عرض مشاركة واحدة
  #54  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:29 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (176) إلى الآية (178) ]

{وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178)}

قوله تعالى: {وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا يحزنك الّذين... (176)
قرأ نافع: (ولا يحزنك الّذين) و(لا يحزنك قولهم) ونحو هذا بضم الياء وكسر الزاي في جميع القرآن، إلا قوله في سورة الأنبياء: (لا يحزنهم الفزع الأكبر) فإنه وافق القراء في هذه.
وقرأ الباقون بفتح الياء وضم الزاي في كل القرآن.
[معاني القراءات وعللها: 1/281]
قال أبو منصور: اللغة الجيدة (لا يحزنك) بفتح الياء، وبها قرأ أكثر القراء.
وأما قراءة نافع أحزن يحزن فهو لغة صحيحة، غير أن حزن يحزن أفشى وأكثر). [معاني القراءات وعللها: 1/282]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (62- وقوله تعالى: {ولا يحزنك الذين يسارعون} [176].
قرأ نافع وحده {يحزنك} بضم الياء في كل القرآن إلا قوله تعالى: {لا يحزنهم الفزع الأكبر}.
وقرأ الباقون بفتح ذلك كله وهما لغتان: حزن وأحزن والاختيار حزن لقولهم: محزون، ولا يقال: محزن، تقول: حزن يحزن حزنا وحزنا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/123]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الياء وضمّ الزاي، وضمّ الياء وكسر الزاي من قوله تعالى: ولا يحزنك [آل عمران/ 176].
فقرأ نافع وحده يحزنك* وليحزن [المجادلة/ 10] وإني ليحزنني [يوسف/ 13] بضم الياء، وكسر الزاي في كلّ القرآن إلّا في سورة الأنبياء: لا يحزنهم الفزع [الآية/ 103] فإنّه فتحها، يعني الياء، وضمّ الزاي.
وقرأ الباقون في جميع ذلك يحزن* بفتح الياء وضمّ الزاي في كلّ القرآن.
[قال أبو علي]: قال سيبويه تقول: فتن الرجل وفتنته، وحزن وحزنته. قال: وزعم الخليل أنّك حيث قلت: فتنته
[الحجة للقراء السبعة: 3/99]
وحزنته لم ترد أن تقول: جعلته حزينا وجعلته فاتنا، كما أنّك حين قلت: أدخلته، أردت: جعلته داخلا، ولكنك أردت أن تقول: جعلت فيه حزنا وفتنة، فقلت: فتنته، كما قلت: كحلته، أي: جعلت فيه كحلا، ودهنته جعلت فيه دهنا، فجئت بفعلته على حدّه. ولم ترد بفعلته هاهنا تغيير قوله: حزن وفتن، ولو أردت ذلك لقلت أحزنته، وأفتنته، وفتن من فتنته، كحزن من حزنته. قال: وقال بعض العرب: أفتنت الرجل، وأحزنته: أراد جعلته حزينا وفاتنا، فغيروا فعل.
قال أبو علي: فهذا الذي حكاه عن بعض العرب حجة نافع في قراءته ليحزنني وأمّا قراءته: لا يحزنهم الفزع الأكبر [الأنبياء/ 103] فعلى أنّه يشبه أن يكون تبع فيه أثرا أو أحبّ الأخذ بالوجهين إذ كان كل واحد منهما جائزا). [الحجة للقراء السبعة: 3/100]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحر النحوي: [يُسْرِعون] في كل القرآن.
قال أبو الفتح: معنى {يسارعون} في قراءة العامة: أي يسابقون غيرهم، فهو أسرع لهم وأظهر خفوفًا بهم، وأما [يسرعون] فأضعف معنى في السرعة من يسارعون؛ لأن مَن سابق غيره أحرص على التقدم ممن آثر الخفوف وحده، وأما سَرُع فعادة ونحيزة؛ أي: صار سريعًا في نفسه.
وفعَل من لفظ فَاعلتُ ضربان: متعد، وغير متعد؛ فالمعتدي كضربت زيدًا وضاربته، وغير المتعدي كقمت وقاومت زيدًا. وأما أسرع وسَرُع جميعًا فغير متعديين؛ لكن سَرُع غريزة، وأسرع كلَّف نفسه السرعة؛ لكن سارع متعد). [المحتسب: 1/177]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا يحزنك الّذين يسارعون في الكفر} 176
قرأ نافع {ولا يحزنك} بضم الياء في كل القرآن إلّا قوله {لا يحزنهم الفزع الأكبر}
وقرأ الباقون بالفتح وهما لغتان يقال حزن وأحزن والاختيار حزن لقولهم محزون ولا يقال محزن وحجّة نافع قول العرب هذا أمر محزن). [حجة القراءات: 181]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (96- قوله: {يحزُن}، {وليحزُن} وشبهه، قرأه نافع بضم الياء، وكسر الزاي، حيث وقع إلا في موضع واحد، فإنه فتح الياء فيه، وضم الزاي كالجماعة، وهو قوله: {لا يحزنهم الفزع الأكبر} «الأنبياء 103» وقرأ الباقون بفتح الياء، وضم الزاي في جميع القرآن، وهما لغتان، حكى سيبويه: أحزنت الرجل، إذا جعلته حزينًا، فضممت الياء في المستقبل؛ لأنه رباعي، ويقال: حَزِن الرجل يَحزَن، لغة. وحزّن يحزّن لغة، ومنه قوله: {ولا هم يحزنون} «البقرة 38»، ويقال: حزّنته، جعلت فيه حُزنًا، كما تقول: كحّلته، جعلت فيه كحلا، وخصّ نافع الموضع المذكور بفتح الياء للجمع بين اللغتين، والقراءتان متساويتان، وما عليه الجماعة، من فتح الياء، وضم الزاي، أحب إليّ، لأنها اللغة الفاشية المستعملة المجمع عليها). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/365]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (46- {وَلَا يَحْزُنْكَ} [آية/ 176]:-
بضم الياء وكسر الزاي، قرأها نافع وحده، وكذلك {لَيُحْزِنُنِي} و{لَيُحْزِنُكَ} و{لِيُحْزِنَ الَّذِينَ} وأشباهها، إلا قوله تعالى في الأنبياء {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ} فإنه بفتح الياء وبضم الزاي.
والوجه أنه جعله من أحزن، وهي لغة غير فاشيةٍ، والأظهر حزن، وأما قراءته في الأنبياء، فلما أراد من الأخذ باللغتين.
[الموضح: 391]
وقرأها الباقون {يَحْزُنْكَ} بفتح الياء وضم الزاي، وكذلك في كل القرآن.
لأن اللغة الجيدة المشهورة هي حزنه بغير ألف، أي جعل فيه حزنًا، كما تقول كحلته ودهنته، أي جعلت فيه كحلاً ودهنًا، فهذا متعدٍّ أولاً، ويشبه أن يكون أحزن معدى من حزن بكسر الزاي من غير ألفٍ). [الموضح: 392]

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177)}

قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا تحسبنّ الّذين كفروا... (178)
و: (ولا يحسبنّ الّذين يبخلون)
و: (لا تحسبنّ الّذين يفرحون)... (فلا تحسبنّهم).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو أربعهن بالياء، وقرأ نافع وابن عامر ثلاثًا بالياء وواحدة بالتاء، وهو قوله: (فلا تحسبنّهم)، وقرأ عاصم والكسائي ويعقوب: (ولا يحسبنّ الّذين كفروا) و(لا يحسبنّ الّذين يبخلون) بالياء، والأخريين بالتاء.
وقرأ حمزة كلهن بالتاء، وكل من قرأ (فلا تحسبنّهم) بالتاء فتح الباء، ومن قرأ بالياء ضم الباء (فلا يحسبنّهم).
[معاني القراءات وعللها: 1/282]
قال محمد بن يزيد: من قرأ (يحسبنّ) يفتح (أن)، وكانت تنوب عن الاسم والخبر، يقول: (حسبت أنّ زيدًا منطلق)، ويقبح الكسر مع الياء، وهو مع قبحه جائز.
ومن قرأ (لا تحسبنّ الّذين كفروا) لم يجز عند البصريين إلا كسر ألف (إن)، المعنى: لا تحسبن الذين كفروا إملاؤنا خير لهم.
ودخلت (إن) مؤكدة، وإذا فتحت صار المعنى: ولا تحسبن الذين كفروا إملاءنا.
قال أبو منصور: الفتح جائز مع الياء عند غيره من النحويين، وهو على البدل من (الذين)، المعنى: لا يحسبن إملاءنا الذين كفروا خيرًا لهم.
وقد قرأ بهذه القراءة جماعة.
وقراءتهم دليل على جوازها، ومثله قال الشاعر:
فما كان قيسٌ هلكه هلك واحدٍ... ولكنه بنيان قومٍ تهدّما
[معاني القراءات وعللها: 1/283]
يجوز هلك واحد، وهلك واحد، فمن رفع قوله (هلكه) ابتداءً جعل هلك واحدا خبر الابتداء، ويسدّان معًا مسدّ الخبر.
ومن جعل (هلكه) بدلا من قوله (قيسٌ) نصب (هلك واحد) المعنى: ما كان هلكه هلك واحد.
وقال الفراء: من قرأ (ولا تحسبنّ الّذين كفروا أنّما) قال: هو على التكرير: لا تحسبنهم لا تحسبن أنما نملي لهم.
قال: وهو مثل قوله: (هل ينظرون إلّا السّاعة أن تأتيهم) على التكرير: هل ينظرون إلا أن تأتيهم). [معاني القراءات وعللها: 1/284] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (63- وقوله تعالى: {ولا يحسبن الذين كفروا} [178].
قرأ حمزة وحده بالتاء.
وقرأ الباقون بالياء، فمن قرأ بالتاء فالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. ومن قرأ بالياء فإخبارٌ عن الذين كفروا، فمن قرأ بالتاء فموضع {الذين} نصب و{كفروا} صلته، «وأن» مع ما بعدها في موضع المفعول الثاني. وإنما فتحت «أن» لأن الفعل واقع عليها «وما» اسم «أن» و{نملي} صلته {وخير} خبر «أن»، تمَّ الكلامُ. ثم استأنف بقوله: {إنما نملي لهم} بكسر الألف {ليزدادوا إثمًا}.
ومن قرأ بالتاء جعل الفعل لمحمد صلى الله عليه وسلم، فموضع {الذين} نصب
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/123]
أيضًا. ومن جعل الفعل للكفار فموضع {الذين} رفع بفعلهم و{كفروا} صلتهم «وأن» مع ما بعده نائب عن مفعولي «يحسب»، وذلك أن الحسبان يحتاج إلى مفعولين، «وأن» يحتاج إلى اسمين فناب شيئان عن شيئين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/124]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعز]: ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: ولا يحسبن الذين كفروا بالياء، ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين يفرحون [آل عمران/ 188] فلا يحسبنهم [آل عمران/ 188] بضمّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/100]
الباء في يحسبنهم وكلّهنّ بالياء وكسر السين في كل القرآن.
وقرأ نافع وابن عامر ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] لا يحسبن الذين يفرحون [آل عمران/ 188] كل ذلك بالياء فلا تحسبنهم [آل عمران/ 188] بالتاء وفتح الباء غير أنّ نافعا كسر السين وفتحها ابن عامر. وقرأ حمزة: ولا تحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] ولا تحسبن الذين يفرحون... فلا تحسبنهم [آل عمران/ 188] بفتح الباء والسين وكل ذلك بالتاء. وقرأ عاصم والكسائي كلّ ما في هذه السورة بالتاء إلّا حرفين: قوله: ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] فإنّهما بالياء غير أنّ عاصما فتح السين وكسرها الكسائي. ولم يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنها بالتاء.
قال أبو علي: قراءة ابن كثير وأبي عمرو، ولا يحسبن الذين كفروا* [آل عمران/ 178] ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين يفرحون
[الحجة للقراء السبعة: 3/101]
[آل عمران/ 188] فلا يحسبنهم بضم الباء في يحسبنهم وكلّهنّ بالياء وكسر السين في كلّ القرآن.
[قال أبو علي]: الذين في هذه الآي في قراءتهما:
رفع بأنّه فاعل يحسب، وإذا كان الذي في الآي فاعلا اقتضى حسب مفعولين، لأنّها تتعدى إلى مفعولين، أو إلى مفعول يسد مسدّ المفعولين، وذلك إذا جرى في صلة ما يتعدى إليه ذكر الحديث والمحدّث عنه نحو: حسبت أنّ زيدا منطلق، وحسبت أن تقوم، فقوله: أنما نملي لهم خير لأنفسهم [آل عمران/ 178] قد سدّ مسدّ المفعولين اللذين يقتضيهما يحسبنّ. وكسر إنّ في قول من قرأ: يحسبن بالياء لا ينبغي، وقد قرئ فيما حكاه غير أحمد بن موسى. ووجه ذلك أنّ «إنّ» يتلقّى بها القسم كما يتلقّى بلام الابتداء، ويدخل كلّ واحد منهما على الابتداء والخبر فكسر إنّ بعد يحسبنّ، وعلّق عليها الحسبان كما يعلّق باللّام. فقال: لا يحسبن الذين كفروا إنما نملي [آل عمران/ 178] كما قال: لا يحسبن الذين كفروا للآخرة خير لهم. وما تحتمل ضربين أحدهما: أن تكون بمعنى الذي فيكون التقدير: لا يحسبنّ الذين كفروا أنّ الذي نمليه خير لأنفسهم، والآخر: أن يكون ما نملي بمنزلة الإملاء فيكون مصدرا، وإذا كان مصدرا، لم يقتض راجعا إليه. وقال أبو الحسن: المعنى: ولا يحسبنّ الذين كفروا أنّ ما نملي لهم ليزدادوا إثما، إنّما نملي لهم خير لأنفسهم. وأمّا قوله: ولا يحسبن الذين
[الحجة للقراء السبعة: 3/102]
يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم [آل عمران/ 180] فالذين يبخلون فاعل يحسبنّ والمفعول الأول محذوف من اللفظ لدلالة اللفظ عليه، وهو بمنزلة قولك: من كذب كان شرا له، أي:
الكذب، فكذلك: لا يحسبنّ الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله البخل هو خيرا لهم، فدخلت هو فصلا، لأنّ تقدّم يبخلون بمنزلة تقدّم البخل، فكأنّك قلت: لا يحسبنّ الذين يبخلون البخل هو خيرا لهم. فأمّا قوله: ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا [آل عمران/ 188] فلا تحسبنهم فالذين في موضع رفع بأنّه فاعل يحسب، ولم توقع يحسبنّ على شيء. قال أبو الحسن لا يعجبني قراءة من قرأ الأولى بالياء، لأنّه لم يوقعه على شيء، ونرى أنّه لم يستحسن أن لا يعدّى حسبت، لأنّه قد جرى مجرى اليمين في نحو: علم الله لأفعلنّ.
ولقد علمت لتأتينّ منيتي.......
وظننت ليسبقنّني، وظنوا ما لهم من محيص [فصلت/ 48] فكما أنّ القسم لا يتكلّم به حتى يعلّق بالمقسم عليه، كذلك ظننت وعلمت، في هذا الباب.
وأيضا فإنّه قد جرى في كلامهم لغوا، وما جرى [في
[الحجة للقراء السبعة: 3/103]
كلامهم] لغوا لا يكون في حكم الجمل المفيدة، ومن ثمّ جاء نحو:
وما خلت أبقى بيننا من مودّة... عراض المذاكي المسنفات القلائصا
إنّما هو وما أبقى بيننا، وكذلك قال الخليل: تقول: ما رأيته يقول ذاك إلّا زيد، وما أظنّه يقول ذاك إلّا عمرو، فهذا يدلّك أنّك انتحيت على القول، ولم ترد أن تجعل زيدا موضع فعلك كضربت وقتلت. ولذلك لم يجر الشرط مجرى الجمل في نحو:
إن تفعل، لأنّ الشرط بمنزلة القسم، والجزاء بمنزلة المقسم عليه، ولذلك فصل بالشرط بين أمّا وجوابها في نحو وأما إن كان من أصحاب اليمين، فسلام لك [الواقعة/ 91] ولو كان بمنزلة الجمل لم يجز به الفصل. ووجه قول ابن كثير وأبي عمرو في أن لم يعدّيا حسبت إلى مفعوليه اللذين يقتضيهما أنّ يحسب في قوله: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب [آل عمران/ 188] لمّا جعل بدلا من الأول،
[الحجة للقراء السبعة: 3/104]
وعدّي إلى مفعوليه استغنى بهما عن تعدية الأول إليهما، كما استغنى في قوله:
بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة... ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب
بتعدية أحد الفعلين إلى المفعولين عن تعدية الآخر إليهما فإن قلت: كيف يستقيم، تقدير البدل في قوله: لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا... فلا تحسبنهم بمفازة [آل عمران/ 188].
وقد دخلت الفاء بينهما ولا يدخل بين البدل والمبدل منه الفاء؟ فالقول أنّ الفاء زائدة، يدلّك على أنّها لا يجوز أن تكون التي تدخل على الخبر، أنّ ما قبل الفاء ليس بمبتدإ، فتكون الفاء خبره، ولا تكون العاطفة لأنّ المعنى: لا يحسبنّ الذين يفرحون بما أتوا أنفسهم بمفازة من العذاب. فإذا كان كذلك لم يجز تقدير العطف لأنّ الكلام لم يستقل بعد، فيستقيم فيه تقدير العطف.
فأمّا قوله: فلا يحسبنهم فإنّ فعل الفاعل الذي هو يحسبنّ تعدّى إلى ضميره، وحذفت واو الضمير لدخول النون
[الحجة للقراء السبعة: 3/105]
الثقيلة. فإن قلت: هلّا لم يحذف الواو من يحسبون، وأثبتها كما ثبتت في: تمودّ الثوب، وأ تحاجوني [الأنعام/ 80] ونحو ذلك، مما يثبت فيه التقاء الساكنين لما في الساكن الأوّل من زيادة المدّ التي تقوم مقام الحركة، فالقول فيه أنّه حذفت كما حذفت مع الخفيفة، ألا ترى أنّك لو قلت: لا يحسبن زيدا ذاهبا، لزمك الحذف، فأجرى الثقيلة مجرى الخفيفة لهذا. وقوله: بمفازة من العذاب في موضع المفعول الثاني وفيه ذكر للمفعول الأوّل. وفعل الفاعل في هذا الباب يتعدّى إلى ضمير نفسه، نحو:
ظننتني أخاه، لأنّ هذه الأفعال لمّا كانت تدخل على الابتداء والخبر أشبهت إنّ وأخواتها في دخولهنّ على الابتداء والخبر [كدخول هذه الأفعال عليهما وذلك قولك]: ظننتني ذاهبا، كما تقول:
إنّي ذاهب. ومما يدلّك على ذلك قبح دخول اليقين عليها، لو قلت: أظنّ نفسي تفعل كذا لم يحسن كما يحسن أظنّني فاعلا.
قال: وقرأ نافع وابن عامر: ولا يحسبن الذين كفروا ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180].. ويفرحون [آل عمران/ 188] كلّ ذلك بالياء. فلا تحسبنهم بالتاء وفتح الباء.
[الحجة للقراء السبعة: 3/106]
قراءتهما في ذلك مثل قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وقد مرّ القول فيها إلّا في قوله: فلا تحسبنهم بالتاء وفتح الباء.
والمفعولان اللذان يقتضيهما الحسبان في قوله: ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا محذوفان، لدلالة ما ذكر من بعد عليهما، ولا يجوز البدل، كما جاز البدل في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاختلاف الفعلين باختلاف فاعليهما.
قال: وقرأ حمزة ولا تحسبن الذين كفروا ولا تحسبن الذين يفرحون فلا تحسبنهم بفتح الباء والسين وكل ذلك بالتاء.
قوله: الذين كفروا في موضع نصب بأنّه المفعول الأول. والمفعول الثاني في هذا الباب هو المفعول الأول في المعنى، فلا يجوز إذا فتح إنّ في قوله: ولا تحسبن الذين كفروا إن ما نملي لهم، لأنّ إملاءهم لا يكون إياهم. فإن قلت: فلم لا يجوز الفتح في أنّ، وتجعله بدلا من الذين كفروا كقوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63] وكما كان أنّ من قوله: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم [الأنفال/ 7]. [بدلا من إحدى الطائفتين] قيل: لا يجوز ذلك لأنّك إذا أبدلت أنّ من الذين كفروا، كما أبدلت أنّ من إحدى الطائفتين لزمك أن تنصب خيرا على تقدير: لا تحسبنّ إملاء الذين كفروا خيرا لأنفسهم من حيث
[الحجة للقراء السبعة: 3/107]
كان المفعول الثاني: لتحسبنّ وقيل: إنّه لم ينصبه أحد. فإذا لم ينصب علمت أنّ البدل فيه لا يصح، فإذا لم يصح البدل [لم يجز فيه إلّا كسر إنّ] ولا تحسبن الذين كفروا إن ما نملي لهم خير لأنفسهم على أن تكون إنّ وخبرها في موضع المفعول الثاني من تحسبنّ. فأمّا قوله: لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا [آل عمران/ 188] فحذف المفعول الذي يقتضيه تحسبنّ، لأنّ ما يجيء من بعد من قوله: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب يدلّ عليه، ويجوز أن تجعل تحسبنهم بدلا من تحسبن، كما جاز أن تجعل يحسبنهم بدلا من يحسبن الذين يفرحون في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاتفاق فعلي الفاعلين. وقد قدّمنا أنّ الفاء زائدة، والقول فيها أنّها لا تخلو من أن تكون للعطف، أو للجزاء، أو زائدة، فإن كانت للعطف فلا يخلو من أن تعطف جملة على جملة، أو مفردا على مفرد، وليس هذا موضع العطف، لأنّ الكلام لم يتمّ، ألا ترى أنّ المفعول الثاني لم يذكر بعد؟ ولا يجوز أيضا أن تكون للجزاء كالتي في قوله: وما بكم من نعمة فمن الله [النحل/ 53] ونحوها، لأنّ تلك تدخل على ما كان خبرا من الجمل، لأنّ أصلها أن تدخل في الجزاء، وهي جملة خبر، وليس ما دخلت عليه الفاء في الآية بجملة، إنّما هو فضلة، ألا ترى أنّ مفعولي حسبت فضلة؟ فإن قلت: إنّ أصلهما أن يكونا خبرا، فإنّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/108]
ذلك الأصل قد زال بكونهما فضلة، كما زال في قولك: ليت الذي في الدار منطلق، عن أن يكون خبرا بدخول ليت، وكذلك قد زال بدخول حسبت عليهما أن يكون جملة، ويدلّك على ذلك أنّك تقول: حسبت زيدا اليوم منطلقا. فتفصل بينهما باليوم الذي هو ظرف حسبت، ولو كان الكلام باقيا على ما كان عليه قبل دخول الظنّ، لم يجز أن تفصل بينهما بأجنبي منهما، فإذا لم يجز أن تكون للعطف ولا للجزاء، ثبت أنّها زائدة قال: وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي قال: وقرأ عاصم والكسائي: كلّ ما في هذه السورة بالتاء إلّا حرفين: قوله: ولا يحسبن الذين يبخلون، ولا يحسبن الذين كفروا فإنّهما بالياء، غير أنّ عاصما فتح السين وكسرها الكسائي.
قد تقدّم القول في ولا يحسبن الذين يبخلون فأمّا قوله: ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم [آل عمران/ 178] فالوجه فتح أنّ لأنّها تسدّ مسدّ المفعولين، كما سدّ الفعل والفاعل مسدّهما لمّا جرى ذكرهما في الصلة في نحو قوله: أحسب الناس أن يتركوا [العنكبوت/ 29].
[الحجة للقراء السبعة: 3/109]
قال: ولم يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنّها بالتاء قوله: تحسبن مسند إلى الفاعل المخاطب، والذين قتلوا المفعول الأول، والمفعول الثاني قوله: أمواتا. فقد استوفى الحسبان فاعله ومفعوليه). [الحجة للقراء السبعة: 3/110] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا يحسبن الّذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم}
قرأ حمزة {لا تحسبن الّذين كفروا} بالتّاء خطاب للنّبي صلى الله عليه وموضع الّذين نصب المفعول الأول من {تحسبن} و{كفروا} صلته و{إنّما} مع ما بعدها في موضع المفعول الثّاني لأن حسب يتعدّى إلى مفعولين تقول حسبت زيدا منطلقًا ولا يجوز حسبت زيدا وإنّما فتحت {إنّما} لأن الفعل واقع عليها قال الزّجاج قوله أنما نملي يجوز على البدل من الّذين المعنى لا تحسبن إملاءنا للّذين كفروا خيرا لهم
وقرأ الباقون {ولا يحسبن} بالياء إخبار عن الّذين كفروا فموضع الّذين رفع بفعلهم والمحسبة واقعة على {إنّما} ونابت عن الاسم والخبر تقول حسبت أن زيدا منطلق فاسم إن وخبرها سد مسد المفعولين وتقدير الكلام لا يحسبن الّذين كفروا إملاءنا خيرا لهم). [حجة القراءات: 182]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (97- قوله: {ولا يحسبن الذين كفروا} قرأه حمزة بالتاء، وقرأ الباقون بالياء.
ووجه القراءة بالياء أنه أسند الفعل إلى {الذين كفروا} فهم الفاعلون، وكان ذلك أولى، لتقدم ذكرهم قبل الآية، وقوله: {إنما نملي} يسد مسد مفعولي حسب، و«ما» في {إنما} بمعنى «الذي»، والهاء محذوفة من {نملي} لأنه صلة الذي، ولك أن تجعل «ما» وما بعدها مصدرًا، فلا
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/365]
تقدر حذف هاء، والتقدير: ولا يحسبن الذين كفروا أن الذي نملي لهم خير لأنفسهم، وإن شئت كان التقدير: ولا يحسبن الذين كفروا أن الإملاء خير لهم.
98- ووجه القراءة بالتاء أنه جعل الفعل خطابًا للنبي عليه السلام، فهو الفاعل، و{الذين كفروا} مفعول أول «يحسب»، و«إنما» وما بعدها بدل من «الذين» في موضع نصب، فيسد مسد المفعولين كما يسد لو لم يكن بدلًا، و«ما» بمعنى «الذي»، والهاء محذوفة من «نملي» ـ والتقدير: ولا تحسبن يا محمد الذين كفروا أن الذي نمليه لهم خير لأنفسهم، فيؤول التقدير: إذا حذف المبدل منه، إلى: ولا تحسبن يا محمد أن الذي نمليه للذين كفروا خير لهم، ولا تحسب، أن تجعل «ما» إلى: ولا تحسبن يا محمد أن الذي نمليه للذين كفروا خيرًا لهم، ولا تحسبن، أن تجعل «ما» والفعل مصدرًا، على هذه القراءة؛ لأن المفعول الثاني في هذا الباب، هو الأول في المعنى، والإملاء غير الذين كفروا، إلا أن تقدّر مع المفعول الأول حذف مضاف، هو الإملاء في المعنى، فيكون التقدير: ولا تحسبن يا محمد شأن الذين كفروا الإملاء هو خير لهم، أو تضمر «حال الذين كفروا»، أو «أمر الذين كفروا»، ونحوه، مما يكون الإملاء خيرًا لهم فيه، ويجوز، في القراءة بالياء، أن يكون الفعل للنبي كالتاء على تقدير: ولا يحسبن محمد الذين كفروا أنما نملي لهم، فتكون القراءتان بمعنى واحد). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/366]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (47- {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [آية/ 178]:-
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} و{لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} {فَلا يَحْسِبُنَّهُمْ} بالياء في ذلك كله وضم الباء في {يَحْسِبُنَّهُمْ}.
وقرأ نافع وابن عامر {فَلاَ تَحْسِبَنَّهُمْ} بالتاء وفتح الباء، والباقي بالياء.
وقرأ حمزة كل ذلك بالتاء.
وقرأ عاصم والكسائي ويعقوب حرفين بالياء {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ}، والباقي بالتاء، وفتح الباء من {تَحْسَبنّهم}.
وفتح السين في ذلك كله ابن عامرٍ وعاصم وحمزة، وكسرها الباقون.
أما من قرأ بالياء وهو ابن كثير وأبو عمرو، فإنه أسند الفعل إلى {الَّذِينَ}
[الموضح: 392]
فيرتفع {الَّذِينَ} بأنه فاعل يحسبن، وقوله تعالى {أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ} قام مقام مفعولي {يحسبنّ}؛ لأن أفعال الظن إذا وقع بعدها أن وما يعمل فيه، كان سادًا مسد المفعولين نحو: ظننت أن زيدًا عالم.
وأما قوله تعالى {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ} فالذين يبخلون فاعل يحسبن، والمفعول الأول محذوف يدل عليه {يَبْخَلُونَ} والتقدير: ولا يحسبن الذين يبخلون البخل هو خيرًا، فدل {يَبْخَلُونَ} على البخل، كقول القائل:-
22- إذا نهي السفيه جرى إليه = وخالف والسفيه إلى خلاف
أي جرى إلى السفه.
وقوله {هُوَ} فصل، يسميه الكوفيون عمادًا، ولا موضع له من الإعراب.
وأما قوله تعالى {لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} الآية، فالذين رفع بأنه فاعل {يَحْسَبَنَّ}، والمفعول الأول محذوف يدل عليه الهاء والميم في {تحسبنّهم بِمَفَازَةٍ}؛ لأن {تحسبَنّهم} بدل من {تحسبَنَّ} الأول، والتقدير: لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا، أنفسهم بمفازةٍ من العذاب، وقوله {فَلا تحسبنّهم} بدل من الأول، ولهذا ضم الباء من ضمه في هذه القراءة؛ لأنه أراد: فلا يحسبوا أنفسهم بمفازةٍ، يعني الذين يفرحون، فهو مسند إلى ضمير الذين المتقدم، وهو جمع، وما قبل ضمير الجماعة في مثل هذا لا يكون إلا مضمومًا، لتدل الضمة على الواو المحذوفة لالتقاء الساكنين.
[الموضح: 393]
وأما قراءة نافع وابن عامر {فلا تحسبَنّهم} بالتاء وفتح الباء، والباقي بالياء، فإن الفعل عندهما في {تحسبنّهم} مسند إلى المخاطب، والمفعولان اللذان يلزمان في باب الظن محذوفان في قوله تعالى {لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} بدلالة ما ذكر من بعد عليهما، ولا يجوز أن يكون {فلا تحسبنّهم} بدلاً من {تحسبنّ} الأول في هذه القراءة لاختلاف فاعليهما و«هم» في {لا تحسبنّهم} مفعول أول له، و{بمفازةٍ} مفعول ثانٍ.
وأما قراءة حمزة بالتاء في الجميع وبفتح الباء في {لا تحسبَنّهم}، فإنه أسند الفعل في الجميع إلى المخاطب و{الذين} في موضع النصب بأنه المفعول الأول، فقوله تعالى {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ} لا يجوز أ، يفتح {إنَّما} على هذه القراءة؛ لأن إملاءهم لا يكون إياهم، ولا يجوز إلا كسر إن على أن يكون إن وما بعدها في موضع المفعول الثاني من {يحسبن}.
وأما قوله {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} في هذه القراءة، فإن المفعول الثاني الذي يقتضيه يحسبن محذوف؛ لأن قوله {فلا تحسبنّهم بمفازةٍ من العذاب} يدل عليه، ويجوز أن يجعل {تحسبنّهم} بدلاً من {تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} يدل عليه، ويجوز أن يجعل {تحسبنّهم} بدلاً من {تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ}، كما جاز ذلك في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاتفاق فعلي الفاعلين، والفاء زائدة.
وأما قوله {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} على هذه القراءة، فإن التقدير: ولا تحسبن بخل الذين يبخلون، وهو المفعول الأول، ليكون هو والمفعول الثاني سواء، وهو قوله {خيرًا لهم} فحذف المضاف الذي هو بخل، وأقيم المضاف إليه مقامه، فانتصب انتصابه.
وأما قراءة عاصم والكسائي ويعقوب في الحرفين بالياء، والباقي بالتاء، فقد تقدم ذكر وجههما.
[الموضح: 394]
وأما فتح السين في تحسب وكسرها، فقد ذكر في آخر سورة البقرة). [الموضح: 395]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس