عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 27 ذو القعدة 1439هـ/8-08-2018م, 08:08 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({كذلك أرسلناك في أمّةٍ قد خلت من قبلها أممٌ لتتلو عليهم الّذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرّحمن قل هو ربّي لا إله إلا هو عليه توكّلت وإليه متاب (30)}
يقول تعالى: وكما أرسلناك يا محمّد في هذه الأمّة: {لتتلو عليهم الّذي أوحينا إليك} أي: تبلغهم رسالة اللّه إليهم، كذلك أرسلنا في الأمم الماضية الكافرة باللّه، وقد كذّب الرّسل من قبلك، فلك بهم أسوةٌ، وكما أوقعنا بأسنا ونقمتنا بأولئك، فليحذر هؤلاء من حلول النّقم بهم، فإنّ تكذيبهم لك أشدّ من تكذيب غيرك من المرسلين، قال اللّه تعالى: {تاللّه لقد أرسلنا إلى أممٍ من قبلك فزيّن لهمالشّيطان أعمالهم فهو وليّهم اليوم ولهم عذابٌ أليمٌ} [النّحل: 63] وقال تعالى: {ولقد كذّبت رسلٌ من قبلك فصبروا على ما كذّبوا وأوذوا حتّى أتاهم نصرنا ولا مبدّل لكلمات اللّه ولقد جاءك من نبإ المرسلين} [الأنعام: 34] أي: كيف نصرناهم، وجعلنا العاقبة لهم ولأتباعهم في الدّنيا والآخرة.
وقوله: {وهم يكفرون بالرّحمن} أي: هذه الأمّة الّتي بعثناك فيهم يكفرون بالرّحمن، لا يقرّون به؛ لأنّهم كانوا يأنفون من وصف اللّه بالرّحمن الرّحيم؛ ولهذا أنفوا يوم الحديبية أن يكتبوا "بسم اللّه الرّحمن الرّحيم" وقالوا: ما ندري ما الرّحمن الرّحيم. قاله قتادة، والحديث في صحيح البخاريّ وقد قال اللّه تعالى: {قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن أيًّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} [الإسراء: 110] وفي صحيح مسلمٍ عن عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ أحبّ الأسماء إلى اللّه عبد اللّه وعبد الرّحمن .
{قل هو ربّي لا إله إلا هو} أي: هذا الّذي تكفرون به أنا مؤمنٌ به، معترفٌ مقرٌّ له بالرّبوبيّة والإلهيّة، هو ربّي لا إله إلّا هو، {عليه توكّلت} أي: في جميع أموري، {وإليه متاب} أي: إليه أرجع وأنيب، فإنّه لا يستحقّ ذلك أحدٌ سواه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 459-460]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولو أنّ قرآنًا سيّرت به الجبال أو قطّعت به الأرض أو كلّم به الموتى بل للّه الأمر جميعًا أفلم ييأس الّذين آمنوا أن لو يشاء اللّه لهدى النّاس جميعًا ولا يزال الّذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعةٌ أو تحلّ قريبًا من دارهم حتّى يأتي وعد اللّه إنّ اللّه لا يخلف الميعاد (31)}
يقول تعالى مادحًا للقرآن الّذي أنزله على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، ومفضّلًا له على سائر الكتب المنزّلة قبله: {ولو أنّ قرآنًا سيّرت به الجبال} أي: لو كان في الكتب الماضية كتابٌ تسير به الجبال عن أماكنها، أو تقطّع به الأرض وتنشقّ أو تكلّم به الموتى في قبورها، لكان هذا القرآن هو المتّصف بذلك دون غيره، أو بطريق الأولى أن يكون كذلك؛ لما فيه من الإعجاز الّذي لا يستطيع الإنس والجنّ عن آخرهم إذا اجتمعوا أن يأتوا بمثله، ولا بسورةٍ من مثله، ومع هذا فهؤلاء المشركون كافرون به، جاحدون له، {بل للّه الأمر جميعًا} أي: مرجع الأمور كلّها إلى اللّه، عزّ وجلّ، ما شاء اللّه كان، وما لم يشأ لم يكن، ومن يضلل فلا هادي له، ومن يهد اللّه فلا مضلّ له.
وقد يطلق اسم القرآن على كلٍّ من الكتب المتقدّمة؛ لأنّه مشتقٌّ من الجميع، قال الإمام أحمد:
حدّثنا عبد الرّزّاق، حدّثنا معمر، عن همّام بن منبّهٍ قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "خفّفت على داود القراءة، فكان يأمر بدابّته أن تسرج، فكان يقرأ القرآن من قبل أن تسرج دابّته، وكان لا يأكل إلّا من عمل يديه". انفرد بإخراجه البخاريّ.
والمراد بالقرآن هنا الزّبور.
وقوله: {أفلم ييأس الّذين آمنوا} أي: من إيمان جميع الخلق ويعلموا أو يتبيّنوا {أن لو يشاء اللّه لهدى النّاس جميعًا} فإنّه ليس ثمّ حجّةٌ ولا معجزةٌ أبلغ ولا أنجع في النّفوس والعقول من هذا القرآن، الّذي لو أنزله اللّه على جبلٍ لرأيته خاشعًا متصدّعًا من خشية اللّه. وثبت في الصّحيح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ما من نبيٍّ إلّا وقد أوتي ما آمن على مثله البشر، وإنّما كان الّذي أوتيته وحيًا أوحاه اللّه إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة" معناه: أنّ معجزة كلّ نبيٍّ انقرضت بموته، وهذا القرآن حجّةٌ باقيةٌ على الآباد، لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق عن كثرة الرّدّ، ولا يشبع منه العلماء، هو الفصل ليس بالهزل. من تركه من جبّارٍ قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضلّه اللّه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا منجاب بن الحارث، أنبأنا بشر بن عمارة، حدّثنا عمر بن حسّان، عن عطيّة العوفيّ قال: قلت له: {ولو أنّ قرآنًا سيّرت به الجبال} الآية، قالوا لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: لو سيّرت لنا جبال مكّة حتّى تتّسع فنحرث فيها، أو قطعت لنا الأرض كما كان سليمان يقطع لقومه بالرّيح، أو أحييت لنا الموتى كما كان عيسى يحيي الموتى لقومه فأنزل اللّه هذه الآية. قال: قلت: هل تروون هذا الحديث عن أحدٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: نعمٍ، عن أبي سعيدٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وكذا روي عن ابن عبّاسٍ، والشّعبيّ، وقتادة، والثّوريّ، وغير واحدٍ في سبب نزول هذه الآية، فاللّه أعلم.
وقال قتادة: لو فعل هذا بقرآنٍ غير قرآنكم، فعل بقرآنكم.
وقوله: {بل للّه الأمر جميعًا} قال ابن عبّاسٍ: [أي] لا يصنع من ذلك إلّا ما يشاء، ولم يكن ليفعل، رواه ابن إسحاق بسنده عنه، وقاله ابن جريرٍ أيضًا.
وقال غير واحدٍ من السّلف في قوله: {أفلم ييأس الّذين آمنوا} أفلم يعلم الّذين آمنوا. وقرأ آخرون: "أفلم يتبيّن الّذين آمنوا أن لو يشاء اللّه لهدى النّاس جميعًا".
وقال أبو العالية: قد يئس الّذين آمنوا أن يهدوا، ولو يشاء اللّه لهدى النّاس جميعًا.
وقوله: {ولا يزال الّذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعةٌ أو تحلّ قريبًا من دارهم} أي: بسبب تكذيبهم، لا تزال القوارع تصيبهم في الدّنيا، أو تصيب من حولهم ليتّعظوا ويعتبروا، كما قال تعالى: {ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرّفنا الآيات لعلّهم يرجعون} [الأحقاف: 27] وقال {أفلا يرون أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون} [الأنبياء: 44].
قال قتادة، عن الحسن: {أو تحلّ قريبًا من دارهم} أي: القارعة. وهذا هو الظّاهر من السّياق.
قال أبو داود الطّيالسيّ: حدّثنا المسعوديّ، عن قتادة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ولا يزال الّذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعةٌ} قال: سريّةٌ، {أو تحلّ قريبًا من دارهم} قال: محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، {حتّى يأتي وعد اللّه} قال: فتح مكّة.
وهكذا قال عكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، ومجاهدٌ، في روايةٍ.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {تصيبهم بما صنعوا قارعةٌ} قال: عذابٌ من السّماء ينزل عليهم {أو تحلّ قريبًا من دارهم} يعني: نزول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بهم وقتاله إيّاهم.
وكذا قال مجاهدٌ، وقتادة، وقال عكرمة في روايةٍ عنه، عن ابن عبّاسٍ: {قارعةٌ} أي: نكبةٌ.
وكلّهم قال: {حتّى يأتي وعد اللّه} يعني: فتح مكّة. وقال الحسن البصريّ: يوم القيامة.
وقوله: {إنّ اللّه لا يخلف الميعاد} أي: لا ينقض وعده لرسله بالنّصرة لهم ولأتباعهم في الدّنيا والآخرة، {فلا تحسبنّ اللّه مخلف وعده رسله إنّ اللّه عزيزٌ ذو انتقامٍ} [إبراهيم: 47]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 460-462]

رد مع اقتباس