عرض مشاركة واحدة
  #83  
قديم 1 صفر 1440هـ/11-10-2018م, 07:58 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (277) إلى الآية (281)]

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)}

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [اتقوا الله وذروا ما بَقِيْ من الربا] بكسر القاف وسكون الياء.
قال أبو الفتح: قد سبق ما في سكون هذه الياء المكسور ما قبلها في موضع النصب والفتح بشواهده، ومنه قول جرير:
هو الخليفة فارضَوْا ما رضِي لكم ... ماضي العزيمة ما في حكمه جَنَفُ). [المحتسب: 1/141]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه ابن مجاهد عن أبي زيد عن أبي السمال: أنه كان يقرأ: [ما بقِي مِن الرِّبُو] مضمومة الباء ساكنة الواو.
قال أبو الفتح: في هذا الحرف ضربان من الشذوذ:
أحدهما: الخروج من الكسر إلى الضم بناء لازمًا.
والآخر: وقوع الواو بعد الضمة في آخر الاسم، وهذا شيء لم يأتِ إلا في الفعل نحو: يغزو ويدعو ويخلو، فأما "ذو" الطائية التي بمعنى الذي نحو قوله:
لأَنْتحيا للعظم ذو أنا عارقه
فشاذ، وعلى أن منهم مَن يغير هذه الواو إذا فارق الرفع فيقول: رأيت ذا قام وأخوه، ومررت بذي قام أخوه.
وسألت أبا علي عن حكاية أبي زيد "فعلتُه من ذي إلينا"، فقال: أراد من الذي إلينا.
فقلت: فهذا يوجب عليه أن يقول: من ذو إلينا.
فقال -وهو كما قال: قد تغير هذه الواو في النصب والجر، وعلى أن "ذو" هذه لما كانت موصولة وقعت واوها حشوًا فأَشبهت واو طُومار، كما أَشبهت عند صاحب الكتاب ياء معديكرب ياء دردبيس.
والذي ينبغي أن يُتعلَّل به في الرِّبُو بالواو هو أنه فخَّم الألف انتحاء بها إلى الواو التي الألف بدل منها على حد قولهم: الصلاة والزكاة، وكمشكاة، وكقولهم: عالم وسالم وسالف وآنف، وكأنه بيَّن التفخيم فقوي الصوت فكان الواو أو كاد، إلا أن الراوي أبو زيد، وما أبعده مع علمه وفقهه باللغة من أن تتطرق ظِنَّةٌ عليه في تحصيل ما يسمعه.
فإن قلت: فلعله شبه ذوات العلة بذوات الهمز فوقف على الواو، كما قالوا: هو الرِّدُو والبُطُو.
قيل: هذه الواو إنما تكون مع الهمزة في هذا الكَلَو ومررت بالكَلَيْ في موضع الرفع، وموضع
[المحتسب: 1/142]
الرِّبُو جر بمن في قوله: [مِنَ الرِّبُو]، وعلى أن الكَلو مفتوح ما قبل الواو، والباء من الرِّبُو مضمومة، وعلى أي الأمر حملته فهو شاذ). [المحتسب: 1/143]

قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فأذنوا بحربٍ من اللّه ورسوله... (279).
قرأ عاصم في رواية أبي بكر، وحمزة: (فآذنوا) بالمد وكسر الذال.
وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: (فأذنوا) مقصورا، وفتحوا الذال: قال أبو منصور: من قرأ (فآذنوا) بالمد، المعني: فأعلموا من وراءكم أن
[معاني القراءات وعللها: 1/231]
كل من لم يترك الربا فهو حرب، يقال: آذتته أوذنه، إذا أعلنته.
ومن قرأ (فأذنوا) بالقصر فمعناه: فاعلموا وأيقنوا بحرب من الله، يقال: أذنت آذن إذنًا، إذا علمت الشيء واستيقتت به، وأذن يأذن إذنًا، إذا سمعت.
وقوله جلّ وعزّ: (لا تظلمون ولا تظلمون (279).
روى المفضل عن عاصم: (لا تظلمون ولا تظلمون).
وقرأ الباقون بفتح الأولى وضم الثانية.
قال أبو منصور: المعنى: (لكم رءوس أموالكم لا تظلمون بأن تأخذوا أكثر منها، ولا تظلمون بأن تنقصوا من رءوس أموالكم شيئا، والتأخير والتقديم لا يغيّر المعنى، غير أن أجود القراءتين: (لا تظلمون) على أنهم فاعلون، و(لا تظلمون) على أنهم مفعولون). [معاني القراءات وعللها: 1/232]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- وقوله تعالى: {فأذنوا بحرب من الله} [279].
قرأ حمزة وعاصم في رواية أبي بكر {فآذنوا} بالمد وكسر الذال.
وقرأ الباقون بالقصر أرادوا {فأذنوا} أنتم، أي: اعلموا وكونوا على علم، ومن مد أراد: فآذنوا غيركم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/103]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله تعالى: فأذنوا [البقرة/ 279] في مدّ الألف وقصرها وكسر الذّال وفتحها.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي فأذنوا مقصورة مفتوحة الذال.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة فآذنوا ممدودة مكسورة الذّال. وروى حفص عن عاصم والمفضّل فأذنوا مقصورة.
حدثني وهيب بن عبد الله [المروزي] عن الحسن بن المبارك عن [أبي حفص] عن عمرو بن الصبّاح عن أبي
[الحجة للقراء السبعة: 2/403]
يوسف الأعشى عن أبي بكر عن عاصم أنّه قال: فأذنوا وفآذنوا ممدودا ومقصورا.
قال أبو علي: قال سيبويه: آذنت: أعلمت، وأعلمت:
آذنت، وأذّنت: النداء، والتصويت بالإعلام. قال: وبعض العرب يجري آذنت مجرى أذّنت، فمن أذّن الّذي معناه: التصويت والنداء قوله: ثمّ أذّن مؤذّنٌ أيّتها العير إنّكم لسارقون [يوسف/ 70] فالأشبه في هذا الإعلام بالتصويت لقوله:
أيّتها العير إنّكم لسارقون فالتقدير: يقال: إنّكم لسارقون.
فأمّا قوله: فأذّن مؤذّنٌ بينهم أن لعنة اللّه على الظّالمين [الأعراف/ 44]. فإنّ قوله: بينهم يحتمل أمرين:
الأحسن فيه: أن يكون بينهم ظرفا لمؤذن، كما تقول:
أعلم وسطهم ولا تجعله صفة للنكرة؛ لأنّك توصله بالباء إلى أن، واسم الفاعل إذا أعمل عمل الفعل، لم يوصف، كما لا يصغّر، لأنّ الصفة تخصيص والفعل وما أجري مجراه لا يلحقه تخصيص، والتصغير كالوصف بالصغر فمن ثمّ لم يستحسن: هذا ضويرب زيدا، كما لا يستحسن: هذا ضارب ظريف زيدا، ولأنّك في هذا أيضا تفصل بين العامل والمعمول بالأجنبي.
[الحجة للقراء السبعة: 2/404]
وإن شئت جعلت «بينهم» صفة، وقلت: إنّ معنى الفعل قد يعمل في الجارّ ويصل إليه، ألا ترى أنّك تقول: هذا مارّ أمس بزيد، فيصل اسم الفاعل إذا كان لما مضى؟ والمعنى:
بأن لعنة الله، فإن شئت جعلت الباء متعلقة بمؤذّن مع أنّه قد وصف، وإن شئت جعلت «بين» ظرفا للمؤذن لا صفة، وإن شئت جعلته متعلقا بأذّن، كلّ هذا لا يمتنع.
فأما قوله: وأذانٌ من اللّه ورسوله إلى النّاس يوم الحجّ الأكبر أنّ اللّه بريءٌ من المشركين [التوبة/ 3] فإن قوله: من اللّه صفة فيها ذكر من الموصوف، وكذلك إلى النّاس ولا يكون من صلة أذان لأنّه اسم، وليس بمصدر، ومن أجرى هذا الضرب من الأسماء مجرى المصادر، فينبغي أن لا يعلّق به هذا الجارّ، ألا ترى أنّ المصدر الّذي هذا منه، لا يصل بهذا الحرف كما يصل قوله: براءةٌ من اللّه ورسوله [التوبة/ 1] به؟ كقوله:
برئت إلى عرينة من عرين وإذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا [البقرة/ 166]
[الحجة للقراء السبعة: 2/405]
فأمّا قوله: يوم الحجّ الأكبر [التوبة/ 3] فيجوز أن يتعلق بالصفة ويجوز أن يتعلق بالخبر الذي هو ب أنّ اللّه.
ولا يجوز أن يتعلق ب أذانٌ لأنك قد وصفته، والموصوف إذا وصفته لم يتعلق بشيء ولا بدّ من تقدير الجارّ في قوله:
(بأن الله) لأنّ: أنّ اللّه بريءٌ من المشركين لا يكون الإعلام، كما يكون الثاني الأول في قولك: خبرك أنّك خارج.
فأمّا قوله تعالى: فقل آذنتكم على سواء [الأنبياء/ 109]، فقوله: على سواء يحتمل ضربين: أحدهما أن يكون صفة لمصدر محذوف، والآخر: أن يكون حالا، فإذا جعلته وصفا للمصدر كان التقدير: آذنتكم إيذانا على سواء.
ومثل وصف المصدر هاهنا، قوله تعالى: كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم [البقرة/ 183] التقدير: كتب عليكم الصيام كتابة كما كتب على الذين، فحذف المصدر، فكذلك يحذف في قوله: آذنتكم على سواء [الأنبياء/ 109] وفيه ذكر من المحذوف، ومعنى إيذانا على سواء: أعلمتكم إعلاما نستوي في علمه لا أستبدّ أنا به دونكم لتتأهبوا لما يراد منكم. وقال أبو عبيدة: إذا أنذرته وأعلمته فأنت وهو على سواء.
[الحجة للقراء السبعة: 2/406]
وأمّا إذا جعلته حالا، فإنّه يمكن فيه ثلاثة أضرب:
أحدها: أن يكون حالا من الفاعل.
والآخر: أن يكون من المفعول به.
والثالث: أن يكون منهما جميعا على قياس ما جاء من قول عنترة:
متى ما تلقني فردين ترجف... روانف أليتيك وتستطارا
وما أنشده أبو زيد:
إن تلقني برزين لا تغتبط به وكذلك قوله تعالى: فانبذ إليهم على سواءٍ
[الحجة للقراء السبعة: 2/407]
[الأنفال/ 58]، قياسه قياس قوله: آذنتكم على سواء، قال أبو عبيدة معناه الخلاف والغدر في هذا الموضع فانبذ إليهم على سواءٍ: فأظهر لهم أنّك عدو وأنّك مناصب لهم. فأمّا قوله:
آذناك ما منا من شهيد [فصلت/ 47] فإن شئت جعلته مثل:
علمت أزيد منطلق؟ وإن شئت جعلته على معنى القسم، كما قال:
ولقد علمت لتأتينّ منيّتي فإن قلت: إنّ عامّة ما جاء مجيء القسم لم يتعدّ إلى مفعول به كقولهم: علم الله لأفعلنّ.
قيل: قد جاء: وأقسموا باللّه جهد أيمانهم [فاطر/ 42]، [النور/ 53] متعديا بالحرف.
وقد قرأ حمزة: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب
[الحجة للقراء السبعة: 2/408]
وحكمة [آل عمران/ 81] وقد أجيب بما يجاب به القسم، فكذلك قوله: آذناك يكون على القسم، وإن كان قد تعدّى إلى مفعول به.
وبعد فإذا جاء نفس القسم متعديا إلى المفعول به نحو: بالله، ونحو: الله لأفعلنّ، فما يقوم مقامه، ينبغي أن يكون في حكمه.
وأمّا قوله: وأذنت لربّها وحقّت [الانشقاق/ 2، 5] فقد فسّر أذنت أنها استمعت،
وفي الحديث: «ما أذن الله لشيء كإذنه لنبيّ».
وقال عديّ:
في سماع يأذن الشّيخ له... وحديث مثل ماذيّ مشار
وأنشد أبو عبيدة:
صمّ إذا سمعوا خيرا ذكرت به... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
[الحجة للقراء السبعة: 2/409]
وأما قول عدي:
أيها القلب تعلّل بددن... إنّ همّي في سماع وأذن
فالسماع مصدر يراد به المسموع نحو: الخلق والمخلوق، والصيد والمصيد، يدلّك على ذلك أنّه لا يخلو من أن يكون على ما ذكرنا، أو على أنّه السماع الذي هو الاستماع، فلا يستقيم هذا؛ لأنّ المعنى يكون: إنّ همي في سماع وسماع، وليس هكذا، ولكن إنّ همي في مسموع، أي في غناء واستماع له.
وأمّا قوله: وإذ تأذّن ربّك [الأعراف/ 167] فقد قدّمنا ذكر ما قاله سيبويه: من أنّ من العرب من يجعل أذّن وآذن
[الحجة للقراء السبعة: 2/410]
بمعنى، كأنّه جعله بمنزلة سمّى وأسمى، وخبّر وأخبر، فإذا كان أذّن: أعلم في لغة بعضهم، فتأذّن: تفعّل من هذا، وليس تفعّل هاهنا بمنزلة: تقيّس وتشجّع، ولكنّه بمنزلة فعّل، كما أنّ تكبّر في قوله سبحانه: الجبّار المتكبّر [الحشر/ 23] ليس على حدّ: تكبّر زيد، إذا تعاطى الكبر، ولكنّ المتكبر بمنزلة الكبير، كما أنّ قوله عزّ وجلّ: وتعالى عمّا يقولون [الإسراء/ 43] تقديره: وعلا، وليس على حدّ تعاقل وتغاشى إذا أظهر شيئا من ذلك ليس فيه.
فبناء الفعلين يتفق والمعنى يختلف، وكذلك تأذّن بمنزلة علم ومثل تفعّل، في أنّه يراد به فعل قول زهير:
تعلّم أنّ شرّ النّاس قوم... ينادى في شعارهم يسار
وكذلك قوله:
تعلّماها لعمر الله ذا قسما... فاقصد بذرعك وانظر أين تنسلك
[الحجة للقراء السبعة: 2/411]
ليس يريد: تعلّم هذا عن جهل به، إنّما يريد به:
اعلم، كأنّه ينبهه ليقبل على خطابه. ومثله:
تعلّمن أنّ الدّواة والقلم... تبقى ويفني حادث الدّهر الغنم
وهذا كثير يريدون به: اعلم، وليس يريدون تعلّم كما يريدون بقولهم: تعلّم الفقه، إنّما يريدون: اعلم.
فكذلك تأذّن معناه: علم. ومما يدل على أنّ معناه العلم، وقوع لام اليمين بعدها كما تقع بعد العلم في نحو:
علم الله لأفعلنّ، فكأنّ المعنى في تأذّن: علم ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة، وليس هو من الاستماع نحو: أذنت لربّها وحقّت [الانشقاق/ 2] ونحو: «ما أذن الله لشيء» ألا ترى أنّك لو قلت سمع ليفعلنّ، أو تسمّع ليفعلن، لم يسهل ذلك كما يكون في علم من حيث استعمل استعمال القسم، فتعلق الجواب به كما يتعلق بالقسم؟ وأمّا قوله: قل أذن خيرٍ لكم [التوبة/ 61] فإنّه يذكر في موضعه إن شاء الله، وأمّا قوله سبحانه: فإن لم تفعلوا فأذنوا بحربٍ من اللّه [البقرة/ 279] المعنى: فإن لم تضعوا الرّبا عن النّاس الّذي قد أمركم الله بوضعه عنهم، فأذنوا بحرب من الله.
[الحجة للقراء السبعة: 2/412]
قال أبو عبيدة: آذنتك بحرب فأذنت به. فمن قال:
فأذنوا بحربٍ من اللّه فقصر، فمعناه: اعلموا بحرب من الله، والمعنى: أنّكم في امتناعكم من وضع ذلك حرب لله ورسوله.
ومن قال: فآذنوا بحرب فتقديره: فأعلموا من لم ينته عن ذلك بحرب، والمفعول هنا محذوف على قوله: وقد أثبت هذا المفعول المحذوف هنا، في قوله فقل آذنتكم على سواءٍ وإذا أمروا بإعلام غيرهم علموا هم أيضا لا محالة، ففي أمرهم بالإعلام ما يعلمون هم أيضا أنهم حرب إن لم يمتنعوا عمّا نهوا عنه من وضع الرّبا عمن كان عليه. وليس في علمهم دلالة على إعلام غيرهم، فهذا في الإبلاغ آكد.
قال أحمد بن موسى: قرءوا كلّهم: لا تظلمون ولا تظلمون [البقرة/ 279] بفتح التاء الأولى وضم الثانية.
وروى المفضّل عن عاصم لا تظلمون ولا تظلمون بضم التاء الأولى وفتح الثانية.
قال أبو علي: موضع «لا تظلمون» نصب على الحال من لكم، التقدير: فلكم رءوس أموالكم غير ظالمين ولا مظلومين.
والمعنى: إن تبتم فوضعتم الرّبا الذي أمر الله بوضعه عن النّاس فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون بأن تطالبوا المستدين بالرّبا
[الحجة للقراء السبعة: 2/413]
الموضوع عنه، ولا تظلمون بأن تبخسوا رءوس أموالكم. أو تمطلوا بها.
وقد جاء: «ليّ الواجد ظلم».
والمعنى؛ والتقدير في التقديم والتأخير الذي روي عن عاصم؛ سواء.
ويرجح تقديم: لا تظلمون بأنّه أشكل بما قبله، لأنّ الفعل الذي قبله مسند إلى فاعل، وهو قوله: وإن تبتم فلكم، فتظلمون أشكل بما قبله لإسناد الفعل فيه إلى الفاعل من تظلمون المسند فيه الفعل إلى المفعول به). [الحجة للقراء السبعة: 2/414]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله}
قرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم {فإن لم تفعلوا فأذنوا} مفتوحة الهمزة والذال مكسورة أي فاعلموهم وأخبروه بأنكم على حربهم تقول آذنت الرجل بكذا أي أعلمته
وقرأ الباقون {فأذنوا} ساكنة الهمزة أي فاعلموا أنتم يقال أذن به يأذن إذنا إذا علم به
قال أبو عبيد الاختيار القصر لأنّه خطاب بالأمر والتحذير وإذا قال {فأذنوا} بالمدّ والكسر فكأن المخاطب خارج من التحذير
[حجة القراءات: 148]
مأمور بتحذير غيره وإعلامه). [حجة القراءات: 149]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (199- قوله: {فأذنوا بحرب} قرأه أبو بكر وحمزة بالمد، وكسر الذال، وقصره الباقون، وفتحوا الذال.
200- ووجه القراءة بالقصر أنه أمر للمخاطبين بترك الربا، أمروا أن يعلموا ذلك هم أنفسهم، فالمعنى: فإن لم تتركوا الربا فأيقنوا بحرب من الله ورسوله، فهم المقصودون بأن يعلموا ذلك في أنفسهم، إن لم يتركوا الربا.
201- ووجه القراءة بالمد أنه جعله أمرًا للمخاطبين بترك الربا، أن يعلموا بذلك غيرهم، ممن هو على مثل حالهم في المقام على الربا، فالمد يتضمن معنى القصر؛ لأنهم إذا أعلموا غيرهم بالحرب من الله ورسوله فقد عليه السلام لموا هم ذلك، إن أقاموا على فعل الربا، وليس في علمهم ذلك، لأنفسهم، دلالة على إعلام غيرهم، فالمد أعم وآكد في أنهم، إن لم يتركوا الربا في أنفسهم، ويتركه غيرهم، ممن هو على مثل حالهم فالحرب من الله ورسوله لازم لهم، نازل عليهم، وعلى من هو مثلهم، ولولا أن الجماعة على القصر لكان الاختيار المد، وبالقصر قرأ علي بن أبي طالب وأبو عبد الرحمن والأعرج وشيبة وعيسى وأبو جعفر، وبالمد قرأ طلحة والأعمش، واستبعد أبو حاتم المد، إذ الأمر فيه لغيرهم بالحرب، والمراد هم، وهم المخاطبون بترك الربا، والمد حسن في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/318]
المعنى على ما ذكرنا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/319]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (103- {فآذِنُوا} [آية/ 279]:-
بالمد وكسر الذال، قرأها عاصم ياش- وحمزة.
والمعنى: فأعلموا غيركم ممن لم يترك ما بقي من الربا بحرب من الله ورسوله، والمفعول به على هذا محذوف، يقال آذنته بالشيء إذا أعلمته،
[الموضح: 349]
وإذا أعلموا غيرهم فهم عالمون لا محالة فهو أبلغ.
وقرأ الباقون {فَأْذَنُوا} بسكون الهمزة وفتح الذال.
ومعناه: اعلموا بحرب من الله ورسوله، فإنكم إن امتنعتم من تركه، ورسوله حرب لكم، يقال: آذنته بالشيء فأذن به). [الموضح: 350]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (104- {لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [آية/ 279]:-
اتفق القراء كلهم على فتح الأول منهما وضم الثاني، إلا ما روى المفضل عن عاصم {لا تُظْلَمون} بالضم {ولا تَظْلِمون} بالفتح.
ووجه قراءة الجمهور أن المعنى: إن تبتم من الربا وتركتم ما بقي منه على من عاملتموه، فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون بطلب الربح المأمور بوضعه، ولا تظلمون بمنع رأس المال، ثم إن التقديم والتأخير سواء في المعنى، إلا أن تقديم {لا تظلمون} بفتح التاء وكسر اللام أولى؛ لأن ما قبله على إسناد الفعل إلى الفاعل وهو قوله تعالى {وإنْ تُبْتُمْ}، فقوله {تَظلمون} بالفتح أليق به وأشبه لإسناد الفعل فيه أيضًا إلى الفاعل). [الموضح: 350]

قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فنظرةٌ إلى ميسرةٍ... (280).
قرأ نافع وحده: (إلى ميسرةٍ) بضم السين.
وقرأ الباقون بفتح
[معاني القراءات وعللها: 1/232]
السين.
قال أبو منصور: هما لغتان: ميسرة وميسرة، ومثله: مقبرة ومقبرة، ومشربة ومشربة: للغرفة.
وقوله جلّ وعزّ: (وأن تصدّقوا (280).
قرأ عاصم: (وأن تصدّقوا) خفيفة الصاد.
وقرأ الباقون: (تصّدّقوا) بتشديد الصاد والدال.
قال أبو منصور: من قرأ بتخفيف الصاد فالأصل: تتصدقوا فحذفت إحدي التاءين، وبقي تصدّقوا.
ومن قرأ بتشديد الصاد فالأصل أيضًا: تتصدّقوا، فأدغمت التاء الثانية في الصاد، وشددت، والمعنى واحد). [معاني القراءات وعللها: 1/233]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (42- وقوله تعالى: {فنظرة إلى ميسرة} [280].
قرأ نافع وحده {ميسرة} بضم السين مثل مشرقة.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/103]
وقرأ الباقون {ميسرة} مثل مشرقة، ولم يختلفوا في {نظرة} ولا {ذو عسرة} إلا ما روي عن عثمان فإنه قرأ {فإن كان ذا عسرة} جعله خبر كان، والاسم مضمر والتقدير، وإن كان المدين ذا عسرة، ومن رفع جعل «كان» بمعنى حدث ووقع، ولم يحتج إلى خبر تقول: قد كان الأمر، أي: قد وقع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/104]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (43- وقوله تعالى: {وأن تصدقوا خير لكم} [280].
قرأ عاصم وحده {تصدقوا} خفيفة.
وقرأ الباقون بتشديد الصاد والدال على أصل الكلمة؛ لأن الأصل تتصدقوا فأدغمت التاء في الصاد، ومن خفف حذف تاءه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/104]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في ضمّ السّين وفتحها من قوله تعالى: فنظرةٌ إلى ميسرةٍ [البقرة/ 280] فقرأ نافع وحده: إلى ميسرةٍ بضمّ السّين.
وقرأ الباقون: ميسرةٍ بفتح السّين، وكلّهم قلب الهاء تاء ونوّنها.
قال أبو عليّ: حجّة من قرأ إلى ميسرةٍ أنّ مفعلة قد جاء
[الحجة للقراء السبعة: 2/414]
في كلامهم كثيرا. وأمّا من قرأ إلى ميسرةٍ بضمّ السّين فلأنّ مفعلة قد جاء أيضا في كلامهم.
قالوا: المسربة، وقالوا: المشرقة وليس بكثرة مفعلة. فالقراءة الأولى أولى لأنّ الكلمة بفتح العين منها أكثر من الضمّ، ومفعلة بناء مبني على التأنيث، ألا ترى أن مفعلا بغير هاء بناء لم يجيء في الآحاد؟.
قال سيبويه: وأمّا ما كان يفعل منه مضموما، فهو بمنزلة ما كان يفعل منه مفتوحا، ولم يبنوه على مثال يفعل، لأنّه ليس في الكلام مفعل، فلمّا لم يكن إلى ذلك سبيل، وكان مصيره إلى إحدى الحركتين ألزموه أخفّهما.
قال أبو علي: كلامه هذا في الآحاد، ألا ترى أنّه يقصد مكان الفعل، وهو معلوم أنّه لا يكون إلّا مفردا.
وما جاء في الشّعر من معون ومكرم جمع معونة ومكرمة لا يدخل على هذا لأنه جمع ومراد سيبويه فيما ذكر المفرد دون الجمع.
[الحجة للقراء السبعة: 2/415]
قال أحمد بن موسى: وكلّهم قلب الهاء تاء ونوّنها، يعني: في الوصل، يريد أنّه: لم يقرأ أحد منهم إلى ميسرة لأنّ مفعل لا يجيء في الآحاد إلّا بالتاء، وقد جاء في الجمع، [قال جميل]:
بثين الزمي (لا) إنّ (لا) إن لزمته... على كثرة الواشين أيّ معون
وروي:
أبلغ النعمان عني مألكا... إنّه قد طال حبسي وانتظاري
فالأول جمع معونة، ومألكا جمع مألكة وهي: الرسالة، ومثل هذا الذي يقلّ قد لا يعتدّ به سيبويه، فربّما أطلق القول،
[الحجة للقراء السبعة: 2/416]
فقال: ليس في الكلام كذا، وإن كان قد جاء عليه حرف أو حرفان، كأنّه لا يعتدّ بالقليل، ولا يجعل له حكما). [الحجة للقراء السبعة: 2/417]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن بخلاف وأبي رجاء ومجاهد فيما رُوي عنه: [فنَظْرَة إلى ميْسُرة]، وقراءة عطاء بن أبي رباح: [فناظِرُهُ] بالألف، والهاء كناية، ورُوي أيضًا عن عطاء: [فنِاظِرْهُ إلى ميْسُرِه] أمر.
قال أبو الفتح: أما [فنَظْرَة] بسكون الظاء فمسكَّنة للتخفيف من "نَظِرة "، كقولهم في كلمة: كَلْمة، وفي كَبِد كَبْد، لغة تميمية، وهم الذين يقولون في كَرُم: كَرْم، وفي كُتُب: كُتْب.
وأما [فنَاظِرْه] فكقولك: فياسره فسامحه وليس أمرًا من المناظرة؛ أي: المحاجة والمجادلة؛ لكنها من المساناة والمسامحة، فيقول على هذا: قد تناظر القوم بينهم الحقوق، كقولك: قد تسامحوا فيها ولم يضايق بعضُهم بعضًا.
ويقول عليه: لله متبايعان رأيتهما، فقد تناظرا؛ أي: تسامحا ولم يتحاجا.
[المحتسب: 1/143]
وأما [إلى مَيْسُره] فغريب؛ وذلك أنه ليس في الأسماء شيء على مفْعُل بغير تاء؛ لكنه بالهاء، نحو: المقْدُرة والمقْبُرة والمشرُقة والمقنُوة، وأما قوله:
أَبلغ النعمان عني مألُكا ... أنه قد طال حبسي وانتظار
فطريقه عندنا: أنه أراد مألُكة -وهي الرسالة- غير أنه حذف الهاء وهو يريدها، كما قال كثير:
خليلي إنْ أمُّ الحكيم تَحَملت ... وأَخْلت لخيمات الْعُذَيب ظلالها
يريد: العُذيْبَة، وكما قال ملك بن جبار الطائي:
إنا بنو عمكم لا أن نُباعلكم ... ولا نصالحكم إلا على ناح
يريد ناحية. وكذلك قول الآخر:
بُثَيْن الزمى لا إن لا إن لزمتِه ... على كثرة الواشين أيُّ معون
يريد معونة فحذف، وقيل: أراد جمع معونة، وكذلك قول الآخر:
ليوم روع أو فَعالِ مَكْرُم
يريد: مكرمة ثم حذف، وقيل: أراد جمع مكرمة، وكذلك أراد هنا إلى ميسرته، فحذف الهاء. وحسن ذلك شيئًا أن ضمير المضاف إليه كاد يكون عوضًا من علم التأنيث، وإليه ذهب الكوفيون في قوله تعالى: {وَإِقَامِ الصَّلاةِ} أنه أراد إقامة، وصار المضاف إليه كأنه عوض من التاء.
[المحتسب: 1/144]
ويشهد لهذا قراءة مَن قرأ: [فنَظِرَةٌ إلى مَيْسُرة]، قرأ بها نافع في جماعة من الصحابة، فاعرف). [المحتسب: 1/145]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون}
قرأ نافع {إلى ميسرة} بضم السّين وقرأ الباقون بالنّصب وهما لغتان مثل المشرقة والمشرقة
قرأ عاصم {وأن تصدقوا} بتخفيف الصّاد وقرأ الباقون بالتّشديد
الأصل تتصدقوا من خفف حذف التّاء الثّانية اكتفاء بعلامة الاستقبال منها ومن شدد أدغم التّاء في الصّاد لقرب المخرجين). [حجة القراءات: 149]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (202- قوله: {ميسرة} قرأه نافع بضم السين، وفتح الباقون، وهما لغتان إلا أن الفتح أكثر وأشهر، و«مفعل» بغير هاء، وبفتح العين في الكلام كثير، وليس في الكلام «مفعل» بضم العين، وبغير هاء، إلا حرفان ونحوهما قالوا: معون، ومكرم، جمع معونة ومكرمة، وجاء مألك، جمع مألكة، وهي الرسالة. و«مفعل» بالفتح كثير مستعمل، وبالفتح قرأ علي بن أبي طالب وابن عمر والأعرج وأبو جعفر وابن جندب والحسن وقتادة وأبو رجاء، وبالضم قرأ مجاهد وابن محيصن، وشيبة وعطاء وحميد والحسن وهي لغة هذيل، واختلف عن الحسن فيه، والفتح هو الاختيار، لإجماع القراء عليه، ولأنه الأكثر في الاستعمال بالهاء وبغير هاء.
203- قوله: {وأن تصدقوا} قرأه عاصم بالتخفيف، وقرأ الباقون مشددًا، وهو مثل «تظاهرون» في الحجة في التخفيف والتشديد، لكن في التشديد معنى التكثير، وهو الاختيار؛ لأن الجماعة عليه، وهو الأصل، والتخفيف حدث). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/319]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (105- {إِلَى مَيْسَرَةٍ} [آية/ 280]:-
بضم السين، قرأها نافع وحده، والباقون على الفتح، وكلهم أعني الثمانية نون التاء.
وهما لغتان: ميسرة وميسرة، إلا أن مفعلة بالفتح أكثر في كلامهم، وقد جاء مفعلة بالضم أيضًا في نحو: المشرقة والمشربة والمقبرة، وليس في كثرة مفعلة بالفتح، فالقراءة الأولى أولى). [الموضح: 351]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (106- {وَأَنْ تَصَدَّقُوا} [آية/ 280]:-
بتخفيف الصاد، قرأها عاصم وحده.
وذلك لأن الأصل: تتصدقوا، فحذفت إحدى التاءين، وهي الثانية، وقد مضى مثله.
وقرأ الباقون {تَصَّدَّقُوا} بتشديد الصاد.
والأصل أيضًا: تتصدقوا، فأدغمت التاء الثانية في الصاد، فبقي: تصدقوا. والمعنى واحد). [الموضح: 351]

قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (واتّقوا يومًا ترجعون فيه إلى اللّه... (281).
[معاني القراءات وعللها: 1/233]
قرأ أبو عمرو ويعقوب: (ترجعون) بفتح التاء.
وقرأ الباقون: (ترجعون) بضم التاء، قال أبو منصور: (ترجعون) فعله لازم غير واقع.
و (ترجعون) مفعول من رجعته، فالأول واقع، والثاني لازم). [معاني القراءات وعللها: 1/234]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (44- قوله تعالى: {واتقوا يوما ترجعون} [281]
قرأ أبو عمرو وحده {يوما ترجعون فيه} بفتح التاء وكسر الجيم.
والباقون بضم التاء وفتح الجيم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/104]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في قوله عزّ وجلّ: واتّقوا يوماً ترجعون فيه إلى اللّه [البقرة/ 281] في فتح التاء من ترجعون وضمها.
فقرأ أبو عمرو وحده ترجعون بفتح التاء وكسر الجيم.
واختلف عنه في آخر سورة النور، فروى علي بن نصر، وهارون الأعور وعبيد بن عقيل، وعباس بن الفضل، وخارجة بن مصعب ويوم يرجعون إليه [النور/ 64] بضم الياء.
وقرأ الباقون: يوماً ترجعون فيه ويوم يرجعون بضم التاء والياء فيهما، وكذلك في النّور.
قال أبو علي: حجة من قرأ: يرجعون: ثمّ ردّوا إلى اللّه [الأنعام/ 62] ولئن رددت إلى ربّي [الكهف/ 36].
[الحجة للقراء السبعة: 2/417]
وحجة أبي عمرو: إنّ إلينا إيابهم [الغاشية/ 25] فأضيف المصدر إلى الفاعل فهذا بمنزلة: (يرجعون) وآبوا: مثل رجعوا.
ومن حجته: وإنّا إليه راجعون [البقرة/ 156] وقال:
فإلينا مرجعهم [يونس/ 46] فأضاف المصدر إلى الفاعل، كما أضيف في الآية الأخرى. وقال تعالى: كما بدأكم تعودون [الأعراف/ 29].
فأمّا انتصاب (يوم) من قوله: واتّقوا يوماً [البقرة/ 48] فانتصاب المفعول به لا انتصاب الظرف، وليس المعنى: اتّقوا في هذا اليوم، ولكن تأهبوا للّقاء به، بما تقدمون من العمل الصالح. ومثل ذلك: فكيف تتّقون إن كفرتم يوماً [المزمل/ 17]؟ أي: كيف تتّقون هذا اليوم الذي هذا وصفه مع الكفر بالله، أي: لا يكون الكافر مستعدّا للّقاء به لكفره، ومثل ذلك قوله: وارجوا اليوم الآخر [العنكبوت/ 36] أي: خافوه). [الحجة للقراء السبعة: 2/418]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [واتقوا يومًا يُرجعون فيه] بياء مضمومة.
قال أبو الفتح: فيه أنه ترك الخطاب إلى لفظ الغيبة كقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ}، غير أنه تصور فيه معنى مطروقًا هنا فحمل الكلام عليه؛ وذلك أنه كأنه قال: واتقوا يومًا يَرجع فيه البشر إلى الله فأَضمر على ذلك، فقال: يُرجعون فيه إلى الله.
وقد شاع واتسع عنهم حمل ظاهر اللفظ على معقود المعنى، وترك الظاهر إليه، وذلك كتذكير المؤنث وتأنيث المذكر وإفراد الجماعة وجمع المفرد، وهذا فاشٍ عنهم، وقد أفردنا له بابًا في كتابنا في الخصائص ووسمناه هناك بشجاعة العربية، وكأنه -والله أعلم- إنما عدل فيه عن الخطاب إلى الغيبة فقال: يُرْجَعُون بالياء رفقًا من الله -سبحانه- بصالحي عباده المطيعين لأمره.
وذلك أن العود إلى الله للحساب أعظم ما يخوَّفُه ويُتَوعَّدُ به العباد، فإذا قرئ: [تُرجعون فيه إلى الله] فقد خوطبوا بأمر عظيم يكاد يستهلك ذكره المطيعين العابدين، فكأنه -تعالى- انحرف عنهم بذكر الرجعة فقال: [يرجعون فيه إلى الله]. ومعلوم أن كل وارد هناك على أهول أمر وأشنع خطر، فقال: يرجعون فيه، فصار كأنه قال: يجازَوْن أو يعاقبون أو يطالبون بجرائرهم فيه، فيصير محصوله من بعد؛ أي: فاتقوا أنتم يا مطيعون يومًا يُعذَّب فيه العاصون.
ومَن قرأ بالتاء {ترجعون}[فإنه فضل تحذير للمؤمنين نظرًا لهم واهتمامًا بما يُعقِب السلامة بحذرهم، وليس ينبغي أن يُقْتَصَر في ذكر علة الانتقال من الخطاب إلى الغيبة ومن الغيبة إلى الخطاب بما عادة توسط أهل النظر أن يفعلوه، وهو قولهم: إن فيه ضربًا من الاتساع في اللغة لانتقاله من لفظ إلى لفظ، هذا ينبغي أن يقال إذا عَرِي الموضع من غرض معتمد، وسر على مثله تنعقد اليد.
[المحتسب: 1/145]
فمنه قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، هذا بعد قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فليس ترك الغيبة إلى الخطاب هنا اتساعًا وتصرفًا؛ بل هو لأمر أعلى ومهم من الغرض أَعْنَى، وذلك أن الحمد معنًى دون العبادة، ألا تراك قد تحمد نظيرك ولا تعبده؛ لأن العبادة غاية الطاعة والتقرب بها هو النهاية والغاية؟ فلما كان كذاك استعمل لفظ "الحمد" لتوسطه مع الغيبة، فقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} ولم يقل: لك، ولما صار إلى العبادة التي هي أقصى أمد الطاعة قال: {إِيَّاكَ نَعْبُد} فخاطب بالعبادة إصراحًا بها، وتقربًا منه -عز اسمه- بالانتهاء إلى محدوده منها.
وعلى نحو منه جاء آخر السورة، فقال: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} فأصرح بالخطاب لَمَّا ذكر النعمة، ثم قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} ولم يقل: غير الذين غضبتَ عليهم؛ وذلك أنه موضع تقرب من الله بذكر نعمه، فلما صار الكلام إلى ذكر الغضب قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}، حتى كأنه قال: غير الذين غُضِب عليهم، فجاء اللفظ مُنْحَرَفًا به عن ذكر الغاضب، ولم يقل: غير الذين غضبتَ عليهم، كما قال: {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} فأسند النعمة إليه لفظًا، وزَوَى عنه لفظ الغضب تحسنًا ولطفًا.
فانظر إلى هذه اللغة الكريمة وشرفها، وتلاقي هذه الأغراض اللطيفة وتعطفها، الأقدام تكاد تطؤها، والأفهام مع ثقوبها صافحة عنها، ويا ليت شعري هل تكون سورة أكثر استعمالًا من سورة الحمد، وهذا جزء من أجزاء ما فيها ولم توضع عليه يد؟ شرح الله لإعظام أوامره صدرونا، وأحسن الأخذ إلى طاعته بأيدينا بقدرته وماضي مشيئته.
ومما يتلقاه عامة من يُسْأَل عنه بأنه أَخْذٌ باللغتين، وسعة باختلاف اللفظين: قراءة أبي عمرو: [وتفقَّد الطير فقال ما لِيْ لا أرى الهُدهُدَ] بسكون الياء من [لي]، وقراءته أيضًا: [وما لِيَ لا أعبْد الذي فطرني] بتحريك الياء.
وعلة ذلك ليس الجمع بين اللغتين كما يُفتي به جميع من تسأله عنه؛ لكنه لما جاز الوقف على قوله تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ}، وأن يستأنف فيقول: {لا أَرَى الْهُدْهُدَ}، سكن الياء من "لي"؛ أمارة لجواز الوقوف عليها، ولما لم يحسن الابتداء بقوله: {لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} حرك الياء من "لي" قبلها؛ أمارة لإدراج الكلام ووصله؛ وذاك أن الحركة من أعراض الوصل،
[المحتسب: 1/146]
والسكون من أعراض الوقف، فهل يحسن مع وجود هذا الفرق الواضح الكريم أن يُخلد دونه إلى التعذر بما يُخْلِدُ إليه الموهون المضيم؟ اللهم انفعنا بما استودعتناه، واجعل بك اعتصامنا، وإلى طاعتك توجهنا، إنك لطيف بنا وأنت حسبنا). [المحتسب: 1/147]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({واتّقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله}
قرأ أبو عمرو {واتّقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله} بفتح التّاء أي تصيرون نسب الفعل إليهم
وحجته قوله {وأنّهم إليه راجعون} فأنسد الرّجوع إليهم فكذلك قوله {ترجعون}
وقرأ الباقون {ترجعون} بضم التّاء أي تردون وحجتهم قوله {ثمّ إلى ربهم يحشرون} {وإليه تقلبون} ). [حجة القراءات: 149]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (204- قوله: {يومًا ترجعون فيه} قرأه أبو عمرو بفتح التاء وكسر الجيم، أضاف الفعل إلى المخاطبين، فهم الفاعلون، وقرأ الباقون بضم التاء وفتح الجيم، أضافوا الفعل إلى من يرجع المخاطبين، فالمخاطبون مفعول بهم، قاموا
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/319]
مقام الفاعل، والقول في هذا كالقول في «ترجع الأمور» وقد مضى الكلام فيه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/320]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (107- {تُرْجَعُونَ فِيهِ} [آية/ 281]:-
بفتح التاء وكسر الجيم، قرأها أبو عمرو ويعقوب.
وذلك أن المعنى على هذه القراءة: تصيرون إليه، فالفعل فيه لازم، ومثله {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} و{إلَيْنا مَرْجِعُهُم} و{إِنَّ إلَيْنا إيابَهُمْ}، والإياب: الرجوع.
وقرأ الباقون {تُرْجَعُونَ} بضم التاء وفتح الجيم.
والفعل على هذا متعدٍّ؛ لأن رجع قد جاء لازمًا ومتعديًا، وهو مبني ههنا على ما لم يسم فاعله، وحجته من التنزيل: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى الله} و{لَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي} ). [الموضح: 352]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس