عرض مشاركة واحدة
  #19  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:45 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة البقرة
[من الآية (60) إلى الآية (61) ]

{وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61) }

قوله تعالى: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا)
اتفق القراء على تسكين الشين من "عشرة" ها هنا، وهي لغة العالية
الفصيحة، وفيها لغة أخرى "عشرة) بكسر الشين، وقد قرأ بها
[معاني القراءات وعللها: 1/152]
بعض القراء،: هي قليلة.
وأما (عشرة) في مثل هذا الموضع فإن أهل اللغة لا يعرفونها، وقد قرأ بها الأعمش، والعرب لا تعرفها. والقراءة المختارة (عشرة) بسكون الشين.
وانتصب قوله: (عيناً) على التمييز، وجاء في التفسير: أن الله تبارك وتعالى فجّر لهم من حجر واحد اثنتا عشرة عينا لاثني عشر فريقا، لكل فريق عين يشربون منها، تنفجر إذا نزلوا، وتغور إذا ارتحنوا). [معاني القراءات وعللها: 1/153]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعمش: [اثْنَتَا عَشَرَةَ] بفتح الشين.
قال أبو الفتح: القراءة في ذلك: {عَشْرة} و[عَشِرة]، فأما [عَشَرة] فشاذ، وهي قراءة الأعمش.
وعلى الجملة فينبغي أن يعلم أن ألفاظ العدد قد كثر فيها الانحرافات والتخليطات، ونُقضت في كثير منها العادات؛ وذلك أن لغة أهل الحجاز في غير العدد نظير عشْرة: عشِرة، وأهل الحجاز يكسرون الثاني، وبنو تميم يسكنونه، فيقول الحجازيون: نَبِقة وفَخِذ، وبنو تميم تقول: نبْقة وفخذ، فلما ركب الاسمان استحال الوضع فقال بنو تميم: إحدى عشِرة وثنتا عشِرة إلى تسع عشِرة بكسر الشين، وقال أهل الحجاز: عشْرة بسكونها، ومنه قولهم في الواحد: واحد وأَحد، فلما صاروا إلى العدد قالوا: إحدى عشرة، فبنوه على فِعْلَى، ومنه قولهم: عشْر وعَشرة، فلما صاغوا منه اسمًا للعدد بمنزلة ثلاثون وأربعون قالوا: عشرون، فكسروا أوله، ومنه قولهم: ثلاثون وأربعون إلى التسعون، فجمعوا فيه بين لفظين ضدين؛ أحدهما يختص بالتذكير والآخر بالتأنيث.
أما المختص بالتذكير فهو الواو والنون، وأما المختص بالتأنيث فهو قولهم: ثلاث وأربع وتسع في صدر ثلاثون وأربعون وتسعون. وكل واحد من ثلاث وأربع وخمس وست إلى تسع هكذا بغير هاء مختص بالتأنيث. ولما جمعوا في هذه الأعداد -من عشرين إلى تسعين- بين لفظي التذكير والتأنيث صلحت لهما جميعًا، فقيل: ثلاثون رجلًا، وثلاثون امرأة، وخمسون جارية وخمسون غلامًا، وكذلك إلى التسعين.
ومنه أيضًا اختصارهم من ثلثمائة إلى تسعمائة على أن أضافوه إلى الواحد، ولم يقولوا: ثلاث مئين،
[المحتسب: 1/85]
ولا أربع مئات إلا مستكرهًا وشاذًّا، فكما ساغ هذا وغيره في أسماء العدد قالوا أيضًا: [اثنتا عَشَرَة] في قراءة الأعمش هذه، وينبغي أن يكون قد روى ذلك رواية، ولم يره رأيًا لنفسه.
وعلى ذلك ما يُروى: من أن أبا عمرو حضر عند الأعمش فروى الأعمش: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتخولنا بالموعظة، فقال أبو عمرو: إنما هو يتخوننا بالنون، فأقام الأعمش على اللام، فقال له أبو عمرو: إن شئت أعلمتك أن الله لم يعلمك من هذا الشأن حرفًا فعلت، فسأل عنه الأعمش، فلما عرف أبا عمرو وكبر عنده وأصغى إليه، وعلى أن هذا الذي أنكره أبو عمرو صحيح عندنا؛ وذلك أن معنى يتخولنا: يتعهدنا، فهو من قوله:
يساقِطُ عنه ورقُه ضارياتِها ... سِقاط حديد القَين أَخول أَخولا
أي: شيئًا بعد شيء، ومنه قولهم: فلان يَخُولُ على أهله: أي يتفقدهم، ويتعهد أحوالهم، ومنه قولهم: خالُ مالٍ، وخائل مال: إذا كان حسن الرِّعْيَة والتفقد للمال. والتركيب مما تُغير فيه أوضاع الكلم عن حالها في موضع الإفراد؛ من ذلك حكاية أبي عمرو الشيباني من قول بعضهم في حضَرَمَوْت: حضْرَمُوت بضم الميم؛ ليصير على وزن المفردات نحو عَضْر فُوط ويَسْتَعُور.
ومن تحريف ألفاظ العدد ما أنشده أبو زيد في نوادره:
علام قتل مسلم تعمُّدا ... مذ سنة وخَمِسُون عددا
بكسر الميم من خمسون، وعذره وعلته عندي أنه احتاج إلى حركة الميم لإقامة الوزن، فلم ير أن يفتحها فيقول: خَمَسون؛ لأنه كان يكون بين أمرين: إما أن يُظن أنه كان الأصل فتحها ثم أُسكنت، وهذا غير مألوف؛ لأن المفتوح لا يسكن لخفة الفتحة، وإما أن يقال: إن الأصل السكون فاضظر ففتحها، وهذا ضرورة إنما جاء في الشعر، نحو قوله:
مُشْتَبِهِ الأَعلَامِ لَمَّاعِ الْخَفَق
[المحتسب: 1/86]
أي: الْخَفْق. ومنه قول زهير:
ثم استمروا وقالوا إن مشرَبكم ... ماء بشرقي سلمى فَيْدُ أو رَكَكُ
قال أبو عثمان: قال الأصمعي: سألت أعرابيًّا -ونحن في الموضع الذي ذكره زهير- يعني هذا البيت؛ فقلت له: هل تعرف رككًا؟ فقال: قد كان هاهنا ماء يسمى رَكًّا.
قال الأصمعي: فعلمت أن زهيرًا احتاج إليه فحركه، فعدل عن الفتح؛ لئلا يُعرف بأثر الضرورة، فعدله إلى موضع آخر فكسر الميم، فكأنه راجَع بذلك أصلًا حتى كأنه كان خمِسون ثم أسكن تخفيفًا، فلما اضطر إلى الحركة كسر، فكان بذلك كمراجع أصلًا لا مستَكرَهًا على أن يُرى مضطرًّا.
وأنَّسه أيضًا بذلك: ما جاء عنهم من قولهم: إحدى عشْرة وعشِرة، فصار خَمِس من خَمِسون بمنزلة عَشِرة، وصار خَمْسون بمنزلة عَشْر). [المحتسب: 1/87]

قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (النّبيّين)، و(الأنبياء)
قرأ نافع وحده: (النّبيّئين) و(الأنبئاء)، و: (النبيئون)، و(النبيء) بالهمز في كل القرآن إلا في موضعين في سورة الأحزاب: (إن وهبت نفسها للنّبيّ إن أراد النّبيّ)، وقوله: (لا تدخلوا بيوت النّبيّ إلّا أن يؤذن لكم).
وسائر القراء لم يهمزوا (النبي).
[معاني القراءات وعللها: 1/153]
قال أبو منصور: من همز (النبيء) و(الأنبئاء) و(النبيئين) فهو من النبأ، ومن أنبأ عن الله، أي: أخبر، وكأنه على هذا (فعيل) بمعنى (مفعل)، مثل (نذير) بمعنى (منذر)، ولها نظائر في القرآن.
ومن لم يهمز (النبي) ذهب به إلى: نبا الشيء ينبو إذا ارتفع، ويقال للمكان المرتفع: نبى.
وكذلك النبوة والنباوة، وأكثر العرب على ترك الهمز في (النبي)، وهو اختيار أهل اللغة؛ لأنه لو كان مهموزا لجمع على النبئاء، وقد جمعه الله على (الأنبياء). مثل (تقي) و(أتقياء) و(غني) و(أغنياء).
وحجة من همز وإن كان مجموعا على الأنبياء، أنه مثل: نصيب وأنصباء، وجمع ربيع: النهر على أربعاء.
والقراءة المختارة ترك الهمز). [معاني القراءات وعللها: 1/154]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في قوله: النّبيّين [البقرة/ 61] والنّبيّون [البقرة/ 136] والنّبوّة [آل عمران/ 79] والأنبياء [آل عمران/ 112] والنّبيّ [آل عمران/ 68] في الهمز، وتركه.
فكان نافع يهمز ذلك كلّه في كلّ القرآن إلا في موضعين في سورة الأحزاب: قوله: وامرأةً مؤمنةً إن وهبت نفسها للنّبيّ إن أراد [الآية/ 50] بلا مدّ ولا همز. وقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/87]
لا تدخلوا بيوت النّبيّ إلّا [الآية/ 53] وإنما ترك همز هذين لاجتماع همزتين مكسورتين من جنس واحد، هذا قول المسيبي وقالون، وقال ورش عن نافع: إنه كان يهمزها جميعا، إلا أنه كان يروي عن نافع: أنه كان يترك الهمزة الثانية في المتّفقتين والمختلفتين، وتخلف الأولى الثانية، فيقول فيه للنبيء ان اراد، مثل: النّبيعن راد و: بيوت النبيء يلا، وكان الباقون لا يهمزون من ذلك شيئا.
قال أبو زيد: نبأت من أرض إلى أخرى، فأنا أنبأ نبأ ونبوءا: إذا خرجت منها إلى أخرى، وليس اشتقاق النبيء من هذا وإن كان من لفظه، ولكن من النبأ الذي هو الخبر، كأنه المخبر عن الله سبحانه. فإن قلت: لم لا يكون من النباوة، ومما أنشده أبو عثمان قال: أنشدني كيسان:
محض الضّريبة في البيت الذي وضعت... فيه النّباوة حلوا غير ممذوق
أو يجوّز فيه الأمرين، فتقول: إنه يجوز أن يكون من النباوة، ومن النبأ، كما أجزت في عضة أن تكون من الواو، لقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/88]
وعضوات تقطع اللهازما ومن الهاء لقوله:
.. لها بعضاه الأرض تهزيز فالقول: إن ذلك ليس كالعضة، لأن سيبويه زعم: أنهم يقولون في تحقير النّبوّة: كان مسيلمة نبوّته نبيّئة سوء، وكلّهم يقول: تنبّأ مسيلمة، فلو كان يحتمل الأمرين جميعا ما أجمعوا على تنبّأ، ولا على النّبيّئة، بل جاء فيه الأمران: الهمز وحرف اللين، فأن اتفقوا على تنبّأ والنّبيّئة دلالة على أن اللام همزة.
[الحجة للقراء السبعة: 2/89]
ومما يقوّي أنه من النبأ الذي هو الخبر أن النباوة الرفعة، فكأنه قال: في البيت الذي وضعت فيه الرّفعة. وليس كلّ رفعة نبوءة، وقد تكون في البيت رفعة ليست بنبوءة. والمخبر عن الله بوحي إليه المبلّغ عنه نبيء ورسول، فهذا الاسم أخصّ به وأشدّ مطابقة للمعنى المقصود إذا أخذ من النّبأ. فإن قلت: فلم لا تستدلّ بقولهم: أنبياء، على جواز الأمرين في اللام من النبي، لأنهم قالوا: أنبياء ونباء، قال:
يا خاتم النّباء إنّك مرسل بالحقّ......
قيل: ما ذكرته لا يدلّ على تجويز الأمرين فيه، لأن أنبياء إنما جاء لأن البدل لما لزم في نبيّ صار في لزوم البدل له، كقولهم: عيد وأعياد، فكما أن أعيادا لا تدل على أن عيدا من الياء، لكونه من عود الشيء، كذلك لا يدل أنبياء على أنه من النباوة، ولكن لمّا لزم البدل جعل بمنزلة تقيّ وأتقياء، وصفيّ وأصفياء ونحو ذلك، فلما لزم صار كالبريّة والخابية، ونحو ذلك مما لزم الهمز فيه حرف اللين بدلا من الهمزة. فما دل على أنه من الهمز قائم لم يعترض فيه شيء، فصار قول من حقّق الهمزة في النبيّ، كردّ الشيء إلى الأصل المرفوض استعماله
[الحجة للقراء السبعة: 2/90]
نحو: وذر، وودع، فمن ثمّ كان الأكثر فيه التخفيف. فإن قلت فقد قال سيبويه: بلغنا أن قوما من أهل الحجاز من أهل التحقيق يحققون: نبيئا وبريئة. قال: وذلك رديء، وإنما استردأه لأن الغالب في استعماله التخفيف على وجه البدل من الهمز، وذلك الأصل كالمرفوض، فردؤ عنده ذلك لاستعمالهم فيه الأصل الذي قد تركه سائرهم، لا لأن النبيء الهمز فيه غير الأصل، ولا لأنه يحتمل وجهين كما احتمل عضة وسنة.
ومن زعم أن البريّة من البرا الذي هو التراب كان غالطا، ألا ترى أنه لو كان كذلك لم يحقّق همزه من حقق من أهل الحجاز، فتحقيقهم لها يدل على أنها من برأ الله الخلق، كما أن تحقيق النبيء يدل على أنه من النبأ، وكما كان اتفاقهم على تنبأ يدل على أن اللام في الأصل همزة.
فالحجة لمن همز النبيء [حيث همز] أن يقول: هو أصل الكلمة، وليس مثل عيد، الذي قد ألزم البدل، ألا ترى أن ناسا من أهل الحجاز قد حققوا الهمزة في الكلام، ولم يبدلوها. كما فعل أكثرهم، فإذا كان الهمز أصل الكلمة وأتى به قوم في كلامهم على أصله لم يكن كماضي يدع، ونحوه مما رفض استعماله واطّرح.
فأما ما
روي في الحديث: «من أن بعضهم. قال: يا
[الحجة للقراء السبعة: 2/91]
نبيء الله! فقال: «لست بنبيء الله، ولكني نبيّ الله»
فأظنّ أن من أهل النقل من ضعّف إسناد الحديث. ومما يقوي تضعيفه أنّ من مدح النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال:
يا خاتم النبآء لم يؤثر فيه إنكار عليه فيما علمنا، ولو كان في واحده نكير لكان الجمع كالواحد، وأيضا فلم نعلم أنه عليه السّلام أنكر على الناس أن يتكلموا بلغاتهم.
ولمن أبدل ولم يحقّق أن يقول: مجيء الجمع في التنزيل على أنبياء يدل على أن الواحد قد ألزم فيه البدل، وإذا ألزم فيه البدل ضعف التحقيق. وقال الفرّاء في قراءة عبد الله النبية إلى (ال ن ب ي ي). قال الفراء: لا يخلو من أن يكون النبيّة مصدرا للنبإ، أو يكون النبيّة مصدرا نسبه إلى النبي عليه السلام.
[قال أبو علي]: والقول في ذلك أنه لا يخلو من أن يكون من النباوة التي في قول ابن همام، أو يكون من النّبأ وقلبت الهمزة. أو يكون نسبا، فلا يكون من النباوة، فيكون
[الحجة للقراء السبعة: 2/92]
مثل مطيّة، لأنّ فيما حكاه سيبويه من أنهم كلّهم يقولون: تنبّأ مسيلمة، دلالة على أنه من الهمزة [فإذا لم يجز ذلك ثبت أنه من الهمز] وجاز أن يكون ياء ألزمت البدل من الهمزة، وعلى ذلك قالوا: أنبياء، وجاز أن يكون من قول من حقّق، إلا أنه خفف فوافق لفظ التخفيف عن التحقيق لفظ من يرى القلب. وقد حكى سيبويه كما رأيت أن بعضهم يحقق النبيء، فإذا كان نسبا أمكن أن يكون إلى قول من حقق، وإلى قول من خفّف، وأمكن أن يكون إلى قول من أبدل. فلا يجوز أن يكون على قول من حقّق ثم خفّف لأنه لو كان كذلك لكان:
النبئيّة، لأنه نسب إلى فعيلة، فرددت الهمزة لمّا حذفت الياء التي كنت قلبت الهمزة في التخفيف من أجلها، فلما لم يردّ، وقال النبيّة، علمت أن النسب إليه على قول من قلب الهمزة ياء، وهم الذين قالوا: أنبياء، فحذفت الياءين لياءي النسب، فبقيت الكلمة على فعيّة. هذا على قياس قولهم: عبد بيّن العبديّة، وقد حكاه الفرّاء.
وأما تخفيف نافع: النبيّ في الموضعين اللذين خفف فيهما في رواية المسيّبي وقالون، فالقول في ذلك أنه لا يخلو من أن يكون ممن يحقّق الهمزتين أو يخفّف إحداهما، فإن حقّق الهمزتين جاز أن يجعل الثانية بين بين، لأن الهمزة إذا
[الحجة للقراء السبعة: 2/93]
كانت بين بين كانت في حكم التحقيق، فتقول: (للنّبيء إن)، وإن لم يحقّق الهمزتين قلب الثانية منهما ياء قلبا فقال: (للنّبيء ين) كما قلبوا في: (أيمّة)، وكما قلبوا في: جاء وشاء ويجعل المنفصل بمنزلة المتصل في أيمّة وجاء.
ووجه رواية قالون، والمسيّبيّ: أنه إذا خفّف الهمزة من النبيء لم يجتمع همزتان، فإن شاء حقق الهمزة المكسورة من (إلّا) ومن (إن) وإن آثر التخفيف جعلهما بين
الياء والهمزة). [الحجة للقراء السبعة: 2/94]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة يحيى بن وثاب والأشهب: [وَقُثَّائِهَا].
قال أبو الفتح: بالضم في القُثاء حسن الطريقة؛ وذلك أنه من النوابت، وقد كثر عنهم في هذه النوابت الفُعَّال كالزُّبَّاد والقُلَّام والعُلَّام والثُّقاء، ومن هاهنا كان أبو الحسن يقول في رمان: أنه فُعَّال؛ لأنه من النبات، وقد كثر فيه الفعال على ما مضى، وأما قياس مذهب سيبيويه: فأن يكون فُعلان بزيادة النون؛ لغلبة زيادة النون في هذه المواضع بعد الألف.
وله أيضًا وجه من القياس: أنه من معنى رَمَتْتُ الشيء: غذا جمعت أجزاءَه، وهذه حال الرمان، وقد جاء بهذا الموضع نفسه بعض المولدين فقال:
ما يُحسِن الرُّمان يجمع نفسه ... في قِشِره إلا كما نحن
[المحتسب: 1/87]
ويدل على أنه من معنى الاجتماع والتضام تسميتهم لرمان البر: الْمَظَّ؛ وذلك لقوة اجتماعه، واتصال أجزائه، فهو من معنى المماظَّة المعازَّة، وهو إلى الشدة، ويدل على صحة مذهب سيبويه في أن الألف والنون إذا جاءتا بعد المضاعف كانتا بحالهما وهما بعد غير المضاعف، ما ورد في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن قومًا وردوا عليه فقال لهم: "مَن أنتم؟ " فقالوا: بنو غيَّان، فقال عليه السلام: "بل أنتم بنو رَشْدان"، أفلا تراه كيف اشتق الاسم من الغي والغَوَاية حتى حكم بزيادة النون؛ لأنه قابله بضده وهو قوله: "رشدان"، وترك أن يشتقه من الغَيْن، وهو إلباس الغيم؟ ألا ترى إلى قوله:
كأني بَيْنَ خافِيتى عُقاب ... أصاب حَمامة في يوم غَيْن
فصار "غَيَّان" عنده مع التضعيف الذي فيه بمنزلة ما لا تضعيف فيه من نحو: مَرْجان وسَعْدان، فكما يحكم بزيادة النون في مثل هذا من غير التضعيف، كذلك حكم بزيادتها مع التضعيف). [المحتسب: 1/88]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن مسعود وابن عباس: [وثُومِها] بالثاء.
قال أبو الفتح: يقال: الثُّوم والفُوم بمعنى واحد؛ كقولهم: جدث وجدف، وقام زيد ثم عمرو، ويقال أيضًا: فم عمرو؛ فالفاء بدل فيهما جميعًا؛ ألا ترى إلى سَعَة تصرف الثاء في جدث، لقولهم: أجداث، ولم يقولوا: أجداف، وإلى كثرة ثُمَّ وقلة فُمَّ؟ ويقال: الفوم: الحنطة، قال:
قد كنت أحسبني كأغنى واجد ... وَرَد المدينة عن زراعة فُوم
أي: حنطة). [المحتسب: 1/88]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة زهير الفُرقُبي: [الذي هو أَدْنَأ] بالهمز.
قال أبو الفتح: أخبرنا أبو علي عن أبي الحسن علي بن سليمان عن أبي العباس محمد بن يزيد
[المحتسب: 1/88]
عن الرياشي عن أبي زيد قال: تقول: دَنُؤ الرجل يَدْنُؤ دناءَة، وقد دَنأ يدنأ إذا كان دنيئًا لا خير فيه، غير أن القراءة بترك الهمز: {أدنى}، وينبغي أن يكون من دنا يدنو؛ أي: قريب.
ومنه قولهم في المعنى: هذا شيء مقارب للشيء ليس بفاخر ولا موصوف في معناه، ومن هذه المادة قولهم: هذا شيء دونٌ؛ أي: ليس بذاك، وقولهم: هذا دونك، فينتصب هذا على الظرف؛ أي: هو في المحل الأقرب، وينبغي أن يكون "دون" من قولك: هذا رجل دون، وصفًا على فُعْل كحُلْو ومُر، ورجل جُدٍّ؛ أي: ذي جَدٍّ.
وقد يجوز أن يكون في الأصل ظرفًا ثم وصف به، ويُؤنِّسُ هذا المذهب الثاني أنَّا لا نعرف فعلًا تصرف من هذا اللفظ كدان يدون ولا نحوه، ولو كان في الأصل وصفًا لكان حرى أن يستعملوا منه فِعلا؛ كقولهم: قد حلا يحلو، ومن يَمَرُّ وأَمَرَّ يُمِرُّ، وقد جَدِدْتَ يا رجل. قال الكميت:
وجدت الناس غير ابني نزار ... ولم أذمهم شرطًا ودُونَا). [المحتسب: 1/89]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة يحيى وإبراهيم: [ما سِأَلْتم] بكسر السين.
قال أبو الفتح: فيه نظر؛ وذلك أن هذه الكسرة إنما تكون في أول ما عينه معتلة كبِعت وخِفت، أو في أول فُعِل إذا كانت عينه معتلة أيضًا كقِيل وبِيع وحِلَّ وبِلَّ؛ أي: حُلَّ وبُلَّ، وصِعْق الرجل نحوه، إلا أنه لا تكسر الفاء في هذا الباب إلا والعين ساكنة أو مكسورة كنعم وبئس وصِعْق، فأما أن تكسر الفاء والعين مفتوحة في الفعل فلا.
فإذا كان كذلك فقراءتهما [سِأَلْتم] مكسورة السين مهموزة غريب، والصنعة في ذلك: أن في سأل لغتين: سِلْتَ تَسَال كخِفْتَ تَخَاف، وسأَلْتَ تَسْأَل كسَبَحَتَ تَسْبَح، فإذا أَسندت الفعل إلى نفسك قلت على لغة الواو: سِلْتُ كخِفْتُ، وهي من الواو؛ لما حكاه أصحابنا من قولهم: هما يتساولان.
ومن همز قال: سألت، فأما قراءته: [سِأَلْتم]، فعلى أنه كسر الفاء على قول مَن قال: [سِلْتُم] كخِفْتُم، ثم تنبه بعد ذلك للهمزة، فهمز العين بعدما سبق الكسر في الفاء فقال: [سِأَلْتم]؛ فصار ذلك من تركيب اللغة.
[المحتسب: 1/89]
ومثله ما رويناه عن أبي بكر محمد بن الحسن عن أبي العباس أحمد بن يحيى من قول بلال بن جرير:
إذا جِئْتَهم أو سآيلْتَهُم ... وجدتَ بِهِمْ علَّة حاضِرَه
وذلك أنه أراد فاعلتهم ساءلتهم.
ومن العادة أيضًا أن تُقلب الهمزة في هذا الثاني، فيقال: سايلت زيدًا، ثم إنه أراد الجمع بين العوض والمعوض منه، فلم يمكنه أن يجمع بينهما في موضع واحد كالعرف في ذلك؛ لأنه لا يكون حرفان واقعين في موضع واحد عينين كان أو غيرهما، فأجاءه الوزن إلى تقديم الهمزة التي هي العين قبل ألف فاعلت، ثم جاء بالياء التي هي بدل منها بعدها؛ فصار سآيلتهم.
فإن قيل ما مثال: سآيلتهم؟
قلت: هو فعاعلتهم؛ وذلك لأن الياء بدل من الهمزة التي هي عين، والبدل من الشيء يوزن بميزانه، ألا ترى أن من اعتقد في ياء أَيْنُق أنها عين أبدلت قال هي أَعْفُل؛ لأن الياء بدل من الواو التي هي عين نُوق، فالياء إذن عين في موضع العين، كما كانت الواو لو ظهرت في موضع العين، كما أن ياء ريح وعيد في المثال عين فِعْل، كما كانت الواو التي الياء بدل منها عين فعل في رِوْح وعِوْد، وهذا واضح.
وكذلك قوله أيضًا: [سِأَلْتم] بكسر الفاء على حد كسرها في سِلتم، ثم استذكر الهمزة في اللغة الأخرى فقال: سِأَلْتم، ويجوز أيضًا أن يكون أراد سَأَلْتم، فأبدل العين ياء كما أبدلها الآخر في قوله:
سالَتْ هذيلٌ رسول الله فاحشةً ... ضلَّتْ هذيلٌ بما قالت ولم تُصِبِ
فصار تقديره على هذا إلى سِلْتُم من الوجه؛ أي: من طريق البدل، لا على لغة مَن قال: هما يتساولان، فلما كسر السين استذكر الهمزة فراجعه هنا، كما راجعه في القول الأول.
[المحتسب: 1/90]
وقد أفردنا في كتاب الخصائص بابًا في أن صاحب اللغة قد يعتبر لغة غيره ويراعيها؛ فأغنى عن إعادته هنا). [المحتسب: 1/91]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ويقتلون النّبيين بغير الحق}
قرأ نافع (ويقتلون النبيئين) بالهمز من أنبأ أي أخبر عن الله كما قال جلّ وعز من أنبأك هذا فالنبي صلى الله عليه وسلم ينبئ أي يخبر عن الله وهو فعيل من أنبأ وإنّما كان الاسم منه منئ ولكنه صرف عن مفعل إلى فعيل
[حجة القراءات: 98]
وحجته في أن النبئ مهموز قول عبّاس بن مرداس في مدحه نبي الله صلى الله عليه وسلم:
يا خاتم النباء إنّك مرسل ... بالحقّ خير هدى السّبيل هداكا
فقال يا خاتم النباء فجمعه على فعلاء لأن الواحد مهموز فقد صحّ على أن أصله الهمز وأنه من باب الصّحيح لا من باب المعتل لأن الصّحيح كذا يجمع كما تجمع النعوت الّتي على فعيل من غير ذوات الياء والواو مثل الشّريك والشركاء والحكيم والحكماء والعليم والعلماء ولو كان النّبي غير مهموز لم يجمع على فعلاء لأن النعوت الّتي تكون على فعيل من ذوات الياء والواو إنّما تجمع على أفعلاء كفعلهم ذلك في ولي ووصي ودعي إذا جمع يجمع أولياء وأوصياء وأدعياء ولا يجمع على فعلاء
وقرأ الباقون النّبيين بغير همز من نبانبو إذا ارتفع فيكون فعيلا من الرّفعة والنبوة الارتفاع وإنّما قيل للنّبي نبي لارتفاع منزلته وشرفه تشبيها له بالمكان المرتفع على ما حوله وحجتهم في ذلك أن كل ما في القرآن من جميع ذلك على أفعلاء نحو أنبياء الله وفي ذلك الحجّة الواضحة على أن الواحد منه بغير همز كما جمع ولي وأولياء ووصي وأوصياء ولو كان في التّوحيد مهموزا لكان الجمع منه فعلاء وحجّة أخرى روي أن رجلا قال للنّبي صلى الله عليه وسلم يا نبيء الله قال
لست بنيء الله ولكنّي
[حجة القراءات: 99]
نبي الله قال أبو عبيد كأنّه كره الهمز). [حجة القراءات: 100]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (36- قوله: «النبي، والنبوة، والأنبياء، والنبيين» قرأه نافع وحده
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/243]
بالهمز، وقرأ الباقون بغير همز إلا في موضعين في سورة الأحزاب، فإن قالون لا يهمزهما ويشدد الياء على أصله في الهمزتين المكسورتين، وتسهيله للأولى منها، فهذه همزة قبلها ياء زائدة، زيدت للم، فحكمها أن تبدل منها ياء، وتدغم فيها الياء الزائدة التي قبلها، على الأصول المتقدمة في تخفيف الهمزة.
37- وحجة من همز أنه أتى به على الأصل، لأنه من النبأ الذي هو الخبر؛ لأن النبي مخير عن الله جل ذكره، فهي تبنى على «فعيل» بمعنى «فاعل» أي: منبئ عن الله، أي مخبر عنه بالوحي الذي يأتيه من الله، فأصله بالهمز، فأتى به على أصله، ومعناه من الله، قال سيبويه: وكلٌ يقول تنبأ مسيلمة فيهمزون، وأجمعوا على الهمزة في «النبآء» جمع «نبيء»، فدل ذلك على أنه من «النباء»، وليس من النباوة، التي هي الرفعة، وأيضًا فإن وقوع اسم الأخبار عن الرسول أولى من وقوع اسم الرفعة؛ لأنه للإخبار عن الله أرسل، فأما من ترك همزة فإنه أجراه على التخفيف، لكثرة دوره واستعماله، فأبدل من الهمزة حرفًا من جنس ما قبلها، وأدغم ما قبلها في البدل، فقال: «النبي، والنبوة» ولما أتى الجمع المكسر، ولم يكن قبل الهمزة حرف زائد، وجب أن يجري على الأصول في التخفيف، فأبدل منها ياء مفتوحة؛ لانكسار ما قبلها، وذلك «الأنبياء» فهو مثل قوله: «من الشهادايِن تضل» في قراءة الحرميين
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/244]
وأبي عمرو، فأما الهمزة الثانية التي بعد الألف فهي همزة ثابتة، بدل من ياء «فعيل» كـ «صديق وأصدقاء» فلا اختلاف في همزة إلا لحمزة وهشام فإنها إذا وقفا يبدلان من الهمزة ألفًا، لأنهما يقفان بالسكون، ثم يحذفان إحدى الألفين لاجتماعهما، على ما قدمنا من الاختلاف في ذلك، وتمد إن قدرت الألف الثانية هي المحذوفة، ولا تمد إن قدرت الأولى هي المحذوفة، وكان الأصل أن يجعلاها في التخفيف بين الهمزة والواو، في حال روم الحركة، إذا كانت الهمزة مضمومة، وبين الهمزة والياء إذا كانت الهمزة مكسورة، لكن يؤدي ذلك إلى مخالفة الخط، فيرجع إلى السكون والبدل، وقد بينا هذا فيما تقدم، وزدناه بيانًا في هذا الموضع، فأما إذا كانت الهمزة مفتوحة فبالإسكان تقفن ثم تبدل من الهمزة ألفًا، على ما ذكرنا، لأن الفتح خفيف، فترك الروم فيه القراء. ترك الهمز، في هذا الباب كله، أحب إلي لأنه أخف، ولإجماع القراء عليه، ولما روي عن النبي عليه السلام من كراهة همز «النبي»، وهو اختيار أبي عبيد، ويجوز أن يكون من لم يهمز جعله من «النباوة» وهي الارتفاع فيون لا أصل له في الهمز). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/246]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (23- {النَّبِيِّينَ} [آية/ 61]:-
بالمد والهمز، قرأها نافع وحده، وكذلك همز: الأنبياء، والنبوة، والنبي، إلا في موضعين من الأحزاب: {للنَبِيِّ إِنْ} و{بُيُوتَ النَبِيِّ إِلاّ} في رواية ن- و- يل-.
[الموضح: 278]
ووجه الهمز هو أن {النبيء} فعيل من النبأ وهو الخبر، ومعناه: المخبر عن الله تعالى، فهو فعيل بمعنى مفعل، كأليم بمعنى مؤلم، فالهمز إذن أصل الكلمة، وليست هذه الكلمة مما ألزم فيه البدل كعيد وأعياد، إلا أن بعض العرب قد خفف فيها الهمزة، والمخفف في حكم المحقق.
وقد جاء جمع نبي على نبئاء على وزن فعلاء، قال:-
9- يا خاتم النبئاء إنك مرسل = بالخير كل هدى السبيل هداكا
فمجيء جمعه على فعلاء يدل على أن الكلمة مهموزة؛ لأن ما كان من الصحيح على فعيل فجمعه في الأغلب على فعلاء، وهمز النبئاء ظاهر.
وقد جاء فعيل في الصحيح على أفعلاء وإن كان قليلاً نحو نصيب وأنصباء.
وقرأ الباقون {النبِيِّينَ} ونحوه بغير همز.
لأن جمع النبي قد جاء في القرآن على أنبياء، كصفي وأصفياء وتقي وأتقياء، فمجيء جمعه على هذا المثال يدل على أنه قد ألزم فيه البدل، حتى صار كأن آخره ياء؛ لأن هذا المثال إنما يأتي غالبًا في جمع المعتل.
وقد قيل في النبي بغير همز أنه مشتق من النباوة وهي المرتفع من الأرض.
وأما رواية ن- و- يل- عن نافع في الأحزاب من ترك همز {للنّبِيِّ إِنْ}
[الموضح: 279]
و {بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا} فلأنهما ذهبا في الهمزتين المكسورتين إذا التقيا إلى تخفيف الأولى منهما وتحقيق الثانية. وتخفيف الهمزة ههنا هو أن تقلب حرفًا من جنس الذي قبلها وهو الياء، ثم يدغم الياء في الياء، ولا تجعل الهمزة بين بين؛ لأن في ذلك تقريبًا لها من الساكن ولا يجوز ذلك؛ لأن ما قبلها ساكن، ولا يجوز أيضًا حذفها بعد نقل حركتها إلى ما قبلها؛ لأن ما قبلها مدة زائدة، ولا يجوز نقل حركة الهمزة إلى حرف زائدٍ). [الموضح: 280]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس