عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م, 12:56 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم * ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير * ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور}
"أم" هذه هي منقطعة لا معادلة، وهي بتقدير "بل وألف الاستفهام"، و"الشركاء في هذه الآية: يحتمل أن يكون المراد بهم: الشياطين والمغوين من أسلافهم، ويكون الضمير في "لهم" للكفار المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم، أي: شرع الشركاء لهم ما لم يأذن به الله، فالاشتراك هنا هو في الكفر والغواية، وليس بشركة الإشراك بالله تعالى، ويحتمل أن يكون المراد بـ"الشركاء": الأصنام والأوثان على معنى: أم لهم أصنام جعلوها شركاء لله في ألوهيته؟ ويكون الضمير في شرعوا" لهؤلاء المعاصرين من الكفار ولآبائهم، والضمير في "لهم" للأصنام الشركاء، أي: شرع هؤلاء الكفار لأصنامهم وأوثانهم ما لم يأذن به الله تعالى، و"شرعوا" معناه: أثبتوا ونهجوا ورسموا، و"الدين" هنا: العوائد والأحكام والسيرة، ويدخل في ذلك أيضا المعتقدات، لأنهم في جميع ذلك وضعوا أوضاعا، فأما في المعتقدات فقولهم: إن الأصنام آلهة، وقولهم: إنهم يعبدون الأصنام زلفى، وغير ذلك، وأما في الأحكام فكالبحيرة والوصيلة والحامي، وغير ذلك من السوائب ونحوها، و"الإذن" في هذه الآية: الأمر.
و"كلمة الفصل": هي ما سبق من قضاء الله تعالى بأنه يؤخر عقابهم إلى الآخرة، و"القضاء بينهم": هو عذابهم في الدنيا ومجازاتهم. وقرأ جمهور الناس: "وإن الظالمين" بكسر الهمزة على القطع والاستئناف، وقرأ مسلم بن جندب بفتح الهمزة، وهي في موضع رفع عطفا على: "كلمة"، المعنى: وأن الظالمين لهم في الآخرة عذاب). [المحرر الوجيز: 7/ 510-511]

تفسير قوله تعالى: {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ترى الظالمين مشفقين} هي رؤية بصر، و"الظالمين": مفعول، و"مشفقين" حال، وليس لهم في هذا الإشفاق مدح، لأنهم إنما أشفقوا حين نزل بهم ووقع، وليسوا كالمؤمنين الذين هم في الدنيا مشفقون من الساعة كما تقدم، وقوله تعالى: {وهو واقع بهم} في موضع الحال، و"الروضات": المواضع المؤنقة النضرة، وهي مرتفعة في الأغلب من الاستعمال، وهي الممدوحة عند العرب وغيرهم، ومن ذلك قوله تعالى: {كمثل جنة بربوة}، ومن ذلك تفضيلهم روضات الحزن لجودة هوائها، قال الطبري: ولا تقول العرب لموضع الأشجار: رياض). [المحرر الوجيز: 7/ 511]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ذلك الذي يبشر الله عباده} إشارة إلى قوله تعالى في الآية الأخرى: {وبشر المؤمنين} بأن لهم من الله فضلا كبيرا. وقرأ جمهور الناس: "يبشر" بضم الياء وفتح الباء وشد الشين المكسورة، وذلك على التعدية والتضعيف، وقرأ مجاهد وحميد: "يبشر" بضم الياء وسكون الباء وكسر الشين على التعدية بالهمزة، قرأ ابن مسعود وابن يعمر وابن أبي إسحاق والجحدري والأعمش وطلحة: "يبشر" بفتح الياء وضم الشين، ورويت عن ابن كثير، وقال الجحدري في تفسيرها: ترى النضرة في الوجوه.
وقوله تعالى: {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى}، اختلف الناس في معناه، فقال له ابن عباس رضى الله عنهما وغيره: هي آية مكية نزلت في صدر الإسلام، ومعناها: استكفاف شر الكفار ودفع أذاهم، أي: ما أسألكم على القرآن والدين والدعاء إلى الله تعالى إلا أن تودوني لقرابة بيني وبينكم، فتكفوا عني أذاكم، قال ابن عباس، وابن إسحاق، وقتادة: ولم يكن في قريش بطن إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه نسب أو صهر، فالآية -على هذا- هي استعطاف ما، ودفع أذى وطلب سلامة منهم، وذلك كله منسوخ بآية السيف، ويحتمل هذا التأويل أن يكون معنى الكلام استدعاء نصرهم، أي: لا أسألكم غرامة ولا شيئا إلا أن تودوني لقرابتي منكم وأن تكونوا أولى بي من غيركم. وقال مجاهد: إلا أن تصلوا رحمي باتباعي، وقال ابن عباس رضى الله عنهما أيضا ما يقتضي أنها مدنية، وسببها أن قوما من شباب الأنصار فاخروا المهاجرين ومالوا بالقول على قريش، فنزلت الآية في ذلك على معنى: إلا أن تودوني فتراعوني في قرابتي وتحفظونني فيهم، وقال بهذا المعنى في الآية علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، واستشهد بالآية حين سيق إلى الشام أسيرا، وهو تأويل ابن جبير، وعمرو بن شعيب، وعلى هذا التأويل قال ابن عباس رضى الله عنهما: قيل: يا رسول الله، من قرابتك الذين أمرنا بمودتهم؟ فقال: "علي وفاطمة وابناهما"، وقيل: هو ولد عبد المطلب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وقريش كلها عندي قربى وإن كانت تتفاضل، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من مات على حب آل محمد مات شهيدا، ومن مات على بغضهم لم يشم رائحة الجنة"،
وقال ابن عباس رضى الله عنهما أيضا في كتاب الثعلبي: سبب هذه الآية أن الأنصار جمعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مالا وساقته إليه، فرده عليهم ونزلت الآية في ذلك، وقال ابن عباس رضى الله عنهما أيضا: معنى الآية: من قربى الطاعة والتزلف إلى الله تعالى، كأنه قال: إلا أن تودوني، لأني أقربكم من الله تعالى، وأريد هدايتكم وأدعوكم إليها، وقال الحسن بن أبي الحسن: معناه: إلا أن تتوددوا إلى الله تعالى بالتقرب إليه، وقال عبد الله بن القاسم في كتاب الطبري: معنى الآية: إلا أن تتوددوا بعضكم إلى بعض وتصلوا قراباتكم، فالآية -على هذا- أمر بصلة الرحم.
وذكر النقاش عن ابن عباس، ومقاتل، والكلبي، والسدي، أن الآية منسوخة بقوله تعالى في سورة سبأ: {قل ما سألتكم من أجر فهو لكم}، والصواب أنها محكمة، وعلى كل قول فالاستثناء منقطع، و"إلا" بمعنى "لكن".
و "يقترف" معناه: يكتسب، ورجل قرفة: إذا كان محتالا كسوبا، وقرأت فرقة: "يزد" على إسناد الفعل لله تعالى، وقرأ جمهور الناس: "نزد" على نون العظمة، وزيادة الحسن هو التضعيف الذي وعد الله تعالى به مؤمني عباده، قاله الحسن بن أبي الحسن، و"غفور" معناه: ساتر عيوب عبيده. و"شكور" معناه: مجاز على الدقيقة من الخير لا يضيع عنده عمل العامل). [المحرر الوجيز: 7/ 511-513]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور * وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون * ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد * ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير}
"أم" هذه أيضا منقطعة مضمنة إضرابا عن كلام متقدم، وتقريرا على هذه المقالة منهم.
وقوله تعالى: {فإن يشأ الله يختم} معناه: في قول قتادة وفرقة من المفسرين: ينسيك القرآن، والمراد الرد على مقالة الكفار وبيان إبطالها، وذلك كأنه يقول: وكيف يصح أن تكون مفتريا وأنت بمرأى من الله تعالى ومسمع، وهو قادر لو شاء على أن يختم على قلبك، فلا تعقل ولا تنطق ولا يستمر افتراؤك، فمقصد اللفظ هذا المعنى وحذف ما يدل عليه الظاهر اختصارا واقتصارا. وقال مجاهد في كتاب الثعلبي وغيره: المعنى: فإن يشإ الله يختم على قلبك بالصبر لأذى الكفار ويربط عليه بالجلد، فهذا تأويل لا يتضمن الرد على مقالتهم.
وقوله تعالى: {ويمح الله الباطل} فعل مستقبل، خبر من الله تعالى أن يمحو الباطل ولا بد، إما في الدنيا وإما في الآخرة، وهذا بحسب نازلة نازلة. وكتبت "يمح في المصحف بحاء مرسلة كما كتبوا: "ويدع الإنسان إلى غير ذلك مما ذهبوا فيه إلى الحذف والاختصار.
وقوله تعالى: {بكلماته} معناه: بما سبق في قديم علمه وإرادته من كون الأشياء، فالكلمات: المعاني القائمة القديمة.
وقوله تعالى: {إنه عليم بذات الصدور} خبر مضمنه وعيد). [المحرر الوجيز: 7/ 513-514]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم ذكر تعالى النعمة في تفضله بقبول التوبة عن عباده، وقبول التوبة فيما يستأنف العبد من زمنه وأعماله مقطوع به بهذه الآية، وأما ما سلف من أعماله فينقسم: فأما التوبة من الكفر فماحية كل ما تقدمها من مظالم العباد الفانية، وغير ذلك، وأما التوبة من المعاصي فلأهل السنة قولان: هل تذهب المعاصي السالفة للعبد بينه وبين خالقه سبحانه؟ فقالت فرقة: هي مذهبة لها، وقالت فرقة: هو في مشيئة الله تعالى، وأجمعوا على أنها لا تذهب مظالم العباد، وحقيقة التوبة: الإقلاع عن المعاصي والإقبال والرجوع إلى الطاعات، ويلزمها الندم على ما فات، والعزم على ملازمة الخيرات. وقال سري السقطي: التوبة: العزم على ترك الذنوب، والإقبال بالقلب إلى علام الغيوب سبحانه وتعالى، وقال يحيى بن معاذ: التائب من كسر شبابه على رأسه، وكسر الدنيا على رأس الشيطان، ولزم الفطام حتى أتاه الحمام.
وقوله تعالى: {عن عباده} بمعنى: من عباده، وكأنه تعالى قال: التوبة الصادرة عن عباده، وقرأ جمهور القراء، والأعرج، وأبو جعفر، والجحدري، وقتادة: "يفعلون" بالياء على الكناية عن غائب، وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، وابن مسعود، وعلقمة: "تفعلون" بالتاء على المخاطبة، وفي الآية توعد). [المحرر الوجيز: 7/ 514-515]

تفسير قوله تعالى: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "ويستجيب" قال الزجاج وغيره: معناه: يجيب، والعرب تقول: أجاب واستجاب بمعنى، ومنه قول الشاعر:
وداع دعا يا من يجيب الندى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب
و "الذين" -على هذا القول- مفعول بـ "يستجيب"، وروي هذا المعنى عن معاذ بن جبل رضى الله عنه، ونحوه عن ابن عباس رضى الله عنهما، وقالت فرقة: المعنى: ويستدعي الذين آمنوا الإجابة من ربهم بالأعمال الصالحة، ودل قوله تعالى: {ويزيدهم من فضله} على أن المعنى: "فيجيبهم" وحملت هذه الفرقة "استجاب" على المعهود من باب "استفعل"، أي: طلب الشيء. و"الذين" -على هذا القول- فاعل بـ "يستجيب". وقالت فرقة: المعنى: ويجيب المؤمنون ربهم، فــ "الذين": فاعل بمعنى: يجيبون دعوة شرعه ورسالته، والزيادة من فضله هي تضعيف الحسنات، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "هي قبول الشفاعات في المذنبين والرضوان").[المحرر الوجيز: 7/ 515-516]

رد مع اقتباس