عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 12:49 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة مريم

[ من الآية (73) إلى الآية (76) ]
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74) قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76)}

قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (خيرٌ مّقامًا (73) و: (لا مقام لكم)
و (في مقامٍ أمينٍ).
قرأ ابن كثير وحده (خيرٌ مقامًا) بضم الميم، وفتح الباقي، وقرأ حفص وحده (لا مقام لكم) بضم الميم في الأحزاب، وفتح الباقي.
وقرأ نافع وابن عامر في الدخان (في مقام أمين) بضم الميم، وفتحا الباقي. وقرأ الباقون بفتح الميم فيهن أجمع.
قال أبو منصور: (المقام) بضم الميم معناه: الإقامة، يقال: أقمت مقامًا وإقامة.
والمقام: المكان الذي يقام فيه - وأنشد أبو عبيد للطرمّاح:
شت شعب الحي بعد التئام... وشجاك الربع ربع المقام
ويروى: ربع المقام - فمن رواه (ربع المقام) أراد: ربع المكان الذي يقام.
ومن روى (ربع المقام) أراد: دار الإقامة). [معاني القراءات وعللها: 2/137]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (18- وقوله تعالى: {خير مقامًا} [73].
قرأ بن كثير: {خير مقامًا}.
والباقون يفتحون، فالمقام: الإقامة. يقال: طال مقامي بالبلد، وأقمت بالبلد مقامًا، وإقامة. والمقام بالفتح كقوله تعالى: {مقام إبراهيم}.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/21]
فأما قوله في (الأحزاب): {لا مقام لكم فارجعوا} فقرأها عاصم في رواية حفص بالضم.
والباقون يفتحون.
وقوله في (الدخان): {مقام أمين}. فضمنها نافع، وابن عامر.
والباقون يفتحوهن.
فإن قيل لك: بم انتصب {خير مقامًا}؟
فقل: على التمييز، كما تقول: هو أحسن منك وجهًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/22]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (19- وقوله تعالى: {وأحسن نديًا} [73].
الندي والنادي: المجلس. قال الله تعالى: {وتأتون في ناديكم المنكر} قيل: المنكر: مضع العلك، وحل الإزرار، والضحك، والضرط، والحذف بالحصا، والاستبال على الطر. والرجل المنادي: المجالس يقال: فلان ينادي الملوك أي: يجالسهم، قال زهير:
وجار الميت والرجل المنادي = أمام الحي عهدهما سواء
والمنادي: النبي صلى الله عليه وسلم من قوله تعالى: {واستمع يوم يناد المناد} وقيل: هو إسرافيل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/22]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله عز وجل: خير مقاما [مريم/ 73] في ضم الميم وفتحها في مريم والدخان والأحزاب.
[الحجة للقراء السبعة: 5/204]
فقرأ ابن كثير: (خير مقاما) بضم الميم وفي مقام أمين [الدخان/ 51] بفتح الميم، و (لا مقام لكم) [الأحزاب/ 13] بفتح الميم أيضا.
وقرأ نافع وابن عامر: (في مقام أمين) بضم الميم، وخير مقاما بفتح الميم و (لا مقام لكم) بفتح أيضا.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي وأبو عمرو: خير مقاما بفتح الميم، وفي مقام أمين بالفتح، و (لا مقام لكم) بالفتح فيهن.
وروى حفص عن عاصم في الأحزاب: لا مقام لكم بالضم و (خير مقاما) وفي مقام أمين بفتح الميم فيهما. وروى غيره: (لا مقام لكم) بفتح الميم.
اعلم أنهم قد قالوا: قام يقوم، وأقام يقيم، والمصدر واسم الموضع جميعا من فعل يفعل على: مفعل، وذلك نحو: قتل يقتل مقتلا، وهذا مقتلنا، وكذلك: المقام، يستقيم أن يكون اسما للمصدر ويستقيم أن يكون اسم الموضع. وأما أقام يقيم فالمصدر والموضع يجيئان منه على مقام، وكذلك ما زاد من الأفعال على ثلاثة أحرف بحرف زائد أو حرف أصل، فالمقام يصلح أن يكون الإقامة فتقول: أقمت إقامة، ومكان الإقامة مقام أيضا وعلى هذا قوله: (بسم الله مجراها ومرساها) [هود/ 41] تقديره: إجراؤها وإرساؤها، وقد يكون المقام: المكان الذي تقيم فيه، فهذا هو الأصل المقام والمقام، وقال: فيه آيات بينات مقام إبراهيم [آل عمران/ 97] فهذا على موضع قيامه،
[الحجة للقراء السبعة: 5/205]
وليس المصدر. وزعم أبو الحسن أنهم يقولون للمقعد: المقام، وللمشهد: المقام. وتأوّل قوله: قبل أن تقوم من مقامك [النمل/ 39] أي: من مشهدك، وهذا مما لا يسوغ فيه أن يكون اسما للموضع، ألا ترى أن المصدر لا يكون هاهنا، وأمّا قوله: إن المتقين في مقام أمين [الدخان/ 51] فالمعنى على الموضع، ألا ترى أن الموضع يوصف بالأمن، كما يوصف بخلافه الذي هو الخوف، كما قال:
يا ربّ ماء صرىّ وردته... سبيله خائف جديب
فأمّا من قرأه: (في مقام أمين) [الدخان/ 51] فإن المقام اسم لما يقيم فيه، ويثوي. يدلّك على ذلك ما قدّمناه من وصفه بالأمن، ويدلّ عليه أيضا قول حسّان:
ما هاج حسّان رسوم المقام فالرسم إنما يضاف إلى الأمكنة، ولا يضاف إلى الأحداث، وعلى هذا قال الشاعر:
رسم دار وقفت في طلله
[الحجة للقراء السبعة: 5/206]
وأمّا قول الشاعر:
وفيهم مقامات حسان وجوهها... وأندية ينتابها القول والفعل
فإنّما هذا على حذف المضاف، أي: أهل مقامات ومشاهد.
وروى السكري عن الأصمعي أنه قال: المجلس: القوم، وأنشد:
واستبّ بعدك يا كليب المجلس قال أبو علي: والمجلس: موضع الجلوس، والمعنى: على أهل المجلس، كما أن المعنى على أهل المقامات. قال السكري: المقامة المجلس والمقام: المنزل. فأما قوله: الذي أحلنا دار المقامة من فضله [فاطر/ 35] فهو من الإقامة. وسمّي دار المقامة كما سمّي دار الخلد، وجنات عدن، وكلّ ذلك من اللّبث والمكث، وأنشد أبو زيد:
إنّ التي وضعت دارا مهاجرة... بكوفة الخلد قد غالت بها غول
قالوا: زعم الأصمعي أن هذا تصحيف، وإنّما هو بكوفة الجند، قال الجرمي: ليس بتصحيف، وإنما هو بكوفة الخلد، وإنما المعنى
[الحجة للقراء السبعة: 5/207]
أن أهلها قاطنون فيها، لا ينتقلون للنجع، وطلب المراعي، وأما ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر:
وذاك فراق
لا فراق ظعائن... لهنّ بذي القرحى مقام ومحتمل
فإن المقام مصدر كما أن خلافه الذي هو محتمل كذلك فأما قوله (لا مقام لكم فارجعوا) [الأحزاب/ 13] فالمعنى: لا مشهد لكم، لأن المقام قد أريد به المشهد، ومن قرأ لا مقام: أراد الإقامة، وكلا الأمرين سائغ، وقد يكون المقام حيث يقوم الإنسان، مما يدلّ على ذلك قول الراجز:
هذا مقام قدمي رباح... للشمس حتى دلكت براح
المعنى: هذا موضع قيامه، وأما قوله: (أي الفريقين خير مقاما) [مريم/ 73] فمن ضم الميم كان اسما للمثوى ومن فتح، كان كذلك أيضا، ألا ترى أن النديّ والنادي هما المجلس، من ذلك قوله:
(وتأتون في ناديكم المنكر) [العنكبوت/ 29] ومن ذلك قول كثير:
أناديك ما حجّت حجيج وكبّرت... بفيفا غزال رفقة وأهلّت
[الحجة للقراء السبعة: 5/208]
فأما المقام فيمن ضمّ، وفيمن فتح على اسم المكان، وليس اسم الحدث، ويدلّ على ذلك: وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا [مريم/ 74] فلا يراد بهذا الحدث، إنما يراد به حسن الشارة والمنظر، وهذا إنما يكون في الأماكن فعلى هذه المسالك تسلك وجوه هذه القراءات). [الحجة للقراء السبعة: 5/209]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا}
قرأ ابن كثير {خير مقاما} بضم الميم أي إقامة يقال طال مقامي بالبلد وأقمت بالبلد مقاما وإقامة
وقرأ الباقون خير مقاما بالفتح أي مكانا تقول قام يقوم مقاما وهذا مقامنا فالمقام يستقيم أن يكون مصدرا ويستقيم أن يكون اسم الموضع). [حجة القراءات: 446]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (25- قوله: {خيرٌ مقامًا} قرأه ابن كثير بضم الميم، وفتحها الباقون.
وحجة من فتح أنه جعله مصدرًا أو اسم مكان من «قام يقوم» لأن المصدر واسم المكان من «فعل يفعل» على «مفعل».
26- وحجة من ضم أنه جعله مصدرًا أو اسم مكان من «أقام يقوم» لأن المصدر منه واسم المكان من «مفعل»، فالقراءتان بمعنى). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/91]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (22- {خَيْرٌ مَّقَامًا}[آية/ 73] بضم الميم:
قرأها ابن كثير وحده.
والوجه أن يجوز أن يكون اسمًا لمكان الإقامة؛ لأن مفعلاً قد يكون للمكان، فمقام هاهنا مفعل للمكان، ويجوز أن يكون مصدراً بمعنى الإقامة؛ لأن مفعلاً قد يأتي مصدراً أيضًا كما يأتي للمكان.
[الموضح: 822]
وقرأ نافع وابن عامر بالفتح ههنا، وكذلك في الأحزاب، لكن {مَقَامٍ أَمِينٍ}، في الدخان بالضم.
وقرأ- ص- عن عاصم ههنا أيضًا بالفتح، وكذلك في الدخان، وبالضم في الأحزاب.
وقرأ أبو عمرو وعاصم- ياش- وحمزة والكسائي ويعقوب بالفتح في الأحرف الثلاثة.
والوجه أن {مَقَامًا}بالفتح مفعل من القيام، يجوز أن يكون مصدراً من قام قيامًا ومقامًا، ويجوز أن يكون اسمًا لمكان القيام.
ومتى حمل في القراءتين على معنى المكان كان أحسن، لما قُرن به من ذكر المكان فيما بعد من قوله: {وأَحْسَنُ نَدِيًا} ). [الموضح: 823]

قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ (أثاثًا ورئيًا (74)
[معاني القراءات وعللها: 2/137]
قرأ نافع وابن عامر (ريّا) بغير همزة. وروى ورش وابن جماز وأبو بكر بن أبي أويس عن نافع (ورءيًا) بهمزة بين الراء والياء.
وقرأ الباقون (ورءيًا) مهموزًا.
قال أبو منصور: من قرأ (ورءيًا) بالهمز فالمعنى: هم أحسن أثاثًا، أي: متاعًا، وأحسن رءيًا، أي: منظرًا، من رأيت، هكذا. قال الفراء.
وقال الأخفش: الرئي: ما ظهر عليه مما رأيت.
ومن قرأ (ريّا) بغير همز ففيه قولان:
أحدهما: أنه أريد به الرئي، فحذف الهمزة.
والقول الثاني: أن منظرهم مرتو من النعمة، كأنّ النعيم بيّن فيهم.
وأفادني المنذري عن ابن اليزيدي النحوي عن أبي زيد أنه قال: الرئي: الزينة، من رأيت.
وقال غيره: الرّي: بغير همز: النعمة، وهذا حسنٌ). [معاني القراءات وعللها: 2/138]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (20- وقوله تعالى: {أثاثًا ورءيا} [74].
قرأ قراءة نافع برواية قالون وابن عامل برواية اين ذاكوان [فبالهمز أيضًا] فمن همز فمعناه: المنظر الحسن، فقيل من الرؤية، ومن لم يهمز فله حجتان:
إحداهما: أن يكون أراد الهمز فترك، كما قرأووا {خير البرية} والأصل: بريئة.
والحجة الثانية: أن تأخذه من الري، وهو امتلاء الشباب، والنضارة أي: تري الري في وجهوههم. تقول العرب: قد تجبر في وجهه ماء الشباب.
وفيها قراءة ثالثة: قراءة سعيد بن جبير {أثاثًا وزيًا} جعله من الزي أنشدني ابن دريد:-
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/23]
أهاجتك الضغائن يوم بانوا = بذي الزي الجميل من الأثاث
والأثاث: متاع البيت، وجمعها آثثة. وقد يجوز آثاث، وأثث..
وحدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء قال: يقال أثثت الجارية: إذا زينتها. وأرقت الجارية وأرعدت: إذا تزينت. والزي لا يثني ولا يجمع؛ لأنه كالمصدر، وزعنفها مثله. وترمنعت وتزتتت، وأنشد:
* إن فتاة الحي بالتزتت *). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/24]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في همز ورئيا وتركه (مريم/ 74).
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي: ورئيا مهموزة بين الراء والياء في وزن رعيا.
وقرأ ابن عامر ونافع: (وريّا) بغير همز، وروى ابن جمّاز وورش وأبو بكر بن أبي أويس: ورئيا بالهمز بين الراء والياء.
أخبرني محمد بن عبد الله، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت أشهب يقول: سمعت نافعا يقرأ: ورئيا مهموزا. وروى إسماعيل بن جعفر وقالون والمسيّبي والأصمعي عن نافع: (وريّا) غير مهموز. وأخبرنا محمد بن يحيى الكسائي عن أبي الحارث عن أبي عمارة عن يوسف عن ابن جماز عن أهل المدينة: (وريّا) غير مهموز.
وذكر غير أحمد بن موسى أن الأعشى روى عن أبي بكر عن عاصم: (وريئا) مثل: وريعا. أبو عبيدة: رئيا ما ظهر مما رأيت. قال
[الحجة للقراء السبعة: 5/209]
أبو علي: رئي فعل من رأيت، وكأنه اسم لما ظهر وليس المصدر، إنما المصدر الرأي والرؤية، يدلّك على ذلك قوله: يرونهم مثليهم رأي العين [آل عمران/ 13] والرأي الفعل، والرئي: المرئي، كالطّحن والطّحن والسّقي والسّقي، والرّعي والرّعي.
فأما ما روي عن عاصم من قوله: (وريئا)، فإنه قلب الهمزة التي هي عين إلى موضع اللام فصار تقديره، فلعا. فأما قولهم: له رواء، فيمكن أن يكون فعالا من الرؤية، فإن كان كذلك جاز أن تحقق الهمزة، فيقال: رآء، فإن خففت الهمزة أبدلت منها الواو، كما أبدلتها من جون وتودة، فقلت: رواء، ويجوز في الرواء أن يكون فعالا من الريّ فلا يجوز همزة، كما جاز في قول من أخذه من باب رأيت، فيكون في المعنى أنه له طراءة وعليه نضارة، لأن الريّ يتبعه ذلك، كما أن العطش يتبعه ذلك الذبول والجهد.
ومن خفّف الهمزة من رئيا لزم أن يبدل منها الياء لانكسار ما قبلها كما تبدل من ذيب وبير، فإذا أبدل منها الياء وقعت ساكنة قبل حرف مثله فلا بد من الإدغام، وليس يجوز الإظهار في هذا كما جاز الإظهار للواو في نحو رؤيا وروية، ونوي، إذا خففت الهمزة فيها، لأن الياء في ريّا قبل مثل، ووقعت في رؤيا قبل ما يجري مجرى المقارب، فإن خفّفت الهمزة على ما روى عن عاصم من قوله: (ريئا) حذفتها وألقيت حركتها على الياء التي قبلها فقلت: ريّا ومن قال: سوء وسيّ قلب على قياس قوله: ريّا). [الحجة للقراء السبعة: 5/210]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة طلحة: [وريًِا]، خفيفة بلا همز.
[المحتسب: 2/43]
وقرأ: [وَزِيًّا]، بالزاي سعيد بن جبير ويزيد البربري والأعسم المكي.
قال أبو الفتح: النظر من ذلك في [وَرِيًّا]، خفيفة بلا همز؛ وذلك أنه في الأصل فعل إما من رأيت وإما من رويت، فأصله -وهو من الهمز- [ورِثْيًا] كَرِعْيًا، على قراءة أبي عمرو وغيره؛ فأريد تخفيف الهمز، فأبدلت الهمزة ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، ثم أدغمت الياء المبدلة من الهمزة في الياء الثانية التي هي لام الفعل، فصارت [وَرِيًّا].
ويجوز أن يكون من رويت قال أبو علي: وذلك لأن المريان نضارة وحسنا؛ فيتفق إذا معناه ومعنى "وزيا" بالزاي. وأصله على هذا "رِوْيٌ"، فأبدلت الواو ياء، وأدغمت في الياء بعدها؛ فصارت [وَرِيًّا].
حدثنا أبو علي عن ابن مجاهد أن القراءة فيها على ثلاث أضرب: [ورِثْيًا]، [وَرِيًّا]، [وَزِيًّا] فهذا هذا.
فأما [رِيًا]، مخففة غير مهموزة فتحتمل أمرين:
أحدهما أن تكون مقلوبة من فعل إلى فلع؛ فصارت في التقدير [رِيئًا]، ثم خفف على هذا، فحذفت الهمزة، فألقيت حركتها على الياء؛ فصارت "رِيًا"، كقولك في تخفيف نيء: أكلت طعاما نِيًا، وفي تخفيف الجيئة: الجية. فإن خففت البيئة من قولهم: بات بيئة سوء قلت فيها: البِوَة، وذلك أنها في الأصل بِوْءَة، لأنها فِعْلَة من تَبَوَّأت، فانقلبت الواو ياء؛ لسكونها وانكسار ما قبلها، فصارت بيئة، فإذا ألقيت عليها فتحة الهمزة قويت بها، فرجعت الواو لقوة الحرف بالحركة، فقلبت "بِوَة" وقد استقصينا هذا الموضع من كتابنا المعرب، فهذا أحد الوجهين في "رِيًا" بالتخفيف.
والآخر أن يكون يريد "رِيًا" من رويت، ثم يخفف الكلمة بحذف إحدى الياءين، كما قال: أتاني القوم لا سيما زيد بتخفيف الياء، وقولهم في الطَّيَّة والنية: الطِيَة والنِّيَة، بحذف إحدى الياءين. وينبغي أن تكون المحذوفة من ذلك كله هي الياء الثانية؛ لأمرين:
أحدهما أنها هي المكررة، وبها وقع الاستثقال، وإياها ما حذف.
[المحتسب: 2/44]
والآخر أنها لام، وقد كثر حذف اللام حرف علة: كمائة، ورِئة، وفِئة. وقلما تحذف العين، فهذا هذا.
وأما "الزِّي"، بالزاي ففِعل من زَوَيْت؛ وذلك أنه لا يقال لمن له شيء واحد من آلته: زِيٌّ، حتى تكثر آلته المستحسنة، فهي إذا من زويْت، أي جمعت.
ومن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "زُوِيَت لِيَ الأرضُ"، أي جمعت، ومن قول الأعشى؛
يَزِيدُ يغُضّ الطرْفَ دُونِي كَأَنَّما ... زَوَى بين عَيْنَيْه علَى المَحَاجِمِ
وأصلها زِوْيٌ، فقلبت الواو على ما مضى، وأدغمت في الياء). [المحتسب: 2/45]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا} 74
قرأ نافع وابن عامر (أحسن أثاثا وريا) بالتّشديد وقرأ ورش عن نافع {ورئيا} بالهمزة وبه قرأ الباقون المعنى هم أحسن متاعا
[حجة القراءات: 446]
ورئيا أي منظرًا من رأيت ومن لم يهمز فله حجتان إحداهما أن يكون أراد الهمز فترك كما قرؤوا {خير البريّة} والأصل {رئيا} بالهمز ثمّ تركت الهمزة فصارت ياء مثل ذيب إذا تركت الهمزة ثمّ أدغمت الياء في الياء فصارت ريا مشددا فهذا مثل الأول في التّفسير والثّانية أن تأخذه من الرّيّ وهو امتلاء الشّباب أي أن منظرهم مرتو من النّعمة كأن النّعيم بين فيهم). [حجة القراءات: 447]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (27- قوله: {ورءيا} قرأه قالون وابن ذكوان بتشديد الياء، من غير همز، وهمز الباقون.
وحجة من لم يهمز أنه يحتمل أن يكون من «ري الشارب» فلا أصل له في الهمز، أي: أحسن أثاثًا وأحسن شربا، ويجوز أن يكون من «الرواء»، وهو ما يظهر من الزي في اللباس وغيره، فيكون أصله الهمز، ولكن خففت الهمزة، فأبدل منها ياء، وأدغمت في الياء التي بعدها، وفيه قبح لتغير الياء مرة بعد مرة، ولأن لفظ الياء الأول عارض، والهمزة منوية، وهي لا تدغم في الياء فكذلك لا يدغم ما عوض منها، وعلى ذلك ومثله رؤيا في وقف حمزة بغير إدغام، يبدل من الهمزة ياء ولا يدغمها فيما بعدها، وقد روي عنه الإدغام، وهو بعيد على ما ذكرتُ لك، ومثله «رؤيا» في وقف حمزة يبدل من الهمزة واوا ساكنة ولا يدغمها في الواو على أصل وقوع الواو الساكنة قبل الياء نحو في ميت والياء على أصل وقوع الياء الساكنة قبل الياء في نحو: «ميت وهين ومرضي» والياء على أصل وقوع الياء الساكنة قبل الياء في نحو: «ميت وهين ومرضي» ونحوه؛ لأن الهمزة مرادة منوية، ولفظ الواو عارض، لكن الإدغام في «وريا» إذا جعلته من الهمز أخف من الإدغام في «رؤيا» لأنه يجتمع في «وريا»
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/91]
مثلان، ولا يجتمع ذلك في «رؤيا» في التخفيف، وأيضًا فإنه ليس في كلام العرب مثلان الأول منهما ساكن، اجتمعا في كلمة لم يدغم الأول في الثاني، فقوي الإدغام في «وريا» إذا سهلت، وتجد مثلين متقاربين في كلمة، والأول ساكن، لا يدغم الأول في الثاني، فقوي الإظهار في تخفيف «رؤيا» فافهم الفرق بينهما.
28- وحجة من همز أنه جعله من الرواء الزينة فأتى به على الأصل وهو من «رأيت» فهو اسم لما ظهر على المرء، وليس هو بمصدر). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/92]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (23- {أَثَاثًا ورِيًا}[آية/ 74] بتشديد الياء غير مهموزة:
قرأها نافع- ن- و- يل-، وابن عامر.
والوجه أن أصله: رأي على وزن رعي، وهو فعل بكسر الفاء من رأيت كالطحن والسقي بكسر الأول منهما، وهو اسم لما يرى ويظهر فخففت الهمزة المكسور ما قبلها فصار ريي كذئب وبئر فلم يكن بد حينئذ من الإدغام فأدغم الياء في الياء فصار {رِيًا}بالتشديد.
وروى- ياش- عن عاصم {ريئًا}على وزن ريعًا.
[الموضح: 823]
والوجه أنه مقلوب من رئي كرعي، كما سبق، فنقلت الهمزة التي هي عين إلى موضع اللام، فانتقل من رئي إلى رئئ، فصار في وزن فلعٍ، وأصله فعل.
وقرأ الباقون {رِئيًا}بهمز بعد الراء، وياء بعده، مثل رعي.
والوجه أنه هو الأصل، وهو فعل من الرؤية: اسم لما ظهر من الشيء كالطحن والسقي وقد ذكرناه.
وكان حمزة إذا وقف ترك الهمزة؛ لأن الوقف موضع تغيير). [الموضح: 824]

قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75)}

قوله تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس