عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 06:59 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الإسراء

[ من الآية (70) إلى الآية (72) ]
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72)}

قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)}

قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [يَوْمَ يُدْعَوْ كُلُّ أُنَاسٍ]، بضم الياء، وفتح العين.
قال أبو الفتح: هذا على لغة من أبدل الألف في الوصل واوا، نحو أفْعَوْ، وحُبْلَوْ ذكر ذلك سيبويه، وأكثر هذا القلب إنما هو في الوقف؛ لأن الوقف من مواضع التغيير، وهو أيضا في الوصل محكي عن حاله في الوقف. ومنهم من يبدلها ياء، وبهذه اللغة يحتج ليونس في البيت الذي أنشده صاحب الكتاب شاهدا عليه بأن ياء لبيك ياء التثنية ردا على يونس في أنها ألف بمنزلة ألف: عَلَى ولَدَى، والبيت قوله:
[المحتسب: 2/22]
دعوتُ لما نابني مسوَرًا ... فَلَبَّي فَلَبَّي يَدَيْ مسورٍ
قال سيبوبه: "فَلَبَّي" بالياء دلالة على أنها ياء التثنية. قال: ولو كانت كألف عَلَى ولَدَى لقال: فَلَبَّى يدى مسور، كقولك: على يدى مسور؛ فليونس أن يقول: جاء هذا على قولهم في الوصل: هذه أفعى. وقد ذكرنا هذا في غير هذا الموضع من كتبنا؛ فكذلك يكون [يُدْعَوْ] مرادا به يدعَى على أفْعَوْ). [المحتسب: 2/23]

قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى (72)
قرأ أبو عمرو ويعقوب (في هذه أعمى) بكسر الميم (فهو في الآخرة أعمى) بفتح الميم، وكذلك روى نصير عن الكسائي الكسر.
وأما أبو بكر عن عاصم فإنه قرأهما بين الفتح والكسر ها هنا وفي طه. وكسر الميم فيهما حمزة والكسائي، وفتحهما الباقون.
قال أبو منصور: أما قراءة أبي عمرو (من كان في هذه أعمى) بكسر الميم، (فهو في الآخرة أعمى) بفتح الميم، فإنه جعل الأول اسما، من " أعمى القلب " وجعل الثاني تعجبا على (أفعل) من كذا، وفرّق بين المعنيين باختلاف الحركتين، وهكذا روى نصير عن الكسائي، ومن كسر الميم منهما معًا أو فتحهما معًا
[معاني القراءات وعللها: 2/97]
جعلهما على معنى واحد، وهو الاسم، كأنه قال: من كان في الدنيا أعمى القلب عن قبول الحق فهو يحشر أعمى العينين لا يبصر، كما قال: (ونحشره يوم القيامة أعمى)، والعرب تقول: هو أعمى قلبًا.
وقرأ غيره " هو أعمى القلب، ويقولون: هو أعمى العين، وهو أشد عمىً من غيره.
وفتح الميمين على لغة من يفخم، وكسرهما على لغة من يميل، وكلاهما لغة). [معاني القراءات وعللها: 2/98]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (18- وقوله تعالى: {ومن كان في هذه أعمى} [72].
قرأ أهل الكوفة بالإمالة فيهما إلا حفصا فإنه فتحهما؛ لأن الياء متطرفة وهو رباعي فأمالوا ذلك، والعرب قد تميل ذوات الواو إذا كان رباعيًا نحو قوله: {أتستبدلون الذي هو أدنى} فكيف بذوات الياء.
وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر بالتفخيم فيهما، وحجتهم: أن الياء فيهما قد صارت ألفًا لانفتاح ما قبلها، والأصل: ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى؛ من كان فيما وصفنتا من نعيم الدنيا أعمى فهو في نعيم الآخرة أعمى.
وكان أبو عمرو أحذقهم ففرق بين اللفظين لاختلاف المعنيين فقرأ: {ومن كان في هذه أعمى} بالإمالة {فهو في الآخرة أعمى} بالفتح أي: أشد عمى، فجعل الأول صفة بمنزلة أحمر وأصفر، والثاني بمنزلة أفعل منك.
فإن قيل: إنما يقال: هو أشد عمى فلم قال تعالى: {في الآخرة أعمى} ولم يقل: أشد عمى؟
فالجواب في ذلك: أن العمى على ضربين: عمى العين وعمى القلب فيقال: ما أشد عماه في العين، وفي القلب: ما أعماه، بغير أشد، لأن عمى
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/378]
القلب حمق، وربما قال الشاعر ضرورة ما أبيضه وما أحمره، قال الشاعر:
أما الملوك فأنت اليوم الأمهم = لوما وأبيضهم سربال طباخ
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/379]
ويقال: ما أسوده من السؤدد لا من سواد اللون، وما أحمره من البلادة كأنه حمار لا من الحمرة.
وحدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء: أن العرب تقول: امرأة مسودة مبيضة أي: تلد السودان والبيضان قال الفراء: والاختيار امرأة موضحة إذا ولدت البيضان، وقال بعضه: لا وجه لما فرق أبو عمرو بينهما؛ لأن الثاني وإن كان بمعنى أفعل منك فلا يمتنع من الإمالة كما لا يمتنع {بالذي هو أدنى}.
قال أبو عبد الله: إنما أراد أبو عمرو أن يفرق بينهما لما اختلف معنياهما واجتمعا في آية كما قرأ {ويوم القيامة يردون} بالياء يعني الكفار {عما تعملون} بالتاء، أي: أنتم وهم، ولو وقع مفردًا لأجاز الإمالة والتفخيم في كليهما. وقال المبرد فيه قولاً رابعًا: قال: معنى قوله: {فهو في الآخرة أعمى} لم يرد أعمى من كذا إنما يخبر أنه كذلك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/380]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الميم وكسرها من قوله جل وعز: أعمى، و (أعمى) [الإسراء/ 72].
فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر، أعمى فهو في الآخرة أعمى مفتوحتي الميم.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: (أعمى فهو في الآخرة أعمى) بكسر الميم فيهما جميعا.
حفص عن عاصم: لا يكسرهما.
وقرأ أبو عمرو (في هذه أعمى) بكسر الميم فهو في الآخرة أعمى بفتحها.
قال أبو علي: من قرأ أعمى بالفتحة غير ممالة كان قوله حسنا، لأن كثيرا من العرب لا يميلون هذه الفتحة.
ومن أمال الجميع فحسن، لأنه ينحو بالألف نحو الياء ليعلم أنها تنقلب إلى الياء، وإن كانت فاصلة أو مشبهة للفاصلة. والإمالة فيها حسنة لأن الفاصلة موضع وقف، والألف تخفى في الوقف، فإذا أمالها نحا بها نحو الياء ليكون أظهر لها وأبين. ومما يقوّي ذلك أنّ من العرب من يقلب هذه الألفات في الوقف ياءات ليكون أبين لها، فيقول: أفعي، وحبلى، ومنهم من يقول: أفعو، وهم كأنّهم أحرص على البيان من الأولين من حيث كانت الواو أظهر من الياء، والياء أخفى منها من حيث كانت أقرب إلى الألف من الواو إليها.
وأما قراءة أبي عمرو: (أعمى فهو في الآخرة أعمى) فأمال الألف من الكلمة الأولى، ولم يملها في الثانية، فلأنه يجوز أن لا يجعل أعمى في الكلمة الثانية عبارة عن العوارف الجارحة، ولكن
[الحجة للقراء السبعة: 5/112]
جعله أفعل من كذا، مثل: أبلد من فلان، فجاز أن يقول فيه: أفعل من كذا وإن لم يجز أن يقال ذلك في المصاب ببصره، وإذا جعله كذلك لم تقع الألف في آخر الكلمة لأن آخرها إنما هو من كذا، وإنما تحسن الإمالة في الأواخر لما تقدم. وقد حذف من أفعل الذي هو للتفضيل الجارّ والمجرور وهما مرادان في المعنى مع الحذف، وذلك نحو قوله: فإنه يعلم السر وأخفى [طه/ 7] المعنى: أخفى من السر، وكذلك قولهم: عام أول، أي: أول من عامك، وكذلك قوله: فهو في الآخرة أعمى أي: أعمى منه في الدنيا، ومعنى العمى في الآخرة: أنه لا يهتدي إلى طرق الثواب ويؤكّد ذلك ظاهر ما عطف عليه من قوله: وأضل سبيلا، وكما أن هذا لا يكون إلّا على أفعل، كذلك المعطوف عليه، ومعنى أضلّ سبيلا في الآخرة: أن ضلاله في الدنيا قد كان ممكنا من الخروج منه، وضلاله في الآخرة لا سبيل له إلى الخروج منه، ويجوز أن يكون قوله: أعمى، فيمن تأوله أفعل من كذا على هذا التأويل أيضا). [الحجة للقراء السبعة: 5/113]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا}
قرأ حمزة والكسائيّ وأبو بكر {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى} بكسر الميم فيهما وحجتهم أن الألف تنقلب إلى الياء إذا قلت أعميان فالإمالة فيهما حسنة
وقرأ الباقون {أعمى} {أعمى} بغير إمالة وحجتهم أن الياء فيهما قد صارت ألفا لانفتاح ما قبلها والأصل {ومن كان في هذه أعمى} بفتح الياء {فهو في الآخرة أعمى} بضم الياء فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها
وكان أبو عمرو أحذقهم ففرق بين اللّفظين لاختلاف المعنيين فقرأ {ومن كان في هذه أعمى} بالإمالة {فهو في الآخرة أعمى} بالفتح فجعل الأول صفة بمنزلة أحمر وأصفر والثّاني بمنزلة أفعل منك أي أعمى قلبا
قال ابن كثير من عمي في الدّنيا مع ما يرى من آيات الله وعبره فهو عمّا لم ير من الآخرة أعمى وأضل سبيلا
قال أبو عبيد وكان أبو عمرو يقرأ هذا الحرف على تأويل ابن كثير {فهو في الآخرة أعمى} يعني أشد عمى وأضل سبيلا وحجّة من أمال هي أن الإمالة والفتح لا يأتيان على المعاني بل الإمالة تقريب من الياء وإن كان بمعنى أفعل فلا يمنع من الإمالة
[حجة القراءات: 407]
كما لا يمتنع {الّذي هو أدنى} ). [حجة القراءات: 408]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (19- {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى} [آية/ 72] بالفتح فيهما:
[الموضح: 762]
قرأهما ابن كثير وابن عامر و-ص- عن عاصم.
والوجه أن ترك الإمالة أصل على ما سبق بيانه غير مرة.
وقرأ حمزة والكسائي و-ياش- عن عاصم {أعمى} و{أعمى} بالإمالة فيهما.
والوجه أن هذه الألف تنقلب إلى الياء في قولك أعميان، فحسنت الإمالة فيها ويزيدها حسنًا أن أصلها من الياء.
وكان نافعٌ يضجعها قليلًا.
والوجه أن الإضجاع مثل الإمالة إلا أنه كره أن يصير إلى الياء الذي منه هرب، فأضجع إعلامًا بجواز الإمالة.
وقرأ أبو عمرو ويعقوب في {هذِهِ أَعْمَى} ممالةً، و{فِي الآخِرَةِ أَعْمَى} مفتوحة.
والوجه في إمالة الأول قد سبق، وأما فتح {أَعْمَى} الثانية؛ فلأن هذه الثانية لم يرد بها المؤف البصر، وإنما جُعلت على أفعل الذي للتفضيل، والمعنى أكثر عمًى، بُني من قولهم: هو عمٍ عن هذا، والتقدير أعمى منه
[الموضح: 763]
في الدنيا، فمن مُرادٌ في المعنى؛ لأن هذا الضرب أعني أفعل من غير إضافةٍ ولا لام تعريفٍ يلزمه مِنْ، فالألف من أعمى إذًا ليست في آخر الكلمة لتقدير من معها، والإمالة في نحو ذلك إنما تكون في الأواخر، فلهذا اختار الفتح فيها من اختار، ويؤيد كون الكلمة على التفضيل أن ما عُطف عليها على التفضيل أيضًا، وهو قوله تعالى {وَأَضَلُّ سَبِيلًا} ). [الموضح: 764]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس