عرض مشاركة واحدة
  #68  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 08:50 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (233) إلى الآية (234) ]

{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)}

قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لا تضارّ والدةٌ بولدها... (233).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (لا تضارّ والدةٌ) رفعًا.
وروى أبان عن عاصم الرفع أيضًا، وقال أبو بكر بن مجاهد: أخبرني ابن أبي الرجال عن بشر بن هلال عن بكار عن أبان بن يزيد عن عاصم: (لا تضارر والدةٌ).
قال: كذا هو في كتابي راءين.
وقرأ الباقون: (لا تضارّ) نصبًا.
قال أبو منصور: من قرأ (لا تضارّ والدةٌ) بفتح الراء.
والموضع موضع جزم على النهي، ولفظه لفظ الخبر، الأصل (لاتضارر) فأدغمت الأولى في الثانية، وانفتحت لالتقاء الساكنين، وهو الاختيار في المضاعف، كقولك عضّ زيدا، وضارّ عمرًا يا رجل، يعني: لا تضارّ والدةٌ بولدها، أي: لاتترك إرضاع ولدها ضرارًا لأبيه فتضر بالولد؛ لأن الوالدة أشفق على ولدها من الأجنبية، ولبنها له أهنأ وأمرأ.
[معاني القراءات وعللها: 1/205]
وقوله جلّ وعزّ: (ولا مولودٌ له بولده... (233).
أي: لا يضارّ الوالد الأمّ فيأخذه منها يروم بذلك غيظها فيضر بولده.
ومن قرأ (لا تضارّ) برفع الراء فإن المنذري أخبرني عن أحمد بن يحيى أنه قال: كان ابن كثير وأبو عمرو يقرآن (لاتضارّ)، قال: وأحسبهما آثرا الرفع عطفا على قوله: (لا تكلّف نفسٌ) فأتبعا الرفع الرفع وجعلاه خبرا، والمعنى نهي.
قال: والقراءة بالنهي، لأنه نهي صحيح.
قوده جلّ وعزّ: (إذا سلّمتم ما آتيتم... (233)
قرأ ابن كثير وحده: (ما أتيتم) بقصر الألف.
وقرأ الباقون: (ما آتيتنم).
قال أبو منصور: (ما آتيتم) معناه: ما أعطيتم، من أتى يؤتي، والمعنى: إذا سلمتم الأجرة إلى المرضعة، وقيل: إذا سلمتم، أي: ما أعطاه بعضكم
[معاني القراءات وعللها: 1/206]
لبعض من التراضي في ذلك.
ومن قرأ (ما أتيتم) بقصر الألف فإن ابن الأنباري قال: لا يحتمل أن يكون معناه غير ما جئتم بالمعروف، من المجيء.
قال: وليست في هذا الموضع حسنة، والقراء (ما آتيتم) ). [معاني القراءات وعللها: 1/207]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في نصب الراء ورفعها من قوله جلّ وعزّ: لا تضارّ والدةٌ [البقرة/ 233].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبان عن عاصم: لا تضارّ والدةٌ رفعاً.
وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي: لا تضارّ نصباً.
وليس عندي عن ابن عامر في هذا شيء من رواية ابن ذكوان، ولكنّ المعروف عن أهل الشام النصب.
قال أبو علي: وجه قول من رفع أنّ قبله مرفوعا، وهو قوله لا تكلّف نفسٌ إلّا وسعها [البقرة/ 233] فإذا أتبعته ما قبله كان أحسن لتشابه اللفظ.
فإن قلت: إنّ ذلك خبر، وهذا أمر؛ قيل: فالأمر قد يجيء على لفظ الخبر في التنزيل، ألا ترى أنّ قوله والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ [البقرة/ 228] وقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/333]
تجاهدون في سبيل اللّه [الصف/ 11]، وهذا النحو، مثل ذلك، ويؤكد ذلك أن ما بعده على لفظ الخبر، وهو قوله:
وعلى الوارث مثل ذلك [البقرة/ 233]، والمعنى: ينبغي ذلك، فلما وقع موقعه صار في لفظه.
ومن فتح جعله أمراً، وفتح الراء لتكون حركته موافقة لما قبلها وهو الألف، وعلى هذا قول سيبويه: لو سمّيت رجلا بإسحارّ، فرخّمته على قول من قال: يا حار، لقلت: يا إسحارّ، ففتحت من أجل الألف التي قبلها، وعلى هذا حرّك بالفتح قول الشاعر:
وذي ولد لم يلده أبوان حرّك بالفتح لالتقاء الساكنين، لأن أقرب الحركات إليه الفتحة.
فأما قوله ولا يضارّ كاتبٌ ولا شهيدٌ [البقرة/ 282] فيحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون الفعل مسنداً إلى الفاعل، كأنه: لا يضارر كاتب ولا شهيد بتقاعده عن الكتاب والشهادة.
والآخر: لا يضارر أي: لا يشغل عن ضيعته ومعاشه باستدعاء شهادته وكتابته، وهو مفتوح لأن قبله أمراً، وليس الذي قبله خبراً، كما أنّ قبل الآية الأخرى خبراً، فالفتح للجزم بالنهي أحسن.
[الحجة للقراء السبعة: 2/334]
واختلفوا في المدّ والقصر من قوله جلّ وعزّ: إذا سلّمتم ما آتيتم [البقرة/ 233]، فقرأ ابن كثير وحده: إذا سلمتم ما أتيتم قصراً، كذا قرأته على قنبل.
وقرأ الباقون: ما آتيتم بالمدّ، أنّ المعنى على الإعطاء.
قال أبو علي: قد جاء: آتوهنّ أجورهنّ بالمعروف [النساء/ 25] وقال تعالى: وآتيتم إحداهنّ قنطاراً [النساء/ 20]، والمراد هنا: إعطاء المهر، وقال تعالى:
ولا جناح عليكم أن تنكحوهنّ إذا آتيتموهنّ أجورهنّ [الممتحنة/ 10]؛ فكما جاء في هذه المواضع في المهر آتى؛ فكذلك ينبغي أن تكون في الموضع الذي اختلف فيه.
ووجه قول ابن كثير أن يقدّر: إذا سلّمتم ما أتيتم نقده، أو أتيتم سوقه؛ فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، وحذف الهاء من الصّلة، وكأنه قال: أتيت نقد ألف، أي:
بذلته، كما تقول: أتيت جميلًا، أي: فعلته.
ومما يقوي قوله قول زهير:
فما يك من خير أتوه فإنّما... توارثه آباء آبائهم قبل
[الحجة للقراء السبعة: 2/335]
فكما تقول: أتيت خيراً، وأتيت جميلًا، فكذلك تقول:
أتيت نقد ألف.
وقد وقع أتيت موقع آتيت. ويجوز أن يكون ما في الآية مصدراً، فيكون التقدير: إذا سلّمتم الإتيان، والإتيان:
المأتيّ، مما يبدّل بسوق أو نقد، كقولك: ضرب الأمير، تريد: مضروبه.
فأما قوله: بالمعروف يجوز أن يتعلق ب سلّمتم كأنه:
إذا سلمتم بالمعروف ما آتيتم. ويجوز أن يتعلق ب آتيتم على حدّ قولك: آتيته بزيد). [الحجة للقراء السبعة: 2/336]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه هارون عن أَسِيد عن الأعرج أنه قرأ: [لا تُضارْ والدة] جزم، كذا قال، جزم.
قال أبو الفتح: إذا صح سكون الراء في [تضار] فينبغي أن يكون أراد: لا تضارِر، كقراءة إبي عمرو، إلا أنه حذف إحدى الراءين تخفيفًا، وينبغي أن تكون المحذوفة الثانية؛ لأنها أضعف، وبتكريرها وقع الاستثقال. فأما قول الله تعالى: {ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا} فإن المحذوف هي الأولى؛ وذلك أنهم شبهوا المضعف بالمعتل العين، فكما قالوا: لستَ قالوا: ظلت، ومثله مَستُ في مسِستُ، وأحسْتُ في أحسستُ، قال أبو زُبيد:
خلا أن العِتاق من المطايا ... أحسن بن فهُنَّ إليه شُوسُ
فإن قلت: فهلا كانت الأولى هي المحذوفة من تضارِر كما حذفت الأولى من ظلِلت ومسِست وأحسست؟
قيل: هذه الأحرف إنما حُذفن لأنهن شُبهن بحروف اللين، وحروف اللين تصح بعد هذه الألف نحو: عَاوَدَ وطَاوَلَ وبَايَعَ وسَايَر، والثانية في موضع اللام المحذوفة، نحو: لا تُرامِ.
فإن قيل: فكان يجب على هذا [لا تضارِ]؛ لأن الأولى مكسورة في الأصل؛ فيجب أن تُقر على كسرها.
[المحتسب: 1/123]
قيل: لا، بل لما حذفت الثانية وقد كانت الأولى ساكنة؛ لأنها كانت مدغمة في الثانية أُقرت على سكونها؛ ليكون دليلًا على أنها قد كانت مدغمة قبل الحذف، ولذلك نظائر منها قوله:
وكحَل العينين بالعواوِر
صحح الواو الثانية وإن كانت تلي الطرف، وقبل الألف التي قبلها واو؛ لأنه جعل الصحة في الواو دليلًا على أنه أراد العواوير، ولو لم يرد لذلك لوجب أنه يهمز فيقول: العوائر، كما همزوا في أوائل وأصلها أواول، وكما جعلوا صحة العين في حَوِلَ وعَوِرَ دليلًا على كون المثال في معنى ما لا بد من صحته، وهو احولَّ واعورَّ، وكما جعلوا ترك رد النون في قوله:
ارهن بنيك عنهم أرهن بني
دليلًا على أنه أراد بنيّ، فلما حذف الياء الثانية التي هي ضمير المتكلم لم يرجع النون من بنين؛ لأنه جعله دليلًا على إرادة الياء في بَنيّ، وأنه إنما حذفها للقافية، وهي في نفسه مرادة. وكما قال:
مال إلى أرطاة حِقف فاضطجع
ثم أبدل الضاد لامًا فقال: الطجع، وقد كان يجب إذا زالت الضاد أن ترجع تاء افتعل إلى اللفظ، وذلك أن أصله اضتجع افتعل من الضجعة، فيظهر التاء كما يقال: التجأ إليه والتفت والتقم؛ لكنه ترك الطاء بحالها تنبيهًا على أنه يريد الضاد، وأنه لما أبدلها لامًا اعتدها مع ذلك اعتداد الثابت.
ولذلك نظائر كثيرة، فكذلك ترك الراء من [تُضَارْ]ساكنة كما كانت تكون ساكنة لو خرجت على الإدغام المراد فيها. نعم، وإذا كان نافع قد قرأ: [ومَحْيايْ ومماتي] ساكن الياء من [محيايْ]، ولا تقدير إدغام هناك كان سكون الراء من [لا تضارْ] -وهو يريد تضارّ- أجدر.
وبعد هذا كله ففيه ضعف، ألا ترى أنك لو رخمت قاصًّا -اسم رجل- على قولك: يا حارِ؛ لقلت: يا قاصِ، فرددت عين الفعل إلى الكسر لأنه فاعل، وأصله قاصِص، فمن هنا ضعفت هذه القراءة وإن كان فيها من الاعتذار والاعتلال ما قدمنا ذكره.
[المحتسب: 1/124]
وقد روي فيها تشديد الراء مع السكون، ويجب أن يكون هذا على نية الوقف عليها، رُوي ذلك عن أبي جعفر يزيد بن القعقاع). [المحتسب: 1/125]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({لا تكلّف نفس إلّا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {لا تضار والدة} بالرّفع على الخبر وحجتهما قوله قبلها {لا تكلّف نفس إلّا وسعها} فأتبعا الرّفع الرّفع نسقا عليه وجعلاه خبرا بمعنى النّهي فإن قلت إن ذلك خبر وهذا أمر قيل فالأمر قد يجيء على لفظ الخبر في التّنزيل ألا ترى قوله {والمطلقات يتربّصن بأنفسهنّ} و{لا تظلمون ولا تظلمون} والأصل لا تضارر والعرب لا تذكر في الأفعال حرفين من جنس واحد متحركين فسكن الأول وأدغم في الثّاني وهو وإن كان مرفوعا في معنى النّهي
وقرأ الباقون {لا تضار} بفتح الرّاء على النّهي وحجتهم قراءة ابن مسعود وابن عبّاس قرأ ذلك (لا تضارر) براءين فدلّ ذلك على أنه نهي محض فلمّا اجتمعت الراءان أدغمت الأولى في الثّانية وفتحت الثّانية لالتقاء الساكنين وهذا هو الاختيار في التّضعيف إذا كان قبله فتح أو ألف الاختيار ضار يا رجل
[حجة القراءات: 136]
قرا ابن كثير {إذا سلمتم ما آتيتم} مقصورة الألف أي ما جئتم وفي الكلام حذف المعنى إذا سلمتم ما أتيتم به
وقرأ الباقون {ما آتيتم} بالمدّ أي أعطيتم وحجتهم قوله {إذا سلمتم} لأن التّسليم لا يكون إلّا مع الإعطاء). [حجة القراءات: 137]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (139- قوله: {لا تُضار والدة} قرأه ابن كثير وأبو عمرو بالرفع وفتحه الباقون.
140- ووجه القراءة بالرفع أنه جعله نفيًا لا نهيًا، وأنه أتبعه ما قبله من قوله: {لا تكلف نفس إلا وسعها} وأيضًا فإن النفي خبر، والخبر قد يأتي في موضع الأمر، نحو قوله: {والمطلقات يتربصن} «البقرة 228» وقوله: {تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله} «الصف 11» فكذلك هذا أتى بلفظ الخبر، ومعناه النهي، فذلك شائع في كلام العرب.
141- ووجه القراءة بالفتح أنه جعله نهيًا على ظاهر الخطاب، فهو مجزوم، لكن تفتح الراء لالتقاء الساكنين، لسكونها وسكون أول المشدد، وخصها بالفتح دون الكسر، لتكون حركتها موافقة لما قبلها، وهو الألف، ويقوي حمله على النهي أن بعده أمرًا في قوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} و«والدة» يحتمل أن تكون فاعلة و«تضار» بمعنى يفاعل، أي: لا تضار والدة بولدها، فتطلب عليه ما ليس لها، وتمتنع من رضاع ولدها مضارة ويحتمل أن تكون مفعولة لم يُسم فاعلها، وتضار بمعنى تفاعل على معنى: لا تضار والدة بولدها، فتمتنع من ولدها في الرضاع، وهي تأخذ مثل ما تأخذ غيرها، ولا تُمنع من نفقته، وعلى ذلك يحمل، ولا مولود بولده، ويحتمل الوجهين جميعًا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/296]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (142- قوله: {ما آتيتم بالمعروف} قرأه ابن كثير بغير مد، من باب المجيء؛ إذ لم يظهر في الكلام مفعولان، فيحمل على باب الإعطاء، لأن «أتى» من باب المجيء مقصور، يتعدى إلى مفعول، بحرف وبغير حرف جر من
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/296]
باب الإعطاء يمد فيتعدى إلى مفعولين، فلما لم يكن في الكلام إلا مفعول واحد بحرف جر، فحمل على باب المجيء، وقوي ذلك إتيان الباء بعده في «بالمعروف» وباب المجيء يتعدى إلى مفعول بحرف جر وبغير حرف كما قال تعالى: {أتينا بها} «الأنبياء 47» وقال: {فأتاهم الله} «الحشر 2» فأما «ما» فيحسن أن تكون مع الفعل مصدرًا بمعنى «الإتيان» في قراءة من قصر «آتيتم» و«الإتيان» بمعنى «التأتي» في قراءة من قصر «آتيتم»، و«الإتيان» بمعنى «التأتي» ويكون في قراءة من مد «آتيتم» مع الفعل بمعنى «الإيتاء» لأنه رباعي، و«الإيتاء» بمعنى المأتي، ويجوز أن تكون «ما» بمعنى الذي في القراءتين فتقدر «هاء» محذوفة من «آتيتم» وتكون الهاء هي المفعول لـ «آتيتم» لمن قصر، تعدى إليه بغير حرف، وتكون هي المفعول الأول، لمن مد «آتيتم» والثاني محذوف كما تقول: أعطيت زيدًا، ولا تذكر العطية، وقرأ الباقون «آتيتم» بالمد، من باب الإعطاء، لأنه يراد به إعطاء النفقة للأم أو للمرضعة، في الرضاعة، وقد قال تعالى: {فآتوهن أجورهن} «النساء 24» يعني الرضاعة، وقال: {إذا آتيتموهن أجورهن} «المائدة 5» فهو إجماع، فحمل هذا عليه، وهو الاختيار لإجماع القراء عليه، وكون «ما» بمعنى «الذي » أحسن، والهاء محذوفة وهي المفعول لـ «آتيتم» اقتصر فيه على مفعول واحد). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/297]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (78- {لَا تُضَارَّ} [آية/ 233]:-
بالرفع قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب.
ووجه ذلك أن ما قبله مرفوع، فهو يتبعه، وذلك قوله تعالى {لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ} فيكون بدلاً عنه وإخبارًا مثله في اللفظ، وإن كان نهيًا في المعنى، وإذا توافقت الجملتان كان أحسن.
وقرأ الباقون {تُضَارَّ} بفتح الراء.
ذلك لأنهم جعلوه نهيًا، فسكنت الراء الأخيرة للجزم، وسكنت الراء
[الموضح: 328]
الأولى للإدغام، فالتقى ساكنان، فحرك الآخر منهما على الفتح، ليوافقه الألف التي قبل الراء؛ لأن الألف والفتحة متجانستان). [الموضح: 329]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (79- {إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ} [آية/ 233]:-
بالقصر، قرأها ابن كثير وحده.
وذلك أن معنى أتيت فعلت، تقول: أتيت جميلاً وأتيت خيرًا: فعلته، وتقديره: ما أتيتم نقده أو أتيتم إعطاءه، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، والهاء في القراءتين محذوفة من الصلة، والتقدير: أتيتموه، وقد ذكر بعضهم أن أتيت قد جاء بمعنى آتيت.
وقرأ الباقون {آتَيْتُمْ} بالمد.
وذلك أن آتيت بمعنى أعطيت، وقال الله تعالى {وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} {وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا}، فلما جاء آتى في المواضع المتفق عليها، فكذلك ينبغي أن يكون عليه في الموضع المختلف فيه). [الموضح: 329]

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه أبو عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب عليه السلام: [وَالَّذِينَ يَتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ] بفتح الياء.
قال ابن مجاهد: ولا يُقرأ بها.
قال أبو الفتح: هذا الذي أنكره ابن مجاهد عندي مستقيم جائز؛ وذلك أنه على حذف المفعول؛ أي: والذين يتوفون أيامهم أو أعمارهم أو آجالهم، كما قال سبحانه: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ}، و{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ}، وحَذْفُ المفعول كثير من القرآن وفصيح الكلام، وذلك إذا كان هناك دليل عليه، قال تعالى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} أي: شيئًا، وأنشدنا أبو علي للحطيئة:
منعمة تصون إليك منها ... كصونك من رداء شَرعَبِيِّ
أي: تصون الكلام منها، وهو كثير جدًّا). [المحتسب: 1/125]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس