عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 2 ذو الحجة 1435هـ/26-09-2014م, 07:47 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى اللّه واللّه يسمع تحاوركما إنّ اللّه سميعٌ بصيرٌ (1) الّذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هنّ أمّهاتهم إن أمّهاتهم إلاّ اللاّئي ولدنهم وإنّهم ليقولون منكراً من القول وزوراً وإنّ اللّه لعفوٌّ غفورٌ (2)
سمع اللّه عبارة عن إدراكه المسموعات على ما هي ما عليه بأكمل وجوه ذلك دون جارحة ولا محاداة ولا تكييف ولا تحديد تعالى الله عن ذلك.
وقرأ الجمهور: قد سمع بالبيان، وقرأ ابن محيصن: قد سمع بالإدغام، وفي قراءة ابن مسعود: «قد يسمع الله قول التي»، وفيها: «والله قد يسمع تحاوركما».
واختلف الناس في اسم التي تجادل، فقال قتادة هي خويلة بنت ثعلبة، وقيل عن عمر بن الخطاب أنه قال: هي خولة بنت حكيم. وقال بعض الرواة وأبو العالية هي خويلة بنت دليج، وقال المهدوي، وقيل: خولة بنت دليج، وقالت عائشة: هي خميلة. وقال ابن إسحاق: هي خولة بنت الصامت. وقال ابن عباس فيها: خولة بنت خويلد، وقال محمد بن كعب القرظي ومنذر بن سعيد: هي خولة بنت ثعلبة، قال ابن سلام: «تجادل» معناه تقاتل في القول، وأصل الجدل الفتل، وأكثر الرواة على أن الزوج في هذه النازلة: أوس بن الصامت أو عبادة بن الصامت. وحكى النقاش وهو في المصنفات حديثا عن سلمة بن صخر البياضي أنه ظاهر من امرأته أن واقعها مدة شهر رمضان فواقعها ليلة فسأل قومه أن يسألوا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبوا وهابوا ذلك وعظموا عليه، فذهب هو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وسأله واسترشدوه فنزلت الآية. وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتعتق رقبة» ؟ فقال له والله ما أملك رقبة غير رقبتي، فقال: «أتصوم شهرين متتابعين؟»، فقال يا رسول الله وهل أتيت إلا في الصوم، فقال: «أتطعم ستين مسكينا؟» فقال: لا أجد، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقات قومه فكفر بها فرجع سلمة إلى قومه فقال: إني وجدت عندكم الشدة والغلظة، ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الرخصة والرفق وقد أعطاني صدقاتكم.
وأما ما رواه الجمهور في شأن أوس بن الصامت، فاختصاره: أن أوسا ظاهر من امرأته خولة بنت خويلد، وكان الظهار في الجاهلية يوجب عندهم فرقة مؤيدة، قاله أبو قلابة وغيره، فلما فعل ذلك أوس، جاءت زوجته رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أوسا أكل شبابي، ونثرت له بطني فلما كبرت ومات أهلي، ظاهر مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أراك إلا قد حرمت عليه»، فقالت يا رسول الله: لا تفعل فإني وحيدة ليس لي أهل سواه، فراجعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل مقالته، فراجعته، فهذا هو جدالها، وكانت في خلال جدالها تقول: اللهم إليك أشكو حالي وفقري وانفرادي إليه، وروي أنها كانت تقول: اللهم إن لي منه صبية صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا، فهذا هو اشتكاؤها إلى الله، فنزل الوحي عند جدالها على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآيات.
وكانت عائشة حاضرة لهذه القصة كلها فكانت تقول: سبحان من وسع سمعه الأصوات، لقد كنت حاضرة وكان بعض كلام خولة يخفى علي، وسمع الله جدالها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوس فقال له: أتعتق رقبة؟ فقال والله ما أملكها، فقال أتصوم شهرين متتابعين؟ فقال: والله ما أقدر أن أصبر إلا على أكلات ثلاث في اليوم، ومتى لم أفعل ذلك غشي بصري فقال له: أتطعم؟ فقال له لا أجد إلا أن تعينني يا رسول الله بمعونة وصلاة يريد الدعاء، فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا ودعا له، وقيل بثلاثين صاعا، فكفر بالإطعام وأمسك أهله.
وفي مصحف عبد الله بن مسعود: «تحاورك في زوجها»، والمحاورة مراجعة القول ومعاطاته). [المحرر الوجيز: 8/ 243-245]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: «يظهرون»، وقرأ أبي بن كعب بخلاف عنه: «يتظهرون». وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: «يظاهرون». وقرأ أبي بن كعب أيضا: «يتظاهرون». وقرأ عاصم والحسن وأبو جعفر وقتادة:«يظاهرون» بضم الياء من قولك فاعل، وهذه مستعملة جدا وقولهم الظهار دليل عليها، والمراد بهذا كله قول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي، يريد في التحريم كأنها إشارة إلى الركوب، إذ عرفه في ظهور الحيوان، وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك، فرد الله بهذه الآية فعلهم، وأخبر بالحقيقة من أن الأم هي الوالدة، وأما الزوجة فلا يكون حكمها حكم الأم.
وقرأ جمهور الناس: «أمهاتهم» بنصب الأمهات، وقرأ عاصم في رواية المفضل عنه: «أمهاتهم» بالرفع وهذا على اللغتين في ما لغة الحجاز ولغة تميم، وقرأ ابن مسعود «ما هنّ بأمهاتهم» بزيادة باء الجر، وجعل الله تعالى القول بالظهار منكراً وزوراً، فهو محرم، لكنه، إذا وقع لزم، هكذا قال فيه أهل العلم، لكن تحريمه تحريم المكروهات جدا، وقد رجى الله تعالى بعده بأنه لعفوٌّ غفورٌ مع الكفارة). [المحرر الوجيز: 8/ 245]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: والّذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون لما قالوا فتحرير رقبةٍ من قبل أن يتماسّا ذلكم توعظون به واللّه بما تعملون خبيرٌ (3) فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسّا فمن لم يستطع فإطعام ستّين مسكيناً ذلك لتؤمنوا باللّه ورسوله وتلك حدود اللّه وللكافرين عذابٌ أليمٌ (4)
اختلف الناس في معنى قوله عز وجل: ثمّ يعودون لما قالوا فقال قوم: المعنى والّذين يظاهرون من نسائهم في الجاهلية، كأنه قال: والذين كان الظهار عادتهم ثم يعودون إلى ذلك في الإسلام، وقاله القتبي وقال أهل الظاهر المعنى: والذين يظاهرون ثم يظاهرون ثم ثانية فلا يلزم عندهم كفارة إلا بأن يعيد الرجل الظهار، قاله منذر بن سعيد، وحينئذ هو عائد إلى القول الذي هو منكر وزور.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول ضعيف، وإن كان القشيري قد حكاه عن بكير بن عبد الله بن الأشج وقال بعض الناس في هذه الآية تقديم وتأخير، وتقديرها: «فتحرير رقبة لما قالوا»، وهذا أيضا قول يفسد نظر الآية، وحكي عن الأخفش، لكنه غير قوي. وقال قتادة وطاوس ومالك والزهري وجماعة كثيرة من أهل العلم معنى: ثمّ يعودون لما قالوا أي للوطء فالمعنى ثم يعودون لما قالوا إنهم لا يعودون فإذا ظاهر الرجل ثم وطئ فحينئذ تلزمه الكفارة في ذمته وإن طلق أو ماتت امرأته. وقال الشافعي وأبو حنيفة ومالك أيضا وفريق يعودون معناه: بالعوم على إمساك الزوجة ووطئها والتزام التكفير لذلك، فمتى وقع من المظاهر هذا العزم لزمت الكفارة ذمته، طلق أو ماتت المرأة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذان القولان في مذهب مالك رحمه الله وهما حسنان لزمت الكفارة فيهما بشرطين: ظهار وعود.
واختلفا في العود ما هو؟ وقال الشافعي العود الموجب للكفارة: أن يمسك عن طلاقها بعد الظهار ويمضي بعد الظهار ما يمكنه أن يطلق فيه فلا يطلق، والرقبة في الظهار لا تكون عند مالك إلا مؤمنة، رد هذا: إلى المقيد الذي في كفارة القتل الخطأ.
واختلف الناس في قوله تعالى: من قبل أن يتماسّا فقال الحسن والثوري وجماعة من قبل الوطء، وجعلت المسيس هاهنا الوطء، فأباحت للمظاهر التقبيل والمضاجعة والاستمتاع بأعلى المرأة كالحائض.
وقال جمهور أهل العلم قوله: من قبل أن يتماسّا عام في نوع المسيس الوطء والمباشرة، فلا يجوز لمظاهر أن يطأ ولا يقبل ولا يلمس بيده، ولا يفعل شيئا من هذا النوع إلا بعد الكفارة، وهذا قول مالك رحمه الله.
وقوله تعالى: ذلكم إشارة إلى التحرير أي فعل عظة لكم لتنتهوا عن الظهار). [المحرر الوجيز: 8/ 245-247]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والتتابع في الشهرين صيامهما ولا بين أيامهما، وجائز أن يصومهما الرجل بالعدد، فيصوم ستين يوما تباعا، وجائز أن يصومهما بالأهلة، يبدأ مع الهلال ويفطر مع الهلال، وإن جاء أحد شهريه ناقصا، وذلك مجزئ عنه، وجائز إن بدأ صومه في وسط الشهر أن يبعض الشهر الأول فيصوم إلى الهلال ثم يصوم شهرا بالهلال ثم يتم الشهر الأول بالعدد. ولا خلاف أحفظه من أهل العلم أن الصائم في الظهار إن أفسد التتابع باختياره أنه يبتدأ صومها.
واختلف الناس إذا أفسده لعذر غالب: كالمرض والنسيان ونحوه، فقال أصحاب الرأي والشافعي في أحد قوليه والنخعي وابن جبير والحكم بن عيينة والثوري: يبتدئ، وقال مالك والشافعي وغيره: يبني. وأجمعوا على الحائض وأنها تبني في صومها التتابع.
وإطعام المساكين في الظهار هو بالمد الهاشمي عند مالك، وهو مد وثلث بمد النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل مدان غير ثلث. وروى عنه ابن وهب أنه يطعم كل مسكين مدين بمد النبي عليه السلام وفي العلماء من يرى إطعام الظهار مدا بمد النبي عليه السلام، ولا يجزئ في إطعام الظهار إلا إكمال عدد المساكين، ولا يجوز أن يطعم ثلاثين مرتين ولا ما أشبهه، والطعام عو غالب قوت البلد. قال مالك رحمه الله وعطاء وغيره: إطعام المساكين أيضا هو قبل التماس حملا على العتق والصوم. وقال أبو حنيفة وجمهور من أهل العلم لم ينص الله على الشرط هنا، فنحن نلتزمه، فجاز للمظاهر إذا كان من أهل الإطعام أن يطأ قبل الكفارة ويستمتع.
وقوله: ذلك لتؤمنوا إشارة إلى الرخصة والتسهيل في النقل من التحرير إلى الصوم، والإطعام ثم شدد تعالى بقوله: تلك حدود اللّه أي فالتزموها وقفوا عندها، ثم توعد الكافرين بهذا الحديث والحكم الشرعي). [المحرر الوجيز: 8/ 247]


رد مع اقتباس