عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 11:49 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين}
قوله تعالى: "وصينا" الآية. روي عن قتادة أنها نزلت في سعد بن أبي وقاص، وذلك أنه هاجر، فحلفت أمه ألا تستظل بظل حتى يرجع إليها ويكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فلج هو في هجرته، ونزلت الآية. وقيل: بل نزلت في عياش بن أبي ربيعة، وذلك أنه اعتراه في دينه نحو من هذا; إذ خدعه أبو جهل لعنة الله عليه ورده إلى أمه .... الحديث في كتاب السيرة. ولا مرية أنها نزلت فيمن كان من المؤمنين بمكة يشقى بجهاد أبويه في شأن الإسلام والهجرة، فكأن القصد بهذه الآية النهي عن طاعة الأبوين في مثل هذا الأمر العظيم، ولما كان بر الوالدين وطاعتهما من الأمر التي قررتها الشريعة وأكدتها، وكان من الأمر القوي الملزم عندهم، قدم تعالى على النهي عن طاعتهما في الشرك بالله قوله: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا}، على معنى: إنا لا نحل عقوق الوالدين، لكنا لا نسلط على طاعة الله تعالى، لا سيما في معنى الإيمان والكفر.
وقوله: "حسنا" يحتمل أن ينتصب على المفعول، وفي ذلك تجوز، ويسهله كونه عاما لمعان، كما تقول: وصيتك خيرا، أو وصيتك شرا، عبر بذلك عن جملة ما قلت له، ويحصن ذلك دون حرف الجر كون حرف الجر في قوله: "بوالديه"; لأن المعنى: ووصينا الإنسان بالحسن في فعله مع والديه، ونظير هذا قول الشاعر:
عجبت من دهماء إذ تشكونا ومن أبي دهماء إذ يوصينا ... خيرا بها فكأننا جافونا
ويحتمل أن يكون المفعول الثاني في قوله: "بوالديه"، وينتصب "حسنا" بفعل مضمر تقديره: يحسن حسنا، وينتصب انتصاب المصدر، وقرأ عيسى والجحدري: "حسنا" بفتحتين، وقال الجحدري: في الإمام مكتوب: "بوالديه إحسانا"، قال أبو حاتم: يعني كالأحقاف، وقال الثعلبي: في مصحف أبي بن كعب رضي الله عنه: "إحسانا" وقوله تعالى: {إلي مرجعكم} وعيد في طاعة الوالدين في معنى الكفر). [المحرر الوجيز: 6/ 626-628]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم كرر تعالى التمثيل بحالة المؤمنين ليحرك النفوس إلى نيل مراتبهم، وقوله تعالى: {لندخلنهم في الصالحين} مبالغة، على معنى: الذين هم في نهاية الصلاح وأبعد غاياته، وإذا تحصل للمؤمنين هذا الحكم تحصل ثمره، وجزاؤه هو الجنة). [المحرر الوجيز: 6/ 628]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ومن الناس} الآية إلى قوله: {وليعلمن المنافقين}، نزلت في قوم من المسلمين كانوا بمكة مختفين بإسلامهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فلما خرج كفار قريش إلى بدر أخرجوا مع أنفسهم طائفة من هؤلاء، فأصيب بعضهم، فقال المسلمون: كانوا أصحابنا وأكرهوا فاستغفروا لهم، فنزلت: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} الآية، قال: فكتب المسلمون لمن بقي بمكة بهذه الآية، وألا عذر لهم، فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة وردوهم إلى مكة، فنزلت فيهم الآية: {ومن الناس من يقول آمنا بالله} الآية، فكتب المسلمون إليهم بذلك فحزنوا ويئسوا من كل خير، ثم نزلت فيهم: {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم}، فكتب المسلمون إليهم بذلك، وأن الله تعالى قد جعل لكم مخرجا فخرجوا، فلحقهم المشركون فقاتلوهم، فنجا من نجا، وقتل من قتل.
وقال ابن زيد: نزل قوله تعالى: {جعل فتنة الناس} في منافقين كفروا لما أوذوا.
وقوله تعالى: {فتنة الناس كعذاب الله} أي: صعب عليه أذى الناس حين صدوه، وكان حقه ألا يلتفت إليه، وأن يصبر عليه في جنب نجاته من عذاب الله تعالى. ثم أزال تعالى موضع تعلقهم ومغالطتهم إن جاء نصر، ثم قررهم على علم الله تعالى بما في صدورهم، أي: لو كان يقينا تاما وإسلاما خالصا لما توقفوا ساعة، ولركبوا كل هول إلى هجرتهم ودار نبيهم.
وقوله تعالى: {وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين}، تفسيره على حد ما تقدم في نظيره.
وهنا انتهى المدني في هذه السورة). [المحرر الوجيز: 6/ 628-629]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين}
روي أن قائل هذه المقالة الوليد بن المغيرة، وقيل: بل كانت شائعة من كفار قريش، قالوا لأتباع النبي صلى الله عليه وسلم: ادخلوا في أمرنا، وأقروا بآلهتنا واعبدوها، ونحن ليقيننا أنه لا بعث بعد الموت ولا رجوع نضمن لكم حمل خطاياكم، ونحملها عنكم فيما دعوناكم إليه إن كان في ذلك درك كما تزعمون أنتم، وقولهم: "ولنحمل" إخبار أنهم يحملون خطاياهم على جهة التشبيه بالنقل، ولكنهم أخرجوه في صيغة الأمر لأنها أوجب وأشد تأكيدا في نفس السامع من المجازات، وهذا نحو قال الشاعر:
فقلت ادعي وأدع فإن أندى لصوت أن ينادي داعيان
ولكونه خبرا حسن تكذيبهم فيه، فأخبر الله عز وجل أن جميع ذلك باطل، وأنهم لو فعلوه لم يتحمل عن أحد من هؤلاء المغترين بهم شيء من خطاياه التي تختص به.
وقرأ الجمهور: "ولنحمل" بجزم اللام، وقرأ عيسى ونوح القاري: "ولنحمل" بكسر اللام. وقرأ داود بن أبي هند: "من خطيهم" بكسر الياء وفتح الطاء، وحكى عنه أبو عمرو أنه قرأ: "من خطيئاتهم" بكسر الطاء وهمزة وتاء بعد الألف. وقال مجاهد: الحمل هو من الحمالة لا من الحمل على الظهر). [المحرر الوجيز: 6/ 629-630]

تفسير قوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أخبر تعالى عن أولئك الكفرة أنهم يحملون أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم، أي: أثقالا من كفرهم الذي يخترعونه ويتلبسون به، وأثقالا مع أثقالهم يريد: ما يلحقهم من أعوانهم وأتباعهم، فإنه يلحق بكل داع إلى ضلالة كفل منها حسب الحديث المشهور، أيما داع إلى هدى فاتبع عليه فله مثل أجور من اتبعه، لا ينقص ذلك من أجرهم شيئا، وأيما داع دعا إلى ضلالة ..... الحديث.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وإنما كانت مع أثقالهم لكونها بسبب غيرهم وعن غير كفر تلبسوه، فرق بينها وبين أثقالهم، ولم ينسبها إلى غيرهم، بل جعلها في رتبة أخرى فقط، فهم فيها إنما يزرون بوزر أنفسهم، وقد يترتب حمل أثقال الغير بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: فإن لم يبق للظالم أخذ من سيئات المظلوم فاطرح فطرح عليه. وقوله تعالى: "وليسئلن" على جهة التوبيخ والتقريع، لا على جهة الاستفهام والاستعلام، و"يفترون" معناه: يختلقون من الكفر ودعوى الصاحبة والولد وغير ذلك لله عز وجل). [المحرر الوجيز: 6/ 630-631]

رد مع اقتباس