الموضوع: سورة الأنفال
عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 1 صفر 1434هـ/14-12-2012م, 07:43 AM
الصورة الرمزية أسماء الشامسي
أسماء الشامسي أسماء الشامسي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الدولة: مكة المكرمة
المشاركات: 559
افتراضي


قال اللّه جلّ وعزّ {
وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)}

قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (واختلفوا أيضًا في الآية الثّانية من هذه السّورة
باب ذكر الآية الثّانية
قال اللّه جلّ وعزّ {ومن يولّهم يومئذٍ دبره إلّا متحرّفًا لقتالٍ أو متحيّزًا إلى فئةٍ فقد باء بغضبٍ من اللّه ومأواه جهنّم وبئس المصير} [الأنفال: 16] للعلماء في هذه الآية ثلاثة أقوالٍ
منهم من قال: هي منسوخةٌ ومنهم من قال: هي مخصوصةٌ لأهل بدرٍ لأنّها فيهم نزلت، ومنهم من قال: هي محكمةٌ وحكمها باقٍ إلى يوم القيامة فممّن قال: هي منسوخةٌ عطاء بن أبي رباحٍ قال: «نسخها {يا أيّها النّبيّ حرّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} إلى تمام الآيتين أي فنسخ بالتّخفيف عنهم والإطلاق لهم أن يولّوا ممّن هو أكثر من هذا العدد»
والقول الثّاني: إنّها مخصوصةٌ قول الحسن
كما حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، بالأنبار، قال: حدّثنا حاجب بن سليمان،
قال: حدّثنا وكيعٌ، عن الرّبيع بن صبيحٍ، عن الحسن، قال: " ليس الفرار من الزّحف من الكبائر إنّما كان في أهل بدرٍ خاصّةً هذه الآية {ومن يولّهم يومئذٍ دبره} [الأنفال: 16] "
وقرئ على أحمد بن شعيبٍ، عن أبي داود، قال: حدّثنا أبو زيدٍ الهرويّ، قال: حدّثنا شعبة، قال: حدّثنا داود بن أبي هندٍ، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: " نزلت {ومن يولّهم يومئذٍ دبره} [الأنفال: 16] في أهل بدرٍ "
والقول الثّالث: إنّ حكمها باقٍ إلى يوم القيامة قول ابن عبّاسٍ
كما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، وذكر الكبائر، قال: " والفرار من الزّحف لأنّ اللّه جلّ وعزّ قال {ومن يولّهم يومئذٍ دبره إلّا متحرّفًا لقتالٍ أو متحيّزًا إلى فئةٍ فقد باء بغضبٍ من اللّه} [الأنفال: 16]
قال أبو جعفرٍ: وهذا أولى ما قيل في الآية ولا يجوز أن تكون منسوخةً لأنّه خبرٌ ووعيدٌ ولا ينسخ الوعيد كما لا ينسخ الوعد
فإن قيل فحديث أبي سعيدٍ الخدريّ متّصل الإسناد وقد خبّر بنزول الآية في أهل بدرٍ؟ فكيف يجوز خلافه؟ فالجواب أنّه لعمري لا يجوز خلافه في مثل هذا والقول كما قال نزلت في أهل بدرٍ وحكمها باقٍ إلى يوم القيامة وأهل بدرٍ كان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فئتهم فكان لهم أن ينحازوا إليه وكذا كلّ إمامٍ والدّليل على أنّ حكمها باقٍ
ما حدّثناه عليّ بن الحسين، قال حدّثنا الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا عفّان، قال حدّثنا أبو عوانة قال: حدّثنا يزيد بن أبي زيادٍ، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن ابن عمر، قال: " كنت في غزوة مسالح رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فلقينا العدوّ فحاص النّاس حيصةً، ويقال جاض النّاس جيضةً فكنت فيمن حاص فرجعنا إلى أنفسنا فقلنا كيف يرانا المسلمون وقد بؤنا بالغضب ثمّ قرأ {ومن يولّهم يومئذٍ دبره إلّا متحرّفًا لقتالٍ أو متحيّزًا إلى فئةٍ فقد باء بغضبٍ من اللّه} [الأنفال: 16]، فقلنا نأتي المدينة فنبيت بها ثمّ نخرج فلا يرانا أحدٌ فلمّا
أتينا المدينة قلنا لو عرضنا أنفسنا على رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فرصدناه حين خرج إلى صلاة الفجر فقلنا: يا رسول اللّه نحن الفرّارون قال: لا بل أنتم العكّارون قلنا: إنّا قد هممنا بكذا وكذا قال: لا أنا فئةٌ للمسلمين {ومن يولّهم يومئذٍ دبره إلّا متحرّفًا لقتالٍ أو متحيّزًا إلى فئةٍ} [الأنفال: 16] "
قال أبو جعفرٍ: ففي هذا الحديث بيان معنى الآية لمن كان من أهل العلم وذلك أنّ ابن عمر لم يقبله رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم للحرب إلّا بعد يوم بدرٍ فتبيّن بهذا أنّ حكم الآية باقٍ وتبيّن أنّ لمن حارب العدوّ إذا خاف
على نفسه أن ينحاز إلى فئةٍ يتقوّى بها والعكّارون الكرّارون الرّاجعون يقال عكر وعكّر واعتكر إذا كرّ ورجع فلمّا رجع ابن عمر ومن معه إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قابلين منه كانوا هم العكّارين الرّاجعين إلى ما كانوا عليه من بذل أنفسهم إلى الجهاد والقبول من الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ما يأمرهم به ). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/369-372]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {ومن يولّهم يومئذٍ دبره إلاّ متحرّفًا لقتالٍ أو متحيّزًا إلى فئةٍ}. الآية:
أوجب الله لمن ولّى دبرًا - في الزّحف والقتال - للمشركين الغضب والنار.
قال عطاء: هي منسوخةٌ بقوله: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائةٌ يغلبوا ألفًا} [الأنفال: 65]، ثم نسخ هذا كلّه وخففّه بقوله: {فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين} [الأنفال: 66]، فأباح أن يولّوا من عددٍ أكثر من مثليهم، والنّسخ في هذا لا يجوز لأنّه وعيد، والوعيد لا ينسخ لأنه خبرٌ، وعليه أهل النّظر والفهم.
وقال الحسن: هي مخصوصةٌ في أهل بدر، وليس الفرار من الزحف من الكبائر، إنما كان ذلك في أهل بدر خاصة.
وعن ابن عباس: أنها محكمةٌ وحكمها باقٍ، والفرار من الزحف من الكبائر.
والصواب فيها: أنها محكمةٌ باقيةٌ على ما وقع عليه التّخفيف الذي بيّنها وخصّصها في آخر السورة، فالمعنى:
لا يفرّ عددٌ من مثلي ذلك العدد أو أقل، فمن ولّى دبره لعدد هو مثلا عدده فأقل، فقد اكتسب كبيرةً، وقد توعّده الله على ذلك بالغضب والنار.
ولم يختلف في أن التوبة منه مقبولةٌ جائزة، لقوله: {إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48، 116]، وقوله: {إلاّ من تاب وآمن وعمل صالحًا} [مريم: 60] الآية وقوله: {يغفر الذّنوب جميعًا} [الزمر: 53]، وقوله: {لئن أشركت ليحبطنّ عملك} [الزمر: 65]، ولا يحبط الإيمان إلاّ الشرك). [الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 297-298]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (ذكر الآية الثانية: قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم الّذين كفروا زحفاً فلا تولّوهم الأدبار، ومن يولّهم يومئذٍ دبره إلاّ متحرّفاً لقتالٍ}.
وقد ذهب قومٌ، منهم: ابن عبّاسٍ، وأبو سعيدٍ الخدريّ، والحسن وابن جبيرٍ، وقتادة والضّحّاك إلى أنّها في أهل بدرٍ خاصّةً.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد اللّه، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: بنا محمد بن جعفر، قال: بنا شعبة عن داود، قال: سمعت الشّعبيّ، يحدّث عن أبي سعيدٍ الخدريّ: {ومن يولّهم يومئذٍ دبره} قال: "نزلت في يوم بدرٍ".
قال أحمد: وبنا روح، قال: بنا حبيب [بن] الشّهيد عن الحسن، {ومن يولّهم يومئذٍ دبره إلاّ متحرّفاً لقتالٍ} قال: "نزلت في أهل بدرٍ".
قال أحمد: وبنا روح، قال: بنا شعبة عن الحسن، قال: إنّما شدّد على أهل بدرٍ.
قال أحمد: وبنا حسين، قال: بنا حمّاد بن زيدٍ عن أيّوب عن عكرمة {ومن يولّهم يومئذٍ دبره} قال: "يوم بدر".
قلت: لفظ الآية عامٌّ، وإن كانت نزلت في قومٍ بأعيانهم، وقد روي عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنه وغيره أنّها عامّةٌ، ثمّ لهؤلاء فيه قولان:
أحدهما: أنّها منسوخةٌ بقوله: {فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين} فليس للمؤمنين أن يفرّوا عن مثليهم.
قال آخرون: هي محكمةٌ، وهذا هو الصّحيح، لأنّها محكمةٌ في النّهي عن الفرار. فيحمل النّهي على ما إذا كان العدوّ أعلى [ من ] عدد المسلمين وقد ذهب إلى نحو هذا ابن جريرٍ ). [نواسخ القرآن: 346-347]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (الثاني: قوله عز وجل: {ومن يولهم يومئذ دبره..} الآية [الأنفال: 16]، قالوا: نسخها قوله عز وجل: {يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال} الآيتين [الأنفال: 65].
قالوا: فأطلق في هاتين الآيتين أن يفروا ممن هو أكثر من هذا العدد.
وقال الحسن: ليس الفرار من الزحف من الكبائر، والآية في أهل بدر خاصة.
وقال ابن عباس: (هي محكمة وحكمها باق إلى يوم القيامة، والفرار من الزحف من الكبائر، وأكثر العلماء على ذلك، وأيضا فهي خبر والخبر لا ينسخ)). [جمال القراء:1/311]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس