عرض مشاركة واحدة
  #46  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 06:16 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (163) إلى الآية (164) ]

{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)}

قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)}

قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وتصريف الرّياح... (164).
قرأ نافع: الرياح " في البقرة، و: (وتصريف الرّياح)، وفي الأعراف (يرسل الرياح)، وفي إبراهيم: (اشتدّت به الرّياح).
[معاني القراءات وعللها: 1/183]
وفي الحجر: (الرّياح لواقح)، وفي الكهف: (تذروه الرّياح)، وفي الفرقان: (أرسل الرّياح)، وفي النمل: (ومن يرسل الرّياح)، وفي الروم: (اللّه الّذي يرسل الرّياح)، وفي فاطر: (أرسل الرّياح) وفي الجاثية: (وتصريف الرّياح) وفي عسق: (إن يشأ يسكن الرّياح) قرأهن كلهن نافع على الجمع.
وقرأ أبو عمرو وابن عامر وعاصم: (الرياح) منها في تسعة مواضع في البقرة والأعراف، والحجر، والكهف، والفرقان،
[معاني القراءات وعللها: 1/184]
والنمل، والروم، وفي فاطر، والجاثية.
وقرأوا في إبراهيم، وعسق على التوحيد.
ووافقهم ابن كثير في أربعة مواضع في البقرة، والحجر، والكهف، والجاثية، والباقي على التوحيد - وقرأ حمزة واحدة منها على الجمع في الفرقان، والباقي على التوحيد.
ولم يختلفوا في التي في سورة الروم: (الرّياح مبشّراتٍ) على الجمع.
وقرأ الكسائي (الرياح) في موضعين في الحجر وفي الفرقان، والباقي على التوحيد.
قال أبو منصور: قوله: (وتصريف الرّياح) فاختلف القراء في هذا الحرف فقرئ مرة (الرياح)، ومرة (الريح)، والريح يقوم مقام الرياح.
[معاني القراءات وعللها: 1/185]
وكذلك قرئت، فمن قرأ الرياح فهو جمع الريح، ومن قرأ الريح أراد بها: الرياح. ولذلك أنثت، لأن معناها الجماعة.
وقال بعضهم ما كان من رياح رحمة فهي رياح، وما كان من ريح عذاب فهي واحدة.
واتفق القراء على توحيد ما ليس فيه ألف ولام، كقوله: (ولئن أرسلنا ريحًا) وكذلك: (ريحًا صرصرًا) وما أشبهه، وما كان فيه الألف واللام فقد اختلف القراء فيها على ما بينا، وكل ذلك جائز). [معاني القراءات وعللها: 1/186]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في قوله عز وجل: الرّياح في الجمع والتوحيد.
فقرأ ابن كثير: الرّياح على الجمع في خمسة مواضع: في البقرة هاهنا [الآية/ 164] وفي الحجر:
[الحجة للقراء السبعة: 2/248]
أرسلنا الرّياح لواقح [الآية/ 22] وفي الكهف: تذروه الرّياح [الآية/ 45] وفي سورة الروم الحرف الأول: الرّياح مبشّراتٍ [الآية/ 46]، وفي الجاثية: وتصريف الرّياح [الآية/ 5]، والباقي: الرّيح.
وقرأ نافع: الرّياح في اثني عشر موضعاً: هاهنا وفي الأعراف: يرسل الرّياح [الآية/ 57]، وفي سورة إبراهيم:
كرماد اشتدت به الرياح [الآية/ 18] وفي الحجر: وأرسلنا الرّياح لواقح [الآية/ 22] وفي الكهف: تذروه الرّياح [الآية/ 45] وفي الفرقان: أرسل الرّياح [الآية/ 48] [وفي النمل يرسل الرّياح] [63]، وفي الروم موضعين الرّياح [46، 48] وفي فاطر الرّياح [الآية/ 9]، وفي عسق يسكن الرياح [الآية/ 33] وفي الجاثية: الرّياح [الآية/ 5].
وقرأ أبو عمرو من هذه الاثني عشر حرفا حرفين:
الرّيح في إبراهيم [الآية/ 18]، وفي عسق الرّيح [33] والباقي الرياح على الجمع مثل نافع.
وقرأ عاصم وابن عامر مثل قراءة أبي عمرو.
وقرأ حمزة الرّياح على الجمع في موضعين: في الفرقان: أرسل الرّياح [الفرقان/ 48] وفي سورة الروم، الحرف الأول: الرّياح مبشّراتٍ [الروم/ 46] وسائرهنّ على التوحيد.
[الحجة للقراء السبعة: 2/249]
وقرأ الكسائيّ: كقراءة حمزة وزاد عليه في الحجر:
الرّياح لواقح [الحجر/ 22].
ولم يختلفوا في توحيد ما ليست فيه ألف ولام.
قال أبو علي: قال أبو زيد: قال القيسيّون الرّياح أربع:
الشّمال والجنوب والصّبا والدّبور. فأما الشّمال فمن عن يمين القبلة، والجنوب من عن شمالها. والصّبا والدّبور متقابلتان، فالصّبا من قبل المشرق، والدّبور من قبل
المغرب. وأنشد أبو زيد:
إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني... نسيم الصّبا من حيث يطّلع الفجر
وإذا جاءت الريح بين الصّبا والشّمال فهي النّكباء التي لا يختلف فيها. والتي بين الجنوب والصّبا يقال لها:
الجربياء.
وقال السّكّريّ فيما روى عنه بعض شيوخنا قال: أخبرني أبو الحسن عليّ بن عبد الله الطوسيّ قال: أخبرنا ابن الأعرابي وأصحابنا عن الأصمعيّ وغيره قالوا: الرياح أربع: الجنوب والشّمال والصّبا والدّبور.
قال ابن الأعرابيّ: كلّ ريح بين ريحين فهي نكباء، وقال الأصمعيّ: إذا انحرفت واحدة منهنّ فهي نكباء، والجميع:
نكب.
[الحجة للقراء السبعة: 2/250]
فأمّا مهبّهنّ فإن ابن الأعرابيّ قال: مهبّ الجنوب من مطلع سهيل إلى مطلع الثّريّا، والصّبا من مطلع الثريّا إلى بنات نعش، والشمال من بنات نعش إلى مسقط النّسر الطائر [وقال: والدبور من مسقط النسر الطائر] إلى مطلع سهيل، قال: والجنوب والدّبور لهما هيف. والهيف: الريح الحارّة.
قال: والشّمال والصّبا لا هيف لهما.
وقال الأصمعيّ ما بين سهيل إلى طرف بياض الفجر جنوب، وما بإزائها مما يستقبلها من الغرب شمال، وما جاء من وراء البيت الحرام فهو دبور، وما جاء قبالة ذلك فهو صبا، والصّبا: القبول. قال: وإنما سمّيت قبولًا. لأنها استقبلت الدّبور، قال الهذليّ، وأنشد البيت الذي أنشده أبو زيد.
قال الطوسيّ: وقال غير الأصمعي وابن الأعرابي:
الجنوب التي تجيء من قبل اليمن- والشمال التي تهبّ من قبل الشام، والدّبور التي تجيء من عن يمين القبلة شيئاً والصّبا بإزائها، والجنوب تسمى الأزيب وتسمى النّعامى: قال أبو ذؤيب:
مرته النّعامى فلم يعترف... خلاف النّعامى من الشّؤم ريحا
[الحجة للقراء السبعة: 2/251]
اقل: وتسمى الشّمال: محوة، ولا تجرى. وتسمى الجربياء.
قال ابن أحمر:
بواد من قسا ذفر الخزامى... تحنّ الجربياء به الحنينا
سمّيت محوة لأنها تمحو السحاب وتذهب به.
وتسمى مسعاً ونسعاً، قال:
قد حال دون دريسيه مؤوّبة... مسع لها بعضاه الأرض تهزيز
وأنشد عن الطوسيّ للطّرمّاح:
قلق لأفنان الريا... ح للاقح منها وحائل
فاللاقح: الجنوب، والحائل: الشّمال. وتسمى الشّمال عقيماً، كما سمّاها الطّرمّاح حائلًا، وقد وصفت الصّبا بالعقم.
قال جرير:
[الحجة للقراء السبعة: 2/252]
مطاعيم الشّمال إذا استحنّت... وفي عرواء كلّ صباً عقيم
وفي التنزيل: وفي عادٍ إذ أرسلنا عليهم الرّيح العقيم [الذاريات/ 41].
قال الطوسيّ: العقيم: التي لا تلقح السحاب. قال:
والرياح اللواقح: تثير السحاب بإذن الله، وتلقح الشجر.
والذاريات: التي تذر التراب ذروا، فأما قول الطّرمّاح:
للاقح منها وحائل. فاللاقح على معنى النسب، وليس الجاري على الفعل، وكذلك حائل، تقديره: ذات حيال. يريد بالحيال أنّها لا تلقح كما تلقح الجنوب.
قال أبو دؤاد يصف سحاباً:
لقحن ضحيّاً للقح الجنوب... فأصبحن ينتجن ماء الحيا
قوله: «للقح الجنوب» تقديره: لإلقاح الجنوب. فحذف الزيادة من المصدر وأضافه إلى الفاعل كما قال:
وإن يهلك فذلك كان قدري أي: تقديري. وكما حذف الزيادة من المصدر كذلك حذفت من الجمع في قوله تعالى: وأرسلنا الرّياح لواقح [الحجر/ 22] والمعنى فيه: ملاقح، لأنها إذا ألقحت كانت
[الحجة للقراء السبعة: 2/253]
ملقحة. وجمع الملقح: ملاقح ولواقح على حذف الزيادة، لأنّ المعنى عليه. ومثل ذلك قوله:
يكشف عن جمّاته دلو الدّال إنما هو المدلي، فحذف الزيادة أو يكون أراد: دلو ذي الدّلو. كما قال: للاقح منها. وفي التنزيل: فأدلى دلوه [يوسف/ 19]. وقال الشاعر:
فسائل سبرة الشّجعيّ عنّا... غداة تخالنا نجوا جنيبا
أي: تحسبنا لكثرتنا واحتفالنا كسحاب ألقحته الجنوب فغزّرت ماءه.
وروينا عن أحمد بن يحيى لزهير:
جرت سنحا فقلت لها مروعا... نوى مشمولة فمتى اللّقاء
[الحجة للقراء السبعة: 2/254]
قال: قال الأصمعي: نوى مشمولة: أي: مكروهة- وقال الأصمعيّ: وأصل ذلك من الشّمال، لأنهم يكرهون الشّمال لبردها وذهابها بالغيم، وفيه الحيا والخصب، فصار
كلّ مكروه عندهم مشمولا، قال: وهم يحبّون الجنوب لدفئها، ولأنها تجيء بالسحاب والمطر، وفيها الحيا والخصب.
وأنشد لحميد بن ثور في مدحهم الجنوب:
فلا يبعد الله الشباب وقولنا... إذا ما صبونا صبوة سنتوب
ليالي أبصار الغواني وسمعها... إليّ.. وإذ ريحي لهنّ جنوب
أي: محبوبة كما تحبّ الجنوب.
وذكر بعض شيوخنا أن أبا عمرو الشيبانيّ روى قول الأعشى:
وما عنده مجد تليد ولا له... من الرّيح فضل لا الجنوب ولا الصّبا
تقدير هذا: وما له من فضل الريح فضل لا فضل الجنوب ولا فضل الصّبا، فحذف المضاف، والمعنى: أنه لم ينل أحداً، فيكون كريح الجنوب في مجيئه بالغيث. ولم ينفّس عن أحد كربة فيكون كالصّبا في التنفيس.
[الحجة للقراء السبعة: 2/255]
وروى غيره فيما ذكر محمد بن السّريّ:
وما عنده رزقي علمت ولا له... عليّ من الرّيح الجنوب ولا الصّبا
وتقدير هذا أيضاً: ولا له عليّ من فضل الريح فضل الجنوب ولا فضل الصّبا.
الأبين في قوله: وتصريف الرّياح [البقرة/ 164] الجمع، وذلك أن كلّ واحدة من هذه الرياح مثل الأخرى في دلالتها على الوحدانية وتسخيرها لينتفع الناس بها بتصريفها، وإذا كان كذلك فالوجه أن يجمع لمساواة كلّ واحدة منها الأخرى فيما ذكرنا، وقد يجوز في قول من وحّد أن يريد به الجنس كما قالوا: أهلك الناس الدينار والدّرهم.
وعلى هذا ينبغي أن يحمل التوحيد للريح، لأن كلّ واحدة مثل الأخرى في وضع الاعتبار لها والاستدلال بها.
فأما قوله تعالى: ولسليمان الرّيح عاصفةً [الأنبياء/ 81] فإن كانت الرياح كلّها سخّرت له، فالمراد بها الكثرة، وإن سخّرت له ريح بعينها، كان كقولك: الرجل، وأنت تريد به العهد.
وأما قوله تعالى: وفي عادٍ إذ أرسلنا عليهم الرّيح العقيم [الذاريات/ 41] فهي واحدة يدلّك على ذلك قوله
[الحجة للقراء السبعة: 2/256]
تعالى: فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً [فصلت/ 16].
وفي الحديث «نصرت بالصّبا، وأهلكت عاد بالدّبور»
فهذا يدلّ أنها واحدة وكذلك الرّيح التي أرسلت على الأحزاب يوم الخندق، قال تعالى: فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها [الأحزاب/ 9].
وأما ما
روي في الحديث من أن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، كان إذا هبّت ريح قال: «اللهمّ اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا».
فممّا يدلّ على أنّ مواضع الرحمة بالجمع أولى، ومواضع العذاب بالإفراد، ويقوي ذلك قوله تعالى: ومن آياته أن يرسل الرّياح مبشّراتٍ [الروم/ 46] فإنما تبشر بالرحمة، ويشبه أن يكون النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قصد هذا الموضع من التنزيل، وجعل الريح إذا كانت مفردة في قوله تعالى: وفي عادٍ إذ أرسلنا عليهم الرّيح العقيم [الذاريات/ 41].
وقد تختص اللفظة في التنزيل بشيء فيكون أمارة له، فمن ذلك أن عامّة ما جاء في التنزيل من قوله: وما يدريك مبهم غير مبيّن. وما كان من لفظ ما أدراك مفسّر، كقوله
[الحجة للقراء السبعة: 2/257]
تعالى: وما أدراك ما الحاقّة [الحاقة/ 3] وكذلك وما أدراك ما القارعة [القارعة/ 2] وما يدريك لعلّ السّاعة قريبٌ [الشورى/ 17].
والخبر الذي روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «إن الريح تخرج من روح الله. تجيء بالرحمة والعذاب»، فيجوز أن تكون الريح يراد بها الجنس، فإذا كانت للجنس كان على القبيلين العذاب والرحمة، فإذا جاز أن يكون للجنس، جاز أن يقع على الجمع مستغرقاً له، وجاز أن يقع اسم الجنس على البعض كما قال: وإنّكم لتمرّون عليهم مصبحين، وباللّيل... [الصافات/ 137 - 138]). [الحجة للقراء السبعة: 2/258]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار والفلك الّتي تجري في البحر بما ينفع النّاس وما أنزل الله من السّماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابّة وتصريف الرّياح}
قرأ حمزة والكسائيّ {وتصريف الرّياح} بغير ألف وحجتهما أن الواحد يدل على الجنس فهو أعم كما تقول كثر الدّرهم والدّينار في ايدي النّاس إنّما تريد هذا الجنس قال الكسائي والعرب تقول جاءت الرّيح من كل مكان فلو كانت ريحًا واحدة جاءت من مكان واحد فقولهم من كل مكان وقد وحدوها تدل على أن بالتّوحيد معنى الجمع
[حجة القراءات: 118]
وقرأ الباقون {وتصريف الرّياح} وحجتهم أنّها الرّياح المختلفة المجاري في تصريفها وتغاير مهابها في المشرق والمغرب وتغاير جنسها في الحر والبرد فاختاروا الجمع فيهنّ لأنّهنّ جماعة مختلفات المعنى ويقوّي الجمع ما روي عن رسول الله صلى الله عليه أنه كان إذا هاجت ريح جثا على ركبته واستقبلها ثمّ قال اللّهمّ اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحًا اللّهمّ اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا). [حجة القراءات: 119]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (88- قوله: {الرياح} قرأه حمزة والكسائي بالتوحيد، ومثله في الكهف والجاثية، ووافقهما ابن كثير على التوحيد أيضًا في الأعراف والنمل وفاطر، والثاني من الروم وقرأه الباقون بالجمع في السبعة، وتفرد نافع بالجمع في إبراهيم والشورى، وتفرد حمزة بالتوحيد في سورة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/270]
الحجر، وتفرد ابن كثير بالتوحيد في سورة الفرقان، فذلك أحد عشر موضعًا.
89- ووجه القراءة بالجمع في {تصريف الرياح} هو إتيانها في كل جانب، وذلك معنى يدل على اختلاف هبوبها، فهي رياح لا ريح، لأن الريح الواحدة، إنما تأتي من جانب واحد، فكان لفظ الجمع فيها أولى، لتصرفها من جهات فيكون لفظها مطابقًا لمعناها في الجمع، وأيضًا فإن هذه المواضع أكثرها لغير العذاب، وقد قال النبي عليه السلام حين رأى ريحًا هبت: «اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا» فعُلم أن الريح بالتوحيد أكثر ما تقع في العذاب والعقوبات، وليست هذه المواضع في ذلك، واعلم أن الرياح بالجمع تأتي في الرحمة، فواجب من الحديث أن يقرأ بالجمع إذ ليست للعقوبات.
90- ووجه القراءة بالتوحيد أن الواحد يدل على الجمع؛ لأنه اسم للجنس فهو أخف في الاستعمال، مع ثبات معنى الجمع فيه، والاختيار الجمع، لأن عليه الأكثر من القراء، ولأنه أبين في المعنى؛ لأنه موافق للحديث). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/271]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (54- {الرِّياحِ} {آية/ 164]:-
قرأها نافع وعاصم وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب بالألف في عشرة مواضع: ههنا وفي الأعراف والحجر والكهف والفرقان والنمل والروم حرفين وفاطر والجاثية، وزاد نافع في إبراهيم وعسق، ووافقهم ابن كثير في البقرة، والحجر، والكهف، والأول من الروم، والجاثية. وحمزة والكسائي في الفرقان، والأول من الروم، وزاد الكسائي في الحجر، فأما الأول من الروم {مُبَشّراتٍ} فإجماع.
[الموضح: 306]
أما الجمع في هذه الكلمة فهو أظهر في المعنى؛ لأن المراد هو الدلالة على الصانع، وكل واحدةٍ من هذه الرياح مثل صاحبتها في دلالتها على الصانع، وكذلك في المنافع.
وأما الإفراد فيها فهو مثل الجمع أيضًا، كما يقال: أهلك الناس الدينار والدرهم، أي الدنانير والدراهم، فلا فرق بين القراءتين في المعنى، وإن كان الأول أبين، وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله عند هبوبها {اللّهُمّ اجْعَلْهَا رِياحًا ولا تَجْعَلْهَا رِيحًا}، فقد دل بأن الرياح للرحمة ذهابًا إلى قوله تعالى {الرّياحَ مُبَشّراتٍ} و{الرياحَ لَوَاقِحَ}، وبإن الريح للعذاب، ذهابًا إلى قوله تعالى {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ}). [الموضح: 307]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس