عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 30 جمادى الأولى 1434هـ/10-04-2013م, 06:06 PM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 1,618
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى لبدا قال لما بعث الله النبي تلبدت الجن والإنس فحرصوا على أن يطفئوا هذا النور الذي أنزل إليه.
عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال: قال الزبير كان ذلك بنخلة والنبي يقرأ في العشاء). [تفسير عبد الرزاق: 2/323]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: {لبدًا} [الجن: 19] : «أعوانًا»). [صحيح البخاري: 6 / 160]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله قال ابن عبّاسٍ لبدًا أعوانًا هو عند التّرمذيّ في آخر حديث بن عبّاس المذكور في هذا الباب ووصله بن أبي حاتمٍ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ هكذا وقراءة الجمهور بكسر اللّام وفتح الباء وهشامٍ وحده بضمّ اللّام وفتح الموحّدة فالأولى جمع لبدةٍ بكسرٍ ثمّ سكونٍ نحو قربةٍ وقربٍ واللّبدة واللّبد الشّيء الملبّد أي المتراكب بعضه على بعضٍ وبه سمّي اللّبد المعروف والمعنى كادت الجنّ يكونون عليه جماعاتٍ متراكبةٍ مزدحمين عليه كاللّبدة وأمّا الّتي بضمّ اللّام فهي جمع لبدةٍ بضمٍّ ثمّ سكونٍ مثل غرفةٍ وغرفٍ والمعنى أنّهم كانوا جمعًا كثيرًا كقوله تعالى مالًا لبدًا أي كثيرًا وروي عن أبي عمرٍو أيضًا بضمّتين فقيل هي جمع لبودٍ مثل صبرٍ وصبورٍ وهو بناء مبالغة وقرأ بن محيصنٍ بضمٍّ ثمّ سكونٍ فكأنّها مخفّفةٌ من الّتي قبلها وقرأ الجحدريّ بضمّةٍ ثمّ فتحةٍ مشدّدة جمع لا بد كسجّدٍ وساجدٍ وهذه القراءات كلّها راجعةٌ إلى معنًى واحدٍ وهو أنّ الجنّ تزاحموا على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا استمعوا القرآن وهو المعتمد وروى عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة قال لمّا قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تلبّدت الإنس والجنّ وحرصوا على أن يطفئوا هذا النّور الّذي أنزله اللّه تعالى وهو في اللّفظ واضحٌ في القراءة المشهورة لكنّه في المعنى مخالفٌ قوله بخسًا نقصًا ثبت هذا للنّسفيّ وحده وتقدّم في بدء الخلق). [فتح الباري: 8 / 670]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال ابن عبّاس لبدا أعوانا
قال ابن أبي حانم ثنا أبي ثنا أبو صالح ثنا معاوية عن علّي عن ابن عبّاس في قوله 19 الجنّ لبدا قال أعوانا
ورواه الحاكم في المستدرك من طريق مغيرة عن أبي معشر عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس بمعناه). [تغليق التعليق: 4 / 349]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: لبدا: أعوانا
أي: قال ابن عبّاس في قوله تعالى: {وإنّه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا} (الجنّ: 19) ووصل هذا التّعليق ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه هكذا. قوله: (لبدا) ، يعني: مجتمعين يركب بعضهم بعضًا ويزدحمون ويسقطون حرصا منهم على استماع القرآن، وعن الحسن وقتادة وابن زيد يعني لما قام عبد الله بالدعوة تلبدت الإنس والجنّ وتظاهروا عليه ليبطلوا الحق الّذي جاءهم به ويطفؤا نور الله فأبى الله إلاّ أن يتم هذا الأمر وينصره ويظهره على من ناواه. وقال النّسفيّ في (تفسيره) وأصل اللبد الجماعات بعضها فوق بعض جمع لبدة وهي ما تلبد بعضه على بعض، ومنه سمي اللبد لتراكمه، وعاصم كان يقرؤها بفتح اللّام وبضم الّذي في سورة البلد، وفسّر لبدا بكثير هناك، ولبدا هنا باجتمع بعضها على بعض، وقرئ بضم اللّام والباء وهو جمع لبود، وقرئ: لبدا جمع لابد كراكع وركع، فهذه أربع قراءات. قوله: (أعوانا) ، جمع عون وهو الظهير على الأمر، وهو مكرر في بعض النّسخ أعني: ذكر مرّتين). [عمدة القاري: 19 / 263]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (قال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم (لبدًا) بكسر اللام ولأبي ذر بضمها وهي قراءة هشام.
(أعوانًا) جمع عون وهو الظهير). [إرشاد الساري: 7 / 401]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وأنّه لمّا قام عبد اللّه يدعوه كادوا يكونون عليه لبدًا}. يقول: وأنّه لمّا قام محمّدٌ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو اللّه يقول: لا إله إلاّ اللّه {كادوا يكونون عليه لبدًا}. يقول: كادوا يكونون على محمّدٍ جماعاتٍ بعضها فوق بعضٍ؛ واحدها: لبدةٌ، وفيها لغتان: كسر اللاّم (لبدةٌ)، ومن كسرها جمعها (لبدٌ)؛ وضمّ اللاّم (لبدةٌ)، ومن ضمّها جمعها (لبدٌ) بضمّ اللاّم، ولابدٌ؛ ومن جمع لابدٌ قال: لبّدًا، مثل راكعٍ وركّعًا. وقرأة الأمصار على كسر اللاّم من لبدٍ، غير ابن محيصنٍ فإنّه كان يضمّها، وهما بمعنًى واحدٍ؛ غير أنّ القراءة الّتي عليها قرّاء الأمصار أحبّ إليّ، والعرب تدعو الجراد الكثير الّذي قد ركب بعضه بعضًا لبدةٌ؛ ومنه قول عبد مناف بن ربعٍ الهذليّ:
صابوا بستّة أبياتٍ وأربعةٍ = حتّى كأنّ عليهم جابيًا لبدا
والجابي: الجراد الّذي يجبي كلّ شيءٍ يأكله.
واختلف أهل التّأويل في الّذين عنوا بقوله: {كادوا يكونون عليه لبدًا}، فقال بعضهم: عني بذلك الجنّ أنّهم كادوا يركبون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا سمعوا القرآن.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وأنّه لمّا قام عبد اللّه يدعوه كادوا يكونون عليه لبدًا}. يقول: لمّا سمعوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يتلو القرآن كادوا يركبونه من الحرص لمّا سمعوه يتلو القرآن، ودنوا منه فلم يعلم بهم حتّى أتاه الرّسول، فجعل يقرئه: {قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجنّ}.
- حدّثت، عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {كادوا يكونون عليه لبدًا}. كادوا يركبونه حرصًا على ما سمعوا منه من القرآن.
قال أبو جعفرٍ: ومن قال هذا القول جعل قوله: {وأنّه لمّا قام عبد اللّه} ممّا أوحي إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فيكون معناه: قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجنّ، وأنّه لمّا قام عبد اللّه يدعوه.
وقال آخرون: بل هذا من قول النّفر من الجنّ لمّا رجعوا إلى قومهم أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم له، وائتمامهم به في الرّكوع والسّجود.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن معمرٍ، قال: حدّثنا أبو هشامٍ، عن أبي عوانة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: قول الجنّ لقومهم: {لمّا قام عبد اللّه يدعوه كادوا يكونون عليه لبدًا}. قال: لمّا رأوه يصلّي وأصحابه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده، قال: عجبوا من طواعية أصحابه له؛ قال: فقال لقومهم {لمّا قام عبد اللّه يدعوه كادوا يكونون عليه لبدًا}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن زيادٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {وأنّه لمّا قام عبد اللّه يدعوه كادوا يكونون عليه لبدًا}. قال: كان أصحاب نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يأتمّون به، فيركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده.
ومن قال هذا القول الّذي ذكرناه عن ابن عبّاسٍ وسعيدٍ يفتح الألف من قوله: {وأنّه} عطفٌ بها على قوله: {وأنّه تعالى جدّ ربّنا} مفتوحةً، وجاز له كسرها على الابتداء.
وقال آخرون: بل ذلك من خبر اللّه الّذي أوحاه إلى نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم لعلمه أنّ الإنس والجنّ تظاهروا عليه، ليبطلوا الحقّ الّذي جاءهم به، فأبى اللّه إلاّ إتمامه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وأنّه لمّا قام عبد اللّه يدعوه كادوا يكونون عليه لبدًا}. قال: تلبّدت الإنس والجنّ على هذا الأمر ليطفئوه، فأبى اللّه إلاّ أن ينصره ويمضيه، ويظهره على من ناوأه.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة في قوله: {لبدًا}. قال: لمّا قام النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم تلبّدت الجنّ والإنس، فحرصوا على أن يطفئوا هذا النّور الّذي أنزله اللّه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {كادوا يكونون عليه لبدًا}. قال: تظاهروا عليه بعضهم على بعضٍ، تظاهروا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
ومن قال هذا القول فتح الألف من قوله: {وأنّه}.
وأولى الأقوال بالصّواب في ذلك قول من قال: ذلك خبرٌ من اللّه عن أنّ رسوله محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا قام يدعوه كادت العرب تكون عليه جميعًا في إطفاء نور اللّه.
وإنّما قلنا ذلك أولى التّأويلات بالصّواب لأنّ قوله: {وأنّه لمّا قام عبد اللّه يدعوه} عقيب قوله: {وأنّ المساجد للّه} وذلك من خبر اللّه فكذلك قوله: {وأنّه لمّا قام عبد اللّه يدعوه} وأخرى أنّه تعالى ذكره أتبع ذلك قوله: {فلا تدعوا مع اللّه أحدًا} فمعلومٌ أنّ الّذي يتبع ذلك الخبر عمّا لقي المأمور بأن لا يدعو مع اللّه أحدًا في ذلك، لا الخبر عن كثرة إجابة المدعوّين وسرعتهم إلى الإجابة.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا هوذة، قال: حدّثنا عوفٌ، عن الحسن، في قوله: {وأنّه لمّا قام عبد اللّه يدعوه}. قال: لمّا قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: لا إله إلاّ اللّه، ويدعو النّاس إلى ربّهم كادت العرب تلبّد عليه جميعًا.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى، قال: حدّثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن رجلٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {كادوا يكونون عليه لبدًا}. قال: تراكبوا عليه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن سعيد بن جبيرٍ {كادوا يكونون عليه لبدًا}. قال: بعضهم على بعضٍ.
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله {كادوا يكونون عليه لبدًا}. يقول: أعوانًا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {كادوا يكونون عليه لبدًا}. قال: جميعًا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ {كادوا يكونون عليه لبدًا}. قال: جميعًا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ {كادوا يكونون عليه لبدًا}. واللّبد: الشّيء الّذي بعضه فوق بعضٍ). [جامع البيان: 23 / 342-347]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني أبو أحمد الحسين بن عليٍّ التّميميّ، أنبأ عبد اللّه بن محمّد بن عبد العزيز، حدّثني جدّي أحمد بن منيعٍ، ثنا هشيمٌ، أخبرني مغيرة، عن أبي معشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، في قوله تعالى: {كادوا يكونون عليه لبدًا} [الجن: 19] قال: «كانوا يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده، يعني الجنّ» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2 / 547]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت) ابن عباس - رضي الله عنهما -: قال: ما قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الجنّ ولا رآهم، انطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسل عليهم الشّهب، فرجعت الشّياطين إلى قومهم، فقالوا: مالكم؟ قيل: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب، قالوا: وما ذاك إلا من شيءٍ حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فمرّ النفر الذين أخذوا نحو تهامة بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو بنخلٍ عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلّي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن، استمعوا له، وقالوا: هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء، فرجعوا إلى قومهم، فقالوا: (يا قومنا إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرّشد فآمنّا به ولن نشرك بربنا أحداً) فأنزل الله عز وجل على نبيه - صلى الله عليه وسلم - {قل أوحى إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجن} [الجن: 1].
زاد في رواية: وإنما أوحي إليه قول الجنّ.
أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي.
قال الترمذي: وبهذا الإسناد قال: قول الجنّ لقومهم {لما قام عبد اللّه يدعوه كادوا يكونون عليه لبداً} [الجن: 19] قال: لما رأوه يصلّي، وأصحابه يصلون بصلاته، ويسجدون بسجوده، قال: تعجّبوا من طواعية أصحابه له، قالوا لقومهم: لما قام عبد اللّه يدعوه، كادوا يكونون عليه لبداً.
[شرح الغريب]
(عامدين) عمدت إلى الشيء: قصدت نحوه.
(حيل) حلت بين الشيئين: فصلت بينهما، ومنعت أحدهما من الآخر.
(لبداً) أي: مجتمعين بعضهم على بعض، وهي جمع لبدة). [جامع الأصول: 2 / 414-416]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {كادوا يكونون عليه لبدًا} [الجن: 19].
- عن عكرمة وغيره «نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن قال: بنخلة، ورسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - يصلّي العشاء الآخرة {كادوا يكونون عليه لبدًا} [الجن: 19]. قال سفيان: اللّبد بعضهم على بعضٍ [كاللّبد بعضه على بعضه]».
رواه أحمد، ورجاله رجال الصّحيح). [مجمع الزوائد: 7 / 129]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قال إسحاق بن راهويه: أبنا عبد الرزاق، أبنا معمرٌ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو بن عبدان الثّقفيّ أنّه قال لابن مسعودٍ- رضي اللّه عنه-: "حدثت أنّك كنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة الجنّ. فقال: أجل ... " فذكر الحديث- يعني نحو حديث علقمة وقال: "خطّ عليّ خطّاً، وقال: لا تبرح. فلمّا جاء قال لي: لو خرجت من الخطّ لم آمن أن يتخطّفك بعضهم، وقال: الجنّ تشاجروا في قتيل بينهم. فقضى بينهم بالحقّ، فقال: رأيتهم مستثفرين بثياب بعض، وقال: هم من نصيبين حين سألوه الزاد".
- قال: وأبنا جريرٌ، ثنا قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن مسعودٍ- رضي اللّه عنه- قال "انطلق النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وانطلق بي معه حتّى انتهى إلى البرّاز، ثم خط لي خطّاً فقال: لا تبرح حتّى أرجع إليك. فما جاء حتّى جاء السّحر فقال: أرسلت إليّ الجنّ. فقلت: فما هذه الأصوات الّتي أسمعها؟ قال: هي أصواتهم حين ودّعوني وسلّموا عليّ". هذا إسناد ضعيف؟ لضعف قابوس بن أبي ظبيان.
- وقال محمّد بن يحيى بن أبي عمر: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن الزّبير بن العوّام- رضي اللّه عنه-: "في قول اللّه- عزّ وجل-: (كادوا يكونون عليه لبداً) قال: ذلك بنخلة، والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي ويقرأ في العشاء، ركب بعضهم بعضًا يستمعون القرآن. قال سفيان: مثل اللّبد بعضهم فوق بعضٍ".
- رواه أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا بن عيينة، عن عمرٍو، عن عكرمة "في قوله تعالى: (وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ) قال الزّبير: ذلك بنخلة ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ في العشاء (كادوا يكونون علينا لبداً) ".
- ورواه أحمد بن حنبلٍ: ثنا سفيان قال عمرٌو: سمعت عكرمة يقول: " (وإذ صرفنا إليك) وقرئ على سفيان، عن الزبير: (نفراً من الجنّ يستمعون القرآن) قال: بنخلة ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي العشاء الآخرة (كادوا يكونون عليه لبداً) قال سفيان: اللّبد بعضهم على بعضٍ"). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6 / 293-294] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 19 - 28.
أخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن مسعود قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة إلى نواحي مكة فخط لي خطا وقال: لا تحدثن شيئا حتى آتيك ثم قال: لا يهولنك شيء تراه فتقدم شيئا ثم جلس فإذا رجال سود كأنهم رجال الزط وكانوا كما قال الله تعالى: {كادوا يكونون عليه لبدا}). [الدر المنثور: 15 / 28]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا} قال: لما سمعوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم يتلوا القرآن كادوا يركبونه من الحرص لما سمعوه يتلو القرآن ودنوا منه فلم يعلم بهم حتى أتاه الرسول فجعل يقرئه {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الزبير بن العوام مثله). [الدر المنثور: 15 / 28]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد والترمذي والحاكم وصححاه، وابن جرير، وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله: {وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا} قال: لما أتى الجن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بأصحابه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده فعجبوا من طواعية أصحابه له فقالوا لقومهم: {لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا}). [الدر المنثور: 15 / 28-29]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {وأنه لما قام عبد الله يدعوه} أي يدعو إليه). [الدر المنثور: 15 / 29]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا} قال: لما قام نبي الله صلى الله عليه وسلم تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفئوه فأبى الله إلا أن ينصره ويظهره على من ناوأه). [الدر المنثور: 15 / 29]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن الحسن {وأنه لما قام عبد الله يدعوه} قال: لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا إله إلا الله ويدعو الناس إلى ربهم كادت العرب تلبد عليه جميعا). [الدر المنثور: 15 / 29]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {كادوا يكونون عليه لبدا} قال: أعوانا). [الدر المنثور: 15 / 29]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: (يكونون عليه لبدا) قال:جميعا). [الدر المنثور: 15 / 30]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد من طريق أبي بكر عن أبي عاصم أنه قرأ {يكونون عليه لبدا} بكسر اللام ونصب الباء وفي (لا أقسم بهذا البلد) (مالا لبدا) برفع اللام ونصب الباء وفسرها أبو بكر فقال: (لبدا) كثيرا و(لبدا) بعضها على بعض). [الدر المنثور: 15 / 30]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل إنّما أدعو ربّي ولا أشرك به أحدًا (20) قل إنّي لا أملك لكم ضرًّا ولا رشدًا (21) قل إنّي لن يجيرني من اللّه أحدٌ ولن أجد من دونه ملتحدًا}.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {قل إنّما أدعو ربّي} فقرأته عامّة قرأة المدينة والبصرة وبعض الكوفيّين على وجه الخبر (قال) بالألف؛ ومن قرأ ذلك كذلك، جعله خبرًا من اللّه عن نبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال، فيكون معنى الكلام: وأنّه لمّا قام عبد اللّه يدعوه تلبّدوا عليه، قال لهم: إنّما أدعو ربّي ولا أشرك به أحدًا.
وقرأ ذلك بعض المدنيّين وعامّة قرأة الكوفة على وجه الأمر من اللّه عزّ وجلّ لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل} يا محمّد للنّاس الّذين كادوا يكونون عليك لبدًا: إنّما أدعو ربّي ولا أشرك به أحدًا.
والصّواب من القول في ذلك أنّهما قراءتان معروفتان، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ). [جامع البيان: 23 / 347-348]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {قل إنما أدعو ربي} بغير ألف). [الدر المنثور: 15 / 30]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {قل إنّي لا أملك لكم ضرًّا ولا رشدًا}. يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لمشركي العرب الّذين ردّوا عليك ما جئتهم به من النّصيحة: إنّي لا أملك لكم ضرًّا في دينكم ولا في دنياكم، ولا رشدًا أرشدكم، لأنّ الّذي يملك ذلك، اللّه الّذي له ملك كلّ شيءٍ). [جامع البيان: 23 / 348]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ملتحدا قال ملجأ). [تفسير عبد الرزاق: 2/323]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {قل إنّي لن يجيرني من اللّه أحدٌ}. يقول له: قل يا محمّد لهم: إنّي لن يمنعني من اللّه أحدٌ من خلقه إذا أرادني أمرًا، ولا ينصرني منه ناصرٌ.
وذكر أنّ هذه الآية أنزلت على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، لأنّ بعض الجنّ قال: أنا أجيره.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: زعم حضرميٌّ أنّه ذكر له أنّ جنيًّا من الجنّ من أشرافهم ذا تبعٍ، قال: إنّما يريد محمّدٌ أن نجيره، وأنا أجيره فأنزل اللّه: {قل إنّي لن يجيرني من اللّه أحدٌ}.
وقوله: {ولن أجد من دونه ملتحدًا}. يقول: ولن أجد من دون اللّه ملجأً ألجأ إليه.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {ولن أجد من دونه ملتحدًا}. أي: ملجأً ونصيرًا.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {ملتحدًا}. قال: ملجأً.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان {ولن أجد من دونه ملتحدًا}. يقول: ناصرًا). [جامع البيان: 23 / 348-349]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن حضرمي، قال: ذكر لنا أن جنيا من الجن من أشرافهم ذا تبع قال: إنما يريد محمد أن نجيره وأنا أجيره فأنزل الله {قل إني لن يجيرني من الله أحد} الآية). [الدر المنثور: 15 / 30]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال: انطلقت مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة الجن حتى أتى الحجون فخط علي خطا ثم تقدم إليهم فازدحموا عليه فقال سيدهم يقال له وردان: ألا أرجلهم عنك يا رسول الله قال: {إني لن يجيرني من الله أحد}). [الدر المنثور: 15 / 30-31]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك في قوله: {ولن أجد من دونه ملتحدا} قال: ملجأ). [الدر المنثور: 15 / 31]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {ولن أجد من دونه ملتحدا} قال: ملجأ ولا نصيرا إلا بلاغا من الله ورسالاته، قال: هذا الذي يملك بلاغا من الله ورسالاته وفي قوله: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول} قال: فإنه إذا ارتضى الرسول اصطفاه وأطلعه على ما شاء من غيبه وانتخبه). [الدر المنثور: 15 / 31]

تفسير قوله تعالى: (إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إلاّ بلاغًا من اللّه ورسالاته ومن يعص اللّه ورسوله فإنّ له نار جهنّم خالدين فيها أبدًا (23) حتّى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرًا وأقلّ عددًا}.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لمشركي العرب: إنّي لا أملك لكم ضرًّا ولا رشدًا {إلاّ بلاغًا من اللّه ورسالاته}. يقول: إلاّ أن أبلّغكم من اللّه ما أمرني بتبليغكم إيّاه، وإلاّ رسالاته الّتي أرسلني بها إليكم؛ فأمّا الرّشد والخذلان، فبيد اللّه، هو مالك ذلك دون سائر خلقه يهدي من يشاء ويخذل من أراد.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إلاّ بلاغًا من اللّه ورسالاته}. فذلك الّذي أملك بلاغًا من اللّه ورسالاته.
وقد يحتمل ذلك معنًى آخر، وهو أن تكون (إلاّ) حرفين، وتكون (لا) منقطعةً من (إن) فيكون معنى الكلام: قل إنّي لن يجيرني من اللّه أحدٌ إن لم أبلّغ رسالاته؛ ويكون نصب البلاغ من إضمار فعلٍ من الجزاء كقول القائل: إن لا قيامًا فقعودًا، وإن لا إعطاءً فردًّا جميلاً، بمعنى: إن لا تفعل الإعطاء فردًّا جميلاً.
وقوله: {ومن يعص اللّه ورسوله فإنّ له نار جهنّم}. يقول تعالى ذكره: ومن يعص اللّه فيما أمره ونهاه، فكذّب به رسوله، فجحد رسالته، فإنّ له نار جهنّم يصلاها. {خالدين فيها أبدًا} يقول: ماكثين فيها أبدًا إلى غير نهايةٍ). [جامع البيان: 23 / 349-350]

تفسير قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {حتّى إذا رأوا ما يوعدون}. يقول تعالى ذكره: حتّى إذا عاينوا ما يعدهم ربّهم من العذاب وقيام السّاعة، {فسيعلمون من أضعف ناصرًا وأقلّ عددًا}. أجند اللّه الّذي أشركوا به، أم هؤلاء المشركون به؟!). [جامع البيان: 23 / 350]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل إن أدري أقريبٌ ما توعدون أم يجعل له ربّي أمدًا (25) عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا (26) إلاّ من ارتضى من رسولٍ فإنّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدًا}.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يقول تعالى ذكره لنبيّه: قل يا محمّد لهؤلاء المشركين باللّه من قومك: ما أدري أقريبٌ ما يعدكم ربّكم من العذاب وقيام السّاعة. {أم يجعل له ربّي أمدًا}. يعني: غايةً معلومةً تطول مدّتها). [جامع البيان: 23 / 351]

تفسير قوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا (26) إلاّ من ارتضى من رسولٍ} يعني جلّ ذكره بعالم الغيب: عالم ما غاب عن أبصار خلقه، فلم يروه فلا يظهر على غيبه أحدًا، فيعلمه أو يريه إيّاه، إلاّ من ارتضى من رسولٍ، فإنّه يظهره على ما شاء من ذلك.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فلا يظهر على غيبه أحدًا (26) إلاّ من ارتضى من رسولٍ}. فأعلم اللّه سبحانه الرّسل من الغيب الوحي، أظهرهم عليه بما أوحي إليهم من غيبه، وما يحكم اللّه، فإنّه لا يعلم ذلك غيره.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا (26) إلاّ من ارتضى من رسولٍ}. فإنّه يصطفيهم، ويطلعهم على ما يشاء من الغيب.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {إلاّ من ارتضى من رسولٍ}. قال: فإنّه يظهره من الغيب على ما شاء إذا ارتضاه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فلا يظهر على غيبه أحدًا (26) إلاّ من ارتضى من رسولٍ} قال: ينزل من غيبه ما شاء على الأنبياء أنزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الغيب القرآن، قال: وحدّثنا فيه بالغيب بما يكون يوم القيامة). [جامع البيان: 23 / 351-353] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {ولن أجد من دونه ملتحدا} قال: ملجأ ولا نصيرا إلا بلاغا من الله ورسالاته، قال: هذا الذي يملك بلاغا من الله ورسالاته وفي قوله: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا (26) إلا من ارتضى من رسول} قال: فإنه إذا ارتضى الرسول اصطفاه وأطلعه على ما شاء من غيبه وانتخبه). [الدر المنثور: 15 / 31] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {فلا يظهر على غيبه أحدا (26) إلا من ارتضى من رسول} قال: أعلم الله الرسل من الغيب الوحي وأظهرهم عليه فيما أوحي إليهم من غيبه وما يحكم الله فإنه لا يعلم ذلك غيره). [الدر المنثور: 15 / 31-32] (م)

تفسير قوله تعالى: (إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا قال يظهره من الغيب على ما شاء الله إذا ارتضاه). [تفسير عبد الرزاق: 2/323]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا (26) إلاّ من ارتضى من رسولٍ} يعني جلّ ذكره بعالم الغيب: عالم ما غاب عن أبصار خلقه، فلم يروه فلا يظهر على غيبه أحدًا، فيعلمه أو يريه إيّاه، إلاّ من ارتضى من رسولٍ، فإنّه يظهره على ما شاء من ذلك.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فلا يظهر على غيبه أحدًا (26) إلاّ من ارتضى من رسولٍ}. فأعلم اللّه سبحانه الرّسل من الغيب الوحي، أظهرهم عليه بما أوحي إليهم من غيبه، وما يحكم اللّه، فإنّه لا يعلم ذلك غيره.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا (26) إلاّ من ارتضى من رسولٍ}. فإنّه يصطفيهم، ويطلعهم على ما يشاء من الغيب.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {إلاّ من ارتضى من رسولٍ}. قال: فإنّه يظهره من الغيب على ما شاء إذا ارتضاه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فلا يظهر على غيبه أحدًا (26) إلاّ من ارتضى من رسولٍ} قال: ينزل من غيبه ما شاء على الأنبياء أنزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الغيب القرآن، قال: وحدّثنا فيه بالغيب بما يكون يوم القيامة.
وقوله: {فإنّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدًا}. يقول: فإنّه يرسل من أمامه ومن خلفه حرسًا وحفظةً يحفظونه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن علقمة بن مرثدٍ، عن الضّحّاك، {إلاّ من ارتضى من رسولٍ فإنّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدًا}. قال كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا بعث إليه الملك بالوحي بعث معه ملائكةٌ يحرسونه من بين يديه ومن خلفه، أن يتشبّه الشّيطان على صورة الملك.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن منصورٍ، عن إبراهيم، {من بين يديه ومن خلفه رصدًا}. قال: ملائكةً يحفظونهم من بين أيديهم ومن خلفهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن طلحة يعني ابن مصرّفٍ، عن إبراهيم، في قوله: {من بين يديه ومن خلفه رصدًا}. قال: الملائكة رصدٌ من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من الجنّ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم {من بين يديه ومن خلفه رصدًا}. قال: الملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه من الجنّ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إلاّ من ارتضى من رسولٍ فإنّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدًا}. قال: هي معقّباتٌ من الملائكة يحفظون النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من الشّيطان حتّى يتبيّن الّذي أرسل به إليهم، وذلك حين يقول: {ليعلم} أهل الشّرك {أن قد أبلغوا رسالات ربّهم}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فإنّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدًا}. يعني: رصدًا من الملائكة). [جامع البيان: 23 / 351-354]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {ولن أجد من دونه ملتحدا} قال: ملجأ ولا نصيرا إلا بلاغا من الله ورسالاته، قال: هذا الذي يملك بلاغا من الله ورسالاته وفي قوله: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا (26) إلا من ارتضى من رسول} قال: فإنه إذا ارتضى الرسول اصطفاه وأطلعه على ما شاء من غيبه وانتخبه). [الدر المنثور: 15 / 31] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {فلا يظهر على غيبه أحدا (26) إلا من ارتضى من رسول} قال: أعلم الله الرسل من الغيب الوحي وأظهرهم عليه فيما أوحي إليهم من غيبه وما يحكم الله فإنه لا يعلم ذلك غيره). [الدر المنثور: 15 / 31-32]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} قال: هي معقبات من الملائكة يحفظونه من الشيطان حتى يبين الذي أرسل إليهم به وذلك حين يقول أهل الشرك قد أبلغوا رسالات ربهم). [الدر المنثور: 15 / 32]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير في قوله: {إلا من ارتضى من رسول} قال: جبريل). [الدر المنثور: 15 / 32]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن عباس قال: ما أنزل الله على نبيه آية من القرآن إلا ومعها أربعة من الأملاك يحفظونها حتى يؤدوها إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثم قرأ {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا (26) إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} يعني الملائكة الأربعة ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم). [الدر المنثور: 15 / 32]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {إلا من ارتضى من رسول} قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم قبل أن يلقى الشيطان في أمنيته يدنون منه فلما ألقى الشيطان في أمنيته أمرهم أن يتنحوا عنه قليلا ليعلم أن الوحي إذا نزل من عند الله). [الدر المنثور: 15 / 32-33]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن سعيد بن جبير في قوله: {فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} قال: أربعة حفظة من الملائكة مع جبريل ليعلم محمد {أن قد أبلغوا رسالات ربهم} قال: وما جاء جبريل إلا ومعه أربعة من الملائكة حفظة). [الدر المنثور: 15 / 33]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن إبراهيم النخعي في قوله: {فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} قال: الملائكة يحفظونه من الجن). [الدر المنثور: 15 / 33]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن الضحاك بن مزاحم في قوله: {إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث إليه الملك بالوحي بعث معه نفرا من الملائكة يحرسونه من بين يديه ومن خلفه أن يتشبه الشيطان على صورة الملك). [الدر المنثور: 15 / 33]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {إلا من ارتضى من رسول} قال: يظهره من الغيب على ما شاء إذا ارتضاه وفي قوله: {فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} قال: من الملائكة وفي قوله: {ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم} قال: ليعلم نبي الله أن الرسل قد بلغت عن الله وأن الله حفظها ودفع عنها). [الدر المنثور: 15 / 33-34]

تفسير قوله تعالى: (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ليعلم أن قد أبلغوا قال ليعلم النبي أن الرسل قد بلغت عن الله وأن الله حفظها ودفع عنها). [تفسير عبد الرزاق: 2/323]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربّهم وأحاط بما لديهم وأحصى كلّ شيءٍ عددًا}.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: وقوله: {ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربّهم}. اختلف أهل التّأويل في الّذي عني بقوله: {ليعلم} فقال بعضهم: عني بذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقالوا: معنى الكلام: ليعلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن قد أبلغت الرّسل قبله عن ربّها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربّهم}. ليعلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ الرّسل قبله قد أبلغت عن ربّها وحفظت.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربّهم}. قال: ليعلم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ الرّسل قد أبلغت عن اللّه، وأنّ اللّه حفظها، ودفع عنها.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ليعلم المشركون أنّ الرّسل قد بلّغوا رسالات ربّهم
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربّهم}. قال: ليعلم من كذّب الرّسل أن قد أبلغوا رسالات ربّهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ليعلم محمّدٌ أن قد بلّغت الملائكة رسالات ربّهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا إلاّ من ارتضى من رسولٍ فإنّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدًا}. قال: أربعة حفظةٍ من الملائكة مع جبرائيل {ليعلم} محمّدٌ {أن قد أبلغوا رسالات ربّهم وأحاط بما لديهم وأحصى كلّ شيءٍ عددًا}. قال: وما نزل جبريل عليه السّلام بشيءٍ من الوحي إلاّ ومعه أربعة حفظةٍ من الملائكة.
وأولى هذه الأقوال عندنا بالصّواب، قول من قال: ليعلم الرّسول أنّ الرّسل قبله قد أبلغوا رسالات ربّهم؛ وذلك أنّ قوله: {ليعلم} من سبب قوله: {فإنّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدًا}. وذلك خبرٌ عن الرّسول، فمعلومٌ بذلك أنّ قوله ليعلم من سببه إذ كان ذلك خبرًا عنه.
وقوله: {وأحاط بما لديهم}. يقول: وعلم بكلّ ما عندهم {وأحصى كلّ شيءٍ عددًا}. يقول: علم عدد الأشياء كلّها، فلم يخف عليه منها شيءٌ.
- وقد: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، أنّه قال في هذه الآية {إلاّ من ارتضى من رسولٍ} إلى قوله: {وأحصى كلّ شيءٍ عددًا}. قال: ليعلم الرّسل أنّ ربّهم أحاط بهم، فيبلّغوا رسالات ربّهم). [جامع البيان: 23 / 354-356]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن سعيد بن جبير في قوله: {فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} قال: أربعة حفظة من الملائكة مع جبريل ليعلم محمد {أن قد أبلغوا رسالات ربهم} قال: وما جاء جبريل إلا ومعه أربعة من الملائكة حفظة). [الدر المنثور: 15 / 33] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {إلا من ارتضى من رسول} قال: يظهره من الغيب على ما شاء إذا ارتضاه وفي قوله: {فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} قال: من الملائكة وفي قوله: {ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم} قال: ليعلم نبي الله أن الرسل قد بلغت عن الله وأن الله حفظها ودفع عنها). [الدر المنثور: 15 / 33-34] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {ليعلم} قال: ليعلم ذلك من كذب الرسل {أن قد أبلغوا رسالات ربهم}). [الدر المنثور: 15 / 34]


رد مع اقتباس