عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 07:32 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام
[ من الآية (54) إلى الآية (58) ]

{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58)}

قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أنّه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفورٌ رحيمٌ (54)
قرأ ابن كثير وحمزة وأبو عمرو والكسائي (إنّه من عمل) و(فإنّه) بكسر الألف فيهما، وقرأ نافع (أنّه من عمل) نصبًا، (فإنّه غفورٌ) بالكسر، وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب
[معاني القراءات وعللها: 1/355]
((أنّه... فأنّه) منصوبين.
وقال أبو إسحاق: يجوز (أنّه من عمل منكم سوءًا... فأنّه) يجوز بالفتح فيهما جميعًا، ويجوز كسرها جميعًا، ويجوز فتح الأولى وكسر الثانية، ويجوز كسر الأولى وفتح الثانية.
فأما من فتح الأولى والثانية فعلى أن موضع الأولى نصب، المعنى: كتب ربكم على نفسه المغفرة، وهي بدل من الرحمة، كأنه قال: كتب ربكم على نفسه الرحمة، وهي المغفرة للمؤمنين التائبين، لأن معنى (أنه غفورً رحيم) المغفرة منه.
ويجوز أن تكون (أنّ) الثانية وقعت مؤكدة للأولى؛ لأن المعنى: كتب ربكم أنه غفور رحيم، فلما طال الكلام أعيد ذكر (أنّ).
وأما من كسرهما جميعًا فعلى مذهب الحكاية، كأنه لما قال: (كتب ربّكم على نفسه الرّحمة) قال: (إنّه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ ثمّ تاب من بعده وأصلح فإنّه غفورٌ رحيمٌ) بالكسر.
ودخلت الفاء جوابا للجزاء فكسرت (إنّ) لأنها دخلت على ابتداء وخبر، كأنك قلت: فهو غفور رحيم، إلا أنّ الكلام بـ إنّ أوكد.
[معاني القراءات وعللها: 1/356]
ومن كسر الأولى فعلى ما ذكرنا من الحكاية، وإذا فتح الثانية مع كسر الأولى كان معناها المصدر، والخبر محذوف، المعنى: إنه من عمل منكم كذا وكذا فمغفرة الله له.
ومن فتح الأولى وكسر الثانية فالمعنى راجع إلى المصدر، كأنك لم تذكر (إنّ) الثانية، المعنى: كتب ربكم على نفسه أنه غفور رحيم). [معاني القراءات وعللها: 1/357]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {أنه من عمل منكم ...} [54].
قرأ عاصم وابن عامر {أنه} {فانه} بالفتح نصب الأول بقوله {كتب على نفسه الرحمة} «بأنه» و«لأنه» فلما سقط الخافض عمل الفعل «وأن» المفتوحة مع ما بعدها بمنزلة المصدر، واثلانية نسق على الأول.
وقرأ نافع {أنه} بالفتح {فإنهْ بالكسر نصب الأول بـ {كتب} وجعل الفاء جواب الشرط لـ «من» واستأنف «إن»؛ لأن ما بعد فاء الشرط
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/157]
يكون الكلام مستأنفًا كقوله تعالى: {ومن عاد فينتقم الله منه} وكقولك: من يزر زيدًا فعبد الله عنده.
وقرأ الباقون: {إنه} {فإنه} مكسورتين، جعلوه حكاية، ولم يعملوا {كتب} كما تقول: قال زيد عبد الله في الدار، و{كتب ربكم على نفسه الرحمة} لمن كان حاله كيت وكيت). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/158]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله [جلّ وعزّ]: إنه من عمل... فإنه غفور رحيم [الأنعام/ 54].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائيّ: إنه من عمل فإنه غفور رحيم مكسورة الألف فيهما.
وقرأ عاصم وابن عامر أنه من عمل فإنه بفتح الألف فيهما.
وقرأ نافع الرحمة أنه [الأنعام/ 54] بفتح الألف فإنه غفور رحيم كسرا.
من كسر فقال: الرحمة إنه من عمل منكم جعله تفسيرا للرّحمة، كما أنّ قوله: لهم مغفرة وأجر عظيم [المائدة/ 9] تفسير للوعد.
فأمّا كسر إنّ من قوله: فإنه غفور رحيم فلأنّ ما بعد الفاء حكمه الابتداء، ومن ثمّ حمل قوله: ومن عاد فينتقم الله منه [المائدة/ 95] على إرادة المبتدأ بعد الفاء، وحذفه.
وأمّا من فتح أنّ في قوله: أنه فإنّه جعل أن* الأولى بدلا من الرّحمة، كأنّه: كتب ربّكم على نفسه أنّه من عمل منكم.
[الحجة للقراء السبعة: 3/311]
وأمّا فتحها بعد الفاء من قوله: فأنه غفور رحيم [الأنعام/ 54]، فعلى أنّه أضمر له خبرا تقديره: فله أنّه غفور رحيم، أي: فله غفرانه، أو أضمر مبتدأ يكون أنّ خبره، كأنّه، فأمره أنّه غفور رحيم. وعلى هذا التقدير يكون الفتح في قول من فتح: ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم [التوبة/ 63] تقديره: فله أنّ له نار جهنّم، إلّا أنّ إضماره هنا
أحسن لأنّ ذكره قد جرى في صلة أن...، وإن شئت قدّرت، فأمره
أنّ له نار جهنّم، فيكون خبر هذا المبتدأ المضمر.
ومثل البدل في هذا قوله: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم [الأنفال/ 7] المعنى: وإذ يعدكم الله كون إحدى الطائفتين، مثل قوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63].
ومن ذهب في هذه الآية إلى أنّ أنّ التي بعد الفاء تكرير من
الأولى لم يستقم قوله وذلك أنّ من... لا تخلو من أن تكون للجزاء
الجازم الذي اللفظ عليه، أو تكون موصولة، ولا يجوز أن يقدّر التكرير مع الموصولة، ولو كانت موصولة لبقي المبتدأ بلا خبر. ولا يجوز ذلك في الجزاء الجازم، لأنّ الشرط يبقى بلا جزاء، فإذا لم يجز ذلك، ثبت أنّه على ما ذكرنا، على أنّ ثبات الفاء في قوله:
فأن له، يمنع من أن يكون بدلا، ألا ترى أنّه لا يكون بين البدل
[الحجة للقراء السبعة: 3/312]
والمبدل منه الفاء العاطفة، ولا التي للجزاء؟ فإن قلت: إنّها زائدة، بقي الشرط بلا جزاء، فلا يجوز إذا تقدير زيادتها هنا، وإن جاءت زائدة في غير هذا الموضع.
وأمّا قراءة نافع كتب أنه... فإنه! فالقول فيها أنّه أبدل من الرحمة واستأنف ما بعد الفاء.
قال سيبويه: بلغنا أنّ الأعرج قرأ: أنه من عمل منكم سوءا بجهالة... فإنه غفور رحيم [الأنعام/ 54] قال: ونظيره البيت الذي أنشدتك يعني بالبيت الذي أنشده:
قول ابن مقبل.
وعلمي بأسدام المياه فلم تزل... قلائص تخدى في طريق طلائح
وأنّي إذا ملّت ركابي مناخها... فإنّي على حظّي من الأمر جامح
يريد أنّ قوله: وأني إذا ملّت ركابي محمول على ما قبله،
[الحجة للقراء السبعة: 3/313]
كما أنّ قوله: من عمل محمول على ما قبله، وما بعده من قوله: «فإنّي على حظّي من الأمر» مستأنف، كما أنّ قوله: فإنه غفور رحيم مستأنف به منقطع مما قبله). [الحجة للقراء السبعة: 3/314]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({كتب ربكم على نفسه الرّحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفور رحيم}
[حجة القراءات: 251]
قرأ عاصم وابن عامر {كتب ربكم على نفسه الرّحمة أنه من عمل} {فأنّه غفور رحيم} الألف فيهما مفتوحة
قال الزّجاج موضع {إن} الأولى النصب المعنى كتب ربكم على نفسه المغفرة وهي بدل من الرّحمة كأنّه قال كتب ربكم على نفسه الرّحمة وهي المغفرة للمذنبين التائبين لأن معنى أنه غفور رحيم المغفرة منه فيجعل أنه بدلا من الرّحمة وتفسيرا عنها قال ويجوز أن تكون أن الثّانية وقعت مؤكدة للأولى لأن المعنى كتب ربكم أنه غفور رحيم فلمّا طال الكلام أعيد ذكر أن
وقال أبو حاتم يجوز أن تكون في موضع رفع على ضمير هي أنه كأنّه فسر الرّحمة فقال هي أنه وحمل الثّاني على الأول لأن المعنى كتب ربكم أنه غفور رحيم للّذي يتوب ويصلح
وقرأ نافع {أنه من عمل منكم} بفتح الألف {فأنّه غفور رحيم} بالكسر جعل الفاء جواب الشّرط ل من واستأنف كقوله {ومن عاد فينتقم الله منه} وكقوله {ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنّم} وقال الزّجاج من فتح الأولى وكسر الثّانية فالمعنى
[حجة القراءات: 252]
راجع إلى المصدر وكأنك لم تذكر إن الثّانية المعنى كتب ربكم على نفسه الرّحمة إنّه غفور رحيم
وقرأ الباقون إنّه فإنّه بكسر الألف فيهما على مذهب الحكاية كأنّه لما قال {كتب ربكم على نفسه الرّحمة} قال {أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفور رحيم} ). [حجة القراءات: 253]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (22- قوله: {أنه من عمل}، {فأنه غفور} قرأ نافع وابن عامر عاصم «أنه» بالفتح، وقرأ عاصم وابن عامر «فأنه غفور» بالفتح وقرأ الباقون بالكسر فيهما.
وحجة من كسر «إنه من عمل» أنه جعله تفسيرًا للرحمة، فسرها بالجملة التي بعدها و«أن» تكون مكسورة إذا دخلت على الجمل.
23- وحجة من كسر «فإنه غفور» أن ما بعد الفاء حكمه الابتداء والاستئناف، فكسر لذلك؛ لأن حكم «إن» في الابتداء والاستئناف الكسر.
24- وحجة من فتح «أنه من عمل» أنه جعل «أن» بدلًا من «الرحمة» على بدل الشيء من الشيء، وهو هو، فأعمل فيها «كتب» ن، كأنه قال: كتب ربكم على نفسه «أنه من عمل».
25- وحجة من «فأنه غفور» أنه أضمر خبرًا مقدمًا، ورفع «أن» بالابتداء، لأن ما بعد الفاء مبتدأ، كأنه قال: فله أنه غفور له، أي فله غفران الله، ويجوز رفع «أن» بالظرف المضمر، ويجوز أن يضمر مبتدأ تكون «أن» خبره، تقديره: فأمره غفران ربه له، وقد قيل: إن «أن» الثاني تأكيد وتكرير للأولى). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/433]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (15- {أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ} {فَأَنَّهُ} [آية/ 54] بفتح الألف فيهما:-
قرأها ابن عامر وعاصم ويعقوب.
أما فتح {أنه} فعلي البدل من {الرَّحْمَةَ} من قوله {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}، والتقدير: كتب ربكم على نفسه أنه من عمل منكم سوءًا، وموضعه نصب بكتب.
وأما فتحها بعد الفاء من قوله {فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فعلى أنه أضمر له خبرة، والتقدير: فله أنه غفور رحيم، أي قله غفرانه، ويجوز أن يكون المضمر مبتدأ، والتقدير: فأمره أنه غفور رحيم.
وقرأ الباقون {إِنَّهُ} {فَأَنَّهُ} بالكسر فيهما، إلا نافعًا فإنه قرأ {أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ} بالفتح {فَإِنَّهُ} بالكسر.
أما وجه قراءة نافع، فهو أنه {أَنَّهُ} وأنهه من {الرَّحْمَةَ}، وكسر ما بعد
[الموضح: 470]
الفاء حملاً له على معنى الجملة المبتدأ بها الواقعة في جواب الشرط، نحو: من أحسن إليه فإن الله مجازيه، بكسر إن.
وأما قراءة الباقين فوجهها أن الجملة مستأنفة مفسرة للرحمة، فكسرت إن من أجل أنها مبتدأة، كما كان قوله تعالى {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} تفسيرًا للوعد، وأما كسر إن من قوله {فَإِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}؛ فعلى ما ذكرنا في قراءة نافع من أن ما بعد الفاء الواقع في جواب الشرط محكمة الابتداء). [الموضح: 471]

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولتستبين سبيل المجرمين (55)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحفص ويعقوب (ولتستبين) بالتاء (سبيل) بالرفع، وقرأ نافع (ولتستبين) بالتاء (سبيل) بالنصب، وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي (وليستبين) بالياء (سبيل) بالرفع.
قال أبو منصور: الاستبانة: أن تبين ويتبين.
من قرأ (ولتستبين سبيل) فمعناه: ولتبين والفعل للسبيل، وهي مؤنثة،
[معاني القراءات وعللها: 1/357]
كقوله: (قل هذه سبيلي).
ومن قرأ (وليستبين سبيل) بالياء فإنه ذكر السبيل، قال الله تعالى: (وإنّها لبسبيلٍ مقيمٍ)، والسبيل والطريق يذكران ويؤنثان.
وأما قراءة نافع (ولتستبين سبيل) بالنصب فالمعنى: ولتستبين أنت يا محمد سبيل المجرمين يقال: تبينت الأمر والسبيل، واستبنته بمعنى واحد.
فإن قال قائل: أفلم يكن النبي مستبينا سبيل المجرمين؟
فالجواب في هذا: أن جميع ما يخاطب به المؤمنون يخاطب به النبي - صلى الله عليه وسلم - فكأنه قيل: لتستبينوا سبيل المجرمين، أي: لتزدادوا استبانة، ولم يحتج إلى أن يقول: ولتستبين سبيل المؤمنين، مع ذكر سبيل المجرمين، لأن سبيل المجرمين إذا بانت فقد بانت معها سبيل المؤمنين). [معاني القراءات وعللها: 1/358]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (14- وقوله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين} [55].
قرأ أهل الكوفة غير حفص {وليستبين} بالياء {سبيل} بالرفع.
وقرأ ابن عامر وابن كثير وأبو عمرو وحفص بالتاء والرفع، وقرأ نافع {ولتستبين} بالتاء {سبيل} بالنصب، والمعنى ولتستبين أنت يا محمد سبيل المجرمين، والسبيل: الطريق يذكر ويؤنث). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/158]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء والرّفع والنصب من قوله [جلّ وعزّ]: ولتستبين سبيل المجرمين [الأنعام/ 55].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: ولتستبين بالتاء، سبيل رفعا.
وقرأ نافع: ولتستبين بالتاء أيضا، سبيل المجرمين نصبا.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائيّ وليستبين بالياء سبيل رفعا حفص عن عاصم مثل أبي عمرو.
وجه قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر ولتستبين بالتاء سبيل رفعا، أنهم جعلوا السبيل فاعل الاستبانة، وأنّث السبيل كما قال: قل هذه سبيلي أدعوا [يوسف/ 108] وقد ذكّر السبيل أيضا في قوله: وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا [الأعراف/ 146].
فالسّبيل على هذا فاعل الاستبانة. قال سيبويه: استبان
[الحجة للقراء السبعة: 3/314]
الشيء واستبنته. وقراءة نافع: ولتستبين سبيل التاء فيها ليس على ما تقدّم ولكنّها لك أيّها المخاطب ففي الفعل ضمير المخاطب. والفعل في القراءة الأولى فارغ لا ضمير فيه، والتاء تؤذن بأنّ الفاعل المسند إلى الفعل مؤنث.
ومثل هذا في أنّ تفعل يحتمل الأمرين، الخطاب والتأنيث، قوله: يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها [الزلزلة/ 4]، أي: يومئذ تحدّث الأرض، يريد: أهل الأرض، ويكون تحدّث أنت أيّها الإنسان، فأمّا قول الهذليّ:
زجرت لها طير الشمال فإن تكن... هواك الذي يهوى يصبك اجتنابها
فالفعل للغائبة على حد قولك: هند تهوى كذا.
وقول الأعشى:
فآليت لا أرثي لها من كلالة... ولا من حفى حتى تلاقي محمّدا
يكون تلاقي فيه: مرة للخطاب وأخرى للغيبة،
[الحجة للقراء السبعة: 3/315]
فالخطاب: على أن تكون الياء في تلاقي ضمير المؤنّث على الرجوع من الغيبة إلى الخطاب، كقوله تعالى: الحمد لله ثمّ قال: إياك نعبد [الفاتحة/ 5].
وأمّا الغيبة فإنّه على حدّ قولك: هند تفعل، إلّا أنّه أسكن الياء للضرورة كما قال:
سوّى مساحيهنّ تقطيط الحقق فالتاء في قراءة نافع للخطاب دون التأنيث على قولك: استبنت الشيء.
وقراءة حمزة والكسائي: وليستبين بالياء سبيل رفعا.
فالفعل على هذا مسند إلى السبيل إلّا أنّه ذكّر السبيل على قوله: يتخذوه سبيلا [الأعراف/ 146].
والمعنى: وليستبين سبيل المجرمين وسبيل المؤمنين، فحذف لأنّ ذكر أحد السبيلين يدل على الآخر، ومثله: سرابيل تقيكم الحر [النحل/ 81] ولم يذكر البرد لدلالة الفحوى عليه). [الحجة للقراء السبعة: 3/317]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ عاصم في رواية أبي بكرخفية* بكسر الخاء هاهنا
[الحجة للقراء السبعة: 3/316]
[الأنعام/ 63] وفي الأعراف عند قوله: ادعوا ربكم تضرعا وخفية [الآية/ 55].
وقرأ الباقون خفية بضم الخاء هاهنا، وفي الأعراف.
وروى حفص عن عاصم خفية بضم الخاء أيضا في الموضعين.
قال أبو عبيدة: خفية: تخفون في أنفسكم.
وحكى غيره: خفية، وخفية وهما لغتان.
وروي عن الحسن: التضرّع: العلانية، والخفية بالنية.
وأمّا قوله تعالى: تضرعا وخيفة فخيفة فعلة من الخوف، وانقلبت الواو للكسرة والمعنى: ادعوا خائفين وجلين، قال:
فلا تقعدنّ على زخّة... وتضمر في القلب وجدا وخيفا). [الحجة للقراء السبعة: 3/317]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولتستبين سبيل المجرمين}
قرأ نافع {ولتستبين} بالتّاء {سبيل} نصب أي ولتستبين أنت يا محمّد سبيل المجرمين فإن قال قائل أفلم يكن النّبي صلى الله عليه وآله مستبينا سبيل المجرمين فالجواب في هذا إن جميع ما يخاطب به المؤمنون يخاطب به النّبي صلى الله عليه فكأنّه قيل ولتستبينوا سبيل المجرمين أي لتزدادوا استبانة لها ولم يحتج إلى أن يقول ولتستبين سبيل المؤمنين مع ذكر سبيل المجرمين لأن سبيل المجرمين إذا بانت فقد بان معها سبيل المؤمنين
وقرأ حمزة والكسائيّ وأبو بكر «وليستبين» بالياء {سبيل} رفع وقرأ الباقون بالتّاء
اعلم أن السّبيل يذكر ويؤنث جاء القرآن بالوجهين فالتأنيث قوله {ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا} و{قل هذه سبيلي} والتذكير قوله {وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا} ). [حجة القراءات: 253]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (26- قوله: {ولتستبين سبيل} قرأه أبو بكر وحمزة والكسائي بالياء، ورفع «السبيل» حملوه على تذكير السبيل، إذ قد أضافوا الفعل إليه فرفعوه به، و«السبيل» تذكر وتؤنث، قال الله تعالى ذكره: {وإن يروا سبيل
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/433]
الرشد لا يتخذوه} «الأعراف 146» فذكر، ومثله الثاني بعده، وقرأ الباقون بالتاء على تأنيث «السبيل» إذ قد أسند الفعل إليه فرفع به، وقد قال الله تعالى: {قل هذه سبيلي} «يوسف 108» فأنث.
27- فأما من قرأ بالتاء ونصب «السبيل» وهو نافع، فإنه جعل الفعل خطابًا للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو الفاعل، و«السبيل» مفعول به، والاختيار التاء ورفع «السبيل»، فهو أبين في المعنى، وعليه أكثر القراء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/434]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (16- {وَلِيَسْتَبِينَ} بالياء {سَبِيلُ} بالرفع [آية/ 55]:-
قرأها حمزة والكسائي و-ياش- عن عاصم.
والوجه أنهم أسندوا الفعل الذي هو الاستبانة إلى السبيل، وجعلوا السبيل مذكرًا، فإن السبيل يذكر ويؤنث، ويقال: بأن الشيء واستبان وتبين وأبان، كله لازم، والمعنى وليتبين سبيل المجرمين وسبيل المؤمنين، فحذف ذكر القبيل الآخر؛ لأن أحد القبيلين يدل على الأخر.
وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو و-ص- عن عاصم ويعقوب {وَلِتَسْتَبِينَ} بالتاء {سَبِيلُ} بالرفع.
والوجه أن الفعل ههنا أيضًا مسند إلى السبيل، لكن جعلوا السبيل في هذه القراءة مؤنثة، كما قال تعالى {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} فأنث السبيل.
وحجة القراءة الأولى قوله تعالي {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ} فذكر السبيل.
[الموضح: 471]
وقرأ نافع وحده {وَلِتَسْتَبِينَ} بالتاء أيضًا {سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} بالنصب.
والوجه أن التاء ههنا للمخاطب، ففي الفعل ضمير المخاطب، والمعنى ولتستبين أنت يا محمد سبيل المجرمين، والسبيل ههنا مفعول به، يقال: تبينت الشيء واستبنته، فهو متعد). [الموضح: 472]

قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56)}

قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يقصّ الحقّ وهو خير الفاصلين (57)
قرأ ابن كثير ونافع وعاصم (يقصّ الحقّ) بالصاد، وقرأ الباقون (يقض الحقّ) بالضاد.
قال أبو منصور: من قرأ (يقصّ الحقّ) فمعناه: يتبع الحق، ورويت هذه القراءة عن علي بن أبي طالب، ومن قرأ (يقض الحقّ) فله وجهان:
أحدهما: أنه يقضى القضاء الحق،
والثاني: أن معنى يقضي: يصنع ويحكم، ومنه قول أبي ذؤيب:
[معاني القراءات وعللها: 1/359]
وعليهما مسرودتان قضاهما... داود...............
أي: صنعهما داود فأحكمهما.
وقيل في تفسير قوله (يقصّ الحقّ) أن معناه: أن جميع ما أنبأ به وأمر به فهو من أقاصيص الحق.
وكتبت (يقض الحق) بطرح الياء لاستقبالها الألف واللام، كما كتب (سندع الزّبانية) بغير واو في موضع الرفع). [معاني القراءات وعللها: 1/360]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (15- وقوله تعالى: {يقص الحق} [57].
قرأ ابن كثير ونافع وعاصم {يقص الحق} بالصاد؛ لأن في المصحف بغير ياء.
وقرأ الباقون: {يقض الحق}: قال أبو عمرو: وإنما قرأتها كذا لقوله: {وهو خير الفاصلين} والفصل لا يكون إلا في القضاء. وإنما حذفت الياء خطا لما سقطت لفظًا لسكونها وسكون اللام). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/159]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الضاد والصاد من قوله [جلّ وعزّ]: يقضي الحق [الأنعام/ 57].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم: يقص الحق بالصاد.
وقرأ أبو عمرو وحمزة وابن عامر والكسائيّ: يقضي الحق بالضّاد.
حجّة من قرأ يقضي* أنّهم زعموا أنّ في حرف ابن مسعود يقضي بالحق، بالضاد وذكر عن أبي عمرو أنّه استدلّ على يقضي بقوله: وهو خير الفاصلين [الأنعام/ 57] قال: والفصل في القضاء ليس في القصص.
ومن حجّتهم قوله تعالى: والله يقضي بالحق وهو يهدي السبيل [الأحزاب/ 4].
وحجّة من قال يقص الحق قوله: نحن نقص عليك أحسن القصص [يوسف/ 3] وإن هذا لهو القصص الحق [آل عمران/ 62].
