عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 1 محرم 1436هـ/24-10-2014م, 11:29 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3)}

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : ( قوله عزّ وجلّ : {والسّماء والطّارق * وما أدراك ما الطّارق * النّجم الثّاقب * إن كلّ نفسٍ لّمّا عليها حافظٌ * فلينظر الإنسان ممّ خلق * خلق من مّاء دافقٍ * يخرج من بين الصّلب والتّرائب * إنّه على رجعه لقادرٌ * يوم تبلى السّرائر * فما له من قوّةٍ ولا ناصرٍ}.
أقسم اللّه تعالى بالسماء المعروفة، في قول جمهور المفسّرين. وقال قومٌ: السماء هنا المطر، والعرب تسمّي سماءً لما كان من السماء، وتسمّي السّحاب سماءً؛ قال الشاعر:
إذا نزل السماء بأرض قومٍ.......رعيناه وإن كانوا غضابا
وقال النابغة:
كالأقحوان غداة غبّ سمائه
و(الطّارق) الذي يأتي ليلاً، وهو اسم الجنس لكلّ ما يظهر أو يأتي ليلاً، ومنه نهي النبيّ [صلّى اللّه عليه وسلّم] الناس في أسفارهم أن يأتي الرجل أهله طروقاً. ومنه طروق الخيال، وقال الشاعر:
يا نائم الليل مغترًّا بأوّله.......إنّ الحوادث قد يطرقن أسحارا.
ثم بيّن تعالى الطارق الذي قصد من هذا الجنس المذكور، وهو {النّجم الثاقب}. وقيل: بل معنى الآية: والسماء وجميع ما يطرق فيها من الأمور والمخلوقات، ثمّ ذكر تعالى بعد ذلك –على جهة التنبيه– أجلّ الطارقات قدراً؛ وهو النجم الثاقب.
فكأنه تعالى قال: وما أدراك ما الطارق حقّ الطارق.
واختلف المتأوّلون في النجم الثاقب؛ فقال الحسن بن أبي الحسن ما معناه أنه اسم الجنس؛ لأنها كلّها باقيةٌ، أي: ظاهرة الضّوء، يقال: ثقب النجم. إذا أضاء، وثقبت النار كذلك، وثقبت الرائحة إذا سطعت، ويقال للموقد: أثقب نارك. أي: أضئها.
وقال ابن زيدٍ: أراد نجمًّا مخصوصاً وهو زحل، ووصفه بالثقوب؛ لأنه مبرّزٌ على الكواكب في ذلك.
وقال ابن عبّاسٍ: أراد الجدي.
وقال بعض هؤلاء: ثقب النجم إذا ارتفع، فإنما وصف زحلاً بالثّقوب لأنه أرفع الكواكب مكاناً.
وقال ابن زيدٍ أيضاً وغيره: النّجم الثاقب: الثّريّا، وهو الذي تطلق عليه العرب اسم الجنس معرّفاً). [المحرر الوجيز: 8/ 582-583]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وجواب القسم في قوله تعالى: {إن كلّ نفسٍ}.
وقرأ جمهور الناس: {لما} مخفّفة الميم. قال الحذّاق من النّحويّين وهم البصريّون: {إن} مخفّفةٌ من الثّقيلة، واللام لام التأكيد الداخلة على الخبر. وقال الكوفيّون: {إن} بمعنى (ما) النافية، واللام بمعنى (إلاّ)، فالتّقدير: ما كلّ نفسٍ إلاّ عليها حافظٌ.
وقرأ عاصمٌ، وابن عامرٍ، وحمزة، والكسائيّ، والأعرج وأبو عمرٍو، ونافعٌ –بخلافٍ عنهما– وقتادة: {لمّا} بتشديد الميم، وقال أبو الحسن الأخفش: {لمّا} بمعنى (إلاّ) لغةٌ مشهورةٌ في هذيلٍ وغيرهم، تقول: أقسمت عليك لمّا فعلت كذا. أي: إلاّ فعلت كذا.
ومعنى هذه الآية – فيما قال قتادة وابن سيرين وغيرهما – إنّ كلّ نفسٍ مكلّفةٍ فعليها حافظٌ يحصي أعمالها ويعدّها للجزاء عليها. وبهذا الوجه تدخل الآية في الوعيد الزّاجر.
وقال الفرّاء: المعنى: عليها حافظٌ يحفظها، حتى يسلمها إلى القدر. وهذا قولٌ فاسد المعنى؛ لأنّ مدّة الحفظ إنّما هي بقدرٍ. وقال أبو أمامة: قال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في تفسير هذه الآية: « إنّ لكلّ نفسٍ حفظةً من اللّه تعالى يذبّون عنها كما يذبّ عن العسل، ولو وكل المرء إلى نفسه طرفة عينٍ لاختطفته الغير والشّياطين» ). [المحرر الوجيز: 8/ 584]

تفسير قوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فلينظر الإنسان ممّ خلق}؛ توقيفٌ لمنكري البعث على أصل الخلقة الدّالّة على أنّ البعث جائزٌ ممكنٌ، ثمّ بادر اللّفظة إلى الجواب؛ اقتضاباً وإسراعاً إلى إقامة الحجّة؛ إذ لا جواب لأحدٍ إلاّ هذا.
{دافقٍ} قال كثيرٌ من المفسّرين: هو بمعنى مدفوقٍ. وقال الخليل وسيبويه: هو على النّسب، أي: ذا دفقٍ. والدّفق: دفع الماء بعضه ببعضٍ، كدفع الوادي والسّيل إذا جاء يركب بعضه بعضاً، ويصحّ أن يكون الماء دافقاً؛ لأنّ بعضه يدفع بعضاً، فمنه دافقٌ ومدفوقٌ). [المحرر الوجيز: 8/ 584-585]

تفسير قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {يخرج من بين الصّلب والتّرائب} قال قتادة والحسن وغيرهما: معناه: من بين صلب كلّ واحدٍ من الرّجل والمرأة وترائبه. وقال سفيان وقتادة أيضاً وجماعةٌ: من بين صلب الرّجل وترائب المرأة.
والضمير في {يخرج} يحتمل أن يكون للإنسان، ويحتمل أن يكون للماء.
وقرأ الجمهور: {الصّلب} بسكون اللام، وقرأ أهل مكة وعيسى: (الصّلب) بضمّ اللام على الجمع.
و(التّريبة) من الإنسان: ما بين التّرقوة إلى الثّدي، وقال أبو عبيدة: معلّق الحليّ على الصّدر. وجمع ذلك (تريبٌ)، قال المثقّب العبديّ:
ومن ذهبٍ يسنّ على تريبٍ.......كلون العاج ليس بذي غضون
وقال امرؤ القيس:
... ... ... ..........ترائبها مصقولةٌ كالسّجنجل
فجمع التّريبة وما حولها، فجعل ذلك ترائب.
وقال مكّيٌّ عن ابن عبّاسٍ: إنّ التّرائب أطراف المرء؛ رجلاه ويداه وعيناه.
وقال معمرٌ: التّرائب جمع تريبةٍ وهي عصارة القلب، ومنها يكون الولد. وفي هذه الأقوال تحكّمٌ على اللّغة.
وقال ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما: الترائب موضع القلادة. وقال أيضاً: هي ما بين ثديي المرأة.
وقال ابن جبيرٍ: هي أضلاع الرجل التي أسفل الصّلب.
وقال مجاهدٌ: هي الصّدر. وقال: هي التّراقي. وقال: هي ما بين المنكبين والصّدر). [المحرر الوجيز: 8/ 585-586]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إنّه على رجعه} الضمير في {إنّه} لله تعالى، واختلف المفسّرون في الضمير في {رجعه}؛ فقال ابن عبّاسٍ وقتادة: هو عائدٌ على الإنسان، أي: على ردّه حيًّا بعد موته.
وقال الضّحّاك: هو عائدٌ على الإنسان، لكنّ المعنى: يرجعه ماءً كما كان أوّلاً.
وقال الضّحّاك أيضاً: يرجعه من الكبر إلى الشّباب.
وقال عكرمة ومجاهدٌ: هو عائدٌ على الماء، أي: يردّه في الإحليل. وقيل: في الصّلب.
والعامل في {يوم} –على هذين القولين الأخيرين– فعلٌ مضمرٌ تقديره: اذكر يوم تبلى السرائر. وعلى القول الأوّل –وهو أظهر الأقوال وأبينها– اختلفوا في العامل في {يوم}؛ فقال بعضهم: العامل {ناصرٍ} من قوله تعالى: {ولا ناصرٍ}.
وقيل: العامل (الرّجع) من قوله تعالى: {على رجعه}. قالوا: وفي المصدر من القوّة بحيث يعمل وإن حال خبران بينه وبين معموله.
وقيل: العامل فعلٌ مضمرٌ تقديره: {إنّه على رجعه لقادرٌ} يرجعه {يوم تبلى السّرائر}.
وكلّ هذه الفرق فرّت من أن يكون العامل (قادرٌ)؛ لأنّ ذلك يظهر منه تخصيص القدرة في ذلك اليوم وحده، وإذا تؤمّل المعنى وما يقتضيه فصيح كلام العرب جاز أن يكون العامل (قادرٌ)؛ وذلك أنه على رجعه لقادرٌ، أي: على الإطلاق أوّلاً وآخراً وفي كلّ وقتٍ، ثمّ ذكر تعالى وخصّص من الأوقات الوقت الأهمّ على الكفّار؛ لأنّه وقت الجزاء والوصول إلى العذاب، فتجتمع النّفوس إلى حذره والخوف منه.
و{تبلى السّرائر} معناه: تختبر وتكتشف بواطنها، وروى أبو الدرداء عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ السرائر التي يبتليها اللّه تعالى من العباد: التوحيد، والصلاة، والزكاة، والغسل من الجنابة، وصوم رمضان.
قال القاضي أبو محمّدٍ رحمه اللّه:وهذه عظم الأمر. وقال أبو قتادة: الوجه في الآية العموم في جميع السّرائر). [المحرر الوجيز: 8/ 586]

تفسير قوله تعالى: {فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وليس يمتنع في الدّنيا من المكاره إلاّ بأحد وجهين: إمّا بقوّةٍ في ذات الإنسان، وإمّا بناصرٍ خارجٍ عن ذاته، فأخبر اللّه تعالى عن الإنسان أنه يعدمهما يوم القيامة، فلا يعصمه من أمر اللّه تعالى شيءٌ). [المحرر الوجيز: 8/ 586-587]


رد مع اقتباس