عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 2 ربيع الأول 1434هـ/13-01-2013م, 12:25 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

الفصل الثالث
في نشر فضائل الأئمة الثلاثة: محمد وأبي يوسف وأبي حنيفة

وقد ذكرت تراجمهم في مقدمة الهداية، ثم في مقدمة شرحي لشرح الوقاية، وأورد ههنا أزيد من الموضعين تنشيطا للماهرين من الثقلين.

أما محمد: فهو ابن الحسن الشيباني نسبة إلى شيبان (بفتح الشين المعجمة) قبيلة معروفة في بكر بن وائل ولد بواسط، ونشأ بالكوفة وتلمذ لأبي حنيفة، وسمع الحديث عن مسعر بن كدام وسفيان الثوري ومالك بن دينار ومالك بن أنس والأوزاعي وربيعة، والقاضي أبي يوسف، وسكن بغداد وحدث بها وروى عنه محمد بن إدريس الشافعي وهشام بن عبيدالله الرازي، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وكان الرشيد ولاه إلى قضاء الرقة فصنف هناك كتابا سماه بالرقيات، ثم عزله فرجع إلى بغداد، ولما خرج هارون الرشيد إلى الري أمره، فخرج معه فمات بالري سنة تسع وثمانين ومائة كذا في كتاب الأنساب للسمعاني.

أقول: هكذا ذكره النووي أيضا في تهذيب الأسماء واللغات نقلا عن تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، وهو نص صريح على أن الشافعي من تلامذة محمد، وقد أنكر ابن تيمية الحراني الدمشقي الحنبلي ذلك، فإنه لما ذكر الحسن بن يوسف الحلي الشيعي في كتابه منهاج الكرامة: أن الشافعي قرأ على محمد الحسن رد عليه ابن تيمية في منهاج السنة قائلا: ليس ذلك بل جالسه وعرف طريقته، وأول من أظهر الخلاف لمحمد والرد عليه هو الشافعي، فإن محمدا أظهر الرد على مالك وأهل المدينة، فنظر الشافعي في كلامه انتهى.

ولا يخفى ما فيه فإنه إن أراد أنه لم يقرأ عليه، كقراءة طلبة زمانه على أساتذتهم، فيمكن أن يكون مسلما لكنه لا ينفي التلمذ مطلقا، وإن أراد أنه لم يرو عنه شيئا فكلام الخطيب، ثم السمعاني والنووي يكذبه، وأما كون الشافعي أول من أظهر الخلاف والرد على محمد، فهو غير مناف للتلمذ، فإن الشافعي قد صنف في الرد على مالك كتابا مع أنه تلميذه، وكذلك ادعى الحلي: أن أبا حنيفة قرأ على جعفر الصادق، وأنكره ابن تيمية قائلا: هذا من الكذب الذي يعرفه من له أدنى علم، فإن أبا حنيفة من أقران جعفر الصادق، وكان أبو حنيفة يفتي في حياة محمد بن علي والد الصادق، وما يعرف أن أبا حنيفة أخذ عن جعفر الصادق ولا من أبيه مسألة واحدة، بل أخذ عمن كان أسن منهما، كعطاء بن أبي رباح وحماد وغيرهما انتهى.

وفيه أيضا ما فيه فقد أثبت ما أنكره صاحب مشكاة المصابيح حيث قال في كتاب أسماء رجال المشكاة في ترجمة جعفر الصادق: سمع منه الأئمة الأعلام نحو: يحيى بن سعيد وابن جريج ومالك بن أنس والثوري وابن عيينة وأبو حنيفة انتهى.

وقال علي القاري في طبقاته عند ذكر مشايخ أبي حنيفة: ومن أهل المدينة الإمام جعفر بن محمد الصادق، وكان يسأله ويطارحه وهو تابعي من أكابر أهل البيت انتهى.
وأما كون أبي حنيفة من أقران جعفر فهو لا يقدح في التلميذ كما لا يخفى.

وكذلك ادعى الحلي: أن أحمد بن حنبل من تلامذة الشافعي، وأنكره ابن تيمية قائلا: أحمد لم يقرأ على الشافعي، ولكن جالسه كما جالس الشافعي محمد بن الحسن انتهى.
وفيه أيضا ما فيه فإنه أمر مشهور في التواريخ وكتب أسماء الرجال، قد ذكره صاحب المشكاة وغيره، فلا يضر إنكاره وذكر الكفوي في أعلام الأخيار: في التقدمة شرح المقدمة: إنما ظهر علوم أبي حنيفة بتصانيف محمد حتى قيل: إنه صنف تسعمائة وتسعين كتابا كلها في العلوم الدينية وقيل: رأى محمدا في المنام بعد وفاته فقيل له:
كيف كنت في حال النزع فقال: كنت متأملا في مسألة من مسائل المكاتب فلم أشعر بخروج روحي وقيل لأحمد بن حنبل: من أين لك هذه المسائل الدقيقة ؟ قال: من كتب محمد بن الحسن وعن ابن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: قال محمد بن الحسن: أقمت على باب مالك ثلاث سنين، وسمعت منه سبعمائة حديث ونيفا وروى أن الشافعي بات عند محمد، وقام إلى الصباح واضطجع محمد فاستكثر الشافعي ذلك فلما طلع الفجر قام وصلى بلا تجديد وضوء فقال الشافعي لمحمد فقال: إنك عملت لنفسك حتى الصباح، وأنا عملت للأمة استخرجت من كتاب الله نيفا وألف مسألة، وقيل لعيسى بن أبان: أبو يوسف أفقه أم محمد ؟ فقال: اعتبروا بكتبهما يعني أن محمدا أفقه.

وذكر النووي في تهذيب الأسماء: أنه روى الخطيب بإسناده عن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة قال: كان محمد يجلس في مسجد الكوفة وهو ابن عشرين سنة، وبإسناده عن الشافعي قال: ما رأيت أعقل من محمد وعن محمد بن سماعة قال: قال محمد لأهله: لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا تشغلوا قلبي، وخذوا ما تحتاجون إليه من وكيلي وعن أبي رجاء عن محمويه قال: رأيت محمدا في المنام فقلت: يا أبا عبد الله إلى ما صرت ؟ قال: قال لي ربي: إني لم أجعلك وعاء للعلم، وأنا أريد أن أعذبك قلت: ما فعل أبو يوسف ؟ قال: فوقي قلت: ما فعل أبو حنيفة ؟ قال: فوق أبي يوسف بطبقات.

وأما أبو يوسف: فهو القاضي يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الكوفي سمع أبا إسحاق الشيباني، وسليمان التيمي ويحي بن سعد وسيلمان الأعمش، وهشام بن عروة وعبيد الله بن عمر العمري، وعطاء بن السائب ومحمد بن إسحاق بن يسار وليث بن سعد وغيرهم، وتلمذ لأبي حنيفة وروى عنه محمد بن الحسن وبشر بن الوليد الكندي وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وأحمد بن منيع وغيره، وكان قد سكن بغداد وولي القضاء وهو أول من دعي بقاضي القضاة في الإسلام، ولم يختلف يحيى بن معين وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني في كونه ثقة في الحديث، وهو أول من وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة، ونشر عمله في أقطار الأرض، وكانت وفاته ببغداد سنة اثنين وثمانين ومائة كذا في أنساب السمعاني.

وفي الجواهر للشيخ الإمام طاهر الشهير بسعد غدبوش الخوارزمي، تلميذ السيد جلال الدين الكرلالي الخوارزمي صاحب الكفاية شرح الهداية نقلا عن منية المفتي ليوسف بن أبي سعد السجستاني عن أبي يوسف أنه قال: اختلفت إلى أبي حنيفة تسعا وعشرين سنة ما فاتتني صلاة الغداة، ومن تلامذة أبي يوسف محمد بن سماعة ومعلى بن منصور، وبشر بن الوليد الكندي وبشر بن غياث المريسي، وخلف بن أيوب وعصام ابن يوسف، وهشام بن عبد الله والحسن بن أبي مالك، وأبو علي الرازي وهلال الرائي، وعلي بن الجعد وغيرهم، وله حكايات نادرة تدل على قوة راسخة، وملكة شامخة في الفقه مذكورة في كتب الطبقات لا يليق إيرادها بهذا المختصر، ومن تصانيفه كتاب الخراج والأمالي وغيرها.

وأما أبو حنيفة: وما أدراك ما أبو حنيفة ؟ إمام يعجز اللسان عن تقرير محامده، ويقصر الجنان عن إدراك مناقبه، قد صنف جمع من العلماء في فضائله كتبا نفيسة، وألف جم من الفضلاء في فواضله زبرا شريفة منهم الإمام أبو جعفر الطحاوي ألف مجلدا سماه عقود المرجان، ثم اختصره وسماه قلائد عقود الدرر، والعقيان في مناقب النعمان، ومرفق الدين بن أحمد المكي الخوارزمي المتوفى سنة ثمان وستين وخمسمائة، والشيخ محيي الدين عبد القادر بن أبي الوفاء القرشي صاحب الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية ألف كتابا سماه البستان في مناقب النعمان، وجار الله أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري ألف شقائق النعمان في مناقب النعمان، وعبد الله بن محمد الحارثي ألف مجلدا سماه كشف الآثار، وظهير الدين المرغيناني، والمؤرخ يوسف بن فرغلي سبط بن الجوزي صنف الانتصار لإمام أئمة الأمصار، وأبو عبد الله حسين بن علي الصيمري المتوفى سنة أربع وأربعمائة، وأبو العباس أحمد بن الصلت الجماني المتوفى سنة ثمان وثلاث مائة، ومحمد بن محمد الكردري البزازي المتوفى سنة ثمان وعشرين وثمانمائة، وأبو القاسم عبد الله بن محمد بن أحمد السعدي المعروف بابن أبي العوام، وخاتمة الحفاظ جلال الدين السيوطي الشافعي المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة، ألف كتابا سماه تبييض الصحيفة في مناقب الإمام أبي حنيفة، وابن كاس ألف تحفة السلطان في مناقب النعمان، وأبو عبد الله محمد بن يوسف الدمشقي الصالحي (نزيل البرقوقية بالقاهرة) ألف عقود الجمان في مناقب النعمان فرغ منه سنة تسع وثلاثين وتسعمائة، وأبو يحيى زكريا بن يحيى النيسابوري، وأبو أحمد محمد بن أحمد الشعيبي النيسابوري المتوفى سنة سبع وخمسين ثلاث ومائة، والشيخ شمس الدين أحمد السيواسي ألف بالتركية الحياض من صوب غمام الفياض فرغ منه سنة إحدى وألف، والقاضي الإمام أبو جعفر أحمد بن عبد الله الشنرا ساري البلخي الحنفي ألف مختصرا في رد المشنعين على أبي حنيفة سماه الإبانة وغيرهم.

وأما الذين ذكروا مناقبه في كتبهم، فجمع عظيم منهم أبو الحسين بن أحمد القدوري ذكر مناقبه في أول شرحه لمختصر الكرخي، ومحمد بن عبد الرحمن الغزنوي تلميذ السغناتي في كتابه جامع الأنوار، وأحمد بن سليمان بن سعيد في آخر كتابه الدر، وشمس الدين يوسف بن عمر الصوفي الكماروري في أول كتابه جامع المضمرات شرح مختصر القدوري، والإمام ابن عمر بن عبد البر المالكي المتوفى سنة اثنين وستين وأربعمائة، وشمس الدين يوسف بن سعيد السجستاني في آخر منية المفتي، وشرف الدين اسماعيل بن عيسى الأوغاني المكي المتوفى سنة اثنين وتسعين وثمانمائة في مختصر المسند، وأبو عبد الله محمد بن خسرو البلخي في أول كتابه المسند، وأبو البقا أحمد بن أبي الضياء القرشي المكي في مختصر المسند، وأبو العباس أحمد بن محمد الغزنوي في مقدمته وعثمان بن علي بن محمد الشيرازي في كتابه الإيضاح لعلوم النكاح، وأبو إسحاق الشيرازي في طبقات الشافعية، والنووي في تهذيب الأسماء واللغات، وحسام الدين الصدر الشهيد في آخر الفتاوى الكبرى، وابن خلكان في وفيات الأعيان وغيرهم هذا ما في كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون.

أقول: ومن مادحيه مجد الدين محمد يعقوب الشيرازي الشافعي المتوفى سنة سبع عشرة وثمانمائة صاحب القاموس كما قال عبد الوهاب الشعراني في اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، دسوا على شيخ الإسلام مجد الدين الفيروز آبادي كتابا في الرد على أبي حنيفة وتكفيره، ودفعوه إلى أبي بكر بن الخياط اليمني، فأرسل يلوم مجد الدين فكتب إليه: إن كان بلغك هذا الكتاب فأحرقه، فإنه افتراء علي من الأعداء، وأنا من أعظم المعتقدين في أبي حنيفة، وذكرت مناقبه في مجلد انتهى.
ومنهم أبو عبد الله الذهبي الشافعي كما قال في الكاشف في ترجمة أبي حنيفة، أفردت سيرته في جزء انتهى.
ومنهم أحمد بن حجر المكي الشافعي ألف الخيرات الحسان في مناقب النعمان.
ومنهم يوسف بن عبد الهاد الحنبلي ألف تنوير الصحيفة بمناقب أبي حنيفة.
ومنهم صاحب الهداية في آخر مختارات النوازل وصاحب السراجية فيها وعلي القاري المكي في طبقاته ورسائله، وصاحب المشكاة في أسماء رجال المشكاة، والذهبي في العبر بأخبار من غبر وغيره من تصانيفه، واليافعي في مرآة الجنان، وعبد الوهاب الشعراني في الميزان، والإمام الغزالي في إحياء العلوم وغيرهم من أصحاب المذاهب المختلفة، وأرباب المشارب المتفرقة لا يمكن عدهم وإحصاهم، وأما الطاعنون عليه فلم يطعنوا إلا لشبه عرضت لخاطرهم الفاتر، أو لتعصبهم الوافر، وليس لهم سعة المقابلة بهؤلاء المادحين، فلا يقبل كلامهم معارضا لكلام طائفة من أئمة الدين، فهم في جنب هؤلاء مطعونون خامدون، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، ولو كره الكارهون، وأنا أذكر ههنا قدرا من أحواله لأن ما لا يدرك كله لا يترك أيضا بكماله.

أما نسبه فهو النعمان بن ثابت بن زوطي الكوفي كذا نسبه الصغاني وصاحب القاموس، وذكر صاحب الكافي أنه: نعمان بن ثابت بن طاؤس بن هرمز ملك بني شيبان وقيل: إن جده زوطا من أهل كابل أو بابل كان مملوكا لبني تيم الله بن ثعلبة فأعتق، فولد أبوه ثابت على الإسلام، والأصح أنه من الأحرار ما وقع عليه الرق قط في جميع الأعصار، كما هو منقول عن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة كذا قال علي القاري، وأما ولادته فقيل: سنة إحدى وستين وقيل: سنة ثمانين وهو الأشهر وقيل غير ذلك.

وأما طبقته فقيل: إنه من أتباع التابعين، وأنه أدرك زمان الصحابة لكنه لم يلق أحدا منهم، وقال جماعة: إنه لقي منهم وأخذ عنهم، وهو الذي صححه علي القاري في سند الأنام شرح مسند الإمام، وأثبت جماعة من المحدثين، كالخطيب وابن سعد والدارقطني، والذهبي وابن حجر، والولي العراقي والسيوطي وغيرهم، أنه رأى أنس بن مالك رضي الله عنه لكن لم يثبت روايته فعلى هذا هو من طبقة التابعين، وهو الأرجح كما حققته في رسالتي إقامة الحجة على أن الإكثار في التعبد ليس ببدعة، وأما مشايخه في العلم فهم كثيرون: منهم إبراهيم بن محمد بن المنتشر، وإسماعيل بن عبد الملك، وأبو هند الحارث بن عبد الرحمن الهمداني، وحماد بن سليمان وخالد بن علقمة، وربيعة بن أبي عبد الرحمن وزياد بن علاقة، وسعيد بن مسروق الثوري، وسلمة بن كهيل وسماك بن حرب، وشداد بن عبد الرحمن القشيري وشيبان بن عبد الرحمن، وطاؤس بن كيسان في ما قيل، وعبد الله بن دينار وعبد الكريم بن أبي أمية البصري، وعطاء بن أبي رباح وعطاء بن السائب، وعكرمة مولى ابن عباس ونافع مولى ابن عمر، وعلقمة بن مرثد وعون بن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وقابوس بن أبي ظبيان وقتادة بن دعامة، ومحمد بن السائب النكبي وأبو جعفر محمد بن علي، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وهشام بن عروة وأبو سعيد مولى ابن عباس وغيرهم مما ذكره الحافظ أبو الحجاج المزي في تهذيب الكمال.

وأما الرواة عنه فذكر المزي كثيرين: منهم إبراهيم بن طهمان والأبيض بن الأغر، وشعيب بن إسحاق الدمشقي، وأبو عاصم الضحاك بن مخلد وعامر بن فرات، وعبد الله بن المبارك وعبد الله بن يزيد المقري، وعبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني وعبد الرزاق بن همام، وعبد العزيز بن أبي رواد وعبد الوارث بن سعيد، وعبيد الله بن يزيد القرشي وعبيد الله بن عمرو الرقي، وعلي بن أبي ظبيان الكوفي والفضل بن دكين، ومكي بن إبراهيم البلخي، وقد بسط السيوطي في تبييض الصحيفة وعلي القاري في طبقاته ذكر مشايخه، وتلامذه بسطا حسنا فليطالع.

وذكر الكفوي من تلامذته جماعة: منهم أبو يوسف ومحمد وزفر المتوفى سنة ثمان وخمسين ومائة، والحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي المتوفى في السنة التي مات فيها الإمام الشافعي، وهي سنة أربع ومائتين ووكيع بن الجراح المتوفى بعد سنة سبع وتسعين ومائة، وحفص بن غياث النخعي الكوفي المتوفى سنة أربع وتسعين ومائة، وأسد بن عمرو البجلي المتوفى سنة ثمان وثمانين ومائة، وأبو عصمة نوح بن أبي مريم المروزي، وأبو مطيع الحكم بن عبد الله البلخي، ويوسف بن خالد السمتي المتوفى سنة تسع وثمانين ومائة، وحماد بن أبي حنيفة وغيرهم.

وأما ثناء الناس له فروى الخطيب البغدادي عن عبد الله بن المبارك قال: لو لا أن الله أعانني بأبي حنيفة وسفيان الثوري لكنت كسائر الناس، وروى عن الشافعي قال: قيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة ؟ قال: نعم رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته، وروى عن روح بن عبادة قال: كنت عند ابن جريج سنة خمسين ومائة، وأتاه موت أبي حنيفة فاسترجع وقال: أي علم ذهب، وروى عن يزيد بن هارون أنه سئل أيهما أفقه: أبو حنيفة وسفيان ؟ قال: سفيان أحفظ للحديث، وأبو حنيفة أفقه، وروى عن محمد بن بشر: كنت أختلف إلى أبي حنيفة وسفيان فآتي أبا حنيفة فيقول لي: من أين جئت ؟ فأقول: من عند سفيان فيقول: لقد جئت من عند رجل لو أن علقمة والأسود حضرا لاحتاجا مثله، وآتي سفيان فيقول: من أين جئت ؟ فأقول: من عند أبي حنيفة فيقول: لقد جئت من عند أفقه أهل الأرض، وروى عن محمد بن سعد الكاتب قال: سمعت عبد الله بن داود الجويني يقول: يجب على أهل الإسلام أن يدعوا لأبي حنيفة في صلاتهم، وذكر حفظه عليهم السنن والآثار، وروى عن محمد بن أحمد البلخي قال: سمعت شداد بن حكيم يقول: ما رأيت أعلم من أبي حنيفة، وروى عن إسماعيل بن محمد الفارسي قال: سمعت مكي بن إبراهيم ذكر أبا حنيفة فقال: كان أعلم أهل الأرض في زمانه، وروى عن يحيى بن معين قال: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: ما سمعنا أحسن من رأي أبي حنيفة، وقد أخذنا بأكثر أقواله وروى عن حرملة قال: سمعت الشافعي يقول: من أراد أن يتبحر في الفقه فهو عيال على أبي حنيفة، وروى عن حماد بن يونس قال: سمعت أسد بن عمرو قال: صلى أبو حنيفة في ما أحفظ عليه صلاة الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة، وكان عامة الليل يقرأ جميع القرآن في ركعة، وكان يسمع بكاءه في الليل حتى يرحمه جيرانه وروى عن أبي يوسف قال: بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة، وسمع رجلا يقول له: هذا أبو حنيفة لا ينام الليل فقال أبو حنيفة: سبحان الله ! والله لا يتحدث الناس بما لا أفعل، فكان يحيي الليل كله صلاة ودعاء وتضرعا، وروى عن يزيد بن هارون قال: أدركت الناس فما رأيت أحدا أعقل ولا أورع من أبي حنيفة، وروى عن عبد العزيز بن رواد قال: الناس في أبي حنيفة رجلان: جاهل به وحاسد، وروى عن محمد بن حفص عن الحسن عن سليمان أنه قال في تفسير حديث: [ لا تقوم الساعة حتى يظهر العلم ] قال: علم أبي حنيفة، وروى عن ابن المبارك قال: قلت للثوري: يا أبا عبد الله ما أبعد أبا حنيفة ما سمعته يغتاب عدوا له قال: هو والله أعقل من أن يسلط أحدا على حسناته يذهب بها هذا ما أورده السيوطي مع أقوال كثيرة أخر لا يتحملها هذا المختصر، وقد أوردت أخبار تعبده في رسالتي إقامة الحجة على أن الإكثار في التعبد ليس ببدعة فلتراجع.

وأما اتباعه للأحاديث والآثار خلاف ما يظنه الظانون أنه يقيس على خلاف الحديث فيدل عليه على ما أورده السيوطي عن الخطيب أنه أخرج عن أبي حمزة اليشكري قال: سمعت أبا حنيفة يقول: إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم نذهب عنه إلى غيره، وأخذنا به وإذا جاء عن الصحابة تخيرنا، وإذا جاء عن التابعين زاحمناهم، وأخرج أيضا عن ابن المبارك قال: قال أبو حنيفة: إذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين، وإذا كان عن الصحابة اخترنا من قولهم، وإذا كان عن التابعين زاحمناهم، وفي الميزان لعبد الوهاب الشعراني: قد أطال الإمام أبو جعفر الكلام في تبرئة أبي حنيفة من القياس بغير ضرورة ورد على من نسب إلى الإمام تقديم القياس على النص وقال: إنما الرواية الصحيحة عنه تقديم الحديث، ثم الآثار ثم يقيس بعد ذلك، ولا خصوصية للإمام في القياس بشرطه المذكور، بل جميع العلماء يقيسون في مذائق الأحوال إذا لم يجدوا في المسألة نصا انتهى.

وفيه أيضا: اعتقادنا واعتقاد كل مصنف في أبي حنيفة أنه لو عاش حتى دونت أحاديث الشريعة، وبعد رحيل الحفاظ في جمعها من البلاد والثغور، وظفر بها لأخذ بها وترك كل قياس كان قاسه، وكان القياس قل في مذهبه كما قل في مذهب غيره، لكن لما كانت أدلة الشريعة متفرقة في عصره مع التابعين، وتبع التابعين في المدائن والقرى كثر القياس في مذهبه بالنسبة إلى غيره من الأئمة، ضرورة لعدم وجود النص في تلك المسائل التي قاس فيها بخلاف غيره من الأئمة انتهى.

أقول: تفرق الناس من قديم الزمان إلى هذا الأوان في هذا الباب إلى الفرقتين: فطائفة قد تعصبوا في الحنفية تعصبا شديدا، والتزموا بما في الفتاوى التزاما سديدا، وإن وجدوا حديثا صحيحا أو أثرا صريحا على خلافه وزعموا أنه لو كان هذا الحديث صحيحا لأخذ به صاحب المذهب ولم يحكم بخلافه، وهذا جهل منهم بما روته الثقات عن أبي حنيفة من تقديم الأحاديث والآثار على أقواله الشريفة فترك ما خالف الحديث الصحيح رأي سديد، وهو عين تقليد الإمام لا ترك التقليد.

وطائفة زعموا أن الإمام قاس على خلاف الأخبار، وهجر ما ورد به الشرع والآثار فظنوا في حقه ظنونا سيئة، واعتقدوا عقائد قبيحة ومطالعة الميزان لهم نافع ولأوها مهم دافع، فليتخذ العاقل مسلك البين ويهجر طريق الطائفتين.

وأما وفاته فكانت سنة خمسين ومائة وهي السنة التي ولد فيها الشافعي فكره النووي وغيره.

[النافع الكبير:34/1-45]


رد مع اقتباس