عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 3 محرم 1436هـ/26-10-2014م, 08:24 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم وقفه تعالى على المراتب التي درجه فيها بإنعامه عليه، فقال: {ألم يجدك يتيمًا فآوى}؟ والمعنى: ألم يجدك تحفّي اللّه وإنعامه، ويتمه كان فقد أبيه وكونه في كنف عمّه أبي طالبٍ. وقيل لجعفر بن محمّدٍ الصادق: لم يتّم النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من أبويه؟ قال: «لئلاّ يكون عليه حقٌّ لمخلوقٍ».
وقرأ الأشهب العقيليّ: (فأوى) بالقصر، بمعنى: رحم، يقال: أويت لفلانٍ. أي: رحمته). [المحرر الوجيز: 8/ 640]

تفسير قوله تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ووجدك ضالًّا} أي: وجدك إنعامه بالنبوّة والرسالة على غير الطريق التي أنت عليها في نبوّتك فهدى. هذا قول الحسن والضّحّاك وفرقةٍ.
و(الضّلال) مختلفٌ؛ فمنه البعيد ومنه القريب، فالبعيد ضلال الكفار الذين يعبدون الأصنام، ويحتجّون لذلك ويغتبطون به، وكان هذا الضلال الذي ذكره اللّه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أقرب ضلالٍ، وهو الكون واقفًا لا يميّز المهيع، لا لأنه تمسّك بطريقٍ آخر، بل كان يرتاد وينظر.
وقال السّدّيّ:« أقام على أمر قومه أربعين سنةً». وقيل: معنى {ووجدك ضالًا}: تنسب إلى الضلال. وقال الكلبيّ: «وجدك في قوم ضلالٍ، فكأنّك واحدٌ منهم».
قال القاضي أبو محمّدٍ رحمه اللّه: «ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يعبد صنمًا قطّ، ولكنّه أكل ذبائحهم؛ حسب حديث زيد بن عمرٍو في أسفل بلدح، وجرى على يسيرٍ من أمرهم، وهو مع ذلك ينظر خطأ ما هم عليه، ودفع من عرفاتٍ، وخالفهم في أشياء».
وقال ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما: «هو ضلاله وهو صغيرٌ في شعاب مكة، ثمّ ردّه اللّه تعالى إلى جدّه عبد المطّلب». وقيل: هو ضلاله من حليمة مرضعته.
وقال التّرمذيّ وعبد العزيز بن يحيى: {ضالًّا}: «خامل الذّكر، لا يعرفك الناس، فهداهم إليك ربّك».
والصواب أنه ضلال من توقّف لا يدري، كما قال عزّ وجلّ: {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان}؟!
وقال ثعلبٌ: «هو تزويجه عليه السلام بنته في الجاهلية، ونحو ذلك»). [المحرر الوجيز: 8/ 640-641]

تفسير قوله تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و(العائل): الفقير. وقرأ اليمانيّ: (عيّلًا) ـ بشدّ الياء المكسورة ـ ومنه قول الشاعر:
وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغنيّ متى يعيل
وأعال: كثر عياله، وعال: افتقر، ومنه قول اللّه عزّ وجلّ: {وإن خفتم عيلةً}.
وقوله تعالى: {فأغنى} قال مقاتلٌ: معناه: رضاك بما أعطاك من الرّزق. وقيل: فقيرًا إليه فأغناك به. والجمهور على أنه فقر المال وغناه. والمعني في النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنه أغنى الأغنياء بالصبر والقناعة، وقد حبّبا إليه.
وقيل: أغني بالكفاف؛ لتصرّفه في مال خديجة رضي اللّه عنها، ولم يكن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قطّ كثير المال، رفّعه اللّه عن ذلك، وقال: «ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكنّ الغنى غنى النّفس» ). [المحرر الوجيز: 8/ 641]

تفسير قوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ولمّا عدّد اللّه تعالى عليه هذه النّعم الثلاث وصّاه بثلاث وصايا في كلّ نعمةٍ وصيةٌ مناسبةٌ لها؛ فبإزاء قوله تعالى: {ألم يجدك يتيمًا فآوى} قوله تعالى: {فأمّا اليتيم فلا تقهر}، وبإزاء قوله تعالى: {ووجدك ضالًا فهدى} قوله تعالى: {وأمّا السّائل فلا تنهر}. هذا على قول من قال: إن السائل هنا هو السائل عن العلم والدين، وليس بسائل المال. وهو قول الحسن وأبي الدرداء وغيرهما. وبإزاء قوله تعالى: {ووجدك عائلًا فأغنى} قوله تعالى: {وأمّا بنعمة ربّك فحدّث}.
وأمّا من قال: إنّ السائل سائل المال المحتاج. وهو قول الفرّاء وجماعةٍ، فقد جعلها بإزاء قوله تعالى: {ووجدك عائلًا فأغنى}، وجعل قوله تعالى: {وأمّا بنعمة ربّك فحدّث} بإزاء قوله تعالى: {ووجدك ضالًا فهدى}.
وقال إبراهيم بن أدهم: نعم القوم السّؤّال؛ يحملون زادنا إلى الآخرة.
وقوله تعالى: {فلا تنهر} معناه: ردّ ردًّا جميلًا؛ إما بعطاءٍ، أو بقولٍ حسنٍ.
وفي مصحف ابن مسعودٍ: (ووجدك عديمًا فأغنى).
وقرأ ابن مسعودٍ، والشّعبيّ، وإبراهيم التّيميّ: (فأمّا اليتيم فلا تكهر) ـ بالكاف ـ قال الأخفش: «وهي بمعنى القهر»، ومنه قول الأعرابيّ: (وقاكم اللّه سطوة القادر، وملكة الكاهر).
وقال أبو حاتمٍ: «لا أظنّها بمعنى القهر؛ لأنّه قد قال الأعرابيّ الذي بال في المسجد: (فما كهرني النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم) فإنما هي بمعنى الانتهار».
وأمره اللّه تعالى بالتحدّث بنعمته فقال مجاهدٌ والكلبيّ: معناه: بثّ القرآن وبلّغ ما أرسلت به.
وقال آخرون: بل هو عمومٌ في جميع النّعم. وكان بعض الصالحين يقول: لقد أعطاني اللّه كذا وكذا، ولقد صلّيت البارحة كذا وكذا، وذكرت اللّه تعالى كذا. فقيل له: إنّ مثلك لا يقول هذا. فقال: إنّ اللّه تعالى يقول: {وأمّا بنعمة ربّك فحدّث} وأنتم تقولون: لا تحدّث!!
وقال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «التّحدّث بالنّعم شكرٌ»، ومنه قول النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «من أسديت إليه يدٌ فذكرها فقد شكرها، ومن سترها فقد كفرها».
ونصب {اليتيم} بـ {تقهر}، والتقدير: مهما يكن من شيءٍ فلا تقهر اليتيم). [المحرر الوجيز: 8/ 641-642]


رد مع اقتباس