عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 02:08 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة هود
[ من الآية (69) إلى الآية (73) ]

{ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) }

قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (11- وقوله تعالى: {قالوا سلاما قال سلام} [69].
قرأ حمزة والكسائي {قال سلم} بكسر السين وجزم اللام.
وكذلك في (الذاريات) جعلاه من السلم وهو الصلح: {وإن جنحوا للسلم} مثله.
وقرأ الباقون: {قالوا سلاما قال سلام} بالألف جميعا جعلوه من التسليم والتسلم، ومعناه: قالوا: تسلمنا منكم تسلما كما تقول: لا يكن من فلان إلا سلامًا بسلامٍ أي: مباينًا له متاركًا، فالأول: نصب على المصدر، والثاني: رفع بالابتداء والتقدير: قالوا إنا سلام). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/288]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: قالوا سلاما قال سلام [هود/ 69، الذاريات/ 25]، فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: قالوا سلاما قال سلام بألف في السورتين جميعا.
وقرأ حمزة والكسائي: قالوا سلاما قال سلم بكسر السين وتسكين اللام في السورتين جميعا، هاهنا وفي سورة الذاريات [25].
قال أبو علي: أخبرنا أبو إسحاق: قال سمعت محمد بن يزيد يقول: السلام في اللغة أربعة أشياء: فمنها مصدر سلّمت، ومنها: السلام جمع سلامة، ومنها السلام: اسم من أسماء الله تعالى، ومنها السلام: شجرة، ومنه قول الأخطل:
إلّا سلام وحرمل قال أبو علي: فقوله: دار السلام، يجوز أن يكون أضيفت إلى الله سبحانه تعظيما لها. ويجوز أن يكون: دار السلامة من العذاب، فمن جعل فيها كان على خلاف من وصف بقوله: ويأتيه الموت من كل مكان [إبراهيم/ 17].
[الحجة للقراء السبعة: 4/359]
فأما انتصاب قوله سلاما فلأنّه لم يحك شيء تكلّموا به، فيحكى كما تحكى الجمل، ولكن هو معنى ما تكلّمت به الرسل، كما أنّ القائل إذا قال: لا إله إلا الله، فقلت: حقا، أو قلت: إخلاصا، اختلف القول في المصدرين لأنّك ذكرت معنى ما قال، ولم تحك نفس الكلام الذي هو جملة تحكى، فكذلك نصب سلاما في قوله: قالوا سلاما لمّا كان معنى ما قيل، ولم يكن نفس المقول بعينه.
وأما قوله: وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما [الفرقان/ 63]، فقال سيبويه: زعم أبو الخطّاب أن مثله يريد:
مثل قولك: سبحان الله، تفسيره: براءة الله من السوء- قولك للرجل: سلاما تريد: تسلّما منك، لا التبس بشيء من أمرك. فعلى هذا المعنى وجه ما في الآية، قال: وزعم أن قول أميّة:
سلامك ربّنا في كلّ فجر... بريئا ما تغنّثك الذموم
[الحجة للقراء السبعة: 4/360]
على قوله: براءتك ربّنا من كلّ سوء.
فزعم سيبويه أن من العرب من يرفع سلاما إذا أراد معنى المبارأة، كما رفعوا حنان. قال: سمعنا بعض العرب يقول لرجل: لا تكوننّ منّي في شيء إلا سلام بسلام، أي: أمري وأمرك المبارأة والمتاركة، يريد أن حنانا في أكثر الأمر منصوب كما أن سلاما كذلك، فمن ذلك قوله:
حنانك ربّنا وله عنونا وقد رفع في قوله:
فقالت: حنان ما أتى بك هاهنا فإذا نصب سلاما بعد إلا، فانتصابه على ما كان ينتصب عليه قبل، وقوله: بسلام، صفة لسلام المنصوب، فإذا رفع كانت الجملة بعد إلا كقوله: ما أفعل كذا إلا حلّ ذاك أن أفعل، وتركوا إظهار الرافع. كما ترك إظهاره في قوله: حنان والمعنى:
أمرنا حنان وشأننا سلام.
وأما قوله: قال سلام فما لبث [هود/ 69] فقوله:
سلام مرفوع لأنه من جملة الجملة المحكيّة، والتقدير فيه:
سلام عليكم، فحذف الخبر كما حذف من قوله: فصبر جميل [يوسف/ 18] أي: صبر جميل أمثل، أو يكون المعنى: أمري سلام، وشأني سلام كما أن قوله: فصبر
[الحجة للقراء السبعة: 4/361]
جميل يصلح أن يكون المحذوف منه المبتدأ، ومثل ذلك قوله: فاصفح عنهم، وقل سلام [الزخرف/ 89] على حذف الخبر أو المبتدأ الذي سلام خبره.
وأكثر ما يستعمل سلام بغير ألف ولام، وذاك أنّه في معنى الدعاء، فهو مثل قولهم: «خير بين يديك، وأمت في حجر لا فيك» لما كان في معنى المنصوب استجيز فيه الابتداء بالنكرة، فمن ذلك قوله: قال سلام عليك سأستغفر لك ربي [مريم/ 47]، وقال: والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم [الرعد/ 23].
وقال: سلام على نوح في العالمين [الصافات/ 79]، سلام على إبراهيم [الصافات/ 109] وسلام على عباده الذين اصطفى [النمل/ 59]، ومما جاء في الشعر من ذلك:
.. لا سلام على عمرو
[الحجة للقراء السبعة: 4/362]
وقد جاء بالألف واللام، قال: والسلام على من اتبع الهدى [طه/ 47]، والسلام علي يوم ولدت [مريم/ 33].
وزعم أبو الحسن أن من العرب من يقول: سلام عليكم، ومنهم من يقول: السلام عليكم، فالذين ألحقوا الألف واللام حملوه على المعهود، والذين لم يلحقوه حملوه على غير المعهود، وزعم أن منهم من يقول: سلام عليكم، فلا ينوّن، وحمل ذلك على وجهين: أحدهما: أنه حذف الزيادة من الكلمة كما يحذف الأصل من نحو: لم يك، ولا أدر، ويوم يأت لا تكلم [هود/ 105]، والآخر: أنه لما كثر استعمال هذه الكلمة وفيها الألف واللام، حذفا منه لكثرة الاستعمال كما حذف من:
اللهم، فقالوا:
لا همّ إنّ عامر الفجور... قد حبس الخيل على معمور
وأمّا من قرأ: قالوا سلاما قال سلم [هود/ 69] فإن سلما، يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون بمعنى سلام، فيكون المعنى: أمرنا سلم، أو سلم عليكم، ويكون سلم* في أنه بمعنى سلام، لقولهم: حلّ وحلال وحرم وحرام، فيكون على هذا قراءة من قرأ: قال سلم وسلام بمعنى واحد وإن اختلف اللفظان.
والآخر: أن يكون سلم خلاف العدوّ والحرب، كأنّهم لمّا كفّوا عن تناول ما قدّمه إليهم، فنكرهم وأوجس منهم خيفة
[الحجة للقراء السبعة: 4/363]
[هود/ 70] قال: أنا سلم ولست بحرب ولا عدوّ، فلا تمتنعوا من تناول طعامي، كما يمتنع من تناول طعام العدو.
وقرأ حمزة والكسائيّ في الذاريات أيضا سلم* والقول فيه كما ذكرناه في هذا الموضع سواء. ألا ترى أن ثمّ إيجاس خيفة وامتناعا من تناول ما قدّم إليهم مثل ما هاهنا). [الحجة للقراء السبعة: 4/364]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا سلاما قال سلام}
[حجة القراءات: 345]
قرأ حمزة والكسائيّ (قالوا سلاما قال سلم) بكسر السّين وفي الذاريات مثله جعلاه من السّلم وهو الصّلح أي أمري سلم لست مريدا غير السّلامة والصّلح قال الفراء المعنى نحن سلم لأن التّسليم لا يكون من عدو وكأن الفراء ذهب إلى أن الملائكة لما سلموا عليه كان ذلك دليلا على براءتهم ممّا وقع في نفسه من أنهم عدو فقال لهم حينئذٍ نحن متسالمون آمنون إذ سلمتم علينا ويكون معنى قوله في الذاريات {قوم منكرون} أي غير معروفين في بلدنا وإن التّسليم منكم منكر لأنّه لا يعهده إلّا ممّن هو على دينه ولم يتقرّر عنده أنهم منهم قالوا والدّليل على أن الثّاني بخلاف معنى الأول أن إعرابهما مختلف فلو كانت الثّانية مخرجها مخرج الأولى نصبت كما نصبت الأولى وقال قوم يجوز أن يكون معنى قوله {سلم} في معنى سلام كما قالوا حل وحلال وحرم وحرام قالوا والدّليل على صحة ذلك أن التّفسير ورد بأنّهم سلموا عليه فرد عليهم
وقرأ الباقون {قال سلام} جعلوه من التّسليم وحجتهم في ذلك أنه مجمعون على الأول أنه بألف وهو تسليم الملائكة فردّوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه الأول نصب على المصدر على معنى سلمنا سلاما والثّاني رفع على إضمار عليكم سلام ومن قرأ {سلم} أي أمري سلم). [حجة القراءات: 346]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (20- قوله: {قال سلامٌ} قرأه حمزة والكسائي بكسر السين وسكون اللام من غير ألف، ومثله في الذاريات، وقرأهما الباقون {سلام} بفتح السين وبألف بعد اللام، وهما لغتان بمعنى التحية كقولهم: هو حِل وحلال، وحِرْم وحرام، ويجوز أن يكون {سلام} بمعنى المسالمة التي هي خلاف الحرب، كان إبراهيم صلى الله عليه وسلم لما رآهم لا يأكلون طعامه أوجس في نفسه خوفًا منهم، فقال لهم: سِلْم، أي أنا سِلْم لكم ولست بحرب لكم، فلا تمتنعوا من أكل طعامي كما يُمتنع من أكل طعام العدو، ومعنى {سلام} أي سلام عليكم، فالخبر محذوف، وهو رد السلام عليهم، إذ سلموا عليه وهو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه، وهو أبين في التحية ورد السلام، وقوله: {قالوا سلاما} نصب بإعمال القول فيه وليس بحكاية، وهو بمنزلة قولك: قلت حقا. فسلام هو معنى ما قالوا، وليس هو ما قالوا بعينه، ولو كان هو ما قالوا لحكيته كما قالوه، فأما قوله {قال سلام} فهو حكاية ما قال} فلذلك لم يعمل فيه القول ورفع. وروي عن النبي عليه السلام أمر أن يُقرأ: «قال سلم» بغير ألف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/534]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {قَالَ سِلْمٌ} [آية/ 69] بكسر السين من غير ألف:
قرأها حمزة والكسائي، وكذلك في الذاريات {قَالَ سِلْمٌ}.
والوجه أن السِّلْمَ هو الصلح، والمعنى: نحن سلمٌ لكم ولسنا بحربٍ فتمتنعوا من تناول طعامنا، وهو خبر مبتدأ محذوف، والتقدير نحن سلمٌ أي ذوو سلمٍ.
ويجوز أن يكون أراد السلام، فإن السلم والسلام واحد، كما يقال حرمٌ وحرامٌ وحل وحلالٌ، والتقدير: أمرنا سلامٌ أو عليكم سلامٌ.
وقرأ الباقون {قَالَ سَلَامٌ} بالألف، مفتوحة السين في السورتين.
والوجه أنه جواب تسليمهم، فقوله {سَلَامٌ} أي سلام عليكم، فحُذف الخبر، أو أمرنا سلام، فحُذف المبتدأ). [الموضح: 654]

قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70)}

قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {ومن وراء إسحاق يعقوب} [71]. قرأ حمزة وابن عامر وحفص عن عاصم {يعقوب} بالنصب.
وقرأ الباقون بالرفع. فمن نصب جعله عطفًا على {وبشرناه} كأنه جعل الكلام بمعنى الهبة، أي: وهبنا له يعقوب.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/288]
وقال بعض النحويين: من قرأ: {ومن وراء إسحاق يعقوب} فموضعه خفض إلا أنه لا ينصرف. وهذا غلط عند البصريين؛ لأنك لا تعطف على عاملين، محال أن تقول: مررت بزيد في الدار والحجرة عمرو، ومن رفع جعله ابتداء.
والوراء هاهنا -: ولد الولد. قال: أقبل الشعبي ومعه ابن ابن له فقيل: أهذا ابنك؟ فقال: هو ابني من الوراء، أي: هو ولد ولدي. فالوراء يكون قداما وخلفا قال الله عز وجل: {وكان وراءهم ملك} أي: أمامهم. أما الورى مقصور فالخلق، تقول العرب: لا أدري أي الورى هو؟ وأي الطمش هو؟ وأي الطبل؟ وأي ترحم هو؟، أي: أي الخلق؟
والورى مقصور أيضًا داء في الجوف عند الفراء. وقال غيره: هو الورى. ساكن مثل الدمي، وينشد:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/289]
قالت له وريا إذا تنحنح
يا ليته يسقى عن الذرحرح
فخطأه سائر النحويين. وقد وجدت للفراء حجة، وذلك أن العرب تقول في مثل لها: «بفيه البرى ورماه الله بالورى» بفتح الراء. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلىء شعرًا» وقال عبد بني الحسحاس.
وراهن ربي مثل ما قد ورينني = وأحمى على أكبادهن المكاويا
فلو كنت وردا لونه لعشقنني = ولكن ربي شانني بسواديا
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/290]
تقول العرب للشيخ إذا سنعل: وريا وقحايا، وللصبي إذا عطس: عمرا وشبابا، يدعون له بالبقاء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/291]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الباء وضمّها من قوله: يعقوب* [71].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي: ومن وراء إسحاق يعقوب رفعا.
وقرأ ابن عامر وحمزة: يعقوب نصبا.
واختلف عن عاصم، فروى عنه أبو بكر بالرفع، وروى حفص عنه بالنصب.
قال أبو علي: من رفع فقال: ومن وراء إسحاق يعقوب كان رفعه بالابتداء أو بالظرف في قول من رفع به، وكان بيّن الوجه.
ومن فتح فقال يعقوب: احتمل ثلاثة أضرب. أحدها: أن يكون يعقوب في موضع جرّ، المعنى: فبشّرناها بإسحاق ويعقوب، قال أبو الحسن: وهو أقوى في المعنى، لأنها قد بشّرت به، قال:
وفي إعمالها ضعف، لأنّك فصلت بين الجار والمجرور بالظرف. والآخر: أن تحمله على موضع الجار والمجرور كقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 4/364]
إذا ما تلاقينا من اليوم أو غدا وبقراءة من قرأ: وحورا عينا [الواقعة/ 22] بعد:
يطاف عليهم بكذا، ومثله:
فلسنا بالجبال ولا الحديدا والثالث: أن تحمله على فعل مضمر، كأنه: فبشّرناها بإسحاق، ووهبنا له يعقوب، فأمّا الأوّل فقد نصّ سيبويه على قبح مثله نحو: مررت بزيد أول من أمس، وأمس عمرو، وكذلك قال أبو الحسن: قال: لو قلت: مررت بزيد اليوم، وأمس عمرو؛ لم يحسن، فأما الحمل على الموضع على حدّ:
مررت بزيد وعمرا، فالفصل فيه أيضا قبيح، كما قبح الحمل على الجر، وغير الجر في هذا في القياس مثل الجر في القبح، وذلك أن الفعل يصل بحرف العطف، وحرف العطف هو الذي يشرك في الفعل، وبه يصل الفعل إلى المفعول به، كما يصل بحرف الجر، ولو قال: مررت بزيد قائما، فجعل الحال من المجرور، لم يجز التقديم عند سيبويه، لأن الجارّ هو الموصل للفعل، فكما قبح التقديم عنده لضعف الجارّ والعامل، كذلك الحرف العاطف مثل الجار في أنه يشرك في الفعل، كما يوصل الجارّ الفعل، وليس نفس الفعل العامل في الموضعين جميعا، وإذا كان كذلك قبح الفصل بالظرف في العطف على الموضع، وقبح أيضا الفصل في حروف الرفع
[الحجة للقراء السبعة: 4/365]
والنصب، كما قبح [.....] إن العاطف فيهما مثله في الجار، وليس العامل نفس الرافع والناصب، كما أن العامل فيما بعد حرف العطف ليس الجارّ، إنّما يشركه فيه العاطف، وقد جاء ذلك في الشعر. قال ابن أحمر:
أبو حنش يؤرّقنا وطلق... وعبّاد وآونة أثالا
ففصل بالظرف في العطف على الرافع، وقال الأعشى:
[الحجة للقراء السبعة: 4/366]
يوما تراها كشبه أردية ال... عصب ويوما أديمها نغلا
ففصل بالظرف بين المشترك في النصب، وما أشركه فيه، فإذا قبح الفصل في الحمل على الموضع كما قبح الفصل في الحمل على الجار؛ فينبغي أن تحمل قراءة من قرأ: يعقوب بالنصب على فعل آخر مضمر، يدلّ عليه بشرنا كما تقدم، ولا يحمل على الوجهين الآخرين لاستوائهما في القبح). [الحجة للقراء السبعة: 4/367]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة محمد بن زياد الأعرابي: [فَضَحَكَتْ] فتحًا.
قال أبو الفتح: روى ابن مجاهد قال: قال أبو عبد الله بن الأعرابي: الضَّحْك: هو الحيض، وأنشد:
ضَحْكُ الأرانب فوق الصفا ... كمثل دم الجوف يوم اللِّقا
[المحتسب: 1/323]
قال: وأنشد:
فجاءت بِمَزْج لم يَرَ الناس مثله ... هو الضّحْك إلا أنه عمَل النحل
وبعد، فليس في اللغة ضحَكَت؛ وإنما هو ضَحِكت؛ أي: حاضت. قال أحمد بن يحيى: ضحِكت وطَمِثت لوقتها، والضَّحك: الشهد؛ وهو الثلج، وقال أحمد بن يحيى: وهو الطلع، قال محمد بن الحسن: قلت لأبي حاتم في قوله:
تضحك الضبْع لِقتلي هذيلٍ
قال: من أين لهم أن الضبُع تحيض؟ وقال: يا بني، إنما تكشِر للقتلى إذا رأتهم، كما قالوا: يضحك العَيْر إذا انتزع الصلِّيَانَة.
ويقال فيه:
تضحك الضبْع لقتلَى هذيل
أي: تستبشر لقتلاهم لتأكلهم، فيهِرُّ بعضها على بعض، فجلعه ضحِكًا.
وترى الذئب لها يستهلُّ
أي: يعوي، فيستدعي الذئاب فرحًا بذلك). [المحتسب: 1/324]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب}
[حجة القراءات: 346]
قرأ حمزة وابن عامر وحفص ومن وراء إسحاق يعقوب بالنّصب وقرأ الباقون بالرّفع
قال الزّجاج فأما من قرأ {ومن وراء إسحاق يعقوب} في موضع نصب فمحمول على المعنى، المعنى وهبنا لها إسحاق ووهبنا لها يعقوب ومن قرأ {يعقوب} فرفعه على ضربين أحدهما ابتداء مؤخر معناه التّقديم والمعنى ويعقوب يحدث لها من وراء إسحاق ويجوز أن يكون مرفوعا بالفعل الّذي يعمل في قوله {من وراء} كأنّه قال ويثبت لها من وراء إسحاق يعقوب). [حجة القراءات: 347]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (21- قوله: {يعقوب}، {قالت} قرأه ابن عامر وحمزة وحفص بالنصب، ورفعه الباقون.
وحجة من رفع أنه جعل {يعقوب} ابتداء، والظرف المقدّم خبره، وهو {من وراء إسحاق}، ويحتمل رفعه بالظرف الذي قبله.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/534]
22- وحجة من نصب أنه جعله في موضع خفض، لكن لا ينصرف للعجمة والتعريف، وهو معطوف على {إسحاق} والتقدير: فبشرناها بإسحاق ويعقوب. وفيه غمز عن سيبويه والأخفش للتفرقة بين {يعقوب} وبين حرف العطف بالظرف فكأنما فصلت بين الجار والمجرور بالظرف؛ لأن حق حرف الجر، أن يكون ملاصقًا لحرف العطف في اللفظ أو في المعنى، ولو قلت: ومن وراء إسحاق يعقوب، فجئت بحرف الجر ملاصقًا لحرف العطف لم يجز، كما أنك لو قلت: مررت بزيد وبفي الدار عمرو، لم يجز، ويقبح «وفي الدار عمرو» للتفرقة بالظرف، ولكن يجوز نصب {يعقوب} بحمله على موضع {بإسحاق} لأن {بإسحاق} في موضع نصب؛ لأنه مفعول به في المعنى، وفيه بعد أيضًا للفصل بين الناصب والمنصوب بالطرف، ألا ترى أنك لو قلت: رأيت زيدًا وفي الدار عمرًا، قبح للتفرقة بالظرف، ويجوز أن تنصب {يعقوب} وهو حسن، والرفع هو الاختيار لصحة إعرابه ولأن الأكثر من القراء عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/535]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [آية/ 71] بالنصب:
قرأها ابن عامر وحمزة و-ص- عن عاصم.
والوجه أن {يعقوبَ} منصوبٌ بفعل مضمر يدل عليه: بشرنا، كأنه قال بشرناها بإسحق ووهبنا له من وراء إسحق يعقوب.
ولا يجوز أن يكون عطفًا على قوله {بِإِسْحَاقَ}، فيكون مفتوحًا في موضع الجر، للفصل بينه وبين ما عُطف (به) بالجار والمجرور، ولو نصبته أيضًا على موضع {بِإِسْحَاقَ} لم يجز أيضًا لذلك.
وقرأ الباقون {يَعْقُوبُ} بالرفع.
والوجه أن {يَعْقُوبُ} مرفوع بالابتداء، والظرف الذي قبله خبره، وهو قوله تعالى {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ}.
ويجوز أن يكون مرفوعًا بأنه فاعٌ للظرف المقدم عند من يرى الظرف عاملًا في جميع المواضع، كأنه قال وحصل له من وراء إسحق يعقوب). [الموضح: 655]

قوله تعالى: {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعمش: [وَهَذَا بَعْلِي شَيخ].
قال أبو الفتح: الرفع في [شيخ] من أربعة أوجه:
أحدها: أن يكون [شيخ] خبر مبتدأ محذوف؛ كأنه قال: هذا شيخ، والوقف إذن على قوله: {وَهَذَا بَعْلِي} ؛ لأن الجملة هناك قد تمت، ثم استأنف جملة ثانية فقال: [هذا شيخ].
والثاني: أن يكون [بعلي] بدلًا من [هذا]، و[شيخ] هو الخبر.
[المحتسب: 1/324]
والثالث: أن يكون "شيخ" بدلًا من "بعلي"، وكأنه قال: هذا شيخ، كما كان التقدير فيما قبله: بعلي شيخ.
والرابع: أن يكون "بعلي" و"شيخ" جميعًا خبرًا عن هذا؛ كقولك: هذا حُلو حامض؛ أي: قد جمع الحلاوة والحموضة، وكذلك هذا: أي قد جمع البعولة والشيخوخة.
فإن قلت: فهل تجيز أن يكون "بعلي" وصفًا "لـ"هذا"؟ قيل: لا؛ وذلك أن هذا ونحو من أسماء الإشارة لا يوصف بالمضاف، ألا تراهم لم يجيزوا مررت بهذا ذي المال، كما أجاوزا مررت بهذا الغلام؟ وإذا لم يجز أن يكون "بعلي" وصفًا لـ"هذا" من حيث ذكرنا لم يجز أيضًا أن يكون عطف بيان له؛ لأن صورة عطف البيان صورة الصفة، فافهم ذلك.
وهنا وجه خامس: لكنه على قياس مذهب الكسائي؛ وذلك أنه يعتقد في خبر المبتدأ أبدًا أن فيه ضميرًا وإن لم يكن مشتقًّا من الفعل، نحو: زيد أخوك، وهو يريد النسب، فإذا كان كذلك فقياس مذهبه أن يكون "شيخ" بدلًا من الضمير في "بعلي"؛ لأنه خبر عن "هذا".
فإن قلت: فإن الكوفيين لا يُجيزون إبدال النكرة من المعرفة إلا إذا كان من لفظها، نحو قول الله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ}، وليس قبل "شيخ" معرفة من لفظه، قيل: أجل، إلا أن هذا اعتبار في الاسمين الملفوظ بكل واحد منهما، فأما الضمير فيه فعلى قياس قول من استودعه إياه فلا لفظ له أيضًا فيعتبر خلافُه أو وفاقُه، وإذا سقط ذلك ساغ، وجاز إبدال النكرة منه لِما ذكرنا من تقديم لفظه المخالف للفظها). [المحتسب: 1/325]

قوله تعالى: {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس