الموضوع: حرف اللام
عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 23 ذو الحجة 1438هـ/14-09-2017م, 01:27 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

شرح الحسن بن قاسم المرادي(ت:749ه)

"اللام"
قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): ("اللام"
حرف كثير المعاني والأقسام. وقد أفرد لها بعضهم تصنيفاً، وذكر لها نحواً من أربعين معنى. وأقول: إن جميع أقسام "اللام"، التي هي حرف من حروف المعاني، ترجع عند التحقيق إلى قسمين: عاملة، وغير عاملة. فالعاملة قسمان: جارة وجازمة. وزاد الكوفيون ثالثاً، وهي الناصبة للفعل. وغير العاملة خمسة أقسام: "لام" ابتداء، و"لام" فارقة، و"لام" الجواب، و"لام" موطئة، و"لام" التعريف، عند من جعل حرف التعريف أحادياً. فهذه ثمانية أقسام.
القسم الأول: "اللام" الجارة، ولها معان كثيرة. وقد جمعت لها، من كلام النحويين، ثلاثين قسماً. فأذكرها كما ذكروها، وأشير إلى التحقيق في ذلك.
الأول: الاختصاص: نحو: الجنة للمؤمنين. ولم يذكر الزمخشري في مفصله غيره. قيل: وهو أصل معانيها.
الثاني: الاستحقاق. نحو: النار للكافرين. قال بعضهم: وهو معناها العام، لأنه لا يفارقها.
الثالث: الملك. نحو: المال لزيد. وقد جعله بعضهم أصل معانيها، والظاهر أن أصل معانيها الاختصاص، وأما الملك فهو نوع من أنواع الاختصاص، وهو أقوى أنواعه. وكذلك الاستحقاق، لأن من استحق شيئاً فقد حصل له به نوع اختصاص.
الرابع: التمليك. نحو: وهبت لزيد ديناراً.
الخامس: شبه الملك. نحو: أدوم "لك" ما تدوم "لي".
السادس: شبه التمليك. نحو: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً}.
السابع: التعليل. نحو: زرتك لشرفك.
الثامن: النسب. نحو: لزيد عم، هو لعمرو خال. ذكر هذا المعنى ابن مالك، وغيره، وليس فيه تحقيق. وإنما "اللام" في هذا للاختصاص.
التاسع: التبيين. و"لام" التبيين هي "اللام" الواقعة بعد أسماء الأفعال، والمصادر التي تشبهها، مبينة لصاحب معناها. نحو {هيت لك}، وسقياً لزيد. وتتعلق بفعل مقدر، تقديره: أعني. قال ابن مالك: وكذا المعلقة بحب، في تعجب أو تفضيل. نحو: ما أحب زيداً لعمرو، {والذين آمنوا أشد حباً لله}.
العاشر: القسم. ويلزمها فيه معنى التعجب. نحو قوله:
لله يبقى، على الأيام، ذو حيد ... بمشمخر، به الظيان، والآس
الحادي عشر: التعدية. قال ابن مالك: كقوله تعالى: {فهب لي من لدنك ولياً}.
الثاني عشر: الصيرورة. نحو قوله: لدوا، للموت، وابنوا، للخراب وتسمى أيضاً: "لام" العاقبة، و"لام" المآل. وسيأتي الكلام عليها.
الثالث عشر: التعجب. كقولهم: يا للماء! ويا للعشب! إذا تعجبوا من كثرته. ومن ذلك قول الشاعر:
شباب، وشيب، وافتقار، وذلة ... فلله هذا الدهر، كيف ترددا؟!
الرابع عشر: التبليغ. و"لام" التبليغ هي "اللام" الجارة اسم سامع قول، أو ما في معناه. نحو: قلت له، وفسرت له، وأذنت له.
الخامس عشر: أن تكون بمعنى "إلى" لانتهاء الغاية. كقوله تعالى: {سقناه لبلد، ميت} أي: "إلى" بلد، {بأن ربك أوحى لها} أي: "إليها". وهو كثير.
السادس عشر: أن تكون بمعنى "في" الظرفية. قالوا: كقوله تعالى: {يا ليتني قدمت لحياتي}، أي: "في" حياتي، يعني: الحياة الدنيا. والظاهر أن المعنى: لأجل حياتي، يعني: الحياة الآخرة. ومن ذلك قوله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} أي: "في" يوم القيامة.
السابع عشر: أن تكون بمعنى "عن". وهي "اللام" الجارة اسم من غاب حقيقة أو حكماً، "عن" قول قائل، متعلق به. نحو {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه}.
أي: "عن" الذين آمنوا. وقول الشاعر:
كضرائر الحسناء، قلن، لوجهها ... حسداً، وبغياً: إنه لدميم
وقيل: "اللام" في ذلك للتعليل، أي: من أجل الذين آمنوا. وقد أطلق بعضهم في ورود "اللام" بمعنى "عن"، ولم يخصه بأن يكون بعد القول. ومثله بقول العرب: لقيته كفة لكفة، أي "عن" كفة. لأنهم قالوا: لقيته كفة "عن" كفة. والمعنى واحد.
الثامن عشر: أن تكون بمعنى "على". كقوله تعالى: {ويخرون للأذقان} أي: "على" الأذقان. قال الشاعر:
فخر، صريعاً، لليدين، وللفم
وجعل بعضهم منه قوله تعالى: {وتلله للجبين} أي: "على" الجبين.
التاسع عشر: أن تكون بمعنى "عند"، كقولهم: كتبته لخمس خلون، أي: "عند" خمس. وجعل ابن جني "اللام"، في قراءة من قرأ {بل كذبوا بالحق لما جاءهم} بالتخفيف، بمعنى "عند"، أي: "عند" مجيئه إياهم.
المتمم عشرين: أن تكون بمعنى "بعد". كقوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس}. قيل: وعليه الأثر النبوي: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته أي: "بعد" رؤيته. وجعل بعضهم منه: كتب لخمس خلون. وجعل ابن الشجري منه قول الشاعر:
فلما تفرقنا كأني، ومالكاً ... لطول اجتماع، لم نبت، ليلة، معا
الحادي والعشرون: أن تكون بمعنى "مع". وأنشدوا عليه:
فلما تفرقنا ...
وتقدم ما قاله ابن الشجري.
الثاني والعشرون: أن تكون بمعنى "من"، كقول جرير:
لنا الفضل، في الدنيا، وأنفك راغم ... ونحن، لكم، يوم القيامة، أفضل
أي: ونحن "منكم". ومثله بعضهم بقوله: سمعت له صراخاً، أي: "منه".
الثالث والعشرون: التبعيض. ذكره صاحب رصف المباني، ومثله بقوله: الرأس للحمار، والكم للجبة. وقد ذكر غيره أن "اللام" تكون بمعنى "من"، كما تقدم، ولكنهم مثلوه بما هو لابتداء الغاية، لا للتبعيض.
الرابع والعشرون: "لام" المستغاث به. وهي مفتوحة. كقول الشاعر:
فيا للناس، للواشي، المطاع
ولا تكسر إلا مع "ياء" المتكلم. فإذا قلت: "يا" "لي"، احتمل أن يكون مستغاثاً به، ومستغاثاً من أجله. وقد أجاز ابن جني الوجهين، في قول أبي الطيب: "فيا" شوق، ما أبقى، و"يالي" من النوى وقال ابن عصفور: الصحيح عندي أن "يالي"، حيث وقع، مستغاث من أجله، لأنه لو جعل مستغاثاً به لكان التقدير: "يا" أدعو "لي". وذلك غير جائز في غير ظننت وما حمل عليها.
تنبيه
اختلف في "لام" الاستغاثة. فقيل: هي زائدة، فلا تتعلق بشيء. وقيل: ليست بزائدة فتتعلق. وعلى هذا ففيما نتعلق به قولان:
أحدهما: أنه الفعل المحذوف، وهو اختيار ابن عصفور.
والثاني: أنه حرف النداء، وإليه ذهب ابن جني. وذهب الكوفيون إلى أن هذه "اللام" بقية "آل"، والأصل في "يا" لزيد: يا "آل" زيد. وزيد مخفوض بالإضافة.
الخامس والعشرون: "لام" المستغاث من أجله. وهي مكسورة إلا مع المضمر. فإذا قلت: يا "لك"، احتمل أن يكون مستغاثاً به، ومستغاثاً من أجله. وهذه "اللام" هي، في الحقيق، "لام" التعليل، وهي متعلقة بفعل محذوف. فإذا قلت: يا لزيد لعمرو، فالتقدير: أدعوك لعمرو. قال ابن عصفور قولاً واحداً. وليس كذلك، بل قيل: إنها تتعلق بحال محذوفة، أي: مدعواً لعمرو.
السادس والعشرون: "لام" المدح نحو: يا "لك" رجلاً صالحاً.
السابع والعشرون: "لام" الذم. نحو: يا "لك" رجلاً جاهلاً.
ذكر هذين القسمين بعض من صنف في "اللامات". وهما راجعان إلى "لام" التعجب.
الثامن والعشرون: "لام" "كي". نحو: جئتك لتكرمني. فهذه "اللام" جارة، والفعل منصوب ب "أن" المضمرة. و"أن" مع الفعل في تأويل مصدر، مجرور "باللام". هذا مذهب البصريين. وهذه "اللام" أيضاً هي "لام" التعليل.
التاسع والعشرون: "لام" الجحود. وهي الواقعة بعد "كان" الناقصة المنفية. نحو {ما كان الله ليذر المؤمنين}. وسيأتي الكلام على هذه "اللام" محرراً إن شاء الله تعالى.
المتمم ثلاثين: "اللام" الزائدة. وهي ضربان. أحدهما مطرد، والآخر غير مطرد.
فالمطرد أن تزاد مع المفعول به، بشرطين:
الأول: أن يكون العامل متعدياً إلى واحد.
الثاني: أن يكون قد ضعف، بتأخيره، نحو {إن كنتم للرؤيا تعبرون}، أو بفرعيته، نحو {فعال لما يريد}، فزيادتها في ذلك مقيسة، لأنها مقوية للعامل.
قال ابن مالك: ولا يفعل ذلك بالمتعدي إلى اثنين، لأنها إن زيدت في مفعوليه لزم منه تعدية فعل واحد إلى مفعولين، بحرف واحد وإن زيدت في أحدهما فيلزم منها ترجيح من غير مرجح، وإيهام غير المقصود.
واعترض قوله ترجيح من غير مرجح بأنه إذا تقدم أحدهما، وتأخر الآخر، لم يلزم من زيادتها في المتقدم ترجيح من غير مرجح، لأنه يترجح بضعف طلب العامل لتقدمه. وقد أجاز ذلك الفارسي، في قراءة من قرأ {ولكل وجهة هو موليها} بالإضافة، أي: ولكل ذي وجهة. والمعنى: الله مول كل ذي وجهة وجهته.
وغير المطرد فيما عدا ما تقدم. كقول الشاعر:
وملكت ما بين العراق، ويثرب ... ملكاً، أجار لمسلم، ومعاهد
وجعل قوم من ذلك قوله تعالى: {ردف لكم} أي: ردفكم، لأن ردف بمعنى: تبع. وأوله بعضهم على التضمين. وفي البخاري: ردف بمعنى قرب.
وقد زيدت "اللام" مقحمة، بين المضاف والمضاف إليه، في قوله:
يا بؤس للحرب، التي ... وضعت أراهط، فاستراحوا
"فاللام" في ذلك مقحمة لتوكيد التخصيص. ومن ذلك قولهم: لا أبا لزيد، على مذهب سيبويه. فإن قلت: بأي شيء انجر ما بعد هذه
"اللام"، أبها أم بالإضافة؟ قلت: فيه قولان، والمختار أنه "باللام"، لمباشرتها، ولأن حرف الجر لا يعلق عن العمل. وهو اختيار ابن جني.
فهذا تمام الكلام على "اللام" الجارة، على سبيل الإيجاز. وقد نظمت أقسامها في هذه الأبيات:
أتاك، للام الجر، مما جمعته ... ثلاثون قسماً، في كلام منظم
فأولها التخصيص، وهو أعمها ... ويتلوه الاستحقاق، يا صاح، فاعلم
وملك، وتمليك، وشبههما معاً ... وعلل بها، وانسب، وبين، وأقسم
وعد، وزد صيرورة، وتعجباً ... وجاءت لتبليغ المخاطب، فافهم
ومثل إلى، في، عن، على، عند، بعد، مع ... ومن، ولتبعيض، وذا كله نمي
ولامان، قد جاءا بباب استغاثة ... ولام بها فامدح، ولام بها اذمم
وقل لام كي، لام الجحود، كلاهما ... لجر، وباللام المزيدة تمم
وعندي، في التقسيم، عيب تداخل ... وعذري، في ذلك، اتباع المقسم
تنبيه
التحقيق أن معنى "اللام"، في الأصل، هو الاختصاص. وهو معنى لا يفارقها، وقد يصحبه معان أخر. وإذا تؤملت سائر المعاني المذكورة وجدت راجعة إلى الاختصاص. وأنواع الاختصاص متعددة؛ ألا ترى أن من معانيها المشهورة التعليل، قال بعضهم: وهو راجع إلى معنى الاختصاص، لأنك إذا قلت: جئتك للإكرام، دلت "اللام" على أن مجيئك مختص بالإكرام. إذ كان الإكرام سببه، دون غيره. فتأمل ذلك. والله أعلم.
القسم الثاني: الجازمة. وهي "لام" الأمر، والأولى أن يقال: "لام" الطلب، ليشمل: الأمر نحو {لينفق ذو سعة من سعته}، والدعاء نحو {ليقض علينا ربك}، قيل: والالتماس، كقولك لمن يساويك: لتفعل، من غير استعلاء. وذلك لأن الطلب إذا ورد من الأعلى فهو أمر، وإذا ورد من الأدنى فهو دعاء، وإذا ورد من المساوي فهو التماس.
وهذه "اللام" التي للطلب كصيغة افعل، في أنها قد ترد لمعان أخر، غير الطلب، كالتهديد نحو قوله تعالى: {ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا. فسوف يعلمون} والأصل في ذلك معنى الطلب.
واعلم أن فعل المفعول لا طريق للأمر فيه، إلا "باللام"، سواء أكان للمتكلم، نحو: لأعن بحاجتك، أم للمخاطب، نحو: لتعن بحاجتي، أم للغائب، نحو: ليعن زيد بالأمر.
وأما فعل الفاعل فإن كان لغائب نحو {لينفق ذو سعة}، أو متكلم مفرد، نحو قوله في الحديث قوموا، فلأصل لكم، أو مشارك، نحو {ولنحمل خطاياكم}، فكذلك.
وإن كان للمخاطب فللأمر به طريقان: الأولى بصيغة افعل، وهذا هو الكثير، نحو: اعلم. والثانية "باللام"، وهو قليل. قال بعضهم: وهي لغة رديئة. وقال الزجاجي: لغة جيدة. ومن ذلك قراءة عثمان، وأبي، وأنس [فبذلك فلتفرحوا] "بتاء" الخطاب. وفي الحديث لتأخذوا مصافكم.
مسألتان
الأولى: حركة هذه "اللام" الكسر. ونقل ابن مالك أن فتحها لغة، وحكاه الفراء عن بني سليم. ويجوز إسكانها بعد "الواو" و"الفاء"، وهو أكثر من تحريكها. نحو {فليستجيبوا لي، وليؤمنوا بي}. ويجوز إسكانها بعد "ثم"، وليس بضعيف، ولا مخصوص بالضرورة، خلافاً لزاعم ذلك. وبه قرأ الكوفيون، وقالون، والبزي {ثم ليقطع}.
واختلف في وجه تسكين هذه "اللام"، بعد هذه الأحرف؛ فقال الأكثرون: إنه من باب الحمل على عين فعل، إجراء للمنفصل مجرى المتصل. وقال ابن مالك: بل هو رجوع إلى الأصل، لأن "للام" الطلب الأصالة في السكون، من وجهين:
أحدهما: مشترك، وهو كون السكون مقدماً على الحركة، إذ هي زيادة، والأصل عدمها.
والثاني: خاص، وهو أن يكون لفظها مشاكلاً لعملها كما فعل "بباء" الجر، لكن منع من سكونها الابتداء بها، فكسرت. فإذا دخل حرف العطف رجع إلى السكون ليؤمن دوام تفويت الأصل. قال: وليس حملاً على عين فعل، لأن مثله لا يكاد بوجد إلا في ضرورة.
الثانية: في حذف "لام" الطلب وإبقاء عملها أقوال: مذهب الجمهور أنه لا يجوز إلا في ضرورة، كقوله:
محمد، تفد نفسك كل نفس
ومذهب المبرد منع ذلك حتى في الشعر. وزعم أن هذا البيت لا يعرف قائله، مع احتماله أن يكون خبراً، وحذفت "الياء"، استغناء بالكسرة. ومذهب الكسائي أنه يجوز حذفها، بعد الأمر بالقول، كقوله تعالى: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة}، أي: ليقيموا.
واضطرب كلام ابن مالك، في هذه المسألة. فقال في التسهيل: ويلتزم في النثر، في غير فعل الفاعل المخاطب. وهذا مذهب الجمهور. وذكر في شرح الكافية أن حذفها وإبقاء عملها على ثلاثة أضرب: كثير مطرد، وقليل جائز في الاختيار، وقليل مخصوص بالاضطرار. قال: فالكثير المطرد بعد أمر بقول، كقوله تعالى: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة}. والقليل الجائز في الاختيار الحذف بعد قول غير أمر، كقول الراجز:
قلت لبواب، لديه دارها: ... تئذن، فإني حمؤها، وجارها
أراد: لتئذن. وليس مضطراً لتمكنه من أن يقول: وائذن. والقليل المخصوص بالاضطرار الحذف دون تقدم قول، كقول الشاعر:
فلا تستطل، مني، بقائي ومدتي ... ولكن يكن للخير، منك، نصيب
القسم الثالث: الناصبة للفعل. فإنما قال بها الكوفيون. وأما البصريون فهي عندهم "لام" جر، والناصب "أن" مضمرة بعدها. وهو
الصحيح لثبوت الجر بها في الأسماء. وقد أمكن إبقاؤها جارة، بتقدير "أن"، لأن المصدر المنسبك من "أن" المقدرة والفعل مجرور بها. وأيضاً فظهور "أن" بعد هذه "اللام"، في بعض المواضع، موضح لما ادعي، من الإضمار.
وذكر لهذه "اللام"، الناصبة للفعل، ستة أقسام:
الأول: "لام" "كي"، وهي "لام" التعليل. وسميت "لام" "كي" لأنها تفيد ما تفيده "كي" مع التعليل. وفي هذه "اللام" مذاهب: مذهب أكثر الكوفيين أنها ناصبة، بنفسها.
وقال ثعلب: ناصبة، لكن لقيامها مقام "أن".
وقال البصريون: جارة، والناصب مقدر بعدها، وهو "أن".
وقال ابن كيسان، والسيرافي: يجوز أن يكون "أن"، ويجوزأن يكون "كي".
ومذهب الجمهور أن "كي" لا تضر.
ويجوز إظهار أن المضمرة بعد هذه "اللام"، فتقول: جئت لتكرمني، ولأن تكرمني. إلا إذا قرن الفعل ب "لا" النافية، أو الزائدة، فإن إظهار أن في ذلك واجب. نحو {لئلا يعلم أهل الكتاب}.
فإن قلت: إذا ظهر بعدها "أن" أو "كي" فماذا يقول الكوفيون؟ قلت: يقولون: إن كلا منهما مؤكد "للام" الناصبة. هكذا نقل عنهم.
الثاني: "لام" الجحود. وهي "اللام" الواقعة بعد كان الناقصة المنفية الماضية لفظاً، أو معنى. نحو: ما كان زيد ليذهب، ولم يكن زيد ليذهب. وسميت "لام" الجحود، لاختصاصها بالنفي. قيل: ولا يكون قبلها من حروف النفي إلا "ما" و"لا" دون غيرهما. قلت: الظاهر مساواة إن النافية لهما في ذلك.
وقد جعل بعضهم "اللام" في قوله تعالى: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} "لام" الجحود، على لا قراءة غير الكسائي وأجاز بعض النحويين وقوع "لام" الجحود بعد أخوات "كان" قياساً عليها. وأجاز بعضهم ذلك في "ظننت". وقال بعضهم: تقع في كل فعل، تقدمه فعل منفي. نحو: "ما" جئت لتكرمني. والصحيح أنها لا تقع إلا بعد "كان" الناقصة، كما تقدم.
فإن قلت: ما هذه "اللام" التي في قوله:
فما جمع ليغلب جمع قومي ... مقاومة، ولا فرد لفرد
قلت: هي "لام" الجحود، وجمع اسم "كان" المحذوفة. أي: "فما" "كان" جمع، كما قال أبو الدرداء في الركعتين بعد العصر: "ما" أنا لأدعهما. أي "ما" كنت لأدعهما.
واعلم أن الخلاف في "لام" الجحود كالخلاف في "لام" "كي". ففيها المذاهب الثلاثة. ومذهب البصريين أنه لا يجوز إظهار "أن" بعدها، بل يجب إضمارها. واختلف النقل عن الكوفيين، فحكى ابن الأنباري عنهم منع ذكر "أن" بعدها. وحكى غيره عنهم جواز ذكرها توكيداً.
