عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 4 صفر 1440هـ/14-10-2018م, 12:19 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون}
هذه آية أخرى يستدل بها كل عاقل، ويقطع أنها مما لا مدخل لصنم فيه، و"البحران" يريد بهما جميع الماء الملح وجميع الماء العذب حيث كان، فهو يعني به جملة هذا وجملة هذا، و"الفرات": الشديد العذوبة، و"الأجاج": الشديد الملوحة التي تميل إلى المرارة من ملوحته. قال الرماني: هو من: أججت النار، كأنه يحرق من حرارته. وقرأ عيسى الثقفي: "سيغ شرابه" بغير ألف وبشد الياء، وقرأ طلحة: "ملح" بفتح الميم وكسر اللام.
و"اللحم الطري": الحوت، وهو موجود في البحرين، وكذلك الفلك تجري في البحرين، وبقيت الحلية وهي اللؤلؤ والمرجان، فقال الزجاج وغيره: هذه عبارة تقتضي أن الحلية تخرج منهما، وهي إنما تخرج من الملح، وذلك يجوز، كما قال في آية أخرى: يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان، وكما قال: يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم، والرسل إنما هي من الإنس.
وقال بعض الناس: بل الحلية تخرج من البحرين; وذلك أن صدف اللؤلؤ إنما يلحقه - فيما يزعمون - ماء السماء، فمنه ما يخرج ويوجد الجوهر فيه، ومنه ما ينشق في البحر عند موته ويقطعه فيخرج جوهره بالعطش وغير ذلك من الحيل، فهذا هو من الماء الفرات، فنسب إليه الإخراج لما كان من الحلية بسبب، وأيضا فإن البحر الفرات كله ينصب في البحر الأجاج فيجيء الإخراج منهما جميعا، وقد خطئ أبو ذؤيب في قوله في صفة الجوهر:
فجاء بها ما شئت من لطمية ... على وجهها ماء الفرات يموج
وليس ذلك بخطإ على ما ذكرنا من تأويل هذه الفرقة.
و"الفلك" في هذا الموضع جمع بدليل صفته بجمع.
و"مواخر" جمع ماخرة، وهي التي تمخر الماء، أي تشقه، وقيل: الماخرة: التي تشق الريح، وحينئذ يحدث الصوت، والمخر: الصوت الذي يحدث من جري السفينة بالريح، وعبر المفسرون عن هذا بعبارات لا تختص باللفظة، فقال بعضهم: المواخر هي التي تجيء وتذهب بريح واحدة، وقال مجاهد: الريح تمخر السفن، ولا تمخر الريح من السفن إلا الفلك العظام، هكذا وقع لفظه في البخاري، والصواب أن تكون الفلك هي الماخرة لا الممخورة.
وقوله تعالى: {[لتبتغوا]} يريد بالتجارة والحج والغزو وكل سفر له وجه شرعي). [المحرر الوجيز: 7/ 208-210]

تفسير قوله تعالى: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير}
"يولج" معناه: يدخل، وهذه عبارة عن أن ما نقص من الليل زاد في النهار، فكأنه دخل فيه، وكذلك ما نقص من النهار يدخل في الليل. والألف واللام في الشمس والقمر هي للعهد، وقيل: هي زائدة لا معنى لها ولا تعريف. وهذا هو الصواب. و"الأجل المسمى" هو قيام الساعة، وقيل: آماد الليل وآماد النهار، فـ"أجل" - على هذا - اسم جنس. وقرأ جمهور القراء: "تدعون" بالتاء، وقرأ الحسن ويعقوب بالياء. و"القطمير": القشرة الرفيعة التي على نوى التمرة، هذا قول الناس الحجة، وقال جويبر عن رجاله: القطمير: القمع الذي في رأس التمرة، وقال الضحاك: والأول أشهر وأصوب). [المحرر الوجيز: 7/ 210]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم بين تعالى أمر الأصنام بثلاثة أشياء، كلها تعطي بطلانها: أولها أنها لا تسمع إن دعيت، والثاني أنها لا تجيب إن لو سمعت، وإنما جاء بهذه لأن لقائل متعسف أن يقول: عساها تسمع، والثالث أنها تتبرأ يوم القيامة من الكفار.
و يكفرون بشرككم أي: بأن جعلوهم شركاء لله، فأضاف الشرك إليهم من حيث هم قرروه، فهو مصدر مضاف إلى الفاعل، وقوله: "يكفرون" يحتمل أن يكون بكلام وعبارة يقدر الله الأصنام عليها، ويخلق لها إدراكا يقتضيها، ويحتمل أن يكون بما يظهر هناك من جمودها وبطولها عند حركة كل ناطق، ومدافعة كل محتج، فيجيء هذا على طريق التجوز، كما قال ذو الرمة:
وقفت على ربع لمية ناطق ... تخاطبني آثاره وأخاطبه
وأسقيه حتى كاد مما أبثه
... تكلمني أحجاره وملاعبه
وقوله تعالى: {ولا ينبئك مثل خبير} قال المفسرون - قتادة وغيره -: الخبير: أراد به تعالى نفسه، فهو الخبير الصادق الخبر، نبأ بهذا فلا شك في وقوعه. ويحتمل أن يكون قوله تعالى: {ولا ينبئك مثل خبير} من تمام ذكر الأصنام، كأنه قال: ولا يخبرك مثل من يخبر عن نفسه، وهي قد أخبرت عن نفسها بالكفر بهؤلاء).[المحرر الوجيز: 7/ 210-211]

رد مع اقتباس