عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 24 صفر 1440هـ/3-11-2018م, 07:53 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ويقول الّذين آمنوا لولا نزّلت سورةٌ فإذا أنزلت سورةٌ محكمةٌ وذكر فيها القتال رأيت الّذين في قلوبهم مرضٌ ينظرون إليك نظر المغشيّ عليه من الموت فأولى لهم (20) طاعةٌ وقولٌ معروفٌ فإذا عزم الأمر فلو صدقوا اللّه لكان خيرًا لهم (21) فهل عسيتم إن تولّيتم أن تفسدوا في الأرض وتقطّعوا أرحامكم (22) أولئك الّذين لعنهم اللّه فأصمّهم وأعمى أبصارهم (23) }
يقول تعالى مخبرًا عن المؤمنين أنّهم تمنّوا شرعيّة الجهاد، فلمّا فرضه اللّه، عزّ وجلّ، وأمر به نكل عنه كثيرٌ من النّاس، كقوله تعالى: {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريقٌ منهم يخشون النّاس كخشية اللّه أو أشدّ خشيةً وقالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال لولا أخّرتنا إلى أجلٍ قريبٍ قل متاع الدّنيا قليلٌ والآخرة خيرٌ لمن اتّقى ولا تظلمون فتيلا} [النساء:77].
وقال ها هنا: {ويقول الّذين آمنوا لولا نزلت سورةٌ} أي: مشتملةٌ على حكم القتال؛ ولهذا قال: {فإذا أنزلت سورةٌ محكمةٌ وذكر فيها القتال رأيت الّذين في قلوبهم مرضٌ ينظرون إليك نظر المغشيّ عليه من الموت} أي: من فزعهم ورعبهم وجبنهم من لقاء الأعداء. ثمّ قال مشجّعًا لهم: {فأولى لهم طاعةٌ وقولٌ معروفٌ} أي: وكان الأولى بهم أن يسمعوا ويطيعوا، أي: في الحالة الرّاهنة، {فإذا عزم الأمر} أي: جدّ الحال، وحضر القتال، {فلو صدقوا اللّه} أي: أخلصوا له النّيّة، {لكان خيرًا لهم}). [تفسير ابن كثير: 7/ 317]

تفسير قوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فهل عسيتم إن تولّيتم} أي: عن الجهاد ونكلتم عنه، {أن تفسدوا في الأرض وتقطّعوا أرحامكم} أي: تعودوا إلى ما كنتم فيه من الجاهليّة الجهلاء، تسفكون الدّماء وتقطّعون الأرحام؛ ولهذا قال: {أولئك الّذين لعنهم اللّه فأصمّهم وأعمى أبصارهم} وهذا نهيٌ عن الإفساد في الأرض عمومًا، وعن قطع الأرحام خصوصًا، بل قد أمر [اللّه] تعالى بالإصلاح في الأرض وصلة الأرحام، وهو الإحسان إلى الأقارب في المقال والأفعال وبذل الأموال. وقد وردت الأحاديث الصّحاح والحسان بذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، من طرقٍ عديدةٍ، ووجوهٍ كثيرةٍ.
قال البخاريّ: حدّثنا خالد بن مخلد، حدّثنا سليمان، حدّثني معاوية بن أبي مزرّد، عن سعيد بن يسارٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "خلق اللّه الخلق، فلمّا فرغ منه قامت الرّحم فأخذت بحقو الرّحمن عزّ وجلّ، فقال: مه! فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. فقال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى. قال: فذاك. قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: {فهل عسيتم إن تولّيتم أن تفسدوا في الأرض وتقطّعوا أرحامكم}.
ثمّ رواه البخاريّ من طريقين آخرين، عن معاوية بن أبي مزرّدٍ، به. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اقرؤوا إن شئتم: {فهل عسيتم إن تولّيتم أن تفسدوا في الأرض وتقطّعوا أرحامكم} ورواه مسلمٌ من حديث معاوية بن أبي مزرّدٍ، به.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا إسماعيل أخبرنا عيينة بن عبد الرّحمن بن جوشنٍ، عن أبيه، عن أبي بكرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما من ذنبٍ أحرى أن يعجّل اللّه عقوبته في الدّنيا، مع ما يدّخر لصاحبه في الآخرة، من البغي وقطيعة الرّحم".
رواه أبو داود والتّرمذيّ وابن ماجه، من حديث إسماعيل -هو ابن علية- به. وقال التّرمذيّ: هذا حديثٌ صحيحٌ.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن بكرٍ، حدّثنا ميمونٌ أبو محمّدٍ المرئيّ، حدّثنا محمّد بن عبّادٍ المخزوميّ، عن ثوبان، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "من سرّه النّساء في الأجل، والزّيادة في الرّزق، فليصل رحمه". تفرّد به أحمد، وله شاهدٌ في الصحيح.
وقال أحمد أيضًا: حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا حجّاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه قال: جاء رجلٌ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه إنّ لي ذوي أرحامٍ، أصل ويقطعون، وأعفو ويظلمون، وأحسن ويسيئون، أفأكافئهم؟ قال: "لا إذن تتركون جميعًا، ولكن جد بالفضل وصلهم؛ فإنّه لن يزال معك ظهيرٌ من اللّه، عزّ وجلّ، ما كنت على ذلك".
تفرّد به من هذا الوجه، وله شاهدٌ من وجهٍ آخر.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يعلى، حدّثنا فطر، عن مجاهدٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "إنّ الرّحم معلّقةٌ بالعرش، وليس الواصل بالمكافئ، ولكنّ الواصل الّذي إذا قطعت رحمه وصلها"، رواه البخاريّ .
وقال أحمد: حدّثنا بهزٌ، حدّثنا حمّاد بن سلمة، أخبرنا قتادة، عن أبي ثمامة الثّقفيّ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "توضع الرّحم يوم القيامة لها حجنة كحجنة المغزل، تتكلّم بلسانٍ طلق ذلق، فتصل من وصلها وتقطع من قطعها".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا سفيان، حدّثنا عمرٌو، عن أبي قابوس، عن عبد اللّه بن عمرٍو -يبلغ به النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم-قال: "الرّاحمون يرحمهم الرّحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السّماء، والرّحم شجنة من الرّحمن، من وصلها وصلته، ومن قطعها بتّته".
وقد رواه أبو داود والتّرمذيّ، من حديث سفيان بن عيينة، عن عمرٍو بن دينارٍ، به. وهذا هو الّذي يروى بتسلسل الأوّليّة، وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا هشامٌ الدّستوائي، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن إبراهيم بن عبد اللّه بن قارظٍ؛ أنّ أباه حدّثه: أنّه دخل على عبد الرّحمن بن عوفٍ وهو مريضٌ، فقال له عبد الرّحمن: وصلتك رحمٌ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال اللّه عزّ وجلّ: أنا الرّحمن، خلقت الرّحم وشققت لها من اسمي، فمن يصلها أصله، ومن يقطعها أقطعه فأبتّه -أو قال: من يبتّها أبتّه".
تفرّد به من هذا الوجه. ورواه أحمد أيضًا من حديث الزّهريّ، عن أبي سلمة، عن الرداد -أو أبي الرّدّاد- عن عبد الرّحمن بن عوفٍ، به. ورواه أبو داود والتّرمذيّ، من رواية أبي سلمة، عن أبيه. والأحاديث في هذا كثيرةٌ.
وقال الطّبرانيّ: حدّثنا عليّ بن عبد العزيز، حدّثنا محمّد بن عمّارٍ الموصليّ، حدّثنا عيسى بن يونس، عن محمّد بن عبد اللّه بن علاثة، عن الحجّاج بن الفرافصة، عن أبي عمر البصريّ، عن سلمان قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "الأرواح جنودٌ مجنّدةٌ، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف".
وبه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إذا ظهر القول، وخزّن العمل، وائتلفت الألسنة، وتباغضت القلوب، وقطع كلّ ذي رحمٍ رحمه، فعند ذلك لعنهم اللّه فأصمّهم وأعمى أبصارهم"). [تفسير ابن كثير: 7/ 317-320]

تفسير قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها (24) إنّ الّذين ارتدّوا على أدبارهم من بعد ما تبيّن لهم الهدى الشّيطان سوّل لهم وأملى لهم (25) ذلك بأنّهم قالوا للّذين كرهوا ما نزّل اللّه سنطيعكم في بعض الأمر واللّه يعلم إسرارهم (26) فكيف إذا توفّتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم (27) ذلك بأنّهم اتّبعوا ما أسخط اللّه وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم (28) }
يقول تعالى آمرًا بتدبّر القرآن وتفهّمه، وناهيًا عن الإعراض عنه، فقال: {أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها} أي: بل على قلوبٍ أقفالها، فهي مطبقة لا يخلص إليها شيءٌ من معانيه.
قال ابن جريرٍ: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ قال: حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، حدّثنا هشام بن عروة، عن أبيه قال: تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومًا: {أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها}، فقال شابٌّ من أهل اليمن: بل عليها أقفالها حتّى يكون اللّه عزّ وجلّ يفتحها أو يفرّجها. فما زال الشّابّ في نفس عمر، رضي اللّه عنه، حتّى ولي، فاستعان به). [تفسير ابن كثير: 7/ 320]

رد مع اقتباس