عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م, 12:54 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

باب المد وعلله وأصوله
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب المد وعلله وأصوله
1- قال أبو محمد: إن سأل سائل فقال: المد في أي شيء يكون، ولأي شيء يكون؟
فالجواب أن المد لا يكون إلا في حروف المد واللين وهي الألف التي قبلها فتحة، والواو التي قبلها ضمة، والياء التي قبلها كسرة، وإنما يكون المد في هذه الحروف عند ملاصقتهن لهمزة أو ساكن، مشدد أو غير مشدد، نحو: «جاء، وقائم، ودابة، واللائي» في قراءة من أسكن الياء، ويكون المد أيضًا في حرفي اللين، إذا أتت بعدهما همزة أو مشدد، وحرفا اللين الواو والياء الساكنتان، اللتان قبلهما فتحة نحو «شيء وسوء».
2- فإن قيل: فما العلة التي أوجبت المد فيما ذكرت؟
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/45]
فالجواب أن هذه الحروف حروف خفية، والهمزة حرف جلد بعيد المخرج، صعب في اللفظ، فلما لاصقت حرفا خفيًا، خيف عليه أن يزداد، بملاصقة الهمزة له، خفاء، فبين بالمد ليظهر، وكان بيانه بالمد أولى، لأنه يخرج من مخرجه بمدٍ، فبين بما هو منه، وبيان حرفي اللين بمد دون البيان في حروف المد واللين، لنقص حرفي اللين، بانفتاح ما قبلهما عن حروف المد واللين، اللواتي حركة ما قبلهن منهن، فقوين في المد لتمكنهن بكون حركة ما قبلهن منهن، وضعف حرف اللين في المد، لكون حركة ما قبله ليست منه، وأصل المد واللين للألف؛ لأنها لا تتغير عن سكونها، ولا يتغير ما قبلها أبدًا عن حركته، والواو والياء قد تتحركان ويتغير حركة ما قبلهما، وإنما شابها الألف إذا سكنا، وكانت حركة ما قبلهما منهما كالألف.
3- فإن قيل: ما علة ورش في مده: «آمن، وآدم، ويستهزؤون، ومتكئين، وأوتي، وآتينا» وكل حرف مد ولين، قبله همزة، قبلها متحرك أو ساكن من حروف المد واللين أو من حروف اللين؟
فالجواب أن الهمزة لاصقت حرف المد واللين وهو خفي فبين بالمد، لئلا يزداد خفاء.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/46]
وحجة من لم يمكن مده، وعليه سائر القراء، أن الهمزة لما تقدمت أمن من خفاء حرف المد واللين معها، وإنما يخاف من خفائه، إذا كانت الهمزة بعده، نحو: «قائم، وجاء» فلم يمكن مده، لكون الهمزة قبله، وهو الاختيار، لإجماع القراء على ذلك، ولأن الرواة غير ورش عن نافع على ترك مده، ولأن البغداديين رووا عن ورش ترك تمكين مده، فمده في الرواية قليل، إنما رواه المصريون عن ورش، لكنه كثير الاستعمال بالمغرب، به يتأدبون، وبه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/47]
يقرؤون في محاريبهم وبه يدرسون، ووجهه ما قدمنا من ملاصقة الهمزة لحرف المد واللين، قياسًا على إجماعهم للمد، إذا كانت الهمزة بعد حرف المد واللين، والمد في حرف المد واللين، إذا كانت الهمزة بعده أمكن من مده، إذا كانت قبله، لتمكن خفاء حرف المد واللين، إذا كانت الهمزة بعده.
4- فإن قيل: فما باله لم يمد إذا سكن ما قبل الهمزة، ولم يكن حرف مد ولين، ولا حرف لين نحو: «القرآن، ومسؤولا»؟
فالجواب أنه جمع بين اللغتين، فمدَّ في موضع، وترك المد في موضع، وأيضًا فإنه لما كان قبل الهمزة ما يحسن أن يلقي حركتها عليه ويحذف، أسقط المد لأجلها، لأنه لو ألقى حركتها على ما قبلها لم يتمكن المد ألبتة، فعامل المعنى، وحكم لها
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/48]
به، على إرادته ونيته، وإن لم يستعمله، وقد فعله حمزة في وقفه، وفعله ابن كثير في لفظ «القرآن» حيث وقع.
5- فإن قيل: فما باله مد وقبل الهمزة ساكن من حروف المد واللين أو من حروف اللين؟
فالجواب أنه إذا كان قبلها حرف من حروف المد واللين مده فصارت المدة حائلة بين الهمزة وبين الساكن، فمد ما بعد الهمزة على أصله، إذا كان قبلها متحرك، وذلك نحو: «جاؤوا، وباؤوا» وإذا كان قبل الهمزة حرف لين، فمن أصله أن يمده من أجل الهمزة، كما يمد «شاء، وسواء»، لكنه لما اجتمع له مد حرف لين لهمزة بعده، ومد حرف مد ولين لهمة قبله، آثر مد حرف المد واللين، لتمكنه على حرف اللين، فمد الثاني، واستغنى بمده عن مد الأول لقوة الثاني، وضعف الأول لانفتاح ما قبله، وذلك نحو: «سواءتهما، والموءودة»، يمد الألف والواو الثانية؛ لأنهما حرفا مد ولين، ولا يمد الواو الأولى الساكنة استغناءً بالمدة التي بعدها، ويجوز أن يكون لم يمد الواو، لأن أصلها الحركة لأن جمع «فعلة» يأتي على «فعلات» بالفتح، وإنما أسكن تخفيفًا للواو، ولأن أصل الواو الأولى في «الموءودة» الحركة؛ لأنه من «وأد» وإنما سكنت لدخول الميم لبناء مفعوله، كالواو من «موئلا» أصلها الحركة أيضًا، فترك المد لأن السكون عارض، فإن فاء الفعل أصلها أبدًا
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/49]
الحركة؛ لأنها أول، فسكونها عارض أبدًا.
6- فإن قيل: فلم مد «ييأس، واستيأس» وسكون الياء عارض؟
فالجواب أن العارض عند العرب والنحويين على ضربين، يجوز الاعتداد به، ويجوز أن لا يعتد به، قالوا في الاعتداد بالعارض «لحمر، وسل»، وقالوا في ترك الاعتداد به «جيل» في «جيال»، و«ضو» في «ضوء» فلم يعتدوا بالحركة ولم يعلوا، وسنذكر هذا في فصل مفرد إن شاء الله، فمد ورش لـ: «ييأس، واستيأس» هو مما اعتد فيه بالعارض، وترك مده لـ «موئلا، وسوءاتهما» وشبهه، هو مما لم يعتد فيه بالعارض فاعلمه، وأيضًا فإن حرف المد واللين لا تنقل عليه حركة الهمزة كما تنقل على الحرفين ليسا بحرفي مد ولين، ولا يُلقى في «القرآن، والظمآن» لأنه في نية حركة، ولا تنقل الحركة على الحركة، فلما لم يتمكن إلقاء حركة الهمزة عليه وحذفها مدَّ إذ لم يتمكن فيه توهم إلقاء الحركة كما يتمكن في «القرآن» وشبهه، ولما تمكن إلقاء حركة الهمزة على حرف اللين وحذفهما، توهم ذلك وبنى عليه، فلم يمد إذ هو مثل «القرآن» وشبهه.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/50]
7- فإن قيل: فما باله يمد مع إلقائه حركة الهمزة على ما قبلها في «من آمن، والآخرة»؟
فالجواب أنه لما كان الساكن ليس من نفس الكلمة، إنما هو من كلمة أخرى، لم يمنعه من المد، فلما لم يمنعه من المد في حال تحقيق الهمزة لم يمنعه من المد في حال تخفيفها، لأن تحقيقها عارض، و«القرآن، والظمآن» ليس من هذا؛ لأن الساكن من نفس الكلمة، فتوهم التسهيل للزوم الساكن للهمزة في كلمة، فلم يمد، وأيضًا فإنه لما كان إلقاء حركة الهمزة على الساكن من كلمة أخرى عارضًا، لم يعتد بزوال لفظ الهمزة، ومد مع زوال لفظها، لأنها مقدرة منية، إذ إلقاء الحركة على الساكن عارض، فأما {الآخرة والأولى} وشبه ذلك، فإنه في تقدير ما هو من كلمتين، لأن الألف واللام في تقدير الانفصال. ألا ترى أنك تحذفها إذا شئت، ولا تقدر على حذف الراء من «القرآن» وشبهه؟
8- فإن قيل: فما باله لم يمد {عادًا الأولى} في «والنجم»، وقد ألقى الحركة على اللام كـ «الأولى» في غير «والنجم» هي ممدودة لورش بلا اختلاف
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/51]
فالجواب أن {عادًا الأولى} قد وقع فيه من الإدغام في «والنجم» ما أخرجه عن أن تكون الحركة الملقاة على اللام عارضة، لأنه لما أدغم التنوين في اللام صارت حركتها لازمة، فسقط المد؛ إذ لا يمكن أن تُنوى الهمزة إذ الحركة لازمة، وإنما تنوى الهمزة إذا كانت حركتها الملقاة على ما قبلها عارضة، فلما سقط توهم كون الحركة في الحرف المدغم عارضة؛ إذ لا يتمكن أن يلفظ به بالإدغام إلا بحركة اللام، سقط المد، ولما صح توهم الهمزة، الملقاة حركتها على ما قبلها، صح المد وصح توهمها وتقديرها، وسنذكر هذا بأبين من هذا الباب إلقاء الحركة لورش .
9- فإن قيل: فما بال ورش لم يمد الألف في «يؤاخذكم» للهمزة المخففة قبلها، ومن شأنه أن يمد «من آمن» وقد خفف الهمزة، ويمد من «من السماء آية، وهؤلاء آلهة»، وقد أبدل من الهمزة التي قبل الألف، أعني مد «آية» و«آلهة»؟
فالجواب أنه لما ألقى حركة الهمزة في «من آمن» وشبهه على الساكن قبلها بقيت الهمزة ساكنة، فحذفت لسكونها وسكون ما قبلها، لأن الحركة عليه عارضة.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/52]
فالهمزة مخففة منوية مرادة في النية، فمد لذلك، و«يؤاخذكم» قد يمكن أن تكون الواو فيه لا أصل لها في الهمز، وأتت على لغة من قال: «واخذته»، فإذا لم يكن للواو في الهمز أصل لم يجب المد من أجلها.
10- فإن قيل: قد ذكرت في كتاب «التبصرة» أنه اختلف عن ورش في الابتداء بألف الوصل إذا دخلت على همزة أصلية فأبدل منها ياء نحو {إئت بقرآن} «يونس 15»، ونحو: {أؤتمن} «البقرة 283» وشبهه، وقلت فيه الوجهان المد وتركه، فما وجه ذلك؟
فالجواب أن من مد هذا الصنف لورش جرى على أصله في مده الياء والواو، وإذا أتت قبلهما همزة لخفائهما، وشبهه بـ «إيمان» وشبهه، فمد للهمزة قبل الياء، وعامل اللفظ، ومن لم يمده أسقط المد؛ لأن الألف الوصل عارضة والابتداء بها عارض، وبدل الياء من الهمزة عارض، فلما لم يكن شيء من ذلك ترك المد، وهو أقيس لما ذكرنا، ولإجماع القراء على ترك المد في الابتداء بهذا ونحوه، ولهذا قلنا: إن الوقف لورش على قوله: «خطأ، وملجأ، وماء، وجفاء» بمدة غير مشبعة، لأنها ألف حدثت في الوقف
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/53]
عوضًا عن التنوين، فهي عارضة، فمدها غير ممكن، وليس كمد «آمن وآدم» وشبهه، إنما يقف على همزة بعدها ألف غير مشبعة، المراد الوقف عارض، والبدل عارض، ولا اختلاف في إشباع المدة الأولى في قوله: «ماءا، وجفاءا» لأنها حرف مد ولين لازم أصلي، بعده همزة فبين بالمدة، لئلا يخفى مع جسو الهمزة وجلادتها، وبعد مخرجها، وقد قلنا: إن هذا ليس كقوله: «باؤوا، وجاؤوا» لأن الواو التي بعد الهمزة لازمة أصلية حرف مدي ولين، فمدها لورش ممكن على أ صله في مد: «أوتي، وأوحي» وشبهه.
11- فإن قيل: فكيف الوقف على: {تراءى الجمعان} «الشعراء 61» لورش هل يمكن المدة الثانية المحذوفة في الوصل لالتقاء الساكنين أو لا يمكنها، ويجعلها كالوقف على «خطأ، وملجأ» الذي لا يمكن مده؛ لأجل أن إثبات الألف بعد الهمزة عارض؟
فالجواب أن تمكين المد لورش في الوقف على {تراءى الجمعان} واجب؛ لأن الألف التي بعد الهمزة أصلية، وحذفها هو العارض، وهذا بمنزلة الوقف لورش على: {رأى القمر} «الأنعام 77»، و{تبوؤوا الدار} «الحشر» يقف عليه بتمكين المد؛ لأن المد ذهب في الوصل بحذف حرف المد واللين، لالتقاء الساكنين، فإذا وقفت رددته إلى أصله فمددت، فالحذف هو العارض، والإثبات هو الأصل، فتمد مع رجوع الأصل، وأنت إذا وقفت على قوله «خطأ»، الألف التي تبدلها من التنوين عارضة، والوقف عارض، فلا يمكن مده.
وحجة ورش في مده حرفي اللين، إذا أتى بعدهما همزة نحو: {شيء} «البقرة 20» و{سوء} «البقرة 49» هي ما قدمنا من خفاء حرف اللين وجلادة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/54]
الهمزة، فلما لاصقت الهمزة حرف اللين، وفيه خفاء، بين بالمد، لما فيه من اللين، ومده دون مد حرف المد واللين، بنقصه وضعفه بانفتاح ما قبله، ومخالفته بذلك لحروف المد واللين، وإنما بقيت المشابهة بين حرفي اللين وبين حروف المد واللين بالسكون لا غير، وبأنهما قد تكون حركة ما قبلهما منهما، فكان المد فيهما للهمزة دون مد ما شابهاه، ونقصا عن درجته، وهي حروف المد واللين، وترك مد ذلك هو الاختيار لضعف حرفي اللين، ولإجماع القراء على ذلك، ولإجماع الرواة غير ورش عن نافع على ذلك، ولأن رواية البغداديين عن ورش في هذا بترك المد، فأما حمزة فإنه كان يقف على الياء وقفة خفيفة، لأجل الهمزة، وصعوبة اللفظ بها ثم يهمز، فورش يمد الياء من «شيء» للهمزة، وحمزة يقف على الياء ثم يهمز، ففي قراءة ورش من المد ما ليس في قراءة حمزة، قال أبو محمد: والمد في هذا النوع لا ينكره إلا جاهل بالنقل وبوجوه العربية لم يختلف أن الياء والواو، وإن انفتح ما قبلهما ففيهما لين، فلا يمتنع المد للهمزة في الحرف الذي فيه لين، مع وجود الرواية بذلك، يدل على ذل أن سيبويه أجاز: «هذا ثوب بكر، وجيب بعكر» بالإدغام فلولا أن الياء يحسن فيها المد، ويأتي ما وقع بعدها حرف مشدد؛ إذ لا يقع حرف مشدد أبدًا قبله ساكن، إلا بعد حرف يتأتى فيه المد، ليقوم المد مقام الحركة، وحكى سيبويه في التصغير: «هذا أصيم» تصغير «أصم»، فلولا أن الياء يحسن فيها المد، ويتأتى ما وقع بعدها المشدد في هذا، فإذا جاز المد في الياء، وقبلها فتحة مع المشدد، جاز مع الهمزة لخفائه.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/55]
12- فإن قيل: فما بال ورش لم يمد «موئلا» وفيه حرف لين بعده همزة كـ «سوء»؟
فالجواب أنه لما كانت الواو سكونها عارض لدخول الميم عليها، وأصلها الحركة في «وال» إذا «لجأ» لم يمد ليفرق بين ما أصله الحركة وبين مالا أصل له في الحركة كـ «سوء» وأيضًا فإنه فرق بين مد فاء الفعل وبين مد عين الفعل، فمد عين الفعل للزوم السكون لها، ولم يمد فاء الفعل إذ السكون لا يلزمها، والمد لا يكون إلا في ساكن أبدًا.
13- وحجة ابن كثير والرقيين عن أبي عمرو والحلواني عن
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/56]
قالون في ترك إشباع المد في حرف المد واللين، إذا وقع في آخر كلمة، وأتت بعده همزة في أول كلمة أخرى، أن الهمزة لما لم تكن لازمة لحرف المد واللين إذ ينفصل منه في الوقف، ضعف المد لأجلها، وأمن خفاء حرف المد واللين مع الهمزة، فمد لذلك مدا، كما يخرج لا إشباع فيه، وأيضًا فإنه أجرى الوصل مجرى الوقف، ولا اختلاف أن الوقف لا مد فيه.
14- وحجة من مد هذا النوع، وهم باقو القراء، غير من ذكرنا، أنه عامل اللفظ، فمد لملاصقة الهمزة حرف المد واللين، لئلا يخفى مع الهمزة، ولم يعرج على الوقف لأنه عارض، وأيضًا فإن أنسا سئل عن قراءة النبي عليه السلام فقال: كان يمد صوته مدًا، فهذا عموم في كل ممدود، وذكر الصوت يدل على نفس المد، وتأكيده بالمصدر يدل على إشباع المد، وقد قيل: إن معناه: «يصل قراءته بعضها ببعض» من قولهم: مددت السير في هذه الليلة، وذكره في الحديث لـ «الصوت» يدل على خلاف هذا التأويل وقوله تعالى: {ورتل القرآن ترتيلا} «المزمل 4» يدل على التمهل، والتمهل يعطي المد وهو الاختيار؛ لإجماع أكثر القراء على ذلك، ولما فيه من البيان، ولما ذكرنا من الحديث، وليجري ما هو من كلمتين على حكم إجماعهم على المد، فيما هو من كلمة، فكل حرف مد ولين بعده همزة، والقراء في إشباع
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/57]
المد وتطويله على قدر قراءتهم وتمهلهم أو حدرهم، فليس مد من يتمهل ويرتل كمد من يحدر ويسرع، ولكن قد ذكر الشيخ أبو الطيب أن مد أبي نشيط عن قالون والعراقيين عن أبي عمرو أزيد قليلًا من مد ابن كثير ومن ذكرنا معه، ممن تقدم ذكره، وأن ابن عامر والكسائي أزيد في المد قليلًا، وأن عاصمًا أزيد قليلًا، وأن ورشا وحمزة أزيد قليلًا، وهذا على التقريب فيما هو من كلمتين، فأما ما هو من كلمة نحو: «جاء، وشاء، وقائمين»، فما الهمز
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/58]
بعد حرف المد واللين أو المشدد أو الساكن نحو: «دابة ومحياي» في قراءة من أسكن الياء، فإشباع مد هذا لا اختلاف فيه، وهو أصل المد، وعليه بُني باب المد، ولم يختلف في هذا الفصل في الوقف أنه بغير مد لأن الهمزة قد انفصلت من حرف المد واللين فأمن خفاؤه، إذ هما من كلمتين، وإنما اختلف فيه في الوصل على ما بينا، فأما الهمزة إذا سهلت بعد حرف المد واللين، في قراءة حمزة في المتطرفة والمتوسطة، نحو: «جاؤوا، ويشاء» وفي قراءة هشام في المتطرفة، فقد ذكرنا أنه يحتمل وجهين المد وتركه، وعلة من مده أن الهمزة المسهلة بزنتها محققة، فمد مع التسهيل كما مد مع التحقيق، فهو أقيس وأقوى، وأيضًا فإن التسهيل عارض، فلا يُعتد به، والتحقيق هو الأصل، فوجب ألا يترك مده، وأيضًا فإن التسهيل إنما هو في الوقف، والوقف عارض، فلا يعتد به، ويمد في الوقف على ما كان في الوصل، وأيضًا فبالمد يعرف الأصل، فلا يجب حذفه لأنه يدل على الأصل، وأيضًا فإنك إذا وقعت على الأول لم يكن بد
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/59]
من المد فيجري الوقف على الوصل أولى وأقوى، وهو الاختيار.
15- وعلة من لم يمد أن الهمزة، لما زال لفظها الذي يُخاف على حرفه والمد واللين أن يخفى به، أسقط المد لأن الذي من أجله وجب المد ق زال، وهو لفظ الهمزة، فعامل اللفظ، ولم يعرج على الأصل، وعلى هذا قياس المد وتركه في قراءة البزي وقالون بالتخفيف في الهمزة الأولى، وفي قوله: {هؤلاء إن كنتم} «البقرة 31»، و{أولياء أولئك} «الأحقاف 32» القياس والنظر يوجبان المد مع التسهيل على ما قدمنا لكن الذي قرأت به في هذا الفصل هو ترك المد، لزوال لفظ الهمزة، وأنا آخذ بالوجهين وأختار المد لما قدمنا فيه من العلل.
16- فإن قيل: قد ذكرت علة المد لحروف المد واللين مع الهمزة، فما علة المد لهن مع المشدد أو الساكن بعدهن؟
فالجواب أن جميع الكلام لا يُلفظ فيه بساكن إلا بحركة قبله، ولا يوصل أبدًا إلى اللفظ بساكن بساكن آخر قبله، لأنه لا يبتدأ بساكن، ولا يُبتدأ إلا بمتحرك، ولا يوقف على متحرك فلما وقع، بعد حروف المد واللين وحرفي اللين، حرف مشدد وأوله ساكن، وحروف المد واللين وحرفا اللين سواكن، لم يمكن أن يوصل، إلى اللفظ بالمشدد، بساكن قبله، فاجتلبت مدة تقوم مقام الحركة، يوصل بها إلى اللفظ بالمشدد، وكانت المدة أولى؛ لأن الحرف الذي قبل المشدد حرف مد، فزيد في مده، لتقوم المدة مقام الحركة، فيتوصل بذلك إلى اللفظ بالمشدد، وهذا إجماع من العرب ومن النحويين، والعلة في المد للساكن غير المشدد، يقع بعد حروف المد واللين، كالعلة في المد للمشدد، لأن بالمدة يوصل إلى اللفظ
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/60]
بالساكن بعد حرف المد واللين، فليس في كلام العرب ساكن يلفظ به، إلا وقبله حرف متحرك، أو مدة على حرف مد، تقوم مقام الحركة، ألا ترى أن بعض العرب يحرك الساكن الذي قبل المشدد ليصل بالحركة إلى اللفظ بالمشدد، فآثر الحركة على زيادة المد فيقول في: دابة، دأبة، وقد قرئ «ولا الضألين» أبدل من الألف همزة مفتوحة، ليصل بها إلى النطق باللام المشددة، ومن هذا الباب في المد قوله: {آلله} «النمل 59» و{آلذكرين} «الأنعام 144» لأنه أبدل من ألف الوصل ألف صححة ليفرق بين الاستفهام والخبر، فلما أتى بعدها حرف مشدد لأجل إدغام لام التعريف فيما بعدها، زادوا في مد الألف، التي هي عوض من ألف الوصل، لتقوم المدة مقام الحركة، فيوصل بها إلى اللفظ بالمشدد، وقوي المد في ذلك؛ لأن لفظة الاستفهام، وليس في الكلام موضع يثبت لألف الوصل فيه عوض في الوصل غير هذا النوع «وايم الله» في الاستفهام وفي القسم.
17- وعلة ذلك أنك لو حذفت ألف الوصل في هذا، على أصل حذفها في الوصل في جميع الكلام، لم يكن بين الخبر والاستفهام فرق؛ لأن الخبر في هذا ألفه مفتوحة، والاستفهام ألفه مفتوحة، فلا يكون بينهما فرق، فأبدلوا من ألف الوصل ألفًا صحيحة زائدة، ليفصل بين الاستفهام والخبر، فلما وقع بعدها
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/61]
المشدد زيد في مدها للعلة التي ذكرنا، والوقف في هذا كالوصل، لأن العلة باقية في الوقف كالوصل.
فأما الوقف على أواخر الكلم، التي قبل الآخر منها حرف مد ولين، نحو: « عليم، وخبير، ويعلمون» وشبهه، فإنه يلزم من وقف بالسكون أو بالإشمام فيما يجوز فيه الإشمام، أن يمد بين الساكنين مدًا غير مشبع؛ لالتقائهما في الوقف، ولا يلزم إشباع المد لأن الوقف والسكون عارضان.
18- فإن قيل: فلم لا يمد هذا كمد «محياي، واللائي» في الوقف، في قراءة من أسكن الياء في الوصل، وكلاهما اجتمع فيه ساكنان في الوقف؟
فالجواب أن سكون الياء في «محياي، واللائي» لازم في الوصل والوقف على قراءة من قرأ بذلك، فوجب أن يلزم فيه المد المشبع؛ لالتقاء الساكنين؛ لتقوم المدة مقام حركة يوصل بها إلى النطق بالساكن الثاني، و«يعلمون، وخبير» وشبهه إنما سكن في الوقف، فسكونه عارض، والحركة فيه منوية مرادة، فضعف إشباع مده لذلك، وأيضًا فإنه قد وصل إلى اللفظ به بحركته ثم أسكن للوقف، وليس كذلك «محياي، واللائي» في قراءة من أسكن في الوصل فمد «يعلمون» وشبهه في الوقف غير مشبع لما ذكرنا، فإن رمت الحركة فيما يجوز فيه روم الحركة فمده أقل من ذلك؛ لأنه قريب من المتحرك؛ لإتيان الروم للحركة فيه، وحروف المد واللين هن مدات في خلقهن، لابد فيهن من
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/62]
المد على انفرادهن، وإن قل، ولا يحسن ترك المد في اسم «الله» لأن تركه يوجب حذف الألف منه، وذلك غير جائز إلا في شعر، والوقف عليه بالإسكان أو بالإشمام لابد فيه من مد زائد على ما ذكرنا، لالتقاء الساكنين، وإن وقفت عليه بروم الحركة كان المد أقل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/63]


رد مع اقتباس