عرض مشاركة واحدة
  #35  
قديم 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م, 03:51 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

باب علل إمالة ما قبل هاء التأنيث
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب علل إمالة ما قبل هاء التأنيث
1- اعلم أن هاء التأنيث أشبهت الألف التي للتأنيث من خمس جهات: احداها قرب المخرج من الألف، والثانية أنها زائدة كألف التأنيث، والثالثة، أنها تدل على التأنيث كالألف، والرابعة أنها تسكن في الوقف كالألف، والخامسة أن ما قبلها لا يكون إلا مفتوحًا كالألف، إلا في موضع واحد، لزمت لفظ الهاء في الوصل والوقف، فكسر ما قبلها على التشبيه بهاء الإضمار وذلك كقولك: هذه، ولأن أصل الهاء ياء في هذي، فلما تمكن الشبه في الوقف بالسكون أجراها الكسائي مجرى الألف في الوقف خاصة، فأمال ما قبلها من الفتح، فقرَّبه من الكسر كما يفعل بألف التأنيث، إلا أن ألف التأنيث تقرب في الإمالة نحو الياء، وليست كذلك الهاء، فإن وصل فتح؛ لأنها تصير تاء، فلا تشبه حينئذٍ الألف، فلذلك حسن الوقف بالإمالة، وذلك نحو: «حبة، ودابة» وشبهه، تقف بالإمالة عليه للكسائي.
2- فإن سأل سائل فقال: لم فتح ما قبل هاء التأنيث ولزمه الفتح، وقد كان قبل دخول هاء التأنيث يجري عليه الإعراب، فلما دخلت هاء التأنيث لزم الفتح، وإلا لزم السكون لزوال الإعراب عنه إلى هاء التأنيث؟
فالجواب أنك إذا قلت: «قائم، وصائم» جرى الإعراب في الميم، فإذا
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/203]
أدخلت هاء التأنيث انتقل الإعراب على الهاء فقلت: «قائمة، وصائمة» وكذلك ما أشبهه، فلما كان الحرف الذي عليه الإعراب، قبل دخول هاء التأنيث، قد يكون ما قبله ساكنًا في نحو: «نعمة، ورحمة» وشبهه، لم يُسكن إسكانه، ووجبت حركته، فاختير له الفتح لمشابهة هاء التأنيث الألف التي للتأنيث، التي لا يكون ما قبلها إلا مفتوحًا، وكان الفتح أولى به لخفته، ولأن الهاء زائدة، فلم يجمعوا على الاسم الزيادة مع حركة ثقيلة، فجعلوها حركة خفيفة، وهي الفتح، فلزم ما قبلها الفتح، كما لزم ما قبل الألف، وأيضًا فإن الفتح من موضع خروج الهاء؛ لأنه من الألف، والهاء من مخرج الألف فكان أولى بحركة ما قبلها لذلك، ولما كانت الهاء في هذه بدلًا من ياء، وخالفت الهاء سائر هاءات التأنيث، إذ لا ترجع في الوصل تاء، خولف بينهما، وبين سائر هاءات التأنيث، فكسر ما قبلها، ولا نظير لها، وقد قال جماعة من البصريين: إن الهاء إنما فتح ما قبلها لأنها بمنزلة اسم، ضُم إلى اسم، ففتح ما قبلها كما فتح ما قبل عشر من «خمسة عشر» وكما قالوا: شغر بغر، أي: متفرقون، وقال ثعلب لما نُحي بهاء التأنيث نحو ألف التأنيث لزم ما قبلها الفتح كالألف، وجازت الإمالة فيها كالألف، فأما علة فتح ما قبل هاء التأنيث في اختيار ابن مجاهد، إذا كان قبل الهاء حرف من حروف الاستعلاء أو عين أو حاء، فإن هذه الحروف حروف مستعلية في الحنك، ومنها حرف الإطباق، ينطبق اللسان بالحنك مستعليًا عند
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/204]
حروفها، فكره ابن مجاهد أن ينحى بهذه الحروف نحو الكسرة بعد استعلائها وتصعدها وانطباقها بالحنك، فكان الفتح أولى بها، لأنه أشبه بحالها من الكسر؛ لأن الكسر ضد حالها، وحروف الاستعلاء سبعة: الغين، والخاء، والقاف، والطاء، والظاء، والصاد، والضاد، وكذلك اختيار القراء الفتح مع الراء، إذا انفتح ما قبلها، أو كان ساكنًا غير الياء، قبله فتحة، لأن الراء حرف تكرير، الفتحة عليه قوية، كأنها فتحتان، فإذا انفتح ما قبلها، أو انفتح ما قبل الساكن الذي قبلها، تقوى الفتح فيها، وصار كأن قبل هاء التأنيث ثلاث فتحات، فبعد أن يُنحى بذلك نحو الكسرة لتمكنه في الفتح، وكذلك اختاروا الفتح فيما قبل هاء التأنيث، إذا كان همزة أو هاء، قبلها فتحة أو ضمة، أو ساكن غير الياء، ليس قبلها كسرة، نحو: «سفاهة، والنشأة، ومحشورة، وبررة» كل هذا الاختيار فيه الفتح.
وعلة ذلك أن الهمزة والهاء من حروف الحلق، وحروف الحلق بعيدة من الكسر، لبعدها من الياء، قوية في الفتح، لقربها من الألف، وكذلك الحاء والعين فيما ذكرنا أولًا، فلما كانت كذلك قوي الفتح وبعد الكسر، فتركت على فتحتها، واختير ذلك فيها، فإن انكسر ما قبلها، أو كان ياء قويت الإمالة، وجازت واستعملت في قراءة الكسائي؛ لأن الكسرة والياء توجبان الإمالة فسهلا إمالة ما بعدهما وحسناه نحو: «بالخاطئة، وفاكهة، والآخرة» وكان أبو الطيب رحمه الله يقول: إذا وقع قبل الهمزة ساكن أمال الكسائي الهمزة في الوقف، ولا يسأل عن حركة ما قبل الساكن، غير أنه استثنى «براءة» بالفتح في الموضعين.
وقد أضاف قوم امتناع الإمالة مع الكاف، لقربها من القاف، ومذهب أبي
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/205]
الطيب الإمالة مع الكاف على كل حال، وقد أضاف قوم إلى هاء التأنيث، في الإمالة، إمالة ما قبل هاء السكت في «كتابيه، وحسابيه» وهو غلط، لا يجوز ذلك؛ لأن هاء السكت لا تنقلب تاء في الوصل، ولا تشبه الألف، ولا أصل لما قبلها في الإمالة.
فإن وقع قبل هاء التأنيث ألف، منقلبة عن واو، فلا سبيل إلى الإمالة نحو: «الزكاة، والصلاة»، وعلة ذلك أنك لو أملت ما قبل هاء التأنيث في هذا لأملت الألف، ولم تقدر على الإمالة الألف حتى تميل الفتحة، التي قبلها نحو الكسرة، فيخرج الأمر إلى حكم آخر، وهو حكم إمالة ذوات الواو، وذلك غير مروي عن أحد، ويصير إلى إمالة ألف منقلبة عن واو ثالثة، وهذا غير جائز، إذ لا علة توجب الإمالة: لا كسرة، ولا أصل في الياء، ولا روي عن أحد.
فأما «الحياة» فلو رويت إمالة الألف لجاز ذلك، لأنه من الياء، وتكون إمالته من إمالة ذوات الياء، وليس من إمالة ما قبل هاء التأنيث في شيء، لأنك لو أملته نحوت بالألف نحو الياء، والفتحة التي قبلها نحو الكسرة، ولكن لم ترو إمالته عن أحد، وذلك ليتبع به نظائره نحو: «الصلاة، والزكاة».
3- فإن قيل: قد ذكرت أن هاء التأنيث لا يكون ما قبلها إلا مفتوحًا أبدًا، وهذه قبلها ساكن؟
فالجواب أن هذه الألف التي قبل هاء التأنيث في «الحياة، والزكاة،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/206]
والصلاة والقضاة» وشبهه، أصلها الفتح ولكنها لما تحركت بالفتح، وقبلها متحرك، قلبت ألفًا على أصول الاعتدال، فالهاء على أصلها، وإنما عرض فيما قبلها عارض تغير به عن الفتح وأصله الفتح، ولتغيره امتنعت الإمالة فيه لأنك إنما تنحو بالفتحة التي قبل هاء التأنيث إلى الكسرة عند الإمالة، فلما عدمت الفتحة من اللفظ امتنعت الإمالة في هذا النوع.
فأما «مناة» فالصواب فيها الوقف على الفتح، لأنها لو أميلت لهاء التأنيث لأميلت الفتحة التي قبلها، ولو أميلت في الوقف لكانت الإمالة في الوصل أولى، فترك الإمالة في الوصل يدل على أنها غير ممالة في الوقف، وليس في كلام العرب ألف ثانية تفتح في الوصل، وتمال في الوقف ألبتة، وكون ألف «مناة» من الياء لا يوجب إمالتها، لكون هاء التأنيث بعدها، كما لم توجب الإمالة في «الحياة»، والألف أصلها الياء.
فأما «كمشكاة، ومزجاة» وشبهه، فلم تقع الإمالة فيه لأجل هاء التأنيث، إنما وقعت ووجبت لأجل أن الألف رابعة، وكل ألف رابعة فالإمالة حسنة فيها، كانت الألف من الياء أو من الواو، ألا ترى أن «أزكى، وأدعى، ويدعى» وشبهه يمال، وإن كانت ألفه أصلها الواو، لأنها قد صارت رابعة، فخرجت عن حكم الألف الثالثة التي أصلها الواو، ألا ترى أنك تقول: «زكوت وأزكيت» فتثبت الواو إذا كانت ثالثة، وترجع الياء في موضعها إذا كانت رابعة.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/207]
فأما الإمالة في «تقاة، وتقاته» فإنما وجبت؛ لأجل أن أصل الألف الياء، فلا مزية للوقف على الوصل، ولا سبيل لهاء التأنيث في هذه الإمالة؛ لأن الممال في هذا هو الألف وما قبلها، يُنحى بالألف نحو أصلها، ويُنحى بالفتحة نحو الكسرة، لتتمكن الإمالة في الألف، وهاء التأنيث إنما تُمال الفتحة التي قبلها نحو الكسرة لا غير، فاعرف الفرق بينهما، والاختيار فتح ما قبل هاء التأنيث، لأنها كسائر الحروف، ولأن الوقف عارض، ولأنه الأصل، ولأن القراء أجمعوا عليه غير الكسائي.
قال أبو محمد: قد ذكرنا من علل الإمالة ما حضرنا في وقت تأليفنا لهذا الكتاب، فما أغفلنا الكلام على علته مما أماله القراء، فهو جار في علته، على ما ذكرنا وبينا وعللنا، فليس يخرج شيء مما أماله القراء في علته عما ذكرنا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/208]


رد مع اقتباس