عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 02:03 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة هود
[ من الآية (64) إلى الآية (68) ]

{ وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68) }

قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64)}

قوله تعالى: {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65)}

قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (9- وقوله تعالى: {من خزي يومئذ} [66].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر مضافًا غير منون وكسروا الميم، وكذلك: {من فزع يومئذ} و{من عذاب يومئذ} فعلامة الخفض ف يكل هذا كسرة الميم.
وقرأ الكسائي {من فزع} منونًا ونصب {يومئذ} فمن نون لم يجز إلا النصب، ومن لم ينون جاز الخفض والنصب، فمن نصب مع ترك التنوين فله حجتان:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/284]
إحداهما: أنه جعل «يوم» مع: «إذ» بمنزلة اسمين جعلا اسما واحدًا كقولك: خمسة عشر ففتحه لذلك.
والحجة الثانية: أن الإضافة لا تصح إلى الحروف ولا إلى الأفعال، فلما كانت إضافة «يوم» إلى «إذ» غير محضة فتح.
وذلك في أسماء الزمان مطرد شائع، كقوله تعالى: {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} كذلك قرأها نافع نصبًا؛ لأن إضافة «يوم» إلى «ينفع» غير محصة قال الشاعر:
على حين عاينت المشيب على الصبا = وقلت ألما أصح والشيب وازع
وقرأ الكسائي الحرفين الباقيين منصوبًا غير منون.
وقرا حمزة وعاصم: {من خزي يومئذ} و{من عذاب يومئذ} إلا أن من نون {من فزع} نصب يومئذ.
وروى غيره عنه مثل أبي عمرو.
ويجب على القارئ إذا لفظ بقوله: {ومن خزي يومئذ} أن يشبع كسرة الياء الأولى بعد سكون الزاي لمجيىء الياء الثانية؛ لأن في إخراجها كلفة.
فإن سأل سائل: ألم تختلف القراء في قوله: {والأمر يومئذ لله} ونظيره: من القرآن؟
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/285]
فالجواب في ذلك: أن الظروف منصوبة كلها؛ لأنها مفعولات فيها، وإنما يكسر بعضها إذا دخل عليها حرف جر، كقولك: ركبت اليوم عندك، ثم تقول: ركبت في اليوم من عندك، فكذلك {من خزي يومئذ} وإنما جاز فتحها لما ذكرت، فقوله: {والأمر يومئذ لله} منصوب؛ لأنه ليس قبله ما يضاف إليه فاعرف ذلك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/286]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الميم وكسرها من قوله: يومئذ في ثلاثة مواضع: في هود [66] والنمل [89]، وسأل سائل [11].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ومن خزي يومئذ ومن عذاب يومئذ وهم من فزع يومئذ [النمل/ 89] مضافا ثلاثهن بكسر الميم.
وقرأ عاصم وحمزة: ومن خزي يومئذ ومن عذاب يومئذ مثل أبي عمرو وأصحابه، وخالفوهم في قوله: من فزع يومئذ، فنوّن عاصم وحمزة، وفتحا الميم في يومئذ.
وقرأ الكسائيّ: ومن خزي يومئذ ومن عذاب يومئذ
[الحجة للقراء السبعة: 4/346]
بفتح الميم فيهما مع الإضافة، وقرأ: وهم من فزع منونا، يومئذ نصبا.
واختلف عن نافع، فروى ابن جمّاز وأبو بكر بن أبي أويس، والمسيّبي وقالون، وورش، ويعقوب بن جعفر، كلّ هؤلاء عن نافع بالإضافة في الأحرف الثلاثة وفتح الميم، وقال إسماعيل بن جعفر عنه: بالإضافة في الثلاثة، وكسر الميم، ولا يجوز كسر الميم إذا نوّنت من فزع، ويجوز فتحها وكسرها إذا لم تنوّن.
قال أبو علي: قوله: من خزي يومئذ يوم: من قوله:
يومئذ* ظرف كسرت أو فتحت في المعنى إلا أنّه اتّسع فيه، فجعل اسما، كما اتّسع في قوله: بل مكر الليل والنهار [سبأ/ 33]، فأضيف المكر إليهما، وإنما هو فيهما، وكذلك العذاب والخزي والفزع، أضفن إلى اليوم، والمعنى على أن ذلك كلّه في اليوم، كما أن المكر في الليل والنهار، يدلّك على ذلك قوله: ولعذاب الآخرة أشق [الرعد/ 34]، ولعذاب الآخرة أخزى [فصلت/ 16]، وقوله: لا يحزنهم الفزع الأكبر [الأنبياء/ 103] وقوله: ففزع من في السموات ومن في الأرض [النمل/ 87]، وقوله: ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته [آل عمران/ 192].
فأمّا العذاب عذاب الدنيا فعلى ضروب، قال: وما كنا
[الحجة للقراء السبعة: 4/347]
معذبين حتى نبعث رسولا [الإسراء/ 15]، والمعنى، والله أعلم: ما كنّا معذّبين عذاب الاستئصال، ومثلها: وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا [القصص/ 59] كأن حجة العقل لا يستأصل بها إذا انفردت، ولم يؤخذ بها حتى يقع التنبيه عليها بالرسل، فإذا جاءت الرسل، فاقترحت عليهم الآيات، فلم يقع الإيمان عند مجيئها؛ عذّب حينئذ عذاب الاستئصال، قال: وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون [الإسراء/ 59]، فأخذوا بالاستئصال، فلو أتيناكم أنتم بالآيات التي اقترحتموها من نحو أن ننزّل عليكم كتابا من السّماء، أو نفجّر من الأرض ينبوعا، ونحو ذلك مما اقترحوا، فلم يؤمنوا؛ لمضى فيكم سنّة الأولين في امتناعهم من الإيمان، عند مجيء تلك الآيات، ومن ذلك قوله: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم [الأنفال/ 33]، أي: ليعذبهم عذاب الاستئصال، لأنّ أمم الأنبياء إذا أهلكوا، لم يكن أنبياؤهم فيهم، وعلى هذا قال: وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون [الدخان 21]، وقال: فأسر بأهلك بقطع من الليل [هود/ 81]، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون [الأنفال/ 33] أي: ومؤمنوهم يستغفرون ويصلّون، وما لهم ألا يعذبهم الله [الأنفال/ 34] أي:
بالسيف في صدّهم عن المسجد الحرام المسلمين من غير أن تكون لهم عليهم ولاية، وذلك لما منعوا عنه، فقال: هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام [الفتح/ 25].
فأمّا قراءة من قرأ: من عذاب يومئذ فكسر الميم فلأن يوما اسم معرب، أضيف إليه ما أضيف من العذاب، والخزي
[الحجة للقراء السبعة: 4/348]
والفزع، فانجرّ بالإضافة، ولم يفتح اليوم فيبنيه لإضافته إلى المبني، لأن المضاف منفصل من المضاف إليه، ولا تلزمه الإضافة، فلمّا لم تلزم الإضافة المضاف لم يلزم فيه البناء، يدلّ على ذلك أنك تقول: ثوب خزّ، ودار زيد، فلا يجوز فيه إلا إعرابه، وإن كان الاسمان قد عملا بمعنى الحرف، ولا يلزمهما البناء، كما يلزم ما لا ينفك منه معنى الحرف في نحو أين، وكيف، ومتى، فكما لم يبن المضاف، وإن كان قد عمل عمل الحرف من حيث كان غير لازم، كذلك لم يبن يوم للإضافة إلى «إذ» لأن إضافته لا تلزم كما لم يبن المضاف، وإن كان قد عمل في المضاف إليه بمعنى اللام ومعنى «من» لمّا لم تلزم الإضافة.
ومن فتح فقال: من عذاب يومئذ ففتح، مع أنه في موضع جر، فلأن المضاف يكتسي من المصاف إليه التعريف والتنكير، ومعنى الاستفهام والجزاء في نحو: غلام من تضرب؟
وغلام من تضرب أضربه. والنفي في نحو قولهم: ما أخذت باب دار أحد، فلما كان يكتسي من المضاف إليه هذه الأشياء اكتسى منه الإعراب والبناء أيضا، إذا كان المضاف من الأسماء الشائعة نحو: يوم، وحين، ومثل، وشبيه بهذا الشّياع الأسماء الشائعة المبنية نحو: أين وكيف، ولو كان المضاف مخصوصا نحو: رجل وغلام، لم يكتس منه البناء كما اكتسى من الأسماء الشائعة، فمما جاء من ذلك:
[الحجة للقراء السبعة: 4/349]
على حين عاتبت المشيب على الصّبا وقوله:
لم يمنع الشّرب منها غير أن هتفت ومن ذلك قوله: إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون
[الحجة للقراء السبعة: 4/350]
[الذاريات/ 23]. ومثل* في موضع رفع في قول سيبويه، وقد جرى وصفا على النكرة إلا أنه فتح للإضافة إلى أنّ ومن ذلك:
وتداعى منخراه بدم... مثل ما أثمر حمّاض الجبل
لما أضاف مثلا إلى المبنيّ وكان اسما شائعا بناه ولم يعربه، وأبو عثمان يذهب إلى أنه جعل مثلا مع ما بمنزلة اسم واحد، فبنى مثلا على الفتح، ولا دلالة قاطعة على هذا القول من هذا البيت، وإن كان ما ذهب إليه مستقيما لما نذكره في هذه المسألة إن شاء الله، فأمّا الكسر في إذ* فلالتقاء الساكنين، وذلك أن إذ من حكمها أن تضاف إلى الجملة من الابتداء والخبر، فلما اقتطعت عنها الإضافة نونت ليدل التنوين على أن المضاف إليه قد حذف فصار التنوين هنا ليدل على قطع الإضافة من المضاف كما صار يدلّ على انقضاء البيت في قول من نوّن في الإنشاد أواخر الأبيات. فقال:
[الحجة للقراء السبعة: 4/351]
يا صاح ما هاج الدموع الذّرّفن... و: أقلّي اللوم عاذل والعتابا
و: يا أبتا علّك أو عساكن فكما دلّ التنوين في هذه الأواخر على انقطاع الإضافة عن المضاف إليه، كذلك يدلّ في يومئذ وحينئذ على ذلك، فكسرت الذال لسكونها وسكون التنوين. والتنوين يجيء على غير ضرب في كلامهم، منه هذا الذي ذكرناه، ومنه ما يدخل على كلم مبنية؛ فيفصل بين المعرفة منها والنكرة مثل، غاق وغاق، ولا يجوز أن يكون هذا التنوين الذي في نحو رجل وفرس، لأن هذا التنوين لا يدخل إلا الأسماء المتمكّنة، وقد يمتنع من الدخول على بعض المتمكّن نحو ما لا ينصرف، فتعلم بهذا أن الذي في «إيه» ليس الذي يدخل المتمكن ومن ذلك التنوين الذي يدخل في مسلمات ونحوه في جمع المؤنث، ليس ذلك على الحدّ الذي في رجل، ونحوه لو كان كذلك لسقط من قوله: فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله
[الحجة للقراء السبعة: 4/352]
[البقرة/ 128]، فأما قول من أضاف من عذاب يومئذ وفزع يومئذ ومن خزي يومئذ فلأنها معارف تعرفت بالإضافة إلى اليوم، يدلّك على ذلك قوله: ولعذاب الآخرة أشق [الرعد/ 34]، وقوله: ففزع من في السموات [النمل/ 87]، وقوله: فقد أخزيته [آل عمران/ 192]، فهذه أمور قد تعرّفت بالإضافة إلى اليوم، فالوجه فيها الإضافة إليه. فأمّا تنوين الكسائي وهم من فزع يومئذ، وتنكيره الفزع، فهو في التخصيص مثل العذاب والخزي، فحقّه الإضافة، كالأخريين، وكأنّه فصل فنوّن، ولم يضف، لأنه لما جاء الفزع الأكبر دلّ ذلك على ضروب منه. فإذا نوّن فقد وقع الأمن من جميع ذلك، أكبره وأوسطه وأدونه، والفتحة في قوله:
من فزع يومئذ ينبغي أن تكون فتحة لا نصبة، لأنه قد فتح من عذاب يومئذ ومن خزي يومئذ، فبنى يوما لمّا أضافه إلى غير متمكن، فكذلك يبنيه إذا نوّن المصدر. ويجوز في قوله: يومئذ على هذه القراءة أن يكون معمول المصدر، ويجوز أيضا أن يكون معمول اسم الفاعل). [الحجة للقراء السبعة: 4/353]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ومن خزي يومئذٍ}
قرأ نافع والكسائيّ {ومن خزي يومئذٍ} بفتح الميم جعلا يوم وإذ بمنزلة اسمين جعلا اسما واحدًا كقولك خمسة عشرة وقيل إنّما فتح لأن الإضافة لا تصح إلى الحروف ولا إلى الأفعال فلمّا كانت إضافة يوم إلى إذ غير محضة فتح وبني
وقرأ الباقون {ومن خزي يومئذٍ} بكسر الميم أجروا الإضافة إلى يوم مجراها إلى سائر الأسماء فكسروا اليوم على الإضافة كما يكسر المضاف إليه من سائر الأسماء وعلامة الإضافة سقوط التّنوين من خزي). [حجة القراءات: 344]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (16- قوله: {ومن خزي يومئذٍ} قرأ نافع والكسائي بفتح الميم،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/532]
ومثله في النمل وسأل سائل، ووافقهما على ذلك في النمل خاصة حمزة وعاصم، وقرأهن الباقون بكسر الميم.
وحجة من كسر أنه أجراه مجرى سائر الأسماء، فخفضه لإضافة «الخزي» و«العذاب» إليه، ولم يبنوا «يوم» لإضافته إلى «إذ» لأنه يجوز أن ينفصل من «إذ» والبناء إنما يلزم إذا لزمت العلة.
17- وحجة من فتح أنه بناه على الفتح لإضافته إلى غير متمكن وهو «إذ» وعامل اللفظ ولم يعامل تقدير الانفصال). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/533]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {يَوْمِئِذٍ} [آية/ 66] بالإضافة وكسر الميم:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ونافع يل- ويعقوب، وكذلك في
[الموضح: 650]
النمل: {وَهُمْ مِنْ فَزَعِ يَوْمَئِذٍ}، وفي سأل سائلٌ: {مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ}.
وكذلك قرأ عاصم وحمزة، إلا في النمل فإنها نونا الفزع وفتحا {يَوْمَئِذٍ}.
وروى ش- و-ن- عن نافع {وَمِنْ خِزْيِ يَوْمَئِذٍ} و{مِنْ فَزَعِ يَوْمَئِذٍ} و{مِنْ عَذَابِ يَوْمَئِذٍ} بالإضافة في الأحرف الثلاثة مع فتح الميم.
وكذلك الكسائي، إلا أنه في النمل مثل حمزة وعاصم.
والوجه في الإضافة وكسر الميم أن كل واحد من الخزي والفزع والعذاب أُضيف إلى يوم، وهو اسمٌ معربٌ فانجرّ بالإضافة.
ووجه فتح الميم من {يَوْمَئِذٍ} مع الإضافة أن المضاف يكتسي من المضاف إليه كثيرًا من أحكامه، فاكتسى ههنا من المضاف إليه البناء؛ لأن اليوم ههنا مضاف إلى مبني، وهو إذ، فلما أُضيف إلى المبني بُني، واختير له الفتح لخفته.
وإنما كان {يومئذٍ} مختصًا بهذا الحكم لما كان اسم زمان؛ لأن هذا أعني اكتساء البناء من المضاف إليه يكون في الأسماء الشائعة كالأزمنة ونحوها، قال النابغة:
54- على حين عاتبت المشيب على الصبا = وقلت ألما تصح والشيب وازعٌ
[الموضح: 651]
وأما وجه التنوين من {فَزَع} وفتح الميم من {يَوْمَئِذٍ}، فهو أن فزعًا مصدرٌ عمل في الظرف وهو {يَوْمَئِذٍ}، و{يَوْمَئِذٍ} منصوب بأنه ظرف، كما تقول: عجبت من خروجٍ يوم الجمعة، فيوم الجمعة ظرفٌ للخروج.
ويجوز أن يكون {يَوْمَئِذٍ} ظرفًا لقوله {آمِنُونَ}، كأنه قال: وهم من فزعٍ آمنون يومئذٍ.
ولا فرق بين تنوين {فَزَعٍ} وبين إضافته إلى {يَوْمَئِذٍ}، لأن فزعًا لما كتنت نكرة صلحت أن تتناول جميع ضروب فزع اليوم.
وأما الكسر من إذٍ فلالتقاء الساكنين: أحدهما الذال والآخر التنوين.
وأما التنوين فيه فإنه عوضٌ عما حُذف منه من المضاف إليه؛ لأن من حكم إذ أن تكون مضافةً إلى الجمل، فقطعت عن الإضافة، وعُوّض منها التنوين، قال الشاعر:
55- نهيتك عن طلابك أم عمروٍ = بعاقبةٍ وأنت إذٍ صحيح). [الموضح: 652]

قوله تعالى: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67)}

قوله تعالى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (10- وقوله تعالى: {ألا إن ثمودا كفروا ربهم} [68]. قرأ حمة وعاصم في رواية حفص بترك التنوين في جميع القرآن، جعلاه اسما لقبيلة، فلما اجتمعت علتان: التعريف والتأنيث امتنع من الصرف.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: {ألا إن ثمودا} منونًا {وعادا وثمودا وأصحاب الرس} وكذلك في (العنكبوت): {وثمودا وقد تبين} منونات، واختلف في آخر {والنجم}. وقرأ يحيى عن أبي بكر عن عاصم غير منون {وثمود فما أبقى} وقرأ الباقون عنه منونًا، فمن نون هؤلاء الأحرف ذهب إلى اتباع المصحف؛ لأنهن في المصحف مكتوبات بالألف، وتركوا سائر القرآن غير مجرى، فمن صرفه جعله اسمًا مذكرًا لحي أو رئيس، ويجوز لمن صرفه أن يجعله اسمًا عربيًا، فيكون ثمود فعولاً من الثمد وهو الماء القليل، وجمعه ثماد، قال النابغة:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/286]
واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت = إلى حمام شراع وارد الثمد
ويقال: رجل مثمود أيضًا مشفوه: إذا كثر من مسألة المعروف ويقال: رجل مثمود: إذا نزفت النساء ماءه في الجماع.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر أربعتهن منونات اتباعًا للمصحف أيضًا.
فإن سأل سائل فقال: قوله تعالى: {وءاتينا ثمود الناقة} في موضع النصب فهلا نون كما نون سائر المنصوبات؟
فالجواب في ذلك أن هذا الحرف كتب في المصحف بغير ألف، وإنما أرى ذلك؛ لأن الاسم منونًا فإذا استقبله ألف ولام جاز ترك التنوين كقوله: {أحد * الله الصمد} وكقوله الشاعر:
* إذا غطف السلمى فرا *
أراد: غطيف، فكأن (ثمود) أكثر العرب تتبع تنويه إذا لم يستقبله ألف ولام، فكان إذا استقبله ألف ولام حذف التنوين واجبًا.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/287]
وزاد الكسائي عن أبي عمرو وأصحابه حرفًا خامسًا {إلا إن ثمودا كفروا ربهم ألا بعدا لثمود} فقال: إنما أجريت الثاني لقربه من الأول؛ لأنه استوحش أن ينون اسما واحد ويدع التنوين في آية واحدة.
قال أب عبد الله (رضي الله عنه) وقد جود، لأن أبا عمرو سل لم شددت قله: {قل إن الله قادر على أن ينزل آية} وأنت تخفف (ينزل) في كل القرآن؟ قال: لقربه من قوله: {وقالوا لولا نزل عليه ءاية من ربه} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/288]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في صرف ثمود وترك إجرائه في خمسة مواضع، في هود: ألا إن ثمودا كفروا ربهم ألا بعدا لثمود [68]، وفي الفرقان: وعادا وثمودا وأصحاب الرس [38]، وفي العنكبوت: وعادا وثمودا وقد تبين لكم [38]، وفي النّجم: وثمود فما أبقى [51].
[الحجة للقراء السبعة: 4/353]
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر بالتنوين في أربعة مواضع: في هود: ألا إن ثمودا وفي الفرقان: وعادا وثمودا وأصحاب الرسّ وفي العنكبوت: وعادا وثمودا وقد تبين لكم وفي النجم: وثمودا فما أبقى، ولم يصرفوا: ألا بعدا لثمود [68].
وقرأ حمزة بترك صرف هذه الخمسة الأحرف.
وقرأ الكسائي بصرفهنّ جمع.
واختلف عن عاصم في التي في سورة النجم فروى يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم أنه أجرى ثمودا في ثلاثة مواضع: في هود والفرقان، والعنكبوت ولم يجره في النجم.
وروى الكسائيّ عن أبي بكر وحسين الجعفي أيضا عن أبي بكر عن عاصم أنه أجرى الأربعة الأحرف، وروى حفص عن عاصم أنه لم يجر ثمود في شيء من القرآن مثل حمزة.
قال أبو علي: هذه الأسماء التي تجري على القبائل والأحياء على أضرب:
أحدها: أن يكون اسما للحيّ أو للأب، والآخر: أن يكون اسما للقبيلة. والثالث: أن يكون الغالب عليه الأب، أو الحيّ، أو القبيلة. والرابع: أن يستوي ذلك في الاسم، فيجيء على الوجهين، ولا يكون لأحد الوجهين مزيّة على الآخر في الكثرة.
[الحجة للقراء السبعة: 4/354]
فممّا جاء على أنه اسم الحيّ قولهم: ثقيف وقريش، وكلّ ما لا يقال فيه بنو فلان، وأمّا ما جاء اسما للقبيلة، فنحو: تميم، قالوا: تميم بن قرّ، قال سيبويه: وسمعناهم يقولون: قيس ابنة عيلان، وتميم صاحبة ذلك. وقالوا: تغلب ابنة وائل، قال:
لولا فوارس تغلب ابنة وائل... نزل العدوّ عليك كلّ مكان
وأما ما غلب اسما للحي أو القبيلة فقد قالوا: باهلة بن أعصر، وقالوا: يعصر، وباهلة اسم امرأة، قال سيبويه: ولكنه جعل اسم الحيّ ومجوس لم تجعل إلا اسم القبيلة، وسدوس أكثرهم يجعله اسم القبيلة وتميم أكثرهم يجعله اسم القبيلة، ومنهم من يجعله اسم الأب.
وأما ما استوى فيه أن يكون اسما للقبيلة، وأن يكون اسما للحيّ فقال سيبويه: ثمود وسبأ هما مرّة للقبيلتين، ومرّة للحيّين، وكثرتهما سواء، قال: وعادا وثمودا [الفرقان/ 38] وقال: ألا إن ثمودا كفروا ربهم [هود/ 68]، وقال: وآتينا ثمود الناقة [الإسراء/ 59]، فإذا استوى في ثمود أن يكون مرة للقبيلة، ومرة للحيّ، ولم يكن يحمله على أحد الوجهين مزيّة
[الحجة للقراء السبعة: 4/355]
في الكثرة، فمن صرف في جميع المواضع كان حسنا، ومن لم يصرف في جميع المواضع فكذلك.
وكذلك إن صرف في موضع ولم يصرف في موضع آخر، إلا أنّه لا ينبغي أن يخرج عما قرأت به القرّاء، لأنّ القراءة سنّة، فلا ينبغي أن تحمل على ما تجوّزه العربيّة حتى ينضم إلى ذلك الأثر من قراءة القرّاء.
ومثل ثمود في أنّه يكون مرّة مذكّرا اسما للأب أو الحيّ، فيصرف، ومرّة يؤنّث فيكون اسما للقبيلة فلا يصرف قوله تعالى: إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها [النمل/ 91]، وفي الأخرى: وهذا البلد الأمين [التين/ 3]، فعبّر عن مكان بعينه مرّة بلفظ التذكير، وأخرى بلفظ التأنيث، والبلدة المحرّمة يعني بها مكة وكذلك وهذا البلد الأمين فوصف بالأمن مثل قوله: ومن دخله كان آمنا [آل عمران/ 97]، فجرى الوصف على البلد في اللفظ، والمعنى على من فيه من طارئ وقاطن، وهذا آمن في حكم الشرع لا يهاج فيه، ولا يفعل به ما يكون يفعله به غير آمن، ومن ذلك قول الشاعر:
كسا الله حيّي تغلب ابنة وائل... من اللّؤم أظفارا بطيئا نصولها
[الحجة للقراء السبعة: 4/356]
أضاف إلى نفسه فقال: حيي، ثم قال: تغلب ابنة وائل، فجمع بين الحي والقبيلة، وجعلهما بمنزلة، ومن هذا الباب ما أنشده سيبويه:
سادوا البلاد وأصبحوا في آدم... بلغوا بها بيض الوجوه فحولا
القول في آدم أنّه لا يخلو أن يكون الاسم المخصوص، أو يراد به الحيّ أو القبيلة كتميم وتغلب وقريش، فلا يجوز أن يكون الاسم العلم لقوله: وأصبحوا في آدم، لو قلت: أصبحوا في زيد، وأنت تريد الاسم العلم، لم يجز كما يجوز ذلك إذا أردت به الاسم العام، كقوله:
أو تصبحي في الظّاعن المولّي فإذا لم يجز أن يكون العلم، ثبت أنه لا يخلو من أن يراد به الحيّ أو القبيلة أو يجوز الأمران فيه، ولا دلالة على إرادته واحدا منهما، ألا ترى أنه لو لم يصرف آدم لم تكن فيه دلالة على أحد هذه الأمور من اللفظ، لأنك إن أردت الحيّ لم تصرف كما تصرف أفكل اسم رجل، وإن أردت القبيلة، لم يجز أن ينصرف. كما أنك إذا سميت امرأة أفكل لم ينصرف، وكذلك لو استعمل فيه الأمران، فكذلك إذا صرفته في الشعر للضرورة، لم يكن فيه دليل على أحد الأمرين دون الآخر.
[الحجة للقراء السبعة: 4/357]
فإذا لم ينفصل ذلك ولم يتميز في اللفظ، علمت أنه لا يخلو من واحد من ذلك، ولا سبيل إلى أن يقطع على شيء مما يحتمله من جهة اللفظ، فأما قوله:
أولئك أولى من يهود بمدحة... إذا أنت يوما قلتها لم تؤنّب
فقد قامت الدّلالة على أن يهود استعملت على أنها للقبيلة ليس للحيّ من قوله: «أولئك أولى من يهود» لأنّ يهود لو كان الحيّ لم ينصرف، ولم يذكره سيبويه ليستشهد به على أن الاسم وضع للقبيلة، إنما أخبر أنّه في البيت للقبيلة، ويعلم ذلك في استعمالهم، ونحو ما أنشدناه أبو الحسن علي بن سليمان.
فرّت يهود وأسلمت جيرانها... صمّي لما فعلت يهود صمام
وكذلك في الحديث: «تقسم يهود»، فبهذا النحو علم أن هذا الاسم أريد به القبيلة. ومثل يهود في هذا مجوس ويدلّ على ذلك ما أنشده من قوله:
كنار مجوس تستعر استعارا
[الحجة للقراء السبعة: 4/358]
ألا ترى أنه لو كان للحي دون القبيلة، لانصرف، ولم يكن فيه مانع من الصرف). [الحجة للقراء السبعة: 4/359]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود}
قرأ حمزة وحفص {ألا إن ثمود كفروا ربهم} بغير تنوين
[حجة القراءات: 344]
وكذلك في الفرقان والعنكبوت والنجم ودخل معهما أبو بكر في النّجم وقرأ الباقون بالتّنوين
فمن ترك التّنوين جعله اسما لقبيلة فاجتمعت علّتان التّعريف والتأنيث فامتنع من الصّرف ومن نون جعله اسما مذكرا لحي أو رئيس وحجتهم في ذلك المصحف لأنّهنّ مكتوبات في المصحف بالألف وزاد الكسائي عليهم حرفا خامسًا وهو قوله {ألا بعدا لثمود} منونا وقال إنّما أجريت الثّاني لقربه من الأول لأنّه استقبح أن ينون اسما واحدًا ويدع التّنوين في آية واحدة ويخالف بين اللّفظين وقد جود الكسائي فيما قال لأن أبا عمرو سئل لم شددت قوله تعالى {قل إن الله قادر على أن ينزل آية} وأنت تخفف ينزل في كل القرآن فقال لقربه من قوله {وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية}
فإن سأل سائل فقال قوله {وآتينا ثمود النّاقة} من موضع نصب فهلا نون كما نون سائر المنصوبات الجواب أن هذا الحرف كتب في المصحف بغير ألف والاسم المنون إذا استقبله ألف ولام جاز ترك التّنوين كقوله {قل هو الله أحد الله الصّمد} ). [حجة القراءات: 345]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (18- قوله: {ألا إن ثمود} قرأ حفص وحمزة في هذه السورة بغير صرف، ومثله في العنكبوت والفرقان والنجم، ووافقهما أبو بكر على ترك الصرف في النجم خاصة، وصرفهن الباقون.
وحجة من صرف أنه جعل {ثمودًا} اسما مذكرا للأب أو للحي. فلا علة تمنع في صرفه، إذ الصرف أصل الأسماء كلها، وكل ما امتنع منها من الصرف لعلتين دخلتا عليه، فمنع التنوين والخفض.
19- وحجة من لم يصرف أنه جعله اسمًا للقبيلة، فمنعه من الصرف لوجود علتين فيه، وهما التعريف والتأنيث، وتفرَّد الكسائي بصرف قوله: {ألا بعدًا لثمود} جعله اسمًا للحي أو للأب، ولم يصرفه الباقون، جعلوه اسمًا
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/533]
للقبيلة، وما عليه الجماعة في ذلك كله هو الاختيار، إذ القراءتان متساويتان). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/534]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا} [آية/ 68] بلا تنوينٍ:
قرأها عاصم ص- وحمزة ويعقوب، وكذلك {أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ}، وكذلك في الفرقان والعنكبوت {وعادًا وثمودَ}، وفي النجم {وثمودَ فما أبقى}.
والوجه أنهم جعلوا ثمود اسمًا للقبيلة، فاجتمع فيه التعريف والتأنيث، فامتنع من الصرف.
وقرأ الكسائي {ثمودًا} بالتنوين في الخمسة الأحرف.
والوجه أنه جعل ثمودًا اسمًا للحي، والحي مذكر، فصرفه؛ لأنه لم يجتمع فيه سببان من الأسباب المانعة عن الصرف.
وروى ياش- عن عاصم في هود والنجم بغير تنوين، وفي الباقي بالتنوين.
[الموضح: 653]
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر {أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ} غير منونة، والباقي بالتنوين.
والوجه أنهم أرادوا الأخذ بالوجهين جميعًا؛ إذ كلاهما حسنٌ، هذا مع اتباع الأثر فيه، فإن القراءة سنة فلا يُعدل عنها). [الموضح: 654]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس