عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 26 رجب 1440هـ/1-04-2019م, 06:18 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

الفصل الثامن: في الإدغام
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (الفصل الثامن: في الإدغام

الإدغام: أن تصل حرفًا ساكنًا بحرفٍ متحرك مثله أو مقاربه، فينبؤ اللسان عنهما نبوة واحدة.
والكلمة في اللغة: في الخفاء، ومنه الأدغم من الخيل وهو الذي خفي سواده فلم يصف، وهو الديزج عند العرب، فالحرف المدغم يخفى إذا أدغم في الحرف الآخر فلم يتبين، والفعل منه أدغم يدغم إدغامًا على أفعل، وادغم يدغم إدغامًا على افتعل.
وإنما وقع الإدغام في كلام العرب؛ لأن الكلمة إذا كانت حروفها مختلفة كان أخف على لسان منن أن يكون البعض من حروفها مختلفًا والبعض متفقًا، وذلك أنه إذا وقع في كلمةٍ حرفان مثلان ثقل على المتكلم من جهة
[الموضح: 193]
أنه إذا ترك مخرج حرفٍ وعاد إليه كان بمنزلة من قطع مسافة ثم رجع القهقرى، وهذا ثقيل عندهم، فإذا أمكن أن ينبو اللسان عنهما نبوة واحدة كان أسهل من تحريكهما بحركتين مع اتفاقهما.
والإدغام إنما يكون في حرفين مثلين يكون الأول منهما ساكنًا والثاني متحركًا، وقد يكون في حرفين متقاربين يقلب أحدهما إلى جنس الآخر فيدغم فيه.
والإدغام إذا كان في مثلين، فلا يخلو من أن يكون المثلان في كلمة واحدة أو كلمتين.
فإن كان الحرفان في كلمة واحدة، فلا يخلو من أن تكون الكلمة مُلحقةً أو غير ملحقة، والملحقة: صيغة ألحقت بما يزاد فيها من الحروف الزوائد- بصيغة رباعية أو خماسية أصول، فالملحقة لا يجوز فيها الإدغام ألبتة، وذلك نحو: جلبب جلببه ألحق بدحرج، وفي الأسماء نحو: مهدد، ألحق بجعفر، ونحو قعدد، ألحق ببرثن، ونحو: رمدد، ألحق بعظلم، هذا ما ألحق بالرباعي.
فأما ما ألحق بالخماسي فنحو: ألندد وعفنجج، والألندد: الشديد الخصومة، وليس من لفظ اللدد، والعفنجج: الجافي وهو من العفج وهو الضرب باليد والعصا، ألحق بسفرجل.
[الموضح: 194]
وإنما لم يصح الإدغام في الملحق؛ لأن الإدغام فيه ينافي الإلحاق، ألا ترى أنك لو أدغمته لم يوازن ما ألحق به، فكان في ذلك مخالفة للغرض، فإنك لو قلت: مهدّ لم تلحق ببناء جعفر، وكذلك الأمثلة الباقية.
وأما إذا كانت الكلمة غير ملحقة، فإن الإدغام قد يكون فيها.
ثم لا يخلو من أن يكون الأول من المثلين ساكنًا أو متحركًا:
فإن كان ساكنًا فالإدغام لازمٌ نحو: صدٍ وردٍ في مصدر صد ورد.
وإن كان متحركًا فهو على ضربين:-
متحرك يصح تسكينه، ومتحرك لا يصح تسكينه، فالأول يلزم فيه الإدغام أيضًا، وذلك نحو: صد ورد، أصلهما: صد وردد، فأسكن الدال الأولى إرادة الإدغام، ثم أدغم الأولى في الثانية.
وأما المتحرك الذي لا يصح تسكينه، فإنه لا يجوز فيه الإدغام، وذلك نحو: رددت وصددت، لا يجوز أن تدغم الدال الأولى في الثانية هاهنا؛ لأن الأولى من الدالين لا يصح تسكينها؛ لأن الثانية ساكنة لأجل لحقا الضمير بها، فلم يجز الإدغام؛ لأن في الإدغام يلزم أن يكون الأول من المثلين ساكنًا والثاني متحركًا حتى يحصل الإدغام، وهاهنا بخلافه.
ومما جوزوا فيه الإدغام قولهم: اقتتلوا، فإنه قد اجتمع فيه حرفان مثلان والكلمة واحدة، إلا أن المثلين فيها وإن كانا في كلمة واحدة فإنهما يجريان مجرى ما كانا من كلمتين، فإذا أردت الإدغام أدغمت إحدى التاءين في الأخرى ثم ألقيت الفتحة التي كانت على التاء الأولى قبل الإدغام على القاف، ثم أسقطت همزة الوصل لحركة القاف فيبقى: قتلوا بفتح القاف.
وبعضهم يسقط فتحة التاء ألبتة ولا يلقيها على ما قبلها بل يبقي التاء ساكنة وما قبلها ساكن فيكسر ما قبلها لالتقاء الساكنين فيقول: قتلوا بكسر القاف.
[الموضح: 195]
واسم الفاعل من الأول مقتل بفتح القاف، ومن الثاني مقتل بكسر القاف.
وإنما قلنا إن المثلين في: اقتتلوا، يجريان مجرى ما كانا من كلمتين؛ لأن الأكثرين منهم يظهرون التاءين ولا يدغمون أحدهما في الآخر، ويقولون: إن تاء الافتعال في هذا الموضع لا يلزمها أن تلتقي مع مثلها فصارا كالمنفصلين نحو: نعت تلك.
ومن الإدغام الواقع في الكلمة الواحدة قوله تعالى: {صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ الله} و{إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} و{فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ} و{وَلَا الضَّالِّينَ} و{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ}، ومثله كثير في القرآن.
وأما ما كان المثلان فيه من كلمتين فلا يخلو من أن يكون ما قبل الحرف الأول من المثلين متحركًا أو ساكنًا.
فإن كان متحركًا جاز الإدغام، وذلك نحو قوله تعالى: {إِنَّكِ كُنْتِ} وقوله {يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ}. وازداد الإدغام في "تقع على الأرض" حُسنًا لتوالي خمس متحركات، ونحوه قوله {وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} وهذا ونحوه من الإدغام الكبير لأبي عمرو.
[الموضح: 196]
وأما إذا كان ما قبل الأول من المثلين ساكنًا لم يخل الساكن من أن يكون حرف صحةٍ أو حرف مد ولين، فإن كان حرف صحة لم يجز الإدغام؛ لأن الحرف الأول يصير ساكنًا بالإدغام وما قبله ساكن فيحتاج إلى تحريك الحرف الساكن لأجل الإدغام، ولم يبلغ من قوة المنفصلين أن يحرك لهما الساكن كما فعل ذلك في المتصل نحو: استعد واستمر، وذلك أنك إذا قلت: علم موسى وعبد داود، لم يجز أن تدغم أحد المثلين في الآخر لما ذكرنا، ومثل ذلك قوله تعالى: {يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} و{كُنْتُ تُرَابًا} و{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ} و{يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ}.
وإذا كان الساكن الذي قبل المدغم حرف مد ولين كان الإدغام جائزًا؛ لأن المدّ الذي يكون فيه عوض من الحركة فيصير كأن الذي قبله متحرك، وذلك نحو قوله تعالى {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ} و{قِيلَ لَهُمْ}.
وأما إذا كان الحرفان متقاربين وليسا بمثلين: فإن ذلك لا يخلو إما أن يكون في كلمة واحدة أو كلمتين، فإن كان في كلمة واحدة لم يخل أيضًا من أن يكون الأول منهما ساكنًا أو متحركًا، فإن كان ساكنًا جاز الإدغام نحو: {لَبِثْتُ} و{أُورِثْتُمُوهَا} و{بَسَطْتَ} و{أَحَطْتُ} و{لَاتَّخَذْتَ}.
وإنما جاز الإدغام في المتقاربين؛ لأنهما كالمثلين باتفاق المخرجين، وإن كانا أضعف حالًا من المثلين في هذا الباب لما نذكره بعد ذلك.
[الموضح: 197]
وإن كان الأول متحركًا فلا يخلو من أن تكون الحركة حركة عين كلمةٍ أو لا تكون كذلك، فالأول نحو: عتدٍ ووتدٍ فإن ذلك لا يجوز فيه الإدغام؛ لأن حركة عين الكلمة مرادة لحفظ الصيغة، ومن قال: ود فإنه يذهب إلى تسكين الأوسط من: وتد، كفخذٍ في فخذ، وقالوا: وطد ووتد فلم يدغموا لما قلنا.
وأما إذا لم تكن حركة عين فإنهم يسكنون الأول ويدغمونه في الثاني، وذلك نحو قوله تعالى {فَادَّارَأْتُمْ} والأصل: تدارأتم، قلبت التاء دالًا وأدغمت الدال في الدال، ولما سكنت الأولى بالإدغام اجتلبت لها ألف الوصل لسكون أول الكلمة فبقي: ادرأتم، ومثله: {ادَّارَكُوا} وأصله: تداركوا، و{اطَّيَّرْنَا} وأصله: تطيرنا، و{وَازَّيَّنَتْ} وأصله تزينت، ففعل بالجميع مثل ما قدمناه.
واسم الفاعل مما ذكرنا: مدارك ومزين ومطير بالإدغام.
ولا يلحق الإدغام المضارع لا تقول: اذكرون ولا اتذكرون في: {تَتَذَكَّرُونَ}؛ لأن حرف المضارعة يلزمه الحركة فلا يجوز إسكانه.
وأما إذا كان المتقاربان من كلمتين: فإما أن يكون ما قبلهما متحركًا أو ساكنًا، فإن كان متحركًا كان الإدغام وتركه جائزين نحو: {بَيَّتَ طَائِفَةٌ}، وليس يجب الإدغام وجوبه في مكان في مثلين ومن كلمة واحدة؛ لأن الأولى
[الموضح: 198]
من الكلمتين هاهنا منفصلة عن الثانية، فليس يلزم اجتماعهما، والمتقاربان أدون حالًا من المثلين في الإدغام؛ لأن الحرفين إذا لم يكونا مثلين فليس المتلفظ بهما كأنه قطع مسافة ثم ارتد راجعًا عليها فلهذا لم يكن المتقاربان كالمثلين.
وأما إذا كان ما قبلهما ساكنًا فإن الساكن لا يخلو من أن يكون حرف صحةٍ أو حرف مدٍّ ولين، فإن كان الساكن حرف صحة لم يصح الإدغام عند النحويين نحو: {خَلَقْتَ طِينًا}، وإن كان حرف مد فإن الإدغام قد يصح عندهم قياسًا؛ لأن المد في الحرف يجري مجرى الحركة كما ذكرنا، وذلك نحو قوله تعالى: {الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ} و{فَآتِ ذَا الْقُرْبَى} و{جِئْتَ شَيْئًا}، وهذا قياسٌ عندهم.
واعلم أن من الحروف ما لا يصح حصول الإدغام فيه:-
فمنها: الألف، وهو لا يدغم في مثله ولا في مقاربه، ولا يدغم مقاربه فيه أيضًا، وإنما كان كذلك لأن الألف حرف مد، فلو أدغم لذهب المد الذي فيه، وأيضًا فإن الألف لا يكون إلا ساكنًا، ولا يدغم ساكن في ساكن، إنما يدغم ساكن في متحرك، وأيضًا فإنه ليس في القدرة الجمع بين ألفين.
ومنها: الهمزة وهي لا تدغم في مثلها إلا قليلًا كسأل ورأسٍ ونحوهما، ولا تدغم أيضًا في مقاربها، وإنما لم تدغم في مثلها إلا قليلًا
[الموضح: 199]
لأن الهمزتين في الأمر العام إذا اجتمعتا ألزمت الثانية القلب، فإذا قلبت إلى الياء أو الواو أو الألف لم يجز إدغام الهمزة فيها؛ لأن الواو والياء ليسا من أمثال الهمزة ولا من مقاربتها، وأما الألف وإن كانت مقاربة للهمزة فلا تدغم الهمزة فيها؛ لأن الألف فيها مدة، فلو أدغمت فيها لذهبت المدة التي فيها، ولا تدغم الألف في الهمزة أيضًا لما ذكرنا، ولا في الهاء أيضًا، ولا الهاء فيها؛ لأن ما فيها من المد باعد بينها وبين هذه الحروف، وكذلك حالها مع الواو والياء.
ومن الحروف أيضًا ما لا يصح إدغامها في بعض الحروف دون بعضٍ:-
فمنها الياء، وهي لا تدغم في الجيم، وإن قاربتها لتنافر ما بينهما لأجل اللين الذي في الياء.
وكذلك الواو لا تدغم في الميم أيضًا وإن قاربتها لهذه العلة.
ومنها ما لا يدغم في مقاربه، ويدغم مقاربه فيه، وهو أربعة أحرف: الميم والراء والفاء والشين، ويجمعها قولك: مشفر، وقد ألحق بها الضاد أيضًا فصارت خمسة، وإنما لم تدغم هذه الأحرف في مقاربها؛ لأن كل واحد منها فيه زيادة صوت على مقاربه، ألا ترى أن في الميم غنة ليست في الباء، وفي الراء تكرارًا ليس في اللام، وفي الشين تفشيًا ليس في الجيم، وفي الفاء صوتًا من باطن الشفة السفلى لا يشاركه فيه حرف، وفي الضاد نوع إطباق ليس في غيرها من الحروف.
وكذلك كل حرفٍ فيه زيادة صوت لا يجوز أن يدغم فيما هو أنقص صوتًا
[الموضح: 200]
منه؛ لأن الصوت الزائد الذي يكون فيه يذهب في الإدغام.
وحروف الحلق أصلها أن لا تدغم، فإن أصل الإدغام أن يكون لحروف الفم لا لحروف الحلق؛ لأن إخراج الحرف الواحد من الحلق ثقيل، فإذا اجتمع حرفان حلقيان كان أثقل، والإدغام يشتد به اللفظ ويغلظ فاشتداد اللفظ بالثقيل أثقل، فلهذا كان الحرف كلما كان أدخل في الحلق كان من الإدغام أبعد، وكلما كان أدنى إلى الفم كان مجيء الإدغام فيه أكثر، وما كان من الحروف الحلقية أدخل في الفم لم يدغم في الأدخل في الحلق، بل الأدخل في الحلق يدغم في الأدخل في الفم، ألا ترى أن الهاء يدغم في الحاء نحو: إجبه حملًا، ولا يدغم الحاء في الهاء نحو: امدح هلالًا؛ لأن الهاء أدخل في الحلق، والحاء أقرب من الفم، وتقول: اقطع حملًا فتدغم العين في الحاء، ولا يدغم الحاء في العين؛ لأن الحاء أدخل في الفم، ولكن إن أردت ذلك فاقلب العين حاءً ثم أدغم الحاء في الحاء، وذلك أن تقول: امدح حرفة في: امدح عرفة، وعلى هذا فقس ما يرد عليك من ذلك.
وكذلك حروف الفم لا تدغم في حروف الشفتين للبعد في المخارج،
[الموضح: 201]
والأولى في الإدغام أن يدغم الأضعف صوتًا في الأقوى صوتًا، ثم الأضعف في الأضعف، ثم الأقوى في الأقوى، فأمنا الأقوى في الأضعف فلا.
وحروف الشفتين لا تدغم في حروف الفم ولا في حروف الحلق، ولا يدغمن فيها لما ذكرناه من البعد في المخارج.
واعلم أن بعض القراء قسموا الحروف المتقاربة في الإدغام على خمسة أقسام:
القسم الأول: ما يدغم في المثل ولا يدغم في المقارب، وهو خمسة عشر حرفًا: الهمزة والهاء والعين والفاء والميم والضاد والخاء والغين والصاد والظاء والشين والطاء والزاي والياء والواو، وإنما لم تدغم هذه الحروف في مقاربها؛ لأن كل واحد منها يختص بوصف لا يشاركه فيه مقارب، وإذا تأملت ذلك فيما ذكرناه من وصف المخارج عرفت صحة ذلك.
والقسم الثاني: سبعة أحرف كل واحد منها يدغم في مثله وفي حرف آخر، وهي: الحاء والقاف والكاف والجيم واللام والراء والباء.
فأما الحاء فيدغم في الحاء وفي العين أيضًا على أن تقلب الحاء عينًا، ثم يدغم في العين، وهكذا تفعل في كل حرفٍ لا يجوز أن يدغم في آخر تقلبه إلى جنس الآخر فتدغمه فيه، والقاف يدغم في مثله وفي الكاف نحو {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}، والكاف يدغم في مثله وفي القاف أيضًا نحو {رَبُّكَ قَدِيرًا}، والجيم يدغم في مثله وفي التاء نحو (المعارج تعرج)، واللام
[الموضح: 202]
يدغم في مثله وفي الراء نحو {فَيَقُولُ رَبِّ} والراء يدغم في مثله في اللام عند بعضهم إذا تحرك ما قبل الراء نحو {الْعُمُرِ لِكَيْلَا}، وفي إدغام الراء في اللام بعد؛ لأن الراء أزيد صوتًا من اللام لما فيه من التكرير، إلا أن وجهه أن يقلب الراء لامًا ثم يدغم اللام في اللام، والباء يدغم في مثله وفي الميم وذلك نحو {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}.
والقسم الثالث: ثلاثة أحرف، يدغم كل واحد منها في مثله وفي حرفين آخرين وهن: الذال والنون والسين.
فالذال يدغم في مثله وفي السين والصاد نحو {وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ} و{مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً}، وإنما أدغم الذال فيهما؛ لأنها لثوبة وهما أسليتان فهي متقاربة.
والنون تدغم في مثله وفي اللام والراء نحو: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ} و{مَنْ رَاقٍ}، وإنما أدغم النون فيهما لتقارب الجميع في المخرج.
والسين تدغم في مثله وفي الزاي والشين نحو {النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} و{اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا}، والعلة في إدغام السين في الزاي أنهما متشاركان في المخرج، وأما إدغامه في الشين، فلأجل أن في الشين تفشيًا بلغ به مخرج أكثر الحروف.
[الموضح: 203]
والقسم الرابع: حرفٌ واحدٌ يدغم في خمسة أحرف: وهو الثاء يدغم في مثله وفي التاء والذال والسين والضاد والسين نحو {الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ} و{الْحَرْثِ ذَلِكَ} و{الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ} و{حَدِيثُ ضَيْفِ} و{حَيْثُ شِئْتُمَ}، والعلة في ذلك تقارب المخارج.
والقسم الخامس: حرفان يدغم كل واحد منهما في مثله وفي عشرة أحرف، وهما: الدال والتاء، والحروف العشرة هي: الشين والسين والزاي والثاء والتاء والذال والصاد والجيم والطاء والضاد، فهذان الحرفان أعني الدال والتاء مشتركان في الإدغام في هذه العشرة، وإنما اشتركا لاتفاقهما في المخرج.
أما إدغامهما في الشين فللتفشي الذي ذكرنا.
وأما إدغامهما في الصاد والسين فلاتفاقهن في طرف اللسان.
وأما إدغامهما في الزاي والذال فلاشتراكهن في الجهر وفي لام التعريف.
وأما إدغامهما في الثاء والتاء فلاشتراكهن في طرف اللسان وأصول الثنايا.
[الموضح: 204]
وأما إدغامهما في الجيم فلاجتماعهن في الفم والجهر والشدة.
وأما إدغامهما في الطاء فلقربه من مخرجيهما، ولاتفاقهن في الجهر.
وأما إدغامهما في الضاد فللاستطالة الحاصلة في الضاد التي بها يتصل الضاد بمخرجيهما، ولاشتراكهن في الام التعريف.
ثم اعلم أن هذه الحروف العشرة التي ذكرنا هي حروف طرف اللسان وأصول الثنايا، إلا الشين والضاد والجيم، فالسبعة الباقية مع الدال والتاء كلهن حروف طرف اللسان وأصول الثنايا وهن تسعة، وتدغم بعضهن في بعض نحو: اضبط دراهمنا، وانقد تلك، وأعذ داسمًا.
ومن هذه الحروف التسعة ثلاثة مهموسة وهي التاء والصاد والثاء، ويحسن إدغام بعضها في بعض، والباقية ستة ثلاثة منها من مخرج واحد وهي الطاء والدال والذال، فهذه إدغام بعضها في بعض حسن، والباقية من الستة من مخرج واحد، وإدغام بعضها في بعض حسن أيضًا.
وعلى الجملة إد=غام بعض هذه الستة في بعض أحسن من إدغامها في الثلاثة الأولى، وتدغم هذه الحروف الستة في الصاد والسين والزاي، ولا تدغم الصاد والسين والزاي فيهن؛ لأن ما في الأحرف الثلاثة من الصفير يزول بالإدغام، وكل واحد من الثلاثة يدغم في الآخر.
وهذه الحروف المذكورة كلها أعني حروف طرف اللسان التي ذكرنا يدغمن في الشين والضاد؛ لأنهما استطالتا حتى اتصلتا بمخارج هذه
[الموضح: 205]
الحروف.
واعلم أنك إذا بنيت مفتعلًا من الظلم، فإنه يجوز لك فيه ثلاثة أوجه:
أحدهما: مظطلم بالظاء والطاء، وأصله: مظتلم على مفتعل، فقلبت التاء طاء؛ ليوافق الظاء في الإطباق، وفي هذا الوجه يظهر الظاء والطاء.
والثاني: أن يدغم الظاء في الطاء فيصير الظاء أيضًا طاء في الإدغام فيبقى: مظلم.
والثالث: أن يقلب الطاء المنقلب عن تاء مفتعل ظاء للظاء الذي قبله، ثم يدغم الظاء في الظاء، فيبقى: مظلم.
قال زهير:
1- هو الجواد الذي يعطيك نائله = عفوًا ويظلم أحيانًا فيظلم
[الموضح: 206]
ومثل مظطلم: مضطر.
واعلم أن لام التعريف تدغم في ثلاثة عشر حرفًا، منها أحد عشر حرفًا حروف طرف اللسان، وحرفان مخالطان طرف اللسان، وهما الضاد والشين لما ذكرنا من استطالتهما حتى اتصلتا بمخارج الباقية.
والحروف الأحد عشر هي: النون والراء والدال والتاء والصاد والطاء والزاي والسين والظاء والذال والثاء، وإنما أدغمت لام المعرفة في هذه الحروف لمقاربتها لها، ولم يدغم سواها من اللامات فيها كلها؛ لكثرة استعمالهم لام التعريف في الكلام؛ ولشدة ملازمتها الكلمة حتى صارت مع الكلمة كبعض أجزائها، ألا ترى أنها لا تنفصل عن الكلمة بحالٍ، ولهذا ألزمت السكون ألبتة لتلزم الكلمة فلا تنفك عنها، ولهذا تدغم لام المعرفة في هذه الحروف، ولا تدغم فيها لام هل وبل، فإنهما منفصلتان عن الكلمة، وبعض القراء يذهب إلى إدغام لام هل وبل في هذه الحروف كلها، والأصل ما ذكرنا). [الموضح: 207]


رد مع اقتباس