عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م, 12:42 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب * وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب}
المعنى: شرع الله تعالى لكم وبين من المعتقدات والتوحيد ما وصى به نوحا قبل، وقوله تعالى: "والذي" عطف على "ما"، وكذلك ما ذكر بعد من إقامة الدين مشروع اتفقت النبوات فيه، وذلك في المعتقدات أو في جملة أمرها من أن كل نبوة فإنما مضمنها معتقدات وأحكام، فيجيء المعنى على هذا: شرع لكم شرعة هي كشرعة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام في أنها ذات المعتقدات المشهورة التي هي في كل نبوءة، وذات أحكام كما كانت تلك كلها، وعلى هذا يتخرج ما حكاه الطبري عن قتادة، فقال: ما وصى به نوحا يريد: الحلال والحرام، وعليه روي أن نوحا عليه السلام أول من أتى بتحريم البنات والأمهات، وأما الأحكام بانفرادها فهي في الشرائع مختلفة، وهي المراد في قوله تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا}، و"أن" في قوله تعالى: {أن أقيموا الدين} يجوز أن تكون في موضع نصب بدلا من "ما"، ويجوز في موضع خفض بدلا من الضمير في "به"، أو في موضع رفع على خبر ابتداء تقديره: ذلك أن، و[يجوز] أن تكون مفسرة بمعنى: "أي" لا موضع لها من الإعراب، و"إقامة الدين" هو توحيد الله تعالى ورفض ما سواه.
وقوله تعالى: {ولا تتفرقوا} نهي عن المهلك من تفرق الأنحاء والمذاهب، والخير كله في الألفة واجتماع الكلمة، ثم أخبر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بصعوبة موقع هذه الدعوة إلى إقامة الدين على المشركين بالله تعالى العابدين الأصنام. قال قتادة: كبرت عليهم: "لا إله إلا الله"، وأبى الله تعالى إلا نصرها وإظهارها، ثم سلاه تعالى عنهم بقوله: {الله يجتبي} أي: يختار ويصطفي، قاله مجاهد وغيره: و"ينيب" معناه: يرجع عن الكفر ويحرص على الخير ويطلبه.
وقوله تعالى: {ولا تتفرقوا}: عبارة يجمع خطابها كفار العرب واليهود والنصارى وكل مدعو إلى الإسلام، فلذلك حسن أن يقال: "ما تفرقوا"، يعني بذلك: أوائل اليهود والنصارى، والعلم الذي جاءهم هو ما كان حصل في نفوسهم من علم كتب الله تعالى، فبغى بعضهم على بعض، وأداهم ذلك إلى الاختلاف في الرأي، و"الكلمة السابقة" قال المفسرون: هي حتمه تعالى القضاء بأن مجازاتهم إنما تقع في الآخرة، فلولا ذلك لفصل بينهم في الدنيا وغلب المحق على المبطل.
وقوله تعالى: {وإن الذين أورثوا الكتاب} إشارة إلى معاصري محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى، وقيل: هي إشارة إلى العرب، و"الكتاب": هو القرآن، والضمير في قوله تعالى: {لفي شك} يحتمل أن يعود على "الكتاب، أو على محمد صلى الله عليه وسلم، أو على "الأجل المسمى"، أي: في شك من البعث على قول من رأى الإشارة إلى العرب، ووصف الشك بـ "مريب" مبالغة فيه). [المحرر الوجيز: 7/ 505-506]

تفسير قوله تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير * والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد}
اللام في قوله تعالى: "فلذلك" قالت فرقة: هي بمنزلة "إلى"، كما قال تعالى: {بأن ربك أوحى لها} أي: إليها، كأنه قال: فإلى ما وصى به الأنبياء من التوحيد فادع، وقالت فرقة: بل هي بمعنى "من أجل"، كأنه قال: فمن أجل أن الأمر كذا ولكونه كذا، فادع أنت إلى ربك وبلغ ما أرسلت به.
وخوطب صلى الله عليه وسلم بأمر الاستقامة، وهو عليه الصلاة والسلام قد كان مستقيما، بمعنى: دم على استقامتك، وهكذا الشأن في كل مأمور بشيء هو متلبس به إنما معناه الدوام، وهذه الآية ونحوها كانت نصب عين النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت شديدة الموقع من نفسه، أعني قوله تعالى: {واستقم كما أمرت} لأنها جملة تحتها جميع الطاعات وتكاليف النبوة، وفي هذا المعنى قال عليه الصلاة والسلام: "شيبتني هود وأخواتها"، فقيل له: لم ذلك؟ فقال: لأن فيها فاستقم كما أمرت، وهذا الخطاب له صلى الله عليه وسلم بحسب قوته في أمر الله تعالى، وقال هو عليه الصلاة والسلام لأمته بحسب ضعفهم: "استقيموا ولن تحصوا".
وقوله تعالى: {ولا تتبع أهواءهم} يعني: قريشا فيما كانوا يهوونه من أن يعظم محمد صلى الله عليه وسلم آلهتهم وغير ذلك، ثم أمره تبارك وتعالى أن يؤمن بالكتب المنزلة قبله من عند الله تعالى، وهو أمر يعم سائر أمته.
وقوله تعالى: {وأمرت لأعدل بينكم}: قالت فرقة: اللام" في "لأعدل" بمعنى: أن، لأن التقدير: بأن أعدل بينكم. وقالت فرقة: المعنى: وأمرت بما أمرت به من التبليغ والشرع لكي أعدل، فحذف من الكلام ما يدل الظاهر عليه.
وقوله تعالى: {لنا أعمالنا ولكم أعمالكم} إلى آخر الآية منسوخ ما فيه من موادعة بآية السيف. وقوله: {لا حجة بيننا وبينكم} أي: لا جدال ولا مناظرة، قد وضح الحق وأنتم تعاندون، وفي قوله: {الله يجمع بيننا} وعيد). [المحرر الوجيز: 7/ 506-508]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {والذين يحاجون في الله} قال ابن عباس رضى الله عنهما، ومجاهد: إنها نزلت في طائفة من بني إسرائيل همت برد الناس عن الإسلام وإضلالهم ومجادلتهم بأن قالوا: كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، فديننا أفضل، فنزلت الآية في ذلك، وقيل: بل نزلت في قريش، لأنها كانت أبدا تحاول هذا المعنى، وتطمع في رد الجاهلية، ويحاجون في الله معناه: في توحيد الله، أي: بالإبطال والإلحاد وما أشبه، والضمير في: من بعد ما استجيب له يحتمل أن يعود على الله تعالى، أي: بعد ما دخل في دينه، ويحتمل أن يعود على الدين والشرع، ويحتمل أن يعود على محمد صلى الله عليه وسلم، و"داحضة" معناه: زاهقة. والدحض: الزلق، وباقي الآية بين).[المحرر الوجيز: 7/ 508]

رد مع اقتباس