عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 6 جمادى الآخرة 1434هـ/16-04-2013م, 06:14 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,137
افتراضي

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم قال هم أهل الكتاب يقول بين لهم الهدى أي أنهم يجدونه مكتوبا عندهم والشيطان سول لهم يقول زين لهم). [تفسير عبد الرزاق: 2/224]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {إنّ الّذين ارتدّوا على أدبارهم من بعد ما تبيّن لهم الهدى} يقول اللّه عزّ وجلّ إنّ الّذين رجعوا القهقرى على أعقابهم كفّارًا باللّه من بعد ما تبيّن لهم الحقّ وقصد السّبيل، فعرفوا واضح الحجّة، ثمّ آثروا الضّلال على الهدى عنادًا لأمر اللّه تعالى ذكره من بعد العلم.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّ الّذين ارتدّوا على أدبارهم من بعد ما تبيّن لهم الهدى} هم أعداء اللّه أهل الكتاب، يعرفون بعث محمّدٍ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه عندهم، ثمّ يكفرون به.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {من بعد ما تبيّن لهم الهدى} إنّهم يجدونه مكتوبًا عندهم.
وقال آخرون: عنى بذلك أهل النّفاق.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله {إنّ الّذين ارتدّوا على أدبارهم} إلى قوله {فأحبط أعمالهم} هم أهل النّفاق.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّ الّذين ارتدّوا على أدبارهم} إلى {إسرارهم} هم أهل النّفاق.
وهذه الصّفة بصفة أهل النّفاق عندنا أشبه منها بصفة أهل الكتاب، وذلك أنّ اللّه عزّ وجلّ أخبر أنّ ردّتهم كانت بقيلهم {للّذين كرهوا ما نزّل اللّه سنطيعكم في بعض الأمر} ولو كانت من صفة أهل الكتاب لكان في وصفهم بالتّكذيب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم الكفاية من الخبر عنهم بأنّهم إنّما ارتدّوا من أجل قيلهم ما قالوا.
وقوله: {الشّيطان سوّل لهم} يقول تعالى ذكره: الشّيطان زيّن لهم ارتدادهم على أدبارهم، من بعد ما تبيّن لهم الهدى.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {الشّيطان سوّل لهم وأملى لهم} يقول: زيّن لهم.
- حدّثنا قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {سوّل لهم} يقول: زيّن لهم.
وقوله: {وأملى لهم} يقول: ومدّ اللّه لهم في آجالهم ملاوةً من الدّهر، ومعنى الكلام: الشّيطان سوّل لهم، واللّه أملى لهم.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الحجاز والكوفة {وأملى لهم} بفتح الألف منها بمعنى: وأملى اللّه لهم وقرأ ذلك بعض أهل المدينة والبصرة (وأملي لهم) على وجه ما لم يسمّ فاعله وقرأ مجاهدٌ فيما ذكر عنه (وأملي) بضمّ الألف وإرسال الياء على وجه الخبر من اللّه جلّ ثناؤه عن نفسه أنّه يفعل ذلك بهم.
وأولى هذه القراءات بالصّواب الّتي عليها عامّة قرّاء الحجاز والكوفة من فتح الألف في ذلك، لأنّها القراءة المستفيضة في قرأة الأمصار، وإن كان يجمعها مذهبٌ تتقارب معانيها فيه). [جامع البيان: 21/217-219]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 25 - 28.
أخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى} قال: هم أعداء الله أهل الكتاب يعرفون نعت محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه عندهم ويجدونه مكتوبا في التوراة والإنجيل ثم يكفرون به {الشيطان سول لهم} قال: زين لهم {ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله} قال: هم المنافقون). [الدر المنثور: 13/447]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى} قال: اليهود ارتدوا عن الهدى بعد أن عرفوا أن محمدا صلى الله عليه وسلم نبي {الشيطان سول لهم وأملى لهم} قال: أملى الله لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله قال: يهود تقول للمنافقين من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم وكانوا يسرون إليهم إنا {سنطيعكم في بعض الأمر} وكان بعض الأمر أنهم يعلمون أن محمدا نبي وقالوا: اليهودية الدين فكان المنافقون يطيعون اليهود بما أمرتهم {والله يعلم إسرارهم} قال: ذلك سر القول {فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم} قال: عند الموت). [الدر المنثور: 13/447-448]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما {إن الذين ارتدوا على أدبارهم}، إلى {إسرارهم} هم أهل النفاق). [الدر المنثور: 13/448]

تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى كرهوا ما نزل الله قال هم المنافقون). [تفسير عبد الرزاق: 2/224]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلك بأنّهم قالوا للّذين كرهوا ما نزّل اللّه سنطيعكم في بعض الأمر واللّه يعلم إسرارهم}.
يقول تعالى ذكره: أملى اللّه لهؤلاء المنافقين وتركهم، والشّيطان سوّل لهم، فلم يوفّقهم للهدى من أجل أنّهم {قالوا للّذين كرهوا ما نزّل اللّه} من الأمر بقتال أهل الشّرك به من المنافقين: {سنطيعكم في بعض الأمر} الّذي هو خلافٌ لأمر اللّه تبارك وتعالى، وأمر رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {ذلك بأنّهم قالوا للّذين كرهوا ما نزّل اللّه سنطيعكم في بعض الأمر} فهؤلاء المنافقون.
{واللّه يعلم إسرارهم} يقول تعالى ذكره: واللّه يعلم إسرار هذين الحزبين المتظاهرين من أهل النّفاق، على خلاف أمر اللّه وأمر رسوله، إذ يتسارّون فيما بينهم بالكفر باللّه ومعصية الرّسول، ولا يخفى عليه ذلك ولا غيره من الأمور كلّها.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة والبصرة (أسرارهم) بفتح الألف من (أسرارهم) على وجه جماع (سرٍّ) وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة {إسرارهم} بكسر الألف على أنّه مصدرٌ من أسررت إسرارًا.
والصّواب من القول في ذلك عندنا أنّهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ). [جامع البيان: 21/219-220]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 25 - 28.
أخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى} قال: هم أعداء الله أهل الكتاب يعرفون نعت محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه عندهم ويجدونه مكتوبا في التوراة والإنجيل ثم يكفرون به {الشيطان سول لهم} قال: زين لهم {ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله} قال: هم المنافقون). [الدر المنثور: 13/447] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى} قال: اليهود ارتدوا عن الهدى بعد أن عرفوا أن محمدا صلى الله عليه وسلم نبي {الشيطان سول لهم وأملى لهم} قال: أملى الله لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله قال: يهود تقول للمنافقين من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم وكانوا يسرون إليهم إنا {سنطيعكم في بعض الأمر} وكان بعض الأمر أنهم يعلمون أن محمدا نبي وقالوا: اليهودية الدين فكان المنافقون يطيعون اليهود بما أمرتهم {والله يعلم إسرارهم} قال: ذلك سر القول {فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم} قال: عند الموت). [الدر المنثور: 13/447-448] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما {إن الذين ارتدوا على أدبارهم}، إلى {إسرارهم} هم أهل النفاق). [الدر المنثور: 13/448] (م)

تفسير قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثني حرملة بن عمران أنه سمع عمر بن عبد الله مولى غفرة يقول: إذا سمعت الله يقول: {كلا}، فإنما يقول: كذبت؛ وإذا [سمعت الله يقول (؟)]: {يضربون وجوههم وأدبارهم}، قال: يريد أستاههم). [الجامع في علوم القرآن: 2/57]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فكيف إذا توفّتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم (27) ذلك بأنّهم اتّبعوا ما أسخط اللّه وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم}.
يقول تعالى ذكره: واللّه يعلم إسرار هؤلاء المنافقين، فكيف لا يعلم حالهم إذا توفّتهم الملائكة، وهم يضربون وجوههم وأدبارهم، يقول: فحالهم أيضًا لا يخفى عليه في ذلك الوقت ويعني بالأدبار: الأعجاز، وقد ذكرنا الرّواية في ذلك فيما مضى قبل). [جامع البيان: 21/220-221]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {يضربون وجوههم وأدبارهم} قال: يضربون وجوههم وأستاهم ولكن الله كريم يكني). [الدر المنثور: 13/448]

تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ذلك بأنّهم اتّبعوا ما أسخط اللّه} يقول تعالى ذكره: تفعل الملائكة هذا الّذي وصفت بهؤلاء المنافقين من أجل أنّهم اتّبعوا ما أسخط اللّه، فأغضبه عليهم من طاعة الشّيطان {وكرهوا رضوانه} يقول: وكرهوا ما يرضيه عنهم من قتال الكفّار به، بعد ما افترضه عليهم.
وقوله: {فأحبط أعمالهم} يقول: فأبطل اللّه ثواب أعمالهم وأذهبه، لأنّها عملت في غير رضاه ولا محبّته، فبطلت، ولم تنفع عاملها). [جامع البيان: 21/221]

تفسير قوله تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال ابن عبّاسٍ: {أضغانهم} [محمد: 29] : «حسدهم»). [صحيح البخاري: 6/134]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال ابن عبّاس أضغانهم حسدهم وصله بن أبي حاتم من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عبّاسٍ في قوله أن لن يخرج اللّه أضغانهم قال أعمالهم خبثهم والحسد). [فتح الباري: 8/579]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وأما قول ابن عبّاس فقال ابن أبي حاتم أنا علّي بن المبارك فيما كتب إليّ أنا زيد بن المبارك ثنا أبو ثور عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عبّاس في قوله 29 محمّد {أن لن يخرج الله أضغانهم} قال أعمالهم خبثهم والحسد الّذي في قلوبهم). [تغليق التعليق: 4/312]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال ابن عبّاسٍ أضغانهم حسدهم
أي: قال ابن عبّاس في قوله تعالى: {أم حسب الّذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم} (محمّد: 29) وفسّر الأضغان بالحسد، وهو جمع ضغن وهو الحقد والحسد، والضّمير في: قلوبهم يرجع إلى المنافقين). [عمدة القاري: 19/172]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم (أضغانهم) في قوله تعالى: {أم حسب الذين في قلوبهم مرض} [محمد: 29] أن لن يخرج الله أضعانهم أي (حسدهم) بالحاء المهملة وقيل بغضهم وعدوانهم). [إرشاد الساري: 7/342]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أم حسب الّذين في قلوبهم مرضٌ أن لن يخرج اللّه أضغانهم (29) ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنّهم في لحن القول واللّه يعلم أعمالكم}.
يقول تعالى ذكره: أحسب هؤلاء المنافقون الّذين في قلوبهم شكٌّ في دينهم، وضعفٌ في يقينهم، فهم حيارى في معرفة الحقّ أن لن يخرج اللّه ما في قلوبهم من الأضغان على المؤمنين، فيبديه لهم ويظهره، حتّى يعرفوا نفاقهم، وحيرتهم في دينهم {ولو نشاء لأريناكهم} يقول تعالى ذكره: ولو نشاء يا محمّد لعرّفناك هؤلاء المنافقين حتّى تعرفهم من قول القائل: سأريك ما أصنع، بمعنى سأعلّمك.
قوله: {فلعرفتهم بسيماهم} يقول: فلتعرفنّهم بعلامات النّفاق الظّاهرة منهم في فحوى كلامهم، وظاهر أفعالهم، ثمّ إنّ اللّه تعالى ذكره عرّفه إيّاهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أم حسب الّذين في قلوبهم مرضٌ أن لن يخرج اللّه أضغانهم} إلى آخر الآية، قال: هم أهل النّفاق، وقد عرفه إيّاهم في براءة، فقال: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره} وقال: {قل لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًّا}.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {أم حسب الّذين في قلوبهم مرضٌ} الآية، هم أهل النّفاق {فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنّهم في لحن القول} فعرّفه اللّه إيّاهم في سورة براءة، فقال: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا} وقال {فقل لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًّا}
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {أم حسب الّذين في قلوبهم مرضٌ أن لن يخرج اللّه أضغانهم} قال: هؤلاء المنافقون، قال: والّذي أسرّوا من النّفاق هو الكفر). [جامع البيان: 21/221-222]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 29 - 32.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم} قال: أعمالهم، خبثهم والحسد الذي في قلوبهم ثم دل الله النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد على المنافقين فكان يدعو باسم الرجل من أهل النفاق). [الدر المنثور: 13/448]

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم} قال: هؤلاء المنافقون، قال: وقد أراه اللّه إيّاهم، وأمر بهم أن يخرجوا من المسجد، قال: فأبوا إلاّ أن تمسّكوا بلا إله إلاّ اللّه؛ فلمّا أبوا إلاّ أن تمسّكوا بلا إله إلاّ اللّه حقنت دماؤهم، ونكحوا ونوكحوا بها.
وقوله: {ولتعرفنّهم في لحن القول} يقول: ولتعرفنّ هؤلاء المنافقين في معنى قولهم نحوه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {في لحن القول} قال: قولهم.
{واللّه يعلم أعمالكم} لا يخفى عليه العامل منكم بطاعته، والمخالف ذلك، وهو مجازي جميعكم عليها). [جامع البيان: 21/223]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه، وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قوله {ولتعرفنهم في لحن القول} قال: ببغضهم علي بن أبي طالب). [الدر المنثور: 13/449]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ببغضهم علي بن أبي طالب). [الدر المنثور: 13/449]

تفسير قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولنبلونّكم حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين ونبلوا أخباركم (31) إنّ الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه وشاقّوا الرّسول من بعد ما تبيّن لهم الهدى لن يضرّوا اللّه شيئًا وسيحبط أعمالهم}.
يقول تعالى ذكره لأهل الإيمان به من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم {ولنبلونّكم} أيّها المؤمنون بالقتل، وجهاد أعداء اللّه {حتّى نعلم المجاهدين منكم} يقول: حتّى يعلم حزبي وأوليائي أهل الجهاد في اللّه منكم، وأهل الصّبر على قتال أعدائه، فيظهر ذلك لهم، ويعرف ذوو البصائر منكم في دينه من ذوي الشّكّ والحيرة فيه وأهل الإيمان من أهل النّفاق ونبلو أخباركم، فنعرف الصّادق منكم من الكاذب.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين}، وقوله: {ولنبلونّكم بشيءٍ من الخوف والجوع} ونحو هذا قال: أخبر اللّه سبحانه المؤمنين أنّ الدّنيا دار بلاءٍ، وأنّه مبتليهم فيها، وأمرهم بالصّبر، وبشّرهم فقال: {وبشّر الصّابرين} ثمّ أخبرهم أنّه، هكذا فعل بأنبيائه، وصفوته لتطيب أنفسهم، فقال: {مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا} فالبأساء: الفقر، والضّرّاء: السّقم، وزلزلوا بالفتن وأذى النّاس إيّاهم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ولنبلونّكم حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين} قال: نختبركم، البلوى: الاختبار. وقرأ {الم أحسب النّاس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون} قال: لا يختبرون {ولقد فتنّا الّذين من قبلهم} الآية.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ولنبلونّكم حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين ونبلو أخباركم}، فقرأ ذلك عامّة قرّاء الأمصار بالنّون: نبلو و{نعلم}، ونبلو على وجه الخبر من اللّه جلّ جلاله عن نفسه، سوى عاصمٍ فإنّه قرأ جميع ذلك بالياء والنّون هي القراءة عندنا لإجماع الحجّة من القرّاء عليها، وإن كان للأخرى وجهٌ صحيحٌ). [جامع البيان: 21/223-224]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه أنه تلا هذه الآية {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين} الآية فقال: اللهم عافنا واسترنا ولا تبل أخبارنا). [الدر المنثور: 13/449]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عاصم رضي الله عنه أنه قرأ أو ليبلونكم بالياء حتى يعلم بالياء ويبلو بالياء ونصب الواو والله أعلم). [الدر المنثور: 13/449]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {إنّ الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه} يقول تعالى ذكره: إنّ الّذين جحدوا توحيد اللّه، وصدّوا النّاس عن دينه الّذي ابتعث به رسله {وشاقّوا الرّسول من بعد ما تبيّن لهم الهدى} يقول: وخالفوا رسوله محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، فحاربوه وآذوه من بعد ما علموا أنّه نبيّ مبعوثٌ، ورسولٌ مرسلٌ، وعرفوا الطّريق الواضح بمعرفته، وأنّه للّه رسولٌ.
وقوله: {لن يضرّوا اللّه شيئًا} لأنّ اللّه بالغ أمره، وناصر رسوله، ومظهره على من عاداه وخالفه {وسيحبط أعمالهم} يقول: وسيذهب أعمالهم الّتي عملوها في الدّنيا فلا ينفعهم بها في الدّنيا والآخرة، ويبطلها إلاّ ممّا يضرّهم). [جامع البيان: 21/225]


رد مع اقتباس