عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 25 محرم 1440هـ/5-10-2018م, 10:52 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي البسملة

البسملة
قال أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي الجرجاني (ت: 408هـ): (باب التسمية
روى الحسن بن عطية، وإبراهيم بن زربي بإخفاء التسمية عند السور، ورؤوس الآي في جميع القرآن، وبه قرأت من طريق حمزة إلا في أول فاتحة الكتاب.
سمعت أبا بكر يقول قرأت على الكوفيين، وعلى أصحاب البزاز، وعلى أصحاب الضبي، وعلى أبي مزاحم بالجهر عند رؤوس الأئمة وعند فاتحة الكتاب فقط.
وأبو عمرو - فيما قرأت على البغداديين - يخفي التسمية عند السور، ورؤوس الأئمة إلا في أول فاتحة الكتاب، وبه قرأ عن شجاع،
[المنتهى: 1/538]
والأزرق طريق أبي عدي، وحماد طريق أبي القاسم الضرير، وهي رواية الفراء عن علي.
وقرأت عن أبي حمدون، عن اليزيدي طريق دلبة بإظهارها بين السور، ورؤوس الأئمة إلا بين الأنفال وبراءة، وهو مذهب البصريين عن أبي عمرو، وبه قرأت من طريق القصباني.
والباقون يجهرون عند السور فقط، وبه قرأ على ابن حبش عن أبي عمرو.
قال أبو الفضل: وهو اختياري).[المنتهى: 1/539]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (وأما البسملة فكان أهل الحرمين إلا ورشًا وعاصم والكسائي يفصلون بين كل سورة ببسم الله الرحمن الرحيم، وقد قرأت على الشيخ أبي عدي بالفصل لورش وهو اختيار أبي بكر الأذفوي رحمه الله، وقرأت على الشيخ أبي الطيب رحمه الله لورش بترك الفصل، وليس عن أبي عمرو وابن عامر في ذلك رواية مشهورة، والمختار عند الشيوخ ترك الفصل لهما، وأن يفصل القارئ بسكت بين كل سورتين، وكذلك قرأت لورش على أبي الطيب بسكت بين كل سورتين من غير تسمية، واختار أيضًا القراء في قراءة أبي عمرو وابن عامر وورش إذا لم يفصلوا أن يفصل لهم بالبسملة بين المدثر والقيامة، وبين الانفطار والمطففين، وبين الفجر ولا أقسم، وبين العصر والهمزة، هذه الأربع
[التبصرة: 58]
السور لا غير، وقد كان الشيخ أبو الطيب ربما سمح بالفصل في قراءة أبي عمرو وابن عامر وهي رواية البصريين عن أبي عمرو، والاختيار عنده أن لا يفصل إلا بالسكت، وهو اختيار ابن مجاهد رحمهما الله.
فأما حمزة فإنه يصل السورة بالسورة من غير فصل ولا سكت إلا في فاتحة الكتاب وحدها، فإنه يبتدئ بالبسملة ثم لا يعيدها، واختيار القراء أيضًا له أن يفصل بسكت بين الثماني السور المذكورة، وأجمعوا على ترك الفصل بين الأنفال والبراءة، لإجماع المصاحف على ترك التسمية بينهما، فأما السكت بينهما فقد قرأت به لجماعتهم، وليس هو منصوصًا، ويجب أن تعلم أنك إذا فصلت بالتسمية فلك أن تصل التسمية بآخر السورة، ثم تتمادى في السورة الأخرى، ولك أن تقف على آخر السورة ثم تبتدئ بالتسمية، وليس لك أن تفصل آخر السورة بالتسمية ثم تقف عليها دون أن تصل ذلك بالسورة الأخرى فاعلم ذلك.
واعلم أن الاختلاف الذي وقع في هذا الباب إنما هو في الوصل، فأما إن ابتدأ القارئ بسورة أيّ سورة كانت سوى براءة لمن كان من القراء فإنه يبتدئ بالتعوذ ثم التسمية، لا أعلم في ذلك اختلافًا، إلا ما ذكرنا من إخفاء التعوذ، وهو غير معول به، فإذا ابتدأ القارئ بغير أول سورة عوذ فقط، هذه عادة القراء إلا ما ذكره المسيبي عن قراء المدينة أنهم يفتتحون بالبسملة في غير أوائل السور، يريد الأجزاء
[التبصرة: 59]
وهي الأحزاب هذا معنى كلامه، وكذلك روى عن الحلواني عن سليم عن حمزة، وقد روى مثل ذلك عن أبي عمرو، وذلك واسع، وبترك التسمية في غير أوائل السور قرأت فأما براءة فالتعوذ في الابتداء بها لجميعهم لا غير). [التبصرة: 60]
قال أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت: 444هـ): (باب ذكر التّسمية
اختلفوا في التّسمية بين السّور، فكان ابن كثير، وقالون، وعاصم، والكسائيّ يبسملون بين كل سورتين في جميع القرآن، ما خلا الأنفال وبراءة: فإنه لا خلاف في ترك التّسمية بينهما.
وكان الباقون: فيما قرأنا لهم، لا يبسملون بين السّور.
وأصحاب حمزة يصلون آخر السّورة بأول الأخرى.
ويختار في مذهب ورش، وأبي عمرو، وابن عامر: السكت بين السورتين، من غير قطع.
وابن مجاهد: يرى وصل السّورة بالسورة، وتبيين الإعراب. ويرى السكت أيضا.
وكان بعض شيوخنا يفصل في مذهب هؤلاء بالتّسمية بين المدثر والقيامة، وبين الانفطار والمطففين، وبين الفجر والبلد، وبين العصر والهمزة. ويسكت بينهنّ سكتة في مذهب حمزة.
[التيسير في القراءات السبع: 124]
وليس في ذلك أثر يروى عنهم، وإنما هو استحباب من الشّيوخ.
ولا خلاف في التّسمية في أول فاتحة الكتاب، وفي أول كل سورة ابتدأ القارئ بها ولم يصلها بما قبلها، في مذهب من فصل أو من لم يفصل.
فأما الابتداء برؤوس الأجزاء الّتي في بعض السّور، فأصحابنا يخيرون القارئ بين التّسمية وتركها في ذلك، في مذهب الجميع.
والقطع عليها إذا وصلت بأواخر السّور غير جائز. وباللّه التّوفيق). [التيسير في القراءات السبع: 125]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) :( (باب ذكر التّسمية)
اختلفوا في التّسمية بين السّور فكان ابن كثير وقالون وعاصم والكسائيّ وأبو جعفر يبسملون بين كل سورتين في جميع القرآن ما خلا الأنفال وبراءة فإنّه لا خلاف في ترك البسملة بينهما. وكان الباقون فيما قرأنا لهم لا يبسملون بين السورتين، وأصحاب حمزة وخلف يصلون آخر السّورة بأول الأخرى، ويختار في مذهب ورش وأبي عمرو وابن عامر [ويعقوب] السكت بين السورتين من غير قطع وابن مجاهد يرى وصل السّورة بالسورة وتبيين الإعراب ويرى السكت أيضا.
قلت: وبكل من السكت والوصل قطع جماعة من الأئمّة لورش وأبي عمرو وابن عامر ويعقوب، وبالسكت قرأ المؤلف لورش على جميع شيوخه ولأبي عمرو على أبي الحسن وأبي الفتح وابن خاقان ولابن عامر على أبي الحسن وبالوصل قرأ على الفارسي لأبي عمرو وبالبسملة قرأ لابن عامر على الفارسي وأبي الفتح فهذا من [المواضع] الّتي خرج فيها عن [طرق] الكتاب والله الموفق.
[تحبير التيسير: 184]
وكان بعض شيوخنا يفصل في مذهب هؤلاء الساكتين بالتّسمية بين المدثر والقيامة وبين الانفطار والمطففين وبين الفجر والبلد وبين العصر والهمزة ويسكت [فيهنّ] سكتة خفيفة في مذهب حمزة والواصلين وليس في ذلك أثر يروى عنهم وإنّما هو استحباب من الشّيوخ.
ولا خلاف في التّسمية في أول فاتحة الكتاب وفي أول كل سورة ابتدأ القارئ بها ولم يصلها بما قبلها في مذهب من فصل [أو من] لم يفصل.
فأما الابتداء برءوس الأجزاء الّتي في بعض السّور نحو: (سيقول السّفهاء) و(تلك الرّسل) وشبهه فأصحابنا يخيرون القارئ بين التّسمية [وتركها في ذلك في مذهب الجميع. والقطع عليها إذا وصلت بأواخر السّور غير جائز في ذلك والله أعلم] [وصلى اللّه على سيدنا محمّد وآله وصحبه أجمعين] ). [تحبير التيسير: 185]
قال أحمد بن علي بن خلف ابن الباذش الأنصاري (ت: 540هـ): (باب التسمية
هذا الباب مقسم أربعة أقسام: حكم التسمية في أول فاتحة الكتاب وكل سورة مبدوء بها ما خلا براءة، وحكمها بين الأنفال وبراءة، وحكمها بين سائر سور القرآن، وحكمها في أوائل الأجزاء غير أوائل السور.
القسم الأول: أجمعوا على إثبات التسمية في أول فاتحة الكتاب وكل سورة مبدوء بها ما خلا براءة، إلا أني قرأت عن الخرقي عن ابن سيف عن الأزرق عن ورش بتركها في فاتحة الكتاب سرا وجهرا، وهي رواية
[الإقناع: 1/155]
خلاد الكاهلي عن حمزة، ويجب على هذا ألا يسمي في أول كل سورة مبدوء بها، ولا يؤخذ بهذا.
على أن ابن شريح ذكر لنا عن أبيه أن حمزة إذا بدأ بأول سورة غير الحمد لم يسم، وإذا بدأ بالحمد سمى، وهذا غير مشهور لحمزة.
وقد حدثني أبو القاسم عن أبي معشر عن أبي علي الدقاق عن أبي الفضل الخزاعي قال: سمعت أبا بكر -يعني الشذائي- يقول: قرأت على الكوفيين وعلى أصحاب الضبي، وعلى أبي مزاحم بالجهر عن رءوس الآي، عند فاتحة الكتاب فقط.
قال أبو جعفر: فإذا كان أصحاب أبي عمارة يحافظون على التسمية
[الإقناع: 1/156]
في رءوس الآي وإن لم يكن أول سورة فهم عليها أول سورة أشد محافظة، وسألت أبي -رضي الله عنه- عن ذلك فأخبرني أن الذي نأخذ به لحمزة التسمية وبه آخذ، ولا أعلم أبا القاسم شيخنا شيخا إلا آخذا بالتسمية في ذلك، وقد نص عليه الأهوازي عن خلف وخلاد.
على أن إجماعهم على إثبات التسمية في أوائل السور اختيار منهم واستحباب لا إيجاب، وقد جاء في صحيح الحديث البدء بأول سورة من غير تسمية.
القسم الثاني: أجمعوا على تركها بين الأنفال وبراءة اتباعا لمصحف عثمان -رضي الله عنه- المجمع عليه، إلا أنه روي عن يحيى وغيره عن أبي بكر عن عاصم أنه كان يكتب بينهما التسمية، ويروى ذلك عن زر عن
[الإقناع: 1/157]
عبد الله، وأنه أثبته في مصحفه، ولا يؤخذ بهذا.
القسم الثالث: قرأ ابن كثير وقالون وعاصم والكسائي بالفصل بالتسمية بين كل سورتين ما خلا ما ذكرنا.
ولك في الفصل ثلاثة أوجه: أن تقف على آخر السورة، ثم تسمي وتسكت، ثم تفتتح السورة الأخرى.
ولك أن تقف على آخر السورة، ثم تسمي وتصل بالتسمية أول السورة الأخرى.
ولك أن تصل التسمية بآخر السورة، وبأول السورة الأخرى.
ويمتنع وجه رابع: وهو أن تصل التسمية بآخر السورة، ثم تقف عليها دون وصلها بالسورة الأخرى؛ لأن التسمية إنما هي في الابتداء، لا في الانتهاء.
فأما حمزة فورد عنه ترك الفصل نصا من طريق الحلواني عن خلف وخلاد وغيره، وأصحابه يختارون له وصل السورة بالسورة إلا الأنفال ببراءة، فإنهم يأخذون له بالسكت بينهما.
ومن هؤلاء المختارين لوصل السورة بالسورة من يأخذ له بالسكت
[الإقناع: 1/158]
بين السور الأربع التي تذكر بعد، وإن التزمت السكت له في جميع القرآن فحسن.
ومن يأخذ له بوصل السورة بالسورة لا يلتزم الوصل البتة، بل آخر السورة عنده كآخر آية، وأول السورة الأخرى كأول آية أخرى، فكما لا يلتزم له ولا لغيره وصل رأس آية بأول آية أخرى كذلك لا يلتزم له وصل السورة بالسورة حتما، ألا تراهم رووا عنه أنه قال: القرآن عندي كالسورة الواحدة، فإذا سميت أول فاتحة الكتاب أجزأني، بين لي هذا أبو الحسن بن شريح، وقوله عندي هو الصواب وقد خولف فيه.
فأما ابن عامر فلم يأت عنه نص، والأكابر من القراء يأخذون له بالفصل، وبه قرأت له على أبي القاسم من الطرق المذكورة هنا، وبه كان يأخذ له النقاش وابن الأخرم وغيرهما.
فأما أبو عمرو وورش فلم يأت عنهما أيضا نص، واختلف أهل الأداء، فمنهم من أخذ لهما بالفصل، ومنهم من أخذ لهما بتركه.
وقد ذكر مكي -رحمه الله- أنه قرأ على أبي عدي بالفصل، وكذلك قال محمد بن شريح عن ابن نفيس عنه، وهو اختيار ابن شريح، وبه قرأت على أبيه.
وقال أبو الفضل الخزاعي عن أبي عدي بغير فصل، فدل هذا على أن
[الإقناع: 1/159]
أبا عدي كان يخير، وما خير إلا لعدم النص، على أن ابن مروان ذكر أنه قرأ على ابن سيف بغير فصل، قال: وذكر ابن سيف أنه قرأ كذلك على أبي يعقوب، وذكر أبو يعقوب أنه قرأ كذلك على ورش، وذكر ورش أنه قرأ كذلك على نافع. وقرأت له على أبي القاسم من طريق الخرقي بغير فصل، وبه قرأت على أبي -رضي الله عنه- وبه أخذ الشيخان أبو محمد وأبو عمرو وأصحاب الأصبهاني من البغداديين، وغيرهم يأخذون لورش بالفصل.
والبصريون يأخذون لأبي عمرو بالفصل، والبغداديون يأخذون له بتركه، وكثير من الناس يأخذون لكل من لم يرد عنه الفصل بالفصل،
[الإقناع: 1/160]
ويقول: أوثره لفضله، هو اختيار محمد بن شريح، ومنهم من يخير القارئ، وممن لم يأخذ بترك الفصل لهم من يصل السورة بالسورة لما فيه من بيان الإعراب، ومنهم من يأخذ بالسكت لما فيه من الإشعار بتمام السورة، وكلاهما مذكور عن ابن مجاهد.
ومن الآخذين لهم بالوصل من يفصل بين أربع سور: المدثر والقيامة، والانفطار والمطففين، والفجر والبلد، والعصر والهمزة.
وقال الخزاعي: سمعت طلحة بن محمد يقول: كان أكثر قراءة ابن مجاهد وصل السورة بالسورة إلا في مواضع مخصوصة من القرآن، كان يعتمد أن يقف ويُوقِف عليها، من ذلك: {وَأَهْلُ الْمَغْفِرَة، لا أُقْسِمُ} [المدثر:56، القيامة: 1] وعند قوله: {يَوْمَئِذٍ لِلَّه، وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [الانفطار: 19، المطففين: 1] وقوله: {وَادْخُلِي جَنَّتِي، لا أُقْسِمُ} [الفجر: 30، البلد: 1] يقف، وهو في ذلك يصل.
[الإقناع: 1/161]
ولم يذكر عنه الخزاعي "العصر والهمزة" وكثير من أهل الأداء يأبى هذا، ويأبى في هذه السورة إلا ما يلتزم في سائر القرآن، من فصل وتركه، وللطائفتين في ذلك حجج ليس هذا موضع ذكرها.
وكان ابن عبد الوهاب، فيما قال لنا أبو القاسم، ممن ينكر ذلك، وكذلك كان أبو داود.
وقال طاهر بن غلبون، فيما حدثنا به أبو داود عن أبي عمرو عنه: أختار في قراءة ورش وابن عامر وأبي عمرو في خمسة مواضع أن توصل فيها السورة بالسورة التي بعدها من غير فصل بشيء لحسن ذلك، ومشاكلة آخر السورة الأولى لأول التي بعدها، وهي: الأنفال ببراءة، والأحقاف بالذين كفروا، واقتربت بالرحمن، والواقعة بالحديد، والفيل بإيلاف قريش، وهذا كان يستحسنه أبي -رضي الله عنه- وهو كان اختيار محمد بن أبي الحسن الصقلي، فيما أخبرني أبو القاسم عنه.
القسم الرابع: فأما حكمها في أوائل الأجزاء غير أوائل السور، فقد روينا عن أبي القاسم المسيبي أنه قال: كنا إذا افتتحنا الآية على مشايخنا من بعض السور نبدأ بالتسمية.
[الإقناع: 1/162]
وقد روي عن حمزة أنه استشهد بآية، وسمى قبلها، ولم يأت عن أحد من سائر القراء فيه نص باستعمال التسمية ولا تركها.
واختلف أهل الأداء في ذلك، فمنهم من أخذ للجميع بالتسمية جهرا، ومنهم من أخذ بها مخفاة، ومنهم من أخذ بتركها سرا وجهرا، وهو الذي يأخذ به الأندلسيون، وبه كان يأخذ شيخنا أبو القاسم ويأبي غيره، على أنه أكثر ما قرأ في ذلك بالتسمية، وأما أنا فقرأت عليه لأبي عمرو وورش من الطرق المذكورة في هذا الكتاب بتركها، وللباقين بالتسمية جهرا.
قال أبو جعفر: واختياري التسمية في أوائل الأجزاء لمن فصل بين السور، وتركها لمن لم يفصل.
ونص التسمية عند الجميع: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وهي ثابتة على رأس كل سورة في أكثر المصاحف إلا براءة، وقد تقدم القول فيها، وليست: "بسم الله" من القرآن عند أحد من الأئمة، وإن كان بعضهم يرى حكمها حكم الحمد في التلاوة في الصلاة فإن ذلك لا يوجب أن تكون عنده قرآنا، ولو كان عنده قرآنا لكفر من يقول: ليست بقرآن، وهكذا بين هذا القاضي أبو بكر بن الطيب، رضي الله عنه). [الإقناع: 1/163]
قال القاسم بن فيرُّه بن خلف الشاطبي (ت: 590هـ): (باب البسملة
100 - وَبَسْمَلَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ بِسُنَّةٍ = رِجَالٌ نَمَوْهاَ دِرْيَةً وَتَحَمُّلاَ
101 - وَوَصْلُكَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فَصَاحَةٌ = وَصِلْ وَاسْكُتَنْ كُلٌّ جَلاَيَاهُ حَصَّلاَ
102 - وَلاَ نَصَّ كَلاَّ حُبَّ وجْهٍ ذَكَرْتُهُ = وَفِيهاَ خِلاَفٌ جِيدُهُ وَاضِحُ الطُّلاَ
103 - وسَكْتُهُمُ الْمُخْتَارُ دُونَ تَنَفُّسٍ = وَبَعْضُهُمُ فِي الْأَرْبِعِ الرُّهْرِ بَسْمَلاَ
104 - لَهُمْ دُونَ نَصٍّ وَهْوَ فِيهِنَّ سَاكِتٌ = لِحَمْزَةَ فَافْهَمْهُ وَلَيْسَ مُخَذَّلاَ
105 - وَمَهْمَا تَصِلْهَا أَوْ بَدَأْتَ بَرَاءَةً = لِتَنْزِيلِهاَ بالسَّيْفِ لَسْتَ مُبَسْمِلاَ
106 - وَلاَ بُدَّ مِنْهاَ في ابْتِدَائِكَ سُورَةً = سِوَاهاَ وَفي الْأَجْزَاءِ خُيِّرَ مَنْ تَلاَ
107 - وَمَهْمَا تَصِلْهَا مَعْ أَوَاخِرِ سُورَةٍ = فَلاَ تَقِفَنَّ الدَّهْرَ فِيهاَ فَتَثْقُلاَ). [الشاطبية: 9]
- قال علم الدين علي بن محمد السخاوي (ت: 643هـ): (باب البسملة
[100] وبسمل بين السورتين (بـ) سُنةٍ = (ر)جالٌ (نـ)موها (د)رية وتحملا
البسملة : مصدر بسمل ، إذا قال: بسم الله.
والتسمية : مصدر سمى، إذا ذكر الاسم.
قال الزجاج : «لم تبن العرب من هذا فعلًا ولم تتكلم به».
قال : «وقد ذكر بعض النحويين أنه يقال : بسملتُ أُبسمل بسملة».
قال: «وهذا قاله قياسًا لا سماعًا».
قال أبو علي: «يقال هلل إذا قال: لا إله إلا الله ؛ أخذ من حروف هذه الكلمات».
قال غيره : «يقال : لا تحبذ بما لا ينفعك ؛ أي : لا تقل حبذا».
واتفق القراء عليها في أول الفاتحة :
فابن كثير وعاصم والكسائي يعتقدونها آية منها ومن كل سورة.
ووافقهم حمزة على الفاتحة خاصة، والقرآن كله بعد ذلك عنده في حكم السورة الواحدة.
[فتح الوصيد: 2/202]
وأبو عمرو وقالون ومن تابعه من قراء المدينة لا يعتقدونها آية من الفاتحة.
و(نموها): رفعوها ؛ يعني السنة المنقولة لمن سمى بين السورتين، وذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «اقرأوا ما في المصحف»، وقد ثبتت بين السورتين في المصاحف.
وروي عن سعيد بن جبير قال: «كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرفون انقضاء السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم، فإذا نزلت علموا أن قد انقضت السورة ونزلت أخرى».
وفي رواية أخرى عن سعيد: «كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم انقضاء السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم».
ففيه دليل على أنها قد تكرر إنزالها في أول كل سورة.
فهذه السنة التي (نموها درية) . والدرية: من الدراية، كالركبة من الركوب، والجلسة من الجلوس.
ودرية : حال؛ أي دارين متحملين.
[فتح الوصيد: 2/203]
[101] ووصلك بين السورتين (فـ) صاحةٌ = وصل واسكتن (كـ)ل (جـ)لاياه (حـ)صلا
(فصاحةٌ)، لما فيه من تبين الإعراب.
وكيفية الوصل في نحو: {فحدث ألم}، و{الحاكمين اقرأ}، و{حاميةٌ ألهاكم}.
وحجته في الوصل، ما قدمناه من أن القرآن عنده في حكم السورة الواحدة.
و(الجلايا)، جمع جلية.
وهذا التخيير، لما روي عن أهل الأداء فيه.
أما ابن مجاهد فروي عنه الوصل لحمزة لمن ترك التسمية.
وروي عن غير ابن مجاهد أيضًا، للعلة التي قدمتها لحمزة.
وأما السكت، فعليه أكثر أهل الأداء وأجلاء المتصدرين، وهو مروي أيضًا عن ابن مجاهد. ووجهه أنه عوضٌ من الفصل ، لما فيه من الإشعار بالانقضاء والابتداء .
[فتح الوصيد: 2/204]
[102] ولا نص (كـ)لا (حـ)ب وجهٌ ذكرته = وفيها خلافٌ (جـ)يده واضحُ الطلا
يعني أنه لا نص في ذلك عن ابن عامر وأبي عمرو، ولكنه وجه مستحب من الشيوخ، يعني التخيير من غير تحديد. وهذا قول ابن غلبون وقول الحافظ أبي عمرو رحمه الله في مصنفاته وغيرهما.
قال ابن غلبون : «لم يأت عنهما رواية منصوصة بفصل ولا بغير فصل، والمأخوذ في قراءتهما بغير فصل، وبه قرأت».
ونقل أبو طاهر بن أبي هاشم عن أبي عمرو الوصل بينهما كحمزة.
قال: «ولم يأتنا عن ابن عامر في هذا شيء».
وقد ذكر المهدوي وغيره عن أبي عمرو الفصل بالتسمية والوصل مثل حمزة، والسكت.
يقال: حبت وأحببت.
قال الشاعر :
وأقسم لولا تمره ما حببته.
[فتح الوصيد: 2/205]
والخلاف المشار إليه عن ورش، أن أبا غانم المظفر بن أحمد بن حمدان المقرئ كان يأخذ بالتسمية بين السورتين لورش في جميع القرآن.
وتابعه على ذلك الآخذون عنه، کالأذفوي محمد بن أحمد وغيره.
قال الحافظ أبو عمرو: «وسائر المصريين المحققين على خلاف ذلك، يعني في رواية أبي يعقوب عن ورش. وقد روى غير أبي يعقوب التسمية عن ورش».
وقد نقل ابن غلبون ترك الفصل منصوصًا عن ورش.
و(الطلا)، جمع طلية، وهي صفحة العنق ؛ وهذا مثل للأمر الواضح كما سبق في قوله: (جيدًا مُعمًّا ومخولا).
[فتح الوصيد: 2/206]
[103] وسكتهم المختار دون تنفسٍ = وبعضهم في الأربع الزهر بسملا
[104] لهم دون نص وهو فيهن ساكتٌ = لـ (حمزة) فافهمه وليس مخذلا
إنما اختار أهل الأداء لمن ترك التسمية تقليل السكت من غير تنفس، لأن ذلك يكفي في الإشعار بانقضاء السورة، وفي العَوض من الفصل؛ ولأنه إذا طال السكت ، صار مبتدءً بالسورة ، فتلزمه التسمية.
و(في الأربع الزهر)، يعني في القيامة والمطففين والبلد والهمزة .
قال الحافظ أبو عمرو رحمه الله: «اختلف علينا شيوخنا فيهن، فقرأت على ابن خاقان وابن غلبون بالتسمية بينهن، وحكيا ذلك لي عن قرأهما. وقرأت على أبي الفتح الضرير بترك التسمية كسائر القرآن. وحكى ذلك أيضًا عن قرأته».
[فتح الوصيد: 2/207]
قال أبو عمرو: «وأنا لا آمر بذلك ولا أنهى عنه، وإنما ذلك استحباب من الشيوخ ، لئلا يأتوا بعد (المغفرة) بـ (لا)، وبعد اسم الله تعالى بأول المطففين».
والذي ذكره من ذلك لازم مع التسمية.
(وليس مخذلا)، يعني هذا المذهب.
واختار ابن غلبون أيضًا لجميع القراء وصل براءة بالأنفال ، ولمن لم يبسمل وصل {الذين كفروا} بالأحقاف، و {الرحمن} بآخر اقتربت الساعة والحديد بأخر الواقعة، وسورة قريش بأخر الفيل.
[105] ومهما تصلها أو بدأت براعةً = لتنزيلها بالسيف لست مبسملا
لا خلاف بين أئمة أهل القرآن في ترك التسمية أول براءة ، سواءٌ
[فتح الوصيد: 2/208]
ابتدأها القارئ أو قرأها بعد الأنفال.
واختلف في سبب ذلك، فقيل: لأنهم لم يتيقنوا أنهما سورتان.
وقد سأل ابن عباس عثمان رضي الله عنهما عن ذلك فقال: «كانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وبراءة من آخر القرآن، فكانت قصتها شبيهة بقصتها، وقُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، وظننت أنها منها؛ فمن ثم قرئت بينهما، ولم أكتب بينهما سطر : بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتها في السبع الطوال».
وقيل -وهو الأقوى-: إنما لم يفعل ذلك ، لأنها نزلت بالسيف كما رُوي عن ابن عباس قال: «سألت عليا رضي الله عنه: لِمَ لَمْ يكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم ؟ فقال : لأن بسم الله الرحمن الرحيم أمان ، وبراءة ليس فيها أمان ، نزلت بالسيف».
وقال محمد بن يزيد المبرد في ذلك: «بسم الله عِدةٌ برحمة، وبراءة أنزلت على سخط وعلى التهديد والوعيد، فكيف يعدهم بأنه رحمان رحيم، ثم يتبرأ منهم ؟».
[فتح الوصيد: 2/209]
قلت: ولو كان كما قيل أولًا، لكان القارئ إذا ابتدأها مخيرًا في التسمية، كسائر الأجزاء.
على أن لقائلٍ أن يقول: الفرق بينها وبين الأجزاء، أن الأجزاء إذا بسمل فيها، لما يوهم ذلك ما يوهم في براءة إذا بسمل في أولها من أنها أول سورة ، فترك هذا الوهم البسملة في أولها، بخلاف سائر الأجزاء.
وقوله: (ومهما تصلها)، إضمارٌ على شريطة التفسير، وليس (براءة) بمفعول (بدأت)، وإنما هو بدلٌ من الضمير؛ والتقدير : ومهما تصلها أو بدأتها براءةً، وقد قال الله تعالى : {فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم}، وهو إضمارٌ على شريطة التفسير؛ لأن قوله: {قال أنتم شر مكانًا}، بدل منه.
[106] ولابد منها في ابتدائك سورةً = سواها وفي الأجزاء خير من تلا
إن قال قائلٌ: قد أهمل صاحب القصيد ذكر اتفاقهم على التسمية أول الفاتحة، قلت: لم يُهمله، وهو مذكور في قوله:
ولا بد منها في ابتدائك سورةً = سواها...
فقد بين أنه لا بد من التسمية مهما ابتدأت سورة.
وأنت عند قراءة الفاتحة لا تكون إلا مبتدئا بها على كل حال.
وإنما اتفقوا عليها في ابتداء كل سورةٍ لما في الحديث: «إن جبريل عليه السلام
[فتح الوصيد: 2/210]
نزل بكل سورة مفتتحًا بالتسمية».
وقد روى أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أُنزلت علي أنفًا سورة ، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم : {إنا أعطيناك الكوثر ...} حتى ختمها».
وأما الأجزاء كقوله : {واذكروا الله} و{تلك الرسل} وشبه ذلك، فقد خيروا القارئ في ذلك.
قال الحافظ أبو عمرو رحمه الله: «وفي التسمية أثر مروي عن أهل المدينة، قال أبو القاسم المسيبي: كنا إذا افتتحنا الآية على مشايخنا من بعض السور نبدأ : بسم الله الرحمن الرحيم».
وروي نحوه عن حمزة.
قال عاصم بن يزيد الأصبهاني: «سئل حمزة عن أصحاب محمد عليه السلام فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم {تلك أمة قد خلت} ... الآية»..
وروي عن ابن عباس أنه كان يفتتح القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم.
[فتح الوصيد: 2/211]
وهو عام في ابتداء السور وأبعاضها.
فكان شيخنا رحمه الله يأمر بالتسمية في النساء إذا استعاذ القارئ وابتدأ {الله لا إله إلا هو ليجمعنكم ..} وفي حم السجدة إذا قرأ بعد الاستعاذة : {إليه يرد علم الساعة}.
[107] ومهما تصلها مع أواخر سورةٍ = فلا تقفن الدهر فيها فتثقلا
اختار الأئمة لمن يفصل بالتسمية أن يقف القارئ على أواخر السور، ثم يبتدئ بالتسمية موصولة بأول السورة، ولا يقطع على التسمية ألبتة إذا وصلها بآخر سورة؛ لأن التسمية للمستأنفة لا للسالفة، فإذا لم يصلها بآخر سورة جاز أن يسكت عليها.
والأول أولى لما ذكرته.
وقوله: (فتثقلا)، منصوبٌ على الجواب بالفاء).[فتح الوصيد: 2/212]
- قال محمد بن أحمد الموصلي (شعلة) (ت: 656هـ): ( [2] باب البسملة:
[100] وبسمل بين السورتين بسنةٍ = رجالٌ نموها درية وتحملا
ب: (بسمل): قال: بسم الله، كـ (حوقل): إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، و(هلل): إذا قال: لا إله إلا الله، و(حسبل): إذا قال: حسبنا الله، و (السورة): ما يسور، وسميتُ سورة لأنها سورت بالبسملة، أو تميزت عما بعدها وما قبلها، و(السنة) لغةً -: الطريقة، واصطلاحًا: قول النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله أو تقريره، (نموها): أي رفعوها وأسندوها إلى الصحابة رضي الله عنه.
ح: (رجالٌ): فاعل (بسمل)، و(بسنة): حال من (رجل) مقدم عليه، (نموها): صفة (رجال)، والضمير: للبسملة أو للسنة، (درية وتحملا): مصدران بمعنى الحال: أي: ذوي درية وتحمل.
ص: أي: تلفظ بـ (بسم الله) وفصل بها بين كل سورتين: قالون والكسائي وعاصم وابن كثير، المرموز عنهم بالباء والراء والنون والدال، وترك الباقون البسملة، لأن (بسمل) من قبيل الإثبات الدال
[كنز المعاني: 1/337]
على حذف الباقين.
أما دليل المبسملين: فرسم الصحابة إياها في المصاحف، وما روي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه: بسم الله الرحمن الرحيم علم أن تلك السورة قد ختمت»، وغير ذلك، ولهذا قال: (بسنةٍ): أي: آخذين بسنةٍ متمسكين بها.
ودليل التاركين: ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (كنا نكتب: (باسمك اللهم)، فلما نزلت: {بسم الله مجراها} [هود: 41] كتبنا: {بسم الله}، فلما نزلت: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} [الإسراء: 110] كتبنا:
[كنز المعاني: 1/338]
{بسم الله الرحمن}، فلما نزلت: {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} [النمل: 30] كتبناها).
ثم المبسملون: بعضهم عدها آية من كل سورة سوى براءة -، وهم: غير قالون، وعدَّها حمزة من التاركين آية من الفاتحة فقط،
[كنز المعاني: 1/339]
ولا شبهة عند الكل في سورة النمل أنها آية.
وقوله: (رجالٌ) مدحٌ لهم بكمال الرجولية، أي: بسمل رجالٌ أسندوا البسملة إلى الصحابة رضي الله عنه جامعين بين الدراية والرواية.
[101] ووصلك بين السورتين فصاحةٌ = وصل واستكن كل جلاياه حصلا
ب: (الوصل): ضد الوقف في القراءة، وهو: أن يصل القارئ آخر كل سورة بأول أخرى، و(الفصاحة): خلوص الكلام من التعقيد من: فصح الرغوة: إذا خلصت، و(السكت): من السكوت، وههنا: أن لا يصل، وينقص التوقف عن مرتبة الوقف، و(الجلايا): جمع الجلية، وهي: الظاهر البين.
ح: (وصلك): مبتدأ، (بين السورتين): ظرفٌ له أو مفعول به، (فصاحة): خبره، الواو في (واستكن): بمعنى (أو) للتخيير بين الأمرين،
[كنز المعاني: 1/340]
لأن الجمع بينهما محال، والنون: للتوكيد لدلالة رجحان السكت، (جلاياه): مفعول (حصلا)، والضمير: للتخيير المدلول عليه، أو لـ (كل)، بمعنى: كل حصل جلايا ما ذهب إليه وصوبه.
ص: أي: وصل حمزة المرموز له بالفاء بين كل سورتين؛ لأن كل القرآن عنده كسورةٍ واحدةٍ، ووصفه بالفصاحة لبيان الإعراب، وخير بين الوصل والسكت: ابن عامر وورش وأبو عمرو المرموز لهم بالكاف
[كنز المعاني: 1/341]
والجيم والحاء من الذين لم يبسملوا في كل سورة.
[102] ولا نص كل حب وجهٌ ذكرته = وفيها خلافٌ جيده واضحُ الطلا
ب: (كلا) حرف الردع، (حببتُ الشيء): أحببته، (الجيد): العنق، (الواضح): الظاهر، (الطلا): جمع الطلية، وهي صفحة العنق.
ح: (نص): اسم (لا)، خبرها: محذوف، أي: لا نص في التخيير، (حب): فعل مجهول، فاعله، (وجه)، و(ذكرته): صفة الوجه، (خلافٌ): مبتدأ، خبره: (فيها)، والضمير: راجع إلى البسملة، (جيده): مبتدأ ثان، (واضح الطلا): خبره، والجملة: صفة المبتدأ الأول، والإضافة إلى (الطلا) لفظية، وجمع (الطلا) مع أن لكل عنق صفحتين لعدم الالتباس، أو لأن أقل الجمع اثنان، أن يكون (الطلا) نفس الأعناق، فيكون المعنى: جيده واضحٌ من بين الأعناق، كناية عن الشهرة والظهور.
ص: أي: لا نص في تخيير الوصل والسكت عن ابن عامر وأبي عمرو، بل هو اختيارٌ من الشيوخ لهم، وهو معنى: (حب وجهٌ ذكرته)، وهو قول ابن غلبون
[كنز المعاني: 1/342]
والحافظ أبي عمرو.
وفي البسملة خلافٌ عن ورش، جيدُ ذلك الخلاف واضح الصفحات، أي ظاهر بين، لأن بعضهم نقل الفصل بالبسملة عنه، وبعضهم نقل الوصل.
[103] وسكتهم المختار دون تنفسٍ = وبعضهم في الأربع الزهر بسملا
ب: (الزهر): جمع (الزهراء)، تأنيث (الأزهر)، وهو: النير المضيء، و(الأربع الزهر): سورة القيامة والمطففين والبلد والهمزة.
[كنز المعاني: 1/343]
ح: (المختار): خبر (سكتهم)، وضميرهم: يرجع إلى الثلاثة المخيرين بين الوصل والسكت، (دون تنفس): حال من ضمير (المختار)، و(بعضهم): مبتدأ، (بسملا): خبره، و(في الأربع الزهر): ظرف الخبر، والضمير: يرجع إلى القراء لجري ذكرهم معنًى.
ص: أي: السكت هو المختار على الوصل حال كون السكت أقل من قدر التنفس، لأن ذلك يكفي في الإشعار بانقضاء السورة، وإنما كان مختارًا للإشعار بانقضاء السورة.
وبعض القراء في السور الأربع يبسملون لئلا يصلوا أواخر ما قبلهن بهن، فلا يحسن، كما إذا قلت: {أهل التقوى وأهل المغفرة، لا أقسم} [المدثر: 56، القيامة: 1]، فلا يحسن في السمع، ولم يبين السور الأربع لشهرتهن، وأشار إلى الشهرة بالزهر.
[104] لهم دون نص وهو فيهن ساكتٌ = لحمزة فافهمه وليس مخذلا
[كنز المعاني: 1/344]
ب: (ساكت): آتٍ بالسكت، (الفهم): الإدراك، (المخذل): الذي ترك نصره.
ح: (لهم) متعلق بـ (بسملا)، والضمير: لتاركي البسملة، وضمير (هو): مبتدأ يرجع إلى البعض المذكور، (لحمزة): متعلق بـ (ساكت)، أي: البعض ساكت تابعًا لحمزة، واسم (ليس): ضمير يرجع إلى البعض، أو إلى السكت، أو إلى المذهب.
ص: أي: بسمل بعضهم في الأربع الزهر تابعين لابن عامر وأبي عمرو وورش من غير نص عنهم في ذلك، والبعض الذي بسملوا في الأربع الزهر اكتفوا بالسكت فيهن لحمزة، لأن مذهبه الوصل ويحصل دفع الوهم المذكور بالسكت، فافهم ذلك المذهب، وليس ذلك المذهب متروكًا نصره، أي: مؤيد قوي.
105- ومهما تصلها أو بدأت براءة = لتنزيلها بالسيف لست مبسملا
ب: (براءة): اسم السورة، سميت بها لأن في أولها لفظ {براءة} [التوبة: 1].
[كنز المعاني: 1/345]
ح: (مهما): كلمة الشرط، وقد مر بحثه في أصله، ضمير (تصلها): راجع إلى (براءة)، و (براءة): مفعول (بدأت)، أي: بدأت ببراءة، أي: ابتدأت بها، ومعنى (بدأه): فعله ابتداء لقوله تعالى: {الله يبدؤا الخلق} [يونس: 34]، والمصراع من باب تنازع الفعلين، وإعمال الثاني، لكن الأحسن حذف الضمير من تصلها، كقوله تعالى: {ءاتوني أفرغ عليه قطرًا} [الكهف: 96]، ويجوز أن تكون (براءة): بدلًا من الضمير في (تصلها)، (بالسيف): حال، أي: لتنزيل براءة ملتبسةً بالسيف.
ص: يعني: مهما تفتتح القراءة ببراءة أو تصلها بالقراءة قبلها لم تبسمل عند كل القراء، سواءٌ بسمل في غيرها أم لم يبسمل. وعلل ترك البسملة: بأن تلك السورة نزلت أمرًا بالحرب ونبذ العهد، وفيها آية السيف، والبسملة آية أمان، فلم تناسبها، كما روي هذا المعنى عن علي رضي الله عنه، أو
[كنز المعاني: 1/346]
لأن البسملة نزلت مع كل سورة سواها، أو لأنها مع الأنفال سورة واحدة.
[106] ولابد مها في ابتدائك سورة = سواها وفي الأجزاء خير من تلا
ب: (خيرت فلانًا في أمر فلان): إذا جعلته ذا اختيارٍ فيه فعلًا وتركًا، (تلا): من التلاوة بمعنى القراءة.
ح: الضمير في (منها): يرجع إلى البسملة، وفي (سواها): إلى براءة، و(سورة): نكرة لا في سياق النفي، لكن المراد منها العموم بدليل الاستثناء، (في الأجزاء): ظرف (خير)، أي: في ابتداء الأجزاء، (من تلا): مفعول أقيم مقام الفاعل، على تقدير كون (خيرٌ) مجهولًا، أو فاعل على تقدير كونه معروفًا.
ص: أي: لابد من البسملة إذا ابتدأت بسورةٍ من سائر السور إلا سورة براءة، سواء في ذلك من بسمل ومن لم يبسمل، لكتابتها في المصاحف، وحملهم إياها على ألف الوصل تسقط في الدرج وتثبت في الابتداء.
[كنز المعاني: 1/347]
وفي الفاتحة سواء ابتدأت بها أو وصلت لابد من البسملة، لأنها لا تكون إلا مبتدأ، وإن قرئت عند ختم القرآن، لأن المقصود ابتداء ختمة أخرى.
وخُيِّر القارئ عند كل القراء إذا ابتدأ بالأجزاء أو الأعشار أو الأحزاب.
[كنز المعاني: 1/348]
أما وجه التسمية: فللابتداء، ووجه الترك: فلأن موضعها أوائل السور، ولذلك لم تكتب في المصاحف.
[107] ومهما تصلح مع أواخر سورة = فلا تقفن الدهر فيلها فتثقلا
ب: (لا تقفن): لا تأت بالوقف، (فتثقلا): أي: تصير مستثقلا، (أواخر): جمع في معنى المفرد، أو (السورة) مفرد في معنى الجمع.
ح: (فلا تقفن): جزاء الشرط، و(الدهر): نصب على الظرف، وضمير (فيها): راجع إلى البسملة، و (في): بمعنى (على)، نحو: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} [طه: 71]، (فتُثقلا): نصب على جواب النهي بتقدير (أن).
ص: يقول: مهما وصلت البسملة بآخر سورة من السور فلا تقف على البسملة أو لا تقطعها عن السورة الأخرى، لأن البسملة للافتتاح لا للاختتام، فتصير مستثقلًا عند أئمة القراءة لأجل ذلك الوقف، فإذا ابتدأ القارئ يصلها بأول السورة.
واعلم أن للبسملة باعتبار الوصل والقطع أربعة أحوال:
[1] وصلها أولًا وآخرًا.
[كنز المعاني: 1/349]
[2] وقطعها أولًا وآخرًا، وهما متوسطان.
[3] الوصل أولًا فقط، وهو مكروه، وعند صاحب التيسير غير جائز.
[4] والوصل آخرًا، وهو مستحب). [كنز المعاني: 1/350]
- قال أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي (ت: 665هـ): (باب: البسملة
البسملة، مصدر بسمل؛ إذا قال: "بسم الله" وهي لغة مولدة، ومثلها: هلل؛ إذا قال: "لا إله إلا الله" وحمدل؛ إذا قال: "الحمد لله"، وحسبل؛ إذا قال: "حسبي الله"، وحوقل وحواق؛ إذا قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله" وحيعل؛ إذا قال: "حي على الصلاة" أريد الاختصار، فعبر بكلمة واحدة عن كلمتين أو أكثر، سبك لفظ تلك الكلمة منها، ومنه ما فعلوا في النسب من عبقسي وعبشمي وعبدري وحضرمي: ثم البسملة مستحبة عند ابتداء كل أمر مباح أو مأمور به، وهي من القرآن العظيم من قصة سليمان عليه السلام في سورة النمل.
وأما في أوائل السور، ففيها اختلاف للعلماء قرائهم وفقهائهم قديما وحديثا في كل موضع رمست فيه من المصحف. والمختار أنها في تلك المواضع كلها من القرآن، فيلزم من ذلك قراءتها في مواضعها، ولها حكم غيرها من الجهر والإسرار في الصلاة وغيرها.
وقد أفردت لتقرير ذلك كتابا مبسوطا مستقلا بنفسه، ثم اختصرته في جزء لطيف بعون الله عز وجل.
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/226]
100-
وَبَسْمَلَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ "بِـ"سُنَّةٍ،.. "رِ"جَالٌ "نَـ"ـمَوْهاَ "دِ"رْيَةً وَتَحَمُّلاَ
البسملة تقع في قراءة القراء في ثلاثة مواضع، إذا ابتدءوا سورة أو جزءا وسيأتي الكلام فيهما، والثالث بين كل سورتين فابتدأ ببيانه لأن الاختلاف فيه أكثر والحاجة إلى معرفته أمسّ وفاعل بسمل قوله: رجال، وبسنة حال مقدمة أي آخذين أو متمسكين بسنة وهي كتابة الصحابة -رضي الله عنهم- لها في المصحف الكريم.
وما روي من الآثار في ذلك أو تكون نعت مصدر محذوف أي بسملة ملتبسة بسنة منقولة ونموها أي نقلوها ورفعوها وأسندوها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- والضمير للبسملة أو للسنة والجملة صفة لرجال أو للسنة، ودرية وتحملا مصدران في موضع الحال من فاعل نموها أي ذوي درية وتحمل أي دارين متحملين لها أي جامعين بين الدرية والرواية، والمبسملون من القراء هم الذين رمز لهم في هذا البيت من قوله بسنة رجال نموها درية.
وعلم من ذلك أن الباقين لا يبسملون؛ لأن هذا من قبيل الإثبات والحذف.
قال أبو طاهر بن أبي هاشم صاحب ابن مجاهد: أولى القولين
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/227]
بالصواب عندي الفصل بين السورتين بالبسملة؛ لاتباع المصحف، وللحديث الذي يروي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: اقرءوا ما في المصحف، ثم ذكر قول ابن عمر: فلم كُتِبت في المصحف إن لم تقرأ؟ قال أبو طاهر: ألا ترى أن ترك قراءتها كان عند ابن عمر كترك قراءة غيرها مما هو مرسوم في المصحف من سائر آي القرآن؛ إذ كان رسمها في الخط كرسم ما بعدها لا فرق بينهما، قال: وقد أجمع مع ذلك من أئمة القراءة بالأمصار على الجهر بها بين السورتين أهل الحرمين وعاصم والكسائي وأهل الشام.
101-
وَوَصْلُكَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ "فَـ"ـصَاحَةٌ،.. وَصِلْ وَاسْكُتَنْ "كُـ"ـلٌّ "جَـ"ـلاَيَاهُ "حَـ"ـصَّلاَ
بين في صدر هذا البيت قراءة حمزة -رضي الله عنه- ورمز له بقوله: فصاحة وبين في عجز البيت قراءة ابن عامر وورش وأبي عمرو، ورمز لهم بقوله: كل جلاياه حصلا، وبين السورتين ظرف للوصل أو مفعول به وفصاحة خبره، وإنما كان فصاحة؛ لأنه يستلزم بيان إعراب أواخر السور ومعرفة أحكام ما يكسر منها وما يحذف؛ لالتقاء الساكنين كآخر المائدة والنجم وبيان همزة القطع والوصل كأول القارعة، و{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}.
وما يسكت عليه في مذهب خلف كآخر "والضحى" فكل ذلك لا يحكمه ويتقنه إلا من عرف كيف يصله وسكوت خلف لا يخرجه عن كونه وصلا فإنه لا يفعل ذلك إلا في الوصل كما سيأتي شرحه في قوله: روى خلف في الوصل،..
وقد نقل أبو علي الأهوازي عن حمزة أنه قال: إنما فعلت ذلك؛ ليعرف القارئ كيف إعراب أواخر السور أي: ووصلك بين السورتين بعد إسقاط البسملة يستلزم فصاحة ثم بين قراءة غير حمزة ممن لم يبسمل فقال وصل واستكن وهذا على التخيير وإلا فالجمع بينهما محال إلا في حالتين أي
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/228]
صل إن شئت كما سبق لحمزة واسكت على آخر السورة إن شئت، وبهذا التقدير دخل الكلام معنى التخيير وإلا فالواو ليست بموضوعة له وقد قيل إنها قد تأتي للتخيير مجازًا والنون في واسكتن للتوكيد ولعله قصد بذلك أن السكوت لهم أرجح من الوصل، وقال صاحب التيسير على اختيار ذلك لهم، وقال الشيخ رحمة الله عليه: أكثر أهل الأداء لما فيه من الفصل، وقد روي السكت أيضا عن حمزة، وجلاياه جمع جلية وهو مفعول حصل، والهاء في جلاياه تعود على التخيير أي كل من أهل الأداء استوضح التخيير، ورآه صوابا أو تعود على كل؛ أي كل من القراء حصل جلايا ما ذهب إليه وصوبه والله أعلم.
102-
وَلاَ نَصَّ كَلاَّ حُبَّ وجْهٍ ذَكَرْتُهُ،.. وَفِيهاَ خِلاَفٌ جِيدُهُ وَاضِحُ الطُّلا
أي لم يرد بذلك نص عن هؤلاء بوصل ولا سكوت وإنما التخيير بينهما لهم اختيار من المشايخ واستحباب منهم، وهذا معنى قوله: "حب وجه ذكرته"، وكلا حرف ردع وزجر كأنه منع من اعتقاد النصوصية عن أحد منهم على ذلك، ثم قال: "وفيها" أي في البسملة خلاف عنهم جيد ذلك الخلاف واضح، الطلا: أي أنه مشهور معروف عند العلماء والجيد: العنق، والطلا جمع طلاة أو طلية والطلية صفحة العنق وله طليتان فجاء بالجمع في موضع التثنية لعدم الإلباس كقولهم: عريض الحواجب وطويل الشوارب، وقيل الطلا الأعناق أنفسها فكأنه قال عنق هذا
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/229]
الخلاف واضح الأعناق أي هو الواضح من بينها، وإنما تتضح الأعناق إذا كانت مرتفعة وارتفاع الأعناق والرءوس يكنى به عن ارتفاع المنزلة وعلو المرتبة، ومنه الحديث الصحيح: "المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة".
فحاصل ما في هذا البيت أن الخلاف في البسملة مروي عن ابن عامر وورش وأبي عمرو بل أكثر المصنفين لم يذكروا عن ابن عامر إلا البسملة، وقد ذكرنا عبارة المصنفين عنهم في ذلك في الشرح الكبير، فإذا قلنا لا يبسملون فهل يصلون كحمزة أو يسكتون لم يأت عنهم نص في ذلك، وذكر
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/230]
الشيوخ الوجهين لهم استحبابا، وقد بسطنا الكلام في ذلك بسطا شافيا ولم نجعل في هذا البيت رمزا لأحد كما ذكر غيرنا فإنا إذا قلنا إن كلا حب رمز ابن عامر وأبي عمرو لزم من مفهوم ذلك أن يكون ورش عنه نص في التخيير، وليس كذلك بل لم يرد عنه نص في ذلك، وإن قلنا: إن جيده رمز ورش لزم أن يكون ابن عامر وأبو عمرو لم يرد عنهما خلاف في البسملة، وهو خلاف المنقول، فلهذا قلنا لا رمز في البيت أصلا والله أعلم.
103-
وسَكْتُهُمُ المُخْتَارُ دُونَ تَنَفُّسٍ،.. وَبَعْضُهُمُ فِي الأَرْبِعِ الزُّهْرِ بَسْمَلا
السكت والسكوت واحد كلاهما مصدر سكت والضمير في سكتهم
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/231]
يعود على الثلاثة المخير لهم بين الوصل والسكت أي السكت المنسوب إليهم المختار فيه أن يكون دون تنفس فالمختار على هذا يكون مبتدأ ثانيا ويجوز أن يكون صفة السكت، ويجوز أن يكون خبره كأنه لما خير أولا بين الوصل والسكت أردفه بأن السكت هو المختار على ما أشرنا إليه في قوله: واسكتن، وقوله بعد ذلك: دون تنفس خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف أو حال من ضمير المختار، والإشارة بقولهم: "دون تنفس" إلى عدم الإطالة المؤذنة بالإعراض عن القراءة وإلا فلأواخر السور حكم الوقف على أواخر الآيات وفي أثنائها من الوقوف التامة والكافية فما ساغ ثم من السكوت فهو سائغ هنا وأكثر والله أعلم.
ثم قال: وبعضهم؛ أي: وبعض المشايخ من المقرئين الذين استحبوا التخيير بين الوصل والسكوت واختاروا في السكوت أن يكون دون تنفس اختاروا أيضا البسملة لهؤلاء الثلاثة في أوائل أربع سور هي القيامة والمطففين والبلد والهمزة دون سائر السور، قالوا: لأنهم استقبحوا وصلها بآخر السور قبلها من غير تسمية، وقوله: الزهر جمع زهراء تأنيث أزهر أي المضيئة المنيرة كنى بذلك عن شهرتها ووضوحها بين أهل هذا الشأن فلم يحتج إلى تعيينها.
104-
لَهُمْ دُونَ نَصٍّ وَهْوَ فِيهِنَّ سَاكِتٌ،.. لِحَمْزَةَ فَافهَمْهُ وَلَيْسَ مُخَذَّلا
لهم: أي لابن عامر وورش وأبي عمرو، "دون نص" أي من غير نص، وقد استعمل -رحمه الله- لفظ دون بمعنى غير كثيرا كقوله: ومن دون وصل ضمها، "وسلطانية" من دون هاء، ولفظ غير مؤات له في المواضع كلها، قال صاحب التيسير: وليس في ذلك أثر عنهم، وإنما هو استحباب من
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/232]
الشيوخ، ثم قال: وهو فيهن أي: وذلك البعض يسكت في هذه المواضع الأربعة لحمزة؛ لأن حمزة مذهبه الوصل فاكتفى له هنا بالسكت ثم قال فافهمه أي افهم هذا المذهب المذكور وليس مخذلا يقال خذله إذا ترك عونه ونصرته خذلانا وخذل عنه أصحابه تخذيلا أي حملهم على خذلانه فالتقدير وليس مخذلا عنه أصحابه ويجوز أن يكون اسم ليس عائدا على البعض في قوله: "وبعضهم" كأن التقدير، وليس ذلك القائل مخذلا عن نصرة هذا المذهب بل قد انتصب له من ساعده ونصره وأعانه، وإني أقول لا حاجة إلى تكلف التسمية لأجل المعنى المذكور بل السكوت كافٍ للجميع كما يكتفي به لحمزة وكما يكتفي به بين الآيات الموهم اتصالها أكثر مما في هذه الأربعة أو مثلها مثل: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} بعد قوله: {أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ}، وقوله: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ} بعد قوله: {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}.
ويمكن حمل قول الشاطبي -رحمه الله- وليس مخذلا على السكوت المفهوم من قوله: وهو فيهن ساكت أي ليس هذا السكوت مخذلا بل هو مختار لحمزة وغيره، ولقد أعجبني قول أبي الحسن الحصري رحمه الله:
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/233]
ولم أقر بين السورتين مبسملا،.. لورش سوى ما جاءَ في الأربع الغر
وحجتهم فيهن عندي ضعيفة،.. ولكن يقرون الرواية بالنصر
قال: من شرح هذا لو قال: يقرون المقالة موضع قوله: الرواية لكان أجود؛ إذ لا رواية عنهم بذلك قد أشبعت الكلام في هذا في الشرح الكبير.
105-
وَمَهْمَا تَصِلْهَا أَوْ بَدَأْتَ بَرَاءَةً،.. لِتَنْزِيلِهاَ بالسَّيْفِ لَسْتَ مُبَسْمِلا
قد سبق الكلام في مهما وأن فيها معنى الشرط فتدخل الفاء في جوابها كقوله فيما مضى: فكن عند شرطي،.. وفيما يأتي: "فلا تقفن الدهر،.. " وهي محذوفة في هذا البيت لضرورة الشعر، والتقدير فلست مبسملا وقيل إنما تدخل الفاء؛ لأنه خبر بمعنى النهي وهو فاسد؛ فإن الفاء لازمة في النهي فكيف الخبر الذي بمعناه، وقوله: تصلها الضمير فيه لبراءة أضمر قبل الذكر على شريطة التفسير، وبراءة مفعول بدأت، والقاعدة تقتضي حذف المفعول من الأول فلا حاجة إلى إضماره كقوله تعالى: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا}.
وقيل: براءة بدل من الضمير في تصلها بمعنى أن سورة براءة لا بسملة في أولها سواء ابتدأ بها القارئ أو وصلها بالأنفال لأن البسملة لم ترسم في أولها بخلاف غيرها من السور.
ثم بين الحكمة التي لأجلها لم تشرع في أولها البسملة فقال: "لتنزيلها بالسيف" أي ملتبسة بالسيف كنى بذلك عما اشتملت عليه السورة من
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/234]
الأمر بالقتل والأخذ والحصر ونبذ العهد، وفيها الآية التي يسميها المفسرون آية السيف، وهذا التعليل يروى عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وعن غيره، قال القاضي أبو بكر ابن الباقلاني: وعليه الجمهور من أهل العلم، وقد زدت في الشرح الكبير هذا المعنى بسطا وتقريرا، وذكرت وجوها أخر في التعليل، ونقل الأهوازي أن بعضهم بسمل في أول براءة.
106-
وَلاَ بُدَّ مِنْهاَ في ابْتِدَائِكَ سُورَةً،.. سِوَاهاَ وَفي الأَجْزَاءِ خُيِّرَ مَنْ تَلا
الضمير في منها للبسملة وفي سواها لبراءة، وسورة منصوب على إسقاط الخافض أي بسورة، وكذا قوله: "أبو بدأت براءة" أي براءة يقال بدأت بالشيء أي ابتدأت به، وأما بدأت الشيء من غير باء فمعناه فعلته ابتداء ومنه: "بدأ اللَّه الخلق".
وسورة نكرة في كلام موجب فلا عموم لها إلا من جهة المعنى، فكأنه قال: مهما ابتدأت سورة سوى براءة فبسمل، ولو قال:
ولا بد منها في ابتدا كل سورة ... سواها .....................
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/235]
لزال هذا الإشكال.
ومعنى البيت: أن القراء كلهم اتفقوا في إبتداء السور على البسملة سواء في ذلك من بسمل منهم بين السورتين ومن لم يبسمل، ووجهه أنهم حملوا كتابة ما في المصحف على ذلك كما تكتب همزات الوصل وهي ساقطة في الدرج.
قال بعض العلماء: ولا خلاف بين القراء في البسملة أول فاتحة الكتاب سواء وصلها القارئ بسورة أخرى قبلها أو ابتدأ بها، ولم يذكر ذلك في القصيدة اعتمادا على أن الفاتحة في غالب الأحوال لا يكون القارئ لها إلا مبتدئا، ثم قال: وفي الأجزاء أي وفي ابتداء الأجزاء والأحزاب والأعشار وغير ذلك، ويجمع ذلك أن تقول: كل آية يبتدأ بها غير أوائل السور خير المشايخ فيه فسوغوا البسملة فيه؛ لأنه موضع ابتداء في الجملة كما يسمى في ابتداء الوضوء والأكل والشرب ومن تلا فاعل خير وتلا بمعنى قرأ كنى بذلك عن أهل الأداء ولو كان خُير بضم الخاء وكسر الياء لكان حسنا أي خير التالي وهو القارئ في ذلك والله أعلم.
107-
وَمَهْمَا تَصِلْهَا مَعْ أَوَاخِرِ سُورَةٍ،.. فَلاَ تَقِفَنَّ -الدَّهْرَ- فِيهاَ فَتَثْقُلا
الضمير في تصلها وفيها للبسملة وأواخر جمع في موضع مفرد أي بآخر سورة أي بالكلمات الأواخر أو نقول سورة لفظ مفرد في موضع جمع؛ لأنه ليس المراد سورة واحدة بل جميع السور فكأنه قال مع أواخر السور، والدهر نصب على الظرفية وفيها بمعنى عليها كما قيل ذلك في قوله تعالى: {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}.
أي عليها، "ولا تقفن" نهي نصب
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/236]
في جوابه فتثقلا بإضمار أن بعد الفاء، ومعنى فتثقل أي يستثقل ويتبرم بك؛ لأن البسملة لأوائل السور لا لأواخرها فإن ابتليت بوصلها بالآخر فتمم الوصل بأول السورة الأخرى فتتصل بهما كما تتصل سائر الآيات بما قبلها وما بعدها، ولك أن تقطعها من الآخر والأول وتلفظ بها وحدها، والأولى قطعها من الآخر ووصلها بالأول فهذه أربعة أوجه الأول مكروه والآخر مستحب، وما بينهما وجهان متوسطان وهما وصل البسملة بهما وقطعها عنهما، ويتعلق بالوصل والقطع أحكام ذكرناها في الكبير، قال صاحب التيسير: والقطع عليها إذا وصلت بأواخر السور غير جائز والله أعلم). [إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/237]
- قال عبد الفتاح بن عبد الغني بن محمد القاضي (ت: 1403هـ): (باب البسملة
البسملة: مصدر مولد بسمل إذا قال: بِسْمِ اللَّهِ*، نحو هيلل إذا قال: لا إله إلا الله، وحمدل إذا قال: الحمد لله، وحسبل إذا قال: حسبي الله، وحيعل إذا قال: حي على الصلاة، وحوقل إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
100 - بسمل بين السّورتين بسنّة ... رجال نموها درية وتحمّلا
101 - ووصلك بين السّورتين فصاحة ... وصل واسكتا كلّ جلاياه حصّلا
اللغة: (السنة) لغة: الطريقة. واصطلاحا: قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم أو فعله أو تقريره أو وصفه.
ومعنى (نموها) رفعوها ونقلوها. و(الدرية): الدراية والعلم والمعرفة. و(التحمل): النقل عن الغير. و(درية وتحملا): مصدران في موضع الحال من فاعل (نموها): أي نقلوها حال كونهم ذوي معرفة ودراية وتحمل. و(الجلايا): جمع جلية من جلا الأمر إذا انكشف وظهر.
والمعنى: أن المشار إليهم بالباء، والراء، والنون، والدال، وهم: قالون، والكسائي، وعاصم، وابن كثير؛ قرءوا بإثبات البسملة بين كل سورتين حال كونهم متمسكين في ذلك بسنة نقولها وأسندوها إلى النبي صلّى الله عليه وسلم، وحال كونهم ذوي علم ومعرفة ونقل عن الغير؛ أي جامعين بين الدراية والرواية. والمراد بالسنة التي نقولها: ما ثبت في الأحاديث الصحيحة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان لا يعلم انقضاء السورة حتى تنزل عليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* وكتابة الصحابة لها في المصاحف العثمانية. وقوله: ووصلك بين السورتين فصاحة، معناه أن المشار إليه بالفاء وهو حمزة قرأ
[الوافي: 45]
بوصل آخر السورة بأول التالية من غير بسملة بينهما، وفي قوله: فصاحة؛ إشارة إلى حكمة هذا الوصل، وهي أن فيه بيان إعراب آخر السورة كآخر التوبة مع أول يونس، وبيان همزة الوصل كآخر العاديات مع أول القارعة. وهمزة القطع كآخر القارعة مع أول أَلْهاكُمُ. وسكت خلف على مثل: فَحَدِّثْ آخر والضحى، لا
يخرجه عن كونه وصلا؛ فإنه لا يفعل ذلك إلا في حال الوصل؛ ولأنه في هذه الحال يعتبر واصلا آخر والضحى بأول الشرح من غير بسملة بينهما، والواو في قوله: واسكتن، بمعنى أو خيّر الناظم القارئ بين الوصل والسكت بين كل سورتين لمن رمز لهم بالكاف، والجيم، والحاء وهم: ابن عامر، وورش، وأبو عمرو، فيكون لكل واحد منهم بين كل سورتين وجهان:
الوصل كحمزة، والسكت: بدون بسملة. والسكت هو الوقف على آخر السورة وقفة لطيفة من غير تنفس كسكت حمزة على الهمز.
والمعنى: كل جلاياه حصلا أن كل واحد من القراء الثلاثة: ابن عامر، وورش، وأبي عمرو، حصل جلايا ما ذهب إليه وصوبه، وينبغي أن يعلم أنه لا بدّ من الإتيان بالبسملة لجميع القراء بين آخر سورة الناس وأول سورة الفاتحة. فإن الفاتحة وإن وصلت لفظا فهي مبتدأ بها حكما إذ ليس قبلها شيء حقيقة.
102 - ولا نصّ كلّا حبّ وجه ذكرته ... وفيها خلاف جيده واضح الطّلا
اللغة: (كلا): حرف ردع وزجر. و(الجيد): العنق. و(الواضح): الظاهر.
و (الطلى): جمع طلية وهي صفحة العنق.
والمعنى: لم يرد نص عن ابن عامر، وورش، وأبي عمرو بوصل ولا بسكت، وإنما التخير بين هذين الوجهين لهم اختيار من أهل الأداء، واستحباب من شيوخ الإقراء، وهذا معنى قوله: حب وجه ذكرته، و(كلا) حرف ردع وزجر كما سبق، وكأن الناظم يزجر من يعتقد ورود النص عن أحد منهم بوصل أو سكت، وقوله: وفيها خلاف جيده واضح الطلى، معناه: أن في البسملة خلافا عن هؤلاء الثلاثة مشهورا عند علماء هذه الصناعة.
والخلاصة: أن الخلاف في البسملة وارد عن هؤلاء الثلاثة، فإذا قلنا: إنهم يبسملون وأخذنا لهم بالبسملة فالأمر ظاهر، وإن قلنا: إنهم لا يبسملون فهل
[الوافي: 46]
يصلون كحمزة أو يسكتون، لم يرد عنهم في ذلك نص، فذكر الشيوخ لهم هذين الوجهين استحبابا، وعلى ما تقرر لا يكون في البيت رمز لأحد، وهذا ما عليه المحققون، وهذا الحكم الذي ذكرنا لكل قارئ عام، يجري بين كل سورتين سواء كانت الثانية بعد الأولى مباشرة كآخر البقرة وأول آل عمران، أو لم تكن بعدها مباشرة كآخر يونس مع أول النحل، لكن يشترط أن تكون الثانية بعد الأولى في ترتيب القرآن والتلاوة كما مثلنا، فإن كانت قبلها فيما ذكر كآخر الأنبياء مع أول هود؛ فإنه يتعين الإتيان بالبسملة لجميع القراء، ولا يجوز لواحد منهم الوصل ولا السكت، كذلك لو وصل آخر السورة بأولها، كأن كرر سورة الإخلاص؛ فإن البسملة تكون حينئذ متعينة للجميع.
وأيضا تتعين البسملة لكل القراء لو وصل آخر الناس بأول الفاتحة كما تقدم.
103 - وسكتهم المختار دون تنفّس ... وبعضهم في الأربع الزّهر بسملا
104 - لهم دون نصّ وهو فيهنّ ساكت ... لحمزة فافهّمه وليس مخذّلا
اللغة: و(سكتهم): مبتدأ، و(المختار): خبره، و(دون تنفس) ظرف متعلق بمحذوف خبر بعد خبر، أو حال من ضمير المختار، و(الأربع الزهر): هي السور الآتية: القيامة،
المطففين، البلد، الهمزة. و(الزهر): جمع الزهراء تأنيث الأزهر وهو المنير المشرق، ووصف هذه السور بالزهر كناية عن شهرتها ووضوحها، ولذلك لم يحتج لتعينها. والضمير في (وسكتهم) يعود على القراء الثلاثة المذكورين في البيت قبله وهم: ابن عامر، وورش، وأبو عمرو.
والمعنى: أن السكت الوارد عن هؤلاء هو المختار المقدم على الوصل؛ لأن فيه تنبيها على نهاية السورة. وهذا السكت يكون دون تنفس بأن تقف على آخر السورة وقفة خفيفة دون تنفس، ثم بيّن أن بعض أهل الأداء اختار الفصل بالبسملة بين المدثر والقيامة، وبين الانفطار والتطفيف، وبين الفجر والبلد، وبين العصر والهمزة، لمن ورد عنه السكت في غيرهن، وهم: ورش وأبو عمرو وابن عامر، من غير نص عنهم، وإنما هو استحباب من الشيوخ لهم، واختار السكت بين ما ذكر لمن روي
[الوافي: 47]
عنه الوصل في غيرهن وهم المذكورون وحمزة، فإذا كنت تقرأ لورش، أو أبي عمرو، أو ابن عامر بالسكت بين السور ووصلت للسور المذكورة؛ استحب لك- عند هذا البعض- أن تفصل بينهن بالبسملة. وإن كنت تقرأ لأحدهم أو لحمزة بالوصل بين السور؛ استحب لك- عند هذا البعض- أن تسكت بينهن. وقوله: فافهمه وليس مخذلا، معناه: فافهم هذا المذهب الذي يفرق بين هذه السور وبين غيرها من سور القرآن، وليس هذا المذهب ضعيفا متروك العون والنصرة، بل هو مذهب مؤيد منصور. ولكن مع هذا فالمحققون من العلماء على عدم التفرقة بين هذه السور وبين غيرها، وهو المذهب الصحيح المختار الذي عليه العمل في سائر الأمصار، فإن قلت: من أين يعلم أن اختيار البسملة بين السورة المذكورة في مذهب هذا البعض إنما يكون حال السكت في غيرها؟ قلت: يعلم ذلك من اختيار السكت بين هذه السور حال الوصل في غيرها. فإن قلت: من أين يعلم اختيار السكت بين هذه السور حال الوصل في غيرها لورش وأبي عمرو وابن عامر والناظم لم ينص إلا على اختيار السكت فيها لحمزة؟ قلت:
يعلم ذلك من قوله: وهو فيهن ساكت لحمزة؛ فإن المراد به: وهو فيهن ساكت لكل من وصل في غيرها، وإنما خص حمزة بالذكر؛ لأنه الأصل في الوصل بين السور.
105 - ومهما تصلها أو بدأت براءة ... لتنزيلها بالسّيف لست مبسملا
اللغة: الضمير في (تصلها) يعود على براءة.
المعنى: إذا وصلت براءة بالسورة قبلها وهي الأنفال، أو ابتدأت بها القراءة فلا تبسمل في أولها لأحد من القراء، سواء كان مذهبه بين السورتين البسملة أو السكت أو الوصل.
ثم علل الناظم ترك البسملة في أول براءة بأنها نزلت مشتملة على السيف، وكنى بذلك عما انطوت عليه سورة براءة من الأمر بالقتل والأخذ والحصر ونبذ العهد والوعيد والتهديد وفيها آية السيف، وقد نقل العلماء هذا التعليل عن عليّ رضي الله عنه. قال ابن عباس: سألت عليّا رضي الله عنه: لم لم تكتب البسملة في أول براءة؟ فقال: لأن بسم الله أمان، وبراءة ليس فيها أمان؛ لأنها نزلت بالسيف ولا تناسب بين الأمان والسيف.
[الوافي: 48]
106 - ولا بدّ منها في ابتدائك سورة ... سواها وفي الأجزاء خيّر من تلا
اللغة: الضمير في (منها): يعود على البسملة وفي (سواها): يعود على براءة، و(سورة): منصوب على نزع الخافض، لما ذكر في الأبيات السابقة مذاهب القراء بين السورتين ذكر هنا مذهبهم في ابتداء السور، فقال: إذا ابتدأت قراءتك بأول سورة من سور القرآن فلا بد من الإتيان بالبسملة لجميع القراء سواء في ذلك من مذهبه البسملة بين السورتين، ومن مذهبة وصل السورة بأول التالية، ومن مذهبه التخيير بين الوصل والسكت والبسملة. فالقراء متفقون على البدء بالبسملة في ابتداء أي سورة، وهذا الحكم عام في الابتداء بأي سورة من سور القرآن إلا براءة فلا بسملة عند الابتداء بها لأحد من القراء.
وقوله (وفي الأجزاء خيّر من تلا) يصح قراءة (خير) بالبناء للفاعل.
والمعنى: خير أهل الأداء القارئ إذا ابتدأ قراءته بشيء من أجزاء السور بين الإتيان بالبسملة وتركها. ويصح قراءة خير بالبناء للمفعول.
ومن المعنى: خير القارئ إذا ابتدأ بشيء من أجزاء السور بين الإتيان بالبسملة وتركها، وذلك لجميع القراء. ولا فرق في هذا الحكم بين أجزاء براءة وأجزاء غيرها من السور، واستثنى بعضهم أجزاء براءة فمنع من الإتيان فيها بالبسملة، وألحق أجزاء السورة بأولها في عدم جواز الإتيان بالبسملة. والمراد بأجزاء السور: ما بعد أوائلها ولو بآية أو كلمة، فيدخل في ذلك: أوائل الأجزاء المصطلح عليها، وأوائل الأحزاب والأعشار. وأول كل آية ابتدأ بها غير أول آية في السورة.
107 - ومهما تصلها مع أواخر سورة ... فلا تقفنّ الدّهر فيها فتثقلا
اللغة والمعنى: الضمير في (تصلها) و(فيها) يعود على البسملة. وفي بمعنى على.
يقول: إذا وصلت البسملة بآخر سورة امتنع الوقف على البسملة وتعين وصلها بأول السورة التالية والحاصل أن الأوجه العقلية الجائزة بين كل سورتين لمن مذهبه البسملة أربعة:
(الأول) الوقف على آخر السورة وعلى البسملة.
(الثاني) الوقف على آخر السورة ووصل البسملة بأول التالية.
(الثالث) وصل آخر السورة بالبسملة مع وصل البسملة بأول السورة التالية.
[الوافي: 49]
(الرابع) وصل آخر السورة بالبسملة مع الوقف عليها، وهذا الوجه هو الذي نهى الناظم عن الإتيان به، فيكون ممتنعا فتبقى الأوجه الثلاثة الأولى على الجواز. وعلى هذا يكون لكل من مذهبه البسملة بين السورتين وهم: قالون، والكسائي، وعاصم، وابن كثير، هذه الأوجه الثلاثة بين كل سورتين. ويكون لورش، وأبي عمرو، وابن عامر، بين كل سورتين خمسة أوجه. الثلاثة المذكورة، والوصل، والسكت دون بسملة على كل منهما. أما حمزة: فليس له بين كل سورتين إلا وجه واحد وهو الوصل بلا بسملة
وقولوه فتثقلا معناه فتصير مستثقلا عند أئمة القراءة لأنك فعلت ما لا ينبغي حيث جعلت البسملة لختم السورة وهي لم تشرع إلا للبدء بالسورة وينبغي أن يعلم أن بين الأنفال وبراءة ثلاثة أوجه لجميع القراء وهي: الوقف، والسكت، والوصل). [الوافي: 50]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (10 - وَبَسْمَلَ بَيْنَ السُّوْرَتَيْنِ أَئِمَّةٌ = .... .... .... .... ....). [الدرة المضية: 16]
- قال محمد بن الحسن بن محمد المنير السمنودي (ت: 1199هـ):(ولما فرغ من الخطبة وبيان الاصطلاح شرع في القصد فقال:
باب البسملة وأم القرآن
ص - وبسمل بين السورتين (أ)ئمة = ومالك )حُـ)ـز (فـ)ـز والصراط (فـ)ـأسجلا
ش - أهمل الناظم - رحمه الله تعالى - الاستعاذة جبريًا على ماشرطه من أنه إذا وافق كل أصله في مسألة أهملها.
وأخبر أن المشار إليه بألف أئمة وهو أبو جعفر قرأ بالبسملة بين كل سورتين سوى براءة بلا خلاف اتباعًا للرسم، وهذا الموضع خالف فيه أبو جعفر أصله باعتبار أحد راويي نافع لأن نافعًا يترك البسملة من رواية ورش ولم يذكر الخلاف لابن وردان فقط بل ذكر أبا جعفر بتمامه وهذا يفعله عند اختلاف الروايتين في جميع القصيدة لأن هذا من جملة
[شرح الدرة المضيئة: 38]
اصطلاحه فقياس عليه نظائره، ووافق الإمامان أصلهما فلم يذكرهما كما شرط، فتعين ليعقوب كأبي عمرو البسملة والسكت والوصل، والوصل لخلف كأصله حمزة في جميع القرآن). [شرح الدرة المضيئة: 39]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (باب اختلافهم في البسملة
والكلام على ذلك في فصولٍ
(الأوّل) بين السّورتين. وقد اختلفوا في الفصل بينهما بالبسملة وبغيرها وفي الوصل بينهما، ففصل بالبسملة بين كلّ سورتين إلّا بين الأنفال وبراءةٌ ابن كثيرٍ، وعاصمٌ، والكسائيّ وأبو جعفرٍ، وقالون الأصبهانيّ عن ورشٍ، ووصل بين كلّ سورتين حمزة، واختلف عن خلفٍ في اختياره بين الوصل والسّكت، فنصّ له أكثر الأئمّة المتقدّمين على الوصل، وهو الّذي في " المستنير "، " والمبهج "، و " كفاية " سبط الخيّاط، وغاية أبي العلاء، ونصّ له صاحب الإرشاد على السّكت، وهو الّذي عليه أكثر المتأخّرين الآخذين بهذه القراءة كابن الكدّيّ، وابن الكالّ، وابن زريقٍ الحدّاد،، وأبي الحسن الدّيوانيّ، وابن مؤمنٍ صاحب الكنز، وغيرهم، واختلف أيضًا عن الباقين، وهم أبو عمرٍو، وابن عامرٍ ويعقوب،
[النشر في القراءات العشر: 1/259]
وورشٌ من طريق الأزرق بين الوصل والسّكت والبسملة. فأمّا أبو عمرٍو فقطع له بالوصل صاحب " العنوان " وصاحب " الوجيز "، وهو أحد الوجهين في جامع البيان للدّانيّ، وبه قرأ شيخه الفارسيّ، عن أبي طاهرٍ، وهو طريق أبي إسحاق الطّبريّ في المستنير وغيره، وهو ظاهر عبارة الكافي، وأحد الوجهين في الشّاطبيّة، وبه قرأ صاحب التّجريد على عبد الباقي،، وهو أحد الوجوه الثّلاثة في الهداية، وبه قطع في غاية الاختصار لغير السّوسيّ، وبه قطع الحضرميّ في " المفيد " للدّوريّ عنه، وقطع له بالسّكت صاحب " الهداية " في الوجه الثّاني و " التّبصرة " و " تلخيص العبارات "، و " تلخيص أبي معشرٍ " والإرشاد لابن غلبون والتّذكرة "، وهو الّذي في " المستنير " و " الرّوضة " وسائر كتب العراقيّين لغير ابن حبشٍ عن السّوسيّ، وفي " الكافي " أيضًا، وقال: إنّه أخذ من البغداديّين، وهو الّذي اختاره الدّانيّ، وقرأ به على أبي الحسن وأبي الفتح وابن خاقان، ولا يؤخذ من التّيسير بسواه عند التّحقيق، وهو الوجه الآخر في الشّاطبيّة وبه قرأ صاحب " التّجريد " على الفارسيّ للدّوريّ، وقطع به في غاية " الاختصار " للدّوريّ أيضًا، وقطع له بالبسملة صاحب " الهادي " وصاحب " الهداية " في الوجه الثّالث، وهو اختيار صاحب " الكافي "، وهو الّذي رواه ابن حبشٍ عن السّوسيّ، وهو الّذي في غاية الاختصار للسّوسيّ، وقال الخزاعيّ، والأهوازيّ ومكّيٌّ وابن سفيان والهذليّ: والتّسمية بين السّورتين مذهب البصريّين، عن أبي عمرٍو، وأمّا ابن عامرٍ فقطع له بالوصل صاحب " الهداية "، وهو أحد الوجهين في " الكافي " " والشّاطبيّة " وقطع له بالسّكت صاحبا " التّلخيص " و " التّبصرة "، وابنا غلبون، واختيار الدّانيّ، وبه قرأ على شيخه أبي الحسن، ولا يؤخذ من اليسير بسواه، وهو الوجه الآخر في " الشّاطبيّة " وقطع له بالبسملة صاحب العنوان، وصاحب التّجريد، وجميع العراقيّين، وهو الوجه الآخر " الكافي "، وبه قرأ الدّانيّ على الفارسيّ وأبي الفتح، وهو الّذي لم يذكر المالكيّ في " الرّوضة " سواه، وهو الّذي في الكامل، وأمّا يعقوب فقطع له بالوصل صاحب " غاية الاختصار "، وقطع له بالسّكت صاحب " المستنير " و " الإرشاد " و " الكفاية "
[النشر في القراءات العشر: 1/260]
وسائر العراقيّين، وقطع له بالبسملة صاحب التّذكرة، والدّانيّ وابن الفحّام وابن شريحٍ، وصاحب " الوجيز "، و " الكامل "، وأمّا ورشٌ من طريق الأزرق فقطع له بالوصل صاحب " الهداية " وصاحب " العنوان " الحضرميّ وصاحب " المفيد "، وهو ظاهر عبارة " الكافي "، وأحد الوجوه الثّلاثة في " الشّاطبيّة "، وقطع له بالسّكت ابنا غلبون، وابن بلّيمة صاحب " التّلخيص "، وهو الّذي في " التّيسير "، وبه قرأ الدّانيّ على جميع شيوخه، وهو الوجه الثّاني في " الشّاطبيّة " وأحد الوجهين في " التّبصرة " من قراءته على أبي الطّيّب، وهو ظاهر عبارة الكامل الّذي لم يذكر له غيره، وقطع له بالبسملة صاحب " التّبصرة " من قراءته على أبي عديٍّ، وهو اختيار صاحب " الكافي "، وهو الوجه الثّالث في " الشّاطبيّة "، وبه كان يأخذ أبو غانمٍ وأبو بكرٍ الأذفويّ وغيرهما عن الأزرق.
(الثّاني) أنّ الآخذين بالوصل لمن ذكر من حمزة وأبي عمرٍو، وابن عامرٍ، أو يعقوب، أو ورشٍ اختار كثيرٌ منهم لهم السّكت بين (المدّثّر، ولا أقسم بيوم القيامة - وبين - الانفطار وويلٌ للمصلّين - وبين والفجر، ولا أقسم بهذا البلد - وبين والعصر، وويلٌ لكلّ همزةٍ) كصاحب " الهداية " وابني غلبون، وصاحب " المبهج " وصاحب " التّبصرة "، وصاحب " الإرشاد "، وصاحب " المفيد "، ونصّ عليه أبو معشرٍ في " جامعه " وصاحب " التّجريد " وصاحب " التّيسير "، وأشار إليه الشّاطبيّ ونقل عن ابن مجاهدٍ في غير (والعصر، والهمزة) ، وكذا اختاره ابن شيطا صاحب " التّذكار "، وبه قرأ الدّانيّ على أبي الحسن بن غلبون، وكذا الآخذون بالسّكت لمن ذكر من أبي عمرٍو، وابن عامرٍ، ويعقوب، وورشٍ، اختار كثيرٌ منهم لهم البسملة في هذه الأربعة المواضع كابني غلبون، وصاحب " الهداية "، ومكّيٍّ، وصاحب " التّبصرة "، وبه قرأ الدّانيّ على أبي الحسن، وخلف بن خاقان، وإنّما اختاروا ذلك لبشاعة وقوع مثل ذلك إذا قيل: (أهل المغفرة لا) أو: (ادخلي جنّتي لا) أو: (للّه ويلٌ) أو: (وتواصوا بالصّبر ويلٌ) من غير فصلٍ، ففصلوا بالبسملة للسّاكت، وبالسّكت للواصل، ولم يمكنهم البسملة له ; لأنّه ثبت
[النشر في القراءات العشر: 1/261]
عنه النّصّ بعدم البسملة، فلو بسملوا لصادموا النّصّ بالاختيار، وذلك لا يجوز.
والأكثرون على عدم التّفرقة بين الأربعة وغيرها، وهو مذهب فارس بن أحمد، وابن سفيان صاحب " الهادي "، وأبي الطّاهر صاحب " العنوان " وشيخه عبد الجبّار الطّرسوسيّ صاحب " المستنير "، و " الإرشاد "، و " الكفاية "، وسائر العراقيّين، وهو اختيار أبي عمرٍو الدّانيّ والمحقّقين، واللّه تعالى أعلم.
تنبيهاتٌ
(أوّلها) تخصيص السّكت والبسملة في الأربعة المذكورة مفرّعٌ على الوصل والسّكت مطلقًا. فمن خصّها بالسّكت، فإنّ مذهبه في غيرها الوصل، ومن خصّها بالبسملة فمذهبه في غيرها السّكت وليس أحدٌ يروي البسملة لأصحاب الوصل كما توهّمه المنتجب، وابن بصخان، فافهم ذلك فقد أحسن الجعبريّ في فهمه ما شاء وأجاد الصّواب، واللّه أعلم.
وانفرد الهذليّ بإضافته إلى هذه الأربعة موضعًا خامسًا، وهو البسملة بين الأحقاف والقتال عن الأزرق، عن ورشٍ وتبعه في ذلك أبو الكرم، وكذلك انفرد صاحب " التّذكرة " باختيار الوصل لمن سكت من أبي عمرٍو، وابن عامرٍ، وورشٍ في خمسة مواضع وهي: الأنفال ببراءة، والأحقاف بالّذين كفروا، واقتربت بالرّحمن، والواقعة بالحديد، والفيل بـ " لإيلاف قريشٍ ". قال الحسن: ذلك بمشاكلة آخر السّورة لأوّل الّتي تليها.
(ثانيها) أنّه تقدّم تعريف السّكت، وأنّ المشترط فيه يكون من دون تنفّسٍ، وأنّ كلام أئمّتنا مختلفٌ فيه طول زمنه وقصره، وحكاية قول سبط الخيّاط:
إنّ الّذي يظهر من قول طول زمن السّكت بقدر البسملة، وقد قال أيضًا في " كفايته " ما يصرّح بذلك حيث قال، عن أبي عمرٍو، وروي، عن أبي عمرٍو إسرارها، أي: إسرار البسملة. قلت: والّذي قرأت به وآخذ: السّكت عن جميع من روي عنه السّكت بين السّورتين سكتًا يسيرًا من دون تنفّسٍ قدر السّكت
[النشر في القراءات العشر: 1/262]
لأجل الهمز، عن حمزة وغيره حتّى أنّي أخرجت وجه حمزة مع وجه ورشٍ بين سورتي (والضّحى، وألم نشرح) على جميع من قرأته عليه من شيوخي، وهو الصّواب واللّه أعلم.
(الثّالث) أنّ كلًّا من الفاصلين بالبسملة والواصلين والسّاكتين إذا ابتدأ سورةً من السّور بسمل بلا خلافٍ عن أحدٍ منهم، إلّا إذا ابتدأ (براءةٌ) كما سيأتي، سواءٌ كان الابتداء عن وقفٍ أم قطعٍ، أمّا على قراءة من فصل بها فواضحٌ، وأمّا على قراءة من ألغاها فللتّبرّك والتّيمّن، ولموافقة خطّ المصحف ; لأنّها عند من ألغاها إنّما كتبت لأوّل السّورة تبرّكًا، وهو لم يلغها في حالة الوصل إلّا لكونه لم يبتدئ، فلمّا ابتدأ لم يكن بدٌّ من الإتيان بها؛ لئلّا يخالف المصحف وصلًا ووقفًا، فيخرج عن الإجماع، فكأنّ ذلك عنده كهمزات الوصل تحذف وصلًا وتثبت ابتداءً ; ولذلك لم يكن بينهم خلافٌ في إثبات البسملة أوّل الفاتحة سواءٌ وصلت بسورة النّاس قبلها أو ابتدئ بها لأنّها ولو وصلت لفظًا فإنّها مبتدأٌ بها حكمًا ; ولذلك كان الواصل هنا حالًّا مرتحلًا، وأمّا ما رواه الخرقيّ عن ابن سيفٍ، عن الأزرق، عن ورشٍ أنّه ترك البسملة أوّل الفاتحة فالخرقيّ هو شيخ الأهوازيّ، وهو محمّد بن عبد اللّه بن القاسم مجهولٌ لا يعرف إلّا من جهة الأهوازيّ، ولا يصحّ ذلك عن ورشٍ، بل المتواتر عنه خلافه، قال الحافظ أبو عمرٍو في كتابه " الموجز ": اعلم أنّ عامّة أهل الأداء من مشيخة المصريّين رووا أداءً عن أسلافهم، عن أبي يعقوب، عن ورشٍ أنّه كان يترك البسملة بين كلّ سورتين في جميع القرآن إلّا في أوّل فاتحة الكتاب، فإنّه يبسمل في أوّلها لأنّها أوّل القرآن، فليس قبلها سورةٌ يوصل آخرها بها. هكذا قرأت على ابن خاقان، وابن غلبون، وفارس بن أحمد - وحكوا ذلك - عن قراءتهم متّصلًا، وانفرد صاحب الكافي بعدم البسملة لحمزة في ابتداء السّور سوى الفاتحة، وتبعه على ذلك ولده أبو الحسن شريحٌ فيما حكاه عنه أبو جعفر بن الباذش من أنّه من كان يأخذ لحمزة بوصل السّورة
[النشر في القراءات العشر: 1/263]
بالسّورة لا يلتزم بالوصل ألبتّة، بل آخر السّورة عنده كآخر آيةٍ، وأوّل السّورة الأخرى كأوّل آيةٍ أخرى، فكما لا يلتزم له ولا لغيره وصل الآيات بعضهنّ ببعضٍ كذا لا يلتزم له وصل السّورة حتمًا، بل إن وصل فحسنٌ وإن ترك فحسنٌ.
(قلت): حجّته في ذلك قول حمزة: القرآن عندي كسورةٍ واحدةٍ. فإذا قرأت (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم) في أوّل فاتحة الكتاب أجزأني، ولا حجّة في ذلك؛ فإنّ كلام حمزة يحمل على حالة الوصل لا الابتداء؛ لإجماع أهل النّقل على ذلك، واللّه أعلم.
(الرّابع) لا خلاف في حذف البسملة بين الأنفال وبراءة، عن كلّ من بسمل بين السّورتين. وكذلك في الابتداء ببراءة على الصّحيح عند أهل الأداء، وممّن حكى بالإجماع على ذلك أبو الحسن بن غلبون، وابن القاسم بن الفحّام، ومكّيٌّ، وغيرهم، وهو الّذي لا يوجد نصٌّ بخلافه، وقد حاول بعضهم جواز البسملة في أوّلها. قال أبو الحسن السّخاويّ: إنّه القياس، قال: لأنّ إسقاطها إمّا أن يكون لأنّ براءة نزلت بالسّيف، أو لأنّهم لم يقطعوا بأنّها سورةٌ قائمةٌ بنفسها دون الأنفال، فإن كان لأنّها نزلت بالسّيف فذاك مخصوصٌ بمن نزلت فيه، ونحن إنّما نسمّي للتّبرّك، وإن كان إسقاطها لأنّه لم يقطع بأنّها سورةٌ وحدها، فالتّسمية في أوائل الأجزاء جائزةٌ. وقد علم الغرض بإسقاطها، فلا مانع من التّسمية.
(قلت): لقائلٍ أن يقول: يمنع بظاهر النّصوص، وقال أبو العبّاس المهدويّ: فأمّا براءةٌ فالقرّاء مجتمعون على ترك الفصل بينه وبين الأنفال بالبسملة. وكذلك أجمعوا على ترك البسملة في أوّلها حال الابتداء بها سوى من رأى البسملة في حال الابتداء بأوساط السّور، فإنّه لا يجوز أن يبتدأ بها من أوّل براءة عند من جعلها والأنفال سورةً واحدةً، ولا يبتدأ بها في قول من جعل علّة تركها في أوّلها أنّها نزلت بالسّيف، وقال أبو الفتح بن شيطا: ولو أنّ قارئًا ابتدأ قراءته من أوّل التّوبة فاستعاذ ووصل الاستعاذة بالتّسمية متبرّكًا بها، ثمّ تلا السّورة لم يكن عليه حرجٌ إن شاء اللّه تعالى،
[النشر في القراءات العشر: 1/264]
كما يجوز له إذا ابتدأ من بعض سورةٍ أن يفعل ذلك، وإنّما المحذور أن يصل آخر الأنفال بأوّل براءة، ثمّ يفصل بينهما بالبسملة لأنّ ذلك بدعةٌ وضلالٌ وخرقٌ للإجماع، ومخالفٌ للمصحف.
(قلت): ولقائلٍ أن يقول له ذلك أيضًا في البسملة أوّلها أنّه خرقٌ للإجماع ومخالفٌ للمصحف، ولا تصادم النّصوص بالآراء، وما رواه الأهوازيّ في كتابه " الإيضاح "، عن أبي بكرٍ من البسملة أوّلها فلا يصحّ، والصّحيح عند الأئمّة أولى بالاتّباع، ونعوذ باللّه من شرّ الابتداع.
(الخامس) يجوز في الابتداء بأوساط السّور مطلقًا سوى (براءة) البسملة وعدمها لكلٍّ من القرّاء تخيّرًا.
وعلى اختيار البسملة جمهور العراقيّين، وعلى اختيار عدمها جمهور المغاربة وأهل الأندلس، قال ابن شيطا على أنّني قرأت على جميع شيوخنا في كلّ القراءات عن جميع الأئمّة الفاضلين بالتّسمية بين السّورتين، والتّاركين لها عند ابتداء القراءة عليهم بالاستعاذة موصولةً بالتّسمية مجهورًا بهما، سواءٌ كان المبدوء به أوّل سورةٍ، أو بعض سورةٍ، قال: ولا علمت أحدًا منهم قرأ على شيوخه إلّا كذلك. انتهى، وهو نصٌّ في وصل الاستعاذة بالبسملة كما سيأتي، وقال ابن فارسٍ في " الجامع ": وبغير تسميةٍ ابتدأت رءوس الأجزاء على شيوخي الّذين قرأت عليهم في مذاهب الكلّ، وهو الّذي أختار، ولا أمنع من البسملة، وقال مكّيٌّ في تبصرته: فإذا ابتدأ القارئ بغير أوّل سورةٍ عوّذ فقط، هذه عادة القرّاء، ثمّ قال: وبترك التّسمية في أوائل السّور قرأت، وقال ابن الفحّام: قرأت على أبي العبّاس - يعني ابن نفيسٍ - أوّل حزبي من وسط سورةٍ، فبسملت، فلم ينكر عليّ وأتبعت ذلك: هل آخذ ذلك عنه على طريق الرّواية، فقال: إنّما أردت التّبرّك، ثمّ منعني بعد ذلك، وقال: أخاف أن تقول روايةً.
- قال - وقرأت بذلك على غيره، فقال: ما أمنع، وأمّا قرأت بهذا فلا. انتهى، وهو صريحٌ في منعه روايةً، وقال الدّانيّ في جامعه: وبغير تسميةٍ ابتدأت رءوس الأجزاء على شيوخي الّذين قرأت عليهم في مذهب الكلّ، وهو الّذي
[النشر في القراءات العشر: 1/265]
أختار، ولا أمنع من التّسمية.
(قلت): وأطلق التّخيير بين الوجهين جميعًا أبو معشرٍ الطّبريّ وأبو القاسم الشّاطبيّ وأبو عمرٍو الدّانيّ في " التّيسير "، ومنهم من ذكر البسملة وعدمها على وجهٍ آخر وهو التّفصيل، فيأتي بالبسملة عمّن فصل بها بين السّورتين كابن كثيرٍ وأبي جعفرٍ، ويتركها عمّن لم يفصل بها كحمزة وخلفٍ وهو اختيار سبط الخيّاط وأبي عليٍّ الأهوازيّ بن الباذش يتبعون وسط السّورة بأوّلها، وقد كان الشّاطبيّ يأمر بالبسملة بعد الاستعاذة في قوله تعالى: اللّه لا إله إلّا هو، وقوله: إليه يردّ علم السّاعة ونحوه لما في ذلك من البشاعة، وكذا كان يفعل أبو الجود غياث بن فارسٍ وغيره، وهو اختيار مكّيٍّ في غير " التّبصرة ".
(قلت): وينبغي قياسًا أن ينهى عن البسملة في قوله تعالى: الشّيطان يعدكم الفقر، وقوله: لعنه اللّه ونحو ذلك للبشاعة أيضًا.
(السّادس) الابتداء بالآي وسط براءة قلّ من تعرّض للنّصّ عليها، ولم أر فيها نصًّا لأحدٍ من المتقدّمين، وظاهر إطلاق كثيرٍ من أهل الأداء التّخيير فيها، وعلى جواز البسملة فيها نصّ أبو الحسن السّخاويّ في كتابه " جمال القرّاء " حيث قال: ألا ترى أنّه يجوز بغير خلافٍ أن يقول: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم وقاتلوا المشركين كافّةً كما يقاتلونكم كافّةً وفي نظائرها من الآي، وإلى منعها جنح أبو إسحاق الجعبريّ، فقال رادًّا على السّخاويّ: إن كان نقلًا فمسلّمٌ، وإلّا فردٌّ عليه أنّه تقريعٌ على غير أصلٍ وتصادمٌ لتعليله. قلت: وكلاهما يحتمل، الصّواب أن يقال: إنّ من ذهب إلى ترك البسملة في أوساطٍ غير براءة لا إشكال في تركها عنده في وسط براءة، وكذا لا إشكال في تركها فيها عند من ذهب إلى التّفضيل، إذ البسملة عندهم في وسط السّورة تبعٌ لأوّلها، ولا تجوز البسملة أوّلها فكذلك وسطها، وأمّا من ذهب إلى البسملة في الأجزاء مطلقًا، فإن اعتبر بقاء أثر العلّة الّتي من أجلها حذفت البسملة من أوّلها وهي نزولها بالسّيف كالشّاطبيّ ومن سلك مسلكه لم يبسمل، وإن لم يعتبر بقاء أثرها، أو لم يرها علّةً بسمل بلا نظرٍ، واللّه تعالى أعلم.
[النشر في القراءات العشر: 1/266]
(السّابع) إذا فصل بالبسملة بين السّورتين أمكن أربعة أوجهٍ: الأوّل أولاها قطعها عن الماضية ووصلها بالآتية، والثّاني وصلها بالماضية وبالآتية، والثّالث قطعها عن الماضية وعن الآتية، وهو ممّا لا نعلم خلافًا بين أهل الأداء في جوازه إلّا ما انفرد به مكّيٌّ، فإنّه نصّ في " التّبصرة " على جواز الوجهين الأوّلين ومنع الرّابع، وسكت عن هذا الثّالث فلم يذكر فيه شيئًا، وقال في " الكشف " ما نصّه: إنّه أتى بالبسملة على إرادة التّبرّك بذكر اللّه وصفاته في أوّل الكلام وإثباتها للافتتاح في المصحف، فهي للابتداء بالسّورة، فلا يوصف على التّسمية دون أن يوصل بأوّل السّورة. انتهى، وهو صريحٌ في اقتضاء منع الوجهين الثّالث والرّابع. وهذا من أفراده كما سنوضّحه في باب التّكبير آخر الكتاب، إن شاء اللّه تعالى. والرّابع وصلها بالماضية وقطعها عن الآتية، وهو ممنوعٌ ; لأنّ البسملة لأوائل السّور لا لأواخرها، قال: صاحب " التّيسير ": والقطع عليها إذا وصلت بأواخر السّور غير جائزٍ.
تنبيهاتٌ
(أوّلها) أنّ المراد بالقطع المذكور هو الوقف كما نصّ عليه الشّاطبيّ وغيره من الأئمّة، قال الدّانيّ في جامعه: واختياري في مذهب من فصّل أن يقف القارئ على آخر السّورة ويقطع على ذلك، ثمّ يبتدئ بالتّسمية موصولةً بأوّل السّورة الأخرى. انتهى، وذلك أوضح. وإنّما نبّهت عليه ; لأنّ الجعبريّ - رحمه اللّه - ظنّ أنّه السّكت المعروف، فقال في قول الشّاطبيّ: " فلا تقفنّ "، ولو قال: فلا تسكتنّ لكان أسدّ. وذلك وهمٌ لم يتقدّمه أحدٌ إليه، وكأنّه أخذه من كلام السّخاويّ حيث قال: فإذا لم يصلها بآخر سورةٍ جاز أن يسكت عليها، فلم يتأمّله، ولو تأمّله لعلم أنّ مراده بالسّكت الوقف، فإنّه قال في أوّل الكلام: اختار الأئمّة لمن يفصل بالتّسمية أن يقف القارئ على أواخر السّور، ثمّ يبتدئ بالتّسمية.
[النشر في القراءات العشر: 1/267]
(ثانيها) تجوز الأوجه الأربعة في البسملة مع الاستعاذة من الوصل بالاستعاذة والآية، ومن قطعها عن الاستعاذة والآية، ومن قطعها عن الاستعاذة ووصلها بالآية، ومن عكسه كما تقدّم الإشارة إلى ذلك في الاستعاذة، وإلى قول ابن شيطا في الفصل الخامس قريبًا في قطعه بوصل الجميع، وهو ظاهر كلام سبط الخيّاط، وقال ابن الباذش: إنّ الوقف على الجميع أشبه بمذهب أهل التّرتيل.
(ثالثها) إنّ هذه الأوجه ونحوها الواردة على سبيل التّخيير، إنّما المقصود بها معرفة جواز القراءة بكلٍّ منها على وجه الإباحة لا على وجه ذكر الخلف، فبأيّ وجهٍ قرئ منها جاز، ولا احتياج إلى الجمع بينها في موضعٍ واحدٍ إذا قصد استيعاب الأوجه حالة الجمع والإفراد. وكذلك سبيل ما جرى مجرى ذلك من الوقف بالسّكون وبالرّوم والإشمام، وكالأوجه الثّلاثة في التقاء السّاكنين وقفًا إذا كان أحدهما حرف مدٍّ أو لينٍ، وكذلك كان بعض المحقّقين لا يأخذ منها إلّا بالأصحّ الأقوى، ويجعل الباقي مأذونًا فيه، وبعضٌ لا يلتزم شيئًا، بل يترك القارئ يقرأ ما شاء منها، إذ كلّ ذلك جائزٌ مأذونٌ فيه منصوصٌ عليه، وكان بعض مشايخنا يرى أن يجمع بين هذه الأوجه على وجهٍ آخر، فيقرأ بواحدٍ منها في موضعٍ وبآخر في غيره؛ ليجمع الجميع المشافهة، وبعض أصحابنا يرى الجمع بينها وبين أوّل موضعٍ وردت، أو في موضعٍ ما على وجه الإعلام والتّعليم وشمول الرّواية، أمّا من يأخذ بجميع ذلك في كلّ موضعٍ فلا يعتمده إلّا متكلّفٌ غير عارفٍ بحقيقة أوجه الخلاف، وإنّما ساغ الجمع بين الأوجه في نحو التّسهيل في وقف حمزة لتدريب القارئ المبتدئ ورياضته على الأوجه الغريبة ليجري لسانه ويعتاد التّلفّظ بها بلا كلفةٍ، فيكون على سبيل التّعليم ; فلذلك لا يكلّف العارف بجمعها في كلّ موضعٍ، بل هو بحسب ما تقدّم، ولقد بلغني عن جلّة مشيخة الأندلس - حماها اللّه - أنّهم لا يأخذون
[النشر في القراءات العشر: 1/268]
في وجهي الإسكان والصّلة من ميم الجمع لقالون إلّا بوجهٍ واحدٍ معتمدين ظاهر قولي الشّاطبيّ وقالون بتخييره جلا، وسيأتي ذلك.
(رابعها) يجوز بين الأنفال وبراءة إذا لم يقطع على آخر الأنفال كلٌّ من الوصل والسّكت والوقف لجميع القرّاء. أمّا الوصل لهم فظاهرٌ ; لأنّه كان جائزًا مع وجود البسملة، فجوازه مع عدمها أولى عن الفاصلين والواصلين، وهو اختيار أبي الحسن بن غلبون في قراءة من لم يفصل، وهو في قراءة من يصل أظهر، وأمّا السّكت فلا إشكال فيه عن أصحاب السّكت، وأمّا عن غيرهم من الفاصلين والواصلين فمن نصّ عليه لهم ولسائر القرّاء أبو محمّدٍ مكّيٌّ في تبصرته، فقال: وأجمعوا على ترك الفصل بين الأنفال وبراءة لإجماع المصاحف على ترك التّسمية بينهما. فأمّا السّكت بينهما فقد قرأت به لجماعتهم، وليس هو منصوصًا، وحكى أبو عليٍّ البغداديّ في روضته، عن أبي الحسن الحمّاميّ أنّه كان يأخذ بسكتةٍ بينهما لحمزة وحده. فقال: وكان حمزة وخلفٌ والأعمش يصلون السّورة إلّا ما ذكره الحمّاميّ، عن حمزة أنّه سكت بين الأنفال والتّوبة، وعليه أعوّل. انتهى، وإذا أخذ بالسّكت عن حمزة فالأخذ عن غيره أحرى. قال الأستاذ المحقّق أبو عبد اللّه بن القصّاع في كتابه " الاستبصار في القراءات العشر ": واختلف في وصل الأنفال بالتّوبة فبعضهم يرى وصلهما، ويتبيّن الإعراب وبعضهم يرى السّكت بينهما. انتهى.
(قلت): وإذا قرئ بالسّكت على ما تقدّم فلا يتأتّى وجه إسرار البسملة على مذهب سبط الخيّاط المتقدّم، إذ لا بسملة بينهما يسكت بقدرها، فاعلم ذلك. وأمّا الوقف فهو الأقيس، وهو الأشبه بمذهب أهل التّرتيل، وهو اختياري في مذهب الجميع ; لأنّ أواخر السّور من أتم التّمام. وإنّما عدل عنه في مذهب من لم يفصل من أجل أنّه لو وقف على آخر السّور للزمت البسملة أوائل السّور، ومن أجل الابتداء. وإن لم يؤت بها خولف الرّسم في الحالتين كما تقدّم، واللّازم هنا منتفٍ والمقتضى للوقف قائمٌ، فمن ثمّ اخترنا الوقف، ولا نمنع غيره، واللّه أعلم.
[النشر في القراءات العشر: 1/269]
(خامسها) ما ذكر من الخلاف بين السّورتين هو عامٌّ بين كلّ سورتين سواءٌ كانتا مرتّبتين، أو غير مرتّبتين، فلو وصل آخر الفاتحة مبتدئًا بآل عمران، أو آخر آل عمران بالأنعام - جازت البسملة وعدمها على ما تقدّم، ولو وصلت التّوبة بآخر سورةٍ سوى الأنفال فالحكم كما لو وصلت بالأنفال، أمّا لو وصلت السّورة بأوّلها كأن كرّرت مثلًا كما تكرّر سورة الإخلاص فلم أجد فيه نصًّا، والّذي يظهر البسملة قطعًا؛ فإنّ السّورة والحالة هذه مبتدئةٌ كما لو وصلت النّاس بالفاتحة، ومقتضى ما ذكره الجعبريّ عموم الحكم، وفيه نظرٌ، إلّا أن يريد في مذهب الفقهاء عند من يعدّها آيةً، وهذا الّذي ذكرناه على مذاهب القرّاء. وكذلك يجوز إجراء أحوال الوصل في آخر السّورة الموصل طرفاها من إعرابٍ وتنوينٍ، واللّه تعالى أعلم.
(الثّامن) في حكمها، وهل هي آيةٌ في أوّل كلّ سورةٍ كتبت فيه أم لا؟ وهذه مسألةٌ اختلف النّاس فيها، وبسط القول فيها في غير هذا الموضع، ولا تعلّق للقراءة بذلك، إلّا أنّه لمّا جرت عادة أكثر القرّاء للتّعرّض لذلك لم نخل كتابنا منه؛ لتعرف مذاهب أئمّة القراءة فيها، فنقول: اختلف في هذه المسألة على خمسة أقوالٍ (أحدها) أنّها آيةٌ من الفاتحة فقط، وهذا مذهب أهل مكّة والكوفة، ومن وافقهم، وروي قولًا للشّافعيّ (الثّاني) أنّها آيةٌ من أوّل الفاتحة، ومن أوّل سورةٍ، وهو الأصحّ من مذهب الشّافعيّ، ومن وافقه، وهو روايةٌ عن أحمد، ونسب إلى أبي حنيفة. (الثّالث) أنّها آيةٌ من أوّل الفاتحة، بعض آيةٍ من غيرها، وهو القول الثّاني للشّافعيّ. (الرّابع) أنّها آيةٌ مستقلّةٌ في أوّل كلّ سورةٍ لا منها، وهو المشهور عن أحمد، وقال داود وأصحابه، وحكاه أبو بكرٍ الرّازيّ، عن أبي الحسن الكرخيّ، وهو من كبار أصحاب أبي حنيفة (الخامس) أنّها ليست بآيةٍ ولا بعض آيةٍ من أوّل الفاتحة، ولا من أوّل غيرها، وإنّما كتبت للتّيمّن والتّبرّك، وهو مذهب مالكٍ وأبي حنيفة والثّوريّ، ومن وافقهم، وذلك مع
[النشر في القراءات العشر: 1/270]
إجماعهم على أنّها بعض آيةٍ من سورة النّمل، وأنّ بعضها آيةٌ من الفاتحة.
(قلت): وهذه الأقوال ترجع إلى النّفي والإثبات، والّذي نعتقده أنّ كليهما صحيحٌ، وأنّ كلّ ذلك حقٌّ، فيكون الاختلاف فيهما كاختلاف القراءات. قال السّخاويّ - رحمه اللّه -: واتّفق القرّاء عليها في أوّل الفاتحة، فإنّ ابن كثيرٍ، وعاصمًا، والكسائيّ يعتقدونها آيةً منها ومن كلّ سورةٍ، ووافقهم حمزة على الفاتحة خاصّةً. قال: وأبو عمرٍو، وقالون، ومن تابعه من قرّاء المدينة لا يعتقدونها آيةً من الفاتحة. انتهى. ويحتاج إلى تعقّبٍ، فلو قال: يعتقدونها من القرآن أوّل كلّ سورةٍ ليعمّ كونها آيةً منها أو فيها، أو بعض آيةٍ - لكان أسدّ ; لأنّا لا نعلم أحدًا منهم عدّها آيةً من كلّ سورةٍ سوى الفاتحة نصًّا، وقوله: إنّ قالون ومن تابعه من قرّاء المدينة لا يعتقدونها آيةً من الفاتحة ففيه نظرٌ، إذ قد صحّ نصًّا أنّ إسحاق بن محمّدٍ المسيّبيّ أوثق أصحاب نافعٍ وأجلّهم، قال: سألت نافعًا، عن قراءة بسم اللّه الرّحمن الرّحيم فأمرني بها، وقال: أشهد أنّها آيةٌ من السّبع المثاني، وأنّ اللّه أنزلها. روى ذلك الحافظ أبو عمرٍو الدّانيّ بإسنادٍ صحيحٍ، وكذلك رواه أبو بكر بن مجاهدٍ، عن شيخه موسى بن إسحاق القاضي عمّ محمّد بن إسحاق المسيّبيّ، عن أبيه، وروّينا أيضًا عن المسيّبيّ قال: كنّا نقرأ (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم) أوّل فاتحة الكتاب، وفي أوّل سورة البقرة، وبين السّورتين في العرض والصّلاة، هكذا كان مذهب القرّاء بالمدينة قال: وفقهاء المدينة لا يفعلون ذلك.
(قلت): وحكى أبو القاسم الهذليّ، عن مالكٍ أنّه سأل نافعًا عن البسملة فقال: السّنّة الجهر بها، فسلّم إليه وقال: كلّ علمٍ يسأل عنه أهله.
ذكر اختلافهم في سورة أمّ القرآن
اختلفوا في (مالك يوم الدّين) فقرأ عاصمٌ، والكسائيّ، ويعقوب، وخلفٌ بالألف مدًّا، وقرأ الباقون بغير ألفٍ قصرًا.
واختلفوا في: الصّراط، وصراطٍ. فرواه رويسٌ حيث وقع وكيف أتى بالسّين، واختلف، عن قنبلٍ، فرواه عنه بالسّين كذلك ابن مجاهدٍ وهي رواية أحمد بن ثوبان، عن قنبلٍ، ورواية
[النشر في القراءات العشر: 1/271]
الحلوانيّ عن القوّاس، ورواه عنه ابن شنبوذ، وكذلك سائر الرّواة، عن قنبلٍ، وبذلك قرأ الباقون إلّا حمزة فروى عنه خلفٌ بإشمام الصّاد الزّاي في جميع القرآن، واختلف عن خلّادٍ في إشمام الأوّل فقط، أو حرفي الفاتحة خاصّةً، أو المعروف باللّام في جميع القرآن، أو لا إشمام في الحرف الأوّل حسب ما في " التّيسير " " والشّاطبيّة "، وبذلك قرأ الدّانيّ على أبي الفتح فارسٍ، وصاحب " التّجريد " على عبد الباقي، وهي رواية محمّد بن يحيى الخنيسيّ، عن خلّادٍ، وقطع له بالإشمام في حرفي الفاتحة فقط صاحب " العنوان " والطّرسوسيّ من طريق ابن شاذان عنه، وصاحب " المستنير " من طريق ابن البختريّ، عن الوزّان عنه، وبه قطع أبو العزّ الأهوازيّ عن الوزّان أيضًا، وهي طريق ابن حامدٍ، عن الصّوّاف، وقطع له بالإشمام في المعروف باللّام خاصّةً هنا وفي جميع القرآن جمهور العراقيّين، وهي طريق بكّارٍ عن الوزّان، وبه قرأ صاحب التّجريد على الفارسيّ والمالكيّ، وهو الّذي في روضة أبي عليٍّ البغداديّ، وطريق ابن مهران، عن ابن أبي عمر، عن الصّوّاف عن الوزّان، وهي رواية الدّوريّ، عن سليمٍ، عن حمزة، وقطع له بعدم الإشمام في الجميع صاحب " التّبصرة "، و " الكافي "، و " التّلخيص "، و " الهداية "، و " التّذكرة "، وجمهور المغاربة، وبه قرأ الدّانيّ على أبي الحسن، وهي طريق ابن الهيثم والطّلحيّ، ورواية الحلوانيّ، عن خلّادٍ، وانفرد ابن عبيدٍ على أبي عليٍّ الصّوّاف على الوزّان عنه بالإشمام في المعرّف والمنكّر كرواية خلفٍ، عن حمزة في كلّ القرآن، وهو ظاهر " المبهج " عن ابن الهيثم.
واختلفوا في ضمّ الهاء وكسرها من ضمير التّثنية والجمع إذا وقعت بعد ياءٍ ساكنةٍ نحو: عليهم وإليهم ولديهم، وعليهما وإليهما وفيهما، وعليهنّ وإليهنّ وفيهنّ، وأبيهم وصياصيهم وبجنّتيهم وترميهم ووما نريهم وبين أيديهنّ وشبه ذلك. وقرأ يعقوب جميع ذلك بضمّ الهاء، وافقه حمزة في: عليهم وإليهم ولديهم فقط، فإن سقطت منه الياء لعلّةٍ جزم، أو بناءً نحو: وإن يأتهم، ويخزهم، أولم يكفهم، فاستفتهم، فآتهم، فإنّ رويسًا يضمّ الهاء في ذلك كلّه إلّا قوله تعالى: ومن يولّهم يومئذٍ في الأنفال، فإنّ كسرها
[النشر في القراءات العشر: 1/272]
بلا خلافٍ، واختلف عنه في ويلههم الأمل في الحجر، ويغنهم اللّه في النّور، وقهم السّيّئات، وقهم عذاب الجحيم وكلاهما في غافرٍ، فكسر الهاء في الأربعة القاضي أبو العلاء عن النّحاس.
وكذلك روى الهذليّ عن الحمّاميّ في الثّلاثة الأول، وكذا نصّ الأهوازيّ، وقال الهذليّ: هكذا أخذ علينا في التّلاوة ولم نجده في الأصل مكتوبًا، زاد ابن خيرون عنه كسر الرّابعة وهي وقهم عذاب الجحيم وضمّ الهاء في الأربعة الجمهور، عن رويسٍ، وانفرد فارس بن أحمد، عن يعقوب بضمّ الهاء في (ببغيهم) في الأنعام، و (حليّهم) في الأعراف، ولم يرو ذلك غيره، وانفرد ابن مهران، عن يعقوب بكسر الهاء من أيديهنّ وأرجلهنّ وبذلك، قرأ الباقون في جميع الباب
واختلفوا في صلة ميم الجمع بواوٍ وإسكانها، وإذا وقعت قبل محرّكٍ نحو أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم، وممّا رزقناهم ينفقون، عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون، على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوةٌ ولهم عذابٌ فضمّ الميم من جميع ذلك، ووصلها بواوٍ في اللّفظ وصلًا ابن كثيرٍ وأبو جعفرٍ، واختلف، عن قالون، فقطع له بالإسكان صاحب " الكافي "، وهو الّذي في " العنوان "، وكذا قطع في " الهداية " من طريق أبي نشيطٍ، وهو الاختيار له في " التّبصرة "، ولم يذكر في " الإرشاد " غيره، وبه قرأ الدّانيّ على أبي الحسن من طريق أبي نشيطٍ، وعلى أبي الفتح، عن قراءته على عبد اللّه بن الحسين من طريق الحلوانيّ وصاحب " التّجريد " عن ابن نفيسٍ من طريق أبي نشيطٍ وعليه، وعلى الفارسيّ والمالكيّ من طريق الحلوانيّ، وقرأ الهذليّ أيضًا من طريق أبي نشيطٍ، وبالصّلة قطع صاحب " الهداية " للحلوانيّ، وبه قرأ الدّانيّ على أبي الفتح من الطّريقين، عن قراءته على عبد الباقي بن الحسن، وعن قراءته على عبد اللّه بن الحسين، وطريق الجمّال عن الحلوانيّ، وبه قرأ الهذليّ، وأطلق الوجهين عن قالون بن بلّيمة صاحب " التّلخيص " من الطّريقين، ونصّ على الخلاف صاحب التّيسير من طريق أبي نشيطٍ وأطلق التّخيير له في " الشّاطبيّة "، وكذا جمهور الأئمّة العراقيّين من الطّريقين
[النشر في القراءات العشر: 1/273]
وانفرد الهذليّ عن الهاشميّ عن ابن جمّازٍ بعدم الصّلة مطلقًا كيف وقعت، إلّا أنّه مقيّدٌ بما لم يكن قبل همز قطعٍ، كما سيأتي في باب النّقل، ووافق ورشًا على الصّلة إذا وقع بعد ميم الجمع همزة قطعٍ نحو (عليهم أأنذرتهم أم) (معكم إنّما) (وأنّهم إليه) والباقون بإسكان الميم في جميع القرآن، وأجمعوا على إسكانها وقفًا، واختلفوا في كسر ميم الجمع وضمّها وضمّ ما قبلها وكسره إذا كان بعد الميم ساكنٌ، وكان قبلها هاءٌ وقبلها كسرةٌ، أو ياءٌ ساكنةٌ نحو: قلوبهم العجل، وبهم الأسباب، ويغنيهم اللّه، ويريهم اللّه، وعليهم القتال، ومن يومهم الّذي، فكسر الميم والهاء في ذلك كلّه أبو عمرٍو وضمّ الميم وكسر الهاء نافعٌ، وابن كثيرٍ، وابن عامرٍ، وعاصمٌ وأبو جعفرٍ، وضمّ الميم والهاء جميعًا حمزة، والكسائيّ، وخلفٌ، وأتبع يعقوب الميم الهاء على أصله المتقدّم، فضمّها حيث ضمّ الهاء وكسرها حيث كسرها، فيضمّ نحو (يريهم اللّه) ، (عليهم القتال) ؛ لوجود ضمّة الهاء، وبكسر نحو في قلوبهم العجل؛ لوجود الكسرة، ورويسٌ على الخلاف في نحو يغنهم اللّه.
هذا حكم الوصل، وأمّا حكم الوقف فكلّهم على إسكان الميم، وهي في الهاء على أصولهم، فحمزة يضمّ نحو: عليهم القتال وإليهم اثنين ويعقوب يضمّ ذلك، ويضمّ في نحو يريهم اللّه ولا يهديهم اللّه ورويسٌ في نحو: يغنهم اللّه على أصله بالوجهين، وأجمعوا على ضمّ الميم إذا كان قبلها ضمٌّ، سواءٌ كان هاءً أم كافًا أم تاءً نحو يلعنهم اللّه ويلعنهم اللّاعنون، ومنهم الّذين، وعنهم ابتغاء، وعليكم القتال، وأنتم الأعلون وما أشبه ذلك، وإذا وقفوا سكّنوا الميم). [النشر في القراءات العشر: 1/274]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (باب البسملة
اختلفوا في الفصل بين السورتين بالبسملة، وتركه:
فابن كثير وعاصم وأبو جعفر وقالون وورش من طريق الأصبهاني يفصلون بها بين كل سورتين.
وحمزة يصل السورة بالسورة من غير بسملة، وكذلك خلف، وجاء عنه أيضًا السكت قليلًا، أي دون تنفس من غير بسملة.
واختلف عن الباقين وهم: أبو عمرو وابن عامر ويعقوب وورش من طريق الأزرق، فقرأت لكل بالبسملة وبالوصل وبالسكت، فالبسملة لأبي عمرو في الهادي، وأحد الثلاثة في الهداية، واختيار صاحب الكوفي،
[تقريب النشر في القراءات العشر: 209]
وهو الذي رواه ابن حبش عن السوسي، والذي في غاية الاختصار له ولابن عامر في العنوان والروضة والتجريد، وعند العراقيين، وهو الثاني في الكافي، وقراءة الداني على أبي الفتح والفارسي، وليعقوب في التذكرة والوجيز، وعند الداني وابن الفحام وابن شريح، ولورش في التبصرة، واختيار الكوفي، وأحد الثلاثة في الشاطبية.
[تقريب النشر في القراءات العشر: 210]
والوصل لأبي عمرو في العنوان والوجيز، وأحد الوجهين في جامع الداني وبه قرأ علي الفارسي عن أبي طاهر، وهو قراءة صاحب التجريد على عبد الباقي، وأحد الثلاثة في الهداية، وبه قطع في غاية الاختصار لغير السوسي وطريق الطبري في المستنير وغيره، وظاهر عبارة الكافي، وأحد وجهي الشاطبية، ولابن عامر في الهداية، وأحد وجهي الكافي، والشاطبية، وليعقوب في غاية الاختصار وغيرها، ولورش في الهداية
[تقريب النشر في القراءات العشر: 211]
والعنوان، وظاهر الكافي، وأحد الثلاثة في الشاطبية، والسكت لأبي عمرو في التبصرة، والتلخيصين، وإرشاد ابن غلبون، والتذكرة، وأحد وجهي الهداية، والشاطبية، واختيار الداني، وبه قرأ على أبي الحسن، وأبي الفتح، وابن خاقان، وهو الذي في المستنير، والروضة وسائر العراقيين.
ولابن عامر في التلخيص، والتبصرة، ولابني غلبون، واختيار
[تقريب النشر في القراءات العشر: 212]
الداني، وبه قرأ على أبي الحسن، وأحد وجهي الشاطبية، وليعقوب في الإرشادين، وسائر كتب العراق، ولورش في التلخيص، والتيسير، وبه قرأ على شيوخه، ولابني غلبون، وأحد الثلاثة في الشاطبية وقرأ به في التبصرة على أبي الطيب.
واختار بعض أهل الأداء عن من وصل السورة بالسورة، السكت بين (المدثر) و(القيامة) وبين (الانفطار) و (التطفيف)، وبين (الفجر) و(البلد)، وبين (العصر) و (الهمزة)؛ من أجل بشاعة اللفظ بـ {لا} و {ويل}، وكذلك اختاروا عن من سكت الفصل بالبسملة في هذه المواضع الأربعة، وأجمعوا على البسملة أول كل سورة ابتدئ بها، إلا براءة فإنه لا يجوز البسملة
[تقريب النشر في القراءات العشر: 213]
أولها ولو وصلت بالأنفال قبلها؛ بل يجوز عن كل من القراء بينهما ثلاثة أوجه وهي: الوصل والسكت والوقف، وانفرد ابن شريح بعدم البسملة عن حمزة في ابتداء السور سوى الفاتحة، وتجوز البسملة عن كل من القراء بعد الاستعاذة إذا ابتدئ بأوساط السور، واستثنى بعضهم وسط براءة، وأجازه بعضهم وكلاهما محتمل، وذهب بعضهم إلى أن البسملة في أوساط السور تكون عن من فصل بها بين السورتين دون من لم يفصل، وإذا فصل بالبسملة بين السورتين فلا يجوز القطع عليها إذا وصلت بآخر السورة، ويجوز كل من الأوجه الثلاثة الباقية على وجه التخيير، وانفرد مكي في الكشف بمنع القطع على البسملة إذا قطعت عن آخر السورة، ولم يجزه في التبصرة). [تقريب النشر في القراءات العشر: 214]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) :(باب البسملة
107 - بسمل بين السّورتين بي نصف = دم ثق رجا وصل فشا وعن خلف
108 - فاسكت فصل والخلف كم حمًا جلا = واختير للسّاكت في ويلٌ ولا
109 - بسملةٌ، والسّكت عمّن وصلا = وفي ابتدا السّورة كلٌّ بسملا
110 - سوى براءةٍ فلا ولو وصل = ووسطًا خيّر وفيها يحتمل
111 - وإن وصلتها بآخر السّور = فلا تقف وغيره لا يحتجر). [طيبة النشر: 38]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) :(باب البسملة
البسملة مصدر بسمل إذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم، كما يقال هلل وهيلل: إذا قال لا إله إلا الله، وكذا حوقل وحولق: إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وكذا حيعل وحمدل وحسبل وكأنها لغة مولدة أريد بذلك الاختصار، وهي مستحبة عند ابتداء كل أمر مباح أو مأمور به؛ وهي من القرآن في قصة سليمان في النمل بلا خلاف، وأما في أوائل السور فالخلاف فيها مشهور بين القراء والفقهاء في كل موضع رسمت، والظاهر أنها من ذلك لأنها كتبت بقلم الوحي، والله تعالى أعلم. وأتبع باب الاستعاذة بباب البسملة على حسب ترتيبها في القراءة، والبسملة تأتي في ثلاثة مواضع إذا ابتدأ سورة أو موضعا منها أو بين السورتين، فابتدأ بالثالث للاختلاف فيه فقال:
بسمل بين السّورتين (ب) ي (ن) صف = (د) م (ث) ق (ر) جا وصل (ف) شا وعن خلف
أي قرأ بالبسملة بين السورتين قالون وعاصم وابن كثير وأبو جعفر والكسائي بغير خلاف عن أحد منهم، وكذلك الأصبهاني عن ورش كما سيأتي التنبيه عليه في البيت الآتي، ووجه البسملة عند من بسمل كتابتها في المصاحف العثمانية واعتقد بعضهم أنها آية، ووصل السورة بالسورة من غير بسملة حمزة، وورد الوصل والسكت عن خلف في اختياره، وأتى باسمه، لأنه ليس له رمز كما تقدم.
واختلف عن الباقين في السكت والوصل والبسملة كما سيأتي في البيت الآتي؛ فوجه البسملة كتابتها في المصاحف العثمانية، ووجد الوصل عدم اعتقاد كونها
[شرح طيبة النشر لابن الجزري: 46]
آية، وأن إثباتها في رسم المصاحف كإثبات همزة الوصل فلذلك أثبتوها في الابتداء وحذفوها في الوصل؛ ووجه السكت الإيذان بانقضاء السورة قوله:
(نصف) اسم من الإنصاف، والنصف من الرجال والنساء: من هو بين الحداثة والكبر، والنصف الشيب رأسه وغيره: أي بلغ نصفه قوله: (دم) لفظ أمر، والمراد به الدعاء للقارئ بالبقاء وطول العمر. وثق من الثقة: أي وكن واثقا حسن الرجاء. قوله: (رجا) هو الأمل ممدود وقصر ضرورة. قوله: (وصل) أي السورة بالسورة.
فاسكت وصل والخلف (ك) م (حما ج) لا = واختير للسّاكت في ويل ولا
عطف الخلف على الوصل والسكت ليعلم أن من ذكر بعده له الوجهان وضدهما وهو البسملة، فيكون لكل من المذكورين وهم ابن عامر وأبو عمرو ويعقوب وورش من طريق الأزرق الأوجه الثلاثة، وهي السكت والوصل والبسملة، ويبقى الأصبهاني عن ورش مثل قالون كما تقرر في الخطبة، وقد تقدم لقالون البسملة، وكم هنا خبرية: أي كم كشف شيئا ممنوعا لا يوصل إليه قوله: (جلا) أي كشف قوله: (واختير الخ) مع صدر البيت الآتي: يعني أن بعض أهل الأداء اختار في السورة التي أولها ويل ولا، يريد «ويل للمطففين» و «ويل لكل همزة» و «ولا أقسم بيوم القيامة و «لا أقسم بهذا البلد» البسملة لمن سكت من القراء وهم: خلف وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب وورش من طريق الأزرق، والسكت عمن وصل منهم، وهم: حمزة وخلف وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب وورش من طريق الأزرق؛ ووجه ذلك البشاعة التي تكون في الوصل إذا قال:
«وأهل المغفرة لا، ولله ويل، وادخلي جنتي لا، وتواصوا بالصبر ويل».
بسملة والسّكت عمّن وصلا = وفي ابتدأ السّورة كلّ بسملا
وهذا الموضع الثاني من مواضع البسملة، وهو ابتداء السورة فأجمع القراء على البسملة فيه إلا سورة براءة كما سيأتي في البيت الآتي:
[شرح طيبة النشر لابن الجزري: 47]
سوى براءة فلا ولو وصل = ووسطا خيّر وفيها يحتمل
أي فلا يبسمل في ابتدائها قوله: (ووسطا) أي وسط السورة: يعنى ألفاظها وأجزاءها، هذا الموضع الثالث وهو أوساط السورة؛ فالقارئ فيه مخير بين الإتيان بالبسملة فيه بعد الاستعاذة، وذلك سوى براءة فإنه يحتمل التخيير فيها كغيرها، ويحتمل المنع من البسملة فيها. وقد اختلف رأي أصحابنا في ذلك كما بينه في النشر قوله: (خير) أي بين البسملة وعدمها قوله: (وفيها) أي في أجزاء براءة وألفاظها قوله: (يحتمل) أي التخيير بين البسملة وعدمها.
تنبيه
استثناء سورة براءة من الابتداء بالبسملة ومن البسملة بينها وبين سورة الأنفال أيضا لمن بسمل بين السورتين، وهذا معنى قوله: ولو وصل، وذلك لإجماع المصاحف على حذفها فيها واختلف في العلة التي من أجلها لا يبسمل في سورة براءة بحالة، فذهب الأكثرون إلى أنه لسبب نزولها بالسيف: يعني ما اشتملت عليه من الأمر بالقتل والأخذ والحصر ونبذ العهد، وأيضا فيها الآية المسماة بآية السيف وهي: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله، الآية، وذهب بعضهم إلى أنها احتمال كونها من الأنفال.
وإن وصلتها بآخر السّور = فلا تقف وغيره لا يحتجر
فكأي إذا فصلت بالبسملة بين السورتين، أمكن أربعة أوجه يمتنع منها وجه وهو وصلها بآخر السورة الماضية وقطعها عن السورة الآتية، وتبقى الثلاثة الأخرى جائزة: أحدها قطعها عن الماضية ووصلها بالآتية، والثاني وصلها بالماضية والآتية، والثالث قطعها عنهما، فهذه الثلاثة لا منع منها وأولها أولها). [شرح طيبة النشر لابن الجزري: 48]
- قال محب الدين محمد بن محمد بن محمد النُّوَيْري (ت: 857هـ): (باب البسملة
هي مصدر «بسمل»، إذا قال: بسم الله، ك «حوقل» إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، و«حمدل» إذا قال: الحمد لله، وهو شبيه بباب النسب، أي أنهم يأخذون اسمين فيركبون منهما اسما واحدا فينسبون إليه، كقولهم: حضرمي، وعبشمي، وعبقسي، نسبة إلى: حضر موت، وعبد شمس، وعبد القيس، لا جرم أن بعضهم قال في «بسمل» و«هلل»: إنها لغة مولدة.
قال الماوردي: يقال لمن بسمل مبسمل، وهي لغة مولدة، ونقلها غيره كثعلب، والمطرز، ولم يقل: إنها مولدة. [وذكرها بعد التعوذ؛ لوقوعها بعده في التلاوة].
ص:
بسمل بين السّورتين (ب) ى (ن) صف = (د) م (ث) ق (ر) جا وصل (ف) شا وعن خلف
فاسكت فصل والخلف (ك) م (حما) (ج) لا = ... ...
ش: (بين السورتين) ظرف [بسمل] و(بى) فاعله، إما باعتبار أنه صار عند القراء اسما للقارئ، فحيث قالوا: بسمل (بى)، فكأنهم قالوا: بسمل قالون، وإما على حذف
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/289]
مضاف، وكأنهم قالوا: بسمل ذو باء (بى)، وهكذا جميع رموز الكتاب تجعل كأنها أسماء مستقلة، سواء كانت الكلمة في صورة الاسم أو الفعل أو الجار والمجرور، فيحكم على تلك الكلمة بالفاعلية والابتدائية، والخبرية والمفعولية، سواء كان مفعولا صريحا، أو بنزع الخافض أو بالإضافة إليها، وحاصله أنه لا ينظر إلى صورته أصلا، وكذلك إذا جمع الناظم بين كلمات رمز بلا عاطف فتجعل معطوفات بحذف العاطف، فقوله: (بى) فاعل) والأربعة بعده معطوفات بمحذوف، (وصل) أمر متعد لـ (فشا) بلام مقدرة، فهو في محل نصب، و(فاسكت) جواب شرط مقدر، أي: وأما عن خلف، و«صل» معطوف على (اسكت)، و(الخلف) مبتدأ، وخبره كائن عن (كم).
و (حمى وجلا) معطوفان على (كم)، ومحلها نصب، أي: بسمل بين السورتين باتفاق ذو باء (بى) قالون، ونون (نصف) عاصم، ودال (دم) ابن كثير وثاء (ثق) (أبو جعفر) وراء (رجا) (الكسائي)، ووصل بينهما باتفاق ذو فاء (فشا) [حمزة].
واختلف عن (خلف) في اختياره في الوصل والسكت، وعن ذي كاف (كم) ابن عامر، وحما (البصريّين)، وجيم جلا (ورش) من طريق الأزرق.
أما خلف: فنص له على الوصل أكثر المتقدمين، وهو الذي في «المستنير» و«المبهج» و«كفاية سبط الخياط» و«غاية أبي العلاء»، وعلى السكت أكثر المتأخرين.
وأما ابن عامر: فقطع له بالوصل صاحب «الهداية»، وبالسكت صاحب «التلخيص» و«التبصرة»، وابن غلبون، واختاره الداني، وبه قرأ على أبي الحسن، ولا يؤخذ من
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/290]
«التيسير» بسواه، وبالبسملة صاحب «العنوان» و«التجريد» وجمهور العراقيين.
وبه قرأ الداني على الفارسي، وأبي الفتح.
وأما أبو عمرو فقطع له بالوصل صاحب «العنوان» و«الوجيز».
وبه قرأ على الفارسي عن أبي طاهر.
وبه قرأ صاحب «التجريد» على عبد الباقي، وبالسكت صاحب «التبصرة» و«تلخيص العبارات» و«المستنير» و«الروضة» وسائر كتب العراقيين، وبالبسملة صاحب «الهادي»، واختاره صاحب «الكافي»، وهو الذي رواه ابن حبش عن السوسي والثلاثة في «الهداية».
وقال الخزاعي والأهوازي، ومكي، وابن سفيان، والهذلي: والتسمية بين السورتين مذهب البصريين عن أبي عمرو.
وأما يعقوب فقطع له بالوصل صاحب «غاية الاختصار»، وبالسكت صاحب «المستنير» و«الإرشاد» و«الكفاية» وسائر العراقيين، وبالبسملة صاحب «التذكرة» و«الكافي» و«الوجيز» و«الكامل» وابن الفحام.
وأما الأزرق فقطع له بالوصل صاحب «الهداية» و«العنوان» و«المفيد» وجماعة، وبالسكت ابنا غلبون وجماعة، وهو الذي في «التيسير».
وبه قرأ الداني على جميع شيوخه، وبالبسملة صاحب «التبصرة» من قراءته على أبي عدى، وهو الذي اختاره صاحب «الكافي».
وبه كان يأخذ أبو حاتم وأبو بكر الأدفوي وغيرهما عن الأزرق والثلاثة في «الشاطبية».
وجه إثباتها بين السور: ما روي [عن] سعيد بن جبير قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم انقضاء السّورة حتّى تنزل بسم الله الرّحمن الرّحيم».
ولثبوتها في المصحف بين السور عدا «براءة».
ووجه تركها: قول ابن مسعود: كنا نكتب (باسمك اللهم)، فلما نزل بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها [هود: 41] كتبنا (بسم الله)، فلما نزل قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الإسراء: 110] كتبنا (بسم الله الرحمن)، فلما نزل إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ ... الآية [النمل: 30] كتبناها.
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/291]
فهذا دليل على أنها لم تنزل أول كل سورة.
ووجه الوصل: أنه جائز بين كل اثنتين، وكان حمزة يقول: القرآن كله عندي كالسورة، فإذا بسملت في الفاتحة أجزأني ولم أحتج لها.
وحينئذ فلا حاجة للسكت؛ لأنه بدل منها.
ووجه السكت: أنهما اثنتان وسورتان وفيه إشعار بالانفصال، والله أعلم.
ص:
... ... ... واختير للسّاكت في (ويل) ولا
بسملة والسّكت عمّن وصلا ... ... ...
ش: (واختير) مبني للمفعول، ولام (للساكت) و(في) متعلقان بـ (اختير)، والمجرور لفظ (ويل) و(لا) معطوف عليه، وأطلقهما ليعما جميع مواقعهما، وكل منهما في موضعين وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين: 1] ووَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة: 1] ولا أُقْسِمُ [القيامة: 1] أول القيامة، والبلد، و(بسملة) نائب عن الفاعل، أي: واختير في هذا اللفظ بسملة، و(السكت) عطف على «بسملة».
أي: واختير عمن وصل السكت: أي: اختار كثير من الآخذين بالسكت لمن ذكر من ورش والبصريين، وابن عامر، وخلف، كابني غلبون وصاحب «الهداية»، ومكي.
وبه قرأ الداني على أبي الحسن، وابن خاقان البسملة بين «المدثر» ولا أُقْسِمُ وبين «الانفطار» ووَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ وبين «الفجر» ولا أُقْسِمُ وبين «العصر» ووَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ للإتيان بـ «لا» بعد [«المغفرة»] و«جنتي» وب «ويل» بعد اسم الله- تعالى- و«الصبر» والكراهة في التلاصق؛ ولهذا ذمّ الخطيب الواصل «من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما».
قال المصنف: والظاهر أنه إنما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «بئس خطيب القوم أنت»؛ لأنه زاد حدّا في تقصير الخطبة، وهو الذي يقتضيه سياق مسلم للحديث؛ لأنه في مقام تعليم ورشد وبيان ونصح، فلا يناسب غاية الإيجاز، وهذا هو الصحيح في سبب الذم. وقيل: لجمعه بين الله ورسوله في كلمة. وليس بشيء.
وفيما عدل إليه القراء؛ لأنهم فروا من قبيح إلى أقبح؛ لأن من وجوه البسملة الوصل
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/292]
فيلتصق معهم «الرحيم» بـ «ويل»، وأيضا قد وقع في القرآن كثير من هذا؛ نحو: وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً لا يُحِبُّ [النساء: 147 - 148] إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَيْلٌ [المرسلات:
44 - 45]. واختار أيضا كثير من الآخذين بالوصل لمن ذكر، ويدخل فيهم حمزة:
كصاحب «الهداية» و«المبهج» و«التبصرة» و«الإرشاد» و«المفيد» و«التجريد» و«التيسير» وابني غلبون- السكت بين الأربع، وهو مذهب حسن.
والأحسن عدم التفرقة، واختاره الداني والمحققون، ووجهه عدم النقل. والله أعلم.
ص:
... ... ... .... وفي ابتدأ السّورة كلّ بسملا
سوى براءة فلا ولو وصل = ووسطا خيّر وفيها يحتمل
ش: (كل بسمل) كبرى، (وفي) يتعلق بـ (بسمل)، وقصر (ابتدأ) للضرورة، و(سوى) قال ابن مالك والزجاج: ك «غير» معنى وإعرابا، ويؤيدها حكاية الفراء: أتاني سواك.
وقال سيبويه والجمهور: ظرف دائما بدليل وصل الموصول بها؛ ك «جاء» الذي سواك.
وقال الرماني، والعكبري: وتستعمل ظرفا غالبا وك «غير» قليلا.
والإجماع على خفض المستثنى بها.
وقوله: (فلا) أي: فلا يبسمل في أولها إن لم توصل بما قبلها بأن ابتدئ بها، ولو وصل أولها بما قبله فهو عطف على محذوف، (ووسطا) منصوب بنزع الخافض، أي:
وخير في وسط كل سورة، و(فيها) يتعلق بـ (يحتمل)، أي: يحتمل في وسط «براءة» أن يقال بالبسملة وعدمها.
واعلم أن المراد بالوسط هنا: ما كان من بعد أول السورة ولو بكلمة، أي: أن كل من بسمل أو وصل أو سكت [بين السورتين] إذا ابتدأ أي سورة قرأها يبسمل اتفاقا، أما عند من بسمل فواضح، وأما عند غيره فللتبرك وموافقة خط المصحف؛ لأنها عنده إنما كتبت لأول السورة فأتى بها ابتداء لئلا يخالف المصحف وصلا وابتداء، ويجعلها في الوصل كهمزة الوصل، ولهذا اتفقوا عليها أول الفاتحة، ولو وصلت بـ «الناس»؛ لأنها لو وصلت لفظا فهي مبتدأ بها حكما.
قال الداني: لأنها أول القرآن فلا سورة قبلها توصل بها. قال: وبها قرأت على
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/293]
ابن غلبون وابن خاقان وفارس، فعلى هذا يكون قول الناظم: (وفي ابتدأ السورة) شاملا لهذه المسألة.
إشارة: لا فرق بين قول الناظم: (وفي ابتدأ السورة)، وبين قول «التيسير»: «أول الفاتحة»؛ لأن صاحب هذا [اللفظ] - أعني الداني- قال: لأنها وإن وصلت بـ «الناس» فهي مبتدأ حكما؛ لأنه لا بشيء قبلها يوصل.
إذا عرفت هذا علمت أنه لا يرد على الناظم ولا الشاطبي ما أورده الجعبري عليه من أن عبارة «التيسير» أولى؛ لأن من عبر بالابتداء يخرج عن كلامه وصل الفاتحة بالناس، فيكون مفهومه أن لا بسملة، وليس كذلك؛ لأن الإيراد لا يرد إلا إن أمكن وروده، ولا يمكن هنا؛ لأن الفاتحة لا تكون [أبدا] إلا [مبتدأ] بها.
إشارة أخرى: إذا فهمت كلام الداني أيضا- أعني قوله: لأنها مبتدأ بها ... إلخ- ظهر لك فساد قول الجعبري في تعليلها: إذ تلك جزء [لا لفصل كذه] من قوله:
يا علماء العصر حيّيتم = دونكم من خاطري مسألة
ما سورتان اتّفق الكلّ على = أن يثبتوا بينهما بسمله
وأجمعوا أيضا على أنّهم = لم يثبتوا بينهما بسمله
ثم أجاب فقال:
ما لي أرى المقرئ المشرقي = يبهم أعلام الهدى الواضحة
سألتنا عن مبهم واضح = هما هديت النّاس والفاتحة
إذ تلك جزء لا لفصل كذه = وتركت بل نافت الفاضحه
فجعل علة البسملة أول الفاتحة حالة الوصل كونها جزءا منها، ولا تتم هذه العلة إلا إذا اتفق كل القراء على جزئيتها، وليس كذلك؛ فقد قال السخاوي: اتفق القراء عليها أول الفاتحة: فابن كثير، وعاصم يعتقدونها آية منها ومن كل سورة، ووافقهم حمزة على الفاتحة فقط، وأبو عمرو وقالون ومن تابعه من قراء المدينة لا يعتقدونها آية من
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/294]
الفاتحة. انتهى.
فالصحيح على هذا تعليل الداني، وقد اعترف هو أيضا بذلك، حيث قال في آخر كلامه على قول الشاطبي:
ولا بد منها في ابتدائك سورة ... ... ... ... ...
وقراء المدينة وأبو عمرو لا يرونها آية من الأوائل، ومراده أول كل سورة؛ لقوله عقب هذا: وحمزة يراها آية من أول الفاتحة فقط.
قوله: (سوى براءة) يعني أن القارئ إذا ابتدأ بـ «براءة» أو وصلها بما قبلها لا يبسمل، وهذا هو الصحيح فيما إذا ابتدئ بها، وسيأتي مقابله.
وأما إذا وصلها بالأنفال فحكى على منعه الإجماع: مكيّ وابنا غلبون والفحام وغيرهم، والعلة قول ابن عباس- رضي الله عنهما-: [سألت عليّا: لم لم تكتب؟ قال: لأن] «بسم الله» أمان، وليس فيها أمان، أنزلت بالسيف.
ومعنى ذلك أن العرب كانت تكتبها أول مراسلاتهم في الصلح والأمان، فإذا نبذوا العهد ونقضوا الأمان لم يكتبوها، فنزل القرآن على هذا؛ فصار عدم كتابتها دليلا على أن هذا الوقت وقت نقض عهد وقتال فلا يناسب البسملة.
وقيل: العلة قول عثمان لما سئل عنها: كانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وبراءة من آخر القرآن، وقصتها شبيهة بقصتها، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا، فظننت أنها منها فقرنت بينهما. وهو يجيز الخلاف؛ لأن غايته أنها جزء منها.
وقيل: قول أبي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بها في أول كل سورة، ولم يأمرنا في أولها بشيء.
قلت: ويرد عليه أن من لم يبسمل في أول غيرها لا يبسمل، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بها في غيرها وإلا بسمل، وأيضا عدم الأمر يوجب التخيير لا الإسقاط أصلا؛ لأن الأجزاء أيضا لم يكن يأمرهم فيها بشيء.
وقيل: قول مالك: نسخ أولها، وهو يوجب التخيير.
تنبيه:
حاول [بعضهم] جواز البسملة في أول براءة حال الابتداء بها، قال السخاوي:
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/295]
وهو القياس؛ لأن إسقاطها إما لأن (براءة) نزلت بالسيف، أو لعدم قطعهم بأنها سورة مستقلة، فالأول مخصوص بمن نزلت فيه ونحن إنما نسمي للتبرك، والثاني يجوزها لجوازها في الأجزاء إجماعا، وقد علم الغرض من إسقاطها فلا مانع منها. انتهى.
ووافقه المهدوي وابن شيطا:
قال المهدوي: فأما براءة فالقراء مجمعون على ترك الفصل بينها وبين الأنفال [بالبسملة]، وكذلك أجمعوا على [ترك] البسملة في أولها في حال الابتداء بها، سوى من رأى البسملة في أوساط السور، فإنه يجوز أن يبتدئ بها من أول براءة عند من جعلها هي والأنفال سورة واحدة، ولا يبتدأ بها عند من جعل العلة السيف.
وقال أبو الفتح بن شيطا: ولو أن قارئا ابتدأ قراءته من أول التوبة: فاستعاذ ووصل الاستعاذة بالبسملة [متبركا بها، ثم تلا السورة]، لم يكن عليه حرج- إن شاء الله تعالى- كما يجوز له إذا ابتدأ من بعض السورة أن يفعل ذلك، وإنما المحذور أن يصل آخر الأنفال بأول براءة، ثم يصل بينهما بالبسملة؛ لأن ذلك بدعة وضلال وخرق للإجماع [ومخالف للمصحف]. انتهى.
فهذان النصان قد تواردا على جوازها حالة الابتداء؛ اعتدادا بالتعليل بعدم القطع بأنها سورة مستقلة، وهو [إنما يدل على جوازها حالة] الابتداء لا حالة الوصل؛ لأنه لا يجوز الفصل بها بين الأجزاء حالة الوصل. وأما التعليل بالسيف فيعم حالة الابتداء والوصل، إلا أن الخلاف إنما هو في الابتداء [فقط] كما تقدم.
قوله: (ووسطا خير ... ) أي: إذا ابتدئ بوسط سورة مطلقا سوى براءة جازت البسملة وعدمها لكل القراء تخييرا، واختارها جمهور العراقيين وتركها جمهور المغاربة، ومنهم من أتبع الوسط للأول؛ فبسمل لمن بسمل بينهما وترك لغيره، واختاره السبط والأهوازي وغيرهما.
قوله: (وفيها يحتمل) أي: إذا ابتدئ بوسط [براءة] فلا نص فيها للمتقدمين، واختار السخاوي الجواز، قال: ألا ترى أنه يجوز بغير خلاف أن يقول: بِسْمِ اللَّهِ*
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/296]
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً [التوبة: 36] وفي نظائرها من الآي؟
وإلى منعهما ذهب الجعبري، ورد على السخاوي فقال: إن كان نقلا فمسلم، وإلا فيرد عليه أنه تفريع على غير أصل ومصادم لتعليله.
قلت: لعل الجعبري لم يقف على كلامه، وإلا فهو قد أقام الدليل على جوازها في أولها كما تقدم.
وإذا تأصل ذلك بنى عليه هذا، وقد أفسد أدلة المانعين وألزمهم القول بها قطعا كما تقدم، وليس هذا مصادما لتعليله؛ لأنه لم يقل بالمنع حتى يعلله، فكيف يكون له تعليل؟
والله أعلم. [لكن في قوله: (ألا ترى.. ) إلخ نظر؛ لأنه محل النزاع].
قال المصنف: والصواب أن من ترك البسملة في [وسط] غيرها أو جعل الوسط تبعا للأول لا إشكال عنده في تركها، وأما من بسمل في الأجزاء مطلقا: فإن اعتبر بقاء أثر العلة التي من أجلها حذفت البسملة أولها، [وهو] نزولها بالسيف، كالشاطبي [وأتباعه] لم يبسمل، وإن لم يعتبر البقاء أو لم يرها علة بسمل، والله أعلم.
ص:
وإن وصلتها بآخر السّور = فلا تقف وغيره لا يحتجر
ش: (إن) شرطية و(وصلتها) جملة الشرط، وهي ماضية، ومعناها الاستقبال، والجار يتعلق بـ (وصلت)، والفاء للجواب، وجملة الجواب محلها جزم لاقترانها بالفاء، (وغيره لا يحتجر) اسمية.
أي: أنك إذا بسملت بين السورتين أمكن أربعة أوجه: وصلها بالآخر مع الأول، وفصلها عنهما، وقطعها عن الآخر مع وصلها بالأول. وهذه الثلاثة داخلة في قوله:
(وغيره لا يحتجر) وهي جائزة إجماعا.
والرابع: وصل البسملة بالآخر مع الوقف عليها، وهو ممتنع؛ لأن البسملة للأوائل لا للأواخر، وقال في «التيسير»: لا يجوز.
فإن قلت: كان ينبغي أن يقول: «فلا سكت»؛ لأنه لا يلزم من امتناع الوقف امتناع السكت، وكلاهما ممنوع، كما اعترض به الجعبري كلام الشاطبي.
قلت: الذي نص عليه أئمة هذا الشأن إنما هو الوقف خاصة، كما هو صريح كلام
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/297]
الشاطبي، وقال الداني في «جامعه»: واختياري في مذهب من فصل بأن يقف القارئ على آخر السورة ويقطع على ذلك [ثم يبتدئ بالتسمية موصولة بأول السورة الأخرى، والله أعلم]. ولم يسبق الجعبري بذلك، وكأنه فهمه من كلام السخاوي حيث قال: فإذا لم يصلها بآخر سورة جاز أن يسكت عليها، وإنما مراده بالسكت الوقف؛ لأنه قال قبله:
اختيار الأئمة [لمن يفصل بالتسمية] أن يقف القارئ [على أواخر السورة ثم يبتدئ بالتسمية]. والله أعلم.
[تتمات]
الأولى: أن هذه الأوجه ونحوها الواردة على سبيل التخيير إنما المقصود منها معرفة جواز القراءة [على وجه الإباحة لا على وجه ذكر الخلف] بكل [منها]، فأي وجه قرئ [به] جاز، ولا حاجة للجميع في موضعه إلا إذا قصد استيعاب الأوجه، وكذا الوقف بالسكون والروم [والإشمام]، أو بالطول، والتوسط، والقصر، وكذلك كان بعض المحققين لا يأخذ إلا بالأقوى ويجعل الباقي مأذونا فيه، وبعضهم يرى القراءة بواحد في موضع وبآخر في آخر، وبعضهم يرى جمعها في أول موضع، أو موضع [ما] على وجه التعليم والإعلام وشمول الرواية، أما الأخذ بالكل [في كل موضع] [فلا يعتمده إلا متكلف غير عارف بحقيقة أوجه الخلاف]، وإنما شاع الجمع بين أوجه تسهيل حمزة وقفا لتدريب المبتدئ؛ فلذا لا يكلف العارف بجمعها.
الثانية: يجوز بين الأنفال وبراءة الوصل والسكت والوقف لجميع القراء، أما الوصل فقد كان جائزا مع وجود البسملة فمع عدمها أولى، وهو اختيار أبي الحسن بن غلبون في قراءة من لم يفصل، وهو في قراءة من فصل [أظهر].
وأما السكت فلا إشكال فيه عن أصحاب السكت، ونص عليه لغيرهم من الفاصلين والواصلين مكي وابن القصاع، وأما الوقف فهو الأقيس وهو الأشبه بمذهب أهل
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/298]
الترتيل.
قال المصنف: وهو اختياري للجميع؛ لأن أواخر السور من أتم التمام، وإنما عدل عنه كمن لم يفصل؛ لأنه لو وقف على أواخر السور للزمت البسملة أوائل السور من أجل الابتداء، وإن لم يؤت بها خولف الرسم في الحالين، واللازم هنا منتف، والمقتضى للوقف قائم، فمن ثم أجيز الوقف ولم يمنع غيره.
الثالثة: ما ذكر من الخلاف بين السورتين عام ترتبا أم لا، كواصل آخر آل عمران بأول البقرة. أما لو كررت السورة فقال المصنف: لم أجد فيها نصّا، والظاهر البسملة قطعا؛ فإن السورة والحالة هذه مبتدأة، كما لو وصلت الناس بالفاتحة قال: ومقتضى ما ذكره الجعبري عموم الحكم، وفيه نظر، إلا أن يريد في مذهب الفقهاء عند من يعدها آية، وهذا الذي ذكرناه على مذهب القراء. انتهى.
ولذلك يجوز إجراء أحوال الوصل في آخر السورة الموصل طرفاها من إعراب وتنوين، والله أعلم.
خاتمة:
في وصل «الرحيم» [ب «الحمد» ثلاثة أوجه:
الأول: للجمهور كسر ميم «الرحيم»]، والأصح أنها حركة إعراب، وقيل: يحتمل أن تكون الميم سكنت بنية الوقف، فلما وقع بعدها ساكن حركت بالكسر.
الثاني: سكون الميم والابتداء بقطع الهمزة، وروته أم سلمة عنه صلى الله عليه وسلم.
الثالث: حكاه الكسائي عن بعض العرب، وقال ابن عطية: إنه لم يقرأ به، وهو فتح الميم مع الوصل، كأنهم سكنوا الميم وقطعوا الألف ثم أجروا الوقف مجرى الوصل، فنقلت حركة همزة الوصل إلى الميم الساكنة، ويحتمل نصب الميم بـ «أعنى» مقدرا. والله أعلم). [شرح طيبة النشر للنويري: 1/299]

قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): (البسملة هي مصدر بسمل إذا قال: بسم الله كحوقل إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، والكلام عليها في مباحث.
الأول: لا خلاف أنها بعض آية من النمل، واختلف فيها أول الفاتحة فذهب إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه إلى أنها آية مستقلة من أول الفاتحة بلا خلاف عنده ولا عند أصحابه، لحديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها المروي في البيهقي وصحيح ابن خزيمة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرأ بسم الله الرحمن الرحيم في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية، وأيضا فهي آية مستقلة منها في أحد الحروف السبعة المتفق على تواترها،
[إتحاف فضلاء البشر: 1/358]
وعليه ثلاثة من القراء السبع ابن كثير وعاصم والكسائي فيعتقدونها آية منها، بل ومن القرآن أول كل سورة، وأما غير الفاتحة ففيها ثلاثة أقوال:
أولها: أنها ليست بآية تامة من كل سورة بل بعض آية، ثانيها: أنها ليست بقرآن في أوائل السور خلا الفاتحة، ثالثها: أنها آية تامة من أول كل سورة سوى براء.
وليعلم: أنه لا خلاف بينهم في إثباتها أول الفاتحة سواء وصلت بالناس أو ابتدئ بها؛ لأنها وإن وصلت لفظا فإنها مبتدأ بها حكما.
الثاني في حكمها: بين السورتين فقالون وورش من طريقي الأصبهاني وابن كثير وعاصم والكسائي، وكذا أبو جعفر بالفصل بينهما بالبسملة؛ لأنها عندهم آية لحديث سعيد بن جبير وافقهم ابن محيصن والمطوعي.
واختلف: عن ورش من طريق الأزرق وأبي عمرو وابن عامر وكذا يعقوب في الوصل والسكت، وبالبسملة بينهما جمعا بين الدليلين، فالبسملة لورش في التبصرة وهو أحد الثلاثة في الشاطبية، والوصل بلا بسملة له من العنوان، والمفيد وهو الثاني في الشاطبية، والسكت له في التيسير وبه قرأ الداني على جميع شيوخه، وهو الثالث في الشاطبية، وهو لأبي عمرو في سائر كتب العراقين، لغير ابن حبش عن السوسي هو أحد الوجهين في الشاطبية والهداية، واختاره الداني ولا يؤخذ من التيسير سواه عند التحقيق، وقطع له بالوصل بلا بسملة صاحب العنوان، والوجيز هو الثاني في الشاطبية كجامع البيان، وقطع له بالبسملة في الهادي والهداية في
[إتحاف فضلاء البشر: 1/359]
الوجه الثالث، ورواه ابن حبش عن السوسي وهي لابن عامر في العنوان، وفاقا لسائر العراقيين، والوصل له من الهداية وهو أحد الوجهين في الشاطبية، والسكت له من التبصرة، واختاره الداني وهو الثاني في الشاطبية وقطع به ليعقوب صاحب المستنير كسائر العراقيين، وبالوصل صاحب الغاية وبالبسملة الداني، وافقهم اليزيدي فالوصل لبيان ما في آخر السورة من إعراب وبناء وهمزات وصل، ونحو ذلك والسكت؛ لأنهما آيتان وسورتان.
واشترط: في السكت أن يكون من دون تنفس، واختلفت ألفاظهم في التأدية عن زمن السكت فقيل وقفة تؤذن بأسرار البسملة، وقيل سكتة يسيرة وقيل غير ذلك، قال في النشر: والصواب حمل دون من قولهم دون تنفس على معنى غير، وبه يعلم أن السكت لا يكون إلا مع عدم التنفس قل زمنه أم كثر.
ثم: ما ذكر من الخلاف بين السورتين هو عام بين كل سورتين سواء كانتا مرتبتين أم لا، فلو وصل آخر الفاتحة بالأنعام مثلا جازت البسملة وعدمها على ما تقدم، أما لو وصلت السورة بأولها كان كررت كما تكرر سورة الإخلاص فقال محرر الفن الشمس بن الجزري:لم أجد فيه نصا والذي يظهر البسملة قطعا، فإن السورة والحالة هذه مبتدأة كما لو صلت الناس بالفاتحة ا. هـ.
وإذا فصل: بين السورتين بالبسملة جاز لكل من رويت عنه ثلاثة أوجه وصلها بالماضية مع فصلها عنهما؛ لأن كلا من الطرفين وقف تام وفصلها عن الماضية ووصلها بالآتية.
قال الجعبري: وهو أحسنها لإشعاره بالمراد، وهو أنها للتبرك أو من السورة،
[إتحاف فضلاء البشر: 1/360]
ويمتنع وصلها بالماضية وفصلها عن الآتية، إذ هي لأوائل السور لا لأواخرها، والمراد بالفصل والقطع الوقف.
وقرأ: حمزة وكذا خلف بوصل آخر السورة بأول التي تليها من غير بسملة؛ لأن القرآن عندهما كالسورة الواحدة وافقهما الشنبوذي والحسن.
وقد اختار: كثير من أهل الأداء عمن وصل لمن ذكر من ورش وأبي عمرو وابن عامر وحمزة، وكذا يعقوب السكت بين المدثر والقيامة وبين الانفطار والمطففين، وبين الفجر والبلد وبين العصر والهمزة، كاختيار الآخذين بالسكت لورش أو أبي عمرو أو ابن عامر أو يعقوب الفصل بالبسملة بين السور المذكورة، لبشاعة اللفظ بلا، وويل والأكثرون على عدم التفرقة وهو مذهب المحققين.
الثالث: لا خلاف في حذف البسملة إذا ابتدأت براءة أو وصلتها بالأنفال على الصحيح وقد حاول بعضهم جوازها في أولها وقال السخاوي إنه القياس ووجهوا المنع بنزولها بالسيف قال ابن عباس رضي الله عنه بسم الله أمان وليس فيها أمان ومعناه أن العرب كانت تكتبها أول مراسلاتهم في الصلح فإذا نبذوا العهد لم يكتبوها قال السخاوي فيكون مخصوصا بمن نزلت فيه ونحن إنما نسمي للتبرك ا. هـ. واحتج للمنع بغير ذلك.
[إتحاف فضلاء البشر: 1/361]
وأما غير براءة فقد اتفق الكل على الإتيان بالبسملة في أول كل سورة، ابتدءوا بها ولو حكما كأول الفاتحة، حيث وصلت بالناس كما تقدم إلا الحسن فإنه يسمى أول الحمد فقط.
الرابع: يجوز البسملة وعدمها في الابتداء بما بعد أوائل السور ولو بكلمة لكل من القراء تخييرا كذا أطلق الشاطبي كالداني في التيسير، وعلى اختيار البسملة جمهور العراقيين، وعلى اختيار عدمها جمهور المغاربة، ومنهم من خص البسملة بمن فصل بها بين السورتين كابن كثير ومن معه، وبتركها من لم يفصل بها كحمزة ومن معه.
وأما: الابتداء بما بعد أول براءة منها فلا نص للمتقدمين فيه، وظاهر إطلاق كثير كالشاطبي التخيير فيها، واختار السخاوي الجواز، وإلى المنع ذهب الجعبري والصواب كما في النشر: أن يقال إن من ذهب إلى ترك البسملة في أوساط غير براءة لا إشكال في تركها عنده في أوساط براءة، وكذا لا إشكال في تركها عند من ذهب إلى التفصيل، إذ البسملة عندهم وسط السورة تبع لأولها ولا تجوز البسملة أولها فكذا وسطها، وأما من ذهب إلى البسملة في الأجزاء مطلقا فإن اعتبر بقاء أثر العلة من أجلها حذفت أولها وهي نزولها بالسيف كالشاطبي لم يبسمل وإن لم يعتبر بقاء أثرها أو لم يرها علة بسمل بلا نظر والله أعلم.
خاتمة:
يعلم مما تقدم من التخيير في الابتداء بالإجراء مع ثبوت البسملة بين السور أنه لا يجوز وصل البسملة بجزء من أجزاء السورة، لا مع الوقف ولا مع وصله بما بعده، إذ القراءة سنة متبعة، وليس أجزاء السورة محلا للبسملة عند أحد، والمنع من ذلك أولى من منع وصلها بآخر السورة، والوقف عليها إذ ذاك محل لها في الجملة، وقد منعت لكون البسملة للأوائل لا للأواخر، قال شيخنا رحمه الله تعالى: هذا ما
[إتحاف فضلاء البشر: 1/362]
تيسر من الكلام على البسملة). [إتحاف فضلاء البشر: 1/363]
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): (باب البسملة
لا خلاف بينهم في أن القارئ إذا افتتح قراءته بأول سورة غير براءة أنه يبسمل وسواء كان ابتداؤه عن قطع أو وقف، وربما يظن بعضهم أن الابتداء لا يكون إلا بعد قطع، وليس كذلك.
والمراد بالقطع عند المحققين: ترك القراءة رأسًا، بأن تكون نية القارئ ترك القراءة والانتقال منها لأمر آخر، وبالوقف: قطع الصوت على الكلمة زامنًا يتنفس فيه عادة بنية استئناف القراءة.
وكثير من المتقدمين يطلقون القطع على الوقف، ويأتي مثله في كلامنا في باب التكبير إن شاء الله وكذلك الفاتحة ولو وصلت بغيرها من السور لأنها وإن وصلت لفظًا فهي مبتدأ بها حكمًا.
واختلفوا في إثباتها بين السورتين، سواء كانتا مترتبتين أو غير مترتبتين، فأثبتهما قالون والمكي وعاصم وعلي، وحذفها حمزة ووصل السورتين.
واختلف عن ورش والبصري والشامي، فقطع لهم بعض أهل الأداء بتركها، وبعضهم بإثباتها.
[غيث النفع: 311]
وهو المأخوذ به عندي تبعًا لأبي شامة والقسطلاني، من قوله:
.................. = وفيها خلاف جيده واضح الطلا
ومعنى البيت: ولا نص لهم، أي لذوي كاف (كل) وجيم (جلاياه) وحاء (حصلا) الشامي وورش والبصري، في التخيير بين السكت والوصل المدلول عليه بالواو التي بمعنى (أو) في البيت قبله، وارتدع وانزجر أن تنسب للعلماء شيئًا لم ينقل عنهم.
ويحتمل أن تكون (كلا) هنا حرف جواب بمنزلة نعم، فيكون تصديقًا للمنفي بلا الجنسية المحذوف خبرها، وقد جوز فيها هذا المعنى النضر بن شميل والفراء وغيرهما، ويرون أن معنى الردع والزجر ليس مستمرًا فيها، بل هو وجه أي سبيل مقصود، وهو أحد معاني الوجه لغة أحبته العلماء واختاروه لهم.
[غيث النفع: 312]
ثم استأنف فقال (وفيها) أي البسملة، لمن لهم التخيير خلاف في إثباتها وحذفها، مشهور كشهرة ذي العنق الطويل بين أصحاب الأعناق القصيرة، وهو كذلك في كتب أئمة القراءة، وعليه فلا رمز لأحد في البيت، والله أعلم.
وإنما اختلفوا في الوصل ولم يختلفوا في الابتداء لأنها مرسومة في جميع المصاحف، فمن تركها في الوصل لو لم يأت بها في الابتداء لخالف المصاحف، وخرق الإجماع.
ولا خلاف بينهم في حذفها من أول براءة، لأنها لم ترسم فيه في جميع المصاحف، وإن وصلتها بسورة أخرى كالأنفال أو غيرها، فيجوز لجميع القراء الوصل والسكت والوقف.
وكل من بسمل بين السورتين فله ثلاثة أوجه:
الأول: الوقف على آخر السورة، ووصل البسملة بأول السورة، قال الجعبري: «وهو أحسنها» .
الثاني: الوقف على آخر السورة، والوقف عليها.
الثالث: وصلها بآخر السورة وبأول الثانية.
ويمكن وجه رابع، وهو وصلها بآخر السورة والوقف عليها، وهو لا يجوز، لأن البسملة لأوائل السور لا لأواخرها.
[غيث النفع: 313]
وهذه الأوجه على سبيل التخيير، لا على وجه ذكر الخلاف، فبأي وجه منها قرأ جاز، ولا احتياج إلى الجمع بينها في موضع واحد، إلا إذا قصد القارئ أخذها على المقرئ لتصح له الرواية لجمعها، فيقرأ بها ويقرأ بعد ذلك بأيها شاء.
مسألة
لو وصل القارئ آخر السورة بأولها كأصحاب الأوراد في تكرير سورة الإخلاص أو غيرها فهل حكم ذلك حكم السورتين أم لا؟
قال المحقق في نشره «لم أجد فهيا نصًا، والذي يظهر البسملة قطعًا، فإن السورة والحالة هذه مبتدأة» انتهى.
ويأتي على ترك البسملة لورش وبصر وشام وجهان:
الأول: السكت، وجرى عمل الشيوخ بتقديمه على الوصل، وليس ذلك بواجب، والمختار فيه أنه سكت يسير من دون تنفس، قدر سكت حمزة لأجل الهمزة.
قال المحقق: «إني أخرجت وجه حمزة مع وجه ورش بين سورتي {والضحى} و{ألم نشرح} على جميع من قرأت عليه من شيوخي، وهو الصواب» انتهى.
الثاني: الوصل، وهو أن تصل آخر السورة بأول الثانية، كآيتين وصلت إحداهما بالأخرى.
ولا خلاف بينهم في جواز البسملة في الابتداء بأواسط السور، وإنما اختلفوا في المختار: فاختراها جمهور العراقيين.
[غيث النفع: 314]
واختار تركها جمهور المغاربة.
وفصل بعضهم: فيأتي بها لمن له البسملة بين السورتين، كقالون، ويتركها لمن لم يبسمل، كحمزة.
والمراد بالأواسط هنا ما كان بعد أول السورة ولو بكلمة.
اختلف المتأخرون في أجزاء براءة هل هي كأجزاء سائر السور أم لا؟ فقال السخاوي: «هي كهي» وجوز البسملة فيها، وجنح الجعبري إلى المنع.
وقال المحقق: «الصواب أن يقال إن من ذهب إلى ترك البسملة في أوساط غير براءة لا إشكال ف يتركها عنده في وسط براءة، وكذا لا إشكال في تركها فيها عند من ذهب إلى التفصيل، إذ البسملة عندهم في وسط السورة تبع لأولها، ولا تجوز البسملة أولها فكذلك وسطها، وأما من ذهب إلى البسملة في الأجزاء مطلقًا فإن اعتبر بقاء أثر العلة التي من أجلها حذفت البسملة من أولها وهي نزولها بالسيف، كالشاطبي ومن سلك مسلكه لم يبسمل، ومن لم يعتبر بقاء أثرها ولم يرها علة بسمل بلا نظر» انتهى. وهو كلام نفيس بين ظاهر، وحكم الأربع الزهر يأتي عند أولها، والله أعلم). [غيث النفع: 316]
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): (جلالتها أي ما فيها من اسم الله واحدة، هذا إن قلنا:
إن البسملة ليست بآية، ولا بعض آية من أول الفاتحة ولا من أول غيرها، وإنما كتبت في المصاحف للتيمن والتبرك.
أو إنها في أول الفاتحة لابتداء الكتاب على عادة الله عز وجل في ابتداء كتبه، وفي غير الفاتحة للفصل بين السور.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم».
وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والثوري، وحكى عن أحمد وغيره، وانتصر له مكي في كشفه، وقال: «إنه الذي أجمع عليه الصحابة والتابعون، والقول بغيره محدث بعد إجماعهم».
[غيث النفع: 318]
وشنع القاضي أبو بكر بن الطيب بن الباقلاني المالكي البصري نزيل بغداد على من خالفه، وكان أعرف الناس بالمناظرة وأدقهم فيها نظرًا، حتى قيل: «من سمع مناظرة القاضي أبي بكر لم يستلذ بعدها بسماع كلام أحد من المتكلمين والفقهاء والخطباء».
وأما إن قلنا إنها آية من أول الفاتحة ومن أول كل سورة وهو الأصح من مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه.
[غيث النفع: 319]
أو إنها آية من الفاتحة فقط، أو إنها آية من الفاتحة، بعض آية من غيرها، فلا بد من عد جلالتها.
وبقي قول خامس وهو أنها آية مستقلة في أول كل سورة، لا منها، وهو المشهور عن أحمد، وقول داود وأصحابه، وحكاه أبو بكر الرازي عن أبي الحسن الكرخي وهو من كبار أصحاب أبي حنيفة.
وعليه فلا تعد جلالة البسملة مع السور، وإنما تعد في جملة ما في القرآن، وإنما اقتصرنا في عد ما في الفاتحة وغيرها من الجلالات على القول الأول لأنه مذهبنا.
وأيضًا فإن المحققين من الشافعية وعزاه الماوردي للجمهور على أنها آية حكمًا لا قطعًا.
[غيث النفع: 320]
قال النووي: «والصحيح أنها قرآن على سبيل الحكم، ولو كانت قرآنًا على سبيل القطع لكفرنا فيها، وهو خلاف الإجماع».
وقال المحلي عند قول منهاج فقههم: «والبسملة منها -أي من الفاتحة- عملاً، لأنه صلى الله عليه وسلم عدها آية منها، صححه ابن خزيمة والحاكم ويكفي في ثبوتها من حيث العمل الظن» انتهى.
ومعنى الحكم والعمل: أنه لا تصح صلاة من لم يأت بها في أول الفاتحة، وهو نظير كون الحجر من البيت، أي في الحكم، باعتبار الطواف والصلاة فيه لا له، باعتبار أنه من البيت، إذ لم يثبت ذلك بقاطع.
[غيث النفع: 321]
وإذا قلنا إنها قطعًا لا حكمًا كما هو ظاهر عبارة كثير، فيكون من باب اختلاف القراء في إسقاط بعض الكلمات وإثباتها، وكل قرأ بما تواتر عنده، والفقهاء تبع للقراء في هذا، وكل علم يُسأل عنه أهله، والمسألة طويلة الذيل، وما ذكرناه لب كلامهم وتحقيقه.
واعلم أني حيث لم أتعرض لعدها في سورة فاعلم أنها لم تذكر فيها إلا في بسملتها، والله الموفق). [غيث النفع: 322] (م)
قال د. عبد اللطيف الخطيب (م): (بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
{بسم الله الرحيم, الحمد} قرئ في الشواذ (بسمي الله..) على وزن (هدي), وهو لغة في الاسم.
قرأ قوم من الكوفيين بسكون الميم "الرحيم الحمد" يقفون عليها، ويبتدئون بهمزة مقطوعة، وروت هذا أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم والجمهور على جر الميم ووصل الألف من الحمد "الرحيم الحمد".. وحكى الكسائي عن بعض العرب أنه يقرأ: "الرحيم الحمد" بفتح الميم وصلة الألف، كأنك سكنت الميم، وقطعت الألف، ثم ألقيت حركتها على الميم وحذفت.
وذكر ابن عطية أنها لم ترد قراءة عن أحد فيما علم). [معجم القراءات: 1/3]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس