الموضوع: حرف اللام
عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 23 ذو الحجة 1438هـ/14-09-2017م, 01:23 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي



باب "اللام" المفردة

قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (باب "اللام" المفردة
اعلم أن "اللام" المفردة جاءت في كلام العرب لمعانٍ تتشعبُ وتكثر، فعددها بعضهم ثلاثين "لامًا"، وعددها بعضهم ثمانيةً، وعددها بعضهم أربعًا، وألف بعض البغداديين فيها كتابًا سماه «كتاب "اللامات"»، عدد لها فيه نحو الأربعين معنى بحسب اختلافها أدنى اختلاف.
وقد أمعنت النظر فيها فوجدتها على تشعب معانيها تُحصر في قسمين: قسم زائدة، وقسمٍ غير زائدة، فالقسمُ غيرُ الزائدة قسمان: عاملةٌ وغير عاملةٍ والعاملةُ ثلاثةُ أقسامٍ: قسمٌ عاملٌ خفًا وقسمٌ عاملٌ نصبًا، وقسمٌ عاملٌ جزمًا.
والقسم الزائدة قسمان: قسمٌ عاملةٌ وقسمٌ غيرُ عاملةٍ، فتجيءُ جملة أقسامها ستة: غير زائدةٍ عاملةٌ خفضًا، وغيرُ زائدةٍ عاملةٌ نصبًا، وغيرُ زائدةٍ عاملةٌ جزمًا، وغير زائدةٍ غيرُ عاملةٍ، وزائدةٌ عاملةٌ، وزائدةٌ غيرُ عاملةٍ.
القسم الأول: غيرُ الزائدة العاملة خفضًا لها ثمانية مواضع:
الموضع الأول: أن تكون للتخصيص، وأنواع هذه المواضع تتشعب، والذي يجمعها النسبة، فحيث كانت جاز أن تنسب لما بعدها بها، فمنها الملك، نحو: الثوب لزيدٍ، والدارُ لعمروٍ، والفرسُ لعبد الله، ومنها الاستحقاق، نحو: الباب للدار، والسرج للدابة، والمحراب للمسجد، ومنها النسب، نحو: الأب لعبد الله والابن لخالد، ومنها التبعيضُ، نحو: الرأس للحمار والكُمُّ للجبة، ومنها الفعل نحو: الضربُ لزيدٍ، والتسبيح لعمروٍ.
وأنواع النسبة لا تكاد تُحصر لكثرتها، ومنها قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ}، وقولهم .... وتُربا له وجندلًا له وواهًا له.
وتدخل في أنواع هذه المواضع على الظاهر والمضمر فتقول الغلامُ لزيدٍ والغلام لك، وكذلك باقي الأنواع.
الموضع الثاني: أن تكون في النداء للاستغاثة نحو: يا لزيدٍ لعمروٍ، ويا لخالدٍ لعبد الله، ومنه قوله:
فيا لرزامٍ رشحوا بي مقدمًا ..... إلى الخير خواضًا إليه الكتائبا
وقوله:
تكنفني الوشاةُ فازعجوني ..... فيا للناس للواشي المُطاع
وقولُ عمر رضي الله عنه لما طعنه العلج أو العبد: يالله يا للمسلمين، ومعنى ذلك كله الدعاء للسامع أن يُغيث فيجيب الداعي لأمرٍ أُتفق عليه من حرج أو خوف قتلٍ أو سبي مال أو أهل أو نحو ذلك .... على من يفعل به ذلك أو يخاف فعله منه.
ولا يجوز دخولُ هذه
"اللام" على المضمر، وإن كان أصلُ المنادى الذي تدخل عليه مضمرًا لأنه المخاطب أو من في حكمه، لأن المستغاث به القصدُ به شهرته، فلابد من ذكر اسمه أو شهرته، و"اللام" دلالةٌ على ما أريد من الاستغاثة.
الموضع الثالث: [أن تكون] للتعجب وهو يكون في باب النداء، نحو قولهم: «يا للعجب»، وقول الشاعر:
.... .... .... .... ..... يا للكهول وللشُبان للعجب
وهذا لفظي، ويكون معنويًا كقوله:
فيالك من ليلٍ كأن نجومه ..... بكل مُغار الفتل شُدت بيذبل
وقول الآخر:
يا لك من قبرةٍ بمعمرٍ ..... .... .... .... ....
ويكون في المدح كقولك: يا لك رجلًا صالحًا، وفي الذم [كقولك]: يا لك رجلًا خبيًا وتدخل في هذه المواضع على الظاهر والمضمر، وتكون مفتوحة مع الظاهر فيه وفي الموضع قبله، لعلةٍ تبين آخر الباب إن شاء الله.
وتكون للتعجب أيضًا في القسم كقولهم: لله لا يقوم، ولله ليقومن زيدٌ، قال الشاعر:
لله يبقى على الأيام ذو حيدٍ ..... بمشمخرٍ به الظيان والآس
أراد لا يبقى، فحذف المعلم بذلك، كقوله تعالى: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ}، أي: لا تفتأ.
الموضع الرابع: أن تكون بمعنى
"على"، وذلك موقوفٌ على السماع، لأن الحروف لا يوضع بعضها موضع بعضٍ قياسًا، إلا إذا كان معنياهما واحدًا، ومعنى الكلام الذي يدخلان فيه واحدًا أو راجعًا إليه، ولو على بُعدٍ.
ففما جاء من ذلك في
"اللام" قوله تعالى: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا}، وقال الشاعر:
.... .... .... .... ..... فخر صريعًا لليدين وللفم
وقول الآخر:
.... .... .... .... ..... أنخنا للكلاكل فارتمينا
وقول الآخر:
كأن مخواها على ثفناتها ..... معرس خمسٍ وقعت للجناجن
الموضع الخامس: أن تكون بمعنى "إلى"، وذلك قياس، لأن "إلى" يقربُ معناها من معنى "اللام"، وكذلك لفظها، ألا ترى قوله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا}، و«هدى» يتعدّى ب "إلى"، كما قال: {وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، فالهداية في المعنى أوصلت المهدي إلى الصراط المستقيم، والوصلة موجودةٌ في معنى "إلى" و"اللام"، وهي موجودة فيهما حيثما كانا، وإن كان بينهما فرقٌ من حيث إن "إلى" لانتهاء الغاية و"اللام" عارية عنها، ف"اللام" أقرب الحروف لفظًا ومعنى إلى "إلى" من غيرها فلذلك قلنا إن دخول كل واحدةٍ منهما في موضع الأخرى، ألا ترى أن قوله تعالى: {فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} و«ادفعوا لهم» يتقاربان، فاستعمال إحداهما في موضع الأخرى جائزٌ كما ذُكر، ومنه أيضًا قوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ}، وقال في موضعٍ آخر: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}.
الموضع السادس: أن تكون بمعنى
"مع" وهو مسموع لا يُقاس عليه لبعد معنيهما ولفظيهما، ومما سمع من ذلك قول الشاعر:
فلما تقرفنا كأني ومالكا ..... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
أي "مع" طول اجتماع.
الموضع السابع: أن تكون بمعنى
"من أجل" نحو: جئتك للإحسان ورعيتك لرعيي، قال الشاعر:
فجئت وقد نضت لنومٍ ثيابها ..... لدى الستر إلا لبسة المتفضل
أي: "من أجل" نوم، قال الشاعر:
تسمعُ للجرع إذا استحيرا ..... للماء في أجوافها خريرًا
أي: "من أجل" الجرع.
ويُقال لهذه
"اللام" "لام" العلة و"لام" السبب، وهي في كلام العرب كثيرةٌ، وهي الداخلة على "كي" التي بمعنى "أن" والتي "كي" بمعناها وهي بمعنى "كي" التي تقدر "أن" بعدها كما تقدم في بابها.
الموضع الثامن: أن تكون بمعنى
"بعد" وهو أيضًا موقوفٌ على السماع لقلته ومما جاء من ذلك قولهم: «كتبت لخمس خلون من الشهر، ولست مضين منه» أي "بعد" خمس و"بعد" ست، وقول الشاعر:
حتى وردن لتم خمسٍ بائص ..... .... .... .... ....
أي: "بعد" تمام خمس.
القسمُ الثاني: غير الزائدة العاملة نصبًا، لها ثلاثة مواضع:
الموضع الأول: أن يكون بعدها الفعل المضارع منصوبًا بإضمار
"أن" على معنى "كي" المذكورة، نحو: جئتك لكرمني، وأحسن إليك لتشكرني، قال الله تعالى: {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا} و{لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ}، ولا يجوز الوقف في القرآن على ما قبل هذه "اللام" لأنها عاملةٌ لما قبلها، إلا إن وقع رأس آية.
وهذه
"اللام" لا يكون ما قبلها إلا كلامًا قائمًا بنفسه، وبهذا تخالف "لام" الجحود المذكورة بعد، وتكون قبلها الجمل الاسمية [و] الفعلية الماضية والمضارعة، نحو قولك: زيدٌ قائمٌ ليحسن إليك، وزيدٌ قام ليحسن إليك، وزيدٌ يقوم ليحسن إليك.
وهي ناصبةٌ ما بعدها بإضمار
"أن" لأنها حرفٌ جار، فلا يعمل عملين لاختصاصه بالأسماء، فما بعده مع "أن" بمنزلة اسم مخفوض بها كأنك إذا قلت: جئت لتكرمني [تقول] جئت لأن تكرمني، أي جئتُ للإكرام وقد بُين هذا في باب "كي" فقف عليه هناك، ويجوز دخول هذه "اللام" على "كي" إذا كانت بمعنى "أن" وحذفها للدلالة عليها كما بين هناك.
الموضع الثاني: أن تكون بمعنى الجحود، وهو النفي، وذلك قولك: ما كان الرجل ليذهب، وما كان عبد الله ليخرج، المعنى: ما كان عبد الله للخروج، وما كان الرجل للذهاب، قال الله عز وجل: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ}، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ}، المعنى للترك، وما كان الله للتعذيب، فهذه
"اللام" كالتي قبلها في دخولها على الفعل المضارع ونصبه بإضمار "أن" وتقديرها معه بتأويل المصدر المخفوض بها، إذ هي حرفٌ جار أيضًا، لأنها مختصة بالأسماء، وهي "لامُ" العلة المذكورة قبل، إلا أنها إذا دخلت على الأفعال المذكورة وقعت مع ما بعدها في موضع أخبار "كان" المنفية بـ "ما"، وبذلك تخالف "لام" "كي" المذكورة قبل، للزومها ذلك، و"لام" "كي" يتم الكلام دونها، ويجوز أن يتقدمها الإيجاب والنفي مع "كان" وغيرها، فاعلمه.
الموضع الثالث: أن تكون بمعنى العاقبة، كقولك: أكرمته ليشتمني وأعطيته ليحرمني، قال الله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} و{رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ}، المعنى: فالتقطه
آل فرعون فكان عاقبةُ أمرهم أن كان لهم عدوًا وحزنًا، وأنك آتيت فرعون وملأه زينةً وأموالًا في الحياة الدنيا، فكان عاقبتهم أن ضلوا عن سبيلك، وهي مثل
"لام" "كي" و"لام" الجحود المذكورتين، في أنها داخلةٌ على الأفعال المضارعة، وتنصب بعدها بإضمار "أن"، و"أن" وما بعدها في موضع مصدرٍ مخفوض إذ هي حرفُ جار مثلهما للعلة في الظاهرة، وتفارقها في المعنى خاصة.
وأما قول الشاعر:
لنا هضبة لا ينزل الذل وسطها ..... ويأوي إليها المستجير ليعصما
فقال بعضهم: إن "اللام" "لامُ" العاقبة كالتي في الآيتين، وقال بعضهم: هي بمعنى "الفاء" لأن أصله: «فيُعصما»، وقد رُوي كذلك، والصحيح أنها "لام" "كي" المتقدمة الذكر، لأن فيها معنى العلة، ويصح تقديرها بـ "كي" وبدل على ذلك أن الرواية قد صحت "بالفاء" في موضعها وهي "فاء" السبب الجوابية، إلا أن نصب بعضهم بها وقع في الواجب، فقال بعضهم: ذلك ضرورةٌ، والصحيح عندي أن نصبها – وإن كان في ظاهر الواجب – على معنى الشرط المقدر، لأن التقدير: إن يأو إليها المستجيرُ يُعصم، ولافاءُ تنصبُ في معنى جواب الشرط على ما يبينُ في بابها إن شاء الله مستقصى.
القسم الثالث: غير الزائدة العاملة جزمًا، لها في كلام العرب ثلاثة مواضع:
الموضع الأول: أن تكون للأمر، فيجزم بعدها الفعل المضارع على أنواع حالات الجزم، وتدخل على المبني للمفعول، فتلزم معه على اختلاف أنواعه للمتكلم والمخاطب والغائب، نحو: لأكرم، ولتُكرَمْ، ولتُكْرِمْ، وليُكرَمْ، وعلى المبني للفاعل الغائب.
وهل تدخل على المتكلم وحده أو مع غيره؟ فيه خلافٌ، والصحيح جوازه لوروده من كلام العرب، فتقول: ليقم زيدٌ، وليخرج عمروٌ، قال الله عز وجل: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}، وتقول: لأقم ولتقم، وأما فعلُ المخاطب فالغالب عليه المطردُ أن يجيء بغير
"لام"، نحو: اضرب واخرج وقم واقعد، وقد جاء في الحديث قوله عليه السلام: «لتأخذوا مصافكم» وقرئ قوله تعالى: «فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا» على المخاطبة وكلاهما نادرٌ.
واختلف في هذا الفعل المبني للفاعل المخاطب إذا كان بغير
"اللام": فذهب البصريون إلى أنه صيغةٌ قائمةٌ بنفسها، لا مدخل "للام" فيها، وأن الذي "باللام" صيغةُ الفعل المضارع دخلت عليه "اللام" للأمر فجزمته، والأول مبني على الوقف والآخر معربٌ بالجزم.
وذهب الكوفيون إلى أن كليهما واحدٌ، فعلٌ مضارعٌ في الأصل معربٌ بالجزم
"باللام" ظاهرةً أو محذوفةً، قياسًا على سائر أفعال الأمر.
وذهب المتأخرون إلى أن الصحيح أن ما فيه
"اللام" مضارعٌ معربٌ بالجزم لوجود المضارعة فيه وهو "التاء" و"الياء" و"النون" و"الألف" التي أُعرب بسببها، وما ليس فيه "اللام" صيغته صيغةٌ أخرى، وهو مبنيٌ لا مدخل "للام" فيه لا شبه بينه وبين الاسم كما كان في المضارع من الإبهام والتخصيص الموجودين فيهما، إذ تلك الصيغة لا حرف مضارعةٍ فيها توجيب لها الإعراب ولا شبه بينها وبين الاسم من جهتي الإبهام والتخصيص المذكورين، بل هي صيغةٌ مخلصةٌ للاستقبال بنفسها فهي أصلٌ قائمٌ بنفسه.
فإن زعموا أن
"لام" الجزم محذوفةٌ مع حرف المضارعة فيجاوبوا: بأنه لا يُحذف حرفان، أحدهما يوجب علة تكون أصلًا في شيء، ويبقى حكمها كحرف المضارعة، و"اللام" حرفٌ واحدٌ شديدُ الاتصال بما بعده، صار معه كبعض حروفه، فلا يجوز حذفه إلا في الضرورة وحده كقوله:
.... .... .... .... ..... .... .... أو يبك من بكى
وأما حذفها معًا في كل موضع مخاطبة للفاعل فلا. وكل ما جاء من ذلك على كثرته في كلامهم هو بغير "لامٍ"، ولا حرف مضارعةٍ، إلا ما ذُكر نادرًا فلا يقاسُ عليه، وهذا كله جريان على مذهب البصريين.
والصحيح مذهب الكوفيين، وقد أتيت بالدلائل عليه في غير هذا الكتاب.
واعلم أن هذه
"اللام" لشدة اتصالها بما بعدها حتى صارت كبعض حروفه جاز فيها التسكينُ لخفتها إذا اتصل بها "واوُ" العطف أو "فاؤه"، كقوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} على قراءة من قرأ بالتسكين،
وكذلك قوله تعالى: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} فأجري ذلك مجرى فخد وكبد حين قالوا: فخذ وكبد، بإسكان
"الخاء" و"الباء"، تخفيفًا لاجتماع المتحركات، ويستقبح ذلك فيها مع حرفٍ منفصلٍ، نحو {ثُمَّ لْيَقْطَعْ}، {ثُمَّ لْيَقْضُوا}.
وكذلك الحكم في
"الواو" و"الفاء" مع "هو" و"هي" و"ثم" في نحو قوله تعالى: {ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} على قراءة قالون والكسائي من السبعة بالإسكان في الفتح، بمنزلة: {ثُمَّ لْيَقْطَعْ}، وإنما ذلك لشدة اتصال "الواو" و"الفاء" بما بعدهما لأنهما كحرفٍ منه وانفصال "ثم" إذ هي كلمةٌ قائمةٌ بنفسها من ثلاثة أحرفٍ فاعلمه.
الموضع الثاني: أن تكون للدعاء، نحو قولك: «لتغفر لزيدٍ ولترحمه» والأكثر: اغفر لزيدٍ وارحمه، لأنها في الفعل بمنزلة
"لام" الأمر، والحكم فيها في اللفظ كالحكم فيها، قال الله تعالى: {فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا}، وقال الشاعر:
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة ..... فاغفر عليك سلام الله يا عُمر
وإنما تفارقها في المعنى، وذلك أن الأمر هو طلبٌ من الأعلى إلى الأدنى، والدعاء من الأدنى إلى الأعلى.
وجملة الأمر أن
"اللام" الداخلة على صيغة الأمر تكونُ بحسب ما وضعت الصيغة له من طلبٍ أو إباحةٍ أو تعجيزٍ أو تكوينٍ أو غير ذلك مما أحكمه الأصوليون في كتبهم، فلا معنى لتفريق مواضع ذلك إلا الجري على تنويعهم في الاصطلاح، وإلا فالطلب يكون من الأعلى إلى الأدنى ومن المثل إلى المثل ومن الأدنى إلى الأعلى، ويكون ذلك بصيغة الأمر وبالمضارع "باللام" مجزومًا، هذا هو الحق، إلا أن النحويين على صيغة «افعل» أمرًا، وبعضهم من المتأخرين تحذق فزاد الدعاء، وحقيقته ما ذكرتُ لك فاعلمه.
الموضع الثالث: أن تكون للوعيد نحو قولك: لتقتل زيدًا وأنت تعلم ما تلقى ولتضربه فسوف تعلمُ، قال الله تعالى: {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}.
وأكثرُ ما تأتي الصيغة [على] صيغة «افعل»، وقد تكون صيغة المضارع
"باللام"، فالحكم فيها كالحكم في "لام" الأمر والدعاء، وإنما الفرق بينهما في المعنى، لأن في معنى هذه التهديد وهي راجعةٌ إلى ما ذكرنا من الوعيد ولا طلب فيها إلا في ضرورة أمر، فلذلك يُطلق النحويون عليها أمرًا، ونظيره [في] ذلك قوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}، فلولا قرينةُ الحال في الكلام لكانت الصيغة واحدةً مفهومًا منها الأمر [من} أول وهلة.
وفي صيغة «افعل» بين الأصوليين اختلافٌ: هل اللفظ مشتركٌ أو هو في الطلب أظهر، أو في الموجب منه؟ حقيقته في علم أصول الفقه.
القسم الرابع: غيرُ الزائدة غير العاملة:
أن تكون للتأكيد أي لتمكن المعنى في النفس، ولها في ذلك ثلاثة مواضع.
الموضع الأول: أن تدخل للابتداء في المبتدأ وما حل موضعه من الفعل المضارع له، فالمبتدأ نحو قولك لزيدٌ قائمٌ، ولعبد الله خارجٌ وليقوم زيدٌ.
وإنما قدمت أولًا اعتمادًا عليها في التوكيد لما بعدها، كما تقدم
"همزةُ" الاستفهام و"إن" المكسورة المشددة، و"ما" النافية للاعتماد عليها في معانيها التي وضعت لها، ولذلك كانت حروفًا معلقة لما قبلها عن العمل فيما بعدها، أي قاطعة له، وذلك في باب «ظننت وأعلمت» وقاطعةً عن عمل ما بعدها فيما قبلها في باب الاشتغال، فتقول: ظننتُ لزيد قائمٌ، وأعلم زيدٌ لعبدُ الله منطلق، وزيدٌ لتضربه، وإنما ذلك كما ذكرتُ لك من أنه حرفُ صدر، قال الله تعالى: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ}، وقال زهير.
ولأنت أشجع حين تتجه أأ ..... أبطالُ من ليثٍ أبي أجر
وقال آخر:
فلهو أخوفُ عندي إذ أكلمه ..... .... .... .... ....
وما حل محل المبتدأ هو الفعل المضارع إذا صُدر به، نحو قولك: ليقوم زيدٌ، وليخرج عمرو، وكذلك الفعل الذي لا يتصرف، نحو: نعم وبئس وفعل التعجب، فتقول: لنعم الرجل زيدٌ، ولبئس الغلام عمرو، [وتلزم في فعل التعجب لجريانه مجرى الأمثال]، قال الله تعالى: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وقال الشاعر:
ولنعم حشو الدرع أنت إذا ..... دُعيت نزال ولج في الذعر
وإنما ذلك لمشابهة [جميع ذلك] الاسم، أما المضارع ففي الإبهام والتخصيص، وأما الماضي المذكور فلعدم تصرفه كعدم تصرف الاسم.
وربما دخلت
"اللام" على ما يدخل على المضارع من "أن" الناصبة له نحو قولك: لأن تقوم خيرٌ لك من أن تقعد لأن المعنى: لقيامك فهي في موضع مبتدأ، فلذلك عوملت في ذلك معاملته، وكذلك حكم ما يدخل على المضارع إذا خلصه للاستقبال، نحو: «لسوف يقوم زيدٌ»، قال الله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}.
وأما قوله تعالى: {لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} «فهي جوابٌ قسمٍ محذوف يتلقى بها»، {وَلَسَوْفَ} موضعٌ سيذكر بعد.
الموضع الثاني: أن تكون في خبر المبتدأ وذلك قسمان: قسم قياسي وقسم موقوف على السماع.
فأما القياسي ففي خبره إذا وقع خبرًا لـ
"إن" المكسورة التي للتوكيد المذكورة في بابها، نحو قولك: «إن زيدًا لقائم وإن عبد الله لخارج»، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}، {نَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}.
وهذه
"اللام" هي جائزة الدخول في هذا المكان لا واجبة، لما يُراد من المبالغة في التوكيد إذ هو حاصل، فإن محلها في الأصل المبتدأ الذي [هو] اسم "إن" إلا أنه اتفق مانع منع من ذلك وهو أنه لما دخلت "إن" على المبتدأ وليته وطلبته، وكانت مشبهة بالفعل كما ذكر في بابها وجب أن تعمل فيه وصارت معه كالمبتدأ إذ لم تغير من معنى الابتداء شيئًا، إنما هي للتوكيد خاصة، وهي زائدٌ على الابتداء فوجب "للام" الداخلة على الجملة التي فيها "إن" أن تكون مقدمة عليها.
ومما يوضح ذلك أنها تجتمع معها مقدمة فتبدل
"همزة" "إن" "هاء" كما قال الشاعر:
ألا ياسنا برقٍ على قُلل الحمى ..... لهنك من برقٍ علي كريمُ
على أن لبعض المتأخرين في «لهنك» كلامًا ضعيفًا قد ذُكر منه شيءٌ فيما تقدم.
فإذا ثبت أن
"اللام" أصلها في الدخول أن تكون قبل "إن" ثقل اجتماع حرفين مؤكدين، فأزالوا "اللام" من ذلك المحل ووضعوها في موضعٍ لا يكون فيه ثقلٌ وهو الخبر في الأصل لتأخيره عن الاسم، فقالوا: «إن زيدًا لقائم»، و«إن عبد الله لشاخص».
ثم تدخل في الاسم إن فُصل بينه وبين
"إن" بالظرف أو المجرور، نحو قوله تعالى: {نَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى} و{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً}، {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى}، لأنه قد زال موجب الثقل بالاجتماع مع "إن".
ثم إنه قد يجوز دخولها فيما يحل محل الخبر من ظرفٍ نحو: «إن زيدًا لعندك» أو مجرورٍ نحو: «إن زيدًا لمن بني تميم» أو الفصل الذي بين اسمها وخبرها، نحو: «إن زيدًا لهو القائم»، وفي المبتدأ من الجملة الواقعة خبرًا لها، نحو: «إن زيدًا لأبوه قائمٌ»، وفي الفعل المضارع الواقع في موضع الخبر، نحو «إن زيدًا ليقوم» وفي الماضي إذا كان غير متصرفٍ نحو: «إن زيدًا لبئس الرجل، وإن عمرًا لنعم الفتى»، وفي معمول الخبر مع وجوده وتأخيره عنه، نحو: «إن زيدًا لعندك قائم»، وفي مجموعهما نحو قولك: «إن زيدًا لفي الدار لقائمٌ»، قال الله تعالى: {نَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}، {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}، وقال تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ}، وقال تعالى: {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}، وقال الشاعر:
إن امرأ خصني عمدًا مودته ..... على التنائي لعندي غير مكفور
وإنما دخلت "اللام" في هذه المواضع كلها مبالغةً للتوكيد كما ذُكر، وإذا بولغ فيه فلا بأس أن تكون من جهتين، إذا لم يكن اجتماع اللتين للتوكيد لأن الاجتماع قد زال فزال الثقل.
وأما ما ذكر الزجاجي أن
"اللام" دخلت في الكلام الذي فيه "إن" توكيدًا للخبر، كما دخلت "إن" توكيدًا للجملة فغير صحيح لدخول "اللام" في اسم "إن" مع الفصل كما ذكر، وفي غير الخبر في المواضع التي ذكرنا مع "إن" إذا أُبدلت من "همزتها" "هاء" كما ذُكر، وإنما هو كلام زوره ونمقه، وكذلك ما حكى عن بعضهم من أن ذلك مناظرة لـ "ما" النافية مع خبرها في الكلام الذي ذكره فوهم مردودٌ بما ذكرنا.
واعلم أن هذه
"اللام" قد تلزم، وذلك في خبر "كان" الواقعة خبرًا لـ "إن" المخففة من الثقيلة المكسورة كقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} و{إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} لأن الفرق بين النافية وبينها لا يقع إلا بها وكذلك في خبر كان ومفعولي ظننت وأعلمت الأخيرين والفصل، إذا دخلت على ذلك كله "إن" المذكورة، نحو: "إن" ظننت زيدًا لقائمًا، و"إن" أعلمت عمرًا عبد الله لمنطلقا، و"إن" كان زيدٌ ليقوم، و"إن" زيدًا لهو القائم للعلة المذكورة.
ويجري مجرى
"إن" في القياس "لكن"، لأنها داخلة على الخبر، ولا تغير معنى الابتداء كـ "إن" إلا أن ذلك فيها قليل لارتباطها بما قبلها، قال الشاعر:
.... .... .... .... ..... ولكنني من حُبها لعميد
والبصريون يقفون في هذا مع السماع لقلته، والكوفيون يجيزونه قياسًا، والصحيح عندي أنه قياسٌ، لأن العلة المذكورة موجودة فيها، وهي التي من أجلها جاز دخول "اللام" في خبر "إن" وهي عدم تغير معنى الابتداء، والاستدراك ليس بمغير للابتداء، وإنما قل سماعُ ذلك فيها، وفي صناعة النحو مواضع جائزةٌ قياسًا ممنوعة سماعًا، وعكس هذا، وذكر ها هنا يطولُ، وقد ذكرها أبو الفتح بن جني في كتاب «الخصائص» له فانظر إليه هناك.
وأما القسم السماعي ففي خبر المبتدأ إذا لم يكن خبرًا لـ
"إن" باقيًا على الخبرية له، أو خارجًا إلى غيره، والباقي خبرًا نحو قول الشاعر:
أم الحليس لعجوز شهر به ..... ترضى من اللحم بعظم الرقبة
قال بعضهم في قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} إن "إن" بمعنى نعم، «هَذَانِ» مبتدأ و«سَاحِرَانِ» خبر، ودخلت عليه "اللام" شاذًا، وقال بعضهم: اللهم في الأصل داخلة على مبتدأ محذوف تقديره: لهما ساحران، وقال بعضهم: إن "اللام" على قياسها من الدخول على خبر «إِنْ» و«هَذَانِ» منصوب اسمًا لها على لغة من يجري التثنية في النصب والخفض مجرى الرفع كما قال:
إن أباها وأبا أباها ..... من بلغا في المجد غايتها
وهذا هو الظاهر لعدم التكلف وثبوت تلك اللغة فاشٍ، وقلة دخول "اللام" في خبر المبتدأ، وحذف ما اعتمد عليه في التوكيد والإخبار، وهو المبتدأ المضمر لتناقض المقصدين، ولذلك لا يجوز أن يؤكد الضمير المحذوف في نحو قولك: «زيدٌ ضربت نفسه» بالنصب تريد: ضربته، وإذا قبح حذف المبتدأ في صلة الموصول في غير صلة "أي" وإذا لم يطل الكلام نحو قوله تعالى: {مَا بَعُوضَةً} و{تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} بالرفع في {بَعُوضَةً} و{أَحْسَنَ}، وليس في الكلام توكيد، فهو مما فيه توكيد أقبح، فإن قدمت الخبر على المبتدأ في مسألتها جاز دخول "اللام" عليه للتصدير، وإن كان المراد به التأخير، كقوله:
لخير أنت عند الناس منا ..... إذا الداعي المثوب قال يالا
وأما دخولها فيما خرج عن خبر المبتدأ إلى غيره فخبر "أن" المفتوحة كقول الشاعر:
ألم تكن حلفت بالله العلي ..... أن مطاياك لمن خير المطي
وقرئ في الشاذ بـ «إلا أنهم ليأكلون الطعام»، بفتح "الهمزة"، وذلك موقوف على السماع، وخبر «أمسى»، كما قال الشاعر:
مروا عجالا فقالوا: كيف صاحبكم ..... قال الذي سألوا: أمسى لمجهودا
وخبر «ما زال»، كما قال الشاعر:
وما زلت من ليلى لدن أن عرفتها ..... لكالهائم المقصى بكل سبيل
وكل ذلك شاذ لا قياس عليه في العربية.
الموضع الثالث: جواب القسم سواء كان جملةً اسمية أو فعلية ماضية أو مستقبلة، لكن لابد أن تكون موجبة، نحو قولك: والله لزيد قائم ووالله ليقومن زيدٌ، وواله لقد قام زيدٌ، ووالله لنعم الرجل زيدٌ ولبئس الرجل عمروٌ، قال الله تعالى: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ}، وقال: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا}، ويجوز حذف جملة القسم، وتبقى جملة الجواب
"باللام" لتدل على ذلك، ومنه قوله تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ}، وقال الشاعر:
لقد قلت للنعمان لما لقيته ..... يريدُ بني حن ببرقةٍ صادر
وقال الله تعالى: {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ}، وقال تعالى: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وقال الشاعر:
لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره ..... تميم بن مر ليلة الجوع والخصر
وإذا دخلت هذه "اللام" على الماضي المتصرف، فلا تكون إلا جواب قسم لأنه [لا] يشبه الاسم من جهة شبه الفعل [للاسم] فلا تكون "لام" ابتداء [وأما غيرُ المتصرف] فيشبهه من جهة عدم التصرف فتكون "لام" ابتداء كما تقدم.
وإنما دخلت
"اللام" في جواب القسم ليتلقى بها مبالغة في التوكيد، إذ القسم توكيد المقسم عليه، وكذلك إذا كان المضارع "باللام" و"النون" لزم أن يكون جوابًا للقسم كما تقدم، لأن "النون" مخلصة لذلك، وهي لازمة لجواب القسم عند بعضهم، وبعضهم لا يعتقد ذلك لقول الشاعر:
تألى ابن أوسٍ حلفة ليردني ..... إلى نسوةٍ كأنهن مفائد
وهذا عندي لضرورة الشعر، ولم يأت في الكلام نحو: «والله ليقوم زيدٌ» وذلك بخلاف "اللام"، فإنها غير لازمةٍ لأنها في الحقيقة "لامُ" الابتداء، لأنها لا تدخل في موضع [لا] تصلح فيه "إن" المكسورة، و"لام" الابتداء لا تلزم في الابتداء فلا تلزم في الجواب، فهذا وجهٌ، ووجهٌ آخر أنه قد حصل التوكيد لجملة القسم فلا ضرورة إلى توكيد غيره إلا مبالغة خاصةً، بخلاف "النون" فإنها لازمةٌ لأجل التخليص للقسيمة والاستقبال، ألا ترى أنها – أعني "اللام" – جاءت في القسم تارة وحذفت أخرى في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}و {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} ونحو قول الشاعر:
وقتيل مرة أثأرن فإنه ..... حق وإن أباهم لم يثأر
وقد لزمت "اللام" في «لعمر الله» دلالة على القسم ولزوم الابتداء فيه إذ لا يخرج عنها، فإن أزيل عنها حذفت "اللام" وفُتحت عينه وضمت، ولشدة اتصالها بها جعلها بعضهم كجزءٍ منها حتى أثبتها في القلب، حين قال: «عملك»، فكما تدل في الجواب على القسم كذلك تدل في القسم على الجواب، وإذا تأملت هذه "اللام" فهي "لام" الابتداء في الفصل قبل هذا و"لام" التوطئة بعد هذا.
واعلم أن
"لو" و"لولا" إذا وقعا في جواب القسم لزم جوابهما "اللام" نحو قولك: «والله "لو" قام زيدٌ لأحسنت إليك» و«والله "لولا" زيدٌ لأحسنت إليك»، قال الشاعر:
والله لو كنت لهذا خالصًا ..... لكنت عبدًا آكل الأبارصا
وقال الآخر:
فوالله لولا الله لا شيء غيره ..... لزعزع من هذا السرير جوانبه
وإذا حذف القسم قبلها بقيت "اللام" في جوابها تدل عليه كقول الشاعر:
فلو أن قومي لم يكونوا أعزة ..... لبعدُ لقد لاقيت لابد مصرعا
وقال الله تعالى: {وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ}، و{لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ}، فذلك كقوله تعالى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ}، و{لَتُبْلَوُنَّ}.
وزعم جل النحويين أن
"لو" و"لولا" حيث وجدا تلزم "اللام" جوابهما على كل حال، كان قسم أو لم يكن، واستشهد بعضهم بالبيت والآيتين المتقدمتين، وقالوا: إن "اللام" لا تحذف من جوابهما إلا ضرورةً، كقول الشاعر:
فلو أنا على حجرٍ ذُبحنا ..... جرى الدميان بالخبر اليقين
وقول الآخر:
لولا الحياءُ وما في الدين عبتكما ..... ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري
والصحيح أن "اللام" لا تقع في جوابهما إلا [إذا] كانا بعد قسمٍ ظاهرٍ أو مقدر، وليس الجوابُ إذن لهما بل للقسم، فحيث وُجدا دون قسم ولا تقديره لم تدخل "اللام" في جوابهما، ولذلك قد نجد جوابهما مع عدم القسم بغير "اللام" فتأمله.
الموضع الرابع: أن تكون توطئة لجواب القسم وتوكيدًا نيابةً عنه في ذلك، وذلك إذا تقدم حرف الشرط الذي هو
"إن" الخفيفة المكسورة نحو قولك: لئن قمت لأكرمنك ولئن خرجت لأخرجن معك، قال الله تعالى: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْوَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ}، وقال الشاعر:
لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها ..... وأمكنني منها إذن لا أقيلها
ولا تلزمُ هذه "اللام" بل يجوز إثباتها – كما ذُكر – وحذفها، كما قال الله تعالى: {وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وقال الشاعر:
فإن لم تُغير بعض ما قد صنعتم ..... لأنتحين بالعظم ذو أنا عارقة
وقد تشبه "إذ" بـ "إن" فتدخل عليها "اللام" المذكورة كما قال الشاعر:
غضبت علي وقد شربتُ بجزةٍ ..... فلإذ غضبتِ لأشربن بخروف
كما شبه الآخر "ما" النافية بالموصولة فأدخل عليها "اللام" للتوكيد فقال:
لما أغفلت شكرك فانتصحني ..... وكيف ومن عطائك جُلُّ مالي؟
ولا يُقاس على ذينك.
وقد تُضمن «علمتُ» معنى القسم، فتدخل
"اللام" فيما بعدها دلالة على ذلك، كقولهم: «علمت لمن قام لأضربنه» ومنه قوله تعالى: {لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ}.
وأما قوله تعالى: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ}، فـ «يَدْعُو» مُعلقة عن العمل لأنها بمعنى «يقول» كما هي في قوله:
يدعون عنتر والرماح كأنها ..... أشطان بئرٍ في لبان الأدهم
على رواية من بني «عنتر» على الضم لأنه منادى، أي يقولون: يا عنتر، و"اللام" "لام" الابتداء في «لمن» وخبره محذوف من القول «كأنه» في التقدير: يقول للذي ضره أقرب من نفعه يقال فيه: لبئس المولى ولبئس العشير، والقول كثيرًا ما يحذف في القرآن، وقد تقدّم ذكر ذلك في مواضع من هذا الكتاب، وقد قيل في الآية أقوال أحسنها ما ذكرتُ لك.
القسم الخامس: الزائدة العاملة: أن تكون مقحمة توكيدًا ولها في ذلك موضعان:
الموضع الأول: أن تكون مقحمة بين المضاف والمضاف إليه نحو: يا ويح لزيدٍ، ويا بؤس للحرب، والأصل: يا ويح زيدٍ ويا بؤس الحرب، فهو كيا عبد الله، إلا أنهم أبقوا الإضافة وزادوا
"اللام" توكيدًا للتخصيص، قال الشاعر:
يا بؤس للحرب التي ..... وضعت أراهط فاستراحوا
وقال الآخر:
قالت بنو عامرٍ خالوا بني أسدٍ ..... يا بوس للجهل ضرارًا لأقوام
وفي باب "لا" التي للتبرئة نحو قولهم «"لا" أبا لك» و«"لا" أخا لزيدٍ»، والأصل: "لا" أباك و"لا" أخا زيد، لأن "لا" التي للتبرئة تنصبُ المضاف، وكانت الحقيقة فيه: "لا" أب لك و"لا" أخ لزيد، فلما أُضيف انتصب فصار: "لا" أباك و"لا" أخا زيد، ثم أٌحمت "اللام" توكيدًا للتخصيص أيضًا وأبقيت الإضافة على حكمها، وقال الشاعر:
يا تيم تيم عدي لا أبا لكم ..... لا يُلقينكم في سوءةٍ عُمر
وقال الراجز:
.... .... .... .... ..... أنزل علينا الغيث لا أبا لكا
واختلف النحويين: هل العمل في هذين البيتين "لام" أو للإضافة؟ فقيل: إنه "للام"، لأن الإضافة معنوية و"اللام" لفظي، والعامل اللفظي أقوى من المعنوي، ولكن يبقى حكم الإضافة ولذلك حذف تنوينه ونصب، وكأن الإضافة فيه إلى مضاف إليه محذوفٍ دل عليه المجرور "باللام"، ولا يجوز إثباته، لأن الثاني كالعوض منه إذ يفيد إفادته.
وقيل: إن الحكم في العمل للإضافة، وهو الصحيح لوجهين: أحدهما أن تنوين الأول إنما حُذف للإضافة وهو السابق في اللفظ قبل
"اللام" فينبغي أن يكون المُراعى، والثاني مخفوضٌ لإضافة الأول إليه، ودخلت "اللام" بينهما مقحمةً على طريق التوكيد، ويُقوي ذلك ظهور "الألف" في «أبا» و«أخا» والفتحة في «يا بؤس» ولا يكوُ ذلك إلا مع الإعراب، وموجبه الإضافة، وهذا هو الوجه الثاني فاعلمه.
الموضع الثاني:أن تكون مقحمةً بين الفعل والمفعول نحو قوله تعالى: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ [الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ]}.
وأما قوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ}، وقول الشاعر:
أريد لأنسى حبها فكأنما ..... تمثل لي ليل بكل سبيل
فاللام في الآية والبيت السببية المذكورة قبل التي بمعنى "كي"، والمفعول محذوف، تقديره في الآية: «ما يريد الله ذلك "كي" يجعل، ولكن يريد [ذلك] "كي" يطهركم»، وتقديره في البيت: أريد السلو أو تركها، أو نحو ذلك "كي" أنسى، فحذف للعلم به.
وأما قوله تعالى: {وَأَنْصَحُ لَكُمْ}،
"فاللام" حرف جرٍ غير زائدةٍ، ومن يقول: أنصحكم حذف حرف الجر كما حذف في قوله:
تمرون الديار ولم تعوجوا ..... كلامكم علي إذا حرامُ
والأصل: «تمرون على الديار»، والدليل على أن أصل «أنصح» أن يكون متعديًا بحرف الجر نحو قولك: هذا منصوح له، كما تقول هذا مقصود إليه ومجرور به.
وأما قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} فإنما أدخل حرف الجر في «الرؤيا» و«تَعْبُرُونَ» لا يتعدى به لكونه قد قدم عليه فضعف عن العمل فيه فصارت كمررتُ، فلذلك دخل حرف الجر في مفعوله. وأما قول الشاعر:
هذا سُراقة للقرآن يدرسه ..... والمرء عند الرُّشا إن يلقها ذيبُ
فإن "الهاء" فيه ضمير المصدر الذي هو الدرس المفهوم من «يدرس» و«للقرآن» كالرؤيا في الآية قبله، تعدى الفعل إليها بحرف الجر لضعفه بتقدمه عليه.
واعلم أن
"اللام" في هذين الموضعين وإن كانت زائدة فإنما خفضت ما بعدها بالشبه لغير الزائدة لأن اتصالها كاتصالها، ولفظها كلفظها، فهي في تلك بمنزلة "الباء" الزائدة، وقد ذُكرت في بابها، وهذان الموضعان موقوفان على السماع، لا يجوز قياسُ غيرهما عليهما لشذوذهما وخروجهما عن نظائرهما.
القسم السادس: الزائدة غير العاملة، وهي التي لا حاجة إليها، ولا قياس لأمثلة ما تدخل عليه، ولها ستةُ مواضع:
الموضع الأول: أن تدخل على
"بعد" في قول الشاعر:
ولو أن قومي لم يكونوا أعزةً ..... لبعد لقد لاقيت لابد مصرعا
فجواب القسم "لقد" و"اللام" في "لبعد" زائدة، تقديره: «"لقد" لاقيت بعدُ لابد مصرعا».
الموضع الثاني: بعد
"لام" الجر توكيدًا، كقوله:
فلا والله لا يُلفى لما بي ..... ولا للما بنا أبدا دواء
أراد "لما" فزاد "اللام" الثانية توكيدًا، ولا نقول: إنها الأولى، لأن الاعتماد على الزائدة تناقض، فلا يُعتنى به ثم يُزاد.
الموضع الثالث: أن تدخل على
"لولا" في قول الشاعر:
للولا قاسمٌ ويدا مسيلٍ ..... لقد جرت عليك يدٌ غشومُ
وقول الآخر:
لولا حصين عُقبةٍ أن أسوءه ..... وأن بني سعدٍ صديٌ ووالدُ
أراد: "لولا" فزاد "اللام" توكيدًا كأنه راعى الابتداء.
الموضع الرابع: أن تدخل على
"علَّ" نحو قوله تعالى {لَعَلِّي آتِيكُمْ} و{لَعَلِّي أَطَّلِعُ} و{لَعَلِّي أَبْلُغُ}، وجميعُ ما جاء في القرآن منها كذلك، وفي قول الشاعر:
وما نفسٌ أقول لها إذا ما ..... تنازعني لعلي أو عساني
والأصل في ذلك كله "علَّ" قال الشاعر:
لا تُهين الكريم علك أن تر ..... كع يومًا والدهرُ قد رفعه
وقال الزاجر:
.... .... .... .... ..... يا أبتا علك أو عساكا
وقال آخر:
عل صُروف الدهر أو دولاتها ..... يُدلننا اللمة من لماتها
وقال بعض النحويين: إن "اللام" في "لعلَّ" أصليةٌ، وتُحذف تخفيفًا فيقال: "علَّ"، والصحيح أنها زائدة لوجهين:
أحدهما: أن التخفيف بالحذف إنما بابه الأسماء والأفعال لا الحروف لجمودها وقلة تصرفها، وإنما يُخفف منها المضعف بالحذف كـ : "أن" و"إن" و"لكن" و"كأن".
والثاني: أنه قد سمع في معناها "غنَّ" بالغين ولم يُدخلوا عليها "اللام"، وقالوا في معناها:"لعن" و"لأن" "باللام"، وغير التي "باللام" أكثر، ولما كانت أول الكلام رُوعي فيها الابتدائية فلذلك دخلت "اللام".
الموضع الخامس: بين أسماء الإشارة و"كاف" الخطاب لمذكرٍ أو مؤنثٍ، لمفردٍ أو تثنيةٍ أو جمع، نحو: ذلك وتلك وذلكما وتلكما وذلكم وتلكم وأولاكم وأولاكما وأولئك وأولالك، قال الله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي}، وقال: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا}، وإنما دخلت لتوكيد الخطاب ومراعاة بُعد المشار إليه في المسافة.
الموضع السادس: في بناء الكلمة من غير سببٍ كقولهم في عبد: عبدل، وقال بعضهم: مقتطعة من: «الله» أراد عبد الله، كما قالوا: عبشمي وعبدري في النسب إلى عبد شمس وعبد الدار ولا دليل على هذا، وإنما هو كـ: سبط وسبطر فاعلمه.
فهذه جملة أقسام
"اللام" وجملة مواضعها إن شاء الله، فإن جاء شيء يوهم خلافها فإليها يرجعُ فتفهمها والله المستعان.
وأما
"لام" التعريف فكان حقها أن تذكر في باب "اللام" إلا أنها قدم لها باب في باب "الهمزة" للسبب المذكور فيه فقف عليه.
وبقي: في باب
"اللام" مسألتان لابد من الوقوف عليهما للانتفاع بهما في هذا الباب وفي غ يره مما يشاكلها.

المسألة الأولى: إن أصل "اللام" الفتح أو غيره، وإذا كان أصلها الفتح فلأي شيءٍ تخرج عنه في بعض المواضع؟ والجواب عنها أن أصل "اللام" حيث كانت السكون وكذلك سائر الحروف المفردة، ولا يُسأل عن هذا لأن السكون عدمُ الحركة فهو أصلٌ إذ هو لا شيء من الحركات، وإنما يُسأل عن وجود الحركة لم هو؟ فليسأل هنا عن الحركة في "اللام" لأي شيء وُضعت؟ ولم اختصت "اللام" وما كان نحوها من الحروف "كواو" العطف و"فائه" و"كاف" الجر و"تاء" القسم بالفتح؟ ولما كُسر من ذلك بم كُسر؟
فأما عِلَّة الحركة فيها وأمثالها مما ذكرنا فللابتداء بها، إذ لا يُبتدأ بساكنٍ، ولا يُمكن النطق به، فاجتلبت الحركة لذلك، وهذا أحد المواضع التي احتيج إلى الحركة في الحروف بسببها، وحركة "اللام" وسائر الحروف التي هي مثلها بالفتح تخفيفًا إذ الفتحةُ لا تُستثقل مع الضمة في «ظرف» ولا مع الكسرة في «علم» وإذ هي من وسط الفم بين الضمة والكسرة.
ولا يخرج من هذه الحروف إلى الضم حرفٌ، وإنما يخرج إلى الكسرة لعلة نذكرها، والذي يخرج منها إلى الكسر لازمًا
"الباء" الجارة تشبيهًا لها بعملها، إذ لا تعمل أبدًا إلا الخفض، ولا تخرج عنه أصلًا، وسواءٌ في ذلك دخولها على الظاهر كـ «بزيد» أو المضمر كـ «به وبك» وحكى اللحياني الفتح فيها شاذًّا، قالوا: «به»، ولا يُقاس عليه.
و
"اللام" المذكورة في هذا الباب قد تخرجُ إلى الكسر والسكون الذي هو الأصل، فتُكسر مع نوعين: مع الاسم والفعل.
أما كسرها مع الاسم ففي المجرور إذا كان ظاهرًا أو في حكم الظاهر، نحو: «هذا المالُ لزيدٍ»، والذي في حكمه نحو قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ}؛ لأن المعنى: لزوال الجبال منه، وكذلك المبهمات نحو: المال لهذا، أو الموصلات نحو: لمن ولما لأنها في حكم الظاهر، وإنما كُسرت في هذه تشبيهًا بعملها
"كالباء".
وفُتحت في غير ذلك من المضمرات على الأصل، وفُرّق بينها وبين
"لام" التوكيد في الظواهر وما في معناها المذكورة، إذ يقع الالتباس مع الفتح إذا قيل مثلًا: هذا لموسى وهذا لهذا وهذا لمن يكرمك، فلا يُعلم المعنى لو فُتحت، فإن قيل: ظهور الجر فيما بعدها يفرق بين المعنيين فيقال: الظواهر من الأسماء صِنفٌ واحدٌ، وأصنافها من المنقوص والمقصور والمضاف إلى المتكلم والمبني كثيرة فأجري القليل على الكثير لتبعيته له وغلبة الكثير عليه.
فإن قيل: فقد نجد هذه العلة تنكسر في المستغاث به والمتعجب منه في نحو: يا لزيدٍ لعمروٍ، ويا للرجال للعجب، ففتح
"اللام" معها في الظاهر، فالجواب أن المستغاث به والمتعجب منه ظاهران في موضع مضمرين إذ المنادى في موضع مضمرٍ مخاطب، ولو دخلت على المضمر لم تكن إلا مفتوحة، فعومل الظاهر الواقع موقعة معاملته.
واعلم أن من العرب من يخالف هذا الأصل فيفتح
"اللام" مع الظاهر فيقول: المال لزيدٍ، وقرأ بعضهم: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} بفتح "اللام"، كما أن منهم من يكسر "اللام" مع المضمر فيقول: المال لِه، وذلك كله شاذ فلا قياس عليه.
وأما كسرها في الفعل ففي فعل الأمر والدعاء والوعيد المتقدم ذكرها كما ذكر، وكان الأصلُ أن تكون فيه مفتوحة للعلة المذكورة فيها مع الاسم، إلا أنها كُسرت مع هذا الفعل لأنه مجزوم، والجزم في الأفعال نظير الخفض في الأسماء، وحملُ النظير على النظير والنقيض على النقيض معلومٌ في مواضع من كلامهم، وقد تقدم منه شيءٌ في بعض ما تقدم من الحروف، وكذلك تُكسر في الأفعال مع المضارع المنصوب لأنه مع ناصبه في حكم الاسم الظاهر نحو: جئت لتقوم، فحكمه في ذلك حكمُ الظاهر.
وأما خروجها إلى السكون ففي الاسم والفعل أيضًا:
أما الاسم
"فلام" التعريف، وقد تقدَّم حكمها في باب "أل".
وأما الفعل ففي الأمر على اختلاف معانيه من دعاءٍ ووعيدٍ – على ما ذُكر- إذا دخلت عليها
"الواو" و"الفاء"، كما ذُكر في فصلوها، وقد تقدمت علة ذلك هناك.
المسألة الثانية: هل يجوز أن تحذف
"اللام" وهي عاملةٌ غير زائدةٍ ويبقى عملها أو لا؟ والجواب عن ذلك أن أصل "اللام" وغيرها من حروف النصب وحروف الخفض وحروف الجزم ألا تحذف وتبقى معمولاتها، وألا تحذف معمولاتها وتبقى هي، وإنما ذلك لأن الحرف المختص بالشيء العامل فيه كجزءٍ منه لشدة اتصاله به وطلبه [له]، وقد قلنا في غير موضع من هذا الكتاب: إن المجرور وجاره جميعًا في موضع معمول منصوب للفعل وإن كان غير متعدٍ إلى منصوبٍ في اللفظ نحو: مررتُ بزيدٍ ودخلتُ إلى عمروٍ، ومن أقوى الدلائل على ذلك إقامتها معًا مقام ما لم يُسم فاعله في نحو: مُر بزيدً ودُخل إلى عمرو، وكذلك حُكم الجازم مع مجزومه في الاتصال، والناصب مع منصوبه كذلك.
فإن وجد شيءٌ منها يُحذف فبالدلالة القائمة عليه، نحو
"أن" الناصبة في باب "الفاء" و"الواو" في الجواب، وفي باب "حتى" وبعد "كي" و"لامها" و"لام" الجحود، وقد قلتم الكلام في بعضها، وسيذكر بعدُ فيما بقي الكلام فيه.
ويتأكد الاتصال من الحروف فيما هو على حرفٍ واحدٍ، فالحذف فيه أبعدُ،
"كالباء" و"الكاف" و"اللام"، فإن وُجد ما هو على حرفٍ واحدٍ محذوفًا فلقوة دلالة الكلام على حذفه كـ "لام""كي"، إذ "كي" كالعوض منها لإفادتها إفادتها.
وإذا ضعفت الدلالة في الكلام ضعف الحذف وقل، فمما حذف من ذلك وأبقي عمله
"الباء" في «خيرٍ عافاك الله» في جواب من قال: «كيف أصبحت»، وفي القسم في قولهم: «الله لأفعلن»، بخفض «الله» المقسم به، و"اللام" في قول الشاعر:
لاه ابن عمك لا أفضلت في حسبٍ ..... عني ولا أنت دياني فتخزوني
و "رُبّ" في قول الشاعر:
رسم دارٍ وقفتُ في طلله ..... كدت أقضي الحياة من جلله
وردُّ المجرور إلى النصب إذا حُذف جاره هو القياس نحو: نصحت زيدًا وتمرون الديار.
وقد اطرد حذفه مع
"إن" و"أن" واختلف: هل هما وما بعدها في موضع نصبٍ أو خفض إذ لم يظهر فيهما إعرابٌ؟ والقياس على ما ظهر فيه الإعراب أن تكون كل واحدٍ منهما في موضع نصب.
وأما حذفُ المجرور وإبقاءُ حرف الجر فأقل من الأول، بل هو أولى أن لا يجوز الاعتماد على حرفٍ دون اسمٍ، فإن جاء منه شيءٌ في الضرورة نحو قوله:
.... .... .... .... ..... ولا للما بنا أبدًا دواء
وكذلك الفصلُ بين الجار والمجرور لا يجوز إلا في الضرورة، كقوله:
.... .... .... .... ..... وليس إلى منها الزوال سبيلُ
وقالوا: «أخذته بأرى ألف درهم»، وذلك شاذٌ، ومن الضرورة قوله:
.... .... .... .... ..... على – كان – المسومة العراب
وحكم حذف الجازم في عدم الحذف حكم الخافض للعلة المذكورة، فإن حُذف وأبقي الجزم فبابه الضرورة، كقول الشاعر:
من كان لا يزعم أني شاعرُ ..... فيدن مني تنهه المزاجر
أي: «فليدن مني»، وقول الآخر:
على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي ..... لك الويل حر الوجه أو يبك من بكى
أي: ليبك، وقال آخر:
.... .... .... .... ..... ولكن يكن للخير منك نصيبُ
أي: ليكن، وقال آخر:
محمد تفد نفسك كل نفسٍ ..... إذا ما خِفت من أمرٍ تبالا
وأما في الكلام فلم يأت منه شيء فيما أعلم إلا في الأمر للمخاطب فإنه قد اطرد حذفه مع حذف المضارعة لدلالة المخاطبة عليه، والحذف من الكلمة للزائد عليها وما هو من نفسها للدلالة لا يُنكر، وكذلك لا أعلم من حذف المجزوم وإبقاء جازمه شيئًا، وبالله التوفيق). [رصف المباني:218 - 256]


رد مع اقتباس