عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 4 شوال 1435هـ/31-07-2014م, 10:57 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: إنّما مثل الحياة الدّنيا كماءٍ أنزلناه من السّماء فاختلط به نبات الأرض ممّا يأكل النّاس والأنعام حتّى إذا أخذت الأرض زخرفها وازّيّنت وظنّ أهلها أنّهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصّل الآيات لقومٍ يتفكّرون (24)
المعنى: إنّما مثل تفاخر الحياة الدنيا وزينتها بالمال والبنين إذ يصير ذلك إلى الفناء كمطر نزل من السماء فاختلط، ووقف هنا بعض القراء على معنى، فاختلط الماء بالأرض ثم استأنف به نبات الأرض على الابتداء والخبر المقدم، ويحتمل على هذا أن يعود الضمير في به على «الماء» أو على «الاختلاط» الذي يتضمنه القول. ووصلت فرقة فرفع «النبات» على ذلك بقوله اختلط أي اختلط النبات بعضه ببعض بسبب الماء، وقوله ممّا يأكل النّاس، يريد الزروع والأشجار ونحو ذلك، وقوله والأنعام يريد سائر العشب المرعي، وأخذت الأرض، لفظة كثرت في مثل هذا كقوله خذوا زينتكم [الأعراف: 31] و «الزخرف» التزين بالألوان، وقد يجيء الزخرف بمعنى الذهب إذ الذهب منه، وقرأ مروان بن الحكم وأبو جعفر والسبعة وشيبة ومجاهد والجمهور: وازّيّنت أصله: تزينت سكنت التاء لتدغم فاحتيج إلى ألف الوصل وقرأ ابن مسعود والأعمش وأبيّ بن كعب «وتزينت» وهذه أصل قراءة الجمهور. وقرأ الحسن وأبو العالية والشعبي وقتادة ونصر بن عاصم وعيسى «وأزينت» على معنى حضرت زينتها كما تقول أحصد الزرع، «وأزينت» على مثال أفعلت وقال عوف بن أبي جميلة: كان أشياخنا يقرؤونها «وازيانت» النون شديدة والألف ساكنة قبلها، وهي قراءة أبي عثمان النهدي، وقرأت فرقة «وازيأنت»، وهي لغة منها قول الشاعر [ابن كثير]: [الطويل]
... ... ... ... = إذا ما الهوادي بالغبيط احمأرّت
وقرأت فرقة «وازاينت» والمعنى في هذا كله ظهرت زينتها، وقوله وظنّ أهلها على بابها.
والضمير في عليها عائد على الأرض، والمراد ما فيها من نعمة ونبات، وهذا الكلام فيه تشبيه جملة أمر الحياة الدنيا بهذه الجملة الموصوفة أحوالها، وحتّى غاية وهي حرف ابتداء لدخولها على إذا ومعناها متصل إلى قوله قادرون عليها، ومن بعد ذلك بدأ الجواب، والأمر الآتي واحد الأمور كالريح والصر والسموم ونحو ذلك، وتقسيمه ليلًا أو نهاراً تنبيه على الخوف وارتفاع الأمن في كل وقت، وحصيداً: فعيل بمعنى مفعول وعبر ب «حصيد» عن التالف الهالك من النبات وإن لم يهلك بحصاد إذ الحكم فيهما واحد وكأن الآفة حصدته قبل أوانه، وقوله كأن لم تغن أي كأن لم تنعم ولم تنضر ولم تغر بغضارتها وقرأ قتادة «يغن» بالياء من تحت يعني الحصيد، وقرأ مروان «كأن لم تتغن» بتاءين مثل تتفعل والمغاني المنازل المعمورة ومنه قول الشاعر: [الوافر]
وقد نغنى بها ونرى عصورا = بها يقتدننا الخرد الخذالا
وفي مصحف أبي بن كعب «كأن لم تغن بالأمس وما كنا لنهلكها إلا بذنوب أهلها كذلك نفصل الآيات»، رواها عنه ابن عباس، وقيل: إن فيه «وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها»، وقرأ أبو الدرداء «لقوم يتذكرون» ومعنى الآية التحذير من الاغترار بالدنيا، إذ هي معرضة للتلف وأن يصيبها ما أصاب هذه الأرض المذكورة بموت أو غيره من رزايا الدنيا، وخص «المتفكرين» بالذكر تشريفا للمنزلة وليقع التسابق إلى هذه الرتبة). [المحرر الوجيز: 4/ 470-472]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: واللّه يدعوا إلى دار السّلام ويهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ (25) للّذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ ولا يرهق وجوههم قترٌ ولا ذلّةٌ أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون (26) والّذين كسبوا السّيّئات جزاء سيّئةٍ بمثلها وترهقهم ذلّةٌ ما لهم من اللّه من عاصمٍ كأنّما أغشيت وجوههم قطعاً من اللّيل مظلماً أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون (27)
نصت هذه الآية أن الدعاء إلى الشرع عام في كل بشر، والهداية التي هي الإرشاد مختصة بمن قدر إيمانه، والسّلام قيل: هو اسم الله عز وجل، فالمعنى يدعو إلى داره التي هي الجنة، وإضافتها إليه إضافة ملك إلى مالك، وقيل: السّلام بمعنى السلامة، أي من دخلها ظفر بالسلامة وأمن الفناء والآفات، وهذه الآية رادة على المعتزلة، وقد وردت في دعوة الله تعالى عباده أحاديث منها رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم إذ رأى في نومه جبريل وميكائيل ومثلا دعوة الله ومحمدا الداعي والملة المدعو إليها والجنة التي هي ثمرة الغفران بالمادية يدعو إليها ملك إلى منزله. وقال قتادة في كلامه على هذه الآية ذكر لنا أن في التوراة مكتوبا «يا باغي الخير هلم ويا باغي الشر انته»). [المحرر الوجيز: 4/ 472-473]


رد مع اقتباس