عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 13 محرم 1440هـ/23-09-2018م, 04:57 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى}: قال عكرمة: الرّحمة. وقال غيره: السّعادة، {أولئك عنها مبعدون} لـمّا ذكر تعالى أهل النّار وعذابهم بسبب شركهم باللّه، عطف بذكر السّعداء من المؤمنين باللّه ورسله، وهم الّذين سبقت لهم من اللّه السّعادة، وأسلفوا الأعمال الصّالحة في الدّنيا، كما قال: {للّذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ} [يونس: 26]: وقال {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} [الرّحمن:60]، فكما أحسنوا العمل في الدّنيا، أحسن اللّه مآلهم وثوابهم، فنجّاهم من العذاب، وحصل لهم جزيل الثّواب، فقال: {أولئك عنها مبعدون. لا يسمعون حسيسها} أي: حريقها في الأجساد.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، حدّثنا عفّان، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن أبيه، عن الجريريّ، عن أبي عثمان: {لا يسمعون حسيسها}، قال: حيّاتٌ على الصّراط تلسعهم، فإذا لسعتهم قال: حس حس.
وقوله: {وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون} فسلّمهم من المحذور والمرهوب، وحصل لهم المطلوب والمحبوب.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أحمد بن أبي سريج، حدّثنا محمّد بن الحسن بن أبي يزيد الهمدانيّ، عن ليث بن أبي سليمٍ، عن ابن عمّ النّعمان بن بشيرٍ، عن النّعمان بن بشيرٍ قال -وسمر مع عليٍّ ذات ليلةٍ، فقرأ: {إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون} قال: أنا منهم، وعمر منهم، وعثمان منهم، والزّبير منهم، وطلحة منهم، وعبد الرّحمن منهم -أو قال: سعدٌ منهم-قال: وأقيمت الصّلاة فقام، وأظنّه يجرّ ثوبه، وهو يقول: {لا يسمعون حسيسها}.
وقال شعبة، عن أبي بشرٍ، عن يوسف المكّيّ، عن محمّد بن حاطبٍ قال: سمعت عليًّا يقول في قوله: {إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى} قال: عثمان وأصحابه.
ورواه ابن أبي حاتمٍ أيضًا، ورواه ابن جريرٍ من حديث يوسف بن سعدٍ -وليس بابن ماهك-عن محمّد بن حاطبٍ، عن عليٍّ، فذكره ولفظه: عثمان منهم.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون}: فأولئك أولياء اللّه يمرّون على الصّراط مرًّا هو أسرع من البرق، ويبقى الكفّار فيها جثيًا.
فهذا مطابقٌ لما ذكرناه، وقال آخرون: بل نزلت استثناءً من المعبودين، وخرج منهم عزيرٌ والمسيح، كما قال حجّاج بن محمّدٍ الأعور، عن ابن جريجٍ وعثمان بن عطاءٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ: {إنّكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنّم}، ثمّ استثنى فقال: {إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى} فيقال: هم الملائكة، وعيسى، ونحو ذلك ممّا يعبد من دون اللّه عزّ وجلّ. وكذا قال عكرمة، والحسن، وابن جريجٍ.
وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى} قال: نزلت في عيسى ابن مريم وعزير، عليهما السّلام.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا الحسين بن عيسى بن ميسرة، حدّثنا أبو زهير، حدّثنا سعد بن طريف، عن الأصبغ، عن عليّ في قوله: {إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى} قال: كلّ شيءٍ يعبد من دون اللّه في النّار إلّا الشّمس والقمر وعيسى ابن مريم. إسناده ضعيفٌ.
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ: {أولئك عنها مبعدون}، قال: عيسى، وعزير، والملائكة.
وقال الضّحّاك: عيسى، ومريم، والملائكة، والشّمس، والقمر. وكذا روي عن سعيد بن جبير، وأبي صالحٍ وغير واحدٍ.
وقد روى ابن أبي حاتمٍ في ذلك حديثًا غريبًا جدًّا، فقال: حدّثنا الفضل بن يعقوب الرّخّاني، حدّثنا سعيد بن مسلمة بن عبد الملك، حدّثنا اللّيث بن أبي سليمٍ، عن مغيث، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون} قال: عيسى، وعزير، والملائكة.
وذكر بعضهم قصّة ابن الزّبعرى ومناظرة المشركين، قال أبو بكر بن مردويه:
حدّثنا محمّد بن عليّ بن سهلٍ، حدّثنا محمّد بن حسنٍ الأنماطيّ، حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن عرعرة، حدّثنا يزيد بن أبي حكيمٍ، حدّثنا الحكم -يعني: ابن أبانٍ-عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: جاء عبد اللّه بن الزّبعرى إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: تزعم أنّ اللّه أنزل عليك هذه الآية: {إنّكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنّم أنتم لها واردون}، فقال ابن الزّبعرى: قد عبدت الشّمس والقمر والملائكة، وعزير وعيسى ابن مريم، كلّ هؤلاء في النّار مع آلهتنا؟ فنزلت: {ولمّا ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدّون. وقالوا أآلهتنا خيرٌ أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قومٌ خصمون}، ثمّ نزلت: {إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون}. رواه الحافظ أبو عبد اللّه في كتابه "الأحاديث المختارة".
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا قبيصة بن عقبة، حدّثنا سفيان -يعني: الثّوريّ-عن الأعمش، عن أصحابه، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا نزلت: {إنّكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنّم أنتم لها واردون} قال المشركون: فالملائكة،عزير، وعيسى يعبدون من دون اللّه؟ فنزلت: {لو كان هؤلاء آلهةً ما وردوها}، الآلهة الّتي يعبدون، {وكلٌّ فيها خالدون}.
وروي عن أبي كدينة، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ مثل ذلك، وقال فنزلت: {إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون}.
وقال [الإمام] محمّد بن إسحاق بن يسارٍ، رحمه اللّه، في كتاب "السّيرة": وجلس رسول اللّه -فيما بلغني-يومًا مع الوليد بن المغيرة في المسجد، فجاء النّضر بن الحارث حتّى جلس معهم، وفي المسجد غير واحدٍ من رجال قريشٍ، فتكلّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فعرض له النّضر بن الحارث، فكلّمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى أفحمه، وتلا عليه وعليهم {إنّكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنّم أنتم لها واردون} إلى قوله: {وهم فيها لا يسمعون}، ثمّ قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأقبل عبد اللّه بن الزبعرى السّهميّ حتّى جلس، فقال الوليد بن المغيرة لعبد اللّه بن الزّبعرى: واللّه ما قام النّضر بن الحارث لابن عبد المطّلب آنفًا ولا قعد، وقد زعم محمّدٌ أنّا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنّم. فقال عبد اللّه بن الزّبعرى: أما واللّه لو وجدته لخصمته، فسلوا محمّدًا: كلّ ما يعبد من دون اللّه في جهنّم مع من عبده، فنحن نعبد الملائكة، واليهود تعبد عزيرًا، والنّصارى تعبد عيسى ابن مريم؟ فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس، من قول عبد اللّه بن الزّبعرى، ورأوا أنّه قد احتجّ وخاصم.
فذكر ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: "كلّ من أحبّ أن يعبد من دون اللّه فهو مع من عبده، إنّهم إنّما يعبدون الشّياطين ومن أمرتهم بعبادته. وأنزل اللّه: {إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون. لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون} أي: عيسى وعزيرٌ ومن عبدوا من الأحبار والرّهبان، الّذين مضوا على طاعة اللّه، فاتّخذهم من يعبدهم من أهل الضّلالة أربابًا من دون اللّه. ونزل فيما يذكرون، أنّهم يعبدون الملائكة، وأنّهم بنات اللّه: {وقالوا اتّخذ الرّحمن ولدًا سبحانه بل عبادٌ مكرمون. لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون} إلى قوله: {ومن يقل منهم إنّي إلهٌ من دونه فذلك نجزيه جهنّم كذلك نجزي الظّالمين} [الأنبياء:26 -29]، ونزل فيما ذكر من أمر عيسى، وأنّه يعبد من دون اللّه، وعجب الوليد ومن حضره من حجّته وخصومته: {ولـمّا ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدّون. وقالوا أآلهتنا خيرٌ أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قومٌ خصمون. إن هو إلا عبدٌ أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل. ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكةً في الأرض يخلفون. وإنّه لعلمٌ للسّاعة فلا تمترنّ بها} [الزخرف:57 -61]
أي: ما وضعت على يديه من الآيات من إحياء الموتى وإبراء الأسقام، فكفى به دليلًا على علم السّاعة، يقول: {فلا تمترنّ بها واتّبعون هذا صراطٌ مستقيمٌ} [الزّخرف:61].
وهذا الّذي قاله ابن الزّبعرى خطأٌ كبيرٌ؛ لأنّ الآية إنّما نزلت خطابًا لأهل مكّة في عبادتهم الأصنام الّتي هي جمادٌ لا تعقل، ليكون ذلك تقريعًا وتوبيخًا لعابديها؛ ولهذا قال: {إنّكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنّم} فكيف يورد على هذا المسيح والعزير ونحوهما، ممّن له عملٌ صالحٌ، ولم يرض بعبادة من عبده. وعوّل ابن جريرٍ في تفسيره في الجواب على أنّ "ما" لما لا يعقل عند العرب.
وقد أسلم عبد اللّه بن الزّبعرى بعد ذلك، وكان من الشّعراء المشهورين. وكان يهاجي المسلمين أوّلًا ثمّ قال معتذرًا:
يا رسول المليك، إنّ لساني = راتقٌ ما فتقت إذ أنا بور...
إذ أجاري الشّيطان في سنن الغي = ومن مال ميله مثبور).[تفسير ابن كثير: 5/ 378-381]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {لا يحزنهم الفزع الأكبر} قيل المراد بذلك الموت. رواه عبد الرّزّاق، عن يحيى بن ربيعة عن عطاءٍ.
وقيل: المراد بالفزع الأكبر: النّفخة في الصّور. قاله العوفي عن ابن عبّاسٍ، وأبو سنان سعيد ابن سنانٍ الشّيبانيّ، واختاره ابن جريرٍ في تفسيره.
وقيل: حين يؤمر بالعبد إلى النّار. قاله الحسن البصريّ.
وقيل: حين تطبق النّار على أهلها. قاله سعيد بن جبير، وابن جريج.
وقيل: حين يذبح الموت بين الجنّة والنّار. قاله أبو بكرٍ الهذليّ، فيما رواه ابن أبي حاتمٍ، عنه.
وقوله: {وتتلقّاهم الملائكة هذا يومكم الّذي كنتم توعدون}، يعني: تقول لهم الملائكة، تبشّرهم يوم معادهم إذا خرجوا من قبورهم: {هذا يومكم الّذي كنتم توعدون} أي: قابلوا ما يسركم). [تفسير ابن كثير: 5/ 381]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يوم نطوي السّماء كطيّ السّجلّ للكتب كما بدأنا أوّل خلقٍ نعيده وعدًا علينا إنّا كنّا فاعلين (104)}.
يقول تعالى: هذا كائنٌ يوم القيامة، {يوم نطوي السّماء كطيّ السّجلّ للكتب} كما قال تعالى: {وما قدروا اللّه حقّ قدره والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسّماوات مطويّاتٌ بيمينه سبحانه وتعالى عمّا يشركون} [الزّمر: 67] وقد قال البخاريّ:
حدّثنا مقدم بن محمّدٍ، حدّثني عمّي القاسم بن يحيى، عن عبيد اللّه، عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: "إنّ اللّه يقبض يوم القيامة الأرضين، وتكون السموات بيمينه".
انفرد به من هذا الوجه البخاريّ، رحمه اللّه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا محمّد بن أحمد بن الحجّاج الرّقّي، حدّثنا محمّد بن سلمة، عن أبي الواصل، عن أبي المليح الأزديّ، عن أبي الجوزاء الأزديّ، عن ابن عبّاسٍ قال: يطوي الله السموات السّبع بما فيها من الخليقة والأرضين السّبع بما فيها من الخليقة، يطوي ذلك كلّه بيمينه، يكون ذلك كلّه في يده بمنزلة خردلةٍ.
وقوله: {كطيّ السّجلّ للكتب}، قيل: المراد بالسّجلّ [الكتاب. وقيل: المراد بالسّجلّ] هاهنا: ملك من الملائكة.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا محمّد بن العلاء، حدّثنا يحيى بن يمانٍ، حدّثنا أبو الوفاء الأشجعيّ، عن أبيه، عن ابن عمر في قوله تعالى: {يوم نطوي السّماء كطيّ السّجلّ للكتب}، قال: السّجلّ: ملك، فإذا صعد بالاستغفار قال: اكتبها نورًا.
وهكذا رواه ابن جريرٍ، عن أبي كريب، عن ابن يمانٍ، به.
قال ابن أبي حاتمٍ: وروي عن أبي جعفرٍ محمّد بن عليّ بن الحسين أنّ السّجلّ ملكٌ.
وقال السّدّيّ في هذه الآية: السّجلّ: ملك موكّلٌ بالصّحف، فإذا مات الإنسان رفع كتابه إلى السّجلّ فطواه، ورفعه إلى يوم القيامة.
وقيل: المراد به اسم رجلٍ صحابيٍّ، كان يكتب للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الوحي: قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا نصر بن عليٍّ الجهضميّ، حدّثنا نوح بن قيسٍ، عن عمرو بن مالكٍ، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس: [ {يوم نطوي السّماء كطيّ السّجلّ للكتب}]، قال: السجل: هو الرجل.
قال نوحٌ: وأخبرني يزيد بن كعبٍ -هو العوذي-عن عمرو بن مالكٍ، عن أبي الجوزاء عن ابن عبّاسٍ قال: السّجلّ كاتبٌ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وهكذا رواه أبو داود والنّسائيّ عن قتيبة بن سعيدٍ، عن نوح بن قيسٍ، عن يزيد بن كعبٍ، عن عمرو بن مالكٍ، عن أبي الجوزاء، عن ابن عبّاسٍ، قال: السّجلّ كاتبٌ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
ورواه ابن جريرٍ عن نصر بن عليٍّ الجهضميّ، كما تقدّم. ورواه ابن عديٍّ من رواية يحيى بن عمرو بن مالكٍ النّكريّ عن أبيه، عن أبي الجوزاء، عن ابن عبّاسٍ قال: كان للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كاتبٌ يسمّى السّجلّ وهو قوله: {يوم نطوي السّماء كطيّ السّجلّ للكتب}، قال: كما يطوي السّجلّ الكتاب، كذلك نطوي السّماء، ثمّ قال: وهو غير محفوظٍ.
وقال الخطيب البغداديّ في تاريخه: أنبأنا أبو بكرٍ البرقاني، أنبأنا محمّد بن محمّد بن يعقوب الحجّاجيّ، أنبأنا أحمد بن الحسن الكرخيّ، أنّ حمدان بن سعيدٍ حدّثهم، عن عبد اللّه بن نميرٍ، عن عبيد اللّه بن عمر، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: السّجلّ: كاتبٌ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وهذا منكرٌ جدًّا من حديث نافعٍ عن ابن عمر، لا يصحّ أصلًا وكذلك ما تقدّم عن ابن عبّاسٍ، من رواية أبي داود وغيره، لا يصحّ أيضًا. وقد صرّح جماعةٌ من الحفّاظ بوضعه -وإن كان في سنن أبي داود-منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجّاج المزّي، فسح اللّه في عمره، ونسأ في أجله، وختم له بصالح عمله، وقد أفردت لهذا الحديث جزءًا على حدةٍ، وللّه الحمد. وقد تصدّى الإمام أبو جعفر بن جريرٍ للإنكار على هذا الحديث، وردّه أتمّ ردٍّ، وقال: لا يعرف في الصّحابة أحدٌ اسمه السجل، وكتّاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم معروفون، وليس فيهم أحدٌ اسمه السّجلّ، وصدق رحمه اللّه في ذلك، وهو من أقوى الأدلّة على نكارة هذا الحديث. وأمّا من ذكر في أسماء الصّحابة هذا، فإنّما اعتمد على هذا الحديث، لا على غيره، واللّه أعلم. والصّحيح عن ابن عبّاسٍ أنّ السّجلّ هي الصّحيفة، قاله عليّ بن أبي طلحة والعوفيّ، عنه. ونصّ على ذلك مجاهدٌ، وقتادة، وغير واحدٍ. واختاره ابن جريرٍ؛ لأنّه المعروف في اللّغة، فعلى هذا يكون معنى الكلام: {يوم نطوي السّماء كطيّ السّجلّ للكتب} أي: على [هذا] الكتاب، بمعنى المكتوب، كقوله: {فلمّا أسلما وتلّه للجبين} [الصّافّات:103]، أي: على الجبين، وله نظائر في اللّغة، واللّه أعلم.
وقوله: {كما بدأنا أوّل خلقٍ نعيده وعدًا علينا إنّا كنّا فاعلين} يعني: هذا كائنٌ لا محالة، يوم يعيد اللّه الخلائق خلقًا جديدًا، كما بدأهم هو القادر على إعادتهم، وذلك واجب الوقوع، لأنه من جملة وعد اللّه الّذي لا يخلف ولا يبدّل، وهو القادر على ذلك. ولهذا قال: {إنّا كنّا فاعلين}.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا وكيع وابن جعفرٍ المعنى، قالا: حدّثنا شعبة، عن المغيرة بن النّعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ قال: قام فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بموعظةٍ فقال: "إنّكم محشورون إلى اللّه عزّ وجلّ حفاةً عراةً غرلا كما بدأنا أوّل خلقٍ نعيده، وعدًا علينا إنّا كنّا فاعلين"؛ وذكر تمام الحديث، أخرجاه في الصّحيحين من حديث شعبة. ورواه البخاريّ عند هذه الآية في كتابه.
وقد روى ليث بن أبي سليمٍ، عن مجاهدٍ، عن عائشة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، نحو ذلك.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {كما بدأنا أوّل خلقٍ نعيده} قال: نهلك كلّ شيءٍ، كما كان أوّل مرّةٍ). [تفسير ابن كثير: 5/ 382-384]

رد مع اقتباس