عرض مشاركة واحدة
  #60  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:06 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة

[من الآية (208) إلى الآية (210)]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ادخلوا في السّلم كافّةً... (208)
(وإن جنحوا للسّلم)، (وتدعوا إلى السّلم).
قرأ ابن كثير ونافع والكسائي: (ادخلوا في السّلم) فتحوا السين في ثلاثهن.
وقرأ أبو عمرو، وابن عامرٍ وعاصم في رواية حفص، ويعقوب: (ادخلوا في السّلم) بكسر السين، (وإن جنحوا للسّلم)، (وتدعوا إلى السّلم) بفتح السين.
وقرأ أبو بكر عن عاصم ثلاثهن بالكسر، وقرأ حمزة: (ادخلوا في السّلم) (وتدعوا إلى السّلم) بالكسر فيهما، وفتح قوله: (وإن جنحوا للسّلم).
[معاني القراءات وعللها: 1/197]
قال أبو منصور: وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال: كان أبو عمرو يكسر التي في البقرة، ويذهب بمعناها إلى الإسلام، ويفتح اللتين في الأنفال وسور محمد، ويتأول فيهما المسالمة.
قال أبو العباس: والقراءة التي اجتمع عليها أهل الحرمين بالفتح في كله، لأنها أعرب اللغتين وأعلاهما.
وأخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت إنه قال: السّلم: الصّلح.
ويقال: سلم. وأخبرني ابن فهم عن محمد بن سلام عن يونس قال: السّلم: الإسلام، وأما الصّلح فيجوز فيه سلم وسلم). [معاني القراءات وعللها: 1/198]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في فتح السين وكسرها من قوله جل وعز: السّلم.
فقرأ ابن كثير، ونافع، والكسائي: ادخلوا في السّلم كافّةً [البقرة/ 208] وإن جنحوا للسّلم [الأنفال/ 61] وتدعوا إلى السّلم [محمد/ 35] بفتح السين منهن.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر، بكسر السين فيهن.
وقرأ حمزة: بكسر السين في سورة البقرة وحدها، وفي سورة محمد عليه السلام وفتح السين في سورة الأنفال.
وقرأ أبو عمرو، وابن عامر: بكسر السين في سورة البقرة، وفتحا السين في سورة الأنفال، وفي سورة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وروى حفص عن عاصم في الثلاثة مثل أبي عمرو.
قال أبو علي: قول ابن كثير ونافع والكسائي:
[الحجة للقراء السبعة: 2/292]
ادخلوا في السّلم [البقرة/ 208] يحتمل أمرين: يجوز أن يكون لغة في السّلم الذي يعنى به الإسلام.
قال أبو عبيدة وأبو الحسن: السّلم: الإسلام، وإنما يكون السلم مصدراً في معنى الإسلام إذا كسرت الحرف الأول منه، فهو كالعطاء من أعطيت، والنبات من أنبت. ويجوز أن يريدوا بفتحهم الأول من قوله: ادخلوا في السّلم: الصلح، وهو يريد الإسلام، لأن الإسلام صلح، ألا ترى أن القتال والحرب بين أهله موضوع، وأنهم أهل اعتقاد واحد، ويد واحدة في نصرة بعضهم لبعض، فإذا كان ذلك موضوعاً بينهم، وفي دينهم، وغلّظ على المسلمين في المسايفة بينهم؛ كان صلحاً في المعنى، فكأنه قيل: ادخلوا في الصلح، والمراد به الإسلام، فسماه صلحاً لما ذكرناه، فهذا المسلك فيه أوجه من أن يكون الفتح في السّلم لغة في السّلم الذي يراد به الإسلام، لأن أبا عبيدة وأبا الحسن لم يحكيا هذه اللغة، ولم أعلمها أيضاً عن غيرهما، فإن ثبتت به رواية عن ثقة فذاك.
وأما قراءة عاصم في رواية أبي بكر بكسر السين فيهن كلّهنّ، فالقول في ذلك أن المراد بكسر السين في قوله:
ادخلوا في السّلم: الإسلام. كما فسره أبو عبيدة وأبو الحسن، والمعنى عليه، ألا ترى أن المراد إنما هو تحضيضهم على الإسلام، والدعاء إليه، والدخول فيه، وليس المراد: ادخلوا في الصلح، وليس ثمّ صلح يدعون إلى الدخول فيه، إلّا أن يتأوّل أنّ الإسلام صلح على نحو ما تقدم ذكره، وأما كسره
[الحجة للقراء السبعة: 2/293]
السين في قوله تعالى: وإن جنحوا للسّلم [الأنفال/ 61] فلأن السّلم: الصلح. وفيه ثلاث لغات فيما رواه التّوزيّ عن أبي عبيدة في قوله: وإن جنحوا للسّلم فقال: السّلم والسّلم والسّلم واحد، وأنشد:
أنائل إنني سلم... لأهلك فاقبلي سلمي
والسّلم الذي هو الصلح يذكّر ويؤنّث.
وقوله: فاجنح لها وقد حكي عن أبي زيد أنه سمع من العرب من يقول: فاجنح له، فذكّره. قال أبو الحسن: وهو مما لا يجيء منه فعل، فقال: ولكنك تقول: سالم مسالمة.
وعلى ما ذكره أبو الحسن جاء قول الشاعر:
تبين صلاة الحرب منّا ومنهم... إذا ما التقينا والمسالم بادن
لأنه عادل المسالم بصالي الحرب، وأخذ عاصم بلغة من يكسر الأولى من السّلم في الصلح. وأما كسر عاصم السين في قوله: فلا تهنوا وتدعوا إلى السّلم [محمد/ 35] فإن
[الحجة للقراء السبعة: 2/294]
المراد هنا بالسّلم: الصّلح. فكسر الأول منه، كما كسر في قوله: وإن جنحوا للسّلم والصلح الذي أمر به، ولم ينه عنه في قوله جل وعز: فلا تهنوا وتدعوا إلى السّلم وأنتم الأعلون [محمد/ 35] أي: لا تدعوا إلى الصّلح، مع علوّ أيديكم وظهور كلمتكم إلى الصلح والموادعة. وهذا إنما هو على حسب المصلحة في الأوقات.
وأما قراءة حمزة بكسر السين في سورة البقرة [وفي سورة [محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم ] فإن السّلم في سورة البقرة يراد به الإسلام، كما تقدم وفي سورة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم في قوله: وتدعوا إلى السّلم فإن السلم: الصلح. وكذلك في الأنفال المراد به الصلح في قوله: وإن جنحوا للسّلم. وفي السّلم إذا أريد به الصلح لغتان: الفتح والكسر، فأخذ حمزة باللغتين جميعاً، فكسر في موضع وفتح في آخر.
وأما قراءة أبي عمرو وابن عامر السّلم بكسر السين في سورة البقرة، فالسلم يعنى به: الإسلام. وأما فتحهما السين في سورة الأنفال وسورة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم، فإن السّلم فيهما يراد به الصلح. وفيه الكسر والفتح، فأخذا بالفتح في الموضعين جميعاً، ولم يفصلا كما فصل حمزة، وأخذ باللغتين. وكذلك القول في رواية حفص عن عاصم، وكل حسن.
[الحجة للقراء السبعة: 2/295]
وأما قوله:/ ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم [النساء/ 94] وقوله: وألقوا إلى اللّه يومئذٍ السّلم [النحل/ 87] فألقوا السّلم ما كنّا نعمل من سوءٍ [النحل/ 28] فليس الإلقاء هاهنا كالإلقاء في قوله تعالى:
إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم [آل عمران/ 44] وقوله سبحانه: وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم [النحل/ 15] ألا ترى أن الإلقاء هنا رمي وقذف؟ وهذا إنما يكون في الأعيان، وليس في قوله: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم [النساء/ 94] والآي الأخر عين تلقى، ولكن تلك الآي: بمنزلة قوله عز وجل: ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة [البقرة/ 195].
والمعنى: لا تقولوا لمن استسلم إليكم، وانقاد وكفّ عن قتالكم: لست مؤمناً. وكذلك المعنى في قوله تعالى: وألقوا إلى اللّه يومئذٍ السّلم [النحل/ 87] كأنهم استسلموا لأمره ولما يريده منهم من عذابه وعقابه، لا مانع لهم منه ولا ناصر.
وكذلك قوله تعالى: ورجلًا سلماً لرجلٍ [الزمر/ 29] أي: يستسلم له ويستخذي، فينقاد لما يريده منه ولا يمتنع عليه، وقد قرئ سالما لرجل وسالم: فاعل. وهو في هذا الموضع حسن لقوله: فيه شركاء متشاكسون [الزمر/ 29] أي: في أصحابه وخلطائه شركاء متشاكسون، يخالف بعضهم بعضاً، فلا ينقاد أحد منهم لصاحبه، فمسالم
[الحجة للقراء السبعة: 2/296]
خلاف متشاكسون.
ومن قرأ سلماً لرجلٍ احتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون فعل بمنزلة فاعل مثل: بطل وحسن، ونظير ذلك: يابس ويبس، وواسط ووسط.
ويجوز أن يكون وصفاً بالمصدر، لأن السّلم مصدر، ألا ترى أن أبا عبيدة قال: السّلم والسّلم والسّلم واحد، فيكون ذلك كقولهم: الخلق، إذا أردت به المخلوق، والصيد، إذا أردت به المصيد، ومعنى: هل يستويان مثلًا [الزمر/ 29] أي: ذوي مثل.
وأما قوله تعالى: إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلامٌ [الذاريات/ 25] فقال أبو الحسن: هذا فيما يزعم المفسرون: قالوا: خيراً، قال: فكأنه سمع منهم التوحيد. وإذا سمع منهم التوحيد فقد قالوا خيراً، فلما عرف أنهم موحّدون، قال: سلام عليكم، فسلّم عليهم، فسلام على هذا: رفع بالابتداء، وخبره مضمر.
وأما قوله تعالى: فاصفح عنهم وقل سلامٌ [الزخرف/ 89] فيحتمل أمرين: يجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر، كقوله: قال: سلامٌ، وهو يريد: قال: سلام عليكم.
والآخر: أن يكون خبر مبتدأ، كأنه أراد: أمري سلام، أي:
أمري براءة، وأضمر المبتدأ في هذا الوجه، كما أضمر الخبر
[الحجة للقراء السبعة: 2/297]
في الوجه الأول: ويكون المعنى: أمري سلام أي: أمري براءة، قال: لأن السلام يكون في الكلام البراءة، قال: تقول:
إنما فلان سلام، أي: لا يخالط أحداً، وأنشد لأمية:
سلامك ربّنا في كلّ فجر... بريئاً ما تغنّثك الذّموم
قال: يقول: براءتك. وأخبرنا أبو إسحاق قال: سمعت محمد بن يزيد يقول: السلام في اللغة أربعة أشياء: السلام مصدر سلّمت والسلام جمع سلامة، والسّلام: اسم من أسماء الله عز وجل، والسلام: شجر، ومنه قول الأخطل:
....... إلّا سلام وحرمل ويكون منه ضرب خامس، وهو ما ذكره أبو الحسن من أن السلام يكون في الكلام البراءة، واستشهاده على ذلك ببيت أمية، وقولهم: إنما فلان سلام. وأما قولهم: في أسماء الله جل وعز (السلام) فهو مصدر وصف به، كما أن العدل والحق في نحو قوله: أنّ اللّه هو الحقّ [النور/ 25].
