عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:47 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: فلمّا ذهب عن إبراهيم الرّوع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوطٍ (74) إنّ إبراهيم لحليمٌ أوّاهٌ منيبٌ (75) يا إبراهيم أعرض عن هذا إنّه قد جاء أمر ربّك وإنّهم آتيهم عذابٌ غير مردودٍ (76)
الرّوع: الفزع والخيفة التي تقدم ذكرها، وكان ذهابه بإخبارهم إياه أنهم ملائكة. والبشرى: تحتمل أن يريد الولد، ويحتمل أن يريد البشرى بأن المراد غيره، والأول أبين. وقوله: يجادلنا فعل مستقبل جائز أن يسد مسد الماضي الذي يصلح لجواب «لما»، لا سيما والإشكال مرتفع بمضي زمان الأمر ومعرفة السامعين بذلك، ويحتمل أن يكون التقدير ظل أو أخذ ونحوه يجادلنا، فحذف اختصارا لدلالة ظاهر الكلام عليه، ويحتمل أن يكون قوله، يجادلنا حالا من إبراهيم أو من الضمير في قوله:جاءته، ويكون جواب «لما» في الآية الثانية: «قلنا: يا إبراهيم أعرض عن هذا» واختار هذا أبو علي، و «المجادلة»: المقابلة في القول والحجج، وكأنها أعم من المخاصمة فقد يجادل من لا يخاصم كإبراهيم.
...
وصورة جدال إبراهيم عليه السّلام كانت أن قال إبراهيم: إن كان فيهم مائة مؤمن أتعذبونهم؟ قالوا لا. قال: أفتسعون؟ قالوا لا. قال: أفثمانون؟ فلم يزل كذلك حتى بلغ خمسة ووقف عند ذلك وقد عد في بيت لوط امرأته فوجدهم ستة بها فطمع في نجاتهم ولم يشعر أنها من الكفرة، وكان ذلك من إبراهيم حرصا على إيمان تلك الأمة ونجاتها، وقد كثر اختلاف رواة المفسرين لهذه الأعداد في قول إبراهيم عليه السّلام، والمعنى كله نحو مما ذكرته، وكذلك ذكروا أن قوم لوط كانوا أربعمائة ألف في خمس قرى.
وقالت فرقة: المراد يجادلنا في مؤمني قوم لوط- وهذا ضعيف- وأمره بالإعراض عن المجادلة يقتضي أنها إنما كانت في الكفرة حرصا عليهم، والمعنى: قلنا يا إبراهيم أعرض عن المجادلة في هؤلاء القوم والمراجعة فيهم، فقد نفذ فيهم القضاء، وجاء أمر ربّك الأمر هنا: واحد الأمور بقرينة وصفه بالمجيء، فإن جعلناه مصدر أمر قدرنا حذف مضاف، أي جاء مقتضى أمر ربك ونحو هذا وقوله آتيهم عذابٌ ابتداء وخبر جملة في موضع خبر «إن» وقيل: آتيهم خبر «إن» فهو اسم فاعل معتمد، وعذابٌ فاعل ب آتيهم.
وهذه الآية مقتضية أن الدعاء إنما هو أن يوفق الله الداعي إلى طلب المقدور، فأما الدعاء في طلب غير المقدور فغير مجد ولا نافع).[المحرر الوجيز: 4/ 615-616]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وفي هذه النازلة وصف إبراهيم «بالحلم» قيل: إنه لم يغضب قط لنفسه إلا أن يغضب لله.
و «الحلم»: العقل إلا إذا انضاف إليه أناة واحتمال. وال أوّاهٌ معناه: الخائف الذي يكثر التأوه من خوف الله تعالى ويروى أن إبراهيم عليه السّلام كان يسمع وجيب قلبه من الخشية، قيل: كما تسمع أجنحة النسور وللمفسرين في «الأواه» عبارات كلها ترجع إلى ما ذكرته وتلزمه. وال منيبٌ: الرجاع إلى الله تعالى في كل أمره). [المحرر الوجيز: 4/ 616]

تفسير قوله تعالى: {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: فلمّا ذهب عن إبراهيم الرّوع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوطٍ (74) إنّ إبراهيم لحليمٌ أوّاهٌ منيبٌ (75) يا إبراهيم أعرض عن هذا إنّه قد جاء أمر ربّك وإنّهم آتيهم عذابٌ غير مردودٍ (76)
الرّوع: الفزع والخيفة التي تقدم ذكرها، وكان ذهابه بإخبارهم إياه أنهم ملائكة. والبشرى: تحتمل أن يريد الولد، ويحتمل أن يريد البشرى بأن المراد غيره، والأول أبين. وقوله: يجادلنا فعل مستقبل جائز أن يسد مسد الماضي الذي يصلح لجواب «لما»، لا سيما والإشكال مرتفع بمضي زمان الأمر ومعرفة السامعين بذلك، ويحتمل أن يكون التقدير ظل أو أخذ ونحوه يجادلنا، فحذف اختصارا لدلالة ظاهر الكلام عليه، ويحتمل أن يكون قوله، يجادلنا حالا من إبراهيم أو من الضمير في قوله:جاءته، ويكون جواب «لما» في الآية الثانية: «قلنا: يا إبراهيم أعرض عن هذا» واختار هذا أبو علي، و «المجادلة»: المقابلة في القول والحجج، وكأنها أعم من المخاصمة فقد يجادل من لا يخاصم كإبراهيم.
...
وصورة جدال إبراهيم عليه السّلام كانت أن قال إبراهيم: إن كان فيهم مائة مؤمن أتعذبونهم؟ قالوا لا. قال: أفتسعون؟ قالوا لا. قال: أفثمانون؟ فلم يزل كذلك حتى بلغ خمسة ووقف عند ذلك وقد عد في بيت لوط امرأته فوجدهم ستة بها فطمع في نجاتهم ولم يشعر أنها من الكفرة، وكان ذلك من إبراهيم حرصا على إيمان تلك الأمة ونجاتها، وقد كثر اختلاف رواة المفسرين لهذه الأعداد في قول إبراهيم عليه السّلام، والمعنى كله نحو مما ذكرته، وكذلك ذكروا أن قوم لوط كانوا أربعمائة ألف في خمس قرى.
وقالت فرقة: المراد يجادلنا في مؤمني قوم لوط- وهذا ضعيف- وأمره بالإعراض عن المجادلة يقتضي أنها إنما كانت في الكفرة حرصا عليهم، والمعنى: قلنا يا إبراهيم أعرض عن المجادلة في هؤلاء القوم والمراجعة فيهم، فقد نفذ فيهم القضاء، وجاء أمر ربّك الأمر هنا: واحد الأمور بقرينة وصفه بالمجيء، فإن جعلناه مصدر أمر قدرنا حذف مضاف، أي جاء مقتضى أمر ربك ونحو هذا وقوله آتيهم عذابٌ ابتداء وخبر جملة في موضع خبر «إن» وقيل: آتيهم خبر «إن» فهو اسم فاعل معتمد، وعذابٌ فاعل ب آتيهم.
وهذه الآية مقتضية أن الدعاء إنما هو أن يوفق الله الداعي إلى طلب المقدور، فأما الدعاء في طلب غير المقدور فغير مجد ولا نافع).[المحرر الوجيز: 4/ 615-616]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ولمّا جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً وقال هذا يومٌ عصيبٌ (77) وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السّيّئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم فاتّقوا اللّه ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجلٌ رشيدٌ (78) قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حقٍّ وإنّك لتعلم ما نريد (79) قال لو أنّ لي بكم قوّةً أو آوي إلى ركنٍ شديدٍ (80)
«الرسل» هنا هم الملائكة الذين كانوا أضياف إبراهيم عليه السّلام، وذلك أنهم لما خرجوا إلى بلد لوط- وبينه وبين قرية إبراهيم ثمانية أميال- وصلوه، فقيل: وجدوا لوطا في حرث له، وقيل: وجدوا ابنته تستقي ماء في نهر سدوم- وهي أكبر حواضر قوم لوط- فسألوها الدلالة على من يضيفهم، ورأت هيئتهم فخافت عليهم من قوم لوط، وقالت لهم: مكانكم وذهبت إلى أبيها فأخبرته، فخرج إليهم، فقالوا له:
نريد أن تضيفنا الليلة، فقال لهم: أو ما سمعتم بعمل هؤلاء القوم؟ فقالوا وما عملهم؟ فقال أشهد بالله لهم شر قوم في الأرض وقد كان الله عز وجل قال للملائكة: لا تعذبوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات، فلما قال لوط هذه قال جبريل لأصحابه: هذه واحدة وتردد القول بينهم حتى كرر لوط الشهادة أربع مرات، ثم دخل لوط بهم المدينة وحينئذ سيء بهم أي أصابه سوء. وسيء فعل بني للمفعول، و «الذرع»:مصدر مأخوذ من الذراع، ولما كان الذراع موضع قوة الإنسان قيل في الأمر الذي لا طاقة له به: ضاق بهذا الأمر ذراع فلان، وذرع فلان، أي حيلته بذراعه، وتوسعوا في هذا حتى قلبوه فقالوا: فلان رحب الذراع، إذا وصفوه باتساع القدرة ومنه قول الشاعر:
يا سيد ما أنت من سيد = موطأ الأكناف رحب الذراع
وقوله: هذا يومٌ عصيبٌ أشار به إلى ما كان يتخوفه من تعدي قومه على أضيافه واحتياجه إلى المدافعة مع ضعفه عنها، وعصيبٌ بناء اسم فاعل معناه: يعصب الناس بالشر كما يعصب الخابط السلمة إذا أراد خبطها ونفض ورقها، ومنه قول
الحجاج في خطبته: ولأعصبنكم عصب السلمة، فهو من العصابة ثم كثر وصفهم اليوم بعصيب، ومنه قول الشاعر، وهو عدي بن زيد: [الوافر]
وكنت لزاز خصمك لم أعرد = وقد سلكوك في يوم عصيب
ومنه قول الآخر: [الطويل]
فإنك إلا ترض بكر بن وائل = يكن لك يوم بالعراق عصيب
ف «عصيب» - بالجملة- في موضع شديد وصعب الوطأة، واشتقاقه كما ذكرنا).[المحرر الوجيز: 4/ 616-618]


رد مع اقتباس