عرض مشاركة واحدة
  #34  
قديم 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م, 03:51 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

باب من الوقوف على الممال
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب من الوقوف على الممال
1- إذا كانت الإمالة جيء بها لتدل على الأصل، فالإمالة لازمة في الوقوف كالوصل، نحو إمالة «رمى، وسعى، وقضى» وشبهه، مما أميل ليدل على أن أصل الألف ياء، وإذا كانت الإمالة لكسرة ملفوظ بها قبل الألف، فكذلك الإمالة في الوقف كالوصل؛ لأن الكسرة لم تتغير نحو «كلاهما» وإذا كانت الإمالة لكسرة مقدرة فكذلك الإمالة في الوقف كالوصل نحو: «خاف، وزاد» لأن الكسرة منوية في الوقف كالوصل، وإذا كانت الإمالة لكسرة بعد الألف ثم وقفت بالروم ضعفت الإمالة قليلًا، لضعف الكسرة التي أوجبت الإمالة، نحو «النهار، والنار» فإن كنت تقف بالإسكان زالت الإمالة عند بعض القراء لزوال الكسرة، كما زالت الإمالة من السين في {موسى الكتاب}، ومن الراء في {النصارى المسيح} لذهاب الألف التي من أجلها أميلت السين والراء، وبعضم يبقى الإمالة في ذلك كله، على ما كانت عليه في الوصل، لأن الوقف عارض، ولأن الإمالة سبقت إلى لفظ الحرف الممال قبل الوقف، فبقي على حاله وعلى هذا القول العمل، ويلزم من اعتل بهذا أن يبقى الإمالة في فتحة السين والراء من {موسى الكتاب}، و{النصارى المسيح} في الوصل؛ لأن
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/199]
الحذف عارض، ولأن الإمالة سبقت إلى لفظ السين والراء، قبل حذف الأف، وهو لا يفعل ذلك، وإن زال الحرف الممال بعده ذهبت الإمالة من الحرف، الذي قبل المحذوف؛ لزوال ما أوجب الإمالة، وقد كان يلزم من أمال، مع سكون الكسرة التي أوجبت الإمالة في مثل «النار، والنهار» أن يبقي السين والراء من {موسى الكتاب}، و{النصارى المسيح} على إمالتهما، ولعمري إن ببينهما فرقًا قويًا، وذلك أن المحذوف في {موسى الكتاب} هو الحرف الممال، والمحذوف في الوقف على «النار» هي الكسرة، التي أوجبت الإمالة، والحرف الممال باق لم يحذف، فلا يشتبهان.
2- فإن قيل: فما الفرق في الوقف على إمالة النون والألف من «النار» في الوقف مع إسكان الراء التي أوجبت كسرتها الإمالة، وبين زوال الإمالة من السين من {موسى الكتاب} لزوال الألف التي أوجبت الإمالة؟
فالجواب أن قولك: «في النار» يمكن سبق الإمالة في النون والألف ثم لفظ بالراء المكسورة بكسرة أوجبت الإمالة، قبل اللفظ بها، لتقديرها والنية بها، ثم أسكنت الراء، للوقف بعد تمكن الإمالة في حرفين، والراء التي كانت عليها الكسرة ملفوظ بها لم تحذف، وقولك {موسى الكتاب} إنما أميلت السين لإمالة الألف، فالألف قد زالت بكليتها، وقد كانت كالراء التي هي ثابتة، فلما زالت الألف زالت الإمالة عن السين، ولا يلزم ذلك في النون والألف، إلا لو زالت الراء بكليتها، فلما لم تزل الراء بنفسها، إنما زالت حركتها، بقيت الإمالة في النون والألف على حالها قبل الوقف.
3- فإن قيل: كيف الحكم في الوقف على ما دخل التنوين فيه على ألف أصلها الياء نحو: «قرئ، ومفترى، ومصلى، وعدى» وشبهه؟
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/200]
فالجواب أن مذهب أبي الطيب، رحمه الله، فيه أن يقف بالإمالة عليه، وعلته في ذلك أن ما كان منه في موضع رفع أو خفض، فلا تعويض من التنوين فيه، فالوقف على الألف الأصلية بالإمالة لتدل الإمالة على أصلها، وذلك نحو: {سحر مفترى} هذا في موضع رفع، ونحو: {عن مولى} هذا في موضع خفض، والتنوين لا يُعوض منه شيء في الرفع والخفض، فالوقف على الألف الأصلية التي هي عوض من الياء بالإمالة لأن الإمالة لازمة فيه، وأما ما كان في موضع نصب فالوقف عليه أيضًا عند الشيخ أبي الطيب بالإمالة، وعلته في ذلك، أنك لما وقفت عوضت من التنوين ألفًا، وقبلها ألف أصلية عوض من الياء الأصلية، فحذفت الثانية لالتقاء الساكنين، وبقيت الأولى، وهي الأصلية، وكان بقاء الأصل أولى من بقاء الزائد، فأميلت في الوقف، لأنك تقف على ألف، أصلها الياء، وقد قال قوم: إن الموقوف عليه في هذا الألف التي هي عوض من التنوين، لأن الألف الأصلية قد كان أذهبها التنوين، فلا رجوع لها مع وجود التنوين، أو وجود ما هو عوض من التنوين، وأيضًا فإن الحذف للساكنين إنما يحذف فيه الأول أبدًا، وأيضًا فإن التنوين دخل بمعنى دليل الانصراف، ولا يحذف ما يدل على المعنى، فالوقف على الالف التي هي عوض من التنوين في حال النصب، فلا إمالة فيه على هذا القول، وذلك نحو: «غزى، ومصى، وقرى» كله في موضع نصب، والذي قرأنا به هو الإمالة في الوقف في هذا كله على حكم الوقف على الألف الأصلية، وحذف ألف التنوين.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/201]
4- فإن قيل: كيف الوقف على قوله: {طغى الماء} «الحاقة 11» والألف في «طغى» يُحتمل أن تكون من الواو لقولهم: «طغوت، وطَغَوَا، وطَغَوْا»؟
فالجواب أن الوقف عليه بالإمالة لحمزة والكسائي، وحجة ذلك أنهما لما نقل عنهما قوله تعالى: {اذهبا إلى فرعون إنه طغى} «طه 43» بالإمالة عُلم أنهما يقدران أن الألف منقلبة عن ياء على لغة من يقول: طغيت، بالياء، ولقوله: «طغيان»، فلما ظهر مذهبهما فيما ليس بعده ساكن حكم بذلك، فيما وقع بعده ساكن، فأجري على الإمالة مجرى ما ليس بعده ساكن، ولو كان {طغى الماء} عندهما من «طغوت» لم يميلا «إنه طغى» وأيضًا فإنه لما التبس قوله: {طغى الماء} وجاز أن يكون من «طغوت» ومن «طغيت» حمل على ما ليس بعده ساكن، وهو إمالتهما لقوله: {إنه طغى}، وعلم أن ذلك عندهما من «طغيت».
5- فإن قيل: كيف الوقف على «كلتا» من قوله: {كلتا الجنتين} «الكهف 33»؟
فالجواب أنك إن جعلت ألف «كلتا» ألف تثنية على مذهب الكوفيين فالوقف عليهما بالفتح؛ لأن ألف التثنية لا تمال؛ إذ لا أصل لها في الياء، وقد قدمنا الكلام على ذلك، وإن قدَّرت أن ألف «كلتا» ألف تأنيث على مذهب البصريين، وقفت بالإمالة؛ لأنها عندهم «فِعلى» كـ «ذكرى» والتاء بدل من واو، وأصلها «كلوا»، وهذه أحرف نأخذ فيها بالوجهين، لاحتمالهما الوجهين اللذين ذكرنا، وهذا الباب واسع يقاس عليه ما لم نذكر). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/202]


رد مع اقتباس