تنبيه
مذهب البصريين أن "لام" الجحود تتعلق بمحذوف، هو خبر "كان" التي قبلها. والتقدير في قولك ما "كان" زيد ليفعل: ما "كان" زيد مريداً للفعل. قلت: تقديرهم مريداً يقتضي أن تكون "اللام" زائدة، مقوية للعامل، "كاللام" في نحو: {فعال لما يريد}. ومذهب الكوفيين أن الفعل الذي دخلت عليه "اللام" هو خبر "كان". ولا حذف عندهم.
قال بعض النحويين: وهذا الخلاف مبني على الخلاف السابق. فلما كان مذهب البصريين أن "اللام" جارة لمصدر منسبك، من "أن"
المقدرة والفعل، لزم عندهم أن يكون خبر "كان" محذوفاً. ولما كانت "اللام" عند الكوفيين ناصبة كان الخبر هو نفس الفعل، و"اللام" عندهم زائدة لتأكيد النفي. ولذلك أجازوا أن يتقدم معمول منصوبها عليها.
ورد أبو البقاء مذهب الكوفيين، بأن نصب الفعل إن كان "باللام" فليست بزائدة. ورد غيره بأن الخبر المحذوف قد سمع مصرحاً به، في قول الشاعر:
سموت، ولم تكن أهلاً، لتسمو
ولكن التصريح به في غاية الندرة.
وذكر ابن مالك أن "لام" الجحود هي المؤكدة لنفي في خبر "كان" ماضية لفظاً أو معنى. فوافق الكوفيين على أن الفعل الذي
بعدها هو الخبر، ولم يجعلها ناصبة بنفسها، بل جعل "أن" مضمرة بعدها وفاقاً للبصريين. فهو قول ثالث، مركب من المذهبين. وظاهر قوله المؤكدة يقتضي أنها زائدة، فلا تتعلق بشيء.
وصرح بذلك ولده في شرح الألفية، وقال - أعني ولده - في كلامه على هذا الموضع من تسهيل الفوائد: سميت مؤكدة لصحة الكلام بدونها، لا لأنها زائدة. إذا لو كانت زائدة لم يكن لنصب الفعل بعدها وجه صحيح. وإنما هي "لام" الاختصاص، دخلت على الفعل، لقصد: ما كان زيد مقدراً، أو هاماً، أو مستعداً لأن يفعل.
وقال صاحب رصف المباني ما ملخصه: إن هذه "اللام" هي "لام" العلة المذكورة قبل، وهي وما بعدها في موضع خبر "كان" المنفية. والمعنى في قولك ما كان عبد الله ليذهب: ما كان عبد الله للذهاب.
قلت: فهو على هذا من وقوع الجار والمجرور خبراً. قال بعضهم: من جعل "لام" الجحود "لام" "كي" فهو ساه.
الثالث: "لام" الصيرورة. وتسمى "لام" العاقبة، و"لام" المآل. ذكرها الكوفيون، والأخفش، وقوم من المتأخرين، منهم ابن مالك. كقوله تعالى: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً}. وهذا "اللام"، عند أكثر البصريين، صنف من أصناف "لام" "كي". وهي عند الكوفيين ناصبة بنفسها، كما تقدم في "لام" "كي".
الرابع: "اللام" الزائدة. نحو قوله تعالى: {يريد الله ليبين لكم}، وأمرنا لنسلم، وقول الشاعر:
أريد لأنسى ذكرها، فكأنما ... تمثل، لي، ليلى، بكل سبيل
"فاللام" في ذلك، ونحوه، زائدة عند قوم من النحويين.
وذهب المحققون إلى أنها "لام" "كي". ولهم في توجيه ذلك قولان:
أحدهما: أن المفعول محذوف، و"اللام" للتعليل، والمعنى: يريد الله ذلك ليبين. وأمرنا بما أمرنا به لنسلم. وأريد السلو لأنسى ذكرها.
والثاني: ما حكي عن سيبويه وأصحابه، أن الفعل مقدر بالمصدر، أي: إرادة الله ليبين، وأمرنا لنسلم. فينعقد من من ذلك مبتدأ وخبر. قلت: قال سيبويه: وسألته - يعنى الخليل - عن هذا، يعنى البيت المتقدم، فقال: المعنى إرادتي لأنسى.
فإن قلت: ما حقيقة هذا القول؟ قلت: هو كالقول الذي قبله في أن "اللام" للتعليل، ولكن معمول الفعل، على القول الأول، حذف اختصاراً، فهو منوي لدليل. وعلى هذا القول حذف اقتصاراً، فهو غير منوي، إذ لم يتعلق به قصد المتكلم، فيصير الفعل على هذا كاللازم. ولذلك انعقد من ذلك مبتدأ وخبر. وهو تقدير معنوي لا إعرابي. وهذا معنى قول ابن عطية، بعد ذكره القولين: وقول الخليل أخصر وأحسن.
الخامس: "اللام" التي بمعنى "أن". ذهب إلى ذلك الفراء، ونقله ابن عطية عن الكوفيين. قال الفراء: العرب تجعل "لام" "كي" في موضع "أن"، في: أمرت، وأردت. قال تعالى: {يريدون ليطفئوا}، {وأمرنا لنسلم}. وقد سبق تأويل ذلك.
السادس: "اللام" التي بمعنى "الفاء". ذكر ذلك قوم، وجعلوا منه قوله تعالى: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً}، وقوله تعالى: {ربنا ليضلوا عن سبيلك} أي: فكان لهم، وفضلوا. وقول الشاعر:
لنا هضبة، لا ينزل الذل وسطها ... ويأوي إليها المستجير، ليعصما
أي: فيعصما.
ولا حجة لهم في شيء من ذلك، لأن "اللام" في الآيتين "لام" الصيرورة، وقد تقدم ذكرها، وفي البيت "لام" "كي". وأيد بعضهم قول من جعلها في البيت. بمعنى "الفاء"، بأنه قد روي "بالفاء". قلت: الرواية "بالفاء" هي المشهورة، ولكن "الفاء" ليست أصلاً، في هذا الموضع، فتحمل عليها "اللام"، لأن نصب الفعل بعد "الفاء" في الواجب إنما يجوز لضرورة الشعر.
فهذه أقسام "اللام" العاملة.
القسم الرابع: "لام" الابتداء. وهي "اللام" المفتوحة، في نحو: لزيد قائم. وفائدتها توكيد مضمون الجملة. قال الزمخشري وغيره: ولا تدخل إلا على الاسم، والفعل المضارع. ومثلوا دخولها على المضارع، بقوله تعالى: {وإن ربك ليحكم بينهم} وهو صحيح، لأن "اللام" الداخلة في خبر "إن" هي في الأصل "لام" الابتداء. وسيأتي بيان ذلك.
فإن قلت: فهل تدخل على المضارع، إذا لم يكن بعد "إن"؟ قلت: قد ذكر ذلك ابن مالك، ومثله بقوله: ليحب الله المحسنين.
وذكر ذلك أيضاً صاحب رصف المباني قال: هذه "اللام" تدخل للابتداء، في المبتدأ، نحو {لأنتم أشد}، وما حل محله، وهو المضارع إذا صدر به، نحو: ليقوم زيد. وكذلك الفعل الذي لا يتصرف، نحو {لبئس ما كانوا يعملون}. قال: وإنما ذلك لمشابهة الاسم. أما المضارع ففي الإبهام والتخصيص، وأما الماضي المذكور فلعدم تصرفه، كعدم تصرف الاسم. هذا اختصار كلامه.
ولا تدخل هذه "اللام" على الماضي المتصرف. فإن وجد نحو: لقام زيد. فهو جواب قسم، و"اللام" فيه "لام" الجواب، وليست "لام" الابتداء. وأما المقرون ب "قد"، نحو: "لقد" قام زيد، فالذي ذكره المعربون أنها "لام" جواب القسم. وأجاز بعضهم أن تكون "لام" الابتداء. قلت: وقد نصوا على دخولها على الماضي المقرون "بقد"، بعد "إن" وخالف في ذلك خطاب الماردي، فقال: إن "اللام" في نحو "إن" زيداً "لقد" قام جواب قسم محذوف.
تنبيه
مقتضى كلام الزمخشري أن "لام" الابتداء إذا دخلت على المضارع، ولم تتقدم "إن"، فالمبتدأ محذوف بعدها. قال في الكشاف: فإن قلت: ما هذه "اللام" الداخلة على سوف - يعني: في قوله تعالى: {ولسوف يعطيك ربك فترضى} - قلت: هي "لام" المبتدأ المؤكدة لمضمون الجملة. والمبتدأ محذوف تقديره: ولأنت سوف يعطيك، كما ذكرنا في لأقسم - يعنى {لأقسم بيوم القيامة} على قراءة ابن كثير - وذلك أنه لا يخلو من أن تكون "لام" قسم أو ابتداء. "فلام" القسم لا تدخل على المضارع، إلا مع "نون" التوكيد. فبقي أن تكون "لام" الابتداء. و"لام" الابتداء لا تدخل إلا على الجملة من المبتدأ والخبر، فلا بد من تقدير مبتدأ وخبر، وأن يكون أصله: ولأنت سوف يعطيك.
قلت: أما قوله "فلام" القسم لا تدخل على المضارع، إلا مع "نون" التوكيد ليس على إطلاقه. بل هو مشروط عند القائلين به، وهم البصريون، بألا يفصل بين الفعل و"اللام" بحرف تنفيس، أو "قد"، أو بمعموله. فيمتنع حينئذ دخول "النون". فقد اتضح أن عدم "النون" في ولسوف ليس مانعاً من جعل "اللام" جواب القسم. وأما الكوفيون فإنهم أجازوا تعاقب "اللام" و"النون". وأما في:{لأقسم بيوم القيامة} فقد أوله بعض البصريين على إرادة الحال. وفعل الحال إذا أقسم عليه دخلت عليه "اللام" وحدها.
فإن قلت: أليس قوله في المفصل إن "لام" الابتداء تدخل على المضارع، مناقضاً لقوله: و"لام" الابتداء لا تدخل إلا على الجملة من المبتدأ والخبر؟ قلت: ليس مناقضاً له، لأنه مثل في المفصل بقوله تعالى: {وإن ربك ليحكم بينهم}. وهذه "اللام"، في الأصل، داخلة على المبتدأ. ولكنها تأخرت عن محلها.
مسألة
"لام" الابتداء مستحقة لصدر الكلام. ولذلك علقت أفعال القلوب، وندر زيادتها في الخبر، كقول الراجز:
أم الحليس لعجوز، شهربه
وأوله بعضهم على إضمار مبتدأ محذوف، تقديره: لهي عجوز. وضعف بأن حذف المبتدأ مناف للتوكيد الذي، جيء "باللام" لأجله.
تنبيه
من أصناف "لام" الابتداء "لام" التوكيد، الواقعة بعد "إن" المكسورة، خلافاً لمن قال: هي غيرها. والأول مذهب البصريين، قالوا: كان الأصل أن تقدم، وإنما تأخرت لئلا يجتمع حرفان لمعنى واحد، وهو التوكيد.
فإن قلت: فهل كان أصلها أن تكون قبل "إن" أو بعدها. ولم أخرت هي وتركت "إن" مقدمة؟ قلت: الجواب عن الأول أن أصلها كما ذكر ابن جني، وغيره، أن تكون قبل "إن" لوجهين:
أحدهما: أنها لو قدرت بعد "إن" تكون قبل "إن" لوجهين: أحدهما أنها لو قدرت بعد "إن" لزم الفصل بين "إن" ومعمولها، بحرف من أدوات الصدر.
والثاني: أنها جاءت مقدمة على "إن" لما أبدلوا "همزتها" "هاء"، في نحو قول الشاعر:
ألا، يا سنا برق، على قلل الحمى ... لهنك، من برق، علي كريم
وإنما سهل الجمع بين حرفي التوكيد، في ذلك، تغير لفظ أحدهما. وفي هذا البيت أقوال أخر، ليس هذا موضع ذكرها.
والجواب عن الثاني أنهم بدؤوا ب "إن" لقوتها، لكونها عاملة. كذا قال الأخفش.
وفائدة هذه "اللام" توكيد مضمون الجملة. وكذلك "إن". وإنما اجتمعا، لقصد المبالغة في التوكيد. وما قيل من أن "اللام" لتوكيد الخبر، و"إن" لتوكيد الاسم، فهو منقول عن الكسائي. وفيه تجوز، لأن التوكيد إنما هو للنسبة لا للاسم والخبر، وعن ثعلب وقوم من الكوفيين أن قولك: "إن" زيداً منطلق، جواب: "ما" زيد منطلق. و"إن" زيداً لمنطلق، جواب: "ما" زيد بمنطلق.
وقال أهل علم المعاني: إذا ألقيت الجملة إلى من هو خالي الذهن استغني عن مؤكدات الحكم. فيقال: زيد ذاهب. ويسمى هذا النوع من الخبر ابتدائياً. وإذا ألقيت إلى طالب لها، متردد في الحكم، حسن تقوية الحكم بمؤكد. وذلك بإدخال "إن"، نحو: "إن" زيداً ذاهب. أو "اللام"، نحو: لزيد ذاهب. ويسمى هذا النوع طلبياً. وإذا ألقيت إلى منكر للحكم وجب توكيدها، بحسب الإنكار. فتقول: "إني" صادق، لمن ينكر صدقك، ولا يبالغ فيه.
و"إني" لصادق لمن يبالغ في إنكاره. ويسمى هذا النوع إنكارياً. وعليه قوله تعالى: {واضرب لهم مثلا أصحاب القرية، إذا جاءها المرسلون} إلى آخرها.
ويؤيد ذلك جواب أبي العباس، للكندي عن قوله: "إني" أجد في كلام العرب حشواً: يقولون: عبد الله قائم. ثم يقولون: "إن" عبد الله قائم. ثم يقولون: "إن" عبد الله لقائم. والمعنى واحد! فقال: بل المعاني مختلفة؛ فعبد الله قائم: إخبار عن قيامه. و"إن" عبد الله قائم: جواب عن سؤال سائل. و"إن" عبد الله لقائم: جواب عن إنكار منكر قيامه.
ولهذه "اللام" بعد "إن" أربعة مواضع:
الأول: الخبر، بشرطين:
أحدهما: أن يكون مثبتاً.
والثاني: ألا يكون ماضياً، متصرفاً، عارياً من "قد".
الثاني: الاسم، إذا تأخر، نحو: "إن" في الدار لزيداً.
الثالث: معمول الخبر، إذا توسط بينه وبين الاسم، نحو: "إن" زيداً لطعامك آكل. وشرطه أن يكون الخبر صالحاً "للام"، فلو كان ماضياً متصرفا، نحو: "إن" زيداً طعامك أكل، لم تدخل "اللام" على معموله، لأن دخولها عليه فرع دخولها على عامله.
الرابع: الفصل بين الاسم والخبر، نحو {إن هذا لهو القصص الحق}.
ويحكم على هذه "اللام" بالزيادة، فيما سوى هذه المواضع. ولا تدخل على خبر "لكن" خلافاً للكوفيين. وأما قول الشاعر:
ولكنني، من حبها، لعميد فمتأول.
فإن قلت: قد تقدم أن "لام" الابتداء لها صدر الكلام، فلا يتقدم معمول ما بعدها عليها. وهذه "اللام" التي بعد "إن" يتقدم معمول ما بعدها عليها، كقوله تعالى: {إنه على رجعه لقادر}، فهذا دليل على أن هذه غير تلك! قلت: الجواب عن ذلك أن هذه "اللام" لما تأخرت عن موضعها جاز تقديم المعمول عليها. نظير ذلك "الفاء" الواقعة جواب "أما". وسيأتي بيان ذلك، إن شاء الله تعالى.
القسم الخامس: "اللام" الفارقة. وهي الواقعة بعد "إن" المخففة، في نحو {وإن كانت لكبيرة}، فارقة بين "إن" المذكورة و"إن" النافية، فإذا قلت: "إن" زيد لقائم، ف "إن" مخففة من الثقيلة، و"اللام" بعدها فارقة. هذا مذهب البصريين. وذهب الكوفيون إلى أن "إن" نافية، و"اللام" بمعنى "إلا".
قال الزمخشري وغيره: هذه "اللام" لازمة في خبر "إن"، إذا خففت. قلت: إنما تلزم إذا ألغيت "إن" ولم يكن في الكلام قرينة. فإن أعملت، نحو: "إن" زيداً قائم، أو دل دليل على المراد، لم تلزم لعدم الحاجة إليها. ومن ذلك قول الشاعر:
أنا ابن أباة الضيم من آل مالك ... وإن مالك كانت كرام المعادن
واختلف في هذه "اللام" الفارقة. فذهب قوم إلى أنها قسم برأسه، غير "لام" الابتداء. منهم الفارسي. وذهب قوم إلى أنها هي "لام" الابتداء، الداخلة على خبر "إن"، لزمت للفرق. وهو مذهب سيبويه، واختاره ابن مالك. واستدل الشلوبين، على أنها "لام" أخرى، بعمل الفعل قبلها فيما بعدها. وقد بسطت الكلام على هذه المسألة في غير هذا الموضع.
القسم السادس: "لام" الجواب. وهي ثلاثة أنواع: جواب القسم، وجواب "لو"، وجواب "لولا".
فأما "اللام" التي هي جواب القسم فتدخل على الجملة الاسمية والفعلية. نحو: والله لزيد قائم، {وتالله لأكيدن أصنامكم}، و {تالله لقد آثرك الله}.
والأكثر في الماضي المتصرف، إذا وقع جواباً، اقترانه ب "قد" مع "اللام". وقد يستغنى عن "قد"، كقول امرئ القيس:
حلفت لها بالله، حلفة فاجر ... لناموا، فما إن حديث، ولا صالي
وذهب قوم إلى أنه لابد في ذلك من "قد" ظاهرة أو مقدرة. وقال ابن عصفور: إن كان الفعل قريباً من زمان الحال أدخلت عليه "اللام" و"قد"، لأن "قد" تقربه من الحال. وإن كان بعيداً منه أتيت "باللام" وحدها. ومنه قوله لناموا.
ولا إشكال في أن "لام" القسم مغايرة "للام" الابتداء. وقول صاحب رصف المباني وإذا تأملت هذه "اللام" فهي "لام" الابتداء، و"لام" التوطئة غير صحيح.
وأما "اللام" التي هي جواب "لو" وجواب "لولا" فيأتي ذكرها مع: "لو"، و"لولا".
القسم السابع: "اللام" الموطئة. وهي الداخلة على أداة الشرط، في نحو: والله لئن أكرمتني لأكرمنك. فإن كان القسم مذكوراً لم تلزم. وإن كان محذوفاً غالباً، نحو {لئن أخرجوا لا يخرجون معهم}. وقد تحذف، والقسم محذوف، نحو {وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن}، {وإن لم تغفر لنا، وترحمنا، لنكونن}. وقيل: هي منوية في نحو ذلك.
وإنما سميت هذه "اللام" موطئة، لأنها وطأت للجواب. وتسمى أيضاً: المؤذنة. وقولهم: إنها موطئة للقسم، فيه تجوز. وإنما هي موطئة لجواب القسم.
وأكثر ما تكون مع "إن" الشرطية، كما تقدم. وقد تدخل على غيرها، من أدوات الشرط. ومن ذلك قراءة غير حمزة {لما آتيتكم من كتاب وحكمة}، وقول الشاعر:
لمتى صلحت ليقضين لك صالح ... ولتجزين، إذا جزيت، جميلا
وذكر ابن جني في سر الصناعة أن "إذ" قد شبهت ب "إن" فأدخلت عليها "اللام" الموطئة، في قول الشاعر:
غضبت علي، لأن شربت بجزة ... فلإذ غضبت لأشربن بخروف
وقد يجاء ب "لئن" بعد ما يغني عن الجواب، فيحكم بزيادة "اللام". كقول عمر بن أبي ربيعة:
ألمم بزينب، إن البين قد أفدا ... قل الثواء، لئن كان الرحيل غدا
القسم الثامن: "لام" التعريف، عند من جعل حرف التعريف أحادياً. وهم المتأخرون، ونسبوه إلى سيبويه. وذهب الخليل إلى أن حرف التعريف ثنائي، و"همزته" "همزة" قطع، وصلت لكثرة الاستعمال. وهو مذهب ابن كيسان. وكان الخليل يسميه "أل". ولا يقول: "الألف" و"اللام". واختار هذا القول ابن مالك. ونقل ابن مالك عن سيبويه أن حرف التعريف عنده ثنائي، ولكن "همزته" "همزة" وصل، معتد بها في الوضع، كما يعتد "بهمزة" استمع ونحوه، فيقال: هو خماسي. قلت: وهو صريح كلام سيبويه، لأنه عد حرف التعريف في الحروف
الثنائية.
وسيأتي الكلام على حرف التعريف في باب الثنائي، إن شاء الله تعالى. وإنما أخرت الكلام عليه، لأن المختار عندي مذهب سيبويه.
فهذه جملة أقسام "اللام" على سبيل الاختصار. والله الموفق). [الجنى الداني:95 - 139]


رد مع اقتباس