عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 07:19 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني الليث بن سعد عن خالد بن يزيد
[الجامع في علوم القرآن: 2/17]
عن سعيد عن القرظي عن نوف البكالي، وكان يقرأ الكتب، قال: إني لأجد صفة ناسٍ من هذه الأمة في كتاب الله المنزل قومها يحتالون الدنيا بالدين، ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر، يلبسون للناس لباس مسوك الضأن، وقلوبهم قلوب الذئاب؛ يقول الرب: فعلي يجترؤون وبي يغترون، أحلفت بنفسي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم فيها حيران؛
قال القرظي: تدبرتها في القرآن فإذا هم المنافقون، فوجدتها: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قبله وهو ألد الخصام} {ومن الناس من يعبد الله على حرفٍ فإن أصابه خيرٌ اطمأن به}). [الجامع في علوم القرآن: 2/18]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه قال هو المنافق). [تفسير عبد الرزاق: 1/81]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى وهو ألد الخصام قال جدل بالباطل). [تفسير عبد الرزاق: 1/81]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر قال أخبرني ابن جريج عن ابن أبي ميلكة عن عائشة قالت كان أبغض الرجال إلى رسول الله الألد الخصم). [تفسير عبد الرزاق: 1/81]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معشر، عن محمّد بن كعبٍ قال: جاءه رجلٌ، فقال: إنّا نجد في بعض الكتب: أنّ للّه عزّ وجلّ عبادًا ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمرّ من الصّبر، يلبسون للنّاس مسوك الضّأن من اللّين، ويختلون الدّنيا بالدّين، قال اللّه: ((عليّ يجترئون؟ وبي يغترّون؟ بعزّتي، لأتيحنّ لهم فتنة تدع الحليم (حيران) ) ).
[سنن سعيد بن منصور: 3/830]
فقال محمّد بن كعبٍ: هذا في كتاب اللّه: {ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام} فقال الرّجل: قد علمنا فيمن أنزلت. فقال له محمّدٌ: ((إنّ الأمر ينزل في الرّجل، ثمّ يكون عامًا)).
[سنن سعيد بن منصور: 3/831]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو شهاب، عن ليث بن أبي سليم، عن أبي عبيدة قال: ((يقول اللّه عزّ وجلّ: ما بال أقوامٍ يتفقّهون لغير عبادتي، يلبسون مسوك الضّأن، قلوبهم أمرّ من الصّبر؟ أبي يغترّون؟ أو إياي يخادعون؟ بي حلفت: لأتيحنّ لهم فتنةً تدع الحليم فيها (حيران) ). [سنن سعيد بن منصور: 3/837]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب {وهو ألدّ الخصام} [البقرة: 204]
[صحيح البخاري: 6/28]
وقال عطاءٌ: النّسل: الحيوان
[صحيح البخاري: 6/28]
- حدّثنا قبيصة، حدّثنا سفيان، عن ابن جريجٍ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، ترفعه قال: «أبغض الرّجال إلى اللّه الألدّ الخصم» وقال عبد اللّه: حدّثنا سفيان، حدّثني ابن جريجٍ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي اللّه عنها، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم). [صحيح البخاري: 6/28]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب وهو ألد الخصام)
ألد أفعل تفضيل من اللدد وهو شدّة الخصومة والخصام جمع خصمٍ وزن كلبٍ وكلابٍ والمعنى وهو أشدّ المخاصمين مخاصمةً ويحتمل أن يكون مصدرًا تقول خاصم خصامًا كقاتل قتالا والتّقدير وخاصمه أشد الخصام أو هو أشد ذوي الخصام مخاصمة وقيل أفعل هنا ليست للتفضيل بل بمعنى الفاعل أي وهو لديد الخصام أي شديد المخاصمة فيكون من إضافة الصّفة المشبّهة قوله وقال عطاءٌ النّسل الحيوان وصله الطّبريّ من طريق بن جريرٍ قلت لعطاءٍ في قوله تعالى ويهلك الحرث والنسل قال الحرث الزّرع والنسل من النّاس والانعام وزعم مغلطاي أن بن أبي حاتمٍ أخرجه من طريق العوفيّ عن عطاءٍ ووهم في ذلك وإنّما هو عند بن أبي حاتمٍ وغيره رواه عن العوفيّ عن ابن عبّاسٍ
- قوله عن عائشة ترفعه أي إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قوله الألدّ الخصم بفتح الخاء المعجمة وكسر الصّاد أي الشّديد اللّدد الكثير الخصومة وسيأتي شرح الحديث في كتاب الأحكام قوله وقال عبد اللّه هو بن الوليد العدنيّ وسفيان هو الثّوريّ وأورده لتصريحه برفع الحديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو موصولٌ بالإسناد في جامع سفيان الثّوريّ من رواية عبد اللّه بن الوليد هذا ويحتمل أن يكون عبد اللّه هو الجعفيّ شيخ البخاريّ وسفيان هو بن عيينة فقد أخرج الحديث المذكور التّرمذيّ وغيره من رواية بن عليّة لكن بالأوّل جزم خلفٌ والمزّيّ وقد تقدم هذا الحديث في كتاب المظالم). [فتح الباري: 8/188]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله فيه
- حدثنا قبيصة ثنا سفيان عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة ترفعه قال أبغض الرّجال إلى الله الألد الخصم.
وقال
[تغليق التعليق: 4/179]
عبد الله بن الوليد ثنا سفيان حدثني ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي اللّه عنها عن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم
أخبرنا أحمد بن أبي بكر المقدسي في كتابه عن سليمان بن حمزة عن الحسن بن علّي بن السّيّد عن الحافظ أبي الفضل محمّد بن ناصر أنا أبو القاسم عبد الرّحمن بن أبي عبد الله بن منده إجازة أنا أبي أنا أبو بكر محمّد ابن الحسين بن الحسن القطّان ثنا علّي بن الحسن بن أبي عيسى الدارابجردي ثنا عبد الله بن الوليد العدني ثنا سفيان به). [تغليق التعليق: 4/180]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (باب: {وهو ألدّ الخصام} (البقرة: 204)
أي: هذا باب فيه قوله تعالى:} وهو ألد الخصام} وأول الآية {ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا ويشهد الله على
[عمدة القاري: 18/113]
ما في قلبه وهو ألد الخصام} (البقرة: 204) قوله: (ومن النّاس)، أراد به الأخنس بن شريق، وكان رجلا حلو المنطق إذا لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألان له القول وادّعى أنه يحبه. وأنه مسلم (ويشهد الله على ما في قلبه) أي يحلف ويقول: الله شاهد على ما في قلبي من محبتك ومن الإسلام، فقال الله في حقه: {وهو ألد الخصام}، أي: شديد الجدال والخصومة والعداوة للمسلمين والألد أفعل التّفضيل من اللدد وهو: شدّة الخصومة، والخصام المخاصمة وإضافة الألد بمعنى في أو يجعل الخصام ألد على المبالغة وقيل: الخصام جمع خصم وصعاب بمعنى: هو أشد الخصوم خصومة.
وقال عطاءٌ النّسل الحيوان
أي: قال عطاء بن أبي رباح النّسل في قوله تعالى: {ويهلك الحرث والنسل} (البقرة: 205) الحيوان، ووصله الطّبريّ من طريق ابن جريج قلت لعطاء في قوله تعالى: {ويهلك الحرث والنسل} قال: الحرث الزّرع، والنسل من النّاس والأنعام.
- حدّثنا قبيصة حدّثنا سفيان عن ابن جريجٍ عن ابن أبي مليكة عن عائشة ترفعه أبغض الرّجال إلى الله الألدّ الخصم.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وسفيان هو الثّوريّ، نص عليه الحافظ المروزي، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة والحديث مضى في المظالم فإنّه أخرجه هناك عن أبي عاصم. قوله: (ترفعه)، أي: ترفع الحديث إلى النّبي صلى الله عليه وسلم.
وقال عبد الله حدّثنا سفيان حدّثني ابن جريجٍ عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
عبد الله هو ابن الوليد العدني، نص عليه المزي، وكذلك سفيان هو الثّوريّ. وأورد هذا التّعليق لتصريحه برفع حديث عائشة إلى النّبي صلى الله عليه وسلم، وهو موصول في (جامع سفيان الثّوريّ) وقال بعضهم: يحتمل أن يكون المراد من عبد الله هو الجعفيّ شيخ البخاريّ، ويكون سفيان هو ابن عيينة. لأن الحديث أخرجه التّرمذيّ وغيره من رواية ابن عيينة (قلت) يحتمل ذلك، ولكن الحافظ المزي وخلف نصا على أن عبد الله هو ابن الوليد، وأن سفيان هو الثّوريّ، والله سبحانه وتعالى أعلم). [عمدة القاري: 18/114]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {وهو ألدّ الخصام}
[البقرة: 204] وقال عطاءٌ: النّسل: الحيوان
[الحديث 4522 - أطرافه في: 6385].
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بميمين مفتوحتين
[إرشاد الساري: 7/31]
بينهما عين ساكنة عبد الله بن عمرو المنقري المقعد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان العنبري مولاهم التنوري بفتح المثناة وتشديد النون البصري (عن عبد العزيز) بن صهيب البناني بموحدة مضمومة ونونين البصري (عن أنس) رضي الله تعالى عنه أنه (قال: كان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يقول):
(اللهم ربنا) سقط لفظ ربنا لأبي ذر ({آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار}) قال ابن كثير: جمعت هذه الدعوة كل خير في الدنيا وصرفت كل شر فإن الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي من عافية ورزق واسع وعلم نافع وعمل صالح إلى غير ذلك. وأما الحسنة في الآخرة فأعلى ذلك دخول الجنة وتوابعه من الأمن من الفزع أكبر في العرصات وتيسير الحساب وغير ذلك، وأما النجاة من النار فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا من اجتناب المحارم والآثام وترك الشبهات.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الدعوات وأبو داود في الصلاة.
({وهو ألد الخصام}) [البقرة: 204] أي شديد العداوة والجدال للمسلمين وفي نسخة باب وهو ألد الخصام.
(وقال عطاء): هو ابن أبي رباح مما وصله الطبري (النسل) في قوله تعالى: {ويهلك الحرث والنسل} [البقرة: 205] (الحيوان).
- حدّثنا قبيصة حدّثنا سفيان، عن ابن جريجٍ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة ترفعه أبغض الرّجال إلى اللّه الألدّ الخصم. وقال عبد اللّه، حدّثنا سفيان، حدّثني ابن جريجٍ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة -رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بن عقبة السوائي العامري الكوفي قال: (حدّثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها (ترفعه) إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال:
(أبغض الرجال إلى الله الألد) بفتح الهمزة واللام وتشديد الدال المهملة (الخصم) بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد المهملة: قال الجوهري: رجل ألد بين اللدد وهو الشديد الخصومة والخصم بكسر الصاد الشديد الخصومة. وقال ابن الأثير: اللدد الخصومة الشديدة. وقال التوربشتي: الأوّل
ينبئ عن الشدة والثاني عن الكثرة. وقال شارح المشكاة: المعنى أنه شديد في نفسه بليغ في خصومته فلا يلزم منه التكرار قال الزمخشري في قوله تعالى: {وهو ألد الخصام} [البقرة: 204] أي شديد الجدال والعداوة للمسلمين والخصام المخاصمة وإضافة الألدّ بمعنى في أو يجعل الخصام ألد على المبالغة أو الخصام جمع خصم كصعب وصعاب بمعنى وهو أشد الخصوم خصومة.
(وقال عبد الله) هو ابن الوليد العدني (حدّثنا سفيان) هو الثوري كما جزم به المزي فيهما قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن جريج) عبد الملك ولأبي ذر: عن ابن جريج (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم) وهذا وصله سفيان الثوري في جامعه، وذكره المؤلّف لتصريحه برفعه إلى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم). [إرشاد الساري: 7/32]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا ابن أبي عمر، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن جريجٍ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: أبغض الرّجال إلى الله الألدّ الخصم.
هذا حديثٌ حسنٌ). [سنن الترمذي: 5/64]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {وهو ألدّ الخصام}
- أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، حدّثنا وكيعٌ، حدّثنا ابن جريجٍ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبغض الرّجال إلى الله الألدّ الخصم»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/30]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا ويشهد اللّه على ما في قلبه وهو ألد الخصام}.
وهذا نعتٌ من اللّه تبارك وتعالى للمنافقين، يقول جلّ ثناؤه: ومن النّاس من يعجبك يا محمّد ظاهر قوله وعلانيته، ويستشهد اللّه على ما في قلبه، وهو ألد الخصام، جدلٌ بالباطل.
ثمّ اختلف أهل التّأويل فيمن نزلت فيه هذه الآية، قال بعضهم. نزلت في الأخنس بن شريق، قدم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فزعم أنّه يريد الإسلام، وحلف أنّه ما قدم إلاّ لذلك، ثمّ خرج فأفسد أموالاً من أموال المسلمين.
[جامع البيان: 3/571]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ {ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا ويشهد اللّه على ما في قلبه وهو ألد الخصام} قال: نزلت في الأخنس بن شريقٍ الثّقفيّ، وهو حليفٌ لبني زهرة. وأقبل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالمدينة، فأظهر له الإسلام، فأعجب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ذلك منه، وقال: إنّما جئت أريد الإسلام، واللّه يعلم أنّي صادقٌ. وذلك قوله: {ويشهد اللّه على ما في قلبه} ثمّ خرج من عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فمرّ بزرعٍ لقومٍ من المسلمين، وحمرٍ، فأحرق الزّرع، وعقر الحمر، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنّسل} وأمّا ألد الخصام: فأعوج الخصام، وفيه نزل: {ويلٌ لكلّ همزةٍ لمزةٍ} ونزلت فيه: {ولا تطع كلّ حلاّفٍ مهينٍ} إلى {عتلٍّ بعد ذلك زنيمٍ}.
وقال آخرون: بل نزل ذلك في قومٍ من أهل النّفاق تكلّموا في السّريّة الّتي أصيبت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالرّجيع.
[جامع البيان: 3/572]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال لمّا أصيبت هذه السّريّة أصحاب خبيبٍ بالرّجيع بين مكّة، والمدينة، قال رجالٌ من المنافقين: يا ويح هؤلاء المقتولين الّذين هلكوا هكذا، لا هم قعدوا في بيوتهم، ولا هم أدّوا رسالة صاحبهم فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك من قول المنافقين، وما أصاب أولئك النّفر في الشّهادة والخير من اللّه: {ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا} أي بما يظهر بلسانه من الإسلام {ويشهد اللّه على ما في قلبه} أي من النّفاق {وهو ألد الخصام} أي ذو جدالٍ إذا كلّمك وراجعك {وإذا تولّى} أي خرج من عندك {سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنّسل واللّه لا يحبّ الفساد} أي لا يحبّ عمله ولا يرضاه {وإذا قيل له اتّق اللّه أخذته العزّة بالإثم فحسبه جهنّم ولبئس المهاد ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه} الّذين شروا أنفسهم للّه بالجهاد في سبيل اللّه، والقيام بحقّه حتّى هلكوا على ذلك يعني هذه السّريّة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة مولى ابن عبّاسٍ أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا أصيبت السّريّة الّتي كان فيها عاصمٌ، ومرثدٌ، بالرّجيع، قال رجالٌ من المنافقين، ثمّ ذكر نحو حديث أبي كريبٍ.
[جامع البيان: 3/573]
وقال آخرون: بل عنى بذلك جميع المنافقين، وعنى بقوله: {ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا ويشهد اللّه على ما في قلبه} اختلاف سريرته، وعلانيته.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن أبي معشرٍ، قال: أخبرني أبي أبو معشرٍ نجيحٌ، قال: سمعت سعيدًا المقبريّ يذاكر محمّد بن كعبٍ، فقال سعيدٌ: إنّ في بعض الكتب: إنّ للّه عبادًا ألسنتهم أحلى من العسل، قلوبهم أمرّ من الصّبر، لبسوا لباس مسوك الضّأن من اللّين، يجترّون الدّنيا بالدّين، قال اللّه تبارك وتعالى: أعليّ يجترئون، وبي يغترّون؟ وعزّتي لأبعثنّ عليهم فتنةً تترك الحليم منهم حيران فقال محمّد بن كعبٍ: هذا في كتاب اللّه جلّ ثناؤه. فقال سعيدٌ، وأين هو من كتاب اللّه؟ قال: قول اللّه عزّ وجلّ: {ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا ويشهد اللّه على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنّسل واللّه لا يحبّ الفساد} فقال سعيدٌ: قد عرفت فيمن أنزلت هذه الآية. فقال محمّد بن كعبً: إنّ الآية تنزل في الرّجل ثمّ تكون عامّةً.
[جامع البيان: 3/574]
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني اللّيث بن سعدٍ، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلالٍ، عن القرظيّ، عن نوفٍ، وكان، يقرأ الكتب، قال: إنّي لأجد صفة ناسٍ من هذه الأمّة في كتاب اللّه المنزّل: قومٌ يجتالون الدّنيا بالدّين، ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمرّ من الصّبر، يلبسون للنّاس لباس مسوك الضّأن، وقلوبهم قلوب الذّئاب، فعليّ يجترئون، وبي يغترّون، حلفت بنفسي لأبعثنّ عليهم فتنةً تترك الحليم فيها حيران قال القرظيّ: تدبّرتها في القرآن فإذا هم المنافقون، فوجدتها: {ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا ويشهد اللّه على ما في قلبه وهو ألد الخصام}، {ومن النّاس من يعبد اللّه على حرفٍ فإن أصابه خيرٌ اطمأنّ به}.
- وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قوله: {ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا ويشهد اللّه على ما في قلبه} قال: هو المنافق.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ومن النّاس من يعجبك قوله} قال: علانيته في الدّنيا، {ويشهد اللّه} في الخصومة أنّما يريد الحقّ.
[جامع البيان: 3/575]
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا ويشهد اللّه على ما في قلبه وهو ألد الخصام} قال: هذا عبدٌ كان حسن القول سيّئ العمل، كان يأتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيحسن له القول {وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها}.
- وحدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ: {ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا ويشهد اللّه على ما في قلبه} قال. يقول قولاً، في قلبه غيره، واللّه يعلم ذلك
قال أبو جعفرٍ: وفي قوله {ويشهد اللّه على ما في قلبه} وجهان من القراءة: فقرأته عامّة القرّاء: {ويشهد اللّه على ما في قلبه} بمعنى أنّ المنافق الّذي يعجب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قوله، يستشهد اللّه على ما في قلبه، أنّ قوله موافقٌ اعتقاده، وأنّه مؤمنٌ باللّه ورسوله؛ وهو كاذبٌ.
- كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا} إلى {واللّه لا يحبّ الفساد} كان رجلٌ يأتي إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيقول: أي رسول اللّه، أشهد أنّك جئت بالحقّ، والصّدق من عند اللّه. قال: حتّى يعجب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بقوله. ثمّ يقول: أما واللّه يا رسول اللّه إنّ اللّه ليعلم ما في قلبي مثل ما نطق به لساني. فذلك قوله: {ويشهد اللّه على ما في قلبه} قال: هؤلاء المنافقون، وقرأ قول اللّه تبارك وتعالى: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنّك لرسول اللّه} حتّى بلغ: {إنّ المنافقين لكاذبون} بما يشهدون أنّك رسول اللّه.
[جامع البيان: 3/576]
وقال السّدّيّ: {ويشهد اللّه على ما في قلبه} يقول: اللّه يعلم أنّي صادقٌ، أنّي أريد الإسلام.
- حدّثني بذلك موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، عن أسباط عنه.
وقال مجاهدٌ: ويشهد اللّه في الخصومة، إنّما يريد الحقّ.
- حدّثني بذلك محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عنه.
وقرأ ذلك آخرون: ويشهد اللّه على ما في قلبه بمعنى: واللّه يشهد على الّذي في قلبه من النّفاق، وأنّه مضمرٌ في قلبه غير الّذي يبديه بلسانه وعلى كذبه في قيله. وهي قراءة ابن محيصنٍ، وعلى ذلك المعنى تأوّله ابن عبّاسٍ،. وقد ذكرنا الرّواية عنه بذلك فيما مضى.
- في حديث أبي كريبٍ، عن يونس بن بكيرٍ، عن محمّد بن إسحاق، الّذي ذكرناه آنفًا.
والّذي نختار في ذلك من القرّاء قراءة من قرأ: {ويشهد اللّه على ما في قلبه} بمعنى يستشهد اللّه على ما في قلبه، لإجماع الحجّة من القرّاء عليه). [جامع البيان: 3/577]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وهو ألد الخصام}.
الألدّ من الرّجال: الشّديد الخصومة، يقال في فعلت منه: قد لددت يا هذا ولم تكن ألدّ، فأنت تلدّ لددًا ولدادةً؛ فأمّا إذا غلب من خاصمه، فإنّما يقال فيه: لددت يا فلان فلانًا فأنت تلدّه لدًّا، ومنه قول الشّاعر:
ثمّ أردّ بي وبهما من تردي = نلدّ أقران الخصوم اللّدّ
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: تأويله: أنّه ذو جدالٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {وهو ألد الخصام} أي ذو جدالٍ إذا كلّمك وراجعك.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وهو ألد الخصام} يقول: شديد القسوة في معصية اللّه جدلٌ بالباطل، وإذا شئت رأيته عالم اللّسان جاهل العمل يتكلّم بالحكمة، ويعمل بالخطيئة.
[جامع البيان: 3/578]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {وهو ألد الخصام} قال: جدلٌ بالباطل.
وقال آخرون: معنى ذلك أنّه غير مستقيم الخصومة، ولكنّه معوجّها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وهو ألد الخصام} قال: ظالمٌ لا يستقيم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ، قال: الألد الخصام: الّذي لا يستقيم على خصومةٍ.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: ألد الخصام: أعوج الخصام.
قال، أبو جعفرٍ: وكلا هذين القولين متقارب المعنى، لأنّ الاعوجاج في الخصومة من الجدال، واللّدد.
وقال آخرون: معنى ذلك: وهو كاذبٌ قوله.
[جامع البيان: 3/579]
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن بعض أصحابه، عن الحسن، قال: الألد الخصام: الكاذب القول.
وهذا القول يحتمل أن يكون معناه معنى القولين الأوّلين إن كان أراد به قائله أنّه يخاصم بالباطل من القول، والكذب منه جدلاً، واعوجاجًا عن الحقّ.
وأمّا الخصام: فهو مصدرٌ من قول القائل: خاصمت فلانًا خصامًا، ومخاصمةً. وهذا خبرٌ من اللّه تبارك وتعالى عن المنافق الّذي أخبر نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه يعجبه إذا تكلّم قيله، ومنطقه، ويستشهد اللّه على أنّه محقّ في قيله ذلك لشدّة خصومته، وجداله بالباطل، والزّور من القول). [جامع البيان: 3/580]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا ويشهد اللّه على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام (204)
قوله تعالى: ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ أنبأ سلمة، عن محمّد بن إسحاق، حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى آل زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا أصيبت السّريّة الّتي كان فيها عاصمٌ ومرثدٌ بالرّجيع، قال رجلٌ من المنافقين: يا ويح هؤلاء المفتونين الّذين هلكوا هكذا، لاهم قعدوا في أهليهم ولا هم أدّوا رسالة صاحبهم، فأنزل اللّه تعالى، من قول المنافقين، وما أصاب أولئك النّفر من الخير الّذي أصابهم، فقال: ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا أي: لما يظهر من الإسلام بلسانه.
قال أبو محمّدٍ:
وروي عن مجاهدٍ وعطاءٍ، أنّهما قالا: علانيته في الدّنيا.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي
[تفسير القرآن العظيم: 2/363]
العالية: ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا قال: كان هذا عبدٌ حسن القول، سىء الفعل، يأتي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيحسن القول.
- حدّثنا أبي ثنا حمزة بن جميلٍ الرّبذيّ، ثنا أبو معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ للّه عبادًا ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمرّ من الصّبر، لبسوا للعباد مسك الضّأن في اللّين، يختلون الدّنيا بالدّين، فيقول اللّه تعالى: أعليّ تجترئون، وبي تغترّون؟ وعزّتي لأبعثنّ عليهم فتنةً تدع الحليم فيهم حيرانا، قلنا: يا أبا حمزة: هل لهؤلاء في كتاب اللّه وصفٌ؟ قال: نعم، قول اللّه عزّ وجلّ ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا إلى قوله واللّه لا يحبّ الفساد
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ بن طلحة، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا قال: نزلت في الأخنس بن شريقٍ الثّقفيّ، وهو حليفٌ لبني زهرة). [تفسير القرآن العظيم: 1/364]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ويشهد اللّه على ما في قلبه
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، حدّثني محمّدٌ مولى لآل زيد بن ثابتٍ عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: ويشهد اللّه على ما في قلبه إنّه لمخالفٌ لما يقول بلسانه.
- حدّثنا الحجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، ويشهد اللّه في الخصومة، إنّما يريد للحقّ.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرزاق ابنا معمرٌ، عن قتادة:
ويشهد اللّه على ما في قلبه قال: هو المنافق.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: ويشهد اللّه على ما في قلبه قال: أقبل الأخنس بن شريقٍ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم
[تفسير القرآن العظيم: 2/364]
ذلك منه، وقال: إنّما جئت أريد الإسلام، واللّه يعلم إنّي صادقٌ فذلك قوله: ويشهد اللّه على ما في قلبه). [تفسير القرآن العظيم: 1/365]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وهو ألد الخصام
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، حدّثني محمّدٌ مولى لآل زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو سعيد ابن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ وهو ألدّ الخصام أي: ذو جدالٍ إذا كلّمك وراجعك.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، أنبأ بشرٌ بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، يقول: شديد الخصومة.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا حفص بن غياثٍ، عن عاصمٍ، عن الحسن:
وهو ألدّ الخصام قال: كاذب القول.
وروي عن محمّد بن كعبٍ، نحو قول الحسن.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: ألدّ الخصام ظالمٌ لا يستقيم. وروي عن عطاءٍ الخراسانيّ، نحو قول مجاهدٍ.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ، ثنا شيبان، عن قتادة
: وهو ألدّ الخصام قال: شديد القسوة في معصيته للّه، جدلٌ بالباطل.
الوجه الخامس:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: وهو ألدّ الخصام فأعوج الخصام). [تفسير القرآن العظيم: 1/365]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام.
أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لما أصيبت السرية التي فيها عاصم ومرثد قال رجال من المنافقين: يا ويح هؤلاء المقتولين الذين هلكوا هكذا لا هم قعدوا في أهلهم ولا هم أدوا رسالة صاحبهم فأنزل الله {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا} أي لما يظهر من الإسلام بلسانه {ويشهد الله على ما في قلبه} أنه مخالف لما يقوله بلسانه {وهو ألد الخصام} أي ذو جدال إذا كلمك راجعك (وإذا تولى) خرج من عندك (سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد) (البقرة الآية 205) أي لا يحب عمله ولا يرضى به (ومن الناس من يشري نفسه) (البقرة الآية 207) الآية، الذين شروا أنفسهم من الله بالجهاد في سبيله والقيام بحقه حتى هلكوا في ذلك يعني بهذه السرية
[الدر المنثور: 2/475]
وأخرج ابن المنذر عن أبي إسحاق قال: كان الذين اجلبوا على خبيب في قتله نفر من قريش عكرمة بن أبي جهل وسعيد بن عبد الله بن أبي قيس بن عبد ود والأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة وعبيدة بن حكيم بن أمية بن عبد شمس وأمية ابن أبي عتبة.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {ومن الناس من يعجبك} الآية، قال نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي حليف لبني زهرة أقبل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة وقال: جئت أريد الإسلام ويعلم الله أني لصادق، فأعجب النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك منه فذلك قوله {ويشهد الله على ما في قلبه} ثم خرج من عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر فأحرق الزرع وعقر الحمر فأنزل الله (وإذا تولى سعى في الأرض) (البقرة 205) الآية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن الكلبي قال: كنت جالسا بمكة فسألوني عن هذه الآية {ومن الناس من يعجبك قوله}، قلت: هو الأخنس بن شريق ومعنا فتى من ولده فلما قمت أتبعني فقال: إن القرآن إنما نزل في أهل مكة فإن رأيت أن لا تسمى أحدا حتى تخرج منها فافعل
[الدر المنثور: 2/476]
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير والبيهقي في الشعب عن أبي سعيد المقبري، أنه ذاكر محمد بن كعب القرظي فقال: إن في بعض كتب الله: إن لله عبادا ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر لبسوا لباس مسوك الضأن من اللين يجترون الدنيا بالدين، قال الله تعالى: أعلي يجترئون وبي يغترون وعزتي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران، فقال محمد بن كعب القرظي: هذا في كتاب الله {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا} الآية، فقال سعيد: قد عرفت فيمن أنزلت، فقال محمد بن كعب: إن الآية تنزل في الرجل تكون عامة بعد.
وأخرج أحمد في الزهد عن الربيع بن أنس قال: أوحى الله إلى نبي من الأنبياء: ما بال قومك يلبسون جلود الضأن ويتشبهون بالرهبان كلامهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر أبي يغترون أم لي يخادعون وعزتي لأتركن العالم منهم حيرانا ليس مني من تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن آمن بي فليتوكل علي ومن لم يؤمن فليتبع غيري.
وأخرج أحمد في الزهد عن وهب، أن الرب تبارك وتعالى قال لعلماء بني اسرائيل: يفقهون لغير الدين ويعملون لغير العمل ويبتغون الدنيا بعمل
[الدر المنثور: 2/477]
الآخرة يلبسون مسوك الضأن ويخفون أنفس الذباب ويتقوى القذى من شرابكم ويبتلعون أمثال الجبال من المحارم ويثقلون الدين على الناس أمثال الجبال ولا
يعينونهم برفع الخناصر يبيضون الثياب ويطيلون الصلاة ينتقصون بذلك مال اليتيم والأرملة فبعزتي حلفت لأضربنكم بفتنة يضل فيها رأي ذي الرأي وحكمة الحكيم). [الدر المنثور: 2/478]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى: {وهو ألد الخصام}.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وهو ألد الخصام} قال: شديد الخصومة.
وأخرج الطستي عن ابن عباس، أن نافع بن الأزرق سأله قوله {وهو ألد الخصام} قال: الجدل المخاصم في الباطل، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت قول مهلهل: إن تحت الأحجار حزما وجودا * وخصيما ألد ذا مغلاق.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {وهو ألد الخصام} قال:
[الدر المنثور: 2/478]
ظالم لا يستقيم.
وأخرج وكيع وأحمد والبخاري، وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي، وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن عائشة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عبد الله بن عمرو أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر.
وأخرج الترمذي والبيهقي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفى بك إثما أن لا تزال مخاصما.
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال: كفى بك آثما أن لا تزال مماريا وكفى بك ظالما أن لا تزال مخاصما وكفى بك كاذبا أن لا تزال محدثا الأحاديث في ذات الله عز وجل.
وأخرج أحمد عن أبي الدرداء قال: من كثر كلامه كثر كذبه ومن كثر
[الدر المنثور: 2/479]
حلفه كثر إثمه ومن كثرت خصومته لم يسلم دينه.
وأخرج البيهقي في الشعب عن عبد الكريم الجزري قال: ما خاصم ورع قط.
وأخرج البيهقي عن ابن شبرمة قال: من بالغ في الخصومة أثم ومن قصر فيها
خصم ولا يطيق الحق من تألى على من به دار الأمر وفضل الصبر التصبر ومن لزم العفاف هانت عليه الملوك والسوق.
وأخرج البيهقي عن الأحنف بن قيس قال: ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة، حليم من أحمق وبر من فاجر [ ]
[الدر المنثور: 2/480]
وأخرج البيهقي عن ابن عمرو بن العلاء قال: ما تشاتم رجلان قط إلا غلب ألأمهما). [الدر المنثور: 2/481]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى ويهلك الحرث والنسل قال الحرث: الحرث والنسل نسل كل شيء). [تفسير عبد الرزاق: 1/81]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (وقال عطاءٌ: النّسل: الحيوان). [صحيح البخاري: 6/28] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: وقال عطاءٌ النّسل الحيوان وصله الطّبريّ من طريق بن جريرٍ قلت لعطاءٍ في قوله تعالى ويهلك الحرث والنسل قال الحرث الزّرع والنسل من النّاس والأنعام وزعم مغلطاي أن بن أبي حاتمٍ أخرجه من طريق العوفيّ عن عطاءٍ ووهم في ذلك وإنّما هو عند بن أبي حاتمٍ وغيره رواه عن العوفيّ عن ابن عبّاسٍ). [فتح الباري: 8/188] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (أخبرنا بحديث عثمان بن صالح
قوله فيه
وقال عطاء النّسل الحيوان
قال ابن جرير ثنا القاسم ثنا الحسين حدثني حجاج عن ابن جريج قال قلت لعطاء يهلك الحرث والنسل قال الحرث الزّرع والنسل من النّاس والأنعام). [تغليق التعليق: 4/179]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال عطاء): هو ابن أبي رباح مما وصله الطبري (النسل) في قوله تعالى: {ويهلك الحرث والنسل} [البقرة: 205] (الحيوان) ). [إرشاد الساري: 7/32] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنّسل واللّه لا يحبّ الفساد}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {وإذا تولّى} وإذا أدبر هذا المنافق من عندك يا محمّد منصرفًا عنك.
- كما حدّثنا به ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {وإذا تولّى} قال: يعني: وإذا خرج من عندك سعى.
وقال بعضهم: وإذا غضب.
[جامع البيان: 3/580]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ قال: قال ابن جريجٍ، في قوله: {وإذا تولّى} قال: إذا غضب.
فمعنى الآية: وإذا خرج هذا المنافق من عندك يا محمّد غضبان عمل في الأرض بما حرّم اللّه عليه، وحاول فيها معصية اللّه، وقطع الطّريق، وإفساد السّبيل على عباد اللّه، كما قد ذكرنا آنفًا من فعل الأخنس بن شريقٍ الثّقفيّ الّذي ذكر السّدّيّ أنّ فيه نزلت هذه الآية من إحراقه زرع المسلمين وقتله حمرهم.
والسّعي في كلام العرب العمل، يقال منه: فلانٌ يسعى على أهله، يعني به يعمل فيما يعود عليهم نفعه؛ ومنه قول الأعشى:
وسعى لكندة سعي غير مواكلٍ = قيسٌ فضرّ عدوّها وبنى لها
يعني بذلك: عمل لهم في المكارم.
وكالّذي قلنا في ذلك كان مجاهدٌ يقول.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه {وإذا تولّى سعى} قال: عمل.
واختلف أهل التّأويل في معنى الإفساد الّذي أضافه اللّه عزّ وجلّ إلى هذا المنافق، فقال بعضهم: تأويله ما قلنا فيه من قطعه الطّريق، وإخافته السّبيل، كما قد ذكرنا قبل من فعل الأخنس بن شريقٍ.
وقال بعضهم: بل معنى ذلك قطع الرّحم، وسفك دماء المسلمين.
[جامع البيان: 3/581]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، في قوله: {سعى في الأرض ليفسد فيها} قطع الرّحم، وسفك الدّماء، دماء المسلمين، فإذا قيل: لم تفعل كذا وكذا؟ قال أتقرّب به إلى اللّه عزّ وجلّ.
والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّ اللّه تبارك وتعالى وصف هذا المنافق بأنّه إذا تولّى مدبرًا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عمل في أرض اللّه بالفساد. وقد يدخل في الإفساد جميع المعاصي، وذلك أنّ العمل بالمعاصي إفسادٌ في الأرض، فلم يخصّص اللّه وصفه ببعض معاني الإفساد دون بعضٍ. وجائزٌ أن يكون ذلك الإفساد منه كان بمعنى قطع الطّريق، وجائزٌ أن يكون كان يقطع الرحم ويسفك الدماء وجائزٌ أن يكون كان غير ذلك، وأيّ ذلك كان منه فقد كان إفسادًا في الأرض، لأنّ ذلك منه للّه عزّ وجلّ معصيةٌ. غير أنّ الأشبه بظاهر التّنزيل أن يكون كان يقطع الطّريق، ويخيف السّبيل، لأنّ اللّه تعالى ذكره وصفه في سياق الآية بأنّه سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث، والنّسل، وذلك بفعلٍ مخيف السّبيل أشبه منه بفعل قطّاع الرّحم). [جامع البيان: 3/582]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويهلك الحرث والنّسل}.
اختلف أهل التّأويل في وجه إهلاك هذا المنافق، الّذي وصفه اللّه بما وصفه به من صفة الحرث والنّسل؛ فقال بعضهم.
كان ذلك منه إحراقًا لزرع قومٍ من المسلمين، وعقرًا لحمرهم.
[جامع البيان: 3/582]
- حدّثني بذلك، موسى بن هارون، قال: حدّثني عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ.
وقال آخرون بما؛
- حدّثنا به أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثّامٌ، قال: حدّثنا النّضر بن عربيٍّ، عن مجاهدٍ: {وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنّسل} الآية، قال: إذا ولّى سعى بالعداء والظّلم، فيحبس اللّه بذلك القطر، فيهلك الحرث والنّسل، واللّه لا يحبّ الفساد. قال: ثمّ قرأ مجاهدٌ: {ظهر الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي النّاس ليذيقهم بعض الّذي عملوا لعلّهم يرجعون} قال: ثمّ قال: أم واللّه ما هو بحركم هذا، ولكن كلّ قريةٍ على ماءٍ جارٍ فهو بحرٌ.
والّذي قاله مجاهدٌ، وإن كان مذهبًا من التّأويل تحتمله الآية، فإنّ الّذي هو أشبه بظاهر التّنزيل من التّأويل ما ذكرنا عن السّدّيّ، فلذلك اخترناه.
وأمّا الحرث، فإنّه الزّرع، والنّسل: العقب، والولد وإهلاكه الزّرع: إحراقه. وقد يجوز أن يكون كان كما قال مجاهدٌ، باحتباس القطر من أجل معصيته ربّه وسعيه بالإفساد في الأرض، وقد يحتمل أن يكون كان بقتله القوّام به، والمتعاهدين له حتّى فسد فهلك.
[جامع البيان: 3/583]
وكذلك جائزٌ في معنى إهلاكه النّسل أن يكون كان بقتله أمّهاته أو آباءه الّتي منها يكون النّسل، فيكون في قتله الآباء والأمّهات انقطاع نسلهما. وجائزٌ أن يكون كما قال مجاهدٌ، غير أنّ ذلك وإن كان تحتمله الآية فالّذي هو أولى بظاهرها ما قاله السّدّيّ، غير أنّ السّدّيّ، ذكر أنّ الّذي نزلت فيه هذه الآية إنّما نزلت فيه في قتله حمر القوم من المسلمين وإحراقه زرعًا لهم. وذلك وإن كان جائزًا أن يكون كذلك، فغير فاسدٍ أن تكون الآية نزلت فيه، والمراد بها كلّ من سلك سبيله في قتل كلّ ما قتل من الحيوان الّذي لا يحلّ قتله بحالٍ والّذي يحلّ قتله في بعض الأحوال إذا قتله بغير حقٍّ، بل ذلك كذلك عندي، لأنّ اللّه تبارك وتعالى لم يخصّص من ذلك شيئًا دون شيءٍ بل عمّه.
وبالّذي قلنا في عموم ذلك قال جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال. حدّثنا يحيى، وعبد الرّحمن، قالا: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، أنّه سأل ابن عبّاسٍ: {ويهلك الحرث والنّسل} قال: الحرث الحرث، والنسل نسل كلّ دابّةٍ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن عطيّة، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، أنّه سأل ابن عبّاسٍ، قال: قلت أرأيت قوله {الحرث والنّسل} قال: الحرث: حرثكم، والنّسل: نسل كلّ دابّةٍ.
[جامع البيان: 3/584]
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، قال: سألت ابن عبّاسٍ عن الحرث، والنّسل، فقال: الحرث: ممّا تحرثون، والنّسل: نسل كلّ دابّةٍ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال. حدّثنا حكّامٌ، عن عمرٍو، عن مطرّفٍ، عن أبي إسحاق، عن رجلٍ من تميمٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ. {ويهلك الحرث والنّسل} فنسل كلّ دابّةٍ، والنّاس أيضًا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثني عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ويهلك الحرث} قال: نبات الأرض {والنّسل} من كلّ شيء من الحيوان من النّاس، والدّوابّ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {ويهلك الحرث} قال: نبات الأرض {والنّسل} نسل كلّ شيءٍ.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: الحرث. النّبات، والنّسل: نسل كلّ دابّةٍ.
[جامع البيان: 3/585]
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {ويهلك الحرث} قال: الحرث الّذي يحرثه النّاس: نبات الأرض {والنّسل} نسل كلّ دابّةٍ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ: {ويهلك الحرث والنّسل} قال: الحرث: الزّرع، والنّسل من النّاس، والأنعام، قال: يقتل نسل النّاس، والأنعام.
قال: وقال مجاهدٌ: يبتغي في الأرض هلاك الحرث: نبات الأرض، والنّسل: من كلّ شيءٍ من الحيوان.
- حدّثني يحيى بن أبي طالبٍ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، في قوله: {ويهلك الحرث والنّسل} قال: الحرث: الأصل، والنّسل نسل كلّ دابّةٍ، والنّاس منهم.
- حدّثني ابن عبد الرّحيم البرقيّ، قال: حدّثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سئل سعيد بن عبد العزيز عن فساد ال حرث، والنّسل، وما هما وأيّ حرثٍ وأيّ نسلٍ؟ قال سعيدٌ: قال مكحولٌ: الحرث: ما تحرثون، وأمّا النّسل: فنسل كلّ دابّةٍ.
[جامع البيان: 3/586]
وقد قرأ بعض القرّاء: (ويهلك الحرث والنّسل) برفع يهلك على معنى: ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا ويشهد اللّه على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام، ويهلك الحرث والنّسل، وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها واللّه لا يجب الفساد. فيردّ ويهلك على ويشهد اللّه عطفًا به عليه.
وذلك قراءةٌ عندي غير جائزةٍ وإن كان لها مخرجٌ في العربيّة لمخالفتها لما عليه الحجّة مجمعةٌ من القراءة في ذلك قراءة وأنّ ذلك في قراءة أبيّ بن كعبٍ، ومصحفه فيما ذكر لنا: ليفسد فيها وليهلك الحرث والنّسل، وذلك من أدلّ الدّليل على تصحيح قراءة من قرأ ذلك {ويهلك} بالنّصب عطفًا به على: {ليفسد فيها}). [جامع البيان: 3/587]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه لا يحبّ الفساد}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: واللّه لا يحبّ المعاصي، وقطع السّبيل، وإخافة الطّريق والفساد.
والفساد: مصدرٌ من قول القائل: فسد الشّيء يفسد، نظير قولهم: ذهب يذهب ذهابًا، ومن العرب من يجعل مصدر فسد فسودًا، ومصدر ذهب يذهب ذهوبًا). [جامع البيان: 3/587]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنّسل واللّه لا يحبّ الفساد (205)
قوله تعالى: وإذا تولّى
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة ثنا محمّد بن إسحاق، عن محمّدٍ مولى لآل زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباس: وإذا تولّى أي: خرج من عندك. وروي عن السّدّيّ نحو ذلك.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة، عن النّضر، يعني: ابن العربيّ، عن مجاهدٍ، قال: قيل يا أبا الحجّاج: كيف تولّيه فيها؟ قال: يلي في الأرض، فيعمل فيها بالعدوان والظّلم). [تفسير القرآن العظيم: 1/366]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: سعى في الأرض
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، قوله: سعى عمل في الأرض). [تفسير القرآن العظيم: 1/366]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ليفسد فيها
- حدّثنا الحسين بن الحسن، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه الهرويّ، ثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ: وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها قال:
الحرث: الزّرع، يقطعه: يفسده.
أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ، ثنا شيبان، عن قتادة: ليفسد فيها قال: يفسد في أرض، مهلكٌ لعباد اللّه.
- قرئ على يونس، أنبأ ابن وهبٍ، قال: قال لي مالكٌ: قال اللّه عزّ وجلّ: وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها فرأى مالكٌ، أنّ الفساد في الأرض، مثل القتل). [تفسير القرآن العظيم: 1/366]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ويهلك
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع عن أبي العالية: ويهلك الحرث قال: يحرق الحرث الّذي يحرثه النّاس، نبات الأرض.
وروي عن السّدّيّ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/366]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: الحرث
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا شعبة، عن أبي إسحاق عن التّميميّ، قال: سألت ابن عبّاسٍ، عن قول اللّه: ويهلك الحرث والنّسل قال:
الحرث: الزّرع.
وروي عن أبي العالية ومجاهدٍ وعطاءٍ وعكرمة والرّبيع بن أنسٍ وقتادة ومكحولٍ والسّدّيّ.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة، عن النّضر بن عربيٍّ، عن مجاهدٍ، قيل له: يا أبا الحجّاج: وكيف هلاك الحرث والنّسل؟ قال: يلي في الأرض فيعمل فيها بالعدوان والظّلم، فيحبس بذلك القطر من السّماء، فيهلك بحبس القطر الحرث والنّسل.
- أخبرنا أحمد بن الأزهر فيما كتب إليّ، ثنا وهب بن جريرٍ، ثنا أبي، عن عليّ بن الحكم، عن الضّحّاك في قوله: ويهلك الحرث قال: أمّا الحرث، فهو الحنّان، والأصل الثّابت). [تفسير القرآن العظيم: 1/367]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: والنسل
[الوجه الأول]
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا شعبة، عن أبي إسحاق عن التّميميّ، قال: سألت ابن عبّاسٍ، عن قول اللّه: ويهلك الحرث والنّسل قال:
نسل كلّ دابّةٍ. وروي عن عكرمة وأبي العالية ومكحولٍ والرّبيع بن أنسٍ، نحو ذلك
الوجه الثّاني:
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قوله: ويهلك الحرث والنّسل فنسل كلّ دابّةٍ والنّاس أيضًا. وروي عن مجاهدٍ وعطاءٍ وقتادة نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/367]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: واللّه لا يحبّ الفساد
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، حدّثني مولىً لآل زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة، أو
[تفسير القرآن العظيم: 2/367]
سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: واللّه لا يحبّ الفساد أي: لا يحبّ عمله ولا يرضى به
والوجه الثّاني:
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني مالكٌ عن نحيى بن سعيدٍ أنّه سمع سعيد بن المسيّب يقول: قطع الورق والذّهب من الفساد في الأرض.
وروي عن عمر بن عبد العزيز، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/368]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد بها ويهلك الحرث والنسل الله لا يحب الفساد.
أخرج عبد بن حميد عن مجاهد {وإذا تولى سعى في الأرض} قال: عمل في الأرض {ويهلك الحرث} قال: نبات الأرض {والنسل} نسل كل شيء من الحيوان: الناس والدواب.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد، أنه سئل عن قوله {وإذا تولى سعى في الأرض} قال: يلي في الأرض فيعمل فيها بالعدوان والظلم فيحبس الله بذلك القطر من السماء فهلك بحبس القطر الحرث والنسل {والله لا يحب الفساد} ثم قرأ مجاهد (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) (الروم الآية 41) الآية.
وأخرج وكيع والفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه سئل عن قوله {ويهلك الحرث والنسل} قال: الحرث الزرع والنسل نسل كل دابة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: النسل نسل كل دابة الناس أيضا
[الدر المنثور: 2/481]
وأخرج الطستي عن ابن عباس، أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله {الحرث والنسل} قال: النسل الطائر والدواب، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت الشاعر يقول:
كهواهم خير الكهول ونسلهم * كنسل الملوك لا ثبور ولا تخزى.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة قال: يتخفف المحرم إذا لم يجد نعلين، قيل أشقهما قال: إن الله لا يحب الفساد). [الدر المنثور: 2/482]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا قيل له اتّق اللّه أخذته العزّة بالإثم فحسبه جهنّم ولبئس المهاد}.
[جامع البيان: 3/587]
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وإذا قيل لهذا المنافق الّذي نعت نعته لنبيّه عليه الصّلاة والسّلام وأخبره أنّه يعجبه قوله في الحياة الدّنيا: اتّق اللّه، وخفه في إفسادك في أرض اللّه، وسعيك فيها بما حرّم اللّه عليك من معاصيه، وإهلاكك حروث المسلمين، ونسلهم؛ استكبر ودخلته عزّةٌ، وحميّةٌ بما حرّم اللّه عليه، وتمادى في غيّه وضلاله. قال اللّه جلّ ثناؤه: فكفاه عقوبةً من غيّه وضلاله صليّ نار جهنّم ولبئس المهاد لصاليها.
واختلف أهل التّأويل فيمن عنى بهذه الآية، فقال بعضهم: عنى بها كلّ فاسقٍ منافقٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن بزيعٍ، قال: حدّثنا جعفر بن سليمان، قال: حدّثنا بسطام بن مسلمٍ، قال: حدّثنا أبو رجاءٍ العطارديّ، قال: سمعت عليًّا، في هذه الآية: {ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا} إلى: {واللّه رءوفٌ بالعباد} قال عليٌّ: اقتتلا وربّ الكعبة.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ،
[جامع البيان: 3/588]
قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وإذا قيل له اتّق اللّه أخذته العزّة بالإثم} إلى قوله: {واللّه رءوفٌ بالعباد} قال: كان عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه إذا صلّى السّبحة وفرغ دخل مربدًا له، فأرسل إلى فتيانٍ قد قرءوا القرآن، منهم ابن عبّاسٍ، وابن أخي عيينة، قال: فيأتون فيقرءون القرآن ويتدارسونه، فإذا كانت القائلة انصرف. قال فمرّوا بهذه الآية: {وإذا قيل له اتّق اللّه أخذته العزّة بالإثم}، {ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه واللّه رءوفٌ بالعباد} قال ابن زيدٍ: وهؤلاء المجاهدون في سبيل اللّه. فقال ابن عبّاسٍ، لبعض من كان إلى جنبه: اقتتل الرّجلان. فسمع عمر، ما قال، فقال: وأيّ شيءٍ قلت؟ قال: لا شيء يا أمير المؤمنين. قال: ماذا قلت؟ اقتتل الرّجلان؟ قال: فلمّا رأى ذلك ابن عبّاسٍ، قال: أرى هاهنا من إذا أمر بتقوى اللّه أخذته العزّة بالإثم، وأرى من يشري نفسه ابتغاء مرضاة اللّه؛ يقوم هذا فيأمر هذا بتقوى اللّه، فإذا لم يقبل وأخذته العزّة بالإثم، قال هذا: وأنا أشتري نفسي فقاتله، فاقتتل الرّجلان. فقال عمر: للّه تلادك يا ابن عبّاسٍ.
وقال آخرون: بل عنى به الأخنس بن شريقٍ، وقد ذكرنا من قال ذلك فيما مضى.
وأمّا قوله: {ولبئس المهاد} فإنّه يعني ولبئس الفراش والوطاء: جهنّم الّتي أوعد بها جلّ ثناؤه هذا المنافق، ووطّأها لنفسه بنفاقه، وفجوره، وتمرّده على ربّه). [جامع البيان: 3/589]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإذا قيل له اتّق اللّه أخذته العزّة بالإثم فحسبه جهنّم ولبئس المهاد (206) ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة اللّه واللّه رءوفٌ بالعباد (207)
قوله: وإذا قيل له اتّق اللّه أخذته العزّة بالإثم
- حدّثنا أبي، ثنا سيدان بن مضاربٍ، ثنا عبد الرّحمن بن العريان ثنا عبد الحميد بن دينارٍ عن أبي رجاءٍ العطارديّ، أنّه سمع عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه، تلا هذه الآية وإذا قيل له اتّق اللّه أخذته العزة بالإثم إلى قوله: رؤف بالعباد اقتتل هذان). [تفسير القرآن العظيم: 1/368]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فحسبه جهنّم ولبئس المهاد
- حدّثنا أبي، ثنا عيسى بن جعفرٍ قاضي الرّيّ، ثنا مسلم بن خالدٍ عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قول اللّه: ولبئس المهاد قال: بئس ما مهدوا لأنفسهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/368]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد.
أخرج وكيع، وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: إن من أكبر الذنب عند الله أن يقول الرجل لأخيه: اتق الله، فيقول: عليك بنفسك أنت تأمرني.
وأخرج ابن المنذر والبيهقي في الشعب عن سفيان قال: قال رجل لمالك بن مغول: اتق الله فقط فوضع خده على الأرض تواضعا لله
[الدر المنثور: 2/482]
وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن، أن رجلا قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: اتق الله فذهب الرجل فقال عمر: وما فينا خير إن لم يقل لنا وما فيهم خير إن لم يقولوها لنا.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولبئس المهاد} قال: بئس ما مهدوا لأنفسهم). [الدر المنثور: 2/483]

تفسير قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا المستلم بن سعيد الواسطي، قال: أخبرني حماد بن جعفر ابن زيد، أراه قال: العبدي أن أباه أخبره، قال: خرجنا في غزوة إلى كابل، وفي الجيش صلة بن أشيم، قال: فنزل الناس من عند العتمة فقلت: لأرمقن عمله، فأنظر ما يقول الناس من عبادته، فصلوا العتمة، ثم اضطجع، فالتمس غفلة الناس، حتى إذا قلت هدأت العيون وثب فدخل غيضة قريبًا منا، ودخلت في إثره، فتوضأ، ثم قام يصلي فافتتح الصلاة، قال: وجاء أسد حتى دنا منه فصعدت في شجرة، قال: أفتراه التفت أو عدا به حردًا حتى سجد؟ فقلت: الآن يفترسه فلا شيء، فجلس، ثم سلم، فقال: أيها السبع، اطلب الرزق من مكان آخر، فولى وإن له لزئيرًا، أقول: تصدع الجبال منه، فما زال كذلك يصلي، حتى لما كان عند الصبح، فجلس فحمد الله بمحامد لم أسمع مثلها إلا ما شاء الله، ثم قال: اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار، أو مثلي يجترئ أن يسألك الجنة؟!، ثم رجع فأصبح كأنه بات على الحشايا، وأصبحت وبي من الفترة شيء الله به عليم، فلما دنونا من أرض العدو، قال الأمير: لا يشذن أحد من العسكر، قال: فذهبت بغلته بثقلها فأخذ يصلي، فقالوا له: إن الناس قد ذهبوا، فمضى، ثم قال: دعوني أصل ركعتين، قالوا: إن الناس قد ذهبوا، قال: إنهما خفيفتان، قال: فدعا، ثم قال: اللهم إني أقسم عليك أن ترد علي بغلتي بثقلها، قال: فجاءت، حتى قامت بين يديه، قال: فلما لقينا العدو حمل هو وهشام بن عامر فصنعا بهم طعنًا وضربًا وقتلًا، قال: فكسرا ذلك العدو، وقالوا: رجلان من العرب صنعا بنا هذا، فكيف لو قاتلونا؟! فأعطوا المسلمين حاجتهم، فقيل لأبي هريرة: إن هشام بن عامر -وكان يجالسه- ألقى بيده إلى التهلكة، وأخبر خبره، فقال أبو هريرة: كلا، ولكنه التمس هذه الآية: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد} [سورة البقرة: 207] ). [الزهد لابن المبارك: 2/ 496-497]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن لهيعة أنه بلغه أن هذه الآية

[الجامع في علوم القرآن: 2/141]
إنما نزلت في صهيب بن سنان مولى أبي بكر الصديق: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله}، وقال: كان قومه قد أرادوا أن يفتنوه، فقال لهم: خلوا سبيلي، وأنا أترك لكم أهلي ومالي، فقالوا: نعم؛ فترك لهم أهله وماله، ثم لحق بالنبي عليه السلام، فلقيه عمر فلما رآه قال: ربح بيعك لا أقاله بعد البيع، قال: وبيعك فلا تخسر). [الجامع في علوم القرآن: 2/142]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني ابن لهيعة عن أبي صخر قال: بلغني أن هذه الآية أنزلت في صهيب بن سنان: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوفٌ بالعباد}). [الجامع في علوم القرآن: 2/152]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله قال هم المهاجرون والأنصار). [تفسير عبد الرزاق: 1/81]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (قال سفيان [الثوري] في قول اللّه جلّ وعزّ: {ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله} قال: نزلت في صهيبٍ اشترى نفسه من المشركين وأهله وولده وماله على أن يدعوه ودينه [الآية: 207]). [تفسير الثوري: 66]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه}.
يعني جلّ ثناؤه: ومن النّاس من يبيع نفسه بما وعد اللّه المجاهدين في سبيله وابتاع به أنفسهم بقوله: {إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة}.
[جامع البيان: 3/589]
وقد دلّلنا على أنّ معنى شرى باع في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته.
وأمّا قوله: {ابتغاء مرضات اللّه} فإنّه يعني أنّ هذا الشّاري يشري إذا اشترى طلب مرضاة اللّه. ونصب ابتغاء بقوله يشري، فكأنّه قال. ومن النّاس من يشري من أجل ابتغاء مرضاة اللّه، ثمّ ترك من أجل وعمل فيه الفعل.
وقد زعم بعض أهل العربيّة أنّه نصب ذلك على الفعل على يشري كأنّه قال: لابتغاء مرضاة اللّه، فلمّا نزع اللاّم عمل الفعل. قال: ومثله: {حذر الموت} وقال الشّاعر وهو حاتمٌ:
وأغفر عوراء الكريم ادّخاره = وأعرض عن قول اللّئيم تكرّما
وقال: لمّا أذهب اللاّم أعمل فيه الفعل.
وقال بعضهم: إنما ذلك مصدرٍ وضع موضع الشّرط وموضع أن فتحسن فيها الباء واللاّم، فتقول: أتيتك من خوف الشّرّ، ولخوف الشّرّ، وبأن خفت الشّرّ؛ فالصّفة غير معلومةٍ، فحذفت وأقيم المصدر مقامها. قال: ولو كانت الصّفة حرفًا واحدًا بعينه لم يجز حذفها كما غير جائزٍ لمن قال: فعلت هذا لك ولفلانٍ، أن يسقط اللاّم.
[جامع البيان: 3/590]
ثمّ اختلف أهل التّأويل فيمن نزلت هذه الآية فيه ومن عنى بها، فقال بعضهم: نزلت في المهاجرين، والأنصار، وعني بها المجاهدون في سبيل اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسين بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه} قال: المهاجرون والأنصار.
وقال بعضهم: نزلت في رجالٍ من المهاجرين بأعيانهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة: {ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه} قال: نزلت في صهيب بن سنانٍ، وأبي ذرٍّ الغفاريّ جندب بن السّكن؛ أخذ أهل أبي ذرٍّ، أبا ذرٍّ، فانفلت منهم، فقدم على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا رجع مهاجرًا عرضوا له، وكانوا بمرّ الظّهران، فانفلت أيضًا حتّى قدم على النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام. وأمّا صهيبٌ فأخذه أهله، فافتدى منهم بماله، ثمّ خرج مهاجرًا فأدركه قنفذ بن عمير بن جدعان، فخرّج له ممّا بقي من ماله، وخلّى سبيله.
[جامع البيان: 3/591]
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه} الآية، قال: كان رجلٌ من أهل مكّة أسلم، فأراد أن يأتي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ويهاجر إلى المدينة، فمنعوه، وحبسوه، فقال لهم: أعطيكم داري، ومالي وما كان لي من شيءٍ فخلّوا عنّي فألحق بهذا الرّجل فأبوا. ثمّ إنّ بعضهم قال لهم: خذوا منه ما كان له من شيءٍ وخلّوا عنه ففعلوا، فأعطاهم داره وماله، ثمّ خرج؛ فأنزل اللّه عزّ وجلّ على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالمدينة: {ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه} الآية؛ فلمّا دنا من المدينة تلقّاه عمر، في رجالٍ، فقال له عمر: ربح البيع، قال: وبيعك فلا يخسر، قال: وما ذاك؟ قال: أنزل فيك كذا وكذا.
وقال آخرون: بل عنى بذلك كلّ شارٍ نفسه في طاعة اللّه، وجهادٍ في سبيله، أو أمرٍ بمعروفٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا حسين بن الحسن أبو عبد اللّه، قال: حدّثنا أبو عونٍ، عن محمّدٍ، قال: حمل هشام بن عامرٍ على الصّفّ حتّى خرقه، فقالوا: ألقى بيده، فقال أبو هريرة: {ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه}.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا مصعب بن المقدام،
[جامع البيان: 3/592]
قال: حدّثنا إسرائيل، عن طارق بن عبد الرّحمن، عن قيس بن أبي حازمٍ، عن المغيرة، قال: بعث عمر جيشًا فحاصروا أهل حصنٍ، وتقدّم رجلٌ من بجيلة، فقاتل، فقتل، فأكثر النّاس فيه يقولون: ألقى بيده إلى التّهلكة. قال: فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، فقال: كذبوا، أليس اللّه عزّ وجلّ يقول: {ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه واللّه رءوفٌ بالعباد}.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا هشامٌ، عن قتادة، قال: حمل هشام بن عامرٍ، على الصّفّ حتّى شقّه، فقال أبو هريرة: {ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه}.
- حدّثنا سوّار بن عبد اللّه العنبريّ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا حزم بن أبي حزمٍ، قال: سمعت الحسن، قرأ: {ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه واللّه رءوفٌ بالعباد} أتدرون فيم أنزلت؟ نزلت في أنّ المسلم لقي الكافر فقال له: قل لا إله إلاّ اللّه، فإذا قلتها عصمت دمك، ومالك إلاّ بحقّهما. فأبى أن يقولها، فقال المسلم: واللّه لأشرينّ نفسي للّه. فتقدّم فقاتل حتّى قتل.
- حدّثني أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، حدّثنا زياد بن أبي مسلمٍ، عن أبي الخليل، قال: سمع عمر، إنسانًا قرأ هذه الآية: {ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه} قال: استرجع عمر فقال: إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، قام رجلٌ يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل.
[جامع البيان: 3/593]
والّذي هو أولى بظاهر هذه الآية من التّأويل، ما روي عن عمر بن الخطّاب، وعن عليّ بن أبي طالبٍ، وابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهم، من أن يكون عنى بها الأمر بالمعروف والنّاهي عن المنكر. وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه وصف صفة فريقين: أحدهما منافقٌ يقول بلسانه خلاف ما في نفسه وإذا اقتدر على معصية اللّه ركبها وإذا لم يقتدر رامها وإذا نهي أخذته العزّة بما هو به آثمٌ، والآخر منهما بائعٌ نفسه طالبٌ من اللّه رضا اللّه. فكان الظّاهر من التّأويل أنّ الفريق الموصوف بأنّه شرى نفسه للّه وطلب رضاه، إنّما شراها للوثوب بالفريق الفاجر طلب رضا اللّه. فهذا هو الأغلب الأظهر من تأويل الآية.
وأمّا ما روي من نزول الآية في أمر صهيبٍ، فإنّ ذلك غير مستنكرٍ، إذ كان غير مدفوعٍ جواز نزول آيةٍ من عند اللّه على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم بسببٍ من الأسباب، والمعنيّ بها كلّ من شمله ظاهرها.
فالصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّ اللّه عزّ ذكره وصف شاربًا نفسه ابتغاء مرضاته، فكلّ من باع نفسه في طاعته حتّى قتل فيها أو استقتل وإن لم يقتل، فمعنيّ بقوله: {ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه} في جهاد عدوّ المسلمين كان ذلك منه أو في أمرٍ بمعروفٍ أو نهي عن منكرٍ). [جامع البيان: 3/594]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه رءوفٌ بالعباد}.
[جامع البيان: 3/594]
قد دلّلنا فيما مضى على معنى الرّأفة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، وأنّها رقّة الرّحمة؛ فمعنى ذلك: واللّه ذو رحمةٍ واسعةٍ بعبده الّذي يشري نفسه له في جهاد من حادّه في أمره من أهل الشّرك، والفسوق، وبغيره من عباده المؤمنين في عاجلهم وآجل معادهم، فينجز لهم الثّواب على ما أبلوا في طاعته في الدّنيا، ويسكنهم جنّاته على ما عملوا فيها من مرضاته). [جامع البيان: 3/595]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه والله رؤف بالعباد
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حمّاد بن سلمة، عن عليّ بن زيدٍ، عن سعيد بن المسيّب، أنّ صهيبًا أقبل مهاجرًا نحو النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فتبعه نفرٌ من قريش مشركون، فنزل وانتثل كنانته، فقال: يا معشر قريشٍ، قد علمتم أنّي أرماكم رجلا بسهمٍ، وأيم اللّه لا تصلون إليّ حتّى أرميكم بكلّ سهمٍ في كنانتي، ثمّ أضربكم بسيفي، ما بقي في يدي منه شيءٌ، ثمّ شأنكم بعد. وقال: إن شئتم دللتكم على مالي بمكّة، وتخلّون سبيلي؟ قالوا: فدلّنا على مالك بمكّة ونخلّي عنك، فتعاهدوا على ذلك، فدلّهم، وأنزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم القرآن: ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤف بالعباد فلمّا رأى رسول اللّه صهيبًا، قال له رسول
[تفسير القرآن العظيم: 2/368]
اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ربح البيع يا أبا نحيى- ربح البيع يا أبا نحيى ربح البيع يا أبا يحي. وقرأ عليه القرآن، يعني قوله: ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه واللّه رؤفٌ بالعباد وروي عن أبي العالية والرّبيع بن أنسٍ، نحو ذلك
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أحمد محمّد بن عبد اللّه بن الزّبير عن إسرائيل عن طارق بن عبد الرّحمن، عن قيس بن أبي حازمٍ، عن المغيرة بن شعبة قال كنّا في غزاةٍ، فتقدّم رجلٌ فقاتل حتّى قتل، فقالوا: ألقى هذا بيديه إلى التّهلكة، فكتب فيه إلى عمر رضي اللّه عنه، فكتب عمر: ليس كما قالوا، هو من الّذين قال اللّه فيهم: ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه
الوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة، عن ابن إسحاق عن محمّدٍ مولىً لآل زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ:
ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه أي: قد شروا أنفسهم من اللّه بالجهاد في سبيله، والقيام بحقّه، حتّى هلكوا على ذلك، يعني: السّريّة
الوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، ثنا عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ، عن قتادة، في قول: ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه قال: هم المهاجرون والأنصار). [تفسير القرآن العظيم: 1/369]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: واللّه رؤف بالعباد
- حدثنا أبو زرعة، ثنا نحيى ابن لهيعة، حدّثني عطاءٌ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: والله رؤف بالعباد يعني: يرأف بكم). [تفسير القرآن العظيم: 1/369]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (سعيد بن المسيب رحمه الله) : قال: «أقبل صهيبٌ مهاجراً من مكّة، فاتّبعه رجالٌ من قريشٍ، فنزل عن راحلته، وانتثل ما في كنانته، وقال: والله، لا تصلون إليّ أو أرمي بكلّ سهمٍ معي، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يديّ، وإن شئتم دللتكم على مالٍ دفنته بمكة، وخلّيتم سبيلي، ففعلوا»، فلما قدم المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله... } الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ربح البيع أبا يحيى»، وتلا عليه الآية [البقرة: 207] ذكره رزين، ولم أجده في الأصول.
[شرح الغريب]
(راحلته) الراحلة: البعير القوي على الأسفار والأحمال، وسواء فيه
[جامع الأصول: 2/37]
الذكر والأنثى.
(وانتثل) الانتثال: استخراج ما فيها من النّشاب.
(كنانته) الكنانة: الجعبة). [جامع الأصول: 2/38]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة اللّه} [البقرة: 207].
- عن ابن جريجٍ في قوله تعالى: {ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة اللّه} [البقرة: 207] قال: نزلت في صهيب بن سنانٍ، وأبي ذرٍّ، والّذي أدرك صهيبًا بطريق المدينة فنفر بن عمير بن جدعان.
رواه الطّبرانيّ، ورجاله ثقاتٌ إلى ابن جريجٍ). [مجمع الزوائد: 6/318]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال الحارث: حدثنا عفّان، ثنا حمّادٌ، عن عليّ بن زيدٍ، عن سعيد بن المسيّب قال: أقبل صهيبٌ (رضي الله عنه) مهاجرًا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، (فأتبعه) نفرٌ من قريشٍ، فنزل عن راحلته، وانتثل ما في كنانته، ثمّ قال: يا معشر قريشٍ: لقد علمتم أنّي من أرماكم رجلًا، وايم اللّه لا تصلون إليّ (حتّى) أرمي كلّ سهمٍ معي في كنانتي، ثمّ أضرب بسيفي ما بقي في يدي (منه) شيءٌ، ثمّ افعلوا ما شئتم، وإن شئتم دللتكم على مالي (دفينتي) (في مكة)، وخلّيتم سبيلي، قالوا: نعم، نقبل، فلمّا قدم على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة. قال:
[المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/505]
ربح البيع أبا يحيى ربح البيع أبا يحيى، قال: ونزلت: {ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه واللّه رءوفٌ بالعباد (207) }.
[2] رواه ابن أبي حاتمٍ في التّفسير.
حدثنا أبي، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حمّاد بن سلمة، به). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/506]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد.
أخرج ابن مردويه عن صهيب قال لما أردت الهجرة من مكة إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالت لي قريش: يا صهيب قدمت إلينا ولا مال لك وتخرج أنت ومالك والله لا يكون ذلك أبدا فقلت لهم: أرأيتم إن دفعت لكم مالي تخلون عني قالوا: نعم، فدفعت إليهم مالي فخلوا عني فخرجت حتى قدمت المدينة فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ربح البيع صهيب مرتين.
وأخرج ابن سعد والحرث بن أبي أسامة في مسنده، وابن المنذر
[الدر المنثور: 2/483]
وابن أبي حاتم
وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر عن سعيد بن المسيب قال أقبل صهيب مهاجرا نحو النّبيّ صلى الله عليه وسلم فاتبعه نفر من قريش فنزل عن راحلته وانتثل ما في كنانته ثم قال: يا معشر قريش قد علمتم أني من أرماكم رجلا وأيم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم في كنانتي ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي فيه شيء ثم افعلوا ما شئتم وإن شئتم دللتكم على مالي وقنيتي بمكة وخليتم سبيلي، قالوا: نعم، فلما قدم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ربح البيع ربح البيع، ونزلت {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد}.

وأخرج الطبراني، وابن عساكر عن ابن جريج في قوله {ومن الناس من يشري نفسه} قال: نزلت في صهيب بن سنان وأبي ذر.
وأخرج ابن جرير والطبراني عن عكرمة في قوله {ومن الناس من يشري نفسه} الآية، قال نزلت في صهيب بن سنان وأبي ذر الغفاري وجندب بن السكن أحد أهل أبي ذر أما أبو ذر فانفلت منهم
[الدر المنثور: 2/484]
فقدم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فلما رجع مهاجرا عرضوا له وكانوا بمر الظهران فانفلت أيضا حتى قدم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأما صهيب فأخذه أهله فافتدى منهم بماله ثم خرج مهاجرا فأدركه قنفذ بن عمير بن جدعان فخرج مما بقي من ماله وخلى سبيله.
وأخرج الطبراني والحاكم والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر عن صهيب قال: لما خرج النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هممت بالخروج فصدني فتيان من قريش ثم خرجت فلحقني منهم أناس بعد ما سرت ليردوني فقلت لهم: هل لكم إن أعطيتكم أواقي من ذهب وتخلوا سبيلي ففعلوا، فقلت: احفروا تحت أسكفة الباب فإن تحتها الأواقي وخرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء قبل أن يتحول منها فلما رآني قال: يا أبا يحيى ربح البيع " ثلاثا فقلت:يارسول الله ما سبقني إليك أحد وما أخبرك إلا جبريل.
وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن أنس قال: نزلت على النبي
[الدر المنثور: 2/485]
صلى الله عليه وسلم في خروج صهيب: (ومن الناس من يشري نفسه) الآية. فلما رآه قال: يا أبا يحيي ربح البيع " . ثم تلا هذه الآية.
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله {ومن الناس من يشري نفسه} الآية، قال: هم المهاجرون والأنصار.
وأخرج وكيع والفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن المغيرة بن شعبة قال: كنا في غزاة فتقدم رجل فقاتل حتى قتل فقالوا: ألقى بيده إلى التهلكة، فكتب فيه إلى عمر فكتب عمر: ليس كما قالوا هو من الذين قال الله فيهم {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن محمد بن سيرين قال: حمل هشام بن عامر على الصف حتى خرقه فقالوا: ألقى بيده، فقال أبو هريرة {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله}.
وأخرج البيهقي في "سننه" عن مدركة بن عوف الأحمسي، أنه كان جالسا عند عمر فذكروا رجلا شرى نفسه يوم نهاوند فقال: ذاك خالي زعم الناس أنه ألقى نفسه إلى التهلكة، فقال عمر: كذب أولئك بل هو من
[الدر المنثور: 2/486]
الذين اشتروا الآخرة بالدنيا.
وأخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله} قال: نزلت في صهيب وفي نفر من أصحابه أخذهم أهل مكة فعذبوهم ليردوهم إلى الشرك بالله منهم عمار وأمية وسمية وأبو ياسر وبلال وخباب وعباس مولى حويطب بن عبد العزى.
وأخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر عن صهيب أن المشركين لما أطافوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبلوا على الغار وأدبروا قال: واصهيباه ولا صهيب لي، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج بعث أبا بكر مرتين أو ثلاثا إلى صهيب فوجده يصلي فقال أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم: وجدته يصلي فكرهت أن أقطع عليه صلاته، فقال: أصبت وخرجا من ليلتهما فلما أصبح خرج حتى أتى أم رومان زوجة أبي بكر فقالت: ألا أراك ههنا وقد خرج أخواك ووضعا لك شيئا من زادهما قال صهيب: فخرجت حتى دخلت على زوجتي أم عمرو فأخذت سيفي وجعبتي وقوسي حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأجده وأبا بكر جالسين فلما رآني أبو بكر قام إلي فبشرني
[الدر المنثور: 2/487]
بالآية التي نزلت في وأخذ بيدي فلمته بعض اللائمة فاعتذر وربحني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ربح البيع أبا يحيى.
وأخرج ابن أبي خيثمة، وابن عساكر عن مصعب بن عبد الله قال هرب صهيب من الروم ومعه مال كثير فنزل بمكة فعاقد عبد الله بن جدعان وحالفه وإنما أخذت الروم صهيبا بن رضوى فلما هاجر النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لحقه صهيب فقالت له قريش: لا تلحقه بأهلك ومالك فدفع إليهم ماله فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ربح البيع، وأنزل الله في أمره {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله} وأخوه مالك بن سنان.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: كنت قاعدا عند عمر إذ جاءه كتاب: أن أهل الكوفة قد قرأ منهم القرآن كذا وكذا فكبر فقلت: اختلفوا، قال: من أي شيء عرفت قال: قرأت {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا} الآيتين فإذا فعلوا ذلك لم يصبر صاحب القرآن ثم قرأت (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد) (البقرة الآية 206) {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله} قال: صدقت والذي نفسي بيده
[الدر المنثور: 2/488]
وأخرج الحاكم عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: بينما ابن عباس مع عمر وهو آخذ بيده فقال عمر: أرى القرآن قد ظهر في الناس قلت: ما أحب ذلك يا أمير المؤمنين، قال: لم قلت: لأنهم متى يقرؤوا ينفروا ومتى نفروا يختلفوا ومتى ما يختلفوا يضرب بعضهم رقاب بعض، فقال عمر: إن كنت لأكتمها الناس.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد أن ابن عباس قرأ هذه الآية عند عمر بن الخطاب فقال: اقتتل الرجلان فقال له عمر: ماذا قال: يا أمير المؤمنين أرى ههنا من إذا أمر بتقوى الله أخذته العزة بالإثم وأرى من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله يقوم هذا فيأمر هذا بتقوى الله فإذا لم يقبل منه وأخذته العزة بالإثم قال لهذا: وأنا أشري نفسي فقاتله فاققتل الرجلان فقال عمر: لله درك يا ابن عباس.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة، أن عمر بن الخطاب كان إذا تلا هذه الآية {ومن الناس من يعجبك قوله} إلى قوله {ومن الناس من يشري نفسه} قال: اقتتل الرجلان
[الدر المنثور: 2/489]
وأخرج وكيع، وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه، وابن جرير، وابن أبي حاتم والخطيب عن علي بن أبي طالب، أنه قرأ هذه الآية فقال: اقتتلا ورب الكعبة.
وأخرج وكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير عن صالح أبي خليل قال: سمع عمر إنسانا يقرأ هذه الآية {وإذا قيل له اتق الله} إلى قوله {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله} فاسترجع فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون قام الرجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن الحسن قال: أنزلت هذه الآية في المسلم الذي لقي كافرا فقال له: قل لا إله إلا الله فإذا قلتها عصمت مني دمك ومالك إلا
بحقهما فأبى أن يقولها فقال المسلم: والله لأشرين نفسي لله فتقدم فقاتل حتى قتل). [الدر المنثور: 2/490]


رد مع اقتباس