الموضوع: غير مصنف
عرض مشاركة واحدة
  #24  
قديم 14 رمضان 1438هـ/8-06-2017م, 07:15 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

من باب ما يقول إذا أصبح

قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ): (بسم الله الرحمن الرحيم
[قال الشيخ]: فهذا ما حضرني في تفسير الأسماء ومعانيها، ونحن نتبعه الآن: تفسير الدعوات المأثورة فصلا فصلا على نظم الكتاب وترتيبه، بعون الله وتوفيقه، [إن شاء الله، وهو المستعان].
من باب ما يقول إذا أصبح
[44] [قال]: إذا أصبحت فقل: «الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور» قال الشيخ: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «أحيانا بعدما أماتنا» مع إحاطة العلم منا أن الحياة في حالتي اليقظة والنوم قائمة غير زائلة، هو أنه جعل النوم الذي يكون معه زوال العقل، وسكون الحركات بمنزلة الموت الذي يكون به عدمها وبطلانها، وهذا على سبيل التشبيه، والتمثيل لا على وجه التحقيق. وقال بعض أهل اللغة أصل الموت في الكلام السكون
يقال: ماتت الريح إذا ركدت، وأنشد
يا ليت شعري هل تموت الريح
فأسكن اليوم وأستريح
ثم عقبه بقوله صلى الله عليه وسلم: «وإليه النشور» ليدل بإعادة اليقظة بعد النوم على إثبات البعث بعد الموت. والنشور مصدر، يقال: أنشر الله الميت [إنشارًا: إذا أحياه، فنشر الميت] نشورًا، فهو ناشر بلفظ فاعل. قال الأعشى:
حتى تقول الناس مما رأوا
يا عجبًا للميت الناشر
[45] [وقوله]: [وأصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: معنى الفطرة: ابتداء الخلقة، وهي إشارة إلى كلمة التوحيد حين أخذ الله العهد من ذرية آدم، [فقال]: {ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف: 172] وقد تكون الفطرة بمعنى السنة، ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم:
[46] «عشر من الفطرة فذكر السواك والمضمضة وأخواتها»[.
[47] وقوله صلى الله عليه وسلم: «نسألك من خير هذا اليوم وخير ما قبله وخير ما بعده ونعود بك من شر هذا اليوم وشر ما قبله وشر ما بعده». قد يسأل عن هذا فيقال: ما معنى استعاذته من سوء زمان قد مضى وقته وتقضى حكمه؟ والمعنى: أنه طلب عفو الله عن ذنب كان [قد] قارفه في أمسه. والوقت وإن كان قد مضى فإن تبعته باقية. ومعنى مسألته خير ما قبله: قبول الحسنة التي كان قدمها في أمسه. والزمان وإن كان فائتًا فإن الحسنة التي عملها فيه موجودة وبركتها مرجوة والخير والشر لا يتعلقان بأعيان الأيام، وإنما أضيفا إليها على معنى أنها أوقات وظروف لها يوجدان فيها بكسب الفاعلين لهما.
[48] وقوله: «وأعوذ بك من الكسل والهرم، وسوء الكبر»، الكسل: خصلة ذميمة تصد عن الحقوق، وتحرم صاحبها خير الدنيا والآخرة، وهو عدم انبعاث النفس للخير، وقلة الرغبة فيه مع وجود الاستطاعة له. والعجز: عدم القوة والاستطاعة له، والعاجز معذور، والكسلان غير معذور.
[49] وأخبرني أبو محمد [أحمد بن محمد] الكراني، قال: حدثنا عبد الله بن مسيب، قال: حدثنا زكريا بن يحيى المنقري، قال: حدثنا الأصمعي، قال: قال الأحنف بن قيس: «إياك والكسل والضجر؛ فإنك إن كسلت لم تطلب حقًا وإن ضجرت لم تؤد حقًا».
وأما سوء الكبر فإنما استعاذ بالله من آفات طول العمر، وما يجلبه الكبر من الخرف، وذهاب العقل وضعف القوى.
[50] وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما أنزل الله [من] داء إلا جعل له دواء إلا الهرم»، فجعل الهرم [داء من لا دواء له].
[51] [قال أبو سليمان]: وأخبرني إبراهيم بن عبد الرحيم العنبري، قال: حدثني ابن أبي قماش، قال: حدثنا ابن عائشة، قال: حدثنا حماد عن حميد عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو لم يكن لابن آدم إلا السلامة والصحة لكان كفى بهما داء قاضيًا» قال ابن عائشة: فحدثت به أبي فقال: يا بني ما علمت أن هذا خبرًا، وإنما كنت أعرف فيه قول حميد بن ثور:
أرى بصري قد رابني بعد صحة
وحسبك داء أن تصح وتسلما
وقد رواه بعضهم: من سوء الكبر، ساكنة الباء. من كبر النخوة. والصواب هو الأول.
[52] وقوله: «أعوذ بك من شر نفسي، وشر الشيطان وشركه» يروى هذا على وجهين. أحدهما: الشرك، بكسر الشين وسكون الراء، ومعناه: ما يدعو إليه الشيطان ويوسوس به من الإشراك بالله سبحانه. والوجه الآخر: وشركه، بفتح الشين والراء، يريد: حبائل الشيطان ومصايده.
[53] [وقوله]: «وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت» يحتمل وجهين مختلفي المحلين.
أحدهما: إني مقيم على ما عاهدتك عليه من الإيمان بك والاعتقاد لوحدانيتك لا أزول عنه ما استطعت، وإنما استثنى بقوله: ما استطعت موضع القدر السابق في أمره، يقول: إن كان قد تقدم القدر في أمري، وجرى القضاء بأني انقض العهد يوما ما، وأزول عنه فإني أفزع عند ذلك إلى التنصل، والاعتذار بعدم الاستطاعة لدفع ما قضيته علي والامتناع من وقوعه بي.
والوجه الآخر: أن يكون معناه: إني متمسك بما عهدته إلي من أمرك، ونهيك، ومبل العذر في الوفاء به قدر الوسع، والاستطاعة، وإن كنت لا أبلغ كنه الواجب من حقك ولا أفي بما يلزمني من مواجب طاعتك. ونظير هذا.
[18 مكرر] قوله صلى الله عليه وسلم: «استقيموا ولن تحصوا» أي: لن تطيقوا كل الاستقامة. أي: فاجتهدوا وأبلوا العذر فيما تطيقون منها.
[54] وقوله صلى الله عليه وسلم: «أبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي» معناه: التزام المنة بحق النعمة والاعتراف بالتقصير في شكرها واحتمال اللائمة فيه، وأصله من قولك: بؤت بكذا، إذا احتملته، ومنه قول الله سبحانه: {فباؤوا بغض من الله} [آل عمران: 112] قال [بعض] أهل التفسير، [معناه]: احتملوه ورجعوا به.
[55] وقوله: «اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي» أقسام الجهات ستة وكلها سبل للآفات، وطرق لها لا يؤمن ورودها منها، وقد روي عن غير واحد من أهل التفسير في قوله جل وعز: {ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين} [الأعراف: 17] قالوا: «من بين أيدهم»: الدنيا. «ومن خلفهم»: الآخرة. «وعن أيمانهم»: الحسنات. «وعن شمائلهم»: السيئات. والمعنى: أنه يزين: لهم الدنيا، ويثبطهم عن الآخرة، ويصدهم عن الحسنات، ويدعوهم إلى السيئات.
وأما جهة فوق: فمنها ينزل البلاء، والعذاب والصواعق.
ومن تحت: تقع الزلازل والخسف، وقد يكون معناه: أن يستدرج، فيؤتي من حيث لا يشعر؛ فيغتال، ويهلك.
[56] وأخبرني أبو عمر عن أبي العباس أحمد بن يحيي، قال: العرب تقول: «اللهم واقية كواقية الوليد». قال: وذلك أن الصبي قد يتعرض للآفات فيقيه الله، ويحفظه من غير حذر ولا اتقاء.
[57] وحدثني في إسناد له أن بعض الأنبياء صلوات الله عليهم كان يقول في دعائه: «اللهم احفظني حفظ الصبي» وهذا قد يكون من الوجه الذي ذكرناه، وهو ما يحدث عليه في الدنيا من آفاتها. وقد يتأول أيضًا على معنى طلب العصمة وأن يحفظ من الذنوب كما حفظ الصبي؛ فلم يكتب عليه ذنب.
والاغتيال: أن يؤتى المرء من حيث لا يشعر وأن يدهى بمكروه لم يرتقبه، ويقالك قتل فلان غيلة إذا ظفر به في حال غرة، وأوان غفلة فقتل. وأصل هذا من الغول، الذي يقال: إنها تغول الناس، وتضلهم، ويقال: الخمر غول العقل؛ وذلك أنها تذهب العقل، ومن هذا قولهم: غالت فلانا غائلة إذا أصابته داهية قال ذو الرمة:
فأيقن قلبي أنني لاحق أبي
وغائلتي غول الرجال الأوائل
يريد الموت.
[58] وقوله: «اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري. لا إله إلا أنت» قد تكون العافية في السمع والبصر بأن يسلما من الآفات، كالصمم والعمى، والرمد والأوجاع، [وتكون بمعنى السلامة مما يسوء السامع له والناظر إليه، وقد] تكون بمعنى العصمة من المآثم فلا ينظر بعينه إلى محظور ولا يصغي بأذنه إلى مكروه.
[59] وقوله: «لبيك اللهم لبيك وسعديك». لبيك: كلمة معناها سرعة الإجابة، وإظهار الطاعة. وقال النحويون: أصله مأخوذ من لب الرجل بالمكان، وألب به، إذا لزمه وأقام به؛ ومنه قول الشاعر:
لب بأرض ما تخطاها الغنم
أي: أقام بها. وأخبرني ابن مالك، قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم بن سعيد العبدي، قال: سمعت ابن عائشة يقول: دعا أعرابي غلامًا فه فأبطأ في الإجابة، ثم قال: لبيك. فقال: لب عمود جنبيك. دعا عليه بأن يضرب على جنبيه فيلزمهما العمود بالضرب، قالوا: وكان الأصل في لبى لبب فأبدلوا من إحدى الباءات ياء طلبًا للخفة كما قالوا: تقضي [البازي] [الطائر] من تقضض. وتظني من تظنن. كقول النابغة:
قواف كالسلام إذا استمرت
فليس يرد مذهبها التظني
قالوا: ومعنى التثنية فيه: التوكيد، كأنه قال: إلبابا ببابك بعد إلباب، ولزومًا لطاعتك بعد لزوم، وكذلك قوله: وسعديك، معناه: إسعادًا بعد إسعاد وطاعة لك بعد طاعة. كما قالوا: حنانيك، أي: تحننا بعد تحنن. وهذا ذيك، أي: هذا بعد هذ وأصل الهذ: الإسراع.
[60] وقوله: «اللهم ما قلت من قول أو حلفت من حلف أو نذرت من نذر فمشيئتك بين يدي ذلك كله». الصواب: أن تنصب المشيئة على إضمار فعل، كأنه قال: فإني أقدم مشيئتك في ذلك [كله] وأنوي الاستثناء فيه طرحًا للحنث عني عند وقوع الخلف. وفيه حجة لمن ذهب مذهب المكيين في جواز الاستثناء منفصلاً عن اليمين. ومما يحتجون به في ذلك.
[61] حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله لأغزون قريشا، والله لأغزون قريشا، والله لأغزون قريشًا». ثم سكت ساعة ثم قال: «إن شاء الله». أخبرناه ابن الأعرابي. قال: حدثنا الحسن بن مكرم، قال: حدثنا الحسن بن قتيبة، قال: حدثنا مسعر عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس. ومن رواه، بضم المشيئة كان معناه الاعتذار بسابق الأقدار العائقة عن الوفاء بما ألزمه نفسه منها وفيه طرف من مذهب الجبر، والأول أحسن وأصوب. والله تعالى أعلم).[شأن الدعاء: 114-131]


رد مع اقتباس