وأمّا ما احتجّ به من قرأ: يقضي* من قوله: وهو خير الفاصلين [الأنعام/ 57] في أنّ الفصل في الحكم لا في القول، فإنّهم قالوا: قد جاء الفصل في القول أيضا في نحو قوله: إنه لقول فصل [الطارق/ 13] وقال: أحكمت آياته ثم فصلت
[الحجة للقراء السبعة: 3/318]
[هود/ 1]، وقال: نفصل الآيات [الأنعام/ 55]، فقد حمل الفصل على القول، واستعمل معه كما جاء مع القضاء، وقال: لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى، ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء [يوسف/ 111]، فقد ذكر في القصص أنّه تفصيل. فأمّا الحقّ في قوله: يقضي الحق [الأنعام/ 57] فيحتمل أمرين: يجوز أن يكون صفة مصدر محذوف، يقضي القضاء الحقّ، أو يقصّ القصص الحقّ. ويجوز أن تكون مفعولا به مثل يفعل الحق كقوله:
قضاهما داود). [الحجة للقراء السبعة: 3/319]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن الحكم إلّا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين}
قرأ نافع وابن كثير وعاصم {إن الحكم إلّا لله يقص الحق} بضم القاف والصّاد المعنى إن جميع ما أنبأ به أو أمر به فهو من أقاصيص الحق واحتج ابن عبّاس على هذه القراءة بقوله {نحن نقص عليك} وقال {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل} و{ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي} وأخرى قال مجاهد لو كان يقضي لكانت يقضي بالحقّ والعرب تقول قضيت بالحقّ قال الله جلّ وعز {والله يقضي بالحقّ} بإثبات الياء والباء مع القضاء
وقرأ الباقون «يقضي الحق» بالضاد وسكون القاف من قضى يقضي إذا حكم وفصل وحجتهم قوله {وهو خير الفاصلين} والفصل يكون في القضاء لا في القصص وكان أبو عمرو يعتبر بهذه وقال إنّما الفصل في القضاء لا في القصص وكان الكسائي يعتبرها بقراءة ابن مسعود قال وفي قراءته {يقضي بالحقّ} ). [حجة القراءات: 254]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (28- قوله: {يقص الحق} قرأه الحرميان وعاصم بالصاد، مضمومة غير معجمة، وقرأ الباقون بالضاد، معجمة مكسورة، وأصلها أن يتصل بها ياء؛ لأنه فعل مرفوع من القضاء، لكن الخط بغير ياء، فتكون الياء حذفت لدلالة الكسرة عليها.
29- من قرأ بالصاد غير معجمة أنه جعله من القصص كقوله: {نحن نقص عليك} «يوسف 3» و{إن هذا لهو القصص} «آل عمران 62».
30- وحجة من قرأ بالضاد معجمة أنه جعله من القضاء، ودل على ذلك أن بعده {خير الفاصلين}، والفصل لا يكون إلا عن قضاء دون قصص، ويقوي ذلك أن في قراءة ابن مسعود {إن الحكم إلا لله يقضي بالحق} فدخول الياء يؤكد معنى القضاء، ولا يوقف عليه في هذه القراءة؛ لأن أصله الياء، فإن وقفت بالياء، على الأصل، خالفت الخط وإن وقفت بغير ياء خالفت الأصل، والقراءة بالصاد غير معجمة أحب إلي، لاتفاق الحرميين وعاصم على ذلك، ولأنه لو كان من القضاء للزمت الياء فيه، كما أتت في قراءة ابن مسعود). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/434]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (17- {يَقُصُّ الْحَقَّ} [آية/ 57] بالصاد مشددة:-
قرأها ابن كثير ونافع وعاصم.
والوجه أنه من القصص، أي يحدث بالأنباء الصادقة؛ لأن جميع ما أنبأ به فهو من أقاصيص الحق، وقال الله تعالى {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ}.
وقرأ الباقون {يَقْضِي الحَقَّ} بالضاد، بعدها باء.
والوجه أنه من القضاء، والمعنى يقضي القضاء الحق، ويجوز أن يكون التقدير: يقضي بالحق، فحذف الجار، والمراد بحكم الحق، ويؤيد هذه القراءة قوله {وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ}؛ لأن الفصل إنما يكون في القضاء). [الموضح: 472]

قوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس