عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 24 صفر 1440هـ/3-11-2018م, 05:01 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم} الآية، قال قتادة: إنها نزلت في قوم من اليهود كانوا قد عرفوا من التوراة أمر محمد صلى الله عليه وسلم وتبين لهم الهدى بهذا الوجه، فلما باشروا أمره حسدوه فارتدوا عن ذلك القدر من الهدى، وقال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: نزلت في منافقين كانوا أسلموا ثم نافقت قلوبهم، والآية تعم كل من دخل في ضمن لفظها غابر الدهر، و"سول" معناه: رجاهم سؤلهم وأمانيهم، وقال أبو الفتح عن أبي علي: أنه بمعنى: دلاهم، مأخوذ من السول: وهو الاسترخاء والتدلي، وقرأ جمهور القراء: "وأملى لهم"، وأمال ابن كثير، وشبل، وابن مصرف "أملى"، وفاعل "أملى" هنا قال الحسن: هو الشيطان، جعل وعده الكاذب بالبقاء كالإبقاء، وذلك أن الإملاء هو الإبقاء ملاوة من الدهر، يقال: ملاوة وملاوة وملاوة بضم الميم وفتحها وكسرها، وهي القطعة من الزمان، ومنه "الملوان"، وهما الليل والنهار، فإذا أملى الشيطان إملاء لا صحة له إلا بطمعهم الكاذب، ويحتمل أن يكون الفاعل في "أملى" الله عز وجل، كأنه تعالى قال: الشيطان سول لهم، وأملى الله لهم، وحقيقة الإملاء إنما هو بيد الله تعالى، وهذا هو الأرجح. وقرأ الأعرج، ومجاهد، والجحدري، والأعمش: "وأملي لهم" بضم الهمزة وكسر اللام وإرسال ياء المتكلم، ورواها الخفاف عن أبي عمرو، وقرأ أبو عمرو: "وأملي" بفتح الياء على بناء الفعل للمفعول، وهي قراءة شيبة، وابن سيرين، والجحدري، وعيسى البصري، وعيسى الهمذاني، وهذا يحتمل فاعله من الخلاف ما في القراءة الأولى). [المحرر الوجيز: 7/ 654-655]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ذلك بأنهم قالوا} الآية، قيل: إنها نزلت في بني إسرائيل الذين تقدم ذكرهم في تفسير قوله تعالى: {إن الذين ارتدوا}، وروي أن قوما من قريظة والنضير كانوا يعدون المنافقين في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلاف عليه بنصر وموازرة، فذلك قولهم: {سنطيعكم في بعض الأمر}. وقرأ الجمهور: "أسرارهم" بفتح الهمزة، وذلك على جمع "سر" لأن أسرارهم كانت كثيرة، وقرأ حمزة والكسائي، وحفص عن عاصم: "إسرارهم" بكسر الهمزة، وهي قراءة ابن وثاب، وطلحة، والأعمش، وعيسى، وهو مصدر اسم الجنس.
وقوله تعالى: {فكيف إذا توفتهم الملائكة} الآية، يحتمل أن يتوعدوا بها، وأنها على معنيين: أحدهما هذا هلعهم وجزعهم لفرض القتال وقراع الأعداء، فكيف فزعهم وجزعهم إذا توفتهم الملائكة؟ والثاني أن يريد: هذه معاصيهم وعنادهم وكفرهم، فكيف تكون حالهم مع الله تعالى إذا توفتهم الملائكة؟ وقال الطبري: المعنى: والله أعلم بإسرارهم، فكيف علمه بها إذا توفتهم الملائكة؟ وهم هنا ملك الموت والمتصرفون معه، والضمير في "يضربون" للملائكة الذين يتوفون فذلك ضعيف.
و ما أسخط الله هو الكفر، و"الرضوان" هنا: الشرع والحق المؤدي إلى الرضوان، وقد تقدم القول في تفسير قوله تعالى: {فأحبط أعمالهم}، وقرأ الأعمش: (فكيف إذا توفاهم الملائكة) ). [المحرر الوجيز: 7/ 655]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم * ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم * ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم * إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم}
هذه الآية توبيخ للمنافقين وفضح لهم، وقوله تعالى: {أم حسب} توقيف، وهي "أم" المنقطعة، وتقدم تفسير مرض القلب، وقوله تعالى: {أن لن يخرج الله أضغانهم} أي يبديها من مكانها في نفوسهم، و"الضغن": الحقد.
وقوله تعالى: {ولو نشاء لأريناكهم} مقاربة في شهرتهم، ولكنه تعالى لم يعينهم قط بالأسماء والتعريف التام إبقاء عليهم وعلى قراباتهم وإن كانوا قد عرفوا بلحن القول، وكانوا في الاشتهار على مراتب كعبد الله بن أبي، والجد بن قيس وغيرهم ممن دونهم في الشهرة، و"السيما": العلامة التي كان تعالى يجعل لهم لو أراد التعريف التام بهم، وقال ابن عباس، والضحاك: إن الله تعالى قد عرفه بهم في سورة براءة في قوله تعالى: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا}، وفي قوله تعالى: {فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا}، وهذا في الحقيقة ليس بتعريف تام، بل هو لفظ يشير إليهم على الإجمال لا أنه سمى أحدا، وأعظم ما روي في اشتهارهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر يوما فأخرجت منهم جماعة من المسجد، كأنه وسمهم بهذا، لكنهم أقاموا على التبري من ذلك وتمسكوا بلا إله إلا الله فحقنت دماؤهم.
وروي عن حذيفة ما يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم عرفه بهم أو ببعضهم، وله في ذلك كلام مع عمر رضي الله عنهما.
ثم أخبر تعالى أنه سيعرفهم في لحن القول، ومعناه: في مذهب القول ومنحاه ومقصده، وهذا هو كما يقول لك إنسان معتقده وتفهم أنت من مقاطع كلامه وهيئته وقرائن أمره أنه على خلاف ما يقول، وهذا معنى قوله تعالى: {في لحن القول}، ومن هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض" الحديث، أي أذهب بها في جهات الكلام، وقد يكون هذا اللحن متفقا عليه، أن يقول الإنسان قولا يفهم السامعون منه معنى، ويفهم الذي اتفق مع المتكلم معنى آخر، ومنه الحديث الذي قال سعد بن معاذ وابن رواحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: عضل والقارة، وفي هذا المعنى قول الشاعر:
وخير الحديث ما كان لحنا
أي: ما فهمه عنك صاحبك وخفي على غيرك، فأخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن أقوالهم المحرقة التي هي على خلاف عقدهم ستتبين له فيعرفهم بها، واحتج بهذه الآية من جعل في التعريض بالقذف، وقوله تعالى: {والله يعلم أعمالكم} مخاطبة للجميع من مؤمن وكافر). [المحرر الوجيز: 7/ 655-658]

تفسير قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ الجمهور: "ولنبلونكم" بالنون، وكذلك "يعلم" وكذلك "يبلوا"، وروى رويس عن يعقوب: "ونبلو" بالرفع على القطع والإعلام بأن ابتلاءه دائم، وكان الفضيل بن عياض إذا قرأ هذه الآية بكى وقال: اللهم، لا تبتلنا فإنك إن بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا. وقوله تعالى: {حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين} معناه: حتى نعلمهم مجاهدين قد خرج جهادهم إلى الوجود، وبان تكسبهم الذي به يتعلق ثوابهم، وعلم الله تبارك وتعالى بالمجاهدين قديم أزلي، وإنما المعنى ما ذكرناه). [المحرر الوجيز: 7/ 658]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وصدوا} يحتمل أن يكون المعنى: وصدوا غيرهم، ويحتمل أن يكون غير متعد بمعنى؟ وصدوهم في أنفسهم، وقوله تعالى: {وشاقوا الرسول} معناه: خالفوه فكانوا في شق وهو صلى الله عليه وسلم في شق، وقوله تعالى: {من بعد ما تبين لهم الهدى} قالت فرقة: نزلت في قوم من بني إسرائيل فعلوا هذه الأفاعيل بعد تبينهم لأمر محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة، وقالت فرقة: نزلت في قوم من المنافقين حدث النفاق في نفوسهم بعد ما كان الإيمان داخلها، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في المطعمين سفرة بدر، و"تبين الهدى" هو وجوده عند الداعي إليه، وقالت فرقة: بل هي عامة في كل كافر، وألزمهم أنه قد تبين لهم الهدى من حيث كان الهدى بينا في نفسه، وهذا كما تقول لإنسان يخالفك في احتجاج على معنى التوبيخ له: أنت تخالف في شيء لا خفاء به عليك، بمعنى أنه هو هكذا في نفسه. وقوله تعالى: {لن يضروا الله شيئا} تحقير لهم، وقوله سبحانه: {وسيحبط أعمالهم} أما على قول من يرى أن أعمالهم الصالحة من صلة رحم ونحوه تكتب، فيجيء هذا الإحباط فيها متمكنا، وأما على قول من لا يرى ذلك فمعنى "سيحبط" أنها عبارة عن إعدام أعمالهم وإفسادها وأنها لا توجد شيئا منتفعا به، فذلك إحباط على تشبيه واستعارة). [المحرر الوجيز: 7/ 658-659]

رد مع اقتباس