عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 9 جمادى الأولى 1434هـ/20-03-2013م, 07:53 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولستم بآخذيه إلاّ أن تغمضوا فيه...}
فتحت (أن) بعد إلاّ وهي في مذهب جزاء. وإنما فتحتها لأن إلا قد وقعت عليها بمعنى خفضٍ يصلح. فإذا رأيت (أن) في الجزاء قد أصابها معنى خفضٍ أو نصب أو رفع انفتحت. فهذا من ذلك.
والمعنى - والله أعلم - ولستم بآخذيه إلا على إغماض، أو بإغماض، أو عن إغماضٍ، صفة غير معلومة. ويدلك على أنه جزاء أنك تجد المعنى: أو أغمضتم بعض الإغماض أخذتموه.
ومثله قوله: {إلا أن يخافا ألاّ يقيما حدود الله} ومثله {إلاّ أن يعفون} هذا كلّه جزاء، وقوله: {ولا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله}
ألا ترى أن المعنى: لا تقل إني فاعل إلا ومعها إن شاء الله؛ فلمّا قطعتها (إلا) عن معنى الابتداء، مع ما فيها من نيّة الخافض فتحت. ولو لم تكن فيها (إلاّ) تركت على كسرتها؛ من ذلك أن تقول: أحسن إن قبل منك . فإن أدخلت (إلاّ) قلت: أحسن إلا ألاّ يقبل منك. فمثله
قوله: {وأن تعفوا أقرب للتقوى}، {وأن تصوموا خير لكم} هو جزاء، المعنى: إن تصوموا فهو خير لكم. فلما أن صارت (أن) مرفوعة بـ (خير) صار لها ما يرافعها إن فتحت وخرجت من حدّ الجزاء. والناصب كذلك.
ومثله من الجزاء الذي إذا وقع عليه خافض أو رافع أو ناصب ذهب عنه الجزم قولك: اضربه من كان، ولا آتيك ما عشت. فمن وما في موضع جزاء، والفعل فيهما مرفوع في المعنى؛ لأنّ كان والفعل الذي قبله قد وقعا على (من) و(ما) فتغيّر عن الجزم ولم يخرج من تأويل الجزاء؛ قال الشاعر:
فلست مقاتلا أبداً قريشا * مصيبا رغم ذلك من أصابا
في تأويل رفع لوقوع مصيب على من.
ومثله قول الله عزّ وجلّ: {وللّه على الناس حجّ البيت من استطاع} إن جعلت (من) مردودة على خفض (الناس) فهو من هذا، و(استطاع) في موضع رفع، وإن نويت الاستئناف بمن كانت جزاء، وكان الفعل بعدها جزما، واكتفيت بما جاء قبله من جوابه.
وكذلك تقول في الكلام: أيّهم يقم فاضرب، فإن قدّمت الضرب
فأوقعته على أي قلت اضرب أيّهم يقوم؛ قال بعض العرب: فأيّهم ما أخذها ركب على أيهم يريد. ومنه قول الشاعر:
فإني لآتيكم تشكّر ما مضى * من الأمر واستيجاب ما كان في غد
لأنه لا يجوز لو لم يكن جزاء أن تقول: كان في غد؛ لأن (كان) إنما خلقت للماضي إلاّ في الجزاء فإنها تصلح للمستقبل. كأنه قال: استيجاب أي شيء كان في غد.
ومثل إن في الجزاء في انصرافها عن الكسر إلى الفتح إذا أصابها رافع قول العرب: (قلت إنك قائم) فإنّ مكسورة بعد القول في كل تصرّفه. فإذا وضعت مكان القول شيئا في معناه مما قد يحدث خفضا أو رفعا أو نصبا فتحت أنّ، فقلت: ناديت أنك قائم، ودعوت، وصحت وهتفت. وذلك أنك تقول: ناديت زيدا، ودعوت زيدا، وناديت بزيد، (وهتفت بزيد) فتجد هذه الحروف تنفرد بزيد وحده؛ والقول لا يصلح فيه أن تقول: قلت زيدا، ولا قلت بزيد. فنفذت الحكاية في القول ولم تنفذ في النداء؛ لاكتفائه بالأسماء. إلا أن يضطرّ شاعر إلى كسر إنّ في النداء وأشباهه، فيجوز له؛ كقوله:
إني سأبدي لك فيما أبدي * لي شجنان شجنٌ بنجد
* وشجن لي ببلاد الهند *
لو ظهرت إنّ في هذا الموضع لكان الوجه فتحها.
وفي القياس أن تكسر؛ لأن رفع الشجنين دليل على إرادة القول، ويلزم من فتح أنّ لو ظهرت أن تقول: لي شجنين شجنا بنجد.

فإذا رأيت القول قد وقع على شيء في المعنى كانت أنّ مفتوحة. من ذلك أن تقول: قلت لك ما قلت أنك ظالم؛ لأنّ ما في موضع نصب. وكذلك قلت: زيد صالح أنه صالح؛ لأن قولك (قلت زيد قائم) في موضع نصب.
فلو أردت أن تكون أنّ مردودة على الكلمة التي قبلها كسرت فقلت: قلت ما قلت: إن أباك قائم، (وهي الكلمة التي قبلها) وإذا فتحت فهي سواها. قول الله تبارك وتعالى: {فلينظر الإنسان إلى طعامه أنّا} وإنا، قد قرئ بهما. فمن فتح نوى أن يجعل أنّ في موضع خفض، ويجعلها تفسيراً للطعام وسببه؛ كأنه قال: إلى صبّنا الماء وإنباتنا ما أنبتنا.
ومن كسر نوى الانقطاع من النظر عن إنّا؛ كأنه قال: فلينظر الإنسان إلى طعامه، ثم أخبر بالاستئناف).
[معاني القرآن: 1/178-181]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا تيممّوا الخبيث منه تنفقون} أي: لا تعمدوا له، قال خفاف بن ندبة:
فإن تك خيلي قد أصيب صميمها... فعمداً على عينٍ تيمّمت مالكا
{إلاّ أن تغمضوا فيه}: ترخّص لنفسك). [مجاز القرآن: 1/82-83]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله جل ثناؤه {ولا تيمموا الخبيث} يقولون: تيممتك تيممًا، وأممتك أما أيضًا؛ وهو القصد.
وأما قوله {إلا أن تغمضوا فيه} فالإغماض المصدر، وقالوا: ضربه بحجر فغمض في يده غموضًا: إذا أثر فيه؛ وقالوا: هبطت غمضًا من الأرض؛ أي وهدة؛ فكأن المعنى في {تغمضوا فيه}: الإدهان في الشيء والخب له). [معاني القرآن لقطرب: 384]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({أنفقوا من طيّبات ما كسبتم} يقول: تصدقوا من طيبات ما تكسبون: الذهب والفضة، {وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون} أي: لا تقصدون للرديء والحشف من التمر، وما لا تأخذونه أنتم إلّا بالإغماض فيه. أي بأن تترخّصوا). [تفسير غريب القرآن:97-98]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله تبارك اسمه: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلّا أن تغمضوا فيه واعلموا أنّ اللّه غنيّ حميد} فالمعنى: أنفقوا من جيّد ما كسبتموه من تجارة، ومن ورق وعين، وكذلك من جيّد الثمار، ومعنى {أنفقوا}: تصدقوا وكان قوم أتوا في الصدقة برديء الثمار.
ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر السعاة إلا يخرص الجعرور ومعى الفارة وذلك أنها من رديء النخل، فأمر ألا تخرص عليهم لئلا يعتلوا به في الصدقة.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون}أي: لا تقصدوا إلى رديء المال، والثمار فتتصدقوا به، وأنتم (تعلمون أنكم) لا تأخذونه إلا بالإغماض فيه.
ومعنى {ولستم بآخذيه إلّا أن تغمضوا فيه}: يقول: أنتم لا تأخذونه إلا بوكس، فكيف تعطونه في الصدقة.
وقوله عزّ وجلّ: {واعلموا أنّ اللّه غنيّ حميد}أي: لم يأمركم بأن تتصدقوا من عوز، ولكنه لاختباركم فهو حميد على ذلك وعلى جميع نعمه.
يقال قد غني زيد يغنى غنى - مقصور - إذا استغنى، وقد وقد غني القوم إذا نزلوا في مكان يقيهم، والمكان الذي ينزلون فيه مغنى، وقد غنّى فلان غناء إذا بالغ في التطريب في الإنشاد حتى يستغنى الشعر أن يزاد في نغمته، وقد غنيت المرأة غنيانا.
قال قيس بن الخطيم:
أجدّ بعمرة غنيانها... فتهجر أم شأننا شأنها
غنيانها: غناها.
والغواني: النساء، قيل إنهن سمين غواني لأنهن غنين بجمالهن. وقيل بأزواجهن).
[معاني القرآن: 1/349-350]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم}أي: تصدقوا بالجيد
وحدثنا أحمد بن محمد بن سلامة قال حدثنا بكار قال حدثنا مؤمل قال حدثنا سفيان عن السدي عن أبي مالك عن البراء قال: كانوا يجيئون في الصدقات بأردأ تمرهم وأردأ طعامهم فنزلت: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} إلى قوله: {إلا أن تغمضوا فيه} قال: لو كان لكم فأعطاكم لم تأخذوه إلا وأنتم ترون أنه قد نقصكم من حقكم
قال أبو إسحاق في قوله تعالى {واعلموا أن الله غني حميد} أي: لم يأمركم أن تصدقوا من عوز ولكنه بلا أخباركم فهو حميد على ذلك وعلى جميع نعمه). [معاني القرآن: 1/295-297]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والطيبات: الحلال، في كل القرآن). [ياقوتة الصراط: 183]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({ولا تيمموا الخبيث} أي: لا تقصدوا له فتصدقوا به، وهو الذي من التمر والمال.
{تغمضوا فيه} تترخصوا فيه.، يقول عز وجل: لا تتصدقوا بما لا تأخذوه إلا برخص لو أعطاكموه أحد. وقيل: معناه إلا تتصدقوا بما لا تأخذونه إلا برخص حتى تغطوا أعينكم من كراهيتكم له لرداءته). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 44]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({تَيَمَّمُـــواْ}: تقصـــدوا). [العمدة في غريب القرآن: 94]

تفسير قوله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واللّه يعدكم مّغفرةً مّنه وفضلاً واللّه واسعٌ عليمٌ}
قال: {الشّيطان يعدكم الفقر} وقال بعضهم {الفقر} مثل: "الضعف" و"الضعف" وجعل "يعد" متعدياً إلى مفعولين). [معاني القرآن: 1/153]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {الشيطان يعدكم الفقر}؛ فإنهم يقولون: الفقر والفقر.
ومن هذا اللفظ: فقار الظهر؛ والفقر: لفقار الظهر أيضًا، وقد فقر ظهره يفقره فقرًا: إذا كسر ظهره، قال الله عز وجل {تظن أن يفعل بها فاقرة} كأنه من ذلك.
وقالوا: وعدته خيرًا، بغير ألف، وأوعدته شرًا، بالألف على التهدد؛ وقال بعضهم: وعدته، فيهما جميعًا، وهكذا الآية {يعدكم الفقر} أي الشر، جاءت بغير ألف، من وعد يعد، وهي تهدد.
[معاني القرآن لقطرب: 384]
وقال القطامي على مثل ذلك:
ألا عللاني كل حي معلل = و لا تعداني الشر والخير مقبل). [معاني القرآن لقطرب: 385]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جل وعلا: {الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واللّه يعدكم مغفرة منه وفضلا واللّه واسع عليم}
يقال الفقر والفقر جميعا، والمعنى: أنه يحملكم على أن تؤدوا في الصدقة رديء المال يخوفكم الفقر بإعطاء الجيد - ومعنى {يعدكم الفقر}: يعدكم بالفقر ولكن الباء حذفت. وأفضى الفعل فنصب كما قال الشاعر:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به... فقد تركتك ذا مال وذا نشب
ويقال وعدته أعده وعدا و عدة وموعدا وموعدة وموعودا وموعودة.
ومعنى {ويأمركم بالفحشاء}أي: بأن لا تتصدقوا فتتقاطعوا.
ومعنى{واللّه يعدكم مغفرة منه وفضلا}أي: يعدكم أن يجازيكم على صدقتكم بالمغفرة، ويعدكم أن يخلف عليكم.
ومعنى {واللّه واسع عليم}:
{واسع} يعطي من سعة، و {عليم} يعلم حيث يضع ذلك، ويعلم الغيب والشهادة). [معاني القرآن: 1/350-351]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى {الشيطان يعدكم الفقر} أي: بالفقر يخوفكم حتى تخرجوا الرديء في الزكاة ويأمركم بالفحشاء بأن لا تتصدقوا فتعصوا وتتقاطعوا
{والله يعدكم مغفرة منه وفضلا}أي: بأن يجازيكم على صدقاتكم بالمغفرة والخلف
{والله واسع عليم} يعطي من سعة ويعلم حيث يضع ذلك ويعلم الغيب والشهادة). [معاني القرآن: 1/297]

تفسير قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذّكّر إلّا أولو الألباب}
معنى {يؤتي} يعطي، و {الحكمة} فيها قولان:
1- قال بعضهم هي: النبوة.

2- ويروى عن ابن مسعود أن الحكمة هي القرآن، وكفى بالقرآن حكمة، لأن الأمّة به صارت علماء بعد جهل، وهو وصلة إلى كل علم يقرّب من اللّه عزّ وجلّ: وذريعة إلى رحمته؛ لذلك قال الله تعالى: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} أي: أعطي كل الحلم، وما يوصل إلى رحمة اللّه، و " يؤت " جزم بمن، والجواب {فقد أوتي خيرا كثيرا}
ومعنى {وما يذّكّر إلّا أولو الألباب} أي: ما يفكر فكرا يذكر به ما قص من آيات القرآن إلا أولو الألباب، أي: ذوو العقول.
وواحد الألباب لب، يقال قد لببت يا رجل وأنت تلب، لبابة ولبّا، وقرأت على محمد بن يزيد عن يونس: لببت لبابة.
وليس في المضاعف على فعلت غير هذا، ولم يروه أحد إلا يونس، وسألت غير البصريين عنه فلم يعرفه). [معاني القرآن: 1/351-352]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا}
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} قال: المعرفة بالقرآن ناسخة ومنسوخة ومحكمة ومتشابهة ومقدمة ومؤخرة وحلاله وحرامه وأمثاله.
قال مجاهد: العقل والعفة والإصابة في القول.
وقال زيد بن أسلم: الحكمة العقل في دين الله.
وقال الضحاك: الحكمة القرآن.
وقال قتادة: الفهم.
قلت: وهذه الأقوال متفقة وأصل الحكمة ما يمتنع به من السفه فقيل للعلم حكمة لأنه به يمتنع وبه يعلم الامتناع من السفه وهو كل فعل قبيح وكذا القرآن والعقل والفهم
وقال إبراهيم النخعي: الفهم في القرآن). [معاني القرآن: 1/297-298]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وما يذكر إلا أولو الألباب} أي: وما يفكر فكرا يذكر به ما قص من الآيات إلا ذوو العقول ومن فهم الله عز وجل أمره ونهيه). [معاني القرآن: 1/299]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {الألباب}: العقول في كل مكان). [ياقوتة الصراط: 183]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وما أنفقتم مّن نّفقةٍ أو نذرتم مّن نّذرٍ فإنّ اللّه يعلمه وما للظّالمين من أنصارٍ}
قال: {وما أنفقتم مّن نّفقةٍ أو نذرتم مّن نّذرٍ فإنّ اللّه يعلمه} تحمل الكلام على الآخر كما قال: {ومن يكسب خطيئةً أو إثماً ثمّ يرم به بريئاً}. وإن شئت جعلت تذكير هذا على "الكسب" في المعنى كما قال: {إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لّكم}يقول: "فالإيتاء خيرٌ لكم والإخفاء".
وقوله: {وما أنزل عليكم مّن الكتاب والحكمة يعظكم به} فهذا على {ما}.
وقوله: {أو نذرتم} تقول: "نذر" "ينذر على نفسه" "نذراً" و"نذرت مالي" فـ"أنا أنذره" "نذراً" أخبرنا بذلك يونس عن العرب وفي كتاب الله عز وجل: {إنّي نذرت لك ما في بطني محرّراً}، قال الشاعر:

هم ينذرون دمي وأنذر أن = لقيت بأن أشدّا
وقال عنترة:
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما = والنّاذرين إذا لم القهما دمي). [معاني القرآن: 1/153-154]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإنّ اللّه يعلمه وما للظّالمين من أنصار}أي: ما تصدقتم به من فرض لأنه في ذكر صدقة الزكاة وهي الفرض والنذر: التطوع، وكل ما نوى الإنسان أن يتطوع به فهو نذر.
{فإنّ اللّه يعلمه} أي: لا يخفى عليه فهو يجازي عليه، كما قال جلّ ثناؤه: {فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره}.
يقال نذرت النذر أنذره وأنذره، والجميع النّذور، وأنذرت القوم إذا أعلمتهم وخوفتهم إنذارا ونذيرا ونذرا.
قال اللّه عزّ وجلّ: {فستعلمون كيف نذير}.
وقال جل ثناؤه: {فكيف كان عذابي ونذر}.
النذر: مثل النّكر، والنذير مثل النكير). [معاني القرآن: 1/352]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {وما أنفقتم من نفقة}
قال أبو إسحاق أي: في فرض لأنه ذكر صدقة الزكاة
{أو نذرتم من نذر} كل ما نوى الإنسان أن يتطوع به فهو نذر.
وقيل المعنى: ما أنفقتم من نفقة من غير نذر أو نذرتم ثم عقدتم على أنفسكم إنفاقه {فإن الله يعلمه} أي: لا يخفى عليه فهو يجازي به.
قال مجاهد: {يعلمه}أي يحصيه). [معاني القرآن: 1/299-300]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)}
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (نافع {فنعما هي} بإدغام وإسكان العين، {نعما يعظكم}.
الأعمش {فنعما هي}؛ وهي أحسن من الأولى؛ لأنه جمع بين ساكنين.
قراءة أبي عمرو وابن كثير وابن محيصن {فنعما هي} بكسر النون والعين جميعًا.
ابن عباس رحمه الله"وتكفر عنكم" يعني الصدقات.
قراءة أبي عمرو {ونكفر عنكم} بالنون.
الحسن {ويكفر عنكم} بالياء، كأنه قال: ويكفر الله عنكم). [معاني القرآن لقطرب: 277]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {فنعما هي}؛ وقد ذكرنا القراءة فيها؛ فأما يونس فقال: {نعما}، فأسكن العين وأدغم الميم في الميم، وليس ذلك بحسن؛ لأنه يجمع بين ساكنين ليس أحدهما بمثقل لازم له التثقيل؛ وقد قال بعض العرب على قول يونس: نحن نفعل؛ فأدغم النون في النون ولم يحرك الحاء، تركها ساكنة.
وأنشدنا من نثق به للبيد:
يا عامر يا عامر نعما = إن تمس فينا جسدا قد رما
فحرك العين منصوبة.
وبعض العرب يقول: نعم الرجل أنت، على فعل بكسرة العين.
وقال طرفة:
ما أقلت قدماي إنهم = نعم الساعون في الحي الشطر
فعلى هذه {نعما يعظكم به}.
وإنما نعم الرجل من نعم، مثل: فخذ وفخذ، ولعب ولعب؛ وكذلك الهمزة والهاء والعين والغين والحاء والخاء هذه الستة، إذا كن ثواني في فعل وفعيل، كسرن في لغة تميم وعامر وأسد؛ وذلك قول الله عز وجل {والله شهيد}، {وأنا به زعيم}، و{حمل بعير}، و{غفور رحيم}، ولئيم، وشعير، وفي فعل {كما يئس الكفار}
[معاني القرآن لقطرب: 385]
، و{شهد الله}، إلا أن "القراءة سنة متبعة لا تقرأ إلا بما أثر عن العلماء".
وقد يجوز إسكان الأوسط من فعل، كما ذكرنا في السبع والسدس، وعلى هذا "نعم" أسكنها بعد أن كسر النون.
وأهل الحجاز وكلب يفتحون هذا: زعيم وبعير وشعير وأصحاب السعير؛ وكأنه أحب إلينا.
وقال عدي بن زيد فيما كسر من هذا:
ومكان زعل ظلمانه = كرجال الحبش تمشي بالعمد
وقال أيضًا:
شئز جنبي كأني مهدأ = جعل القين على الدف إبر
وقال طرفة، فرد نعم إلى أصلها:
ما أقلت قدمي إنهم = نعم الساعون في الأمر الشطر
وقال بعض العرب: نعيم الرجل أنت، فأدخل الياء.
وأنشدنا بعضهم:
وكم أخ لي صالح قد رزيته = نعيم وبعض القوم غير نعيم
وذلك شاذ قليل). [معاني القرآن لقطرب: 386]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفّر عنكم من سيّئاتكم واللّه بما تعملون خبير}
معنى {إن تبدوا}: تظهروا، يقال بدا الشيء يبدو إذا ظهر، وأبديته أنا إبداء، إذا أظهرته، وبدا لي بدا " إذا تغيّر رأي عمّا كان عليه.
و{تبدوا} جزم بـ {إن}، وقوله: {فنعمّا هي} الجواب.
وروى أبو عبيد أنّ أبا جعفر وشيبة ونافعا وعاصما وأبا عمرو بن العلاء قرأوا: {فنعمّا هي} بكسر النون وجزم العين وتشديد الميم، وروى أن يحيى بن وثاب، والأشمس وحمزة والكسائي قرأوا: {فنعمّا هي} - بفتح النون وكسر العين.
وذكر أبو عبيد أنّه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله لابن العاص: ((نعمّا بالمال الصّالح للرجل الصّالح)).

فذكر أبو عبيد أنه يختار هذه القراءة من أجل هذه الرواية.
ولا أحسب أصحاب الحديث ضبطوا هذا، ولا هذه القراءة عند البصريين النحويين جائزة ألبتّة، لأن فيها الجمع بين ساكنين من غير حرف ما ولين.
فأما ما قرأناه من حرف عاصم ورواية أبي عمرو {فنعمّا هي}، بكسر النون والعين، فهذا جيّد بالغ لأن ههنا كسر العين والنون،
وكذلك قراءة أهل الكوفة (نعمّا هي) جيدة لأن الأصل في نعم نعم ونعم. ونعم فيها ثلاث لغات، ولا يجوز مع إدغام الميم نعمّا هي. و " ما " في تأويل - الشيء زعم البصريون أن نعمّا هي: نعم الشيء هي. وقد فسرنا هذا فيما مضى.

ومعنى {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير}:
هذا كان على عهد رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فكان الإخفاء في إيتاء الزكاة أحسن، فأمّا اليوم فالناس يسيئون الظن، فإظهار الزكاة أحسن، فأمّا التطوع فإخفاؤه أحسن، لأنه أدل على أنه يريد اللّه به وحده.
يقال أخفيت الشيء إخفاء إذا سترته، وخفي خفاء إذا استتر، وخفيته أخفيه خفيا إذا أظهرته،
وأهل المدينة يسمون النبّاش: المختفي.

قال الشاعر في خفيته أظهرته:
فإن تدفنوا الداء لا نخفه...وإن تبعثوا الحرب لا نقعد). [معاني القرآن: 1/353-355]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {إن تبدوا الصدقات}أي: تظهروها.
وفي الحديث: ((صدقة السر تطفئ غضب الرب))
وقيل كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما اليوم فالناس يسيئون الظن.
قال الحسن: إظهار الزكاة أحسن وإخفاء التطوع أفضل لأنه أدل على أنه يراد الله عز وجل به وحده.
وقال الضحاك: كان هذا يعمل به الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلما نزلت براءة بفريضة الصدقة وتفصيلها انتهت الصدقة إليه). [معاني القرآن: 1/300-301]


رد مع اقتباس