عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 10:59 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك} الآية. في صدرها تأنيس للنبي صلى الله عليه وسلم، ورد على المقترحين من قريش بالملائكة، المتعجبين من بعثة الله بشرا رسولا، فالمعنى: أن بعثك يا محمد ليس ببدع، فقد تقدم هذا في الأمم، ثم جاء قوله: {وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله} الآية، لفظه لفظ النهي والزجر، والمقصد به إنما هو النفي المحض، لكنه نفي تأكيد بهذه العبارة، ومتى كانت هذه العبارة عن أمر واقع تحت قدرة المنهي فهي زجر، ومتى لم يقع ذلك تحت قدرته فهو نفي محض مؤكد. وبإذن الله معناه: إلا أن يأذن الله في ذلك.
وقوله تعالى: {لكل أجل كتاب} لفظ عام في جميع الأشياء التي لها آجال، وذلك أنه ليس كائن فيها إلا وله أجل في بدئه وفي خاتمته، وكل أجل مكتوب محصور، فأخبر الله تعالى عن كتبه الآجال التي للأشياء عامة، وقال الضحاك، والفراء: المعنى: لكل كتاب أجل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا العكس غير لازم، ولا وجه له، إذ المعنى تام في ترتيب القرآن، بل يمكن
[المحرر الوجيز: 5/211]
هدم قولهما بأن الأشياء التي كتبها الله أزلية باقية كتنعيم أهل الجنة وغيره يوجد كتابها ولا أجل له). [المحرر الوجيز: 5/212]

تفسير قوله تعالى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت}، قرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: "ويثبت" بتشديد الباء، وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم بتخفيفها، وقد تخبط الناس في معنى هذه الألفاظ، والذي يتلخص به مشكلها: أن نعتقد أن الأشياء التي قدرها الله تعالى في الأزل، وعلمها بحال ما، لا يصح فيها محو ولا تبديل، وهي التي كتبت في أم الكتاب، وسبق بها القضاء، وهذا مروي عن ابن عباس وغيره من أهل العلم، وأما الأشياء التي قد أخبر الله تعالى أنه يبدل فيها وينقل كغفر الذنوب بعد تقريرها، وكنسخ آية بعد تلاوتها واستقرار حكمها ففيها يقع المحو والتثبيت فيما يقيده الحفظة ونحو ذلك، وأما إذا رد الأمر إلى القضاء والقدر فقد محا الله ما محا وثبت ما ثبت، وجاءت العبارة مستقبلة لمحي الحوادث، وهذه الأمور فيما يستأنف من الزمان، فينتظر البشر ما يمحو أو ما يثبت، وبحسب ذلك خوفهم ورجاؤهم ودعاؤهم، وقالت فرقة منهم الحسن: هي في آجال بني آدم، وذلك أن الله تعالى في ليلة القدر -وقيل: ليلة نصف شعبان- يكتب آجال الموتى، فيمحى ناس من ديوان الأحياء ويثبتون في ديوان الموتى، وقال قيس بن عباد: العاشر من رجب هو يوم يمحوا الله ما يشاء ويثبت.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا التخصيص في الآجال أو غيرها لا معنى له، وإنما يحسن من الأقوال هنا ما كان عاما في جميع الأشياء، فمن ذلك أن يكون معنى الآية: أن الله تعالى يغير الأمور على أحوالها، أعني ما من شأنه أن يغير على ما قدمناه، فيمحو من تلك الحالة ويثبته في التي نقله إليها، وروي عن عمر، وابن مسعود أنهما كانا يقولان في دعائهما: "اللهم إن كنت كتبتنا في ديوان الشقاوة فامحنا وأثبتنا في ديوان السعادة، فإنك تمحو ما تشاء
[المحرر الوجيز: 5/212]
وتثبت"، وهذا دعاء في غفران الذنوب وعلى جهة الجزع منهما. أي: اللهم إن كنا شقينا بمعصيتك، وكتبت علينا ذنوب وشقاوة فامحها عنا بالمغفرة والطاعة، وفي لفظ عمر رضي الله عنه -في بعض الروايات- بعض من هذا، ولم يكن دعاؤهما البتة في تبديل سابق القضاء، ولا يتأول عليهما ذلك.
وقيل: إن هذه الآية نزلت لأن قريشا لما سمعت قول الله تعالى: {وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله} قالوا: ليس لمحمد في هذا الأمر قدرة ولا حظ، فنزلت يمحو الله ما يشاء ويثبت أي: ربما أذن الله من ذلك كما تكرهون بعد أن لم يكن يأذن.
وحكى الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: يمحو الله ما يشاء ويثبت من أمور عباده، إلا السعادة والشقاوة والآجال فإنه لا محو فيها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا نحو ما أصلناه أولا في الآية.
وحكي عن فرقة أنها قالت: يمحو الله ما يشاء ويثبت من كتاب حاشى أم الكتاب الذي عنده الذي لا يغير منه شيئا، وقالت فرقة: معناه: يمحو كل ما يشاء ويثبت كل ما أراد، ونحو هذه الأقوال التي هي سهلة المعارضة. وأسند الطبري عن إبراهيم النخعي أن كعبا قال لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين، لولا آية في كتاب الله لأنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة، قال: وما هي؟ قال: قوله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}، وذكر أبو المعالي في التلخيص أن عليا رضي الله عنه هو الذي قال هذه المقالة المذكورة عن كعب، وذلك عندي- لا يصح عن علي.
واختلفت أيضا عبارة المفسرين في تفسير أم الكتاب -فقال ابن عباس رضي الله عنهما: هو الذكر، وقال كعب: هو علم الله ما هو خالق وما خلقه عاملون.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وأصوب ما يفسر به أم الكتاب أنه ديوان الأمور المحدثة التي قد سبق
[المحرر الوجيز: 5/213]
القضاء فيها بما هو كائن، وسبق ألا يبدل، ويبقى المحو والتثبيت في الأمور التي سبق في القضاء أن تبدل وتمحى وتثبت، قال نحوه قتادة، وقالت فرقة: معنى أم الكتاب: الحلال والحرام، وهذا قول الحسن بن أبي الحسن). [المحرر الوجيز: 5/214]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب}
"إن" شرط دخلت عليها "ما"، وهي قبل الفعل، فصارت بعد في ذلك بمنزلة اللام المؤكدة في القسم التي تكون قبل الفعل في قولك: "والله لتخرجن"، فلذلك يحسن أن تدخل النون الثقيلة في قولك "نرينك" لحلولها هنا محل اللام هناك، ولو لم تدخل "ما" لما جاز ذلك إلا في الشعر.
وخص "البعض" بالذكر إذ مفهوم أن الأعمار تقصر عن إدراك جميع ما تأتي به الأقدار مما يوعد به الكفار، وكذلك أعطى الوجود، ألا ترى أن أكثر الفتوح إنما كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم، و"أو" عاطفة.
وقوله: "فإنما" جواب الشرط، ومعنى الآية: إن تبق يا محمد لترى، أو نتوفينك
[المحرر الوجيز: 5/214]
فعلى كلا الوجهين إنما يلزمك البلاغ فقط. وقوله: "نعدهم" يحتمل أن يريد به المضار التي توعد بها الكفار، فأطلق فيها لفظة الوعد لما كانت تلك المضار معلومة مصرحا بها، ويحتمل أن يريد الوعد لمحمد عليه الصلاة والسلام في إهلاك الكفر، ثم أضاف الوعد إليهم لما كان في شأنهم). [المحرر الوجيز: 5/215]

رد مع اقتباس