عرض مشاركة واحدة
  #30  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 08:41 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (109) إلى الآية (111) ]
{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)}

قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وما يشعركم أنّها... (109).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب والأعشى عن أبي بكر عن عاصم (إنّها) بكسر الألف، وروى نصير عن الكسائي (إنّها) بكسر الألف، وكذلك روى الجعفي عن أبي بكر عن عاصم، ولم يحفظ يحيى عن أبي بكر في هذا كسرًا ولا فتحًا، وقال ابن مجاهد: قرأت على
[معاني القراءات وعللها: 1/378]
أصحاب البزار عن يحيى عن أبي بكر بالفتح والكسر جميعا، وقرأ حفص عن عاصم (أنّها) بالفتح، وقرأ الباقون (أنّها) بفتح الألف.
قال أبو منصور: من قرأ (إنّها) بالكسر فهو استئناف، المعنى: قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم، أي: ما يدريكم.
ثم استأنف فقال: إنها إذا جاءت لا يؤمنون، يعني الآيات.
ومن قرأ (أنها) بالفتح فإن الخليل قال: معناها، لعلّ المعنى لعلها إذا جاءت لا يؤمنون، قال الخليل: وهذا كقولك: أئت السوق، أنك تشتري لنا شيئا. أي: لعلك.
وقال بعضهم: إنما هي (أنّ) التي على أصل الباب، وجعل (لا) لغوًا، والمعنى: ويشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون.
والقول هو الأول والله أعلم). [معاني القراءات وعللها: 1/379]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إذا جاءت لا يؤمنون (109).
قرأ ابن عامر وحمزة (إذا جاءت لا تؤمنون) وقرأ الباقون (إذا جاءت لا يؤمنون) بالياء.
[معاني القراءات وعللها: 1/379]
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فهي تاء المخاطبة، ومن قرأ بالياء فللغيبة). [معاني القراءات وعللها: 1/380]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (36- وقوله تعالى: {وما يشعركم} [109].
قرأ أبو عمرو وحده باختلاس الحركة وهي الضمة في الراء كأنه يجزمها تخفيفًا مثل {يأمركم} و{ينصركم}.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/166]
والباقون يشبعون الضمة على الأصل {يشعركم}). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/167]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (37- وقوله تعالى: {أنها إذا جاءت} [109].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {إنها} بالكسر على أن الكلام قد تم، وقال يحيى عن ابن بكر: لا أحفظ عن عاصم في {أنهاْ شيئًا وروى غيره: {إنها} بالكسر.
وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: {أنها} بالنصب، فقال الخليل: تقديره: وما يشعركم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون فـــ «أن» المفتوحة بمعنى «لعل»). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/167]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (38- وقوله تعالى {لا يؤمنون} [109].
قرأ ابن عامر وحمزة بالتاء على الخطاب في الكاف والميم في {يشعركم}.
وقرأ الباقون بالياء لقوله: {ونقلب أفئدتهم} إخبار عن غيب، ولم يقل أفئدتكم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/167]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله [جلّ وعزّ]: وما يشعركم إنها [الأنعام/ 109].
فقرأ ابن كثير: وما يشعركم إنها مكسورة الألف، قرأ
[الحجة للقراء السبعة: 3/375]
أبو عمرو بالكسر أيضا، غير أنّ أبا عمرو كان يختلس حركة الراء من يشعركم.
وقرأ نافع وعاصم في رواية حفص وحمزة والكسائيّ- وأحسب ابن عامر- أنها* بالفتح.
وأما أبو بكر بن عياش: فقال يحيى عنه: لم نحفظ عن عاصم كيف قرأ: أفتحا أم كسرا ؟.
وقال حسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم إنها* مكسورة، أخبرني به موسى بن إسحاق عن هارون بن حاتم عن حسين الجعفي بذلك. وحدثني موسى بن إسحاق عن أبي هشام محمد بن يزيد قال: سمعت أبا يوسف الأعشى: قرأها على أبي بكر: إنها* كسرا، [لا يؤمنون بالياء]. وكذلك روى داود الأودي أنه سمع عاصما يقرؤها إنها* كسرا.
قال سيبويه: سألته: يعني الخليل عن قوله عز وجل: وما يشعركم إنها إذا جاءت لا يؤمنون ما منعها أن تكون كقولك: ما يدريك أنه لا يفعل؟ فقال: لا يحسن ذلك
[الحجة للقراء السبعة: 3/376]
في هذا الموضع، إنما قال: وما يشعركم؟ ثم ابتدأ فأوجب فقال: إنها إذا جاءت لا يؤمنون. ولو قال: وما يشعركم أنها كان ذلك عنه عذرا لهم، وأهل المدينة يقولون: أنها* فقال الخليل: هي بمنزلة قول العرب: ائت السوق أنك تشتري لنا شيئا. أي: لعلّك، فكأنه قال: لعلّها إذا جاءت لا يؤمنون.
قوله: وما يشعركم ما* فيه استفهام، وفاعل يشعركم ضمير ما*، ولا يجوز أن يكون نفيا، لأن الفعل فيه يبقى بلا فاعل.
فإن قلت: يكون نفيا ويكون فاعل يشعركم ضمير اسم الله تعالى: قيل: ذلك لا يصحّ، لأن التقدير يصير: وما يشعركم الله انتفاء إيمانهم، وهذا لا يستقيم.
ألا ترى أن الله تعالى قد أعلمنا أنهم لا يؤمنون بقوله: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله [الأنعام/ 111]، فالمعنى: ما يدريكم إيمانهم إذا جاءت، فحذف المفعول، وحذف المفعول كثير والتقدير: ما يدريكم إيمانهم إذا
[الحجة للقراء السبعة: 3/377]
جاءت: أي: هم لا يؤمنون، مع مجيء الآية إياهم.
فأما يشعركم، فإنك تقول: شعرت بالشيء كما تقول: دريت به، وقال: دريته، فيجوز أن يكون شعرت مثله في أنه يتعدّى مرة بحرف، ومرّة بلا حرف كدريت، فمن عدّاه بالحرف جاز أن يكون أنّ في قول من لم يجعله بمعنى: لعلّ، في موضع جر، لأن الكلام لما طال صار كالبدل منه وجاز أن يكون في موضع نصب.
فأما قراءة ابن كثير وأبي عمرو: فالتقدير فيها: وما يشعركم إيمانهم. فحذف المفعول، أي: لو جاءت الآية التي اقترحوها لم يؤمنوا، ثم قال: إنها إذا جاءت لا يؤمنون [الأنعام/ 109]، كما قال: ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله [الأنعام/ 111] [أي: إلّا أن يشاء إجبارهم على الإيمان].
ولو فتح أنّ، وجعلها التي في نحو: بلغني أن زيدا منطلق، لكان عذرا لمن أخبر عنهم أنهم لا يؤمنون، لأنه إذا قال القائل: إنّ زيدا لا يؤمن، فقلت: ما يدريك أنه لا يؤمن، فالمعنى أنه: يؤمن، وإذا كان كذلك كان عذرا لمن نفى الإيمان عنه.
فأما وجه قراءة من فتح أنّ، فإن في فتحها تأويلين:
أحدهما: أن يكون بمعنى لعلّ كقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 3/378]
قلت لشيبان ادن من لقائه... أنّا نغدّي القوم من شوائه
أي: لعلنا. وقال آخر:
أريني جوادا مات هزلا لأنني... أرى ما ترين أو بخيلا مخلّدا
وقال الفرزدق:
هل انتم عائجون بنا لأنّا... نرى العرصات أو أثر الخيام
[الحجة للقراء السبعة: 3/379]
فالمعنى: وما يشعركم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون، وهذا ما فسّره الخليل في قوله: ائت السوق أنّك تشتري لنا شيئا، أي: لعلّك، وقال عديّ بن زيد:
أعاذل ما يدريك أن منيّتي... إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد
وفسّر على: لعل منيّتي. ويدل على صحة ذلك وجودته في المعنى: أنه قد جاء في التنزيل لعل بعد العلم، وذلك قوله: وما يدريك لعله يزكى [عبس/ 3]، وما يدريك لعل الساعة قريب [الشورى/ 17]، فكما جاء لعلّ بعد العلم، كذلك يكون أنها إذا جاءت بمنزلة: لعلّها إذا جاءت.
