عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 05:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به} إنكارٌ على من يبادر إلى الأمور قبل تحقّقها، فيخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحّةٌ.
وقد قال مسلمٌ في "مقدّمة صحيحه" حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا عليّ بن حفصٍ، حدّثنا شعبة، عن خبيب بن عبد الرّحمن، عن حفص بن عاصمٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكلّ ما سمع" وكذا رواه أبو داود في كتاب "الأدب" من سننه، عن محمّد بن الحسين بن إشكابٍ، عن علي بن حفص، عن شعبة مسندًا ورواه مسلم أيضا من حديث معاذ بن هشامٍ العنبريّ، وعبد الرّحمن بن مهديٍّ. وأخرجه أبو داود أيضًا من حديث حفص بن عمر النّمريّ، ثلاثتهم عن شعبة، عن خبيب عن حفص بن عاصمٍ، به مرسلًا.
وفي الصّحيحين عن المغيرة بن شعبة: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم نهى عن قيل وقال أي: الّذي يكثر من الحديث عمّا يقول النّاس من غير تثبّت، ولا تدبّر، ولا تبيّن.
وفي سنن أبي داود أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "بئس مطيّة الرّجل زعموا عليه".
وفي الصّحيح: "من حدّث بحديثٍ وهو يرى أنّه كذبٌ فهو أحد الكاذبين". ويذكر هاهنا حديث عمر بن الخطّاب المتّفق عليه، حين بلغه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم طلّق نساءه، فجاءه من منزله حتّى دخل المسجد فوجد النّاس يقولون ذلك، فلم يصبر حتّى استأذن عليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فاستفهمه: أطلّقت نساءك؟ قال: "لا". فقلت اللّه أكبر. وذكر الحديث بطوله.
وعند مسلمٍ: فقلت: أطلّقتهنّ؟ فقال: "لا" فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي: لم يطلّق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نساءه. ونزلت هذه الآية: {وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الّذين يستنبطونه منهم} فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر.
ومعنى قوله: (يستنبطونه) أي: يستخرجونه ويستعلمونه من معادنه، يقال: استنبط الرّجل العين، إذا حفرها واستخرجها من قعورها.
ومعنى قوله: {لاتّبعتم الشّيطان إلا قليلا} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: يعني المؤمنين.
وقال عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن قتادة: {لاتّبعتم الشّيطان إلا قليلا} يعني: كلّكم. واستشهد من نصر هذا القول. بقول الطّرماح بن حكيمٍ، في مدح يزيد بن المهلّب:
أشمّ كثير يدى النّوال قليل المثالب والقادحة
يعني: لا مثالب له، ولا قادحة فيه). [تفسير القرآن العظيم: 2/365-366]

تفسير قوله تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فقاتل في سبيل اللّه لا تكلّف إلا نفسك وحرّض المؤمنين عسى اللّه أن يكفّ بأس الّذين كفروا واللّه أشدّ بأسًا وأشدّ تنكيلا (84) من يشفع شفاعةً حسنةً يكن له نصيبٌ منها ومن يشفع شفاعةً سيّئةً يكن له كفلٌ منها وكان اللّه على كلّ شيءٍ مقيتًا (85) وإذا حيّيتم بتحيّةٍ فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها إنّ اللّه كان على كلّ شيءٍ حسيبًا (86) اللّه لا إله إلا هو ليجمعنّكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من اللّه حديثًا (87)}
يأمر تعالى عبده ورسوله محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم أن يباشر القتال بنفسه، ومن نكل عليه فلا عليه منه؛ ولهذا قال: {لا تكلّف إلا نفسك}
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا محمّد بن عمرو بن نبيح، حدّثنا حكّام، حدّثنا الجرّاح الكنديّ، عن أبي إسحاق قال: سألت البراء بن عازبٍ عن الرّجل يلقى مائة من العدو، فيقاتل، أيكون ممّن يقول اللّه: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة} [البقرة: 195] قال: قد قال اللّه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم {فقاتل في سبيل اللّه لا تكلّف إلا نفسك وحرّض المؤمنين}
ورواه الإمام أحمد، عن سليمان بن داود، عن أبي بكر بن عيّاش، عن أبي إسحاق قال: قلت للبراء: الرّجل يحمل على المشركين أهو ممّن ألقى بيده إلى التّهلكة؟ قال: لا؛ لأنّ اللّه بعث رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم وقال: {فقاتل في سبيل اللّه لا تكلّف إلا نفسك} إنّما ذلك في النّفقة.
وكذا رواه ابن مردويه، من طريق أبي بكر بن عيّاشٍ، وعليّ بن صالحٍ، عن أبي إسحاق، عن البراء به.
ثمّ قال ابن مردويه: حدّثنا سليمان بن أحمد، حدّثنا أحمد بن النّضر العسكريّ، حدّثنا مسلم بن عبد الرّحمن الجرميّ، حدّثنا محمّد بن حمير، حدّثنا سفيان الثّوريّ، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: لمّا نزلت على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {فقاتل في سبيل الله لا تكلّف إلّا نفسك وحرّض المؤمنين [عسى اللّه أن يكفّ بأس الّذين كفروا]} الآية، قال لأصحابه: "قد أمرني ربّي بالقتال فقاتلوا" حديثٌ غريبٌ.
وقوله: {وحرّض المؤمنين} أي: على القتال ورغّبهم فيه وشجّعهم عنده كما قال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدر، وهو يسوّي الصّفوف: "قوموا إلى جنّةٍ عرضها السماوات والأرض".
وقد وردت أحاديث كثيرةٌ في التّرغيب في ذلك، فمن ذلك ما رواه البخاريّ عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من آمن باللّه ورسوله وأقام الصّلاة، وآتى الزّكاة، وصام رمضان، كان حقًّا على اللّه أن يدخله الجنّة، هاجر في سبيل اللّه أو جلس في أرضه الّتي ولد فيها" قالوا: يا رسول اللّه، أفلا نبشّر الناس بذلك؟ فقال: "إنّ في الجنّة مائة درجةٍ، أعدّها اللّه للمجاهدين في سبيل اللّه، بين كلّ درجتين كما بين السّماء والأرض، فإذا سألتم اللّه فاسألوه الفردوس فإنّه أوسط الجنّة. وأعلى الجنّة، وفوقه عرش الرّحمن، ومنه تفجّر أنهار الجنّة".
وروي من حديث معاذٍ وأبي الدّرداء وعبادة نحو ذلك.
وعن أبي سعيدٍ الخدري أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "يا أبا سعيد، من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينًا، وبمحمّدٍ نبيًّا، وجبت له الجنّة" قال: فعجب لها أبو سعيدٍ فقال: أعدها عليّ يا رسول اللّه. ففعل. ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "وأخرى يرفع اللّه بها العبد مائة درجةٍ في الجنّة، ما بين كلّ درجتين كما بين السّماء والأرض" قال: وما هي يا رسول اللّه؟ قال: "الجهاد في سبيل اللّه" رواه مسلمٌ.
وقوله: {عسى اللّه أن يكفّ بأس الّذين كفروا} أي: بتحريضك إيّاهم على القتال تنبعث هممهم على مناجزة الأعداء، ومدافعتهم عن حوزة الإسلام وأهله، ومقاومتهم ومصابرتهم.
وقوله: {واللّه أشدّ بأسًا وأشدّ تنكيلا} أي: هو قادرٌ عليهم في الدّنيا والآخرة، كما قال [تعالى] {ذلك ولو يشاء اللّه لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعضٍ [والّذين قتلوا في سبيل الله فلن يضلّ أعمالهم]} [محمّدٍ: 4] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/367-368]

رد مع اقتباس