عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 26 رجب 1440هـ/1-04-2019م, 06:17 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

الفصل السابع: في الهمزة وأحكامها
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (الفصل السابع: في الهمزة وأحكامها

اعلم أن الهمزة لما كانت خارجة من أقصى الحلق استحبت العرب تخفيفها استثقالًا لإخراج ما هو كالتهوع، فالهمزة عندهم على ضربين:
أحدهما أن تكون محققة، وهي الأصل.
والآخر أن تكون مخففة.
فالأول لا كلام فيه لكونه أصلًا، وأما الثاني وهو تخفيف الهمزة، فإن الهمزة في التخفيف لا تخلو من أن تكون ساكنة أو متحركة.
فإن كانت ساكنة فإن ما قبلها متحرك، ثم لا تخلو حركة ما قبلها من أن تكون ضمة أو كسرة أو فتحة.
فإن كانت حركة ما قبل الهمزة الساكنة ضمة، كان تخفيفها بأن تقلب الهزة واوًا نحو: جونة في جؤنة، ولوم في لؤم، وفي التنزيل: (تسوكم)
[الموضح: 185]
و (سولك).
وإن كانت حركة ما قبلها كسرة قلبت الهمزة ياءً نحو: بير وذيب في بئر وذئب، وفي التنزيل (شيت) و(هيي لنا).
وإن كانت حركة ما قبلها فتحة قلبت الهمزة ألفًا، نحو: راس وفاس في رأس وفأس، وفي التنزيل (ننساها) و(الماوى).
والمنفصل في الأحوال الثلاثة أعني في كون ما قبل الهمزة مضمومًا أو مكسورًا أو مفتوحًا يجري مجرى المتصل في انقلابها واوًا للضمة، وباء للكسرة، وألفًا للفتحة، كقوله تعالى (يقولو ذن) و(اللذيتمن) و(هداتنا) في (يقولو ائذن) و(فليؤد الذي اؤتمن) و(إلى الهدى ائتنا). وإنما
[الموضح: 186]
قلبت الهمزة الساكنة إلى حروف العلة على حسب حركة ما قبلها في حال التخفيف لشبه الهمزة بحروف العلة، فإن حروف العلة الساكنة تنقلب على حسب حركات ما قبلها، فتصير لأجل الضمة واوًا، ولأجل الكسرة ياءً، ولأجل الفتحة ألفًا، نحو: موسر وميعاد وياجل، فكذلك قلبوا الهمزة الساكنة عند التخفيف إلى الحركة من جنسه.
فأما إذا كانت الهمزة متحركة فلا يخلو ما قبلها من أن يكون ساكنًا أو متحركًا، فإن كان ما قبلها ساكنًا فلا يخلو الساكن من أن يكون حرفًا صحيحًا أو حرف علةٍ، فإن كان حرفًا صحيحًا كان تخفيف الهمزة بأن تحذف وتنقل حركتها إلى الساكن الذي قبلها نحو: "يخرج الخب" و"بين المر".
ومن ذلك: أحمر وأولى، إذا أدخلت على كل واحد منهما لام التعريف نحو: الأحمر والأولى، فإذا خففت فإنك تنقل حركة الهمزة إلى لام التعريف فتحذف الهمزة استغناء عنها بحركة اللام، فتقول: ألحمر، ألولي، فإذا فعلت ذلك كان فيه مذهبان:
فمذهب أبي الحسن أن تحذف همزة الوصل لتحرك لام التعريف بنقل حركة الهمزة إليها فتقول: لحمر لولي.
[الموضح: 187]
ومذهب سيبويه أن تبقي همزة الوصل ولا تحذفها؛ لأن لام التعريف وإن تحركت بحركة الهمزة المحذوفة فهي في نية السكون؛ لأن الهمزة في نية الوجود فتقول: الحمر ألولي.
فعلى مذهب أبي الحسن تقول: من لان، و"قالوا لان"، وعلى قياس مذهب سيبويه: قال لان ومن لان، ويجوز ملان، وأبو علي يختاره، فمن حرك النون من: من، فإنه قدر اللام ساكنة؛ لن همزة آن في نية الوجود فحرك نون من بالفتح لالتقاء الساكنين كما تقول: من الرجل، ومن حذف النون من ن وقال ملان فإنه لما قدر اللام ساكنة حذف النون من من لالتقاء الساكنين، وحكم التقاء الساكنين كما (يكون) بتحريك أحدهما، فقد يكون أيضًا بحذف أحدهما.
وإنما جُعل تخفيف الهمزة في هذا الموضع بنقل حركتها إلى ما قبلها
[الموضح: 188]
وحذف الهمزة؛ لأنه لم يكن هاهنا طريقٌ إلى قلب الهمزة حرف لين لسكون ما قبلها كراهة اجتمع الساكنين، ولا إلى جعلها بين بين أيضًا لذلك، فإن الهمزة إذا كانت بين بين كانت قريبة من الساكن فجعل تخفيفها بالحذف لذلك.
وأما إذا كان الساكن الذي قبل الهمزة حرف علة لم يخل ذلك الحرف من أن يكون واوًا أو ياء أو ألفًا:
فإن كان واوًا قلبت الهمزة أيضًا واوًا، وأدغم الواو في الواو نحو: مقروة في مقروءة ومكلو في مكلوء.
وإن كان حرف العلة ياء قلبت الهمزة أيضًا ساءً، وأدغمت الياء في الياء، نحو: خطية؛ والأصل: خطيئة، ونحو: النسي، والأصل: النسيءُ، وإنما قلبت الهمزة هاهنا؛ لأنها لم يمكن نقل حركتها إلى ما قبلها كما تقدم فيما قبل؛ لأن ما قبل الهمزة هاهنا حرف مدّ فلا يحتمل الحركة، ولم تجعل بين بين؛ لأن الهمزة لا تجعل بين بين إلا حيث يمكن أن يقع ساكن، وهاهنا لا يمكن وقوع الساكن؛ لأن الساكن لا يقع بعد الساكن، فقلبت الهمزة حرفًا من جنس ما قبلها فأدغم أحدهما في الآخر، فصار هذا بمنزلة حذف الهمزة، لأن الإدغام يجعل الحرفين في اللفظ كحرفٍ واحد.
وإن كان ما قبل الهمزة ألفًا جعلت الهمزة بين بين أعني بين الهمزة والحرف الذي من جنس حركة الهمزة وهو الألف؛ لأن حركة الهمزة فتحةٌ، وذلك نحو: هباءة ومساءة، ولم يجر الألف على قياس ما ذكرنا من الواو والياء؛ لأن الألف لا تدغم ولا يدغم فيها.
[الموضح: 189]
وإن كان ما قبل الهمزة المتحركة متحركًا، فإن الهمزة لا تخلو من أن تكون مفتوحة أو مضمومة أو مكسورة، فإن كانت مفتوحة وانضم ما قبلها قُلبت الهمزة واوًا نحو: جون وموذن، وإن انكسر ما قبلها قلبت ياء نحو: ميرٍ وفيه وماية، وإنما لم تجعل الهمزة في هذين الوجهين بين بين؛ لأن قبلها ضمة أو كسرة، والهمزة مفتوحة، فلو جعلت بين بين لجعلت بين الهمزة والألف، والألف لا يكون ما قبلها ضمة ولا كسرة، فقلبت حرفًا من جنس حركة ما قبلها؛ لأن الهمزة المفتوحة تشبه الهمزة الساكنة؛ لأن الفتحة كالسكون في الخفة، والهمزة الساكنة إذا انضم ما قبلها قلبت واوًا، وإذا انكسر ما قبلها قلبت ياءً على ما تقدم، وكذلك هاهنا.
وأما إذا كان ما قبل الهمزة المفتوحة مفتوحًا جعلت الهمزة بين بين أعني بين الهمزة والألف نحو: سأل وقرأ؛ لأنه لما انفتح ما قبلها صح جعلها بين بين؛ لأن في ذلك تقريبًا لها من الألف، والألف يكون ما قبلها مفتوحًا.
وإن كانت الهمزة مكسورة فما قبلها أيضًا لا يخلو من أن يكون مضمومًا أو مكسورًا أو مفتوحًا، وأيًا ما كان فإن الهمزة تجعل بين بين أعني بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركة الهمزة وهو الياء هاهنا نحو: سئل، ولعبد إبلك، و(سئم) الرجل.
وإن كانت الهمزة مضمومة فما قبلها أيضًا لا يخلو من ضمة أو كسرة أو فتحة، وأيًّا ما كانت جعلت الهمزة أيضًا بين بين أعني بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركتها وهو الواو هاهنا، وذلك نحو: هذا عبد أخته وروفٌ و"مستهزؤن"، فالهمزة في جميع ذلك تجعل بين بين، وجعل الهمزة بين
[الموضح: 190]
بين أجرى على القياس من جميع وجوه التخفيف؛ لأن الهمزة بأن تجعل بين بين لم تخرج عن حدها، وإنما حصل فيها التخفيف فحسب.
وأما الأخفش فإنه يقلب الهمزة في "مستهزؤن" ونحوه ياءً خالصة لأجل كسرة ما قبلها، ويقول: إن الهمزة هاهنا إذا جعلت بين بين صارت بين الهمزة والواو، والواو لا يكون ما قبلها مكسورًا، والذي ذكرناه من جعلها بين بين مذهب سيبويه وهو القياس عند النحويين، وذهبوا إلى بطلان مذهب الأخفش في ذلك؛ لأنه مصيرٌ إلى ما ليس في كلامهم؛ لأنه لا يجوز أن يُقال: يسترضيون، ولا: استرضيوا.
وأما انكسار ما قبل الواو فإن ذلك واقع نحو: ثورة ونحوها.
فأما الهمزتان إذا التقتا، فإن كانتا من كلمة واحدة، وكانت الأولى مفتوحة قلبت الثانية ألفًا سواء كانت ساكنة أو متحركة، فالثانية إذا كانت ساكنة فنحو قولهم: آدم وآخر، وإذا كانت متحركة فنحو: آلد، عند بعض القراء، وكذلك إن كانت الأولى مكسورة، فإن الثانية تقلب ياء نحو: "إيتنا" وجاء، وكذلك أيضًا إن كانت الأولى مضمومة فإن الثانية تقلب واوًا نحو: أومن وأوذن، وإنما تقلب إحدى الهمزتين لاجتماعهما، فإن الهمزة تثقل إذا كانت واحدة، فكيف إذا اجتمع اثنتان، وإنما قلبت الثانية دون الأولى؛ لأنها هي المتكررة، (فالاستثقال) بها أكثر، وأيضًا فقد تقع الهمزتان أولًا، فلو قلبت الأولى لكان فيه الابتداء بالساكن وهذا لا يجوز.
[الموضح: 191]
وإن كانت الهمزتان من كلمتين فإن من يرى تخفيف الهمزة يخفف إحداهما، ثم اختلفوا:-
فبعضهم يخفف الأولى ويحقق الثانية نحو قوله تعالى {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} و{عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ} و{أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ} وإلى هذا ذهب أبو عمرو؛ لأن الهمزة الأولى في آخر كلمة، والتغيير بالأواخر أليق، وبعضهم يحقق الأولى ويخفف الثانية، وهو مذهب الخليل قياسًا على ما إذا كانتا من كلمة واحدة). [الموضح: 192]


رد مع اقتباس