والتأويل الآخر لم يذهب إليه الخليل وسيبويه، وهو أن يكون أنّها في قوله: أنها إذا جاءت لا يؤمنون أنّ الشديدة التي تقع بعد الأفعال التي هي عبارات عن ثبات الشيء وتقرّره نحو: علمت، وتبينت، وتيقنت، على أن تكون لا زائدة فيكون التقدير: وما يشعركم أنّها إذا جاءت يؤمنون.
والمعنى على هذا أنها: لو جاءت لم يؤمنوا. ومثل
[الحجة للقراء السبعة: 3/380]
لا هذه في أنها تكون في تأويل: زائدة، وفي أخرى: غير زائدة. قول الشاعر:
أبا جوده لا البخل واستعجلت به... نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله
ينشد: أبا جوده لا البخل، ولا البخل، فمن نصب البخل جعلها زائدة، كأنه قال: أبا جوده البخل، ومن قال: لا البخل، أضاف «لا» إلى البخل.
ومثل هذه الآية في أنّ لا فيها زائدة قوله: وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون [الأنبياء/ 95] فهذه تحتمل تأويلين: تكون لا في أحدهما زيادة، وأنّ في موضع رفع بأنّه خبر المبتدأ الذي هو: حرام* والمعنى: وحرام على قرية أنهم لا يرجعون، أي: أنّهم يرجعون، والتقدير: وحرام على قرية مهلكة رجوعهم إلى أهلهم كما قال: فلا يستطيعون توصية، ولا إلى أهلهم يرجعون [يس/ 50]، فلا* على هذا التأويل زيادتها كزيادتها في قوله: لئلا يعلم أهل الكتاب [الحديد/ 29]، وكزيادتها في قول الشاعر:
[الحجة للقراء السبعة: 3/381]
أفعنك لا برق كأنّ وميضه... غاب تسنّمه ضرام مثقب
والوجه الآخر: أن تكون لا غير زائدة، ولكنها متصلة بأهلكنا، كأنه قال: وحرام على قرية أهلكناها بأنّهم لا يرجعون، أي: أهلكناهم بالاصطلام والاستئصال بأنّهم إنما لا يرجعون إلى أهليهم للاستئصال الواقع بهم والإبادة لهم.
وخبر المبتدأ على هذا محذوف تقديره: وحرام على قرية أهلكناها بالاستئصال بقاؤهم أو حياتهم، ونحو ذلك، مما يكون في الكلام دلالة عليه، فهذه في أحد التأويلين مثل قوله: أنها إذا جاءت لا يؤمنون وأنت تريد به يؤمنون.
اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: لا يؤمنون.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائيّ: لا يؤمنون بالياء. وروى حفص عن عاصم، وحسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم بالياء أيضا.
وقرأ ابن عامر وحمزة: لا تؤمنون بالتاء.
وجه القراءة بالياء: أن قوله: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها [الأنعام/ 109] إنّما يراد به قوم
[الحجة للقراء السبعة: 3/382]
مخصوصون. يدلّك على ذلك قوله: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى [الأنعام/ 111]، وليس كل الناس بهذا الوصف فالمعنى: وما يشعركم أيها المؤمنون، لعلّهم إذا جاءت الآية التي اقترحوها لم يؤمنوا، قال: وجه الياء في قوله: لا يؤمنون أنّ المراد بمن نفى عنه الإيمان، هم الغيب المقسمون، والوجه على هذا: لا يؤمنون، أي: لا يؤمن هؤلاء الغيب المقسمون، وليس الخطاب للمؤمنين فيكون قوله: لا تؤمنون بالتاء.
ووجه القراءة بالتاء: أنه انصراف من الغيبة إلى الخطاب، والمراد بالمخاطبين في يؤمنون هم الغيب المقسمون الذي أخبر عنهم أنهم لا يؤمنون مثل قوله الحمد لله [الفاتحة/ 1]، ثم قال: إياك نعبد ونحو ذلك مما يصرف إلى الخطاب بعد الغيبة). [الحجة للقراء السبعة: 3/383]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قل إنّما الآيات عند الله وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر {وما يشعركم أنّها إذا جاءت} بكسر الألف قال اليزيدي الخبر متناه عند قوله {وما يشعركم} أي ما يدريكم ثمّ ابتدأ الخبر عنهم إنّهم لا يؤمنون إذا جاءتهم وكسروا الألف على الاستئناف قال سيبويهٍ سألت الخليل عن قوله {وما يشعركم أنّها إذا جاءت} ما منعها أن تكون كقولك وما يدريك أنه لا يفعل فقال لا يحسن ذلك في هذا الموضع إنّما قال {وما يشعركم} ثمّ ابتدأ فأوجب فقال {أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} لو قال {وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} كان عذرا لهم وحجتهم قوله بعدها {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة} إلى قوله {ما كانوا ليؤمنوا} فأوجب لهم الكفر وقال {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرّة} أي إن الآية إن جاءتهم لم يؤمنوا
[حجة القراءات: 265]
كما لم يؤمنوا أول مرّة
وقرأ الباقون {أنّها إذا جاءت} بالفتح قال الخليل إن معناها لعلّها إذا جاءت لا يؤمنون قال وهذا كقولهم إيت السّوق أنّك تشتري لنا شيئا أي لعلّك أنشد أبو عبيدة:
أريني جوادا مات هزلا لأنني ... أرى ما ترين أو بخيلًا مخلدا
يريد لعلني أرى ما ترين
يروى في التّفسير أنهم اقترحوا الآيات وقالوا {لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعا} إلى قوله {حتّى تنزل علينا كتابا نقرؤه} فأنزل الله {قل إنّما الآيات عند الله وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} أي لعلّها إذا جاءت لا يؤمنون على رجاء المؤمنين وقال آخرون بل المعنى وما يشعركم أنّها إذا جاءت يؤمنون فتكون لا مؤكدة للجحد كما قال {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون} بمعنى وحرام عليهم أن يرجعوا قال الفراء سأل الكفّار رسول الله صلى الله عليه أن يأتيهم بالآية الّتي نزلت في الشّعراء {إن نشأ ننزل عليهم من السّماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين} وقال المؤمنون يا رسول الله سل ربك أن ينزلها حتّى يؤمنوا فأنزل الله {وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} أي إذا
[حجة القراءات: 266]
جاءت يؤمنون ولا صلة كقوله {ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك} أي أن تسجد
قرأ حمزة وابن عامر (إذا جاءت لا تؤمنون) بالتّاء وحجتهما قوله {وما يشعركم} قال مجاهد قوله {وما يشعركم} خطاب للمشركين الّذين أقسموا فقال جلّ وعز وما يدريكم أنكم تؤمنون وقرأ الباقون بالياء إخبارًا عنهم وحجتهم قوله {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم} ولم يقل أفئدتكم). [حجة القراءات: 267]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (54- قوله: {أنها إذا جاءت} قرأ ابن كثير وأبو عمرو بكسر الهمزة، وقرأ الباقون بالفتح، وعن أبي بكر الوجهان.
وحجة من فتح الهمزة أنه جعل «أن» بمنزلة «لعل» لغة فيها، على قول الخليل، حكى عن العرب: ائت السوق أنك تشتري لنا شيئًا، أي: لعلك. ويجوز أن يعمل فيها «يشعركم» فيفتح على المفعول به؛ لأن معنى شعرت به دريت، فهو في اليقين كعلمت، وتكون «لا» في قوله: {لا يؤمنون} زائدة، والتقدير: وما يدريكم أيها المؤمنون أن الآية إذا جاءتهم يؤمنون، أي: إنهم لا يؤمنون إذا جاءتهم الآية التي اقترحوا بها وهذا المعنى، إنما يصح على قراءة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/444]
من قرأ «يؤمنون» بالياء ويكون «يشعركم» خطابًا للمؤمنين، والضمير «يؤمنون» للكفار في القراءة بالياء، ومن قرأ «تؤمنون» بالتاء، فالخطاب في «يشعركم» للكفار، ويقوي هذا المعنى قوله بعد ذلك: {ما كان ليؤمنوا إلا أن يشاء الله} «111» و«ما» في الآية استفهام، وفي «يشعركم» ضمير «ما»، والمعنى: وأي شيء يدريكم أيها المؤمنون إيمانهم إذا جاءتهم الآية، أي: لا يؤمنون إذا جاءتهم الآية، ولا يحسن أن تكون «ما» نافية؛ لأنه يصير التقدير: وليس يدريكم الله أنهم لا يؤمنون، وهذا متناقض؛ لأنه تعالى قد أدرانا أنهم لا يؤمنون بقوله: {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة} إلى قوله: {يجهلون}.
55- وحجة من كسر «أن» أنه استأنف بها الكلام بعد «يشعركم»، والتقدير: وما يشعركم إيمانهم، فالمفعول محذوف، ثم استأنف مخبرًا عنهم بما علم فيهم، فقال: {إنها إذا جاءت لا يؤمنون} ولا يحسن فتح «إن» على إعمال «يشعركم» فيها و«لا» غير زائدة؛ لأن ذلك يكون عذرًا لهم، ويصير المعنى: وما يدريكم أيها المؤمنون أن الآية {إذا جاءتهم لا يؤمنون} أي: لعلهم يؤمنون إذا جاءتهم، فيكون تأخير «الآية» عنهم عذرًا لهم، في ترك الإيمان، وهذا لا يجوز لأن الله قد أعلمنا أنهم لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية، وأن ذلك بمشيئته وإرادته، فإن جعلت «لا» زائدة حسن عمل «يشعركم» في «أن»؛ لأن التقدير: وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون، أي: لا يؤمنون إذا جاءتهم الآية التي اقترحوا بها، وهذا كله إنما يصح على قراءة من قرأ «يؤمنون» بالباء، فأما من قرأ بها، وهذا كله إنما يصح على قراءة من قرأ «يؤمنون» بالباء، فأما من قرأ تؤمنون بالتاء فالخطاب في «يشعركم» للكفار المقترحين الآية، وقد تقدم ذكر الاختلاس والإسكان في «يشعركم» والحجة في ذلك، والاختيار الفتح لأن عليه الجماعة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/445]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (56- قوله: {لا يؤمنون} قرأه حمزة وابن عامر بالتاء، على الخروج من الغيبة إلى الخطاب، كما قال: {الحمد لله رب العالمين}، ثم قال: {إياك نعبد}، والمراد به القوم الذين اقترحوا الآية دون المؤمنين، على معنى: لعلها إذا جاءتكم الآية التي اقترحتموها لا تؤمنون، أي على معنى: وما يشعركم أيها الكفار المقترحون بالآية أنها إذا جاءتكم تؤمنون، فـ «لا» زائدة على هذا التقدير، إذا أعملت «يشعركم» في «أنها»، والضمير في «تؤمنون» للكفار في القراءتين جميعًا، والخطاب في «يشعركم» للمؤمنين، إذا قرأ بالياء في يؤمنون، وهو للكفار، إذا قرأت تؤمنون بالتاء، وقرأ الباقون بالياء، ردوه على لفظ الغيبة المتقدمة في قوله: {وأقسموا بالله} وما بعده بلفظ الغيبة، فجرى «يؤمنون» على ذلك للمشاكلة والمطابقة، وارتباط بعض الكلام ببعض، وأيضا فإن بعده لفظ غيبة في قوله: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به} إلى قوله: {يجهلون} «111» كله بلفظ الغيبة، فحمل «يؤمنون» في لفظ على ما قبله وما بعده، فاتسق الكلام كله على نظام واحد، وذلك أفصح وأقوى، وهو الاختيار، مع أن أكثر القراء على الياء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/446]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (40- {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا} [آية/ 109] بكسر الألف:-
قرأها ابن كثير وأبو عمرو وعاصم -ياش- ويعقوب.
والوجه أن الكلام استئناف، فلذلك جاء بإن؛ لأن إن حرف ابتداء، ومعناه على الابتداء، وهو على هذا خطاب للمشركين، والمراد قل يا محمد إنما الآيات عند الله، وما يشعركم أي وما يدريكم أيها المشركون أن الآيات عند الله، ثم استأنف فقال إنها أي إن الآيات إذا جاءتهم لا يؤمنون.
وقرأ الباقون {أَنَّهَا} بفتح الألف.
والوجه أن المعنى لعلها، فقد جاء أن بمعنى لعل، كقوله:
31- قلت لشيبان ادن من لقائه = أنا نفدي القوم من شوائه
أي لعلنا.
[الموضح: 492]
ويجوز أن تكون أن في قوله {أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ} هي الشديدة التي تقع بعد أفعال الاستقرار، نحو: علمت وتيقنت وأمثالهما، وهي المعروفة في كلام العرب، ثم تكون {لا} زائدة، والتقدير: وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون). [الموضح: 493]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (41- {لا تُؤْمِنُونَ} [آية/ 109] بالتاء:-
قرأها ابن عامر وحمزة.
والوجه أن رجوع عن الغيبة إلى الخطاب عند من جعل {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} للمؤمنين، فأما من جعل الخطاب فيه للمشركين، فالكلام كله خطاب، وليس برجوع عن الغيبة إلى الخطاب، والمعنى: وما يشعركم أيها الكفار أنها إذا جاءت تؤمنون، أو على الاستئناف كما سبق.
وقرأ الباقون {لا يُؤْمِنُونَ} بالياء.
والوجه أنهم هم الغيب المقسمون في قوله تعالي {وَأَقْسَمُوا بِالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ}، والمراد: وما يدريكم أيها المؤمنون أن الآيات إذا جاءت يؤمن هؤلاء المقسمون، وهم الكفار). [الموضح: 493]

قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن وأبي رجاء وقتادة وسلام ويعقوب وعبد لله بن يزيد والأعمش والهمذاني: [وَيَذَرْهُم] بالياء وجزم الراء.
قال أبو الفتح: قد تقدم ذكر إسكان المرفوع تخفيفًا، وعليه قراءة مَن قرأ أيضًا: [وَمَا يُشْعِرْكُم] بإسكان الراء، وكأن [يشعرْكم] أعذر من [يَذَرْهُم]؛ لأن فيه خروجًا من كسر إلى ضم، وهو في [يَذَرْهُم] خروج من فتح إلى ضم). [المحتسب: 1/227]

قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلًا... (111)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: (كلّ شيءٍ قبلًا) بالضم، وفي الكهف (العذاب قبلًا) بكسر القاف، قرأ نافع وابن عامر (قبلًا) و(قبلًا) مكسورتين، وقرأهما الكوفيون مضمومتين.
قال أبو منصور: من قرأ (قبلًا) بالضم فله معنيان:
أحدهما: أن (قبلًا) جمع قبيل، وهم الجماعة ليسوا بني أبٍ واحد، المعنى: وحشرنا عليهم كل شيء (قبلًا) قبيلا، والقبيلة - بالهاء -: بنو أبٍ واحد، وجمعها: القبائل.
والوجه الثاني: قبلا جمع قبيل، وهو الكفيل، فيكون المعنى: لو حشر عليهم كل شيء فكفل لهم بصحة ما تقول ما كانوا ليؤمنوا.
ومن قرأ (قبلا) بكسر القاف فمعناه: عيانا ومعاينةً، يقال: كلمته قبلا ومقابلة، أي عيانا.
قال الفراء: وقد يكون قبلا: من قبل وجوههم، كما تقول: أتيتك قبلاً، ولم آتك دبرًا). [معاني القراءات وعللها: 1/380]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (39- [و] قوله تعالى: {وحشرنا عليهم كل شيء قبلا} [111].
قرأ نافع وابن عامر {قبلا} بكسر القاف وفتح الباء.
والباقون بضمهما). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/167]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ القاف وكسرها من قوله تعالى: كل شيء قبلا [الأنعام/ 111].
فقرأ نافع وابن عامر: كل شيء قبلا، والعذاب قبلا [الكهف/ 55] بكسر القاف فيهما، وفتح الباء.
[الحجة للقراء السبعة: 3/383]
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: كل شيء قبلا والعذاب قبلا.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: كل شيء قبلا مضمومة القاف، والعذاب قبلا مكسورة القاف.
قال أبو زيد: يقال: لقيت فلانا قبلا، ومقابلة، وقبلا، وقبلا، وقبليّا، وقبيلا، وكلّه واحد وهو المواجهة، فالمعنى في القراءتين على ما قاله أبو زيد واحد وإن اختلفت الألفاظ.
وقال أبو عبيدة: وحشرنا عليهم كل شيء قبلا جماعة قبيل أي: أصناف، أو يأتيهم العذاب قبلا [الكهف/ 55] أي معاينة.
فوجه قراءة نافع وابن عامر كل شيء قبلا والعذاب قبلا: أن المعنى: لو حشرنا عليهم كلّ شيء معاينة، أو أتاهم العذاب معاينة، لم يؤمنوا. كأنّهم من شدّة عنادهم وتركهم الإذعان، والانقياد للحق يشكّون في المشاهدات التي لا شكّ فيها.
ومثل قوله: أو يأتيهم العذاب قبلا أي: معاينة، قوله:
فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم، قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم [الأحقاف/ 24]،
[الحجة للقراء السبعة: 3/384]
وقوله: وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم [الطور/ 44].
وقراءة عاصم. وحمزة، والكسائي: كل شيء قبلا، يحتمل ثلاثة أضرب:
يجوز أن يكون قبلا جمع قبيل، الذي يعنى به الكفيل، ويجوز أن يكون جمع قبيل الذي يعنى به الصنف، كما فسّره أبو عبيدة، ويجوز أن يكون قبلا بمعنى قبل، كما فسّره أبو زيد. فليس بالسهل أن يحمل على القبيل الذي هو الكفيل لأنهم إذا لم يؤمنوا مع إنزال الملائكة إليهم، وأن يكلّمهم الموتى، مع أن ذلك مما يبهر ظهوره، ويضطرّ مشاهدته، فأن لا يؤمنوا بالكفالة التي هي قول لا يبهر ولا يضطرّ، ويجوز أن لا يصدّق، أجدر.
فإن قلت: إن موضع الآية الباهرة في قول من حمل قبلا على أنه جمع قبيل الذي هو الكفيل، هو حشر كلّ شيء. وفي الأشياء المحشورة ما ينطق وما لا ينطق، فإذا نطق بالكفالة من لا ينطق، كان ذلك موضع بهر الآية فهو قول.
وأمّا إذا حملت قوله: قبلا على أنّه جمع القبيل الذي هو الصنف، كما قال أبو عبيدة، فإنّ موضع إبانة الآية حشر جميع الأشياء جنسا جنسا، وجميع الأشياء ليس في العرف أن تجتمع
[الحجة للقراء السبعة: 3/385]
وتنحشر إلى موضع، فموضع ما يبهر هو اجتماعها، مع أنّ ذلك ليس في العرف.
وإن حملت قوله: قبلا على أنّه بمعنى، قبل، أي:
مواجهة، كما فسره أبو زيد، فإن قبلا حال من المفعول به، والمعنى: حشرناه مواجهة ومعاينة، وهو في المعنى كقراءة نافع وابن عامر قبلا*: معاينة.
فأما قراءة عاصم وحمزة والكسائي أو يأتيهم العذاب قبلا [الكهف/ 55] فمعناه: مواجهة، ولا يجوز أن يكون القبيل الذي يراد به الكفيل، ولا يمتنع أن يكون جمع قبيل الذي هو الصنف، فيكون المعنى: أو يأتيهم العذاب صنفا صنفا، فمما جاء القبل فيه بمعنى المقابلة قوله: إن كان قميصه قد من قبل [يوسف/ 26] ألا ترى أنه قد قوبل به قوله: قد من دبر [يوسف/ 27].
فأما قوله: أو تأتي بالله والملائكة قبيلا [الإسراء/ 92] فلا يخلو من أن يكون بمعنى الكفيل، أو يكون معناه معاينة، كما حكاه أبو زيد. فإذا حملته على المعاينة كان القبيل مصدرا كالنذير والنكير، وهو في موضع حال من المفعول به، ولو أراد به الكفيل لكان خليقا أن يجمع على: فعلاء كما قالوا: كفلاء، لأنّه في الأصل صفة، وإن كان قد استعمل استعمال الأسماء.
ويدلّ على أن المراد بالقبيل: المعاينة لا الكفيل قوله: وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا
[الحجة للقراء السبعة: 3/386]
[الفرقان/ 21] وكما اقترح ذلك غيرهم في قوله: أرنا الله جهرة [البقرة/ 55].
وأما قراءة ابن كثير وأبي عمرو: وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا [الأنعام/ 111]. فعلى الأضرب الثلاثة التي مضى ذكرها.
وقراءتهما: العذاب قبلا [الكهف/ 55]، فعلى المعاينة كما قال أبو زيد وأبو عبيدة). [الحجة للقراء السبعة: 3/387]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وحشرنا عليهم كل شيء قبلا}
قرأ نافع وابن عامر {قبلا} بكسر القاف أي عيانًا كما تقول لقته قبلا
وقرأ الباقون {قبلا} بضمّتين جمع قبيل والمعنى وحشرنا عليهم كل شيء قبيلا قبيلا أي جماعة جماعة قال الزّجاج ويجوز أن يكون قبلا جمع قبيل ومعناه الكفيل ليكون المعنى لو حشرنا عليهم كل شيء فتكفل لهم بصحّة ما يقول ما كانوا ليؤمنوا
وقال الفراء ويجوز أن يكون {قبلا} من قبل وجوههم أي
[حجة القراءات: 267]
ما يقابلهم والمعنى لو حشرنا عليهم كل شيء فقابلهم). [حجة القراءات: 268]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (57- قوله: {قبلا} قرأه نافع وابن عامر بكسر القاف، وفتح الباء وقرأ الباقون بضمهما.
وحجة من قرأ بالضم أنه جعله جمع «قبيل» كرغيف ورغف، فالمعنى: وحشرنا عليهم كل شيء قبيلا قبيلا، أي: صفًا صفًا، أي: لو عاينوا ذلك ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله، ويجوز أن يكون جمع «قبيل» الذي هو الكفيل، على معنى: وحشرنا عليهم كل شيء كفيلا، أي: يتكفل لهم ما يريدون، ويضمنه لهم ليؤمنوا، وفي كفالة مالا غفل آية عظيمة لهم ما آمنوا إلا أن يشاء
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/446]
الله، ويجوز أن يكون معنى «قبلا» مواجهة، أي: يعاينونه ويواجهونه: حكى أبو زيد: لقيت فلانًا قبلا ومقابلة، وقبلا وقُبلا، كله بمعنى المواجهة، فيكون الضم كالكسر في المعنى، وتستوي القراءتان، ويدل على أن القراءة بالضم بمعنى المقابلة قوله: {إن كان قميصه قد من قبل} «يوسف 26» فهذا من المقابلة لا غير، ألا ترى أن بعده {من دبر} فالدبر ضد القبل.
58- وحجة من قرأ بالكسر أنه جعله بمعنى المواجهة والمعاينة، أي: وحشرنا عليهم كل شيء يواجهونه ويعاينونه ما آمنوا إلا أن يشاء الله، وعلى هذه العلل والحجج يجري مجرى حجج الحرف الذي في الكهف غير أن معنى الكفيل لا يحسن في الكهف، وكذلك قوله تعالى: {أو تأتي بالله والملائكة قبيلا} «الإسراء 92» معناه: معاينة ومواجهة، ولا يحسن فيه معنى الكفيل؛ لأنه كان يلزم أن يجمع على «فعلا» لأنه في الأصل صفة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/447]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (42- {كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا} [آية/ 111] بكسر القاف وفتح الباء:-
قرأها نافع وابن عامر، وكذلك في الكهف {الْعَذَابُ قُبُلًا}.
والوجه أن المراد معاينه، أي لو حشرنا عليهم كل شيء معاينة فشهدوا بنبوتك لم يؤمنوا، كأنهم من شدة عنادهم شكوا في المشاهدات التي لا شك فيها، وكذلك ما في الكهف {أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} أي مقابله ومعاينة.
وقرأ الكوفيون {قُبُلًا} بضم القاف والباء في السورتين.
فيجوز أن يكون جمع قبيل وهو الصنف، أي لو حشرنا عليهم كل شيء صنفًا لم يؤمنوا، واجتماع جميع الأشياء ليس في العرف.
ويجوز أن يكون جمع قبيل وهو الضمين، أي وحشرنا عليهم كل شيء فكفلوا لهم بأن ما تقوله حق.
ويجوز أن يكون {قُبُلًا} بمعني قبل وهو المقابلة، فيكون مثل القراءة الأولى.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب {قُبُلًا} بضم القاف في الأنعام و{قِبَلًا} بكسر القاف في الكهف.
والوجه أنهم أرادوا الأخذ باللغتين). [الموضح: 494]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس