عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 21 صفر 1440هـ/31-10-2018م, 08:52 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولقد نجّينا بني إسرائيل من العذاب المهين من فرعون إنّه كان عاليًا من المسرفين} يمتنّ عليهم تعالى بذلك، حيث أنقذهم ممّا كانوا فيه من إهانة فرعون وإذلاله لهم، وتسخيره إيّاهم في الأعمال المهينة الشّاقّة.
وقوله: {من فرعون إنّه كان عاليًا [من المسرفين]} أي: مستكبرًا جبّارًا عنيدًا، كقوله: {إنّ فرعون علا في الأرض [وجعل أهلها شيعًا]} [القصص: 4].
وقوله: {فاستكبروا وكانوا قومًا عالين} [المؤمنون: 46]، [وقوله {فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين}] [العنكبوت: 39]، [فكان فرعون] سرفًا في أمره، سخيف الرّأي على نفسه). [تفسير ابن كثير: 7/ 255]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولقد اخترناهم على علمٍ على العالمين} قال مجاهدٌ: {اخترناهم على علمٍ على العالمين} على من هم بين ظهريه. وقال قتادة: اختيروا على أهل زمانهم ذلك. وكان يقال: إن لكلّ زمانٍ عالـمًا. وهذه كقوله تعالى: {قال يا موسى إنّي اصطفيتك على النّاس} [الأعراف: 144] أي: أهل زمانه، وكقوله لمريم: {واصطفاك على نساء العالمين} [آل عمران: 42] أي: في زمانها؛ فإنّ خديجة أفضل منها، وكذا آسية بنت مزاحمٍ امرأة فرعون، أو مساويةٌ لها في الفضل، وفضل عائشة على النّساء كفضل الثّريد على سائر الطّعام). [تفسير ابن كثير: 7/ 255-256]

تفسير قوله تعالى: {وَآَتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآَيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وآتيناهم من الآيات} أي: [من] الحجج والبراهين وخوارق العادات {ما فيه بلاءٌ مبينٌ} أي: اختبارٌ ظاهرٌ جليٌّ لمن اهتدى به). [تفسير ابن كثير: 7/ 256]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ هؤلاء ليقولون (34) إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين (35) فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين (36) أهم خيرٌ أم قوم تبّعٍ والّذين من قبلهم أهلكناهم إنّهم كانوا مجرمين (37)}
يقول تعالى منكرًا على المشركين في إنكارهم البعث والمعاد، وأنّه ما ثمّ إلّا هذه الحياة الدّنيا، ولا حياة بعد الممات، ولا بعث ولا نشور. ويحتجّون بآبائهم الماضين الّذين ذهبوا فلم يرجعوا، فإن كان البعث حقًّا {فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين} وهذه حجّةٌ باطلةٌ وشبهةٌ فاسدةٌ، فإنّ المعاد إنّما هو يوم القيامة لا في هذه الدّار، [بل] بعد انقضائها وذهابها وفراغها يعيد اللّه العالمين خلقًا جديدًا، ويجعل الظّالمين لنار جهنّم وقودًا، يوم تكون شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا.
ثمّ قال تعالى متهدّدًا لهم، ومتوعّدًا ومنذرًا لهم بأسه الّذي لا يردّ، كما حلّ بأشباههم ونظرائهم من المشركين والمنكرين للبعث وكقوم تبّعٍ -وهم سبأٌ- حيث أهلكهم اللّه وخرّب بلادهم، وشرّدهم في البلاد، وفرّقهم شذر مذر، كما تقدّم ذلك في سورة سبأٍ، وهي مصدّرة بإنكار المشركين للمعاد. وكذلك هاهنا شبّههم بأولئك، وقد كانوا عربًا من قحطان كما أنّ هؤلاء عربٌ من عدنان، وقد كانت حمير -وهم سبأٌ-كلّما ملك فيهم رجلٌ سمّوه تبّعًا، كما يقال: كسرى لمن ملك الفرس، وقيصر لمن ملك الرّوم، وفرعون لمن ملك مصر كافرًا، والنّجاشيّ لمن ملك الحبشة، وغير ذلك من أعلام الأجناس. ولكن اتّفق أنّ بعض تبابعتهم خرج من اليمن وسار في البلاد حتّى وصل إلى سمرقند، واشتدّ ملكه وعظم سلطانه وجيشه، واتّسعت مملكته وبلاده، وكثرت رعاياه وهو الّذي مصّر الحيرة فاتّفق أنّه مرّ بالمدينة النّبويّة وذلك في أيّام الجاهليّة، فأراد قتال أهلها فمانعوه وقاتلوه بالنّهار، وجعلوا يقرونه باللّيل، فاستحيا منهم وكفّ عنهم، واستصحب معه حبرين من أحبار يهود كانا قد نصحاه وأخبراه أنّه لا سبيل له على هذه البلدة؛ فإنّها مهاجر نبيٍّ يكون في آخر الزّمان، فرجع عنها وأخذهما معه إلى بلاد اليمن، فلمّا اجتاز بمكّة أراد هدم الكعبة فنهياه [عن ذلك] أيضًا، وأخبراه بعظمة هذا البيت، وأنّه من بناية إبراهيم الخليل وأنّه سيكون له شأنٌ عظيمٌ على يدي ذلك النّبيّ المبعوث في آخر الزّمان، فعظّمها وطاف بها، وكساها الملاء والوصائل والحبير. ثمّ كرّ راجعًا إلى اليمن ودعا أهلها إلى التّهوّد معه، وكان إذ ذاك دين موسى، عليه السّلام، فيه من يكون على الهداية قبل بعثة المسيح، عليه السّلام، فتهوّد معه عامّة أهل اليمن. وقد ذكر القصّة بطولها الإمام محمّد بن إسحاق في كتابه السّيرة وقد ترجمه الحافظ ابن عساكر في تاريخه ترجمةً حافلةً، أورد فيها أشياء كثيرةً ممّا ذكرنا وما لم نذكر. وذكر أنّه ملك دمشق، وأنّه كان إذا استعرض الخيل صفّت له من دمشق إلى اليمن، ثمّ ساق من طريق عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن ابن أبي ذئبٍ، عن المقبريّ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ما أدري الحدود طهّارةٌ لأهلها أم لا؟ ولا أدري تبّعٌ لعينًا كان أم لا؟ ولا أدري ذو القرنين نبيًّا كان أم ملكًا؟ " وقال غيره: "أعزيرًا كان نبيًّا أم لا؟ ". وكذا رواه ابن أبي حاتمٍ، عن محمّد بن حمّادٍ الظّهرانيّ، عن عبد الرّزّاق.
قال الدّارقطنيّ: تفرّد به عبد الرّزّاق. ثمّ روى ابن عساكر من طريق محمّد بن كريب، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، مرفوعًا: "عزير لا أدري أنبيًّا كان أم لا؟ ولا أدري ألعينٌ تبّع أم لا؟ ".
ثمّ أورد ما جاء في النّهي عن سبّه ولعنته، كما سيأتي. وكأنّه -واللّه أعلم-كان كافرًا ثمّ أسلم وتابع دين الكليم على يدي من كان من أحبار اليهود في ذلك الزّمان على الحقّ قبل بعثة المسيح، عليه السّلام، وحجّ البيت في زمن الجرهميين، وكساه الملاء والوصائل من الحرير والحبر ونحر عنده ستّة آلاف بدنةٍ وعظّمه وأكرمه. ثمّ عاد إلى اليمن. وقد ساق قصّته بطولها الحافظ ابن عساكر، من طرقٍ متعدّدةٍ مطوّلةٍ مبسوطةٍ، عن أبيّ بن كعبٍ وعبد اللّه بن سلامٍ، وعبد اللّه بن عبّاسٍ وكعب الأحبار. وإليه المرجع في ذلك كلّه، وإلى عبد اللّه بن سلامٍ أيضًا، وهو أثبت وأكبر وأعلم. وكذا روى قصّته وهب بن منبّه، ومحمّد بن إسحاق في السّيرة كما هو مشهورٌ فيها. وقد اختلط على الحافظ ابن عساكر في بعض السّياقات ترجمة تبّع هذا بترجمة آخر متأخّرٍ عنه بدهرٍ طويلٍ، فإنّ تبّعًا هذا المشار إليه في القرآن أسلم قومه على يديه، ثمّ لمّا مات عادوا بعده إلى عبادة الأصنام والنّيران، فعاقبهم اللّه تعالى كما ذكره في سورة سبأٍ، وقد بسطنا قصّتهم هنالك، وللّه الحمد والمنّة.
وقال سعيد بن جبيرٍ: كسا تبّعٌ الكعبة، وكان سعيد ينهى عن سبه.
وتبّع هذا هو تبّع الأوسط، واسمه أسعد أبو كريب بن ملكيكرب اليمانيّ ذكروا أنّه ملك على قومه ثلاثمائة سنةٍ وستًّا وعشرين سنةً، ولم يكن في حمير أطول مدّةً منه، وتوفّي قبل مبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بنحو من سبعمائة عامٍ. وذكروا أنّه لمّا ذكر له الحبران من يهود المدينة أنّ هذه البلدة مهاجر نبيٍّ آخرٍ في الزّمان، اسمه أحمد، قال في ذلك شعرًا واستودعه عند أهل المدينة. وكانوا يتوارثونه ويروونه خلفًا عن سلفٍ. وكان ممّن يحفظه أبو أيّوب خالد بن زيدٍ الّذي نزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في داره، وهو:
شهدت على أحمد أنّه = رسولٌ من الله باري النّسم...
فلو مدّ عمري إلى عمره = لكنت وزيرا له وابن عم...
وجاهدت بالسّيف أعداءه = وفرّجت عن صدره كلّ غم...
وذكر ابن أبي الدّنيا أنّه حفر قبرٌ بصنعاء في الإسلام، فوجدوا فيه امرأتين صحيحتين، وعند رءوسهما لوحٌ من فضّةٍ مكتوبٌ فيه بالذّهب: "هذا قبر حبّى ولميس -وروي: حبّى وتماضر- ابنتي تبّع ماتتا، وهما تشهدان أن لا إله إلّا اللّه ولا تشركان به شيئًا، وعلى ذلك مات الصّالحون قبلهما.
وقد ذكرنا في "سورة سبأٍ" شعر سبأٍ في ذلك أيضًا.
قال قتادة: ذكر لنا أنّ كعبًا كان يقول في تبّعٍ: نعت نعت الرّجل الصّالح، ذمّ اللّه تعالى قومه ولم يذمّه، قال: وكانت عائشة تقول: لا تسبّوا تبّعًا؛ فإنّه قد كان رجلًا صالحًا.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا صفوان، حدّثنا الوليد، حدّثنا عبد اللّه بن لهيعة عن أبي زرعة -يعني عمرو بن جابرٍ الحضرميّ- قال: سمعت سهل بن سعدٍ السّاعديّ يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا تسبّوا تبّعًا؛ فإنّه قد كان أسلم".
ورواه الإمام أحمد في مسنده عن حسن بن موسى، عن ابن لهيعة، به.
وقال الطّبرانيّ: حدّثنا أحمد بن عليٍّ الأبّار، حدّثنا أحمد بن محمّد بن أبي بزّة، حدثنا مؤمل ابن إسماعيل، حدّثنا سفيان، عن سماك بن حربٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لا تسبّوا تبّعًا؛ فإنّه قد أسلم".
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن ابن أبي ذئبٍ، عن المقبري، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " ما أدري، تبّع نبيًّا كان أم غير نبي".
وتقدّم بهذا السّند من رواية ابن أبي حاتمٍ كما أورده ابن عساكر: "لا أدري تبّع كان لعينًا أم لا؟ ". فاللّه أعلم.
ورواه ابن عساكر من طريق زكريّا بن يحيى البدّيّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ موقوفًا.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا عمران أبو الهذيل، أخبرني تميم بن عبد الرّحمن قال: قال عطاء بن أبي رباحٍ: لا تسبّوا تبّعًا؛ فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نهى عن سبّه). [تفسير ابن كثير: 7/ 256-259]

رد مع اقتباس