عرض مشاركة واحدة
  #74  
قديم 1 صفر 1440هـ/11-10-2018م, 07:46 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (253) إلى الآية (254) ]

{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)}

قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)}
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تحريك الدّال وتسكينها من قوله: بروح القدس.
فقرأ ابن كثير وحده: وأيّدناه بروح القدس [البقرة/ 87، 253] مسكّنة الدّال وكذلك في جميع القرآن.
وقرأ الباقون: القدس مضمومة القاف والدّال.
[قال أبو عليّ]: قوله: وأيّدناه بروح القدس أيّدناه: فعّلناه، من الأيد والآد، وهو القوة، ومثل الأيد والآد في
[الحجة للقراء السبعة: 2/148]
بنائهما على فعل وفعل: العيب والعاب، والذّيم والذام، وجاء في أكثر الاستعمال على فعّلناه لتصحّ العين الثانية لسكون الأولى، وعلى هذا قوله: إذ أيّدتك بروح القدس [المائدة/ 110] ومن قال آيدناه صحّح العين، لأنه إذا صحّت في مثل: أجود، وأطيب، لزم تصحيحها في آيدناه لما كان يلزم من توالي الإعلالين. فمن التصحيح قوله:
ناو كرأس الفدن المؤيد ونظير هذا في كراهتهم توالي الإعلالين، ورفضهم ما يؤدي إليه قولهم: يودّ وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة [الأنفال/ 7] فبنوا الماضي على فعل، ليلزمه في المضارعة يفعل. ولو كان الماضي فعل لكان المضارع مثل: يعد. فيلزم اجتماع إعلالين.
فأمّا روح القدس، فقال قتادة والسّدّيّ، والرّبيع والضّحّاك في روح القدس أنّه جبريل- وقال بعض المفسرين:
روح القدس: الإنجيل، أيّد الله عيسى به روحا، كما جعل القرآن روحا في قوله: وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا
[الحجة للقراء السبعة: 2/149]
[الشورى/ 52] والقدس والقدس التخفيف والتّثقيل فيه حسنان... وكذلك ما كان مثله نحو: العنق والعنق والطنب والطنب. والحلم والحلم.
وحكى أبو الحسن عن عيسى اطّراد الأمرين فيهما. ومما يدلّ على حسن التثقيل جمعهم ما كان على فعلة على فعلات.
نحو غرفة وغرفات- وركبة وركبات وهذا الأكثر في الاستعمال.
ومنهم من كره الضمّتين- فأسكن العين أو أبدل منها الفتحة نحو: ركبات. وكذلك من أسكن العين منه، والضمّ أكثر كما كان ظلمات أكثر. وأسكن أبو عمرو خطوات وحرّك القدس لأن الحركات في الجمع أكثر منها في الفعل، فأسكن لتوالي الحركات واجتماع الأمثال، ولا يلزمه على هذا الإسكان في الظلمات.
وأما القدس في اللغة فإن أبا عبيدة وغيره قالوا في قوله: ونقدّس لك [البقرة/ 30] التّقديس: التطهير. وقال غيره: إن ابن عباس كان يقول: المقدس: الطاهر، وقال الرّاجز:
الحمد لله العليّ القادس قال: وقالوا: قدّس عليه الأنبياء، أي: برّكوا.
وقال رؤبة:
دعوت ربّ القوّة القدّوسا
[الحجة للقراء السبعة: 2/150]
قال: والمقدّس: المعظّم. وقال: قدّس عليه، أي:
برّك.
قال أبو عليّ: فكأنّ معنى نقدّس لك. ننزّهك عن السوء. فلا ننسبه إليك. ولا ما لا يليق بالعدل. وهذا الوصف في المعنى كقول أمية:
سلامك ربّنا في كلّ فجر... بريئا ما تغنّثك الذّموم
قال أبو عمر: سألت أبا مالك عن قوله: ما تغنّثك.
قال لا تعلّق بك. فاللام فيها على حدها في قوله:
ردف لكم [النمل/ 72] ألا ترى أن المعنى تعظيمه وتنزيهه.
وليس المعنى أنه ينزّه شيء من أجله. ومثل ذلك في المعنى قولهم: سبحان الله، إنما هو براءة الله من السوء وتطهيره منه، ثم صار علما لهذا المعنى، فلم يصرف في قوله:
سبحان من علقمة الفاخر
[الحجة للقراء السبعة: 2/151]
وروح القدس: جبريل كأنّه منسوب إلى الطّهارة، وذلك أنّه ممّن لا يقترف ذنبا، ولا يأتي مأثما، كما قد يكون ذلك من غيره.
وقولنا في صفة الله تعالى: القدّوس: أي: الطاهر المنزّه عن أن يكون له ولد، أو يكون في حكمه وفعله ما ليس بعدل.
فأمّا قولهم: بيت المقدس وقول الراجز:
الحمد لله العليّ القادس فيدلّ على أنّ الفعل قد استعمل من التقديس بحذف الزيادة، أو قدّر ذلك التقدير. فإذا كان كذلك لم يخل المقدس من أن يكون مصدرا أو مكانا. فإن كان مصدرا كان كقوله:
إليّ مرجعكم [لقمان/ 15] ونحوه من المصادر التي جاءت على هذا المثال. وإن كان مكانا فالمعنى فيه: بيت المكان الذي فعل فيه الطهارة، وأضيف إلى الطهارة لأنه منسك كما جاء: أن طهّرا بيتي للطّائفين [البقرة/ 125] وتطهيره على إخلائه من الأصنام وإبعاده منها، وكما جاء: فاجتنبوا الرّجس من الأوثان [الحج/ 30] كذلك وصف بخلاف الرّجس إذا أخلي منها، ومما لا يليق بمواضع النّسك، وإن قدّرت «المقدس» المكان لا المصدر كان المعنى: بيت مكان الطّهارة.
[الحجة للقراء السبعة: 2/152]
فأمّا ما حكاه قطرب: من أنّهم يقولون قدّس عليه الأنبياء. أي: برّكوا عليه فليس يخلو هذا المقدّس عليه من أن يكون موضع منسك، أو يكون إنسانا. فإن كان موضع نسك، فهو كدعاء إبراهيم عليه السلام للحرم ربّ اجعل هذا البلد آمناً [إبراهيم/ 35]، فكذلك يجوز أن يكون تبريك الأنبياء دعاء منهم له بالتّطهير. وإن كان إنسيّا فهو كقوله: واجعله ربّ رضيًّا [مريم/ 6] وكما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من دعائه للحسن والحسين، وهذا يؤول إلى ذلك المعنى، وكذلك من قال: المقدّس: المعظّم، إنما هو تفسير على المعنى، وكثيرا ما يفعل المفسّرون من غير أهل اللغة، ذلك لمّا رأوا ذلك لا يفعلون إلا بشيء يراد تعظيمه وتبرئته من غير الطّهارة. فسّروه بالمعظّم على هذا المعنى. والأصل: كأنّه التطهير الذي فسّره أبو عبيدة). [الحجة للقراء السبعة: 2/153] (م)

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يومٌ لا بيعٌ فيه ولا خلّةٌ ولا شفاعةٌ... (254).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب ها هنا وفي إبراهيم: (لا بيع فيه ولا خلال) وفي الطور: (لا لغو فيها ولا تأثيم) بالنصب. وقرأ الباقون بالرفع والتنوين.
قال أبو منصور: من قرأ (لا بيع فيه ولا خلّة ولا شفاعة) بالنصب فهو على التبرئة، ومن رفع ونوّن فهي لغة جيدة إذا تكررت (لا)، وإذا لم تتكرر فالاختيار النصب.
ومعنى الرفع: الابتداء وخبره). [معاني القراءات وعللها: 1/216]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في الرّفع والنصب من قوله تعالى: لا بيعٌ فيه ولا خلّةٌ ولا شفاعةٌ [البقرة/ 254].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: لا بيعٌ فيه ولا خلّةٌ ولا شفاعةٌ بالنصب في كل ذلك بلا تنوين، وفي سورة إبراهيم: لا بيعٌ فيه ولا خلالٌ [الآية/ 31] مثله أيضاً، وفي الطور: لا لغوٌ فيها ولا تأثيمٌ [الآية/ 23] مثله.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: كلّ ذلك بالرّفع والتنوين.
قال أبو علي: خصّ البيع في قوله: لا بيعٌ فيه لما في المبايعة من المعاوضة، فيظنّ أن ذلك كالفداء في النجاة ممّا أوعدوا به، فصار ذلك في المعنى كقوله تعالى: وإن تعدل كلّ عدلٍ لا يؤخذ منها [الأنعام/ 70]، وكقوله: فاليوم لا يؤخذ منكم فديةٌ [الحديد/ 15]، وقوله إنّ الّذين كفروا لو أنّ لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبّل منهم
[المائدة/ 36]، ونحو ذلك من الآي التي تعلم أنّه لا فداء لعذاب ذلك اليوم، ولا مانع منه، وكذلك قوله: لا خلّةٌ
[الحجة للقراء السبعة: 2/354]
لأن الخليل قد ينتفع بخلّة خليله، كما أنّ المشفوع له قد ينتفع عند شفاعة الشافع له، فأعلم سبحانه أن ذلك كلّه لا ينفع في ذلك اليوم، قال تعالى: ما للظّالمين من حميمٍ ولا شفيعٍ يطاع [غافر/ 18].
فأما قوله: لا بيعٌ فيه ولا خلالٌ [إبراهيم/ 31] فإنّ قوله: خلالٌ يحتمل أمرين: يجوز أن يكون جعل الخلّة كالأسماء، كما جعل غيرها من المصادر كذلك، فكسّر تكسيرها، وجعل كقولهم: برمة وبرام، وجفرة وجفار، وعلبة وعلاب، ويجوز أن يكون مصدر: خاللته مخالّة وخلالًا.
أنشد أبو عبيدة:
ويخبرهم مكان النّون منّي... وما أعطيته عرق الخلال
وأما قوله تعالى: لا لغوٌ فيها ولا تأثيمٌ [الطور/ 23] فإن
[الحجة للقراء السبعة: 2/355]
أبا عبيدة قال: اللّغا: التكلّم بما لا ينبغي، وأنشد للعجّاج:
عن اللّغا ورفث التكلّم قال: وتقول: لغيت تلغى، مثل: لقيت تلقى، قال: ولغا الطّير: أصواتها. وأنشد غيره:
باكرته قبل أن تلغى عصافره... مستخفياً صاحبي وغيره الخافي
قال أبو علي: فكأنّ اللّغو واللّغا مثل الدّلو والدلا، والعيب والعاب، ونحو ذلك مما يجيء على فعل وفعل، واللغو: التكلم بما لا ينبغي، والخوض فيما نهي عنه. قال تعالى: وإذا سمعوا اللّغو أعرضوا عنه، وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم. سلامٌ عليكم لا نبتغي الجاهلين [القصص/ 55]، أي: لا نبتغي مجاراتهم ولا الخوض معهم فيما يخوضون فيه، فالمضاف محذوف، وقال تعالى:
والّذين هم عن اللّغو معرضون [المؤمنون/ 3]، فأما قوله سبحانه: وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كراماً [الفرقان/ 72] فيجوز أن يكون المعنى: إذا مرّوا بأهل اللغو، أو: ذوي اللغو، مرّوا
[الحجة للقراء السبعة: 2/356]
كراماً، فلم يجاورهم فيه، واجتنبوهم، فلم يخوضوا معهم.
ويجوز أن يكون مثل قولك: مرّت بي آية كذا، ومررت بسورة كذا، أي: تلوتها وقرأتها. أي: إذا أتوا على ذكر ما يستفحش ذكره كنّوا عنه ولم يصرّحوا. وأحسب بعض المفسّرين إلى هذا التأويل ذهب فيه.
وليس هذا في كلّ حال، ولكن في بعض دون بعض، فإذا كان الحال حالًا يقتضي التبيين، فالتصريح أولى، كما روي من التصريح في قصة ماعز، وكما
روي: «من تعزّى بعزاء الجاهلية، فأعضّوه بهن أبيه ولا تكنوا»
وكما روي عن أبي بكر رضي الله عنه، أو غيره من الصحابة، أنه قال لبعض المشركين: اعضض ببظر اللات.
وقد يستعمل اللغو في موضع آخر، وهو أن لا يعتدّ بالشيء، فمما يكون على هذا قوله تعالى: لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم [المائدة/ 89] فهذا يحمل على ما وضعت فيه الكفّارة، نحو: لا والله، وبلى والله.
ومن ذلك قول الشاعر:
[الحجة للقراء السبعة: 2/357]
ويلغى دونها المرئيّ لغوا... كما ألغيت في الدّية الحوارا
ألا ترى أن الدّية لا يؤخذ فيها الحوار، فصار لا اعتداد به فيها؛ فأما التأثيم فقالوا: أثم يأثم. إذا ركب مأثما، فإذا حملته على ذلك قلت: أثّمته تأثيما، وفي التنزيل: إنّا إذاً لمن الآثمين [المائدة/ 106] وفيه: ويلٌ لكلّ أفّاكٍ أثيمٍ [الجاثية/ 7] وقال تعالى: منّاعٍ للخير معتدٍ أثيمٍ [القلم/ 12]؛ فيجوز أن يكون: آثم وأثيم، مثل: عالم وعليم وشاهد وشهيد، ويجوز أن يكون: أثيم من آثم، مثل:
قريح وطبيب، ومذيل وسميح، فمعنى لا تأثيم: ليس فيها ما يحمل على الإثم؛ فأما من فتح بلا تنوين، فإنه جعله جواب هل فيها من لغو أو تأثيم؟ [ومن رفع جعله جواب: أفيها لغو أو تأثيم؟].
وقد ذكرنا صدراً من القول على النفي فيما تقدم.
والمعنيان يتقاربان في أن النفي يراد به العموم والكثرة في القراءتين يدلّ على ذلك قول أمية:
فلا لغو ولا تأثيم فيها... وما فاهوا به لهم مقيم
[الحجة للقراء السبعة: 2/358]
ألا ترى أنه يريد من نفي اللغو- وإن كان قد رفعه- ما يريد بنفي التأثيم الذي فتحه ولم ينوّنه.
فإن جعلت قوله: (فيها) خبراً أضمرت للأول خبراً وإن جعلته صفة. أضمرت لكلّ واحد من الاسمين خبراً). [الحجة للقراء السبعة: 2/359]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة}
قرأ ابن كثير وابو عمرو {لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة} نصب بغير تنوين على النّفي والتبرئة
وقرأ الباقون بالرّفع والتنوين
اعلم أن لا إذا وقعت على نكرة جعلت هي والاسم الّذي بعدها كاسم واحد وبني ذلك على الفتح فإذا كررت جاز الرّفع والنّصب وإذا لم تكرر فالوجه فيه الفتح قال الله جلّ وعز {لا ريب فيه} من رفع جعله جوابا لقول القائل هل فيه بيع هل فيه خلة ومن نصب جعله جوابا لقول القائل هل من بيع فيه هل من خلة
[حجة القراءات: 141]
فجوابه لا بيع فيه ولا خلة لأن من لما كانت عاملة جعلت لا عاملة ولما كانت جواب هل لم تعملها إذ كانت هل غير عاملة وقد تقدم الكلام فيه عند قوله {فلا رفث ولا فسوق} ). [حجة القراءات: 142]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (165- قوله: {لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة} قرأ ذلك ابن كثير وأبو عمرو بالفتح من غير تنوين، وقرأ الباقون بالرفع والتنوين، ومثله: {لا بيع فيه ولا خلال} في «إبراهيم 31» و{لا لغوٌ فيها ولا تأثيم} في «الطور 23».
166- وحجة من فتح أنه أراد النفي العام المستغرق لجميع الوجوه من ذلك الصنف، فبنى «لا» مع ما بعدها على الفتح، وكأنه جواب لمن قال: هل فيه من بيع، هل فيها من لغو، فسأل سؤالًا عامًا، وغير الاسم بدخول «من» عليه، فأجيب جوابًا عامًا بالنفي، وغير الاسم بالبناء، و«لا» مع الاسم المبني معها في موضع رفع بالابتداء والخبر «فيه».
167- وحجة من رفع أنه جعل «لا» بمنزلة «ليس» وجعل الجواب
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/305]
غير عام، وكأنه جواب من قال: هل فيه بيع، هل فيها لغو، فلم يغير السؤال عن رفعه، فأتى الجواب غير مغير عن رفعه، والمرفوع مبتدأ، أو اسم «ليس» و«فيه» الخبر والاختيار الرفع لأن أكثر القراء عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/306]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (88- {لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} [آية/ 254]:-
بالفتح في كلهن، قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب.
ووجه ذلك أن كل واحدٍ من هذه الأسماء الثلاثة بني مع لا على الفتح إرادة النفي العام؛ لأنهم جعلوه جواب: هل فيه من بيع أو خلة أو شفاعة؟، فقيل لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة، يعنون انتفاء جنس هذه الأشياء، فالنفي عام للجنس، كما أن السؤال كان عامًا للجنس.
وقرأ الباقون بالرفع فيهن كلهن؛ لأنهم جعلوه جواب: أفيه بيع أو خلة أو شفاعة؟ فجوابه لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة، بالرفع على الابتداء، كما كان المسؤول عنه مرفوعًا بالابتداء، ولم يجعلوا النفي في هذه الأسماء نفيًا عامًا في اللفظ، وإن كان معلومًا أن النفي في القراءتين أريد به العموم والكثرة، ألا ترى أنك إذا قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، أو لا حول ولا قوة إلا بالله، فقد أردت من نفي الحول ما أردته من نفي القوة). [الموضح: 337]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس