عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 26 رجب 1440هـ/1-04-2019م, 06:20 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

فصل في الإمالة
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (فصل في الإمالة
وأما ما كان نحو {الهدى} و{العَمى} و{اسْتَوى} و{أعْطى} و{أَكْدى} و{يَحْيى} و{مُوسى} و{عِيسى} و{الأنْثى} و{اليُسرى} و{رأى} و{نَأى}، فإن ابن كثير فتح جميع ذلك ولم يمله، وكذلك كل ما جازت الإمالة فيه، فإنه ترك فيه الإمالة.
[الموضح: 249]
وإنما فعل ذلك؛ لأن الأصل أن لا يمال شيء، إذ الإمالة تقريب الألف من الياء، والأصل في الألف أن لا يقرب إلى الياء، وكثير من العرب لا يميلون شيئًا من ذلك في الكلام؛ لأنهم كرهوا أن يعودوا إلى الياء، وقد فروا عنها حتى قلبوها ألفًا؛ إذ الإمالة إنما تقع من هذا الضرب فيما كان منقلبًا عن الياء أو في حكم ذلك.
وقد وافق ابن كثير عاصم ص- في جميع القرآن إلا في قوله: {مَجْريها} فإنه أمال الألف فيه مع فتح الميم؛ لأنه مع اتباع الأثر استحب الإعلام بحسن إمالة ما آخره ألف منقلبة عن ياء، وإن كان قبل الألف راء مفتوحة؛ لأنه اجتمع ههنا شيئان كلاهما يحسن الإمالة:-
أحدهما كون الألف منقلبة عن الياء، والثاني كون الكلمة على أكثر من ثلاثة أحرف، وفتحة الراء لا تتقوى على منع الإمالة مع اجتماع السببين الجالبين لها.
وإنما قلنا: إن فتحة الراء مانعة عن الإمالة؛ لأن الراء حرف فيه تكرير، فإذا كانت مكسورة أوجبت الإمالة؛ لأن الكسرة فيها بمنزلة كسرتين، وإذا كانت مفتوحة أو مضمومة منعت الإمالة؛ لأن الفتحة والضمة فيها بمنزلة فتحتين وضمتين لتكررها، والفتحة والضمة تمنعان الإمالة، فإذا تكررتا كانتا أولى بذلك.
[الموضح: 250]
وأما حمزة والكسائي فإنهما قرءا جميع ما ذكرناه بالإمالة، لتدل الإمالة على أن أصل هذه الحروف الياء أو بمنزلة ما أصله الياء، فإن ما كان من ذلك من ذوات الياء فإنه يمال لأجل الياء، وما لم تكن من ذوات الياء فإنه يمال؛ لأنه في حكم المنقلب عن الياء؛ لأنك تقول في: أعطى أعطيت، وفي: استوى استويت، وفي عيسى ويحيى عيسيان ويحييان، وفي الأنثى واليسرى: أنثيان ويسريان.
وأما ما كان من الواو وليس من الياء في شيء فإنهما لا يميلانه، إلا إذا كان رأس آية فإن الكسائي يميله، وإنما لا يميلان ما كان من الواو ولم يكن رأس آية؛ لأن الإمالة إنما تقع ليدل على الياء، فإذا كانت الكلمة من الواو وليست من الياء في شيء، وجب أن لا تمال إذا الإمالة قد تترك فيما كان من الياء فلأن تترك فيما كان من الواو أولى.
وإنما أماله الكسائي إذا كان رأس آيةٍ، وإن كان من الواو؛ لأن الألف المنقلبة عن الواو قد تمال في نحو: غزا ودعا؛ لأنها قد تنقلب في بعض الأحوال ياء، وذلك نحو: غزي ودعي.
ورؤوس الآي مواضع وقوف، فهي مواضع تغيير، فلهذا أمال الكسائي
[الموضح: 251]
ما كان من الواو إذا كان راس آية.
وأما نافع فإنه يجعل ذلك كله بين الفتح والإمالة، وهو إلى الفتح أقرب؛ لأنه كره أن يشبع الإمالة فيصير كالعائد إلى الياء التي هربوا منها، حتى أبدلوا منها الألف، وهكذا عادة نافع في كل ما حسنت الإمالة فيه.
وأما أبو عمرو فإنه يقرأ من ذلك ما كان رأس آية بين الفتح والكسر مثل آيات سورة طه والنجم وعبس والشمس والليل والضحى، وما لم يكن رأس آية بالفتح نحو {بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ} وأمثاله.
وإذا كان الاسم مؤنثًا على وزن فعلى أو فعلى أو فعلى، نحو {شتى} و{أُنْثَى} و{ذِكْرى} فيجعله بين الفتح والكسر، وإلى الفتح أقرب، ولا يميل مفعلاً كـ {مثنى}، ويقرأ مثل {مُوسى} و{يا حسرتي} و{بلى} متوسطة، ويكسر مثل {التوراة} و{النصارى} و{أرى} و{ترى}، وما تقدمه راء، ويميل {أعمى} الأول في بني إسرائيل.
[الموضح: 252]
وكذلك يفعل يعقوب في هذا، ولا يميل غيره في القرآن.
أما اختصاص أبي عمرو لرؤوس الآي فلما ذكرناه قبل من أنها فواصل، وهي تجري مجرى القوافي في أنها مواضع وقوف، فهي مواضع التغيير للفصل، فكما يفصلون بين الوقف والوصل بالإمالة في نحو قولهم: يريد أن يضربها، فيميلون إذا وقفوا، ويفتحون إذا وصلوا، كذلك فصل أبو عمرو بين رؤوس الآي التي هي مواضع الوقف وبين غيرها بأن قرب هذه الياءات شيئًا إلى الألفات.
وأما إمالته لما كان في آخره ألف التأنيث فمن أجل أن ألفاتها تبدل منها الياء، ولا تبدل منها الواو، كقولك: أنثيان وأنثيات وذكريان وذكريات، وجعلها إلى الفتح أقرب؛ محافظة على الألف؛ لأنها بمنزلة المنقلبة عن الياء وليست منقلبة عن الياء.
وأما إمالته لما كان قبل ألفه راء مفتوحة؛ فللإيذان بأن الراء المفتوحة وإن كانت مانعة من الإمالة في المعهود، فههنا لا تمنع؛ لأن الألفات في ذلالك منقلبة عن الياءات، أو في حكم ذلك، وهذا سبب قوي في استدعاء الإمالة، فلا تغلبه الراء المفتوحة على منع الإمالة، بل يغلبها هذا السبب على جلبها؛ لأن الراء المفتوحة لا تكون أقوى في منع الإمالة من الحرف المستعلي، وقد تغلبه الألف المنقلبة عن الياء كطغي ويطغى ويرقى.
[الموضح: 253]
وأما قراءته لـ {مُوسى} و{يا حَسْرَتى} بالإمالة المتوسطة؛ فلأن {مُوسى} وإن كان اسمًا أعجميًا فإن ألفه تجري مجرى ما أصله الياء ألبتة؛ لأنه على عدة ما لو كان منه فعل لظهر فيه الياء، وتنقلب ألفه ياءً في التثنية، و{يا حَسْرَتا} أصل ألفه الياء؛ لأن أصله: حسرتي بالإضافة إلى ياء الضمير، فأبدلت الكسرة فتحة، فانقلب الياء ألفًا، فقرأ أبو عمرو بالتوسط؛ لأنه أراد رعاية جانب الإمالة لأجل الياء، وأراد المحافظة على الألف فاختار التوسط على سواء.
وأما {أَعْمى} الأول في بني إسرائيل؛ فإنما أمالها للعلة التي ذكرناها، وإنما لم يمل الثاني؛ لأنه أراد به التفضيل، بدلالة قوله: {وَأَضَلُّ سَبِيلًا} فإذن لا تتم الكلمة دون: منه؛ لأن التقدير فيها: فهو في الآخرة أعمى منه في الدنيا، فلا تكون الألف حينئذ آخرًا، والإمالة في مثل هذا إنما تحسن في الأواخر.
وما فتحه أبو عمرو ولم يمله فإنه فتحه تمسكًا بالأصل، وقد ذكرنا أن ترك الإمالة أصل.
أما إذا لقي الألفات التي تقدمها الراء ساكن نحو قوله تعالى: {حَتَّى نَرَى الله جَهْرَةً} و{يَرَى الَّذِينَ} فإن أبا عمرو يفتح جميع ذلك، وكذلك غيره من القراء، في ذلك وفي جميع ما جازت فيه الإمالة،
[الموضح: 254]
إذا لقيه ساكن؛ لأن الإمالة في ذلك إنما هي إمالة الألف نحو الياء، فلما سقطت الألف لالتقاء الساكنين زالت الإمالة بزوال محلها؛ لأن الإمالة محلها الألف، ومن العرب من يميل الفتحة التي قبل الألف مع سقوط الألف؛ لأن الألف وإن كانت قد سقطت فإنها في حكم الوجود؛ لأن سقوطها إنما هو لالتقاء الساكنين، فهو عارض غير لازم، هذا مذهب بعض من العرب، لكن القراءة سنة متبعة.
وكان حمزة يميل مثل {أَعْطَى} {وأَحْيى} ويترك إمالة {أحياكم} إلا إذا كان قبل الفعل واو، كأنه لما كان الإمالة وتركها جائزين عنده، قرأ بعضًا بالإمالة وبعضًا بتركها، ليكون قد أخذ بالوجهين.
وقد توافق هو والكسائي على إمالة كل ما كان على أفعل اسمًا كان أم فعلاً من الياء كان الألف أم من الواو نحو {أَدْنى} و{أَزْكى} و{أَعْلى}؛ لأن دخول الألف في مثل هذه الصيغ قد صير الكلمة وإن لم تكن من الياء في حكم المنقلب عن الياء؛ لأنك تقول: أزكيت وأعليت والأعليان والأزكيان.
وأما ابن عامرٍ، فإنه لا يميل شيئًا من القرآن إلا {التَوْراة}،
[الموضح: 255]
و {المِحْراب} في موضع الخفض، و{الر} و{المر} والحواميم.
أما «التَوْرية» فلأنها إما أن تكون تفعلة من وري الزند، أو فوعلة منها وأصلها وورية.
فإن كانت تفعلة، فأصلها تورية، فأبدلت من كسرة الراء فتحة، فانقلبت الياء ألفًا فقيل: تورية، كما قالوا في ناصيةٍ: ناصاة، فالراء وإن كانت مفتوحة الآن فإنها في نية الكسر؛ لأن الأصل فيها الكسر، والراء المكسورة تقوي جانب الإمالة وتغلبة، فأمال ابن عامر هذه الكلمة نظرًا إلى الأصل من الكسرة في الراء؛ ولأن الألف فيه منقلبة عن الياء، وهذا أيضًا مقتض للإمالة، فلهذين السببين اختار إمالة هذه الكلمة.
وإن كانت التورية فوعلة، فأصلها: وورية فانقلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فالألف منقلبة عن الياء على ما ترى، فعلى هذا يكون السبب الجالب للإمالة واحدًا، لكنه سبب قوي يغلب فتحة الراء في جلب الإمالة.
[الموضح: 256]
ويجوز أن تكون التورية اسمًا أعجميًا، فتكون ألفه حينئذٍ بمنزلة المنقلب؛ لأنها رابعة، فيحسن أيضًا فيها الإمالة.
وإنما أمالها ابن عامر ولم يمل غيرها؛ ليكون آخذًا بالوجهين.
وأما «المحراب» في حال الخفض، فإنما أمالها لكسرة الإعراب، ولا تمنع إمالتها فتحة الراء؛ لأنها ليست كالحرف المستعلي في منع الإمالة، ثم إن الألف في هذه الكلمة قد تنقلب ياءً في الجمع والتصغير، كقولك: محاريب ومحيريب، فأجراها مجرى ما أصله الياء، ثم إنه إذا كانت الإمالة تحسن لكسرة الإعراب فيما أصله من الواو ولا شبه فيه من الياء نحو: باب ومالٍ وناسٍ، فلأن تحسن فيما ليس أصله من الواو وفيه شبه من الياء أولى.
وأما {الر} والحواميم، فإن الإمالة في حروف التهجي كالمصطلح عليها، وذلك كالباء والحاء والخاء والراء والطاء والفاء، ألا ترى أن الإمالة فيها لا يمنعها الحرف المستعلي الموجود في بعضها، والألفات فيها تجري مجرى المنقلب عن الياء بدلالة قوله بييت باءً، فلهذا أمالها ابن عامر مع ترك إمالة غيرها.
وأما إمالة {الكافرين}: فقد قرأ بها أبو عمرو و-ري- عن الكسائي ويس- عن يعقوب في موضع النصب والخفض في كل القرآن إذا كان جمعًا، وتركوا إمالته إذا كان واحدًا أو جمعًا مرفوعًا مثل قوله تعالى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}.
[الموضح: 257]
وإنما اختصوه بالإمالة إذا كان جمعًا مجرورًا أو منصوبًا؛ لأن كسرة الراء تلزم حينئذ بعد كسرة الفاء فيتقوى سبب الإمالة؛ لكون الكسرة التي في الراء بمنزلة الكسرتين لما في الراء من التكرير، وكأن الكسرات تجتمع ههنا فتقوى الإمالة بمكانها.
وإنما لم يميلوا الواحد المجرور نحو {أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} كما أمالوا الجمع المنصوب أو المجرور نحو {كافرين}؛ لأن كسرة الإعراب التي في «كافرٍ» لا تلزم لزوم كسرة راء {كافِرِين}.
وأما الجمع المرفوع والواحد المرفوع فلا سبب للإمالة فيهما، بل فيهما مانع عنها؛ لأن الضمة في الراء والفتحة فيها تمنعان عن الإمالة لما ذكرناه من التكرير الذي في الراء.
وفتح هذه الكلمة الباقون، و-ث- عن الكسائي، و-ح- عن يعقوب إلا في النمل {مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ} بالإمالة.
وإنما فتحوها ولم يميلوها؛ لأن الفتح أصل على ما قدمنا، فاختار هؤلاء التمسك بالأصل.
[الموضح: 258]
وأما نافع فإنه يشمها الإمالة في موضع الخفض والنصب قليلاً؛ لأن الإمالة عدول عن الأصل وتقريب حرف هو الأصل في الصيغة إلى حرف آخر ليس بالأصل لسبب، فأراد المحافظة على الأصل، ولم يرد أيضًا إلغاء السبب مع قوته، فاختار الإشمام.
وأما إمالة الألف التي تليها الراء المكسورة نحو {أبْصَارِهِم} و{النّار} و{القَرار} ونحوها، فإن أبا عمروٍ والكسائي ري- يميلانها إذا كانت الراء المكسورة بعدها في موضع اللام من الفعل، والكلمة في موضع خفض سواء كانت قبلها راء كالقرار أم لم تكن، لكن أبا عمرو قد خالف في {الْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ} فلم يملهما، والكسائي خالف في {إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} وهي في موضع نصب فأمالها.
وإنما اختار الإمالة في جميع ذلك لمكان الراء المكسورة بعد الألف، وقد قدمنا أن الكسر فيها تنزل منزلة كسرتين فيتجانس الصوت بتكرر الكسر فتزداد الإمالة حسنًا، يدل عليه أن هذه الراء المكسورة تغلب الحرف المستعلي المانع عن الإمالة في نحو قارب وطارد، فيجوز الإمالة مع المستعلي بمكانها.
وأما ترك أبي عمرو الإمالة في {الجَار} و{الجَارِ} فلإرادةِ الأخذ باللغتين.
وأما إمالة الكسائي «جبارين» وهي نصب؛ فلأن الياء في الجمع
[الموضح: 259]
الصحيح أصل في الجر، وإنما حمل النصب عليه، فالياء علم للجر، وحال النصب دخيل فيه؛ لأنه محمول عليه كما حمل الجر على النصب فيما لا ينصرف نحو إبراهيم، فنظر الكسائي إلى الياء وكونها علمًا للجر إذ هي أصل، ولم يلتفت إلى انتصاب الاسم معه.
وأما إذا كانت الراء المكسورة عين الفعل فإنهما لا يميلان الألف قبلها نحو {بخَارِجِينَ} و{بِطَارِدِ} و{الطارِق}.
وخالفه الكسائي في أحرفٍ يأتي ذكرها إن شاء الله.
والقول في ذلك أن الإمالة في هذا الموضع حسنة قوية، وهي أقوى مما اللام فيه مكسورة للجر؛ لأن هذه الكسرة التي في العين لازمة غير منتقلةٍ، وتلك التي في اللام منتقلة في حالي الرفع والنصب، فالإمالة في مقل هذه أحسن، إلا أنه لا تثريب على من تمسك بالأصل وترك الإمالة وإن كانت حسنة؛ لأنه ليس إذا حسنت الإمالة قبح الأصل، ثم إنه لابد من اتباع الأثر فيه.
وحمزة لا يميل شيئًا من ذلك، إلا ما تكررت فيه الراء فقط نحو: {الأبْرَار} و{الأشْرار}، وكذلك يروي ث- عن الكسائي، وزاد هو {هِار} فأمالها.
وعلة ذلك أن الراء المكسورة غالبة للراء المفتوحة في جلب الإمالة واقتضائها؛ لأنها إذا غلبت المستعلي في نحو: قارب وطارد، فيجوز معها الإمالة فلأن تغلب الراء المفتوحة التي ليست كالمستعلي في منع الإمالة أولى.
[الموضح: 260]
ونافع يجعل جميع ذلك بين الفتح والكسر، وهو إلى الفتح أقرب، وهكذا عادته في الإمالة، وق تقدم ذكر هذا النحو.
وابن كثير وابن عامر وعاصم ويعقوب يقرءون جميع ذلك بالفتح على الأصل، إلا «هار» فإن عاصمًا في رواية ياش- يميلها، وقد سبق القول في مثله). [الموضح: 261]


رد مع اقتباس