
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن وهيب بن الورد قال: بلغني أن أقرب الخلق إلى الله إسرافيل والعرش على كاهله فإذا نزل الوحي دلى اللوح من نحو العرش فيقرع جبهة إسرافيل فينظر فيه فيرسل إلى جبريل فيدعوه فيرسله فإذا كان يوم القيامة دعي إسرافيل فيؤتى به ترتعد فرائصه فيقال له: ما صنعت فيما أدى إليك اللوح فيقول: أي رب أديته إلى جبريل، فيدعى جبريل فيؤتى به ترتعد فرائصه فيقال له: ما صنعت فيما أدى إليك إسرافيل فيقول: أي رب بلغت الرسل، فيدعى بالرسل ترتعد فرائصهم فيقال لهم: ما صنعتم فيما أدى إليكم جبريل فيقولون: أي رب بلغنا الناس، قال: فهو قوله: {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين}.
- وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن أبي سنان قال: أقرب الخلق إلى الله اللوح وهو معلق بالعرش فإذا أراد الله أن يوحي بشيء كتب في اللوح فيجيء اللوح حتى يقرع جبهة إسرافيل وإسرافيل قد غطى وجهه بجناحيه لا يرفع بصره إعظاما لله فينظر فيه فإن كان إلى أهل السماء دفعه إلى ميكائيل وإن كان إلى أهل الأرض دفعه إلى جبريل فأول من يحاسب يوم القيامة اللوح يدعى به ترعد فرائصه فيقال له: هل بلغت فيقول: نعم، فيقول ربنا: من يشهد لك فيقول: إسرافيل، فيدعى إسرافيل ترعد فرائصه فيقال له: هل بلعك اللوح فإذا قال نعم قال اللوح: الحمد لله الذي نجاني من سوء الحساب ثم كذلك.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه قال: إذا كان يوم القيامة يقول الله عز وجل: يا إسرافيل هات ما وكلتك به، فيقول: نعم يا رب في الصور كذا وكذا ثقبة وكذا روح للإنس منها كذا وكذا وللجن منها كذا وكذا وللشياطين منها كذا وكذا وللوحوش منها كذا وكذا وللطير منها كذا وكذا وللبهائم منها كذا وكذا وللهوام منها كذا وكذا وللحيتان منها كذا وكذا فيقول الله عز وجل: خذه من اللوح، فإذا هو مثلا بمثل لا يزيد ولا ينقص ثم يقول عز وجل: هات ما وكلتك يا ميكائيل، فيقول: نعم يا رب أنزلت من السماء كذا وكذا كيلة وزنة كذا وكذا مثقالا وزنة كذا وكذا قيراطا وزنة كذا وكذا خردلة وزنة كذا وكذا درة أنزلت في سنة كذا وكذا كذا وكذا وفي شهر كذا وكذا كذا وكذا وفي جمعة كذا وكذا كذا وكذا وفي يوم كذا وكذا كذا وكذا وفي ساعة كذا وكذا كذا وكذا أنزلت للزرع منه كذا وكذا وأنزلت للشياطين منه كذا وكذا وأنزلت للإنس منه كذا وكذا وأنزلت للبهائم كذا وكذا وأنزلت للوحوش كذا وكذا وللطير كذا وكذا وللحيتان كذا وكذا وللهوام كذا وكذا، فذلك كله كذا وكذا فيقول: خذه من اللوح، فإذا هو مثلا بمثل لا يزيد ولا ينقص ثم يقول: يا جبريل هات ما وكلتك به، فيقول: نعم يا رب أنزلت على نبيك فلان كذا وكذا آية في شهر كذا وكذا في جمعة كذا وكذا في يوم كذا وكذا وأنزلت على نبيك فلان كذا وكذا آية وكذا وكذا سورة فيها كذا وكذا آية، فذلك كذا وكذا آية فذلك كذا وكذا حرفا وأهلكت كذا وكذا مدينة وخسفت بكذا وكذا فيقول: خذه من اللوح، فإذا هو مثلا بمثل لا يزيد ولا ينقص، ثم يقول: هات ما وكلتك به يا عزرائيل، فيقول: نعم يا رب فبضت روح كذا وكذا إنسي وكذا وكذا جني وكذا وكذا شيطان وكذا وكذا غريق وكذا وكذا حريق وكذا وكذا كافر وكذا وكذا شهيد وكذا وكذا هديم وكذا وكذا لديغ وكذا وكذا في سهل وكذا وكذا في جبل وكذا وكذا طير وكذا وكذا هوام وكذا وكذا وحش، فذلك كذا وكذا جملته كذا وكذا فيقول: خذه من اللوح، فإذا مثلا بمثل لا يزيد ولا ينقص.
- وأخرج أحمد عن معاوية بن حيدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن ربي داعي وإنه سائلي هل بلغت عبادي وإني قائل رب إني قد بلغتهم فليبلغ الشاهد منكم الغائب ثم إنكم تدعون مفدمة أفواهكم بالفدام إن أول ما يبين عن أحدكم لفخذه وكفه».
- وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن طاووس، أنه قرأ هذه الآية فقال الإمام يسأل عن الناس والرجل يسأل عن أهله والمرأة تسأل عن بيت زوجها والعبد يسأل عن مال سيده.
- وأخرج البخاري ومسلم والترمذي، وابن مردويه عن ابن عمر قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» فالإمام يسأل عن الناس والرجل يسأل عن أهله والمرأة تسأل عن بيت زوجها والعبد يسأل عن مال سيده.
- وأخرج ابن حبان وأبو نعيم عن أنس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه حتى يسأل الرجل عن أهل بيته».
- وأخرج الطبراني في الأوسط بسند صحيح عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فأعدوا للمسائل جوابا»، قالوا: وما جوابها قال: أعمال البر.
- وأخرج الطبراني في الكبير عن المقدام سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:« لا يكون رجل على قوم إلا جاء يقدمهم يوم القيامة بين يديه راية يحملها وهم يتبعونه فيسأل عنهم ويسألون عنه».
- وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أمير يؤمر على عشرة إلا سئل عنهم يوم القيامة»
- وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال: إن الله سائل كل ذي رعية عما استرعاه أقام أمر الله فيهم أم أضاعه حتى إن الرجل ليسأل عن أهل بيته.
- وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة ينظر في صلاته فإن صلحت فقد أفلح وإن فسدت فقد خاب وخسر»). [الدر المنثور: 6/ 314-320]

تفسير قوله تعالى: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلنقصنّ عليهم بعلمٍ وما كنّا غائبين}.
يقول تعالى ذكره: فلنخبرنّ الرّسل ومن أرسلتهم إليه بيقين علمٍ بما عملوا في الدّنيا فيما كنت أمرتهم به، وما كنت نهيتهم عنه، وما كنّا غائبين عنهم وعن أفعالهم الّتي كانوا يفعلونها.
فإن قال قائلٌ: وكيف يسأل الرّسل والمرسل إليهم، وهو يخبر أنّه يقصّ عليهم بعلمٍ بأعمالهم وأفعالهم في ذلك؟
قيل: إنّ ذلك منه تعالى ذكره ليس بمسألة استرشادٍ ولا مسألة تعرّفٍ منهم ما هو به غير عالمٍ، وإنّما هو مسألة توبيخٍ وتقريرٍ معناها الخبر، كما يقول الرّجل للرّجل: ألم أحسن إليك فأسأت؟ وألم أصلك فقطعت؟ فكذلك مسألة اللّه المرسل إليهم بأن يقول لهم: ألم يأتكم رسلي بالبيّنات؟ ألم أبعث إليكم النّذر فتنذركم عذابي وعقابي في هذا اليوم من كفر بي وعبد غيري؟ كما أخبر جلّ ثناؤه أنّه قائلٌ لهم يومئذٍ: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشّيطان إنّه لكم عدوٌّ مبينٌ. وأن اعبدوني هذا صراطٌ مستقيمٌ}. ونحو ذلك من القول الّذي ظاهره ظاهر مسألةٍ، ومعناه الخبر والقصص وهو بعد توبيخٌ وتقريرٌ.
وأمّا مسألة الرّسل الّذي هو قصصٌ وخبرٌ، فإنّ الأمم المشركة لمّا سئلت في القيامة قيل لها: {ألم يأتكم رسلٌ منكم يتلون عليكم آيات ربّكم}؟ أنكر ذلك كثيرٌ منهم وقالوا: ما جاءنا من بشيرٍ ولا نذيرٍ، فقيل للرّسل: هل بلّغتم ما أرسلتم به؟ أو قيل لهم: ألم تبلّغوا إلى هؤلاء ما أرسلتم به؟ كما جاء الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وكما قال جلّ ثناؤه لأمّة نبيّنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}، فكلّ ذلك من اللّه مسألةٌ للرّسل على وجه الاستشهاد لهم على من أرسلوا إليه من الأمم وللمرسل إليهم على وجه التّقرير والتّوبيخ، وكلّ ذلك بمعنى القصص والخبر. فأمّا الّذي هو عن اللّه منفيّ من مسألته خلقه، فالمسألة الّتي هي مسألة استرشادٍ واستثباتٍ فيما لا يعلمه السّائل عنها ويعلمه المسئول، ليعلم السّائل علم ذلك من قبله. فذلك غير جائزٍ أن يوصف اللّه به، لأنّه العالم بالأشياء قبل كونها وفي حال كونها وبعد كونها، وهي المسألة الّتي نفاها جلّ ثناؤه عن نفسه بقوله: {فيومئذٍ لا يسأل عن ذنبه إنسٌ ولا جانٌّ}، وبقوله: {ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون}، يعني: لا يسأل عن ذلك أحدًا منهم علم مستثبتٍ، ليعلم علم ذلك من قبل من سأل منه، لأنّه العالم بذلك كلّه وبكلّ شيءٍ غيره.
وقد ذكرنا ما روي في معنى ذلك من الخبر في غير هذا الموضع، فكرهنا إعادته.
وقد روي عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقول في معنى قوله: {فلنقصنّ عليهم بعلمٍ} أنّه ينطق لهم كتاب عملهم عليهم بأعمالهم.
وهذا قولٌ غير بعيدٍ من الحقّ، غير أنّ الصّحيح من الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «ما منكم من أحدٍ إلاّ سيكلّمه ربّه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمانٌ»، فيقول له: أتذكر يوم فعلت كذا وفعلت كذا؟ حتّى يذكّره ما فعل في الدّنيا. والتّسليم لخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أولى من التّسليم لغيره). [جامع البيان: 10/ 65-67]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فلنقصّنّ عليهم بعلمٍ وما كنّا غائبين (7)}
قوله تعالى: {فلنقصّنّ عليهم بعلمٍ وما كنّا غائبين}
- أخبرنا محمّد بن سعد بن عطيّة فيما كتب إليّ ثنا أبي ثنا عمّي عن أبيه عن ابن عبّاسٍ: قوله:
{فلنقصّنّ عليهم بعلمٍ وما كنّا غائبين}، قال: يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلّم بما كانوا يعملون). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1440]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس: {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين} قال: نسأل الناس عما أجابوا المرسلين ونسأل المرسلين عما بلغوا، {فلنقصن عليهم بعلم} قال: يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون.
- وأخرج عبد بن حميد عن قوله: {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين}، قال: أحدهما الأنبياء وأحدهما الملائكة، {فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين} قال: ذلك قول الله). [الدر المنثور: 6/ 314] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8)}

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {والوزن يومئذٍ الحقّ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون (8) ومن خفّت موازينه فأولئك الّذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا يزيد بن هارون، عن سعيد بن المرزبان، عن (عبد الرّحمن بن) عبد اللّه بن سابطٍ، قال: لمّا بلغ النّاس، أنّ أبا بكرٍ يريد أن يستخلف عمر، قالوا: ماذا يقول لربّه إذا لقيه؟ استخلف علينا فظًّا غليظًا وهو لا يقدر على شيءٍ، فكيف لو قدر؟ فبلغ ذلك أبا بكرٍ فقال: أبربّي تخوّفوني؟ أقول: استخلفت خير أهلك، ثمّ أرسل إلى عمر فقال: إنّ لله عملاً بالليل لا يقبله بالنّهار، وعملًا بالنّهار، لا يقبله باللّيل، واعلم أنّه لن تقبل نافلةٌ حتّى تؤدّوا الفريضة، ألم تر أنّ اللّه ذكر أهل الجنّة فذكرهم بأحسن أعمالهم، وذلك أنّه تجاوز عن سيّئةٍ حتّى يقول القائل: أنّى يبلغ عملي هذا؟ ألم تر أن اللّه حين ذكر أهل النّار فذكرهم بأسوأ أعمالهم، وذلك أنّه ردّ عليهم حسنةً فلم تقبل منهم حتّى يقول القائل: عملي خيرٌ من هذا؟ ألم تر أنّ اللّه أنزل الرّغبة والرّهبة لكي يرهب المؤمن فيعمل، وكي يرغّب فلا يلقي بيديه إلى التّهلكة؟ ألم تر أنّ من ثقلت موازينه يوم القيامة ثقلت موازينهم باتّباعهم الحقّ وتركهم الباطل، فثقل ذلك عليهم، وحقّ لميزانٍ أن لا يوضع فيه إلّا الحقّ أن يثقل؟ ألم تر أنّ ما خفّت موازين من خفّت موازينه (إلّا) باتّباعهم الباطل وتركهم الحقّ، وحقّ لميزانٍ أن لا يوضع فيه إلّا الباطل أن يخفّ؟ ثمّ قال: أما إن حفظت وصيّتي لم يكن غائبٌ أحبّ إليك من الموت وأنت لا بدّ لاقيه، وإن أنت ضيّعت وصيّتي لم يكن غائبٌ أبغض إليك من الموت ولا تعجزه). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 133-134]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والوزن يومئذٍ الحقّ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون}.
الوزن: مصدرٌ من قول القائل: وزنت كذا وكذا، أزنه وزنًا وزنةً، مثل: وعدته أعده وعدًا وعدةً.
وهو مرفوعٌ بالحقّ، والحقّ به.
ومعنى الكلام: والوزن يوم نسأل الّذين أرسل إليهم والمرسلين، الحقّ.
ويعني بـ{الحقّ}: العدل. وكان مجاهدٌ يقول: الوزن في هذا الموضع: القضاء.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {والوزن يومئذٍ}: القضاء.
وكان يقول أيضًا: معنى الحقّ ههنا: العدل.
ذكر الرّواية بذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن مجاهدٍ: {والوزن يومئذٍ الحقّ}، قال العدل.
وقال آخرون: معنى قوله: {والوزن يومئذٍ الحقّ}: وزن الأعمال.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {والوزن يومئذٍ الحقّ}: توزن الأعمال.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {والوزن يومئذٍ الحقّ} قال: قال عبيد بن عميرٍ: يؤتى بالرّجل العظيم الطّويل الأكول الشّروب، فلا يزن جناح بعوضةٍ.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {والوزن يومئذٍ الحقّ} قال: قال عبيد بن عميرٍ: يؤتى بالرّجل الطّويل العظيم، فلا يزن جناح بعوضةٍ.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا يوسف بن صهيبٍ، عن موسى، عن بلال بن يحيى، عن حذيفة، قال: صاحب الموازين يوم القيامة جبريل عليه السّلام، قال: يا جبريل، زن بينهم، فردّ على المظلوم، وإن لم يكن له حسناتٌ حمّل عليه من سيّئات صاحبه، فيرجع الرّجل عليه مثل الجبال، فذلك قوله: {والوزن يومئذٍ الحقّ}.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {فمن ثقلت موازينه}، فقال بعضهم: معناه: فمن كثرت حسناته.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن مجاهدٍ: {فمن ثقلت موازينه}، قال: حسناته.
وقال آخرون: معنى ذلك: فمن ثقلت موازينه الّتي توزن بها حسناته وسيّئاته، قالوا: وذلك هو الميزان الّذي يعرفه النّاس، له لسانٌ وكفّتان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ قال: قال ابن جريجٍ: قال لي عمرو بن دينارٍ: قوله: {والوزن يومئذٍ الحقّ} قال: إنّا نرى ميزانًا وكفّتين، سمعت عبيد بن عميرٍ يقول: يجعل الرّجل العظيم الطّويل في الميزان، ثمّ لا يقوم بجناحٍ ذبابٍ.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك عندي القول الّذي ذكرناه عن عمرو بن دينارٍ من أنّ ذلك: هو الميزان المعروف الّذي يوزن به، وأنّ اللّه جلّ ثناؤه يزن أعمال خلقه الحسنات منها والسّيّئات، كما قال جلّ ثناؤه: {فمن ثقلت موازينه}: موازين عمله الصّالح، {فأولئك هم المفلحون} يقول: فأولئك هم الّذين ظفروا بالنّجاح وأدركوا الفوز بالطّلبات، والخلود والبقاء في الجنّات، لتظاهر الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقوله:« ما وضع في الميزان شيءٌ أثقل من حسن الخلق»، ونحو ذلك من الأخبار الّتي تحقّق أنّ ذلك ميزانٌ يوزن به الأعمال على ما وصفت.
فإن أنكر ذلك جاهلٌ بتوجيه معنى خبر اللّه عن الميزان وخبر رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم عن وجهته، وقال: وكيف توزن الأعمال، والأعمال ليست بأجسامٍ توصف بالثّقل والخفّة، وإنّما توزن الأشياء ليعرف ثقلها من خفّتها وكثرتها من قلّتها، وذلك لا يجوز إلاّ على الأشياء الّتي توصف بالثّقل والخفّة والكثرة والقلّة؟
قيل له في قوله: وما وجه وزن اللّه الأعمال وهو العالم بمقاديرها قبل كونها؟: وزن ذلك نظير إثباته إيّاه في أمّ الكتاب، واستنساخه ذلك في الكتاب من غير حاجةٍ به إليه ومن غير خوفٍ من نسيانه، وهو العالم بكلّ ذلك في كلّ حالٍ ووقتٍ قبل كونه وبعد وجوده، بل ليكون ذلك حجّةً على خلقه، كما قال جلّ ثناؤه في تنزيله: {كلّ أمّةٍ تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون. هذا كتابنا ينطق عليكم بالحقّ} الآية، فكذلك وزنه تعالى أعمال خلقه بالميزان حجّةً عليهم ولهم، إمّا بالتّقصير في طاعته والتّضييع، وإمّا بالتّكميل والتّتميم.
وأمّا وجه جواز ذلك، فإنّه كما:
- حدّثني موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ، قال: حدّثنا جعفر بن عونٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن زيادٍ الإفريقيّ، عن عبد اللّه بن يزيد، عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: يؤتى بالرّجل يوم القيامة إلى الميزان، فيوضع في الكفّة، فيخرج له تسعةٌ وتسعون سجلًّا فيها خطاياه وذنوبه. قال: ثمّ يخرج له كتابٌ مثل الأنملة، فيها شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدًا عبده ورسوله -صلّى اللّه عليه وسلّم-. قال:« فتوضع في الكفّة فترجح بخطاياه وذنوبه».
فكذلك وزن اللّه أعمال خلقه بأن يوضع العبد وكتب حسناته في كفّةٍ من كفّتي الميزان، وكتب سيّئاته في الكفّة الأخرى، ويحدث اللّه تبارك وتعالى ثقلاً وخفّةً في الكفّة الّتي الموزون بها أولى احتجاجًا من اللّه بذلك على خلقه كفعله بكثيرٍ منهم من استنطاق أيديهم وأرجلهم، استشهادًا بذلك عليهم، وما أشبه ذلك من حججه.
ويسأل من أنكر ذلك، فيقال له: إنّ اللّه أخبرنا تعالى ذكره أنّه يثقّل موازين قومٍ في القيامة ويخفّف موازين آخرين، وتظاهرت الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بتحقيق ذلك، فما الّذي أوجب لك إنكار الميزان أن يكون هو الميزان الّذي وصفنا صفته الّذي يتعارفه النّاس؟ أحجّة عقلٍ؟ فقد يقال: وجه صحّته من جهة العقل، وليس في وزن اللّه جلّ ثناؤه خلقه وكتب أعمالهم، لتعريفهم أثقل القسمين منها بالميزان، خروجٌ من حكمةٍ، ولا دخولٌ في جورٍ في قضيّةٍ، فما الّذي أحال ذلك عندك من حجّةٍ أو عقلٍ أو خبرٍ؟ إذ كان لا سبيل إلى حقيقة القول بإفساد ما لا يدفعه العقل إلاّ من أحد الوجهين اللّذين ذكرت، ولا سبيل إلى ذلك. وفي عدم البرهان على صحّة دعواه من هذين الوجهين وضوح فساد قوله وصحّة ما قاله أهل الحقّ في ذلك.
وليس هذا الموضع من مواضع الإكثار في هذا المعنى على من أنكر الميزان الّذي وصفنا صفته، إذ كان قصدنا في هذا الكتاب البيان عن تأويل القرآن دون غيره، ولولا ذلك لقرنّا إلى ما ذكرنا نظائره، وفي الّذي ذكرنا من ذلك كفايةٌ لمن وفّق لفهمه إن شاء اللّه). [جامع البيان: 10/ 67-72]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({والوزن يومئذٍ الحقّ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون (8)}
قوله تعالى:
{والوزن يومئذٍ الحقّ}
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله:
{والوزن يومئذٍ الحقّ}، قال عبيد بن عميرٍ: يقول يؤتى بالرّجل الطّويل العظيم الأكول الشّروب فلا يزن جناح بعوضةٍ.
- حدّثنا أبي ثنا يحيى بن المغيرة، أنا جريرٌ عن الأعمش، عن مجاهدٍ:
{والوزن يومئذٍ الحقّ}، قال: العدل.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قوله:
{والوزن يومئذٍ الحقّ}، قال: الأعمال.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا إبراهيم بن موسى، أنا ابن أبي زائدة، عن ابن جريرٍ عن عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ:
{والوزن يومئذٍ الحقّ}، قال: القضاء.
قوله تعالى: {فمن ثقلت موازينه}
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى بن المغيرة، أنبأ جريرٌ عن الأعمش عن مجاهدٍ:
{فمن ثقلت موازينه}، قال: من ثقلت حسناته.
قوله تعالى: {فأولئك هم المفلحون}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان محمّد بن عمرٍو، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق قال: فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: {فأولئك هم المفلحون} أي الّذين أدركوا ما طلبوا، ونجوا من شرّ ما منه هربوا). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1440-1441]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن عبيد بن عمير الليثي في قوله عز وجل: {والوزن يومئذ الحق}، قال: يؤتى بالرجل العظيم الطويل الأكول الشروب فلا يزن عند الله جناح بعوضة). [تفسير مجاهد: 231]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج اللالكائي في السنة والبيهقي في البعث عن عمر بن الخطاب قال بينا نحن جلوس عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم في أناس إذ جاء رجل ليس عليه سحناء سفر وليس من أهل البلد يتخطى حتى ورك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يجلس أحدنا في الصلاة ثم وضع يده على ركبتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد ما الإسلام قال: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتم الوضوء وتصوم رمضان»، قال: فإن فعلت هذا فأنا مسلم قال: نعم، قال: صدقت يا محمد قال: ما الإيمان، قال: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالجنة والنار والميزان وتؤمن بالبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره»، قال: فإذا فعلت هذا فأنا مؤمن قال: نعم، قال: صدقت
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن مجاهد، في قوله: {والوزن يومئذ الحق}، قال: العدل، {فمن ثقلت موازينه}، قال: حسناته، {ومن خفت موازينه}، قال: حسناته.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم عن عبد الله بن العيزار قال: إن الأقدام يوم القيامة لمثل النبل في القرن والسعيد من وجد لقدميه موضعا وعند الميزان ملك
ينادي: ألا إن فلان بن فلان ثقلت موازينه وسعد سعادة لن يشقى بعدها أبدا ألا إن فلان بن فلان خفت موازينه وشقى شقاء لن يسعد بعده أبدا.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي، في قوله: {والوزن يومئذ الحق}، قال: توزن الأعمال.
- وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن وهب بن منبه قال: إنما يوزن من الأعمال خواتيمها فمن أراد الله به خيرا ختم له بخير عمله ومن أراد به شرا ختم له بشر عمله.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الحارث الأعور قال: إن الحق ليثقل على أهل الحق كثقله في الميزان وإن الحق ليخف على أهل الباطل كخفته في الميزان.
- وأخرج ابن المنذر واللالكائي عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: ذكر الميزان عند الحسن فقال: له لسان وكفتان.
- وأخرج أبو الشيخ عن كعب قال: يوضع الميزان بين شجرتين عند بيت المقدس.
- وأخرج ابن أبي الدنيا، وابن جرير واللالكائي عن حذيفة قال: صاحب الموازين يوم القيامة جبريل عليه السلام يرد بعضهم على بعض فيؤخذ من حسنات الظالم فترد على المظلوم فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فردت على الظالم.
- وأخرج أبو الشيخ عن الكلبي في قوله: {والوزن يومئذ الحق}، قال: أخبرني أبو صالح عن ابن عباس أنه قال: له لسان وكفتان يوزن فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم ومنازلهم في الجنة بما كانوا بآياتنا تظلمون
- وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون} قال: قال للنبي صلى الله عليه وسلم بعض أهله: يا رسول الله هل يذكر الناس أهليهم يوم القيامة، قال: «أما في ثلاث مواطن فلا، عند الميزان وعند تطاير الصحف في الأيدي وعند الصراط».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: يحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار ثم قرأ: {فمن ثقلت موازينه} الآيتين، ثم قال، إن الميزان يخف بمثقال حبة ويرجح ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف فوقفوا على الأعراف.
- وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الإخلاص عن علي بن أبي طالب قال: «من كان ظاهره أرجح من باطنه خف ميزانه يوم القيامة ومن كان باطنه أرجح من ظاهره ثقل ميزانه يوم القيامة».
- وأخرج أبو الشيخ، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوضع الميزان يوم القيامة فيوزن الحسنات والسيئات فمن رجحت حسناته على سيئاته دخل الجنة ومن رجحت سيئاته على حسناته دخل النار».
- وأخرج البزار، وابن مردويه واللالكائي والبيهقي عن أنس رفعه قال: إن ملكا موكل بالميزان فيؤتى بالعبد يوم القيامة فيوقف بين كفتي الميزان فإن ثقل ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق: سعد فلان بن فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا وإن خفت ميزانه نادى الملك: شقى فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد وأبو داود والآجري في الشريعة والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن عائشة، أنها ذكرت النار فبكت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مالك؟»، قالت: ذكرت النار فبكيت فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة قال: «أما في ثلاث مواطن فلا يذكر أحدا أحدا حيث توضع الميزان حتى يعلم أتخف ميزانه أم تثقل وعند تطاير الكتب» حين يقال: {هاؤم اقرؤوا كتابيه} [الحاقة: 19] حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه أم في شماله أو من وراء ظهره وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم حافتاه كلاليب كثيرة وحسك كثير يحبس الله بها من شاء من خلقه حتى يعلم أينجو أم لا.
- وأخرج الحاكم وصححه عن سلمان عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السموات والأرض لوسعت فتقول الملائكة: يا رب لمن يزن هذا فيقول الله: لمن شئت من خلقي، فتقول الملائكة: سبحانك، ما عبدناك حق عبادتك ويوضع الصراط مثل حد الموس فتقول الملائكة: من تنحى على هذا فيقول: من شئت من خلقي، فيقولون: سبحانك، ما عبدناك حق عبادتك».
-لاوأخرج ابن المبارك في الزهد والآجري في الشريعة واللالكائي عن سلمان قال: يوضع الميزان وله كفتان لو وضع في إحداهما السموات والأرض ومن فيهن لوسعه فتقول الملائكة: من يزن هذا فيقول: من شئت من خلقي، فتقول الملائكة: سبحانك، ما عبدناك حق عبادتك.
- وأخرج ابن مردويه عن عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خلق الله كفتي الميزان مثل السموات والأرض، فقالت الملائكة: يا ربنا من تزن بهذا قال: أزن به من شئت، وخلق الله الصراط كحد السيف فقالت الملائكة: يا ربنا من تجيز على هذا قال: أجيز عليه من شئت».
- وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: الميزان له لسان وكفتان يوزن فيه الحسنات والسيئات فيؤتى بالحسنات في أحسن صورة فتوضع في كفة الميزان فتثقل على السيئات فتؤحذ فتوضع في الجنة عند منازله ثم يقال للمؤمن: إلحق بعملك، فينطلق إلى الجنة فيعرف منازله بعمله ويؤتى بالسيئات في أقبح صورة فتوضع في كفة الميزان فتخف - والباطل خفيف - فتطرح في جهنم إلى منازله فيها ويقال له: إلحق بعملك إلى النار، فيأتي النار فيعرف منازله بعمله وما أعد الله له فيها من ألوان العذاب، قال ابن عباس: فلهم أعرف بمنازلهم في الجنة والنار بعملهم من القوم ينصرفون يوم الجمعة راجعين إلى منازلهم.
- وأخرج الترمذي وحسنه والبيهقي في البعث عن أنس قال: سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة فقال: «أنا فاعل»، قلت: يا رسول الله أين أطلبك، قال: «اطلبني أول ما تطلبني على الصراط»، قلت: فإن لم ألقك على الصراط قال: «فاطلبني عند الميزان»، قلت: فإن لم ألقك عند الميزان قال: «فاطلبني عند الحوض فإني لا أخطئ هذه الثلاثة مواطن».
- وأخرج أحمد والترمذي، وابن ماجة، وابن حبان والحاكم وصححه، وابن مردويه واللالكائي والبيهقي في البعث عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر فيقول: أتنكر من هذا شيئا أظلمك كتبتي الحافظون فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذرا وحسنة فيهاب الرجل فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقال: إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله شيء»
- وأخرج أحمد بسند حسن عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «توضع الموازين يوم القيامة فيؤتي بالرجل فيوضع في كفه ويوضع ما أحصى عليه فتمايل به الميزان فيبعث به إلى النار فإذا أدبر به صائح يصيح من عند الرحمن: لا تعجلوا لا تعلجوا فإنه قد بقي له، فيؤتي ببطاقة فيها: لا إله إلا الله، فتوضع مع الرجل في كفة حتى تميل به الميزان».
- وأخرج ابن أبي الدنيا والنميري في كتاب الاعلام عن عبد الله بن عمرو، قال: إن لآدم عليه السلام من الله عز وجل موقفا في فسح من العرش عليه ثوبان أخضران كأنه سحوق ينظر إلى من ينطلق به من ولده إلى الجنة وينظر إلى من ينطلق به من ولده إلى النار فبينا آدم على ذلك إذا نظر إلى رجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ينطلق به إلى النار فينادي آدم: يا أحمد يا أحمد، فيقول: لبيك يا أبا البشر، فيقول: هذا رجل من أمتك ينطلق به إلى النار فأشد المئزر وأسرع في أثر الملائكة وأقول: يا رسل ربي قفوا، فيقولون: نحن الغلاظ الشداد الذين لا نعصى الله ما أمرنا ونفعل ما نؤمر، فإذا أيس النّبيّ صلى الله عليه وسلم قبض على لحيته بيده اليسرى واستقبل العرش بوجهه فيقول: يا رب قد وعدتني أن لا تخزيني في أمتي قيأتي النداء من عند العرش: أطيعوا محمدا وردوا هذا العبد إلى المقام، فأخرج من حجزتي بطاقة بيضاء كالأنملة فألقيها في كفة الميزان اليمنى وأنا أقول: بسم الله، فترجح الحسنات على السيئات فينادي سعد وسعد جده وثقلت موازينه: انطلقوا به إلى الجنة فيقول: يا رسل ربي قفوا حتى أسأل هذا العبد الكريم على ربه، فيقول: بأبي أنت وأمي ما أحسن وجهك وأحسن خلقك من أنت فقد: أقلتني عثرتي، فيقول: أنا نبيك محمد وهذه صلاتك التي كنت تصلي علي وافتك أحوج ما تكون إليها.
- وأخرج الطبراني في الأوسط، عن جابر، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال:« أول ما يوضع في ميزان العبد نفقته على أهله»
- وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن ماجة واللالكائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم».
- وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لو جيء بالسموات والأرض ومن فيهن وما بينهن وما تحتهن فوضعن في كفة الميزان ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في الكفة الأخرى لرجحت بهن».
- وأخرج ابن أبي الدنيا والبزار وأبو يعلى والطبراني والبيهقي بسند جيد عن أنس قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر، فقال: «ألا أدلك على خصلتين هما خفيفتان على الظهر وأثقل في الميزان من غيرهما» قال: بلى يا رسول الله، قال: «عليك بحسن الخلق وطول الصمت فوالذي نفسي بيده ما عمل الخلائق بمثلهما»
- وأخرج ابن أبي شيبة عن ميمون بن مهران قال: قلت لأم الدرداء: أما سمعت من النّبيّ صلى الله عليه وسلم شيئا قالت: نعم دخلت عليه فسمعته يقول: «أول ما يوضع في الميزان الخلق الحسن».
- وأخرج أبو داود والترمذي وصحح، وابن حبان واللالكائي عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من شيء يوضع في الميزان يوم القيامة أثقل من خلق حسن».
- وأخرج الطبراني في الأوسط عن عمر بن الخطاب قال: أعطيت ناقة في سبيل الله فأردت أن أشتري من نسلها فسألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «دعها تأتي يوم القيامة هي وأولادها جميعا في ميزانك».
- وأخرج أبو نعيم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قضى لأخيه حاجة كنت واقفا عند ميزانه فإن رجح وإلا شفعت».
- وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن مغيث بن سمى وعن مسروق قالا: تعبد راهب في صومعة ستين سنة فنظر يوما في غب السماء فقال: لو نزلت فإني لا أرى أحدا فشربت من الماء وتوضأت ثم رجعت إلى مكاني فتعرضت له امرأة فتكشفت له فلم يملك نفسه أن وقع عليها فدخل بعض تلك الغدران يغتسل فيه وأدركه الموت وهو على تلك الحال ومر به سائل فأومأ إليه أن خذ الرغيف رغيفا كان في كسائه فأخذ المسكين الرغيف ومات فجيء بعمل ستين سنة فوضع في كفة وجيء بخطيئته فوضعت في كفة فرجحت بعمله حتى جيء بالرغيف فوضع مع عمله فرجح بخطيئته.
- وأخرج الطبراني في الأوسط عن سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بخ بخ خمس ما أثقلهن في الميزان، سبحان الله ولا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر وفرط صالح يفرطه المسلم».
- وأخرج أبو يعلى، وابن حبان عن عمرو بن حريث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أنفقت عن خادمك من عمله كان لك أجره في موازينك».
- وأخرج ابن عساكر بسند ضغيف عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «من توضأ فمسح بثوب نظيف فلا بأس به ومن لم يفعل فهو أفضل لأن الوضوء يوزن يوم القيامة مع سائر الأعمال».
- وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن سعيد بن المسيب أنه كره المنديل بعد الوضوء وقال: هو يوزن.
- وأخرج الترمذي والبيهقي في شعب الإيمان عن الزهري قال: إنما كره المنديل بعد الوضوء لأن كل قطرة توزن.
- وأخرج المرهبي في فضل العلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودماء الشهداء فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء».
- وأخرج الديلمي من حديث ابن عمر، وابن عمرو، مثله.
- وأخرج عبد البر في فضل العلم عن إبراهيم النخعي، قال: يجاء بعمل الرجل فيوضع في كفة ميزانه يوم القيامة فيخف فيجاء بشيء أمثال الغمام فيوضع في كفة ميزانه فترجح فيقال له: أتدري ما هذا فيقول: لا، فيقال له: هذا فضل العلم الذي كنت تعلمه الناس.
- وأخرج ابن المبارك في الزهد عن حماد بن أبي سليمان قال: يجيء رجل يوم القيامة فيرى عمله محتقرا فبينما هو كذلك إذ جاءه مثل السحاب حتى يقع في ميراثه فيقال: هذا ما كنت تعلم الناس من الخير فورث بعدك فأجرت فيه.
- وأخرج ابن المبارك عن أبي الدرداء قال: من كان الأجوفان همه خسر ميزانه يوم القيامة.
- وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن ليث قال: قال عيسى بن مريم عليه السلام: أمة محمد أثقل الناس في الميزان ذلت ألسنتهم بكلمة ثقلت على من كان قبلهم: لا إله إلا الله.
- وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أيوب قال: سمعت من غير واحد من أصحابنا: إن العبد يوقف على الميزان يوم القيامة فينظر في الميزان وينظر إلى صاحب الميزان فيقول صاحب الميزان: يا عبد الله أتفقد من عملك ذلك شيئا فيقول: نعم، فيقول: ماذا فيقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فيقول صاحب الميزان: هي أعظم من أن توضع في الميزان، قال موسى بن عبيدة: سمعت أنها تأتي يوم القيامة تجادل عمن كان يقولها في الدنيا جدال الخصم
- وأخرج أبو داود والحاكم عن أبي الأزهر زهير الأنماري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه، قال: «اللهم اغفر لي وأخس شيطاني وفك رهاني وثقل ميزاني واجعلني في الندى الأعلى»). [الدر المنثور: 6/ 320-334]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)}

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): (قوله تعالى: {والوزن يومئذٍ الحقّ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون (8) ومن خفّت موازينه فأولئك الّذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا يزيد بن هارون، عن سعيد بن المرزبان، عن (عبد الرّحمن بن) عبد اللّه بن سابطٍ، قال: لمّا بلغ النّاس، أنّ أبا بكرٍ يريد أن يستخلف عمر، قالوا: ماذا يقول لربّه إذا لقيه؟ استخلف علينا فظًّا غليظًا وهو لا يقدر على شيءٍ، فكيف لو قدر؟ فبلغ ذلك أبا بكرٍ فقال: أبربّي تخوّفوني؟ أقول: استخلفت خير أهلك، ثمّ أرسل إلى عمر فقال: إنّ لله عملاً بالليل لا يقبله بالنّهار، وعملًا بالنّهار، لا يقبله باللّيل، واعلم أنّه لن تقبل نافلةٌ حتّى تؤدّوا الفريضة، ألم تر أنّ اللّه ذكر أهل الجنّة فذكرهم بأحسن أعمالهم، وذلك أنّه تجاوز عن سيّئةٍ حتّى يقول القائل: أنّى يبلغ عملي هذا؟ ألم تر أن اللّه حين ذكر أهل النّار فذكرهم بأسوأ أعمالهم، وذلك أنّه ردّ عليهم حسنةً فلم تقبل منهم حتّى يقول القائل: عملي خيرٌ من هذا؟ ألم تر أنّ اللّه أنزل الرّغبة والرّهبة لكي يرهب المؤمن فيعمل، وكي يرغّب فلا يلقي بيديه إلى التّهلكة؟ ألم تر أنّ من ثقلت موازينه يوم القيامة ثقلت موازينهم باتّباعهم الحقّ وتركهم الباطل، فثقل ذلك عليهم، وحقّ لميزانٍ أن لا يوضع فيه إلّا الحقّ أن يثقل؟ ألم تر أنّ ما خفّت موازين من خفّت موازينه (إلّا) باتّباعهم الباطل وتركهم الحقّ، وحقّ لميزانٍ أن لا يوضع فيه إلّا الباطل أن يخفّ؟ ثمّ قال: أما إن حفظت وصيّتي لم يكن غائبٌ أحبّ إليك من الموت وأنت لا بدّ لاقيه، وإن أنت ضيّعت وصيّتي لم يكن غائبٌ أبغض إليك من الموت ولا تعجزه). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 133-134] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن خفّت موازينه فأولئك الّذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون}.
يقول جلّ ثناؤه: ومن خفّت موازين أعماله الصّالحة فلم تثقل بإقراره بتوحيد اللّه والإيمان به وبرسوله واتّباعٍ ونهيه، فأولئك الّذين غبنوا أنفسهم حظوظها من جزيل ثواب اللّه وكرامته، {بما كانوا بآياتنا يظلمون}، يقول: بما كانوا بحجج اللّه وأدلّته يجحدون، فلا يقرّون بصحّتها، ولا يوقنون بحقيقتها.
- كالّذي حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن مجاهدٍ: {ومن خفّت موازينه}، قال: حسناته.
وقيل: {فأولئك} و{من} في لفظ الواحد، لأنّ معناه الجمع، ولو جاء موحّدًا كان صوابًا فصيحًا). [جامع البيان: 10/ 72-73]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ومن خفّت موازينه فأولئك الّذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون (9)}
قوله تعالى: {ومن خفّت موازينه}
- حدّثنا أبي ثنا يحيى بن المغيرة، أنا جريرٌ عن الأعمش عن مجاهدٍ: قوله: {ومن خفّت موازينه}، قال: من خفّت حسناته.
قوله تعالى: {فأولئك الذين خسروا أنفسهم}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو أسامة، عن مالك بن مغولٍ قال: سمعت عبيد الله بن الغيزار قال: إنّ الأقدام يوم القيامة لمثل النّبل في القرن، والسعيدٌ من وجد لقدميه موضعًا، وعند الميزان ملكٌ ينادي: ألا أنّ فلان بن فلانٍ ثقلت موازينه، سعد سعادةً لن يشقى بعدها أبدًا، ألا أنّ فلان بن فلانٍ خفّت موازينه، شقي لن يسعد بعدها أبدًا). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1441]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج اللالكائي في السنة والبيهقي في البعث، عن عمر بن الخطاب، قال: بينما نحن جلوس عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم في أناس، إذ جاء رجل ليس عليه سحناء سفر وليس من أهل البلد يتخطى حتى ورك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يجلس أحدنا في الصلاة ثم وضع يده على ركبتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد ما الإسلام قال: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتم الوضوء وتصوم رمضان»، قال: فإن فعلت هذا فأنا مسلم قال: نعم، قال: صدقت يا محمد قال: ما الإيمان قال: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالجنة والنار والميزان وتؤمن بالبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره»، قال: فإذا فعلت هذا فأنا مؤمن قال: نعم، قال: صدقت
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن مجاهد، في قوله: {والوزن يومئذ الحق}، قال: العدل، {فمن ثقلت موازينه}؛ قال: حسناته، {ومن خفت موازينه}؛ قال: حسناته.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم، عن عبد الله بن العيزار، قال: إن الأقدام يوم القيامة لمثل النبل في القرن والسعيد من وجد لقدميه موضعا وعند الميزان ملك ينادي: ألا إن فلان بن فلان ثقلت موازينه وسعد سعادة لن يشقى بعدها أبدا ألا إن فلان بن فلان خفت موازينه وشقى شقاء لن يسعد بعده أبدا.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {والوزن يومئذ الحق}، قال: توزن الأعمال.
- وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن وهب بن منبه قال: إنما يوزن من الأعمال خواتيمها فمن أراد الله به خيرا ختم له بخير عمله ومن أراد به شرا ختم له بشر عمله.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الحارث الأعور قال: إن الحق ليثقل على أهل الحق كثقله في الميزان وإن الحق ليخف على أهل الباطل كخفته في الميزان.
- وأخرج ابن المنذر واللالكائي عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: ذكر الميزان عند الحسن فقال: له لسان وكفتان.
- وأخرج أبو الشيخ عن كعب قال: يوضع الميزان بين شجرتين عند بيت المقدس.
- وأخرج ابن أبي الدنيا، وابن جرير واللالكائي عن حذيفة قال: صاحب الموازين يوم القيامة جبريل عليه السلام يرد بعضهم على بعض فيؤخذ من حسنات الظالم فترد على المظلوم فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فردت على الظالم.
- وأخرج أبو الشيخ عن الكلبي في قوله: {والوزن يومئذ الحق}، قال: أخبرني أبو صالح عن ابن عباس أنه قال: له لسان وكفتان يوزن فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم ومنازلهم في الجنة بما كانوا بآياتنا تظلمون
- وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون}، قال: قال للنبي صلى الله عليه وسلم بعض أهله: يا رسول الله هل يذكر الناس أهليهم يوم القيامة، قال: «أما في ثلاث مواطن فلا، عند الميزان وعند تطاير الصحف في الأيدي وعند الصراط».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: يحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار ثم قرأ: {فمن ثقلت موازينه} الآيتين، ثم قال، إن الميزان يخف بمثقال حبة ويرجح ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف فوقفوا على الأعراف.
- وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الإخلاص عن علي بن أبي طالب، قال:« من كان ظاهره أرجح من باطنه خف ميزانه يوم القيامة ومن كان باطنه أرجح من ظاهره ثقل ميزانه يوم القيامة».
- وأخرج أبو الشيخ، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوضع الميزان يوم القيامة فيوزن الحسنات والسيئات فمن رجحت حسناته على سيئاته دخل الجنة ومن رجحت سيئاته على حسناته دخل النار».
- وأخرج البزار، وابن مردويه واللالكائي والبيهقي عن أنس رفعه قال: إن ملكا موكل بالميزان فيؤتى بالعبد يوم القيامة فيوقف بين كفتي الميزان فإن ثقل ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق: سعد فلان بن فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا وإن خفت ميزانه نادى الملك: شقى فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد وأبو داود والآجري في الشريعة والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن عائشة، أنها ذكرت النار فبكت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مالك؟»، قالت: ذكرت النار فبكيت فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة قال: «أما في ثلاث مواطن فلا يذكر أحدا أحدا حيث توضع الميزان حتى يعلم أتخف ميزانه أم تثقل وعند تطاير الكتب » حين يقال: {هاؤم اقرؤوا كتابيه} [الحاقة: 19] حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه أم في شماله أو من وراء ظهره وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم حافتاه كلاليب كثيرة وحسك كثير يحبس الله بها من شاء من خلقه حتى يعلم أينجو أم لا.
- وأخرج الحاكم وصححه عن سلمان عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: «يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السموات والأرض لوسعت فتقول الملائكة: يا رب لمن يزن هذا فيقول الله: لمن شئت من خلقي، فتقول الملائكة: سبحانك، ما عبدناك حق عبادتك ويوضع الصراط مثل حد الموس فتقول الملائكة: من تنحى على هذا فيقول: من شئت من خلقي، فيقولون: سبحانك، ما عبدناك حق عبادتك».
- وأخرج ابن المبارك في الزهد والآجري في الشريعة واللالكائي عن سلمان قال: يوضع الميزان وله كفتان لو وضع في إحداهما السموات والأرض ومن فيهن لوسعه فتقول الملائكة: من يزن هذا فيقول: من شئت من خلقي، فتقول الملائكة: سبحانك، ما عبدناك حق عبادتك.
- وأخرج ابن مردويه عن عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خلق الله كفتي الميزان مثل السموات والأرض، فقالت الملائكة: يا ربنا من تزن بهذا قال: أزن به من شئت، وخلق الله الصراط كحد السيف فقالت الملائكة: يا ربنا من تجيز على هذا قال: أجيز عليه من شئت».
- وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: الميزان له لسان وكفتان يوزن فيه الحسنات والسيئات فيؤتى بالحسنات في أحسن صورة فتوضع في كفة الميزان فتثقل على السيئات فتؤحذ فتوضع في الجنة عند منازله ثم يقال للمؤمن: إلحق بعملك، فينطلق إلى الجنة فيعرف منازله بعمله ويؤتى بالسيئات في أقبح صورة فتوضع في كفة الميزان فتخف - والباطل خفيف - فتطرح في جهنم إلى منازله فيها ويقال له: إلحق بعملك إلى النار، فيأتي النار فيعرف منازله بعمله وما أعد الله له فيها من ألوان العذاب، قال ابن عباس: فلهم أعرف بمنازلهم في الجنة والنار بعملهم من القوم ينصرفون يوم الجمعة راجعين إلى منازلهم.
- وأخرج الترمذي وحسنه والبيهقي في البعث عن أنس قال: سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أن يشفع لي يوم القيامة، فقال: «أنا فاعل»، قلت: يا رسول الله أين أطلبك قال: «اطلبني أول ما تطلبني على الصراط»، قلت: فإن لم ألقك على الصراط قال: «فاطلبني عند الميزان»، قلت: فإن لم ألقك عند الميزان قال: «فاطلبني عند الحوض فإني لا أخطئ هذه الثلاثة مواطن».
- وأخرج أحمد والترمذي، وابن ماجة، وابن حبان والحاكم وصححه، وابن مردويه واللالكائي والبيهقي في البعث عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر فيقول: أتنكر من هذا شيئا أظلمك كتبتي الحافظون فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذرا وحسنة فيهاب الرجل فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقال: إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله شيء».
- وأخرج أحمد بسند حسن عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «توضع الموازين يوم القيامة فيؤتي بالرجل فيوضع في كفه ويوضع ما أحصى عليه فتمايل به الميزان فيبعث به إلى النار فإذا أدبر به صائح يصيح من عند الرحمن: لا تعجلوا لا تعلجوا فإنه قد بقي له، فيؤتي ببطاقة فيها: لا إله إلا الله، فتوضع مع الرجل في كفة حتى تميل به الميزان».
- وأخرج ابن أبي الدنيا والنميري في كتاب الاعلام عن عبد الله بن عمرو قال إن لآدم عليه السلام من الله عز وجل موقفا في فسح من العرش عليه ثوبان أخضران كأنه سحوق ينظر إلى من ينطلق به من ولده إلى الجنة وينظر إلى من ينطلق به من ولده إلى النار فبينا آدم على ذلك إذا نظر إلى رجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ينطلق به إلى النار فينادي آدم: يا أحمد يا أحمد، فيقول: لبيك يا أبا البشر، فيقول: هذا رجل من أمتك ينطلق به إلى النار فأشد المئزر وأسرع في أثر الملائكة وأقول: يا رسل ربي قفوا، فيقولون: نحن الغلاظ الشداد الذين لا نعصى الله ما أمرنا ونفعل ما نؤمر، فإذا أيس النّبيّ صلى الله عليه وسلم قبض على لحيته بيده اليسرى واستقبل العرش بوجهه فيقول: يا رب قد وعدتني أن لا تخزيني في أمتي قيأتي النداء من عند العرش: أطيعوا محمدا وردوا هذا العبد إلى المقام، فأخرج من حجزتي بطاقة بيضاء كالأنملة فألقيها في كفة الميزان اليمنى وأنا أقول: بسم الله، فترجح الحسنات على السيئات فينادي سعد وسعد جده وثقلت موازينه: انطلقوا به إلى الجنة فيقول: يا رسل ربي قفوا حتى أسأل هذا العبد الكريم على ربه، فيقول: بأبي أنت وأمي ما أحسن وجهك وأحسن خلقك من أنت فقد: أقلتني عثرتي، فيقول: أنا نبيك محمد وهذه صلاتك التي كنت تصلي علي وافتك أحوج ما تكون إليها.
- وأخرج الطبراني في الأوسط، عن جابر، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: «أول ما يوضع في ميزان العبد نفقته على أهله»
- وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن ماجة واللالكائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم».
- وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لو جيء بالسموات والأرض ومن فيهن وما بينهن وما تحتهن فوضعن في كفة الميزان ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في الكفة الأخرى لرجحت بهن».
- وأخرج ابن أبي الدنيا والبزار وأبو يعلى والطبراني والبيهقي بسند جيد عن أنس قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر فقال: «ألا أدلك على خصلتين هما خفيفتان على الظهر وأثقل في الميزان من غيرهما» قال: بلى يا رسول الله، قال:« عليك بحسن الخلق وطول الصمت فوالذي نفسي بيده ما عمل الخلائق بمثلهما»
- وأخرج ابن أبي شيبة عن ميمون بن مهران قال: قلت لأم الدرداء: أما سمعت من النّبيّ صلى الله عليه وسلم شيئا قالت: «نعم دخلت عليه فسمعته يقول أول ما يوضع في الميزان الخلق الحسن»».
- وأخرج أبو داود والترمذي وصحح، وابن حبان واللالكائي عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من شيء يوضع في الميزان يوم القيامة أثقل من خلق حسن».
- وأخرج الطبراني في الأوسط عن عمر بن الخطاب قال: أعطيت ناقة في سبيل الله فأردت أن أشتري من نسلها فسألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: دعها تأتي يوم القيامة هي وأولادها جميعا في ميزانك.
- وأخرج أبو نعيم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قضى لأخيه حاجة كنت واقفا عند ميزانه فإن رجح وإلا شفعت».
- وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن مغيث بن سمى وعن مسروق قالا: تعبد راهب في صومعة ستين سنة فنظر يوما في غب السماء فقال: لو نزلت فإني لا أرى أحدا فشربت من الماء وتوضأت ثم رجعت إلى مكاني فتعرضت له امرأة فتكشفت له فلم يملك نفسه أن وقع عليها فدخل بعض تلك الغدران يغتسل فيه وأدركه الموت وهو على تلك الحال ومر به سائل فأومأ إليه أن خذ الرغيف رغيفا كان في كسائه فأخذ المسكين الرغيف ومات فجيء بعمل ستين سنة فوضع في كفة وجيء بخطيئته فوضعت في كفة فرجحت بعمله حتى جيء بالرغيف فوضع مع عمله فرجح بخطيئته.
- وأخرج الطبراني في الأوسط عن سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بخ بخ خمس ما أثقلهن في الميزان، سبحان الله ولا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر وفرط صالح يفرطه المسلم».
- وأخرج أبو يعلى، وابن حبان عن عمرو بن حريث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أنفقت عن خادمك من عمله كان لك أجره في موازينك».
- وأخرج ابن عساكر بسند ضغيف عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «من توضأ فمسح بثوب نظيف فلا بأس به ومن لم يفعل فهو أفضل لأن الوضوء يوزن يوم القيامة مع سائر الأعمال».
- وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن سعيد بن المسيب أنه كره المنديل بعد الوضوء وقال: هو يوزن.
- وأخرج الترمذي والبيهقي في شعب الإيمان عن الزهري قال: إنما كره المنديل بعد الوضوء لأن كل قطرة توزن.
- وأخرج المرهبي في فضل العلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودماء الشهداء فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء».
- وأخرج الديلمي من حديث ابن عمر، وابن عمرو، مثله.
- وأخرج عبد البر في فضل العلم عن إبراهيم النخعي قال: يجاء بعمل الرجل فيوضع في كفة ميزانه يوم القيامة فيخف فيجاء بشيء أمثال الغمام فيوضع في كفة ميزانه فترجح فيقال له: أتدري ما هذا فيقول: لا، فيقال له: هذا فضل العلم الذي كنت تعلمه الناس.
- وأخرج ابن المبارك في الزهد عن حماد بن أبي سليمان قال: يجيء رجل يوم القيامة فيرى عمله محتقرا فبينما هو كذلك إذ جاءه مثل السحاب حتى يقع في ميراثه فيقال: هذا ما كنت تعلم الناس من الخير فورث بعدك فأجرت فيه.
- وأخرج ابن المبارك عن أبي الدرداء قال: من كان الأجوفان همه خسر ميزانه يوم القيامة.
- وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن ليث قال: قال عيسى بن مريم عليه السلام: أمة محمد أثقل الناس في الميزان ذلت ألسنتهم بكلمة ثقلت على من كان قبلهم: لا إله إلا الله.
- وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أيوب قال: سمعت من غير واحد من أصحابنا: إن العبد يوقف على الميزان يوم القيامة فينظر في الميزان وينظر إلى صاحب الميزان فيقول صاحب الميزان: يا عبد الله أتفقد من عملك ذلك شيئا فيقول: نعم، فيقول: ماذا فيقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فيقول صاحب الميزان: هي أعظم من أن توضع في الميزان، قال موسى بن عبيدة: سمعت أنها تأتي يوم القيامة تجادل عمن كان يقولها في الدنيا جدال الخصم.
- وأخرج أبو داود والحاكم عن أبي الأزهر زهير الأنماري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه، قال: «اللهم اغفر لي وأخس شيطاني وفك رهاني وثقل ميزاني واجعلني في الندى الأعلى»). [الدر المنثور: 6/ 320-334] (م)


رد مع اقتباس