عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م, 01:19 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون * وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين * ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل}
مدح الله تعالى في هذه الآية قوما بالانتصار من البغي، ورجح ذلك قوم من العلماء، وقالوا: الانتصار بالواجب تغيير منكر، ومن لم ينتصر مع إمكان الانتصار فقد ترك تغيير المنكر.
واختلف الناس في المراد بالآية بعد اتفاقهم على أن من بغي عليه وظلم، فجائز له أن ينتصر بيد الحق وحاكم المسلمين، فقال مقاتل: الآية في المجروح ينتصف من الجارح بالقصاص.
وقالت فرقة: إنها نزلت في بغي المشرك على المؤمن، فأباح الله تعالى له الانتصار منهم دون تعد، وجعل العفو والإصلاح مقرونا بأجر، ثم نسخ ذلك بآية السيف، وقالت هذه الفرقة -وهي الجمهور-: إن المؤمن إذا بغى على مؤمن وظلمه، فلا يجوز للآخر أن ينتصف منه بنفسه ويجازيه على ظلمه، مثال ذلك: أن يخون الإنسان آخر، ثم يتمكن الإنسان من خيانة الأول، فمذهب مالك رحمه الله تعالى ألا يفعل، وهو مذهب جماعة عظيمة معه، ولم يروا هذه الآية من هذا المعنى، واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك"، وهذا القول أنزه وأقرب إلى الله تبارك وتعالى.
وقالت طائفة من أهل العلم: هذه الآية عامة في المشركين والمؤمنين، ومن بغي عليه وظلم، فجائز له أن ينتصف لنفسه، ويخون من خانه في المال حتى ينتصر منه، وقالوا إن الحديث: "ولا تخن من خانك" إنما هو في رجل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل يزني بحرمة من زنا بحرمته؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ذلك يريد به الزنا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وكذلك ورد الحديث في معنى الزنا، ذكر ذلك الرواة، أما إن عمومه ينسحب في كل شيء). [المحرر الوجيز: 7/ 523-524]

تفسير قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} قال الزجاج: سمى العقوبة باسم الذنب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا إذا أخذنا السيئة في حق الله تعالى بمعنى المعصية، وذلك أن المجازاة من الله تعالى ليست سيئة إلا إن سميت باسم موجبتها، وأما إن أخذنا السيئة بمعنى المصيبة في حق البشر، أي: يسوء هذا هذا، ويسوؤه الآخر، فلسنا نحتاج إلى أن نقول: "سمى العقوبة باسم الذنب"، بل الفعل الأول والآخر سيئة، وقال ابن أبي نجيح، والسدي: معنى الآية: أن الرجل إذا شتم بشتمة، فله أن يردها بعينها دون أن يتعدى، قال الحسن بن أبي الحسن: ما لم تكن حدا أو عوراء جدا). [المحرر الوجيز: 7/ 524]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (واللام في قوله: {ولمن انتصر} لام التقاء القسم، وقوله تعالى: {من سبيل}: يريد: من سبيل حرج ولا سبيل حكم، وهذا بلاغ في إباحة الانتصار والخلاف فيه، هل هو بين المؤمن والمشرك، أو بين المؤمنين على ما تقدم؟). [المحرر الوجيز: 7/ 524]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم * ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور * ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل * وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم}
المعنى: إنما سبيل الحكم والإثم على الذين يظلمون الناس، أي: الذين يضعون الأشياء غير مواضعها من القتل وأخذ المال والأذى باليد وباللسان، و"البغي بغير الحق" وهو نوع من أنواع الظلم خصه بالذكر تنبيها على شدته وسوء حال صاحبه، ثم توعدهم تعالى بالعذاب الأليم في الآخرة،
وقوله تعالى: {إنما السبيل} إلى قوله: {لهم عذاب أليم} اعتراض بين الكلامين، ثم عاد في قوله تعالى: {ولمن صبر} إلى الكلام الأول، كأنه تعالى قال: "ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ولمن صبر وغفر"، واللام في قوله تعالى: {ولمن صبر} يصح أن تكون لام القسم، ويصح أن تكون لام الابتداء. و"من" ابتداء، وخبره في قوله تعالى: {إن ذلك}. و"عزم الأمور": محكمها ومتقنها والحميد العاقبة منها.
ومن رأى أن هذه الآية هي فيما بين المؤمنين والمشركين وأن الضمير للمشركين كان أفضل، قال: إن الآية نسخت بآية السيف، ومن رأى أن الآية إنما هي بين المؤمنين، قال: هي محكمة، والصبر والغفران أفضل إجماعا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة نادى مناد، من كان له على الله أجر فليقم، فيقوم عنق من الناس كثير، فيقول: ما أجركم؟ فيقولون: نحن الذين عفونا عمن ظلمنا في الدنيا").[المحرر الوجيز: 7/ 524-525]

رد مع اقتباس