عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 27 ذو القعدة 1439هـ/8-08-2018م, 08:20 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجًا وذرّيّةً وما كان لرسولٍ أن يأتي بآيةٍ إلا بإذن اللّه لكلّ أجلٍ كتابٌ (38) يمحوا اللّه ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب (39)}
يقول تعالى: وكما أرسلناك، يا محمّد، رسولًا بشريًّا كذلك [قد] بعثنا المرسلين قبلك بشرًا يأكلون الطّعام، ويمشون في الأسواق ويأتون الزّوجات، ويولد لهم، وجعلنا لهم أزواجًا وذرّيّةً، وقد قال [اللّه] تعالى لأشرف الرّسل وخاتمهم: {قل إنّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ} [الكهف: 110].
وفي الصّحيحين: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "أمّا أنا فأصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وآكل الدّسم وأتزوّج النّساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد، أنبأنا الحجّاج بن أرطاة عن مكحولٍ قال: قال أبو أيّوب: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أربعٌ من سنن المرسلين: التّعطّر، والنّكاح، والسّواك، والحنّاء".
وقد رواه أبو عيسى التّرمذيّ، عن سفيان بن وكيع عن حفص بن غياث، عن الحجّاج، عن مكحولٍ، عن أبى الشّمال عن أبي أيّوب = فذكره، ثمّ قال: وهذا أصحّ من الحديث الّذي لم يذكر فيه أبو الشّمال .
وقوله: {وما كان لرسولٍ أن يأتي بآيةٍ إلا بإذن اللّه} أي: لم يكن يأتي قومه بخارقٍ إلّا إذا أذن له فيه، ليس ذلك إليه، بل إلى اللّه، عزّ وجلّ، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
{لكلّ أجلٍ كتابٌ} أي: لكلّ مدّةٍ مضروبةٍ كتابٌ مكتوبٌ بها، وكلّ شيءٍ عنده بمقدارٍ، {ألم تعلم أنّ اللّه يعلم ما في السّماء والأرض إنّ ذلك في كتابٍ إنّ ذلك على اللّه يسيرٌ} [الحجّ: 70].
وكان الضّحّاك بن مزاحمٍ يقول في قوله: {لكلّ أجلٍ كتابٌ} أي: لكلّ كتابٍ أجلٌ يعني لكلّ كتابٍ أنزله من السّماء مدّةٌ مضروبةٌ عند اللّه ومقدارٌ معيّنٌ، فلهذا يمحو ما يشاء منها ويثبت، يعني حتّى نسخت كلّها بالقرآن الّذي أنزله اللّه على رسوله، صلوات اللّه وسلامه عليه.
وقوله: {يمحوا اللّه ما يشاء ويثبت} اختلف المفسّرون في ذلك، فقال الثوري، ووكيع، وهشيم، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ: يدبّر أمر السّنة، فيمحو ما يشاء، إلّا الشّقاء والسّعادة، والحياة والموت. وفي روايةٍ: {يمحوا اللّه ما يشاء ويثبت} قال: كلّ شيءٍ إلّا الحياة والموت، والشّقاء والسّعادة فإنّهما قد فرغ منهما.
وقال مجاهدٌ: {يمحوا اللّه ما يشاء ويثبت} إلّا الحياة والموت، والشّقاء والسّعادة، فإنّهما لا يتغيّران.
وقال منصورٌ: سألت مجاهدًا فقلت: أرأيت دعاء أحدنا يقول: اللّهمّ، إن كان اسمي في السّعداء فأثبته فيهم، وإن كان في الأشقياء فامحه عنهم واجعله في السّعداء. فقال: حسنٌ. ثمّ لقيته بعد ذلك بحولٍ أو أكثر، فسألته عن ذلك، فقال: {إنّا أنزلناه في ليلةٍ مباركةٍ إنّا كنّا منذرين فيها يفرق كلّ أمرٍ حكيمٍ} [الدّخان: 3، 4] قال: يقضي في ليلة القدر ما يكون في السّنة من رزقٍ أو مصيبةٍ، ثمّ يقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء، فأمّا كتاب الشّقاوة والسّعادة فهو ثابتٌ لا يغير.
وقال الأعمش، عن أبي وائلٍ شقيق بن سلمة: إنّه كان يكثر أن يدعو بهذا الدّعاء: اللّهمّ، إن كنت كتبتنا أشقياء فامحه، واكتبنا سعداء، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا، فإنّك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أمّ الكتاب. رواه ابن جريرٍ.
وقال ابن جريرٍ أيضًا: حدّثنا عمرو بن عليٍّ، حدّثنا معاذ بن هشامٍ، حدّثني أبي، عن أبي حكيمة عصمة، عن أبي عثمان النّهدي؛ أنّ عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، قال وهو يطوف بالبيت وهو يبكي: اللّهمّ، إن كنت كتبت عليّ شقوةً أو ذنبًا فامحه، فإنّك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أمّ الكتاب، فاجعله سعادةً ومغفرةً.
وقال حمّادٌ عن خالدٍ الحذّاء، عن أبي قلابة عن ابن مسعودٍ أنّه كان يدعو بهذا الدّعاء أيضًا.
ورواه شريكٌ، عن هلال بن حميدٍ، عن عبد اللّه بن عكيم، عن ابن مسعودٍ، بمثله.
وقال ابن جرير: حدثني المثنى، حدثنا حجاج، حدّثنا خصافٌ، عن أبي حمزة، عن إبراهيم؛ أنّ كعبًا قال لعمر بن الخطّاب: يا أمير المؤمنين، لولا آيةٌ في كتاب اللّه لأنبأتك بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة. قال: وما هي؟ قال: قول اللّه تعالى: {يمحوا اللّه ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب}.
ومعنى هذه الأقوال: أنّ الأقدار ينسخ اللّه ما يشاء منها، ويثبت منها ما يشاء، وقد يستأنس لهذا القول بما رواه الإمام أحمد:
حدّثنا وكيع، حدّثنا سفيان، وهو الثّوريّ، عن عبد اللّه بن عيسى، عن عبد اللّه بن أبي الجعد، عن ثوبان قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إن الرّجل ليحرم الرّزق بالذّنب يصيبه، ولا يردّ القدر إلّا الدّعاء، ولا يزيد في العمر إلّا البرّ".
ورواه النّسائيّ وابن ماجه، من حديث سفيان الثّوريّ، به.
وثبت في الصّحيح أنّ صلة الرّحم تزيد في العمر وفي الحديث الآخر: "إنّ الدّعاء والقضاء ليعتلجان بين السّماء والأرض".
وقال ابن جريرٍ: حدّثني محمّد بن سهل بن عسكرٍ، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا ابن جريج، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: إنّ للّه لوحًا محفوظًا مسيرة خمسمائة عامٍ، من درّةٍ بيضاء لها دفّتان من ياقوتٍ -والدّفّتان: لوحان -للّه، عزّ وجلّ [كلّ يومٍ ثلاثمائةٍ] وستّون لحظةً، يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب.
وقال اللّيث بن سعدٍ، عن زياد بن محمّدٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظي، عن فضالة بن عبيد، عن أبي الدّرداء قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " [إن الله] يفتح الذّكر في ثلاث ساعاتٍ يبقين من اللّيل، في السّاعة الأولى منها ينظر في الذّكر الّذي لا ينظر فيه أحدٌ غيره، فيمحو ما يشاء ويثبت". وذكر تمام الحديث. رواه ابن جريرٍ.
وقال الكلبيّ: {يمحوا اللّه ما يشاء ويثبت} قال: يمحو من الرّزق ويزيد فيه، ويمحو من الأجل ويزيد فيه. فقيل له: من حدّثك بهذا؟ فقال: أبو صالحٍ، عن جابر بن عبد اللّه بن رئابٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. ثمّ سئل بعد ذلك عن هذه الآية فقال: يكتب القول كلّه، حتّى إذا كان يوم الخميس، طرح منه كلّ شيءٍ ليس فيه ثوابٌ ولا عقابٌ، مثل قولك: أكلت وشربت، دخلت وخرجت ونحوه من الكلام، وهو صادقٌ، ويثبت ما كان فيه الثّواب، وعليه العقاب.
وقال عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: الكتاب كتابان: فكتّابٌ يمحو اللّه منه ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {يمحوا اللّه ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب} يقول: هو الرّجل يعمل الزّمان بطاعة اللّه، ثمّ يعود لمعصية اللّه فيموت على ضلالةٍ، فهو الّذي يمحو -والّذي يثبت: الرّجل يعمل بمعصية اللّه، وقد كان سبق له خيرٌ حتّى يموت وهو في طاعة اللّه، وهو الّذي يثبت.
وروي عن سعيد بن جبير: أنّها بمعنى: {فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء والله على كلّ شيءٍ قديرٌ} [البقرة: 284].
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {يمحوا اللّه ما يشاء ويثبت} يقول: يبدّل ما يشاء فينسخه، ويثبت ما يشاء فلا يبدّله، {وعنده أمّ الكتاب} يقول: وجملة ذلك عنده في أمّ الكتاب، النّاسخ، والمنسوخ، وما يبدّل، وما يثبت كلّ ذلك في كتابٍ.
وقال قتادة في قوله: {يمحوا اللّه ما يشاء ويثبت} كقوله {ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها نأت بخيرٍ منها أو مثلها} [البقرة: 106]
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ في قوله: {يمحوا اللّه ما يشاء ويثبت} قال: قالت كفّار قريشٍ حين أنزلت: {وما كان لرسولٍ أن يأتي بآيةٍ إلا بإذن اللّه} ما نراك يا محمّد تملك من شيءٍ، ولقد فرغ من الأمر. فأنزلت هذه الآية تخويفًا، ووعيدًا لهم: إنّا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا، ونحدث في كلّ رمضان، فنمحو ونثبت ما نشاء من أرزاق النّاس ومصائبهم، وما نعطيهم، وما نقسم لهم.
وقال الحسن البصري: {يمحوا اللّه ما يشاء} قال: من جاء أجله، فذهب، ويثبت الّذي هو حيٌّ يجري إلى أجله.
وقد اختار هذا القول أبو جعفر بن جريرٍ، رحمه اللّه.
وقوله: {وعنده أمّ الكتاب} قال: الحلال والحرام.
وقال قتادة: أي جملة الكتاب وأصله.
وقال الضّحّاك: {وعنده أمّ الكتاب} قال: كتابٌ عند ربّ العالمين.
وقال سنيد بن داود، حدّثني معتمرٌ، عن أبيه، عن سيّار، عن ابن عبّاسٍ؛ أنّه سأل كعبًا عن "أمّ الكتاب"، فقال: علم اللّه، ما هو خالقٌ، وما خلقه عاملون، ثمّ قال لعلمه: "كن كتابًا". فكانا كتابًا.
وقال ابن جريرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وعنده أمّ الكتاب} قال: الذكر، [والله أعلم] ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 468-472]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإن ما نرينّك بعض الّذي نعدهم أو نتوفّينّك فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب (40) أولم يروا أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها واللّه يحكم لا معقّب لحكمه وهو سريع الحساب (41)}
يقول تعالى لرسوله: {وإن ما نرينّك} يا محمّد {بعض الّذي نعدهم} أي: نعد أعداءك من الخزي والنّكال في الدّنيا، {أو نتوفّينّك} [أي] قبل ذلك، {فإنّما عليك البلاغ} أي: إنّما أرسلناك لتبلّغهم رسالة اللّه وقد بلّغت ما أمرت به، {وعلينا الحساب} أي: حسابهم وجزاؤهم، كما قال تعالى: {فذكّر إنّما أنت مذكّرٌ لست عليهم بمصيطرٍ إلا من تولّى وكفر فيعذّبه اللّه العذاب الأكبر إنّ إلينا إيابهم ثمّ إنّ علينا حسابهم} [الغاشية: 21 -26]).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 472]

رد مع اقتباس