عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 11:12 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وهو الّذي يتوفّاكم باللّيل ويعلم ما جرحتم بالنّهار ثمّ يبعثكم فيه ليقضى أجلٌ مسمًّى ثمّ إليه مرجعكم ثمّ ينبّئكم بما كنتم تعملون (60) وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظةً حتّى إذا جاء أحدكم الموت توفّته رسلنا وهم لا يفرّطون (61) ثمّ ردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين (62)}
يخبر تعالى أنّه يتوفّى عباده في منامهم باللّيل، وهذا هو التّوفّي الأصغر كما قال تعالى: {إذ قال اللّه يا عيسى إنّي متوفّيك ورافعك إليّ [ومطهّرك من الّذين كفروا]} [آل عمران: 55] ، وقال تعالى: {اللّه يتوفّى الأنفس حين موتها والّتي لم تمت في منامها فيمسك الّتي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجلٍ مسمًّى} [الزّمر: 42]، فذكر في هذه الآية الوفاتين: الكبرى والصّغرى، وهكذا ذكر في هذا المقام حكم الوفاتين الصّغرى ثمّ الكبرى، فقال: {وهو الّذي يتوفّاكم باللّيل ويعلم ما جرحتم بالنّهار} أي: ويعلم ما كسبتم من الأعمال بالنّهار. وهذه جملةٌ معترضةٌ دلّت على إحاطة علمه تعالى بخلقه في ليلهم ونهارهم، في حال سكونهم وفي حال حركتهم، كما قال: {سواءٌ منكم من أسرّ القول ومن جهر به ومن هو مستخفٍ باللّيل وساربٌ بالنّهار}[الرّعد: 10]، وكما قال تعالى: {ومن رحمته جعل لكم اللّيل والنّهار لتسكنوا فيه} أي: في اللّيل {ولتبتغوا من فضله} [القصص: 73] أي: في النّهار، كما قال: {وجعلنا اللّيل لباسًا * وجعلنا النّهار معاشًا} [النّبأ: 10، 11]؛ ولهذا قال هاهنا: {وهو الّذي يتوفّاكم باللّيل ويعلم ما جرحتم بالنّهار} أي: ما كسبتم بالنّهار {ثمّ يبعثكم فيه} أي: في النّهار. قاله مجاهدٌ، وقتادة، والسّدّي.
وقال ابن جريجٍ عن عبد اللّه بن كثيرٍ: أي في المنام.
والأوّل أظهر. وقد روى ابن مردويه بسنده عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «مع كلّ إنسانٍ ملكٌ إذا نام أخذ نفسه، ويرد إليه. فإن أذن اللّه في قبض روحه قبضه، وإلّا ردّ إليه»، فذلك قوله: {وهو الّذي يتوفّاكم باللّيل}
وقوله: {ليقضى أجلٌ مسمًّى} يعني به: أجل كلّ واحدٍ من النّاس، {ثمّ إليه مرجعكم} أي: يوم القيامة، {ثمّ ينبّئكم} أي: فيخبركم {بما كنتم تعملون} أي: ويجزيكم على ذلك إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًا فشر). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 266]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وهو القاهر فوق عباده} أي: هو الّذي قهر كلّ شيءٍ، وخضع لجلاله وعظمته وكبريائه كلّ شيءٍ.
{ويرسل عليكم حفظةً} أي: من الملائكة يحفظون بدن الإنسان، كما قال [تعالى] {له معقّباتٌ من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه} [الرّعد: 11]، وحفظةً يحفظون عمله ويحصونه [عليه] كما قال: {وإنّ عليكم لحافظين * [كرامًا كاتبين * يعلمون ما تفعلون]} [الانفطار: 10 -12]، وقال: {عن اليمين وعن الشّمال قعيدٌ * ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيبٌ عتيدٌ} [ق: 17، 18].
وقوله: {حتّى إذا جاء أحدكم الموت} أي: إذا احتضر وحان أجله {توفّته رسلنا} أي: ملائكةٌ موكّلون بذلك.
قال ابن عبّاسٍ وغير واحدٍ: لملك الموت أعوانٌ من الملائكة، يخرجون الرّوح من الجسد، فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم وسيأتي عند قوله تعالى: {يثبّت اللّه الّذين آمنوا بالقول الثّابت [في الحياة الدّنيا وفي الآخرة]} [إبراهيم: 27] ، الأحاديث المتعلّقة بذلك، الشّاهدة لهذا المرويّ عن ابن عبّاسٍ وغيره بالصّحّة.
وقوله: {وهم لا يفرّطون} أي: في حفظ روح المتوفّى، بل يحفظونها وينزلونها حيث شاء اللّه، عزّ وجلّ، إن كان من الأبرار ففي علّيّين، وإن كان من الفجّار ففي سجّينٍ، عياذًا باللّه من ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 267]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ثمّ ردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ}، قال ابن جريرٍ: {ثمّ ردّوا} يعني: الملائكة {إلى اللّه مولاهم الحقّ}
ونذكر هاهنا الحديث الّذي رواه الإمام أحمد [عن أبي هريرة في ذكر صعود الملائكة بالرّوح من سماءٍ إلى سماءٍ حتّى ينتهي بها إلى السّماء الّتي فيها اللّه عزّ وجلّ] حيث قال: حدّثنا حسين بن محمّدٍ، حدّثنا ابن أبي ذئبٍ، عن محمّد بن عمرو بن عطاءٍ، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «إنّ الميّت تحضره الملائكة، فإذا كان الرّجل الصّالح قالوا: اخرجي أيّتها النّفس الطّيّبة كانت في الجسد الطّيّب، اخرجي حميدةً، وأبشري بروحٍ وريحانٍ، وربٍّ غير غضبان، فلا يزال يقال لها ذلك حتّى تخرج، ثمّ يعرج بها إلى السّماء فيستفتح لها، فيقال: من هذا؟ فيقال: فلانٌ، فيقال: مرحبًا بالنّفس الطّيّبة كانت في الجسد الطّيّب، ادخلي حميدةً وأبشري بروحٍ وريحانٍ وربٍّ غير غضبان. فلا يزال يقال لها ذلك حتّى ينتهي بها إلى السّماء الّتي فيها اللّه عزّ وجلّ. وإذا كان الرّجل السّوء، قالوا: اخرجي أيّتها النّفس الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمةً وأبشري بحميمٍ وغسّاقٍ، وآخر من شكله أزواجٍ، فلا يزال يقال لها ذلك حتّى تخرج، ثمّ يعرج بها إلى السّماء، فيستفتح لها، فيقال: من هذا؟ فيقال: فلانٌ، فيقال: لا مرحبًا بالنّفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، ارجعي ذميمةً، فإنّه لا يفتح لك أبواب السّماء. فترسل من السّماء ثمّ تصير إلى القبر، فيجلس الرّجل الصّالح فيقال له مثل ما قيل في الحديث الأوّل، ويجلس الرّجل السّوء فيقال له مثل ما قيل في الحديث الأوّل»
هذا حديثٌ غريبٌ
ويحتمل أن يكون المراد بقوله: {ثمّ ردّوا إلى اللّه} يعني: الخلائق كلّهم إلى اللّه يوم القيامة، فيحكم فيهم بعدله، كما قال [تعالى]: {قل إنّ الأوّلين والآخرين * لمجموعون إلى ميقات يومٍ معلومٍ} [الواقعة: 49، 50]، وقال: {وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدًا}، إلى قوله: {ولا يظلم ربّك أحدًا} [الكهف: 47 -49]؛ ولهذا قال: {مولاهم الحقّ ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين}). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 267-268]


رد مع اقتباس