والمعنى على ضربين: أحدهما: أنه يسلم من عذابه من
[الحجة للقراء السبعة: 2/298]
لا يستحقه. والآخر: أن يكون الذي معناه التنزيه، كأنه المتنزّه من الظلم والاعتداء.
فأما قوله سبحانه: لهم دار السّلام عند ربّهم [الأنعام/ 127] فيحتمل ضربين: يكون السلام [اسم الله تعالى]، والإضافة المراد بها: الرفع من المضاف، كقولهم لمكة: بيت الله، والخليفة: عبد الله. ويجوز أن يكون السلام في قوله: دار السّلام جمع سلامة، أي: الدار التي من حلّها لم يقاس عذاباً لعقاب، كما جاء في خلافها: في سمومٍ وحميمٍ
وظلٍّ من يحمومٍ [الواقعة/ 43] ونحو قوله: ويأتيه الموت من كلّ مكانٍ وما هو بميّتٍ [إبراهيم/ 17]). [الحجة للقراء السبعة: 2/299]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يا أيها الّذين آمنوا ادخلوا في السّلم كافّة}
قرأ نافع وابن كثير والكسائيّ {ادخلوا في السّلم} أي في المسالمة والمصالحة
وقرأ الباقون {في السّلم} بالكسر أي في الإسلام وقال قوم هما لغتان قال الشّاعر
أنائل إنّني سلم ... لأهلك فاقبلي سلمي). [حجة القراءات: 130]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (126- قوله: {في السلم} قرأه الحرميان والكسائي بفتح السين، وهي لغة في «السلم» الذي هو الإسلام، قال أبو عبيدة والأخفش: «السلم» بالكسر الإسلام، ويجوز أن يكون «السلم» بالفتح اسمًا بمعنى المصدر، الذي هو الإسلام كالعطاء والنباب، بمعنى: الإعطاء والإنبات، ويجوز أن يكون الفتح في «السلم» بمعنى الصلح، وهو يريد الإسلام، لأن من دخل في الإسلام فقد دخل في الصلح، فالمعنى: ادخلوا في الصلح الذي هو الإسلام، وقرأ الباقون بكسر السين، فأما من كسر السين فهو واقع على الإسلام، ولم يحضوا على الدخول في الصلح، وبقياهم على كفرهم، وكلا القراءتين حسن، وبالكسر قرأ الحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة وابن أبي إسحاق وابن وثاب وعيسى والأعمش والجحدري، وبالفتح قرأ الأعرج وشيبة وشبل، وروي عبد الرحمن بن أبزي أن النبي عليه السلام قرأ: «السلم» في البقرة والأنفال و«الذين كفروا» بالفتح في الثلاثة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/287]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (69- {ادخلوا في السلم} [آية/ 208]:-
بفتح السين، قرأها ابن كثير ونافع والكسائي، وكذلك في الأنفال {وَإِنْ
[الموضح: 320]
جَنَحُوا للسَّلْمِ}، وفي سورة القتال {وَتَدْعُوا إلى السَّلْمِ}.
وأما {السّلْم} التي في البقرة، فهو بمعنى الإسلام، والإسلام قد يُسمى سلمًا بالكسر، وقد يروى فيه الفتح، كما روي في السلم الذي هو الصلح الفتح والكسر، إلا أن الفتح في السلم الذي هو الإسلام قليل، وجوز أبو علي أن يكون السلم ههنا هو الذي بمعنى الصلح؛ لأن الإسلام صلح على الحقيقة، ألا ترى أنه لا قتال بين أهله، وأنهم يد واحدة على من سواهم.
أما في الأنفال وسورة القتال فإن السلم هو الصلح، وقد جاء فيه الفتح والكسر على ما قدمنا.
وقرأ عاصم ياش- بالكسر في الثلاثة الأحرف، وقرأ أبو عمرو وابن عامر وعاصم ص- ويعقوب بالكسر في البقرة، والفتح في الأنفال والقتال، وقرأ حمزة بالكسر في البقرة (والقتال) والفتح في الأنفال والقتال، وقرأ حمزة بالكسر في البقرة (والقتال) والفتح في (الأنفال).
قد قدمنا أن السلم بكسر السين في معنى الإسلام شائع، وأن الفتح فيه غريب، وقد جاء في السلم بمعنى الصلح الكسر والفتح معًا، إلا أن الكسر فيه أيضًا أكثر وأشهر، وإن كان الفتح أيضًا كثيرًا). [الموضح: 321]

قوله تعالى: {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي السمال: [فإن زَلِلْتُمْ] بكسر اللام.
قال أبو الفتح: هما لغتان: زلَلْت وزلِلْت، بمنزلة ضلَلْت وضلِلْت، إلا أن الفتح فيهما أعلى اللغتين، واسم الفاعل منهما ضال، ولو جاء ضليل لكان قياسًا على ما جاء عنهم من فعيل في فَعَل من المضاعف، نحو: خَفَّ فهو خفيف، وعز فهو عزيز، وقل فهو قليل، وجد فهو جديد، وذلك أنه قد جاء فعيل في فعل من غير المضاعف، وذلك كسد البيع فهو كسيد، وفسد فهو فسيد، فلما جاء ذلك في غير المضاعف كان المضاعف أولى به؛ لثقل الإدغام في ضال وفار، وقد ذكرنا ذلك مشروحًا في غير هذا الموضع من كلامنا). [المحتسب: 1/122]

قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وإلى اللّه ترجع الأمور (210).
قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب: (ترجع) بفتح التاء في كل القرآن.
وقرأ الباقون بضم التاء وفتح الجيم (ترجع).
قال أبو منصور: من قرأ (ترجع الأمور) فالفعل للأمور، ويكون (ترجع) لازمًا.
ومن قرأ (ترجع الأمور) فهو على ما لم يسم فاعله، وجعله متعديا.
والعرب تقول: رجعته فرجع، لفظ اللازم والمتعدي سواء: كقولك: نقصته فنقص، وهبطه فهبط). [معاني القراءات وعللها: 1/199]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح التاء وضمها من قوله جل وعز: ترجع الأمور [البقرة/ 210] ويرجع الأمر [هود/ 123].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرٍو ونافعٌ وعاصمٌ: وإلى اللّه ترجع الأمور بضم التاء.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: ترجع الأمور بفتح التاء.
وكلّهم قرأ: وإليه يرجع الأمر كلّه بفتح الياء، غير نافعٍ وحفص عن عاصم فإنّهما قرآ: يرجع الأمر برفع الياء.
وروى خارجة عن نافع أنّه قرأ: وإلى الله يرجع الأمور بالياء مضمومة في سورة البقرة. ولم يروه غيره.
قال أبو علي: حجة من بنى الفعل للمفعول به قوله تعالى: ثمّ ردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ [الأنعام/ 62].
وقال: ولئن رددت إلى ربّي [الكهف/ 36] والمعنى في بناء
[الحجة للقراء السبعة: 2/304]
الفعل للمفعول كالمعنى في بناء الفعل للفاعل.
وحجة من بنى الفعل للفاعل قوله عز وجل: ألا إلى اللّه تصير الأمور [الشورى/ 53] وقوله جلّ وعز: إنّ إلينا إيابهم [الغاشية/ 25] وقوله: إليّ مرجعكم. ألا ترى أنّ المصدر مضافٌ إلى الفاعل، والمعنى: إلينا رجوع أمرهم في الجزاء على الخير والشر، وقوله: وإنّا إليه راجعون [البقرة/ 156]، وقوله: كما بدأكم تعودون [الأعراف/ 29] وقال: ويوم يرجعون إليه [النور/ 64] وإليه يرجع الأمر كلّه [هود/ 123].
وأما يرجع وترجع بالياء والتاء فجميعاً حسنان، فالياء لأن الفعل متقدم، فذكّر كما قال: وقال نسوةٌ في المدينة [يوسف/ 30]، فالتأنيث تأنيث من أجل الجمع، وتأنيث الجمع ليس بتأنيث حقيقي، ألا ترى أن الجمع بمنزلة الجماعة. والتاء في ترجع لأن الكلمة تؤنث في نحو: هي الأمور، و: قالت الأعراب [الحجرات/ 14]). [الحجة للقراء السبعة: 2/305]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رُوي عن قتادة في قول الله سبحانه: [فِي ظِلَالٍ مِنَ الْغَمَامِ].
قال ابن مجاهد: هو جمع ظِل.
قال أبو الفتح: الوجه أن يكون جمع ظُلة، كجُلة وجِلال، وقُلة وقِلال؛ وذلك أن الظل ليس بالغيم، وإنما الظُّلة الغيم، فأما الظل فهو عدم الشمس في أول النهار، وهو عرَض والغيم جسم). [المحتسب: 1/122]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإلى الله ترجع الأمور}
قرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ {وإلى الله ترجع الأمور} بفتح التّاء في جميع القرآن وحجتهم قوله {ألا إلى الله تصير الأمور}
[حجة القراءات: 130]
ولم يقل تصار فلمّا أسند الفعل إليها بإجماع ردوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه
وقرأ الباقون {ترجع} بضم التّاء وفتح الجيم أي ترد الأمور وحجتهم قوله {إليه تحشرون} و{تقلبون} فجعلوا الأمور داخلة في هذا المعنى والمعنيان يتداخلان وذلك أن الله هو الّذي يرجع الأمور فإذا رجعها رجعت فهي مرجوعة وراجعة). [حجة القراءات: 131]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (128- قوله: {ترجع الأمور} قرأه ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح التاء وكسر الجيم، حيث وقع، بنوا الفعل للفاعل؛ لأنه المقصود، ويقوي ذلك إجماعهم على: {ألا إلى الله تصير الأمور} «الشورى 53» وقوله: {إلى الله مرجعكم} «المائدة 48» فبنى الفعل للفاعل، فحمل هذا على ذلك، وقرأ الباقون بضم التاء وفتح الجيم، بنوا الفعل للمفعول، ويقوي ذلك إجماعهم على قوله: {ثم ردوا إلى الله} «الأنعام 62» و{لئن رددت إلى ربي} «الكهف 36» فبني الفعل للمفعول، وهو إجماع، فألحق هذا به، لأنه مثله، فالقراءتان حسنتان بمعنى، والأصل أن يُبنى الفعل للفاعل، لأنه محدثه بقدرة الله جل ذكره، وبناؤه للمفعول توسع وفرع). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/289]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (71- {تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [آية/ 210]:-
بضم التاء وفتح الجيم، قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في جميع القرآن، على أن الفعل مبني للمفعول به، وأن رجع متعدٍ؛ لأن رجع قد جاء لازمًا ومتعديًا معًا، وأما تأنيث الأمور فللجماعة نحو {قَالَتِ الأعْرابُ}.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي {تَرْجِعُ الأُمُورُ} بفتح التاء وكسر الجيم في جميع القرآن، على كون الفعل مبنيًا للفاعل، وأن رجع لازم، وتأنيث الأمور على ما تقدم. وقرأ يعقوب {يَرْجِعُ} بالياء مفتوحة وكسر الجيم.
وذلك لأن الفعل متقدم، فتذكيره جائز نحو قوله تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ}؛
[الموضح: 323]
لأن التأنيث تأنيث جمعٍ، وتأنيث الجمع ليس بحقيقيٍ.
وأما كسرة الجيم؛ فلأنه أسند الفعل إلى الفعل، وجعل رجع لازمًا على ما مضى، وكذلك يفعل يعقوب في باب الرجوع في جميع القرآن). [الموضح: 324]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس