الموضوع: غير مصنف
عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 10 ربيع الثاني 1435هـ/10-02-2014م, 10:59 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات التدبير له دون ما سواه

قال أبو بكرٍ أحمدُ بنُ الحسينِ البيهقيُّ (ت: 458هـ) : (
باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات التدبير له دون ما سواه
قال الحليمي: فأول ذلك المدبر ومعناه مصرف الأمور على ما يوجب حسن عواقبها واشتقاقه من الدبر فكان المدبر هو الذي ينظر إلى دبر الأمور فيدخل فيه على علم به والله جل جلاله عالم بكل ما هو كائن قبل أن يكون، فلا يخفى عليه عواقب الأمور، وهذا الاسم فيما يؤثر عن نبينا صلى الله عليه وسلم، قد رويناه في حديث عبد العزيز بن الحصين وفي الكتاب} {يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه} ومنها القيوم قال الله تعالى: {الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم}.
ورويناه في خبر الأسامي
- وأخبرنا أبو عليٍّ الرّوذباريّ، أخبرنا أبو بكر بن داسة، حدّثنا أبو داود، حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثني حفص بن عمر الشّنّيّ، حدّثني أبي عمر بن مرّة، قال: سمعت بلال بن يسار بن زيدٍ مولى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: سمعت أبي يحدّثنيه، عن جدّي، أنّه سمع
[الأسماء والصفات: 1/128]
النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: من قال: أستغفر اللّه الّذي لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان فرّ من الزّحف "
[الأسماء والصفات: 1/129]
[الأسماء والصفات: 1/130]
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن، حدّثنا إبراهيم بن الحسين، حدّثنا آدم، حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: {القيوم} يعني القائم على كل شيء.
قال الحليمي في معنى القيوم: إنه القائم على كل شيء من خلقه يدبره بما يريد جل وعلا، وقال الخطابي: القيوم القائم الدائم بلا زوال، ووزنه فيعول من القيام وهو نعت المبالغة وفي القيام على كل شيء ويقال: هو القيم على كل شيء بالرعاية له قلت: رأيت في عيون التفسير لإسماعيل الضرير- رحمه الله- في تفسير القيوم، قال: ويقال: إنه الذي لا ينام، وكأنه أخذه من قوله عز وجل عقيبه في آية الكرسي: {لا تأخذه سنة ولا نوم}
[الأسماء والصفات: 1/131]
- أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، أخبرنا أبو الحسن الطرائفي، حدّثنا عثمان بن سعيد، حدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}، قال: السنة هو النعاس، والنوم هو النوم
- أخبرنا محمّد بن عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا محمّد بن إسحاق الصّاغانيّ، حدّثنا عاصم بن عليٍّ، حدّثنا المسعوديّ، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، قال: إنّ موسى عليه السّلام قال له قومه: أينام ربّنا؟ قال: اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين، فأوحى اللّه عزّ وجلّ إلى موسى أن خذ قارورتين واملأهما ماءً، ففعل فنعس، فنام فسقطتا من يده، فانكسرتا، فأوحى اللّه عزّ وجلّ إلى موسى عليه السّلام إنّي أمسك السّماوات والأرض أن تزولا، ولو نمت لزالتا
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو العبّاس، حدّثنا محمّد بن إسحاق، حدّثنا
[الأسماء والصفات: 1/132]
يحيى بن معينٍ (ح) وأخبرنا أبو جعفرٍ العزائميّ، أخبرنا بشر بن أحمد، حدّثنا عبد الله بن محمّد بن ناجية، حدّثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، حدّثنا هشام بن يوسف، عن أميّة بن شبلٍ، قال: أخبرني الحكم بن أبان، عن عكرمة، قال أبو عبد الله، عن أبي هريرة، وقال العزائميّ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يحكي عن موسى على المنبر قال: وقع في نفس موسى عليه السّلام هل ينام اللّه تعالى؟ فبعث اللّه عزّ وجلّ إليه ملكًا، فأرّقه ثلاثًا، ثمّ أعطاه قارورتين في كلّ يدٍ قارورةٌ، وأمره أن يحتفظ بهما، فجعل ينام وتكاد يداه أن تلتقيا، ثمّ يستيقظ فينحّي إحداهما عن الأخرى حتّى
[الأسماء والصفات: 1/133]
نام نومةً، فاصطكّت يداه فانكسرتا وقال العزائميّ: فاصطفقت يداه وانكفأت القارورتان، فضرب له مثلا أنّ اللّه سبحانه وتعالى لو كان ينام لم تستمسك السّموات والأرض متن الإسناد الأوّل أشبه أن يكون هو المحفوظ.
ومنها الرّحمن الرّحيم:
قال اللّه عزّ وجلّ: الرّحمن علّم القرآن، خلق الإنسان علّمه البيان، وقال جلّ وعلا: قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن، وقال تبارك وتعالى: وكان بالمؤمنين رحيمًا، وقال جلّ جلاله في فاتحة الكتاب: الرّحمن الرّحيم وقال تعالى: تنزيلٌ من الرّحمن الرّحيم، وقال جلّت قدرته في فواتح السّور غير التّوبة: بسم الله الرّحمن الرّحيم
- أخبرنا أبو طاهرٍ الفقيه، أخبرنا أبو حامد بن بلالٍ، حدّثنا يحيى بن الرّبيع المكّيّ، حدّثنا سفيان، حدّثني العلاء بن عبد الرّحمن بن يعقوب، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه
[الأسماء والصفات: 1/134]
عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: قال اللّه عزّ وجلّ: قسمت الصّلاة بيني وبين عبدي، فإذا قال: الحمد للّه ربّ العالمين قال: حمدني عبدي، وإذا قال: الرّحمن الرّحيم قال: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدّين قال: مجّدني عبدي أو قال: فوّض إليّ عبدي وإذا قال: إيّاك نعبد وإيّاك نستعين قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، وإذا قال: اهدنا الصّراط المستقيم صراط الّذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين قال: هذه لك.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن إسحاق بن إبراهيم، عن سفيان
قال الحليميّ في معنى الرّحمن: إنه المزيح للعلل، وذلك أنّه لمّا أراد من الجنّ والإنس أن يعبدوه، ويعني لمّا أراد أن يأمر من شاء منهم بعبادته عرّفهم وجوه العبادات، وبيّن لهم حدودها وشروطها، وخلق لهم مدارك ومشاعر، وقوًى وجوارح، فخاطبهم وكلّفهم وبشّرهم وأنذرهم، وأمهلهم وحمّلهم دون ما تتّسع له بنيتهم، فصارت العلل مزاحةً، وحجج العصاة والمقصّرين منقطعةٌ وقال في معنى الرّحيم: إنّه المثيب على العمل فلا يضيع لعاملٍ عملا، ولا يهدر لساعٍ سعيا، وينيله بفضل رحمته من الثّواب أضعاف عمله.
وقال أبو سليمان الخطّابيّ فيما أخبرت عنه: اختلف النّاس في تفسير الرّحمن ومعناه وهل هو مشتقٌّ من الرّحمة أم لا؟ فذهب بعضهم إلى أنّه غير مشتقٍّ لأنّه لو كان مشتقًّا من الرّحمة
[الأسماء والصفات: 1/135]
لاتّصل بذكر المرحوم، فجاز أن يقال: اللّه رحمن بعباده، كما يقال: رحيمٌ بعباده، ولأنّه لو كان مشتقًّا من الرّحمة لأنكرته العرب حين سمعوه إذ كانوا لا ينكرون رحمة ربّهم: وقد قال اللّه عزّ وجلّ: وإذا قيل لهم اسجدوا للرّحمن قالوا وما الرّحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورًا.
وزعم بعضهم أنّه اسمٌ عبرانيٌّ، وذهب الجمهور من النّاس إلى أنّه اسمٌ مشتقٌّ من الرّحمة مبنيٌّ على المبالغة، ومعناه ذو الرّحمة لا نظير له فيها، ولذلك لا يثنّى ولا يجمع، كما يثنّى الرّحيم ويجمع، وبناء فعلان في كلامهم بناء المبالغة يقال لشديد الامتلاء ملآن، ولشديد الشّبع شبعان، والّذي يدلّ على صحّة مذهب الاشتقاق في هذا الاسم حديث عبد الرّحمن بن عوفٍ رضي اللّه عنه، يعني ما
- أخبرنا أبو محمّدٍ عبد الله بن يوسف الأصبهانيّ، أخبرنا أبو بكرٍ محمّد بن الحسين القطّان، أخبرنا أحمد بن يوسف السّلميّ، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن، قال: إنّ أبا الرّدّاد اللّيثيّ أخبره، عن عبد الرّحمن بن عوفٍ رضي اللّه عنه، أنّه سمع رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: قال اللّه عزّ وجلّ: أنا الرّحمن خلقت الرّحم وشققت لها اسمًا من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته
[الأسماء والصفات: 1/136]
قال الخطّابيّ: فالرّحمن ذو الرّحمة الشّاملة الّتي وسعت الخلق في أرزاقهم وأسباب معايشهم ومصالحهم، وعمّت المؤمن والكافر، والصّالح والطّالح، وأمّا الرّحيم فخاصٌّ للمؤمنين كقوله: وكان بالمؤمنين رحيمًا، قال: والرّحيم وزنه فعيلٌ بمعنى فاعلٌ، أي راحمٌ، وبناء فعيلٍ أيضًا للمبالغة كعالمٍ وعليمٍ، وقادرٌ وقديرٌ وكان أبو عبيدة يقول: تقدير هذين الاسمين تقدير ندمان ونديمٍ من المنادمة.
[الأسماء والصفات: 1/137]
قال أبو سليمان: وجاء في الأثر أنّهما اسمان رقيقان أحدهما أرقّ من الآخر، يعني بذلك ما
[الأسماء والصفات: 1/138]
- أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محبور الدهان أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد بن هارون النيسابوري، أخبرنا أحمد بن محمد بن نصر اللباد، أخبرنا يوسف بن بلال، حدّثنا محمد بن مروان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، رضي الله عنهما قال: الرحمن وهو الرقيق، الرحيم، وهو العاطف على خلقه بالرزق، وهما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر
- وأخبرنا الإمام أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم، أخبرنا عبد الخالق بن الحسن السقطي، حدّثنا عبد الله بن ثابت بن يعقوب، قال: أخبرني أبي، عن الهذيل بن حبيب، عن مقاتل بن سليمان، عمن يروي تفسيره عنه من التابعين قال: الرحمن.
[الأسماء والصفات: 1/139]
الرحيم اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر الرحمن يعني المترحم، الرحيم يعني المتعطف بالرحمة على خلقه قال أبو سليمان: وهذا مشكل، لأن الرقة لا مدخل لها في شيء من صفات الله سبحانه، ومعنى الرقيق ها هنا اللطيف، يقال: أحدهما ألطف من الآخر، ومعنى اللطف في هذا الغموض دون الصغر الذي هو نعت الأجسام، وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسر يحكي عن الحسين بن الفضل البجلي أنه قال: هذا وهم من الراوي، لأن الرقة ليست من صفات الله عز وجل في شيء، وإنما هما اسمان رفيقان أحدهما أرفق من الآخر، والرفق من صفات الله تعالى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف
- أخبرنا أبو طاهرٍ الفقيه، أخبرنا أبو بكرٍ محمّد بن الحسين القطّان، حدّثنا عليّ بن الحسن الهلاليّ، حدّثنا حجّاج بن منهالٍ، حدّثنا حمّادٌ، عن يونس، وحميدٍ، عن الحسن، عن
[الأسماء والصفات: 1/140]
عبد الله بن مغفّلٍ رضي اللّه عنه، قال: إنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: إنّ اللّه رفيقٌ يحبّ الرّفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا إسماعيل بن أحمد، أخبرنا محمّد بن الحسن بن قتيبة، حدّثنا حرملة بن يحيى، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني حيوة بن شريحٍ، حدّثني ابن الهاد، عن أبي بكر بن عمرو بن حزمٍ، عن عمرة بنت عبد الرّحمن، عن عائشة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قالت: إنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال لي: يا عائشة، إنّ اللّه رفيقٌ يحبّ الرّفق، ويعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه.
ورواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن حرملة وقوله: إنّ اللّه رفيقٌ معناه ليس بعجولٍ، وإنّما يعجل من يخاف الفوت، فأمّا من كانت الأشياء في قبضته وملكه، فليس يعجل فيها وأمّا قوله يحبّ الرّفق أي يحبّ ترك العجلة في الأعمال والأمور، سمعت أبا القاسم الحسن بن محمّد بن حبيبٍ المفسّر يحكي، عن عبد الرّحمن بن يحيى أنّه، قال: الرّحمن خاصٌّ في التّسمية عامٌّ في الفعل والرّحيم عامٌّ في التّسمية خاصٌّ في الفعل
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو زكريا العنبري، حدّثنا محمد بن عبد السلام، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، حدّثنا وكيع، ويحيى بن آدم، قالا: حدّثنا إسرائيل، عن سماك بن
[الأسماء والصفات: 1/141]
حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله تعالى: {هل تعلم له سميا} قال: لم يسم أحد الرحمن غيره ومنها الحليم قال الله عز وجل: {وإن الله لعليم حليم}.ورويناه في خبر الأسامي
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرٍو، قالا: حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا أحمد بن عبد الحميد، حدّثنا أبو أسامة، عن أسامة، عن محمّد بن كعبٍ، عن عبد الله بن شدّادٍ، عن عبد الله بن جعفرٍ، قال: علّمني عليٌّ رضي اللّه عنه كلماتٍ علّمهنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم إيّاه يقولهنّ في الكرب والشّيء يصيبه: لا إله إلاّ اللّه الحليم الكريم، سبحان الله وتبارك اللّه ربّ العرش العظيم، والحمد للّه ربّ العالمين
قال الحليميّ في معنى الحليم: إنّه الّذي لا يحبس إنعامه وأفضاله عن عباده
[الأسماء والصفات: 1/142]
لأجل ذنوبهم، ولكنّه يرزق العاصي كما يرزق المطيع، ويبقيه وهو منهمكٌ في معاصيه كما يبقي البرّ التّقيّ، وقد يقيه الآفات والبلايا وهو غافلٌ لا يذكره فضلا عن أن يدعوه كما يقيها النّاسك الّذي يسأله، وربّما شغلته العبادة عن المسألة.
قال أبو سليمان: هو ذو الصّفح والأناة الّذي لا يستفزّه غضبٌ، ولا يستخفّه جهل جاهلٍ، ولا عصيان عاصٍ، ولا يستحقّ الصّافح مع العجز اسم الحليم، وإنّما الحليم هو الصّفوح مع القدرة، المتأنّي الّذي لا يعجّل بالعقوبة.
ومنها الكريم:
قال اللّه جلّ ثناؤه: ما غرّك بربّك الكريم.
وروّيناه في خبر الأسامي
- وأخبرنا أبو محمّدٍ عبد الله بن يوسف، أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابيّ، حدّثنا أبو أسامة الكلبيّ، حدّثنا أحمد بن يونس، حدّثنا فضيل بن عياضٍ، عن الصّنعانيّ، محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ، عن أبي حازمٍ، عن سهل بن سعدٍ السّاعديّ رضي اللّه عنه، قال: قال
[الأسماء والصفات: 1/143]
رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه عزّ اسمه كريمٌ يحبّ مكارم الأخلاق ويبغض سفسافها
- وأخبرنا أبو محمّد بن يوسف، أخبرنا أبو سعيدٍ، حدّثنا الرّماديّ، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن أبي حازمٍ، عن طلحة بن كريزٍ الخزاعيّ، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه تعالى كريمٌ يحبّ معالي الأخلاق ويكره سفسافها هذا منقطعٌ وكذا رواه سفيان الثّوريّ عن أبي حازمٍ.
[الأسماء والصفات: 1/144]
قال الحليميّ في معنى الكريم: إنّه النّفّاع من قولهم: شاةٌ كريمةٌ إذا كانت غزيرة اللّبن تدرّ على الحالب ولا تقلص بأخلافها، ولا تحبس لبنها، ولا شكّ في كثرة المنافع الّتي منّ اللّه عزّ وجلّ بها على عباده ابتداءً منه وتفضّلا، فهو باسم الكريم أحقّ.
قال أبو سليمان: من كرم الله سبحانه وتعالى وتعالى أنّه يبتدئ بالنّعمة من غير استحقاقٍ، ويتبرّع بالإحسان من غير استثابةٍ، ويغفر الذّنب ويعفو عن المسيء، ويقول الدّاعي في دعائه: يا كريم العفو
- أخبرنا أبو نصر بن قتادة، قال: قرئ على أبي الفضل أحمد بن محمّدٍ السّلميّ الهرويّ، حدّثكم محمّد بن عبد الرّحمن السّاميّ، حدّثنا خالد بن الهيّاج، عن أبيه، عن ليث بن أبي سليمٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: جاء جبريل عليه الصّلاة والسّلام إلى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم في أحسن صورةٍ رآه ضاحكًا مستبشرًا لم ير مثل ذلك، فقال: السّلام عليك يا محمّد قال: وعليك السّلام يا جبريل، قال: يا محمّد، إنّ اللّه تعالى أرسلني إليك بهديّةٍ لم يعطها أحدًا قبلك، وإنّ اللّه تعالى
[الأسماء والصفات: 1/145]
أكرمك، قال: فما هي يا جبريل؟ قال: كلماتٌ من كنوز عرشه قال: قل يا من أظهر الجميل وستر القبيح، يا من لم يؤاخذ بالجريرة، ولم يهتك السّتر، يا عظيم العفو، يا حسن التّجاوز، يا واسع المغفرة، ويا باسط اليدين بالرّحمة، يا منتهى كلّ شكوى، ويا صاحب كلّ نجوى، يا كريم الصّفح، ويا عظيم المنّ، ويا مبدئ النّعم قبل استحقاقها، يا ربّاه ويا سيّداه ويا أملاه ويا غاية رغبتاه، أسألك بك أن لا تشوي خلقي بالنّار ثمّ ذكر الحديث في ثواب هؤلاء الكلمات، وقد روّيناه من حديث عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو دعاءٌ حسنٌ، وفي صحّته عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، نظرٌ.
قال أبو سليمان: وقيل إنّ من كرم عفوه أنّ العبد إذا تاب عن السّيّئة
[الأسماء والصفات: 1/146]
محاها عنه وكتب له مكانها حسنةً قلت: وفي كتاب الله تعالى: إلاّ من تاب وآمن وعمل عملا صالحًا فأولئك يبدّل اللّه سيّئاتهم حسناتٍ وكان اللّه غفورًا رحيمًا، وقد ثبت عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الإخبار عن كرم عفو الله ما هو أبلغ من ذلك وهو فيما
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا الحسن بن عليّ بن عفّان العامريّ، حدّثنا عبد الله بن نميرٍ، عن الأعمش، عن المعرور بن سويدٍ، عن أبي ذرٍّ رضي اللّه عنه قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّي لأعلم آخر أهل الجنّة دخولا الجنّة، وآخر أهل النّار خروجًا منها: رجلٌ يؤتى به فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه يعني وارفعوا عنه كبارها، فيعرض عليه صغار ذنوبه، فيقال: عملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا وعملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا؟ فيقول: نعم، لا يستطيع أن ينكر، وهو مشفقٌ من كبار ذنوبه أن تعرض عليه، قال: فيقال: فإنّ لك مكان كلّ سيّئةٍ حسنةً قال: فيقول: ربّ قد عملت أشياء ما أراها ها هنا قال: فلقد رأيت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم ضحك حتّى بدت نواجذه.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن محمّد بن عبد الله بن نميرٍ، عن أبيه.
[الأسماء والصفات: 1/147]
ومنها الأكرم:
قال اللّه عزّ وجلّ: وربّك الأكرم.
وروّيناه في خبر الأسامي، عن عبد العزيز بن الحصين.
قال أبو سليمان: هو أكرم الأكرمين، لا يوازيه كريمٌ، ولا يعادله فيه نظيرٌ، وقد يكون الأكرم بمعنى الكريم، كما جاء الأعزّ بمعنى العزيز، ومنها الصّبور وذلك ممّا ورد في خبر الأسامي
قال الحليميّ: ومعناه الّذي لا يعاجل بالعقوبة وهذه صفة ربّنا جلّ ثناؤه، لأنّه يملي ويمهل وينظر ولا يعجّل.
ومنها العفوّ:
قال اللّه عزّ وجلّ: إنّ اللّه لعفوٌّ غفورٌ.
وروّيناه في خبر الأسامي
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرٍو، قالا: حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا الحسن بن عليّ بن عفّان، حدّثنا عمرو بن العنقزيّ، عن سفيان،
[الأسماء والصفات: 1/148]
عن الجريريّ، عن ابن بريدة، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: قلت: يا رسول الله إن أنا وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال: قولي: اللّهمّ إنّك عفوٌّ تحبّ العفو فاعف عنّي أو اعف عنّا.
قال الحليميّ في معنى العفوّ: إنّه الواضع عن عباده تبعات خطاياهم وآثامهم، فلا يستوفيها منهم، وذلك إذا تابوا واستغفروا، أو تركوا لوجهه أعظم ما فعلوا ليكفّر عنهم ما فعلوا بما تركوا، أو بشفاعة من يشفع لهم، أو يجعل ذلك كرامةً لذي حرمةٍ لهم به وجزاءً له بعمله.
قال أبو سليمان: العفوّ وزنه فعولٌ من العفو وهو بناء المبالغة، والعفو الصّفح عن الذّنب، وقيل: إنّ العفو مأخوذٌ من عفت الرّيح الأثر إذا درسته، فكأنّ العافي عن الذّنب يمحوه بصفحه عنه.
ومنها الغافر:
قال اللّه جلّ ثناؤه: غافر الذّنب وقابل التّوب
قال الحليميّ: وهو الّذي يستر على المذنب ولا يؤاخذه به، فيشهّره ويفضحه
[الأسماء والصفات: 1/149]
- أخبرنا أبو الحسين بن بشران، ببغداد، أخبرنا إسماعيل بن محمّدٍ الصّفّار، حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصمّ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: والّذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب اللّه بكم، ولجاء اللّه بقومٍ يذنبون، فيستغفرون اللّه تعالى فيغفر لهم.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن محمّد بن رافعٍ، عن عبد الرّزّاق.
وأخرجه أيضًا من حديث أبي أيّوب الأنصاريّ سماعًا من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
ومنها الغفّار:
قال اللّه جلّ ثناؤه: {ألا هو العزيز الغفّار}.
وروّيناه في خبر الأسامي، وفي حديث عائشة رضي اللّه عنها
قال الحليميّ: وهو المبالغ في السّتر، فلا يشهّر الذّنب لا في الدّنيا ولا في الآخرة
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو بكر بن إسحاق، أخبرنا محمّد بن أيّوب، أخبرنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا همّامٌ، حدّثنا قتادة، عن صفوان بن محرزٍ قال: بينا أنا أمشي مع ابن عمر آخذٌ بيده إذ عرض له رجلٌ فقال: كيف سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول في النّجوى يوم القيامة؟ قال: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: إنّ اللّه عزّ وجلّ يدني منه
[الأسماء والصفات: 1/150]
المؤمن، فيضع عليه كنفه ويستره من النّاس، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي ربّ، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي ربّ، حتّى إذا قرّره بذنوبه ورأى في نفسه أنّه قد هلك، قال: فإنّي قد سترتها عليك في الدّنيا وأنا أغفرها لك اليوم، قال: فيعطى كتاب حسناته، وقال: وأمّا الكفّار والمنافقون فيقول الأشهاد: هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة الله على الظّالمين.
رواه البخاريّ في "الصّحيح"، عن موسى بن إسماعيل، وجهٍ آخر، عن قتادة وقوله في الحديث يدني منه المؤمن المؤمن يريد به يقرّبه من كراماته وقوله: فيضع عليه كنفه يريد به عطفه ورأفته ورعايته واللّه أعلم.
ومنها الغفور:
قال اللّه جلّ ثناؤه: أنّي أنا الغفور الرّحيم.
وروّيناه في خبر الأسامي
[الأسماء والصفات: 1/151]
- وأخبرنا عليّ بن أحمد بن عبدان، أخبرنا أحمد بن عبيدٍ الصّفّار، حدّثنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان، حدّثنا يحيى، هو ابن بكيرٍ، حدّثنا اللّيث، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن أبي الخير، عن عبد الله بن عمرٍو، عن أبي بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه تعالى عنهم أنّه قال لرسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: علّمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: قل: اللّهمّ إنّي ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذّنوب إلاّ أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني، إنّك أنت الغفور الرّحيم.
رواه البخاريّ ومسلمٌ في "الصّحيح"، عن قتيبة وغيره، عن اللّيث بن سعدٍ
قال الحليميّ وهو الّذي يكثر منه الستر على المذنبين من عباده، ويزيد عفوه على مؤاخذته
[الأسماء والصفات: 1/152]
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو بكر بن إسحاق، أخبرنا محمّد بن غالبٍ، ومحمّد بن أيّوب، ويوسف بن يعقوب، قال ابن أيّوب: أنا، وقالا حدّثنا أبو الوليد الطّيالسيّ، حدّثنا همّام بن يحيى، قال: سمعت إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، يقول: سمعت عبد الرّحمن بن أبي عمرة، يقول: سمعت أبا هريرة رضي اللّه عنه، يقول: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: إنّ عبدًا أصاب ذنبًا فقال: يا ربّ إنّي أذنبت ذنبًا فاغفره لي، فقال ربّه: علم عبدي أنّ له ربًّا يغفر الذّنب ويأخذ به، فغفر له، ثمّ مكث ما شاء اللّه، ثمّ أصاب ذنبًا آخر، وربّما قال: ثمّ أذنب ذنبًا آخر، فقال: يا ربّ إنّي أذنبت ذنبًا آخر فاغفره لي، فقال ربّه: علم عبدي أنّ له ربًّا يغفر الذّنب ويأخذ به، فغفر له ثمّ مكث ما شاء اللّه، ثمّ أصاب ذنبًا آخر وربّما قال: ثمّ أذنب ذنبًا آخر، فقال: يا ربّ إنّي أذنبت ذنبًا آخر فاغفره لي، فقال ربّه: علم عبدي أنّ له ربًّا يغفر الذّنب ويأخذ به فقال ربّه: غفرت لعبدي فليعمل ما شاء
رواه مسلمٌ في الصّحيح
[الأسماء والصفات: 1/153]
عن عبد بن حميدٍ، عن أبي الوليد
وأخرجه البخاريّ من وجهٍ آخر، عن همّامٍ.
ومنها " الرّؤوف ":
قال اللّه عزّ وجلّ: {إنّ ربّكم لرؤوفٌ رحيمٌ}.
وروّيناه في خبر الأسامي
قال الحليميّ: ومعناه المساهل عباده لأنّه لم يحمّلهم، يعني، من العبادات ما لا يطيقون يعني بزمانةٍ، أو علّةٍ أو ضعفٍ، بل حمّلهم أقلّ ممّا يطيقونه بدرجاتٍ كثيرةٍ، ومع ذلك غلّظ فرائضه في حال شدّة القوّة، وخفّفها في حال الضّعف ونقصان القوّة، وأخذ المقيم بما لم يأخذ به المسافر، والصّحيح بما لم يأخذ به المريض، وهذا كلّه رأفةٌ ورحمةٌ.
قال الخطّابيّ: وقد تكون الرّحمة في الكراهة للمصلحة، ولا تكاد الرّأفة تكون في الكراهة.
ومنها " الصّمد ":
قال اللّه عزّ وجلّ: {قل هو اللّه أحدٌ اللّه الصّمد}.
وروّيناه في خبر الأسامي.
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا عبد الصّمد بن عليّ بن مكرمٍ البزّاز، ببغداد، حدّثنا جعفر بن محمّد بن شاكرٍ، حدّثنا أبو معمرٍ عبد الله بن عمرٍو، حدّثنا عبد الوارث بن سعيدٍ، حدّثنا حسينٌ المعلّم، عن ابن بريدة، عن حنظلة بن عليٍّ، أنّ محجن بن الأدرع حدّثه، قال: دخل رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم المسجد، فإذا برجلٍ قد صلّى صلاته وهو يتشهّد ويقول: اللّهمّ إنّي أسألك يا اللّه الأحد الصّمد الّذي لم يلد ولم يولد ولم
[الأسماء والصفات: 1/154]
يكن له كفوًا أحدٌ، أن تغفر لي ذنوبي إنّك أنت الغفور الرّحيم قال: فقال: قد غفر له، قد غفر له، قد غفر له، قد غفر له.
رواه أبو داود في السّنن، عن أبي معمرٍ.
قال الحليميّ: معناه المصمود بالحوائج أي المقصود بها، وقد يقال ذلك على معنى معنى أنّه المستحقّ لأن يقصد بها، ثمّ لا يبطل هذا الاستحقاق ولا تزول هذه الصّفة بذهاب من يذهب عن الحقّ، ويضلّ السّبيل، لأنّه إذا كان هو الخالق والمدبّر لما خلق لا خالق غيره ولا مدبّر سواه، فالذّهاب عن قصده بالحاجة، وهي بالحقيقة واقعةٌ إليه ولا قاضي لها غيره، جهلٌ وحمقٌ، والجهل باللّه تعالى جدّه كفرٌ
[الأسماء والصفات: 1/155]
- أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي، حدّثنا عثمان بن سعيد الدارمي، حدّثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله: {الصمد} قال: السيد الذي كمل في سؤدده والشريف الذي كمل في شرفه والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغني الذي قد كمل في غناه، والجبار الذي قد كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمه، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد وهو الله عز وجل هذه صفته لا تنبغي إلا له ليس له كفو، وليس كمثله شيء، فسبحان الله الواحد القهار
[الأسماء والصفات: 1/156]
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدّثنا محمد بن إسحاق الصاغاني، حدّثنا يعلى بن عبيد، حدّثنا الأعمش، عن شقيق، في قوله عز وجل: {الصمد} قال: هو السيد إذا انتهى سؤدده
- وأخبرنا أبو عبد الله حدّثنا أبو العباس، حدّثنا محمد بن إسحاق حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا سلمة بن سابور، عن عطية، عن ابن عباس، رضي الله عنهما قال: الصمد الذي لا جوف له وروينا هذا القول عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ومجاهد، والحسن والسدي والضحاك وغيرهم، وروي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، يشك راويه في رفعه
[الأسماء والصفات: 1/157]
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ومحمد بن موسى بن الفضل، قالا: حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدّثنا محمد بن إسحاق، حدّثنا محمد بن بكار، حدّثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب، في قول الله عز وجل: {الله الصمد} قال: لو سكت عنها لتبخص لها رجال فقالوا: ما الصمد؟ فأخبرهم أن الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وروينا عن عكرمة في تفسير الصمد قريبا من هذا
- وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو العباس، حدّثنا محمد، حدّثنا عثمان بن عمر، أخبرنا شعبة، عن أبي رجاء، أن الحسن، قال: الصمد الذي لا يخرج منه شيء
[الأسماء والصفات: 1/158]
- وأخبرنا أبو نصر بن قتادة، أخبرنا أبو منصور النضروي، حدّثنا أحمد بن نجدة، حدّثنا سعيد بن منصور، حدّثنا هشيم، أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، قال: أخبرت أنه الذي لا يأكل ولا يشرب
- أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، ومحمد بن موسى، قالا: حدّثنا أبو العباس هو الأصم حدّثنا الصاغاني، حدّثنا أبو سليمان الأشقر، حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، قال: {الصمد} الباقي بعد خلقه
[الأسماء والصفات: 1/159]
وقال أبو سليمان فيما أخبرت عنه: الصمد السيد الذي يصمد إليه في الأمور ويقصد إليه في الحوائج والنوازل، وأصل الصمد القصد، يقال للرجل: اصمد صمد فلان أي اقصد قصده، وأصح ما قيل فيه ما يشهد له معنى الاشتقاق ومنها الحميد
قال الله جل ثناؤه: {إن الله هو الغني الحميد}.
ورويناه في خبر الأسامي.
قال الحليمي: هو المستحق لأن يحمد لأنه جل ثناؤه بدأ فأوجد، ثم جمع بين النعمتين الجليلتين الحياة والعقل، ووالى بعد منحه، وتابع آلاءه ومننه، حتى فاتت العد، وإن استفرغ فيها الجهد، فمن ذا الذي يستحق الحمد سواه؟ بل له الحمد كله لا لغيره، كما أن المن منه لا من غيره، قال الخطابي: هو المحمود الذي استحق الحمد بفعاله، وهو فعيل بمعنى مفعول، وهو الذي يحمد في السراء والضراء، وفي الشدة والرخاء، لأنه حكيم لا يجري في أفعاله الغلط ولا يعترضه الخطأ فهو محمود على كل حال ومنها القاضي قال الله عز وجل: {والله يقضي بالحق}
[الأسماء والصفات: 1/160]
- أخبرنا أبو نصر بن قتادة، حدّثنا أبو الحسن محمّد بن الحسن بن الحسين بن منصورٍ التّاجر، أخبرنا أبو بكرٍ محمّد بن يحيى بن سليمان، حدّثنا عاصم بن عليّ بن عاصمٍ، حدّثنا قيس بن الرّبيع، عن ابن أبي ليلى، عن داود بن عليٍّ، عن أبيه، عن عبد الله بن عبّاسٍ رضي اللّه عنه، قال: بعثني العبّاس رضي اللّه عنه إلى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، فأتيته ممسيًا وهو في بيت خالتي ميمونة، قال: فقام رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي من اللّيل، فلمّا
[الأسماء والصفات: 1/161]
صلّى الرّكعتين قبل الفجر قال: اللّهمّ إنّي أسألك رحمةً من عندك تهدي بها قلبي، وتجمع بها شملي وتلمّ بها شعثي، وتردّ بها ألفتي وتصلح بها ديني، وتحفظ بها غائبي، وترفع بها شاهدي، وتزكّي بها عملي، وتبيّض بها وجهي، وتلهمني بها رشدي، وتعصمني بها من كلّ سوءٍ، اللّهمّ أعطني إيمانًا صادقًا، ويقينًا ليس بعده كفرٌ، ورحمةً أنال بها شرف كرامتك في الدّنيا والآخرة، اللّهمّ إنّي أسألك الفوز عند القضاء، ونزل الشّهداء، وعيش السّعداء، ومرافقة الأنبياء، والنّصر على الأعداء، اللّهمّ إنّي أنزل بك حاجتي وإن قصر رأيي وضعف عملي وافتقرت إلى رحمتك، فأسألك يا قاضي الأمور، ويا شافي الصّدور، كما تجير بين البحور أن تجيرني من عذاب السّعير، ومن دعوة الثّبور، ومن فتنة القبور، اللّهمّ ما قصر عنه رأيي وضعف عنه عملي ولن تبلغه نيّتي أو أمنيتي، شكّ عاصمٌ، من خيرٍ وعدته أحدًا من عبادك، أو خيرٍ أنت معطيه أحدًا من خلقك، فإنّي أرغب إليك فيه وأسألك يا ربّ العالمين.
[الأسماء والصفات: 1/162]
اللّهمّ اجعلنا هادين مهديّين غير ضالّين ولا مضلّين، حربًا لأعدائك، سلمًا لأوليائك، نحبّ بحبّك النّاس، ونعادي بعداوتك من خالفك من خلقك، اللّهمّ هذا الدّعاء وعليك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التّكلان، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه، اللّهمّ ذا الحبل الشّديد، والأمر الرّشيد، أسألك الأمن يوم الوعيد والجنّة يوم الخلود مع المقرّبين الشّهود والرّكّع السّجود، الموفين بالعهود، إنّك رحيمٌ ودودٌ، وأنت تفعل ما تريد، سبحان الّذي يعطف بالعزّ وقال به، سبحان الّذي لبس المجد وتكرّم به، سبحان الّذي لا ينبغي التّسبيح إلاّ له، سبحان ذي الفضل والنّعم، سبحان ذي القدرة والكرم، سبحان الّذي أحصى كلّ شيءٍ بعلمه، اللّهمّ اجعل لي نورًا في قلبي، ونورًا في قبري، ونورًا في سمعي، ونورًا في بصري، ونورًا في شعري، ونورًا في بشري، ونورًا في لحمي، ونورًا في دمي، ونورًا في عظامي، ونورًا من بين يديّ، ونورًا من خلفي، ونورًا عن يميني، ونورًا عن شمالي، ونورًا من فوقي، ونورًا من تحتي، اللّهمّ زدني نورًا، وأعطني نورًا، واجعل لي نورًا هذا الحديث يشتمل على عدد أسماء الله تعالى وصفاتٍ له، منها: القاضي.
قال الحليميّ: ومعناه الملزم حكمه، وبيان ذلك أنّ الحاكم من العباد لا يقول إلاّ ما يقول المفتي، غير أنّ الفتيا لمّا كانت لا تلزم لزوم الحكم، والحكم يلزم، سمّي الحاكم قاضيًا ولم يسمّ المفتي قاضيًا، فعلمنا أنّ القاضي هو الملزم، وحكم الله تعالى جدّه كلّه لازمٌ فهو إذًا قاضٍ وحكمه قضاءٌ.
ومنها القاهر:
قال اللّه تعالى: وهو القاهر فوق عباده
قال الحليميّ: ومعناه أنّه يدبّر خلقه بما يريد، فيقع في ذلك ما يشقّ ويثقل، ويغمّ ويحزن ويكون منه سلب الحياة، أو بعض الجوارح، فلا يستطيع أحدٌ ردّ تدبيره والخروج من تقديره.
[الأسماء والصفات: 1/163]
ومنها القهّار:
قال عزّ وجلّ: وهو الواحد القهّار.
وروّيناه في خبر الأسامي، وفي حديث عائشة رضي اللّه عنها
قال الحليميّ: الّذي يقهر ولا يقهر بحالٍ، وقال الخطّابيّ: هو الّذي قهر الجبابرة من عتاة خلقه بالعقوبة، وقهر الخلق كلّهم بالموت.
ومنها الفتّاح:
قال اللّه عزّ وجلّ: وهو الفتّاح العليم.
وروّيناه في خبر الأسامي
قال الحليميّ: وهو الحاكم أي يفتح ما انغلق بين عباده، ويميّز الحقّ من الباطل، ويعلي المحقّ ويخزي المبطل، وقد يكون ذلك منه في الدّنيا والآخرة.
قال الخطّابيّ: ويكون معنى الفتّاح أيضًا الّذي يفتح أبواب الرّزق والرّحمة لعباده، ويفتح المنغلق عليهم من أمورهم وأسبابهم، ويفتح قلوبهم وعيون بصائرهم ليبصروا الحقّ ويكون الفاتح أيضًا بمعنى النّاصر كقوله سبحانه وتعالى: إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح، قال أهل التّفسير: معناه إن تستنصروا فقد جاءكم النّصر
- أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، أخبرنا أبو الحسن الطرائفي، حدّثنا عثمان بن سعيد، حدّثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله تبارك وتعالى: {الفتاح العليم} يقول: القاضي
- أخبرنا أبو طاهر الفقيه، أخبرنا أبو بكر القطان، ثما أحمد بن يوسف
[الأسماء والصفات: 1/164]
السلمي، حدّثنا عبيد الله بن موسى، أخبرنا مسعر، عن قتادة، عمن أخبره عن ابن عباس، رضي الله عنهما قال: ما كنت أدري ما قوله: افتح بيننا حتى سمعت بنت ذي يزن أو ابنة ذي يزن تقول: تعال أفاتحك أقاضيك ومنها الكاشف.
قال الحليمي: ولا يدعى بهذا الاسم إلا مضافا إلى شيء فيقال: يا كاشف الضر، أو كاشف الكرب، ومعناه الفارج والمجلي يكشف الكرب ويجلي القلب، ويفرج الهم ويزيح الضر والغم قلت: قال الله تعالى: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو} وروي في حديث دعاء المديون: اللهم فارج الهم كاشف الغم ومنها اللطيف قال الله تعالى: {وهو اللطيف الخبير}.
ورويناه في خبر الأسامي.
قال الحليمي: وهو الذي يريد بعباده الخير واليسر، ويقيض لهم أسباب الصلاح والبر قلت: أراد عباده المؤمنين خاصة عند من لا يرى ما يعطيه الله عز وجل الكفار من الدنيا نعمة، أو أراد المؤمنين خاصة في أسباب الدين وأراد المؤمنين والكافرين عامة في أسباب الدنيا عند من يراها نعمة في الجملة، وقال أبو سليمان فيما أخبرت عنه: اللطيف هو البر بعباده الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون، ويسبب لهم مصالحهم من حيث لا يحتسبون كقوله تعالى: {الله لطيف بعباده يرزق من يشاء} قال: وحكى أبو عمر عن أبي العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: اللطيف الذي يوصل إليك أربك في رفق، ومن هذا قولهم لطف الله بك أي أوصل إليك ما تحب في رفق، قال: ويقال هو الذي لطف عن أن يدرك بالكيفية ومنها المؤمن قال الله عز وجل: {السلام المؤمن}.
ورويناه في خبر الأسامي.
قال الحليمي: ومعناه المصدق، لأنه إذا وعد صدق وعده، ويحتمل
[الأسماء والصفات: 1/165]
المؤمن عباده بما عرفهم من عدله ورحمته من أن يظلمهم ويجور عليهم قال أبو سليمان فيما أخبرت عنه: أصل الإيمان في اللغة التصديق، فالمؤمن المصدق ويحتمل ذلك وجوها: أحدها أنه يصدق عباده وعده ويفي بما ضمنه لهم من رزق في الدنيا، وثواب على أعمالهم الحسنة في الآخرة، والآخر أنه يصدق ظنون عباده المؤمنين ولا يخيب آمالهم كقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء وقيل: بل المؤمن الموحد نفسه لقوله: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط}، وقيل: بل المؤمن الذي آمن عباده المؤمنين من عذابه يوم القيامة وقيل: هو الذي آمن خلقه من ظلمه، وقد دخل أكثر هذه الوجوه فيما قاله الحليمي إلا أن هذا أبين ومنها المهيمن قال الله عز وجل: {المهيمن}.
ورويناه في خبر الأسامي.
قال الحليمي: ومعناه لا ينقص المطيعين يوم الحساب من طاعاتهم شيئا فلا يثيبهم عليه لأن الثواب لا يعجزه ولا هو مستكره عليه فيضطر إلى كتمان بعض الأعمال أو جحدها، وليس ببخيل فيحمله استكثار الثواب إذا كثرت الأعمال على كتمان بعضها، ولا يلحقه نقص بما يثيب فيحبس بعضه، لأنه ليس منتفعا بملكه حتى إذا نفع غيره به زال انتفاعه عنه بنفسه، وكما لا ينقص المطيع من حسناته شيئا لا يزيد العصاة على ما اجترحوه من السيئات شيئا، فيزيدهم، عقابا على ما استحقوه لأن واحدا من الكذب والظلم غير جائز عليه، وقد سمى عقوبة أهل النار جزاء، فما لم يقابل منها ذنبا لم يكن جزاء، ولم يكن وفاقا، فدل ذلك على أنه لا يفعله قلت: وهذا الذي ذكره شرح قول أهل التفسير في المهيمن إنه الأمين قال أبو سليمان: وأصله مؤيمن فقلبت الهمزة هاء لأن الهاء أخف من الهمزة، وهو على وزن مسيطر، ومبيطر
[الأسماء والصفات: 1/166]
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدّثنا إبراهيم بن مرزوق، حدّثنا أبو عامر، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله: {ومهيمنا عليه} قال: مؤتمنا عليه
- وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، حدّثنا أبو الحسن الطرائفي، حدّثنا عثمان بن سعيد، حدّثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله عز وجل: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه} قال: المهيمن الأمين، قال: القرآن أمين على كل كتاب قبله
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن، حدّثنا إبراهيم بن
[الأسماء والصفات: 1/167]
الحسين، حدّثنا آدم، حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله تعالى: {ومهيمنا عليه} قال: بمعنى مؤتمنا على الكتب
وبإسناده عن مجاهد قال: {المهيمن} الشاهد على ما قبله من الكتب قال أبو سليمان: فالله عز وجل المهيمن أي الشاهد على خلقه بما يكون منهم من قول وفعل كقوله تعالى: {وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه} قال: وقيل: المهيمن الرقيب على الشيء والحافظ له قال: وقال بعض أهل اللغة: الهيمنة القيام على الشيء والرعاية له وأنشد: ألا إن خير الناس بعد نبيه مهيمنة التأليه في العرف والنكر يريد القائم على الناس بعده بالرعاية لهم ومنها الباسط القابض قال الله عز وجل: {الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر}.
وقال الله تبارك وتعالى: {والله يقبض ويبسط} ورويناهما في خبر الأسامي.
قال الحليمي في معنى الباسط: إنه الناشر فضله على عباده يرزق ويوسع، ويجود ويفضل ويمكن ويخول ويعطي أكثر مما يحتاج إليه وقال في معنى القابض: يطوي بره ومعروفه عمن يريد ويضيق ويقتر أو يحرم فيفقر قال أبو سليمان: وقيل القابض وهو الذي يقبض الأرواح بالموت الذي كتبه على العباد قالا: ولا ينبغي أن يدعى ربنا جل جلاله باسم القابض حتى يقال معه الباسط
[الأسماء والصفات: 1/168]
- أخبرنا يحيى بن إبراهيم بن محمّد بن يحيى، أخبرنا أبو الحسن، أحمد بن محمّد بن عبدوسٍ، حدّثنا عثمان بن سعيدٍ الدّارميّ، حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا حمّادٌ هو ابن سلمة، عن قتادة، وثابتٍ، وحميدٍ، عن أنس بن مالكٍ رضي اللّه عنه، قال: غلا السّعر على عهد رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله قد غلا السّعر، فسعّر لنا، قال صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه تعالى هو الخالق القابض الباسط الرّازق المسعّر، إنّي لأرجو أن ألقى ربّي وليس أحدٌ منكم يطلبني بمظلمةٍ في دمٍ ولا مالٍ.
ومنها الجواد.
قال الحليميّ: ومعناه الكثير العطايا
[الأسماء والصفات: 1/169]
- حدّثنا أبو الحسن العلويّ، أخبرنا أبو حامدٍ، هو ابن الشّرقيّ حدّثنا أحمد بن حفص بن عبد الله، حدّثني أبي، حدّثني إبراهيم بن طهمان، عن الأعمش، عن موسى بن المسيّب، عن شهر بن حوشبٍ، عن عبد الرّحمن بن غنمٍ، عن أبي ذرٍّ رضي اللّه عنه، عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: يقول اللّه عزّ وجلّ فذكر الحديث، قال فيه: ولو أنّ أوّلكم وآخركم وحيّكم وميّتكم ورطبكم ويابسكم سألوني حتّى تنتهي مسألة كلّ واحدٍ منهم، فأعطيتهم ما سألوني ما نقص ذلك ممّا عندي كمغرز إبرةٍ لو
[الأسماء والصفات: 1/170]
غمسها أحدكم في البحر، وذلك أنّي جوادٌ ماجدٌ واجدٌ، عطائي كلامٌ وعذابي كلامٌ، إنّما أمري لشيءٍ إذا أردته أن أقول له كن فيكون.
ومنها المنّان.
قال الحليميّ: وهو العظيم المواهب، فإنّه أعطى الحياة والعقل والمنطق وصوّر فأحسن الصّور، وأنعم فأجزل وأسنى النّعم، وأكثر العطايا والمنح قال: وقوله الحقّ: وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها.
قال أبو سليمان: والمنّ والعطاء لمن لا يستثيبه قلت: وقد روّيناه في رواية عبد العزيز بن الحصين، وفي حديث أنس بن مالكٍ رضي اللّه عنه.
ومنها المقيت:
قال اللّه عزّ وجلّ: وكان اللّه على كلّ شيءٍ مقيتًا، وهو في خبر الأسامي
قال الحليميّ: وعندنا أنّه الممدّ، وأصله من القوت الّذي هو مدد البنية، ومعناه أنّه دبّر الحيوانات بأن جبلها على أن يحلّل منها على ممرّ الأوقات شيئًا بعد شيءٍ، ويعوّض ممّا يتحلّل غيره، فهو يمدّها في كلّ وقتٍ بما جعله قوامًا لها إلى أن يريد إبطال شيءٍ منها، فيحبس عنه ما جعله مادّةً لبقائه فيهلك
- أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، أخبرنا أبو الحسن الطرائفي، حدّثنا عثمان بن سعيد، حدّثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله: {وكان الله على كل شيء مقيتا} يقول: حفيظا
[الأسماء والصفات: 1/171]
وروي عن ابن عباس أنه قال: {مقيتا} يعني مقتدرا ومنها الرازق قال الله عز وجل: {والله يرزق من يشاء بغير حساب}.
وقال تعالى: {وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم}.
قال الحليمي: ومعناه المفيض على عباده ما لم يجعل لأبدانهم قواما إلا به، والمنعم عليهم بإيصال حاجتهم من ذلك إليهم لئلا ينغص عليهم لذة الحياة بتأخره عنهم، ولا يفقدوها أصلا لفقدهم إياه ومنها الرزاق قال الله تعالى: {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}.
ورويناه في خبر الأسامي
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن عبد الله الزّاهد الأصبهانيّ، حدّثنا أحمد بن مهران الأصبهانيّ، حدّثنا عبيد الله بن موسى، أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرّحمن بن يزيد، عن عبد الله بن مسعودٍ رضي اللّه عنه، قال: أقرأني رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّي أنا الرّزّاق ذو القوّة المتين.
قال الحليميّ: وهو الرّزّاق رزقًا بعد رزقٍ، والمكثر الموسّع له.
قال أبو سليمان فيما أخبرت عنه: الرّزّاق هو المتكفّل بالرّزق، والقائم على كلّ نفسٍ بما يقيمها من قوتها قال: وكلّ ما وصل منه إليه من مباحٍ وغير مباحٍ فهو رزق الله، على معنى أنّه قد جعله له قوتًا ومعاشًا.
قال اللّه عزّ وجلّ: والنّخل باسقاتٍ لها طلعٌ نضيدٌ رزقًا للعباد وقال: وفي السّماء رزقكم وما توعدون
[الأسماء والصفات: 1/172]
إلا أنّ الشّيء إذا كان مأذونًا له في تناوله فهو حلالٌ حكمًا، وما كان منه غير مأذونٍ له فيه، فهو حرامٌ حكمًا وجميع ذلك رزقٌ على ما بيّنّاه.
ومنها، الجبّار في قول من جعل ذلك من جبر الكسر أي المصلح لأحوال عباده والجابر لها، والمخرج لهم ممّا يسوءهم إلى ما يسرّهم، وممّا يضرّهم إلى ما ينفعهم.
ومنها الكفيل:
قال اللّه عزّ وجلّ: وقد جعلتم اللّه عليكم كفيلا.
وروّيناه في حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الرّجل الّذي أسلف قال: كفى باللّه كفيلا.
وروّيناه في خبر عبد العزيز بن الحصين
قال الحليميّ: ومعناه المتقبّل للكفايات، وليس ذلك بعقدٍ وكفالةٍ ككفالة الواحد من النّاس، وإنّما هو على معنى أنّه لمّا خلق المحتاج وألزمه الحاجة، وقدّر له البقاء الّذي لا يكون إلاّ مع إزالة العلّة وإقامة الكفاية، لم يخله من إيصال ما علّق بقاؤه به إليه، وإدراره في الأوقات والأحوال عليه، وقد فعل ذلك ربّنا جلّ ثناؤه، إذ ليس في وسع مرتزقٍ أن يرزق نفسه، وإنّما اللّه جلّ ثناؤه يرزق الجماعة من النّاس والدّوابّ والأجنّة في بطون أمّهاتها، والطّير الّتي تغدو خماصًا، وتروح بطانًا، والهوامّ والحشرات والسّباع في الفلوات.
ومنها: الغياث قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في خبر الاستسقاء: اللّهمّ أغثنا اللّهمّ أغثنا وروّيناه في خبر الأسامي المغيث بدل المقيت في إحدى الرّوايتين
قال الحليميّ: الغياث هو المغيث، وأكثر ما يقال غياث المستغيثين، ومعناه المدرك عباده في الشّدائد إذا دعوه، ومريحهم ومخلّصهم، ومنه المجيب:
قال اللّه عزّ وجلّ: قريبٌ مجيبٌ.
وروّيناه في خبر الأسامي
قال الحليميّ: وأكثر ما يدعى بهذا الاسم مع القريب فيقال: القريب المجيب أو يقال: مجيب الدّعاء، ومجيب دعوة المضطرّين، ومعناه الّذي ينيل سائله ما
[الأسماء والصفات: 1/173]
يريد ولا يقبل على ذلك غيره.
ومنها الوليّ:
قال اللّه عزّ وجلّ: وهو الوليّ الحميد.
وروّيناه في خبر الأسامي
قال الحليميّ: الوليّ هو الوالي، ومعناه مالك التّدبير، ولهذا يقال للقيّم على اليتيم: وليّ اليتيم، وللأمير الوالي.
قال أبو سليمان: والوليّ أيضًا النّاصر ينصر عباده المؤمنين:
قال اللّه عزّ وجلّ: اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور، وقال جلّ وعلا: ذلك بأنّ اللّه مولى الّذين آمنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم المعنى لا ناصر لهم.
ومنها: الوالي وهو في خبر الأسامي.
قال أبو سليمان: الوالي هو المالك للأشياء والمتولّي لها والمتصرّف فيها، يصرّفها كيف يشاء ينفّذ فيها أمره، ويجري عليها حكمه، وقد يكون الوالي بمعنى المنعم عودًا على بدءٍ.
ومنها: المولى:
قال اللّه عزّ وجلّ: واعتصموا باللّه هو مولاكم فنعم المولى ونعم النّصير، وذكرناه في رواية عبد العزيز بن الحصين
- أخبرنا أبو بكرٍ محمّد بن الحسن بن فوركٍ، أخبرنا عبد الله بن جعفرٍ الأصبهانيّ، حدّثنا يونس بن حبيبٍ، حدّثنا أبو داود الطّيالسيّ، حدّثنا زهيرٌ، عن أبي إسحاق، عن البراء رضي اللّه عنه، قال: استعمل رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم على رماة النّاس يوم أحدٍ عبد اللّه
[الأسماء والصفات: 1/174]
بن جبيرٍ وكانوا خمسين رجلا، وقال لهم: كونوا مكانكم لا تبرحوا، وإن رأيتم الطّير تخطفنا، قال البراء رضي اللّه عنه: فأنا واللّه رأيت النّساء بادياتٍ خلاخيلهنّ، قد استرخت ثيابهنّ يصعدن الجبل، يعني حين انهزم الكفّار، قال: فلمّا كان من الأمر ما كان، والنّاس يغيرون مضوا، فقال عبد الله بن جبيرٍ أميرهم: كيف تصنعون بقول رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فمضوا فكان الّذي كان، فلمّا كان اللّيل جاء أبو سفيان بن حربٍ، فقال: أفيكم محمّدٌ؟ فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تجيبوه ثمّ قال: أفيكم محمّدٌ؟ فلم يجيبوه، ثمّ قال: أفيكم محمّدٌ؟ الثّالثة، فلم يجيبوه، فقال: أفيكم ابن أبي قحافة؟ فلم يجيبوه قالها ثلاثًا، ثمّ قال: أفيكم ابن الخطّاب، قالها ثلاثًا فلم يجيبوه فقال: أما هؤلاء فقد كفيتموهم فلم يملك عمر نفسه، فقال: كذبت يا عدوّ الله، ها هو ذا رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم وأبو بكرٍ وأنا أحياء، ولك منّا يوم سوءٍ فقال: يومٌ بيوم بدرٍ، والحرب سجالٌ، وقال: اعل هبل فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: أجيبوه قالوا: يا رسول الله وما نقول؟ قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: قولوا: اللّه أعلى وأجلّ فقال: لنا العزّى ولا عزّى لكم، فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: أجيبوه فقالوا: يا رسول الله وما نقول؟ قال صلّى اللّه عليه وسلّم: قولوا: اللّه مولانا ولا مولى لكم ثمّ قال أبو سفيان: إنّكم سترون في القوم مثلةً لم آمر بها، ثمّ قال: ولم تسؤني.
أخرجه البخاريّ في "الصّحيح"، عن عمرو بن خالدٍ، عن زهير بن معاوية
قال الحليميّ: في معنى المولى: إنّه المأمول منه النّصر والمعونة، لأنّه هو الملك ولا مفزع للملوك إلاّ مالكه.
ومنها الحافظ.
قال الحليميّ: ومعناه الصّائن عبده عن أسباب الهلكة في أمور دينه ودنياه قال: وجاء في القرآن:
[الأسماء والصفات: 1/175]
فاللّه خيرٌ حافظًا، وقد قرئ: خيرٌ حفظًا وجاء بما حفظ اللّه ومن حفظ فهو حافظٌ وقال جلّ وعلا: إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون
- أخبرنا يحيى بن إبراهيم بن محمّد بن يحيى، أخبرنا عبد الله بن إسحاق أبو محمّدٍ، حدّثنا عبد الرّحمن بن محمّد بن منصورٍ أبو سعيدٍ، حدّثنا يحيى بن سعيدٍ القطّان، عن عبيد الله بن عمر، حدّثني سعيد بن أبي سعيدٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: إذا أوى أحدكم إلى فراشه، فلينزع داخلة إزاره فلينفض بها فراشه، ثمّ ليتوسّد يمينه ويقول: باسمك ربّي وضعت جنبي وبك أرفعه، اللّهمّ إن أمسكتها
[الأسماء والصفات: 1/176]
فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصّالحين.
أخرجه البخاريّ في "الصّحيح" من حديث مالكٍ، عن سعيدٍ، ثمّ قال: وتابعه يحيى.
ومنها الحفيظ:
قال اللّه عزّ وجلّ: وربّك على كلّ شيءٍ حفيظٌ.
وروّيناه في خبر الأسامي
قال الحليميّ: ومعناه الموثوق منه بترك التّضييع.
وقال أبو سليمان فيما أخبرت عنه: الحفيظ هو الحافظ، فعيلٌ بمعنى فاعلٍ كالقدير، والعليم يحفظ السّماوات والأرض وما فيهما لتبقى مدّة بقائها، فلا تزول ولا تدثر.
قال اللّه عزّ وجلّ: ولا يئوده حفظهما، وقال جلّ وعلا: وحفظًا من كلّ شيطانٍ ماردٍ أي حفظناها حفظًا، وهو الّذي يحفظ عباده من المهالك والمعاطب، ويقيهم مصارع الشّرّ، وقال اللّه عزّ وجلّ: له معقّباتٌ من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله أي بأمره، ويحفظ على الخلق أعمالهم، ويحصي عليهم أقوالهم، ويعلم نيّاتهم وما تكنّ صدورهم، فلا تغيب عنه غائبةٌ، ولا تخفى عليه خافيةٌ، ويحفظ أولياءه، فيعصمهم عن مواقعة الذّنوب، ويحرسهم من مكائد الشّيطان، ليسلموا من شرّه وفتنته.
ومنها النّاصر:
قال اللّه عزّ وجلّ: إن ينصركم اللّه فلا غالب لكم.
قال الحليميّ وهو الميسّر للغلبة.
ومنها النّصير:
قال اللّه عزّ وجلّ: فنعم المولى ونعم النّصير، وهو في خبر الأسامي رواية عبد العزيز بن الحصين
[الأسماء والصفات: 1/177]
- أخبرنا محمّد بن عبد الرّحمن بن محمّد بن محبورٍ الدّهّان، حدّثنا أبو حامد بن بلالٍ البزّاز، حدّثنا أبو الأزهر حدّثنا أبو قتيبة، حدّثنا المثنّى (ح) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرٍو، قالا: حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا محمّد بن عليٍّ الورّاق، حدّثنا عمرو بن العبّاس، حدّثنا عبد الرّحمن بن المهديّ، حدّثنا المثنّى بن سعيدٍ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ رضي اللّه عنه، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إذا رقد أحدكم عن الصّلاة أو غفل عنها، فليصلّها إذا ذكرها، فإنّ اللّه تعالى، يقول: أقم الصّلاة لذكري.
وكان صلّى اللّه عليه وسلّم إذا غزا قال: اللّهمّ أنت عضدي وأنت نصيري وبك أقاتل لفظ حديث عبد الرّحمن وفي رواية أبي قتيبة، قال: فكان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا غزا قال: أنت عضدي وأنت ناصري وبك أقاتل
[الأسماء والصفات: 1/178]
قال الحليميّ في معنى النّصير: إنّه الموثوق منه بأن لا يسلّم وليّه ولا يخذله.
ومنها الشّاكر والشّكور:
قال اللّه عزّ وجلّ: وكان اللّه شاكرًا عليمًا، وقال: إنّ ربّنا لغفورٌ شكورٌ، وروّينا لفظ الشّاكر في حديث عبد العزيز بن الحصين، وروّينا لفظ الشّكور في رواية الوليد بن مسلمٍ.
قال الحليميّ: الشّاكر معناه المادح لمن يطيعه، والمثني عليه والمثيب له بطاعته فضلا من نعمته، قال: والشّكور هو الّذي يدوم شكره، ويعمّ كلّ مطيعٍ وكلّ صغيرٍ من الطّاعة أو كبيرٍ، وذكره أبو سليمان فيما أخبرت عنه بمعناه فقال: الشّكور هو الّذي يشكر اليسير من الطّاعة، فيثيب عليه الكثير من الثّواب، ويعطي الجزيل من النّعمة، فيرضى باليسير من الشّكر، قال: وقد يحتمل أن يكون معنى الثّناء على الله عزّ وجلّ بالشّكور ترغيب الخلق في الطّاعة، قلّت: أو كثرت لئلا يستقلّوا القليل من العمل فلا يتركوا اليسير من جملته إذا أعوزهم الكثير منه).؟؟؟


رد مع اقتباس